كتاب المغازي للواقدي

غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى
ثُمّ غَزَا فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا فِي طَلَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ، أَغَارَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ يَرْعَى بِالْجَمّاءِ1 وَنَوَاحِيهَا، حَتّى بَلَغَ بَدْرًا وَلَمْ يُدْرِكْهُ.
ـــــــ
1 الجماء: جبل ناحية القيق إلى الجوف بينه وبين المدينة ثلاثة أميال. "الطبقات ج2، ص: 4".

(1/12)


غَزْوَةُ ذِي الْعَشِيرَةِ2
ثُمّ غَزَا فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةَ عَشَرَ شَهْرًا، يَعْتَرِضُ لِعِيرَاتِ قُرَيْشٍ حِينَ أَبْدَأَتْ إلَى الشّامِ ، فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ فَخَرَجَ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ - وَيُقَالُ فِي مِائَتَيْنِ - وَكَانَ قَدْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِفُصُولِ الْعِيرِ من مكة تريد
ـــــــ
2 العشيرة: من ناحية ينبع بين مكة والمدينة. "معجم البلدان ج6، ص: 181".

(1/12)


الشّامَ، قَدْ جَمَعَتْ قُرَيْشٌ أَمْوَالَهَا فَهِيَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ فَسَلَكَ عَلَى نَقْبٍ مِنْ بَنِي دِينَارٍ بُيُوتَ السّقْيَا1، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي الْعَشِيرَةِ.
ـــــــ
1 السقيا: قرية جامعة من عمل الفرع بينها مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلا. "معجم البلدان ج5، ص: 94".

(1/13)


سَرِيّةُ نَخْلَةَ
ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ إلَى نَخْلَةَ ، وَنَخْلَةُ وَادِي بُسْتَانِ2 ابْنِ عَامِرٍ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا.
قَالُوا: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ: دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلّى الْعِشَاءَ فَقَالَ: " وَافِ مَعَ الصّبْحِ مَعَك سِلَاحُك; أَبْعَثُك وَجْهًا " قَالَ فَوَافَيْت الصّبْحَ وَعَلَيّ سَيْفِي وَقَوْسِي وَجَعْبَتِي وَمَعِي دَرَقَتِي، فَصَلّى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنّاسِ الصّبْحَ ثُمّ انْصَرَفَ فَيَجِدُنِي قَدْ سَبَقْته وَاقِفًا عِنْدَ بَابِهِ وَأَجِدُ نَفَرًا مَعِي مِنْ قُرَيْشٍ. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَتَبَ كِتَابًا. ثُمّ دَعَانِي فَأَعْطَانِي صَحِيفَةً مِنْ أَدِيمٍ خَوْلَانِيّ3 فَقَالَ: " قَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَى هَؤُلَاءِ النّفَرِ فَامْضِ حَتّى إذَا سِرْت لَيْلَتَيْنِ فَانْشُرْ كِتَابِي، ثُمّ امْضِ لِمَا فِيهِ " قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَيّ نَاحِيَةٍ؟ فَقَالَ: " اُسْلُكْ النّجْدِيّةَ ، تَؤُمّ رَكِيّةَ4 " قَالَ فَانْطَلَقَ حَتّى إذَا كَانَ بِبِئْرِ ابْن ضُمَيْرَةَ نَشَرَ الْكِتَابَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ سِرْ حَتّى تَأْتِيَ بَطْنَ نَخْلَةَ عَلَى اسْمِ اللّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَلَا تُكْرِهَن أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِك عَلَى الْمَسِيرِ مَعَك، وَامْضِ لِأَمْرِي فِيمَنْ تَبِعَك حَتّى تَأْتِيَ بَطْنَ نَخْلَةَ
ـــــــ
2 قال البكري: نخلة اليمانية هي بستان ابن عامر عند العامة والصحيح أن نخلة اليمانية هي بستان عبيد الله بن معمر. "معجم ما استعجم ص: 577".
3 قال ياقوت: خولان من مخاليف اليمن. وخولان أيضا قرية كانت قرب دمشق. "معجم البلدان ج3، ص: 496". فلعل الأديم الخولاني منسوب إلى إحداهما.
4 الركية: البئر. "الصحاح ص: 2361".

(1/13)


فَتَرَصّدْ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ. فَلَمّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ الْكِتَابَ قَالَ لَسْت مُسْتَكْرِهًا مِنْكُمْ أَحَدًا، فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الشّهَادَةَ فَلْيَمْضِ1 لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ أَرَادَ الرّجْعَةَ فَمِنْ الْآنِ فَقَالُوا أَجْمَعُونَ نَحْنُ سَامِعُونَ وَمُطِيعُونَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَك، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ حَيْثُ شِئْت. فَسَارَ حَتّى جَاءَ نَخْلَةَ فَوَجَدَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ الْمَخْزُومِيّ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِيّ. فَلَمّا رَأَوْهُمْ2 أَصْحَابُ الْعِيرِ هَابُوهُمْ وَأَنْكَرُوا أَمْرَهُمْ فَحَلَقَ عُكّاشَةُ رَأْسَهُ مِنْ سَاعَتِهِ ثُمّ أَوْفَى لِيُطَمْئِنَ الْقَوْمَ.
قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: فَحَلَقْت رَأْسَ عُكّاشَةَ بِيَدِي - وَكَانَ رَأْيُ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَعُكّاشَةَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ - فَيَقُولُ لَهُمْ3 عُمّارٌ نَحْنُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَأَشْرَفَ عُكّاشَةُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَا بَأْسَ قَوْمٌ عُمّارٌ فَأَمِنُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَقَيّدُوا رِكَابَهُمْ وَسَرّحُوهَا، وَاصْطَنَعُوا طَعَامًا. تَشَاوَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِمْ - وَكَانَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ وَيُقَالُ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ - فَقَالُوا: إنْ أَخّرْتُمْ عَنْهُمْ هَذَا الْيَوْمَ دَخَلُوا الْحَرَمَ فَامْتَنَعُوا، وَإِنْ أَصَبْتُمُوهُمْ فَفِي الشّهْرِ الْحَرَامِ. وَقَالَ قَائِلٌ لَا نَدْرِي4 أَمِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ هَذَا الْيَوْمُ أَمْ لَا. وَقَالَ قَائِلٌ لَا نَعْلَمُ5 هَذَا الْيَوْمَ إلّا مِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا نَرَى أَنْ تَسْتَحِلّوهُ لِطَمَعٍ أَشْفَيْتُمْ عَلَيْهِ. فَغَلَبَ عَلَى الْأَمْرِ الّذِينَ يُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا، فَشَجّعَ الْقَوْمَ فَقَاتَلُوهُمْ. فَخَرَجَ وَاقِدُ
ـــــــ
1 في ب: "فليمض فإني ماض".
2 هكذا في كل النسخ. والأفصح: "فلما رآهم".
3 في ب: "ويقولوا هم عمار".
4 في ب: "لا يدري".
5 في الأصل: "لا نعلم منهم". وما أثبتناه عن نسخة ب.

(1/14)


بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقْدُمُ الْقَوْمَ قَدْ أَنْبَضَ قَوْسَهُ وَفَوّقَ بِسَهْمِهِ فَرَمَى عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ - وَكَانَ لَا يُخْطِئُ رَمْيَتَهُ - بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ. وَشَدّ الْقَوْمُ عَلَيْهِمْ فَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ وَأَعْجَزَهُمْ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ.
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ1 قَالَ حَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمَعَةَ الْأَسَدِيّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمّتِهِ عَنْ أُمّهَا كَرِيمَةَ ابْنَةِ الْمِقْدَادِ، عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ أَنَا أَسَرْت الْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ، فَأَرَادَ أَمِيرُنَا ضَرْبَ عُنُقِهِ فَقُلْت: دَعْهُ نَقْدُمُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَطَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَامَهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ تُكَلّمُ هَذَا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ وَاَللّهِ لَا يُسْلِمُ هَذَا آخِرَ الْأَبَدِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ وَيَقْدَمُ إلَى أُمّهِ الْهَاوِيَةِ فَجَعَلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقْبِلُ عَلَى عُمَرَ حَتّى أَسْلَمَ الْحَكَمُ فَقَالَ عُمَرُ فَمَا هُوَ إلّا أَنْ رَأَيْته قَدْ أَسْلَمَ، وَأَخَذَنِي مَا تَقَدّمَ وَتَأَخّرَ وَقُلْت: كَيْفَ أَرُدّ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي، ثُمّ أَقُولُ إنّمَا أَرَدْت بِذَلِكَ النّصِيحَةَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ قَالَ عُمَرُ فَأَسْلَمَ وَاَللّهِ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَجَاهَدَ فِي اللّهِ حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاضٍ عَنْهُ وَدَخَلَ الْجِنَانَ.
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ قَالَ قَالَ الْحَكَمُ وَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ تَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَتَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ قَدْ أَسْلَمْت. فَالْتَفَتَ النّبِيّ
ـــــــ
1 أي حدثنا محمد بن شجاع الثلجي، قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي.

(1/15)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: " لَوْ أَطَعْتُكُمْ فِيهِ آنِفًا فَقَتَلْته، دَخَلَ النّار " قَالُوا: وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ وَكَانَتْ الْعِيرُ فِيهَا خَمْرٌ وَأَدَمٌ وَزَبِيبٌ جَاءُوا بِهِ مِنْ الطّائِفِ، فَقَدِمُوا بِهِ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ الشّهْرَ الْحَرَامَ فَقَدْ أَصَابَ الدّمَ وَالْمَالَ وَقَدْ كَانَ يُحَرّمُ ذَلِكَ وَيُعَظّمُهُ. فَقَالَ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ إنّمَا أَصَبْتُمْ فِي لَيْلَةٍ مِنْ شَعْبَانَ. وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ بِالْعِيرِ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقّفَ الْعِيرَ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَحَبَسَ الْأَسِيرَيْنِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " مَا أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ ".
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ قَالَ مَا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِتَالِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا غَيْرِ الشّهْرِ الْحَرَامِ إنّمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَسّسُوا1 أَخْبَارَ قُرَيْشٍ.
قَالُوا: وَسُقِطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ وَظَنّوا أَنْ قَدْ هَلَكُوا، وَأَعْظَمَ ذَلِكَ مَنْ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَعَنّفُوهُمْ وَلَامُوهُمْ وَالْمَدِينَةُ تَفُورُ فَوْرَ الْمِرْجَلِ. وَقَالَتْ الْيَهُودُ: عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ، عَمْرٌو عَمُرَتْ الْحَرْبُ وَالْحَضْرَمِيّ حَضَرَتْ الْحَرْبُ وَوَاقِدٌ وَقَدَتْ الْحَرْبُ قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: قَدْ تَفَاءَلُوا بِذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ اللّهِ عَلَى يَهُودَ.
قَالُوا: وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَنْ نَفْدِيَهُمَا حَتّى يَقْدُمَ صَاحِبَانَا " يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ.
فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ حَتّى نَنْزِلَ ببحران - وبحران
ـــــــ
1 في ب: "يتحسبوا".

(1/16)


نَاحِيَةُ مَعْدِنِ بَنِي سُلَيْمٍ - فَأَرْسَلْنَا أَبَاعِرَنَا، وَكُنّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، كُلّ اثْنَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ بَعِيرًا. فَكُنْت زَمِيلَ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ وَكَانَ الْبَعِيرُ لَهُ فَضَلّ بَعِيرُنَا، وَأَقَمْنَا عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ نَبْغِيهِ. وَمَضَى أَصْحَابُنَا وَخَرَجْنَا فِي آثَارِهِمْ فَأَخْطَأْنَاهُمْ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ قَبْلَنَا بِأَيّامٍ وَلَمْ نَشْهَدْ نَخْلَةَ ، فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّا قَدْ أَصَبْنَا، وَلَقَدْ أَصَابَنَا فِي سَفَرِنَا مَجَاعَةٌ لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ وَبَيْنَ الْمَلِيحَةِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتّةُ بُرُدٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعْدِنِ لَيْلَةٌ - بَيْنَ مَعْدِنِ بَنِي سُلَيْمٍ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ. قَالَ لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ نَوْبَةً1 وَمَا مَعَنَا ذَوّاقٌ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ . قَالَ قَائِلٌ أَبَا إسْحَاقَ كَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ ثَلَاثٌ كُنّا إذَا بَلَغَ مِنّا أَكَلْنَا الْعِضَاهَ وَشَرِبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَجِدُ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ قَدِمُوا فِي فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفَادِيَهُمْ وَقَالَ إنّي أَخَافُ عَلَى صَاحِبَيّ. فَلَمّا قَدِمْنَا فَادَاهُمْ2 رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالُوا: وَكَانَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ: " إنْ قَتَلْتُمْ صَاحِبَيّ قَتَلْت صَاحِبَيْكُمْ ". وَكَانَ فِدَاؤُهُمَا أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً فِضّةً لِكُلّ وَاحِدٍ وَالْأُوقِيّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.
فَحَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِيّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ، قَالَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ الْمِرْبَاعُ3 فَلَمّا رَجَعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ مِنْ نَخْلَةَخَمّسَ مَا غَنِمَ وَقَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ سَائِرَ الْغَنَائِمِ فَكَانَ
ـــــــ
1 النوبة: الجماعة من الناس. "لسان العرب ج2، ص: 272".
2 في الأصل: "فإذا هم" بالذال المعجمة. وفي ت: "وإني أخاف على صاحبي فإذا هم". وما أثبتناه قراءة ب.
3 المرباع: ربع الغننيمة الذي كان يأخذه الرئيس في الجاهلية. "القاموس المحيط ج3، ص: 25".

(1/17)


أَوّلَ خُمُسٍ خُمِسَ فِي الْإِسْلَامِ حَتّى نَزَلَ بَعْدُ {وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ} 1
فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ2 أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ غَنَائِمَ أَهْلِ نَخْلَةَ، وَمَضَى إلَى بَدْرٍ حَتّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَعْطَى كُلّ قَوْمٍ حَقّهُمْ نَخْلَةَ، وَمَضَى إلَى بَدْرٍ، حَتّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَعْطَى كُلّ قَوْمٍ حَقّهُمْ.
قَالُوا: وَنَزَلَ الْقُرْآنُ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ} 3 فَحَدّثَهُمْ اللّهُ فِي كِتَابِهِ أَنّ الْقِتَالَ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَ وَأَنّ الّذِي يَسْتَحِلّونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ صَدّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ حَتّى يُعَذّبُوهُمْ وَيَحْبِسُوهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُفْرِهِمْ بِاَللّهِ وَصَدّهِمْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ وَفِتْنَتِهِمْ إيّاهُمْ عَنْ الدّينِ وَيَقُولُ {وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ } 4 قَالَ عَنَى بِهِ إِسَافَ وَنَائِلَةَ5.
فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ فَوَدَى رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ، وَحَرّمَ الشّهْرَ الْحَرَامَ كَمَا كَانَ يُحَرّمُهُ حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {بَرَاءَةٌ}.
فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ كُرَيْبٍ، قَالَ سَأَلْت ابْنَ عَبّاسٍ: هَلْ ودى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ـــــــ
1 سورة 8 الأنفال 41
2 في ت: "ينار" وما أثبتناه عن الأصل وب وابن عبد البر. "الاستيعاب ص: 1608".
3 سورة 2 مالبقرة 217
4 سورة 2 البقرة 191
5 إساف ونائلة: صنمان معروفان كانا لقريش.

(1/18)


ابْنَ الْحَضْرَمِيّ؟ قَالَ لَا. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَالْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنّهُ لَمْ يُودَ. وَفِي تِلْكَ السّرِيّةِ سُمّيَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو مَعْشَرٍ.
تَسْمِيَةُ مَنْ خَرَجَ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ فِي سَرِيّتِهِ
ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَخَالِدُ بْنُ أَبِي الْبَكِيرِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، وَلَمْ يَشْهَدَا1 الْوَاقِعَةَ. وَيُقَالُ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ وَيُقَالُ كَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَالثّابِتُ عِنْدَنَا ثمانية.
ـــــــ
1 في الأصل: :ولم يشهدوا". والتصحيح عن ب.

(1/19)