كتاب المغازي للواقدي

سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الطّرَفِ 1
فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ
حَدّثَنِي أَسَامّةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِيّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مَنّاحٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى الطّرَفِ إلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ فَخَرَجَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، حَتّى إذَا كَانُوا بِالطّرَفِ أَصَابَ نَعَمًا وَشَاءً. وَهَرَبَتْ الْأَعْرَابُ وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَارَ إلَيْهِمْ فَانْحَدَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتّى صَبّحَ الْمَدِينَةَ بِالنّعَمِ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ حَتّى أَعْجَزَهُمْ فَقَدِمَ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا. وَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ فِيهَا، وَإِنّمَا غَابَ أَرْبَعَ لَيَالٍ. حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أَبِي رُشْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَنْ حَضَرَ السّرِيّةَ قَالَ أَصَابَهُمْ بَعِيرَانِ أَوْ حِسَابُهُمَا مِنْ الْغَنَمِ فَكَانَ كُلّ بَعِيرٍ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ وَكَانَ شِعَارُنَا: أَمِتْ أَمِتْ
ـــــــ
1 زاد ابن سعد: هو ماء قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين ميلا من المدينة. [الطبقات، ج2، ص 63].

(2/555)


سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى حِسْمَى
فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ
حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْبَلَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ قَدْ أَجَازَ دِحْيَةَ بِمَالٍ وَكَسَاهُ كُسًى. فَأَقْبَلَ حَتّى كَانَ بِحِسْمَى، فَلَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ جُذَامٍ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ الطّرِيقَ وَأَصَابُوا كُلّ شيء

(2/555)


مَعَهُ فَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمَدِينَةِ إلّا بِسَمَلٍ 1 فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتّى انْتَهَى إلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَقّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ هَذَا ؟" فَقَالَ: دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ. قَالَ: "اُدْخُلْ". فَدَخَلَ فَاسْتَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمّا كَانَ مِنْ هِرَقْلَ حَتّى أَتَى عَلَى آخِرِ ذَلِكَ ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَقْبَلْت مِنْ عِنْدِهِ حَتّى كُنْت بِحِسْمَى فَأَغَارَ عَلَيّ قَوْمٌ مِنْ جُذَامٍ، فَمَا تَرَكُوا مَعِي شَيْئًا حَتّى أَقْبَلْت بِسَمَلِي 2، هَذَا الثّوْبَ.
فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا مِنْ سَعْدِ هُذَيْمٍ كَانَ قَدِيمًا يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ يَقُولُ إنّ دِحْيَةَ لَمّا أُصِيبَ – أَصَابَهُ 3 الْهُنَيْدُ بْنُ عَارِضٍ وَابْنُهُ عَارِضُ بْنُ الْهُنَيْدِ: وَكَانَا وَاَللّهِ نَكِدَيْنِ مَشْئُومَيْنِ فَلَمْ يُبْقُوا مَعَهُ شَيْئًا، فَسَمِعَ بِذَلِكَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي الضّبَيْبِ فَنَفَرُوا إلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ. فَكَانَ فِيمَنْ نَفَرَ مِنْهُمْ النّعْمَانُ بْنُ أَبِي جُعَالٍ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ وَكَانَ نُعْمَانُ رَجُلَ الْوَادِي ذَا الْجَلَدِ وَالرّمَايَةِ 4. فَارْتَمَى النّعْمَانُ وَقُرّةُ بْنُ أَبِي أَصْفَرَ الصّلعِيّ، فَرَمَاهُ قُرّةُ فَأَصَابَ كَعْبَهُ فَأَقْعَدَهُ إلَى الْأَرْضِ. ثُمّ انْتَهَضَ النّعْمَانُ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ عَرِيضِ السّرْوَةِ 5 فَقَالَ: خُذْهَا مِنْ الْفَتَى فَخَلّ السّهْمُ فِي رُكْبَتِهِ فَشَنّجَهُ وَقَعَدَ فَخَلّصُوا لِدِحْيَةَ مَتَاعَهُ فَرَجَعَ بِهِ سَالِمًا إلَى الْمَدِينَةِ.
قَالَ مُوسَى: فَسَمِعْت شَيْخًا آخَرَ يَقُولُ إنّمَا خَلّصَ مَتَاعَ دِحْيَةَ رَجُلٌ كَانَ صَحِبَهُ مِنْ قُضَاعَةَ، هُوَ الّذِي كَانَ اسْتَنْقَذَ لَهُ كُلّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْهُ
ـــــــ
1 في الأصل: "بشمل"؛ وما أثبتناه من ابن سعد. [الطبقات، ج2، ص 63]. والسمل: الخلق من الثياب. [النهاية، ج2، ص 183].
2 في الأصل؛ "بشملى".
3 في الأصل: "أصابوا"؛ وما أثبتناه هو ما يقتضيه السياق.
4 في الأصل: "وكان نعمان رجل الوادي الجلد والرماية"؛ ولعل ما أثبتناه أحكم للسياق.
5 السروة: السهم العريض النصل. [القاموس المحيط، ج4، ص 342].

(2/556)


رَدّهُ عَلَى دِحْيَةَ. ثُمّ إنّ دِحْيَةَ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَسْعَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ فَأَمَرَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَسِيرِ فَخَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَعَهُ.
وَقَدْ كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ قَدِمَ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافِدًا، فَأَجَازَهُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، ثُمّ سَأَلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ مَعَهُ كِتَابًا، فَكَتَبَ مَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ لِرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى قَوْمِهِ عَامّةً وَمَنْ دَخَلَ مَعَهُمْ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. فَمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَهُوَ مِنْ حِزْبِ اللّهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ وَمَنْ ارْتَدّ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ". فَلَمّا قَدِمَ رِفَاعَةُ عَلَى قَوْمِهِ بِكِتَابِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ فَأَجَابُوهُ وَأَسْرَعُوا، وَنَفَذُوا إلَى مُصَابِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيّ 1 فَوَجَدُوا أَصْحَابَهُ قَدْ تَفَرّقُوا.
وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ خِلَافَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ وَرَدّ مَعَهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيّ. وَكَانَ زَيْدٌ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ وَمَعَهُ دَلِيلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ. وَقَدْ اجْتَمَعَتْ غَطَفَانُ كُلّهَا وَوَائِلٌ وَمَنْ كَانَ مِنْ سَلَامَات وَبَهْرَاءَ حِينَ جَاءَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكِتَابِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى نَزَلُوا - الرّجَالُ وَرِفَاعَةُ – بِكُرَاعِ 2 رُؤَيّةَ لَمْ يُعْلَمْ. وَأَقْبَلَ الدّلِيلُ الْعُذْرِيّ بِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ حَتّى هَجَمَ بِهِمْ فَأَغَارُوا مَعَ الصّبْحِ عَلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ وَمَنْ كَانَ فِي مَحَلّتِهِمْ فَأَصَابُوا ما وجدوا، وقتلوا
ـــــــ
1 في الأصل: "مصاب زيد بن حارثة"؛ وما أثبتناه هو ما يقتضيه السياق. [انظر شرح الزرقاني على المواهب اللدنية، ج2، ص 190]؛ [والسيرة الحلبية، ج2، ص 302].
2 الكراع: الجانب المستطيل من الحرة. [النهاية، ج4، ص 15]. ورؤية: موضع في ديار بني مازن. [معجم ما استعجم، ص 342، 388].

(2/557)


فِيهِمْ فَأَوْجَعُوا 1، وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ وَأَغَارُوا عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَأَخَذُوا مِنْ النّعَمِ أَلْفَ بَعِيرٍ وَمِنْ الشّاءِ خَمْسَةَ آلَافِ شَاةٍ وَمِنْ السّبْيِ مِائَةً مِنْ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ. وَكَانَ الدّلِيلُ إنّمَا جَاءَ بِهِمْ مِنْ قِبَلِ الْأَوْلَاجِ 2 ، فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ الضّبَيْبُ بِمَا صَنَعَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَكِبُوا، فَكَانَ فِيمَنْ رَكِبَ حِبّانُ بْنُ مِلّةَ3 وَابْنُهُ فَدَنَوْا مِنْ الْجَيْشِ وَتَوَاصَوْا لَا يَتَكَلّمُ أَحَدٌ إلّا حِبّانُ بْنُ مِلّةَ 3 وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ عَلَامَةٌ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ: " قَوَدِي" فَلَمّا طَلَعُوا عَلَى الْعَسْكَرِ طَلَعُوا عَلَى الدّهْمِ مِنْ السّبْيِ وَالنّعَمِ وَالنّسَاءِ وَالْأُسَارَى أَقْبَلُوا جَمِيعًا، وَاَلّذِي يَتَكَلّمُ حِبّانُ بْنُ مِلّةَ يَقُولُ إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ. وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ عَارِضٌ رُمْحَهُ فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوَدِي فَقَالَ حِبّانُ مَهْلًا فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ لَهُ حِبّانُ إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ. قَالَ لَهُ زَيْدٌ: اقْرَأْ أُمّ الْكِتَابِ وَكَانَ زَيْدٌ إنّمَا يَمْتَحِنُ أَحَدَهُمْ بِأُمّ الْكِتَابِ لَا يَزِيدُهُ. فَقَرَأَ حِبّانُ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ نَادُوا فِي الْجَيْشِ " إنّهُ قَدْ حَرُمَ عَلَيْنَا مَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُمْ بِقِرَاءَةِ أُمّ الْكِتَابِ ". فَرَجَعَ الْقَوْمُ وَنَهَاهُمْ زَيْدٌ أَنْ يَهْبِطُوا وَادِيَهُمْ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ فَأَمْسَوْا فِي أَهْلِيهِمْ وَهُمْ فِي رَصَدٍ لِزَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ فَاسْتَمَعُوا حَتّى نَامَ أَصْحَابُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَلَمّا هَدَءُوا وَنَامُوا رَكِبُوا إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ - وَكَانَ فِي الرّكْبِ فِي تِلْكَ اللّيْلَةِ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو أَسَمَاءَ بْنُ عَمْرٍو، وَسُوَيْدُ بْنُ زَيْدٍ وَأَخُوهُ وَبَرْذَعُ بْنُ زَيْدٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ عَدِيّ - حتى
ـــــــ
1 أي أكثروا فيهم. [شرح الزرقاني على المواهب اللدنية، ج2، ص 191].
2 الأولاج: جمع ولجة، وهي معطوف الوادي. [القاموس المحيط، ج1، ص 211].
3 هكذا في الأصل. وفي ابن إسحاق: "حسان بن ملة"؛ وقال ابن هشام: "حيان بن ملة" [السيرة النبوية، ج4، ص 261].

(2/558)


صَبّحُوا رِفَاعَةَ بِكُرَاعِ رُؤَيّةَ بِحَرّةِ لَيْلَى1 ، فَقَالَ حِبّانُ 2 إنّك لَجَالِسٌ تَحْلُبُ الْمِعْزَى [وَنِسَاءُ جُذَامٍ أُسَارَى]3. فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ حَتّى قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ - سَارُوا ثَلَاثًا - فَابْتَدَاهُمْ رِفَاعَةُ فَدَفَعَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَهُ الّذِي كَتَبَ مَعَهُ فَلَمّا قَرَأَ كِتَابَهُ اسْتَخْبَرَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا صَنَعَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. فَقَالَ: "كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى ؟" فَقَالَ رِفَاعَةُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْتَ أَعْلَمُ لَا تُحَرّمُ عَلَيْنَا حَلَالًا وَلَا تُحِلّ لَنَا حَرَامًا. قَالَ أَبُو زَيْدٍ 4: أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ كَانَ حَيّا، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيّ هَاتَيْنِ. فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ". قَالَ الْقَوْمُ: فَابْعَثْ مَعَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ رَجُلًا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، يُخَلّي بَيْنَنَا وَبَيْنَ حَرَمِنَا وَأَمْوَالِنَا. فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْطَلِقْ مَعَهُمْ يَا عَلِيّ". فَقَالَ عَلِيّ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَا يُطِيعُنِي زَيْدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا سَيْفِي فَخُذْهُ!". فَأَخَذَهُ فَقَالَ: لَيْسَ مَعِي بَعِيرٌ أَرْكَبُهُ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هَذَا بَعِيرٌ فَرَكِبَ بَعِيرَ أَحَدِهِمْ وَخَرَجَ مَعَهُمْ حَتّى لَقُوا رَافِعَ بْنَ مَكِيثٍ بَشِيرَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ الْقَوْمِ فَرَدّهَا عَلِيّ عَلَى الْقَوْمِ. وَرَجَعَ رَافِعُ بْنُ مَكِيثٍ مَعَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ رَدِيفًا حَتّى لَقُوا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ بِالْفَحْلَتَيْنِ 5 فَلَقِيَهُ عَلِيّ وَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ يَأْمُرُك أَنْ تَرُدّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَا كَانَ بِيَدِك مِنْ أَسِيرٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ مَالٍ. فَقَالَ زَيْدٌ: عَلَامَةً مِنْ رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ عَلِيّ: هَذَا سَيْفُهُ فَعَرَفَ زَيْدٌ السّيْفَ فَنَزَلَ فَصَاحَ
ـــــــ
1 حرة ليلى: لبني مرة بن عوف بن سعد بن غطفان، يطؤها الحاج الشامي في طريقه إلى المدينة. [وفاء الوفا، ج2، ص 288].
2 أي قال لرفاعة بن زيد.
3 الزيادة من الزرقاني. [شرح على المواهب اللدنية، ج2، ص 192].
4 أي أبو زيد بن عمرو. انظر الزرقاني. [شرح على المواهب اللدنية، ج2، ص 192].
5 الفحلتين: بين المدينة وذي المروة، كما قال ابن سعد. [الطبقات، ج2، ص 64].

(2/559)


بِالنّاسِ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ: "مَنْ كَانَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ سَبْيٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَرُدّهُ فَهَذَا رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ. فَرَدّ إلَى النّاسِ كُلّ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ حَتّى إنْ كَانُوا لَيَأْخُذُونَ الْمَرْأَةَ مِنْ تَحْتِ فَخِذِ الرّجُلِ.
حَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ يُسْرِ بْنِ مِحْجَنٍ الدّيلِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْت فِي تِلْكَ السّرِيّةِ فَصَارَ لِكُلّ رَجُلٍ سَبْعَةُ أَبْعِرَةٍ وَسَبْعُونَ شَاةً وَيَصِيرُ لَهُ مِنْ السّبْيِ الْمَرْأَةُ وَالْمَرْأَتَانِ فَوَطِئُوا بِالْمِلْكِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ حَتّى رَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ كُلّهُ إلَى أَهْلِهِ وَكَانَ قَدْ فَرّقَ وَبَاعَ مِنْهُ.

(2/560)