أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ت: رشدي
ملحس
نُسْخَةُ مَا فِي اللَّوْحِ الَّذِي فِي
جَوْفِ الْكَعْبَةِ الَّذِي كَانَ مَعَ السَّرِيرِ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَمَرَ عَبْدُ اللَّهِ الْإِمَامُ
الْمَأْمُونُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَكْرَمَهُ اللَّهُ ذَا
الرِّيَاسَتَيْنِ الْفَضْلَ بْنَ سَهْلٍ بِالْبَعْثَةِ بِهَذَا
السَّرِيرِ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فِي
سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَهُوَ سَرِيرُ الأصبهبد كَابُلَ شَاهٍ بَعْدَ
مِهْرَابِ بَنِي دومي كَابُلَ شَاهٍ، الْمَحْمُولِ تَاجُهُ إِلَى
مَكَّةَ الْمَخْزُونِ سَرِيرُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ،
بِالْمَشْرِقِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَمِنْ نَبَأَ
أَمْرِ الأصبهبد، أَنَّهُ أُضْعِفَ
(1/227)
عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَالْفِدْيَةُ عَنْ
بِلَادِ كَابُلَ وَالْقَنْدَهَارِ، وَنُصِبَتِ الْمَنَابِرُ وَبُنِيَتِ
الْمَسَاجِدُ لِلَّهِ مُسْتَسْلِمًا، وَخَرَجَ الأصبهبد كَابُلُ شَاهٍ
مُسْتَسْلِمًا حَتَّى حَاوَلَ حُدُودَ كَابُلَ وَأَرْضِ
الطَّخَارِسْتَانِ، وَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِ صَاحِبِ جَبَلِ
خُرَاسَانَ ذِيِ الرِّيَاسَتَيْنِ عَلَى مَا سَمَّاهُ ذُو
الرِّيَاسَتَيْنِ مِنْ خُطَّةِ الذُّلِّ لِلدِّينِ وَلِإِمَامِ
الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَرِيدَ مِنَ الْقَنْدَهَارِ إِلَى
الْبَامِيَانِ وَأَضَافَ بِلَادَ كَابُلَ وَالْقَنْدَهَارَ إِلَى
بِلَادِ خُرَاسَانَ، وَأَذْعَنَ لِلْوَالِي مَعَ الْجُنُودِ مُقِيمًا
حُدُودَ اللَّهِ وَالْإِسْلَامِ
(1/228)
عَامِلًا بِأَحْكَامِهِ فِيهِ وَفِي مَنِ
اخْتَارَ الْإِسْلَامَ مَعَهُ، وَأَقَامَ عَلَى الْعَهْدِ فِي
مَمْلَكَتِهِ، وَسَيَّرَ الْإِمَامُ أَكْرَمَهُ اللَّهُ الرَّايَاتِ
الْخُضْرَ عَلَى يَدَيْ ذِي الرِّيَاسَتَيْنِ إِلَى الْقَشْمِيرِ،
وَفِي نَاحِيَةِ التُّبَّتِ مَا سَيَّرَهَا، فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ عَلَى بُوخَانَ وَرَاوَرَ بِلَادِ بِلُّورِ صَاحِبِ جَبَلِ
خَاقَانَ وَجَبَلِ التُّبَّتِ، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى الْعِرَاقِ مَعَ
فُرْسَانِ التُّبَّتِ
(1/229)
وَمِنْ نَاحِيَةِ السَّرِيرِ مَا طَلَبَ
عَلَى بَارَابَ وَشَاوَغَرَ وَزَاوَلَ وَبِلَادِ أَطْرَازٍ، وَقَتَلَ
قَائِدَ الثَّغْرِ وَسَبَى أَوْلَادَ جَبْغُوَيْهِ الْحَرْلَحِيِّ مَعَ
خَاتُونَاتَةَ، بَعْدَ إِحْجَارِهِ إِيَّاهُ بِبِلَادِ كيماك، وَبَعْدَ
غَلَبِهِ مَا غَلَبَ
(1/230)
عَلَى مَدِينَةِ كَاسَانَ وَبَعَثَ
بِمَفَاتِيحِ فُرْغَانَةَ إِلَى الْعَرَبِ، فَمَنْ قَرَأَ هَذِهِ
السُّطُورَ فَلْيُعِنْ عَلَى تَعْزِيزِ الْإِسْلَامِ وَتَذْلِيلِ
الشِّرْكِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَإِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ
تَعْزِيزُ الدِّينِ إِذَا قَامَتْ بِهِ الْأَئِمَّةُ، وَمَنْ أَرَادَ
الزُّهْدَ وَالْجِهَادَ وَأَبْوَابَ الْبِرِّ وَالْمُعَاوَنَةِ عَلَى
مَا يُكْسِبُ الْإِسْلَامَ كَهَذَا الْعِزِّ وَهَذِهِ الْمَفَاخِرِ،
وَقَدْ نَسَخْنَا مَا كَانَ حُفِرَ عَلَى صَفِيحَةِ تَاجِ مَهْرَبِ
بَنِي دُومِيِّ كَابُلَ شَاهَ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ
وَمِائَةٍ عَلَى هَذَا اللَّوْحِ وَمَنْ نَصَرَ دِينَ اللَّهِ نَصَرَهُ
اللَّهُ، لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ
مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] وَكَتَبَ
الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ صِنْوُ ذِي الرِّيَاسَتَيْنِ فِي سَنَةِ
مِائَتَيْنِ: وَشَخَصَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونُ الرَّشِيدُ،
مِنَ الرَّقَةِ يُرِيدُ الْحَجَّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِسَبْعِ لَيَالٍ
بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ،
فَلَمْ يَدْخُلْ مَدِينَةَ
(1/231)
السَّلَامِ، وَنَزَلَ مَنْزِلًا مِنْهَا
عَلَى سَبْعَةِ فَرَاسِخَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ يُقَالُ لَهُ:
الدَّارِبُ وَقَدْ بُنِيَ لَهُ بِهَا مَنْزِلٌ، ثُمَّ شَخَصَ خَارِجًا
وَمَعَهُ الْأَمِينُ وَلِيُّ الْعَهْدِ مُحَمَّدُ ابْنُ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَأْمُونُ وَلِيُّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ
عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَعَهُ جَمِيعُ
وُزَرَائِهِ وَقَرَابَتِهِ، فَعَدَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنَ
الرَّبَذَةِ وَقَدِمَهَا، فَأَقَامَ بِهَا يَوْمَيْنِ، لَمْ يَصْنَعِ
الْأَوَّلَ مِنْهُمَا شَيْئًا إِلَّا الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ
وَالتَّسْلِيمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَجَلَسَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْمَقْصُورَةِ حِيَالَ
الْمِنْبَرِ، فَأَمَرَ بِالْمَقْصُورَةِ فَغُلِّقَتْ كُلُّهَا، وَدَعَا
بِدَفَاتِرِ الْعَطَاءِ فَأَخْرَجَ يَوْمَهُ ذَلِكَ لِأَهْلِ
الْعَطَاءِ ثَلَاثَةَ أُعْطِيَةٍ، وَبَدَأَ بِالْعَطَاءِ بِنَفْسِهِ
فَبُودِئَ بِاسْمِهِ وَوُزِنَ لَهُ عَطَاؤُهُ فَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ،
ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْأَمِينِ وَالْمَأْمُونِ، ثُمَّ بِبَنِي
هَاشِمٍ الْمُبَدَّئِينَ فِي الدَّعْوَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ فَأُعْطُوا
كَذَلِكَ عَشَّيْتَهُمْ، ثُمَّ قَامَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَصْبَحَ
غَادِيًا مِنَ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ إِلَى مَكَّةَ
الْمُعَظَّمَةِ، فَلَمَّا قَدِمَهَا عَزَلَ الْعُثْمَانِيَّ صِهْرَهُ
مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَلَاةِ مَكَّةَ، وَوَلَّى
مَكَانَهُ سُلَيْمَانَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، فَلَمَّا كَانَ
قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ بَعْدَ الصُّبْحِ صَعِدَ الْمِنْبَرَ
فَخَطَبَ خُطْبَةَ الْحَجِّ، ثُمَّ فُتِحَ لَهُ بَابُ الْبَيْتِ
فَدَخَلَهُ وَحْدَهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَقَامَ مَسْرُورٌ عَلَى
بَابِ الْبَيْتِ وَأُجِيفَ أَحَدُ الْمِصْرَاعَيْنِ، فَمَكَثَ فِيهِ
طَوِيلًا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ دَعَا بِالْأَمِينِ مُحَمَّدٍ
وَلِيِّ الْعَهْدِ، فَكَلَّمَهُ طَوِيلًا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ،
ثُمَّ دَعَا بِالْمَأْمُونِ عَبْدِ اللَّهِ فَفَعَلَ بِهِ مِثْلَ
ذَلِكَ، ثُمَّ
(1/232)
دَعَا بِسُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ،
ثُمَّ دَعَا بِالْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ، ثُمَّ بِعِيسَى بْنِ
جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُوسَى أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ
بَعْدَهُمُ الْحَارِثُ وَأَبَانُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ،
وَعُبَيْدُ بْنُ يَقْطِينٍ وَنُظَرَاؤُهُمْ، وَدَعَا بِيَحْيَى بْنِ
خَالِدٍ، وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا، فَأُتِيَ بِهِ مُعَجِّلًا حَتَّى
دَخَلَ، وَدَعَا بِجَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى، ثُمَّ كَتَبَ وَلِيَّا
الْعَهْدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهِ، كِتَابًا لِأَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا أَخَذَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
لِصَاحِبِهَا، وَتَوَكَّدَ فِيهِ عَلَيْهِمَا بِخَطِّ يَدِهِ،
وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ صَلَاةُ الظُّهْرِ مِنْ قَبْلِ فَرَاغِهِمْ،
فَنَزَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَصَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ ثُمَّ
عَادَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَكَانَ فِيهَا إِلَى أَنْ فَرَغُوا مِنَ
الْكِتَابَيْنِ، وَأَحْضَرُوا النَّاسَ سِوَى مَنْ سَمَّيْنَا قَاضِي
مَكَّةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ، وَأَسَدِ
بْنِ عَمْرٍو قَاضِي مَدِينَةِ الشَّرْقِيَّةِ، وَبَعْضٍ مَنْ حَجَبَةِ
الْبَيْتِ، ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ عِنْدَ فَرَاغِهِمْ
فَنَزَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَصَلَّى بِهِمْ ثُمَّ طَافُوا
سَبْعًا ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ مِنْ دَارِ الْعَجَلَةِ وَأَمَرَ
بِحَشْرِ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْهَاشِمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ لِيَشْهَدُوا
عَلَى الْكِتَابَيْنِ، وَأَرْسَلَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي
جَعْفَرٍ، وَعِيسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُوسَى وَقَدْ
كَانُوا انْصَرَفُوا، فَرُدُّوا مِنْ مَنَازِلِهِمْ فَجَاءُوا
مُتَضَجِّرِينَ، وَأَخْرَجَ إِلَيْهِمُ الْكِتَابَيْنِ، وَقَدْ وُضِعَ
عَلَيْهِمَا الطِّينُ وَلَيْسَ مِنَ الْخَوَاتِيمِ إِلَّا خَاتَمَا
وَلِيَّيِ الْعَهْدِ، فَقُرِئَا عَلَى جَمِيعِ مَنْ حَضَرَ
لِيَشْهَدُوا
(1/233)
عَلَيْهِ، وَلَمْ يُثْبَتْ فِي
الْكِتَابَيْنِ إِلَّا أَسْمَاءُ مَنْ كَانَ فِي الْكَعْبَةِ حَيْثُ
كُتِبَ الْكِتَابَانِ وَلَمْ يَخْتِمْ غَيْرُهُمْ، وَلَمْ يَكُنِ
الْكِتَابَانِ طُيِّنَا وَلَا طُوِيَا وَلَا خُتِمَا فِي جَوْفِ
الْكَعْبَةِ، ثُمَّ أَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ أَنْ
شَهِدُوا عَلَى الْكِتَابَيْنِ أَنْ يُعَلَّقَا فِي دَاخِلِ
الْكَعْبَةِ قُبَالَةَ بَابِهَا مَعَ الْمَعَالِيقِ الَّتِي فِيهَا
حَيْثُ يَرَاهُمَا النَّاسُ، وَضَمَّنَهَا الْحَجَبَةَ
وَاسْتَحْلَفَهُمْ عَلَى حِفْظِهِمَا وَالْقِيَامِ بِهِمَا وَأَنْ
يَصُونُوهُمَا وَيُعَلِّقُوهُمَا فِي وَقْتِ الْحَجِّ مَنْشُورَيْنِ،
وَصُنِعَ لَهُمَا قَصَبَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَلَّلُوهُمَا بِفُصُوصِ
الْيَاقُوتُ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ، ثُمَّ انْصَرَفَ أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ، فَسَارَ مُقْتَصِدًا لَمْ
يَعْدُ الْمَرَاحِلَ حَتَّى وَافَى الْكُوفَةَ "
(1/234)
|