المعجب في تلخيص أخبار المغرب

رد الأمر إلى بني أمية ولاية عبد الرحمن بن هشام  المستظهر**
ولما انهزم البربر عن قرطبة مع أبي القاسم كما ذكرنا، اتفق رأي أهل قرطبة على رد الأمر إلى بنى أميه، فاختاروا منهم ثلاثة، وهم: عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر، أخو المهدي المذكور آنفًا، وسليمان بن المرتضي المذكور آنفًا، ومحمد بن عبد الرحمن بن هشام بن سليمان القائم على المهدي بن الناصر.
ثم استقر الأمر لعبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار، فبُويع بالخلافة لثلاث عشرة ليلة خلت لرمضان 414، وله اثنتان وعشرون سنة، وتلقب بـ المستظهر. وكان مولده سنة 392 في ذي القعدة، يكنى أبا المطرف، وأمه أم ولد اسمها: غاية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** ترجمته في: جذوة المقتبس: 24؛ بغية الملتمس: 31؛ الأعلام: 341/3.

 

ص -49-   ثم قام عليه أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر، مع طائفة من أراذل العوام، فقتل عبد الرحمن بن هشام، وذلك لثلاث بقين من ذي القعدة سنة 414 المؤرخة، ولا عقب له.
وكان في غاية الأدب والبلاغة والفهم ورقة النفس، كذا قال أبو محمد علي بن أحمد، وكان خبيرًا به لأنه وزر له. وقال الوزير أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن شهيد1: كان المستظهر شاعرًا ويستعمل الصناعة فيجيد، وهو القائل في ابنة عمه: من الطويل

حمامة بيت العَبْشَميِّين رفرفت      فطرتُ إليها من سَرَاتهم صقرَا2

تقل الثريا أن تكون لها يدًا     ويرجو الصباح أن يكون لها نحرَا

وإني لطعَّان إذا الخيل أقبلت      جوانبها حتى تُرى جُونها شُقْرَا3

ومكرم ضيفي حين ينزل ساحتي     وجاعل وَفْري عند سائله وفرَا4

وهي طويلة، قالها أيام خِطبته لابنة عمه أم الحكم بنت سليمان المستعين. قال أبو عامر: وكان متهمًا في أشعاره ورسائله، حتى كتب أبياتًا ليعلى بن أبي زيد حين وفد عليه ارتجالاً، فعجب أهل التمييز منه، وأما أنا فقد كنت بلوته. وكان ورود يعلى فجأة ولم يبرح من مجلسه حتى ارتجل الأبيات، وأنا والله أخاف أن يزل، فأجاد وزاد. هذا آخر كلام أبي عامر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- من كبار الأندلسيين أدبًا وعلمًا. ولد بقرطبة، وتوفي فيها سنة 426هـ/1035م. "وفيات الأعيان، ابن خلكان: 116/1".
2- العبشميون: بنو عبد شمس.
3- الجُون: جمع الجَوْن: الأسود أو الأبيض، وهو من الأضداد، وقيل: هو الأسود تخالطه حمرة.
4- الوفر: التام من كل شيء، أو الغنى واليسار.

 

ص -50-   ولم يكن كذلك إلى أن خُلع، وقُتل وزيره المذكور في داره؛ دخل عليه عوام أهل قرطبة نهارًا فتولوه بالحديد إلى أن بَرَد، وخلعوا المستكفي بالله وأخرجوه عن قرطبة، بعد أن أقام ثلاثة أيام مسجونًا لا يصل إليه طعام ولا شراب، ثم نفوه -كما ذكرنا- فلحق بالثغور، ورجع الأمر إلى يحيى بن علي الفاطمي.
وانتهى المستكفي المذكور من الثغر إلى قرية تعرف بـ شمنت بالقرب من مدينة سالم، ومعه أحد قواده، وهو عبد الرحمن بن محمد بن السليم، ومن ولد سعيد بن المنذر القائد المشهور أيام عبد الرحمن الناصر؛ فكره هذا القائد التمادي معه، فاستدعى المستكفي غداءه، فعمد القائد إلى دجاجة فدهنها له بعصارة نبت يقال له: البيش1 -وهو كثير ببلاد الأندلس وخصوصًا بتلك الجهة- فلما أكلها المستكفي مات مكانه، فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه؛ فقبره هناك، ولا عقب له2.
ثم أقام يحيى بن علي الفاطمي في الولاية نافذ الأمر، إلا أنه لم يدخل قرطبة، وإنما كان مقيمًا بقرمونة كما قد قدمنا، إلى أن قُتل في التاريخ الذي تقدم ذكره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيش: نبت عصارته سم ناقع.
2- كان قتله سنة 415هـ، وقيل: سنة 416 هـ، والله أعلم. "بغية الملتمس:33".