المعجب في تلخيص أخبار المغرب
ص -245-
ذكر قبائل الموحدين
وقبائل الموحدين الذين يجمعهم هذا الاسم ويعمهم -وهم الجند والأعوان
والأنصار، ومن سواهم من سائر البربر والمصامدة رعية لهم وتحت أمرهم-
سبع قبائل، وأولهم قبيلة ابن تومرت، وهي قبيلة تسمى هرغة، وهي قليلة
العدد بالنسبة إلى قبائل الموحدين. ثم قبيلة عبد المؤمن، تسمى كومية،
وهي قبيلة كثيرة العدد جمة الشعوب، لم يكن لها في قديم الدهر ولا في
حديثه ذكر في رياسة ولا حظ من نباهة، إنما كانوا أصحاب فلاحة ورعاة غنم
وأصحاب أسواق يبيعون فيها اللبن والحطب وسوى ذلك من سقط المتاع1.
فتبارك المعز المذل المعطي المانع! فأصبح القوم اليوم وليس فوقهم أحد
ببلاد المغرب، ولا تطاول أيديَهم يدٌ بكون عبد المؤمن منهم؛ هذا على
أنه -كما قدمناه- ينتسب إلى غيرهم. ثم أهل تينمل، وهم قبائل شتى يجمعها
اسم هذا الموضع. ثم هنتاتة، وهي أيضًا قبيلة ضخمة جدًّا، وفي بعضها
رياسة وشرف في الدهر القديم. ثم جِنفيسة، وهي قبيلة عزيزة منيعة،
ولغتها أجود اللغات وأفصحها في ذلك اللسان. ثم جدميوَه، وليست كلها -بل
بعضها- رعية. ثم من استجاب للموحدين من قبائل صنهاجة. ثم بعض قبائل
هَسْكُورة...
فهذه جملة قبائل الموحدين المستحقين لهذا الاسم عندهم، والذين يأخذون
العطاء وتجمعهم الجيوش وينفرون في البعوث؛ وغير هؤلاء القبائل من
المصامدة رعية.
وإذ قد جرى ذكرهم -أعني المصامدة- على هذا النسق، فلنذكر لك الآن -حفظك
الله وأصلحك وأصلح بك- القبائل التي يجمعها هذا الاسم، أعني المصامدة،
وحد بلادهم؛ لتعرفهم ممن سواهم من البربر؛ فحد بلادهم النهر الأعظم
الذي يصب من جبال صنهاجة وينتمي إلى البحر الأعظم، بحر أقيانس، يدعى
هذا النهر أم ربيع، عليه قبيلتان، إحداهما تسمى هسكورة، وأخرى صنهاجة؛
وهما من المصامدة؛ وآخر بلادهم الصحراء التي تسكنها قبائل لمتونة
ومسوفة وسَرْطَة؛ وهؤلاء ليسوا مصامدة؛ وقد كانت المملكة في هذه
القبائل أيام المرابطين كما تقدم. فهذا حد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سقط المتاع: رديئه وحقيره.
ص -246-
بلاد المصامدة عرضًا؛ وحدها طولًا من الجبل
المعروف بـ دَرَن، إلى البحر الأعظم المسمى أقيانس؛ وقبائلها الذين
ينطلق عليهم هذا الاسم: هَسْكورة، وصَنْهَاجة, ودُكَّالة، وحَاحَة،
ورَجْرَاجة، وجَزُولة، ولَمْطَة، وجِنْفِيسة، وهَنْتَاتة وهَرْغَة،
وقبائل أهل تينمل؛ وحول مراكش قبائل منهم أيضًا، وهم: هِزْمير،
وهَيْلانة، وهَزْرَجة؛ يدعونهم الموحدون بالقبائل؛ فهؤلاء الذين يجمعهم
اسم المصامدة؛ ثم يجمع الكل جنس البربر, من طرابلس المغرب إلى أقصى سوس
وما وراء ذلك ممن ذكرنا, من لمتونة ومسُوفة وسرطة؛ وآخر بلادهم أول حد
بلاد السودان.
وللمصامدة بعد هذا جند من سائر أصناف الناس، كالعرب، والغُزّ،
والأندلس، والروم، وقبائل من المرابطين، وغيرهم.
ثم من ذكرنا من الموحدين صنفان: فالصنف الأول يدعون الجموع، وهم
المرتزقة الذين يكونون بمراكش لا يبرحونها. والصنف الآخر يدعون العموم،
وهم الكائنون ببلادهم لا يحضرون إلى مراكش إلا في النفير الأعظم؛ وعدد
المرتزقة الذين بمراكش من قبائل الموحدين وسائر من ذكرنا من الأجناد
-على ما صح عندي تلخيصه- عشرة آلاف نفس؛ هؤلاء الذين بمراكش خارجًا عما
في سائر البلاد من الموحدين وأصناف الجند.
وإذا كان العرض العام, فأول من يعترض ذرية أبي حفص عمر الصنهاجي على
طبقاتهم في أسنانهم، ثم بعدهم فرس الخليفة من بني عبد المؤمن، ثم أهل
الجماعة على ترتيب طبقاتهم، ثم أهل خمسين، ثم القبائل؛ وأولهم عرضًا
هَرْغة قبيلة ابن تومرت، ثم بعدهم أهل تينمل، ثم كومية، ثم الموحدون
بعد هذا على طبقاتهم في سرعة الهجرة وبطئها.
وقد جرت عادتهم بالكَتْب إلى البلاد واستجلاب العلماء إلى حضرتهم من
أهل كل فن، وخاصة أهل علم النظر، وسموهم طلبة الحضر، فهم يكثرون في بعض
الأوقات ويقلون، وصنف آخر ممن عني بالعلم من المصامدة يسمون طلبة
الموحدين؛ ولا بد في كل مجلس عام أو خاص يجلسه الخليفة، من حضور هؤلاء
الطلبة الأشياخ منهم، فأول ما يفتتح به الخليفة مجلسه مسألة من العلم
يلقيها بنفسه أو تلقى بإذنه؛ كان عبد المؤمن ويوسف ويعقوب يلقون
المسائل بأنفسهم ولا ينفصلون من مجلس من مجالسهم إلا على الدعاء: يدعو
الخليفة ويؤمن الوزير جهرًا يسمع من بعُدَ من الناس. ثم إذا سافروا لا
يزال القرآن يُقرأ بين أيديهم بالغدو والعشي ركبانًا؛ وإذا نزلوا فأول
شيء يصنعونه في أول النهار بعد صلاتهم الفجر، أن يخرج من ينادي:
الاستعانة بالله والتوكل عليه, هذه عندهم للركوب؛ فحينئذ يركب الناس،
ص -247-
ويخرج الخليفة من خيمته راكبًا وأعيان
القرابة وأشياخ الموحدين بين يديه مشاة خطوات كبيرة؛ ثم يأمرهم
بالركوب؛ فإذا ركبوا وقف وبسط يديه ودعا، فإذا فرغ الدعاء افتتح
القراءة طلبة الموحدين خلفه؛ فيقرءون حزبًا من القرآن في نهاية
الترتيل، وهم سائرون سيرًا رفيقًا، ثم شيئًا من الحديث. ثم يقرءون
تواليف ابن تومرت في العقائد بلسانهم وباللسان العربي؛ فإذا فرغوا وقف
الخليفة أيضًا وبسط يديه ودعا. وإذا كان وقت النزول أيضًا نزلوا مشاة
بين يديه إلى خيمته؛ فإذا بلغها بسط يديه ودعا؛ فلا يزال هذا دأبهم في
جميع سفرهم كله.
صفة أحوالهم في إقامة الجمعة
فأما صفة أحوالهم وخطبتهم في جمعهم، فيخرج الخليفة منهم عند زوال الشمس
من خَوْخَة1 في القبلة، ويخرج معه خواص حشمه2، ويركع ركعتين ثم يجلس؛
فيقرأ قارئ قدر عشر آيات، حسن القراءة, حسن الصوت. ثم يقوم رئيس
المؤذنين ومعه العصا التي يتوكأ عليها الخطيب فيقول: قد فاء الفيء يا
سيدنا أمير المؤمنين، والحمد لله رب العالمين! يريد بهذا القول
استئذانه في صعود الخطيب المنبر، فيقوم الخطيب ويصعد المنبر، ثم يناوله
ذلك الرجل العصا. فإذا جلس الخطيب فوق المنبر أذن ثلاثة من المؤذنين
مفترقين، أصواتهم في نهاية الحسن، قد انتخبوا لذلك من البلاد؛ ثم يقوم
الخطيب فيخطب، فأول شيء يقول:
الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ ونشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أرسله
بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة؛ من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن
يعص الله ورسوله لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا؛ أسال الله ربنا
أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله، ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه؛ فإنما نحن
به وله...
ثم يتعوذ ويقرأ سورة قاف من أولها إلى آخرها، ثم يجلس؛ فإذا قام إلى
الخطبة الثانية قال:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونتوكل عليه، ونبرأ من الحول والقوة إليه،
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده
ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوه ففاتوا الأنام
جِدًّا وعزمًا، وأنفدوا وسعهم في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الخوخة: كوة في البيت تؤدي إليه الضوء, أو باب صغير وسط باب كبير.
2- حشم الرجل: خاصته من أهل, أو خدم، أو جيرة.
ص -248-
نصره والصبر على ما أصابهم فيه وفاء وصدقًا
وحزمًا، وعلى الإمام المعصوم المهدي المعلوم أبي عبد الله محمد بن عبد
الله العربي القرشي الهاشمي الحسني الفاطمي المحمدي، الذي أيد بالعصمة
فكان أمره حتمًا، واكتُنف بالنور اللائح1 والعدل الواضح الذي يملأ
البسيطة2 حتى لا يدع فيها ظلامًا ولا ظلمًا؛ وعلى وارث شرفه الصميم
قسيمه -رضي الله عنه- في النسب الكريم، المجتبى لوراثة مقامه العلي،
الخليفة الإمام أبي محمد عبد المؤمن بن علي؛ وعلى أبي يعقوب ولي ذلك
الاستخلاص ومستوجب شرف الاجتباء والاختصاص. اللهم وارض عن المجاهد في
سبيلك، المحيي سنة رسولك؛ وعلى الخليفة الإمام أبي عبد الله ابن
الخلفاء الراشدين؛ اللهم وانصر ولي عهدهم، الطالع في أفق سعدهم، القائم
بالأمر من بعدهم، الخليفة الإمام أمير المؤمنين أبا يعقوب ابن أمير
المؤمنين، ابن أمير المؤمنين، ابن أمير المؤمنين، ابن أمير المؤمنين؛
اللهم كما شددت به عُرَا الإسلام، وجمعت على طاعته قلوب الأنام، ونصرت
به دين نبيك محمد عليه الصلاة والسلام؛ فاقض له بالنصر المقرون بالكمال
والتمام؛ اللهم كما اجتبيته3 من الخلفاء الراشدين, والأئمة المهديين،
فاجعله من المقتفين لآثارهم4، المهتدين بمنارهم، المقتبسين من أنوارهم.
اللهم وأيد الطائفة المنصورة والجماعة، إخوان نبيك، وطائفة مهديك،
الذين أخبرت عنهم في صريح وحيك أنهم لا يزالون ظاهرين على أمرك إلى
قيام الساعة؛ وأمدهم وكافة من انتظم في سلكهم من أنصار الدين، وحزبك
الموحدين، بمواد النصر والتمكين، والفتح المبين؛ واجعل لهم من عضدك
وتأييدك أعز ظهير، وأكرم نصير...
ثم يدعو وينزل فيصلي؛ فإذا فرغ دعا الخليفة بنفسه وأمن الوزير على ما
تقدم؛ فهذه كليات سيرتهم مجملة على ما يقتضيه شرط التقريب. وفي أثناء
ذلك تفاصيل يطول شرحها وليس بالناظر في هذا الكتاب إليها كبير حاجة؛ إذ
قد بُين له ما يستدل على ما لم يُرسم في هذه الأوراق بما رُسم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- اكتُنف: أُحيط. اللائح: البادي، الظاهر، المضيء، المتلألئ.
2- البسيطة: الأرض.
3- اجتباه: اختاره واصطفاه.
4- اقتفى الأثر: تبعه. |