تاريخ الخلفاء

الناصر لدين الله أحمد1
الناصر لدين الله: أحمد أبو العباس بن المستضيء بأمر الله، ولد يوم الاثنين عاشر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تولى الخلافة 575هـ، إلى 622هـ.

 

ص -318-      رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وأمه أم ولد تركية اسمها زمرد، بويع له عند موت أبيه في مستهل ذي القعدة سنة خمس وسبعين، وأجاز له جماعة: منهم أبو الحسين عبد الحق اليوسفي، وأبو الحسن علي بن عساكر البطايحي، وشهده، وأجاز هو لجماعة فكانوا يحدثون عنه في حياته، ويتنافسون في ذلك رغبة في الفخر لا في الإسناد.
وقال الذهبي: ولم يل الخلافة أحد أطول مدة منه، فإنه أقام فيها سبعة وأربعين سنة ولم تزل مدة حياته في عز وجلالة وقمع الأعداء واستظهار على الملوك، ولم يجد ضيمًا، ولا خرج عليه خارجي إلا قمعه، ولا مخالف إلا دفعه، وكل من أضمر له سوءًا رماه الله بالخذلان، وكان -مع سعادة جده- شديد الاهتمام بمصالح الملك، لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيته كبارهم وصغارهم، وأصحاب أخباره في أقطار البلاد يوصلون إليه أحوال الملوك الظاهرة والباطنة، وكانت له حيل لطيفة ومكائد غامضة وخدع لا يفطن لها أحد، يوقع الصداقة بين ملوك متعادين وهم لا يشعرون، ويوقع العداوة بين ملوك متفقين وهم لا يفطنون، ولما دخل رسول صاحب مازندران بغداد كانت تأتيه ورقة كل صباح بما عمل في الليل، فصار يبالغ في التكتم والورقة تأتيه بذلك، فاختلى ليلة بامرأة دخلت من باب السر فصبحته الورقة بذلك، وفيها: كان عليكم دواج فيه صورة الفيلة، فتحير وخرج من بغداد وهو لا يشك أن الخليفة يعلم الغيب؛ لأن الإمامية يعتقدون أن الإمام المعصوم يعلم ما في بطن الحامل وما وراء الجدار، وأتى رسول خوارزم شاه برسالة مخيفة، وكتاب مختوم، فقيل له: ارجع فقد عرفنا ما جئت به، فرجع وهو يظن أنهم يعلمون الغيب.
قال الذهبي: قيل: إن الناصر كان مخدومًا من الجن.
ولما ظهر خوارزم شاه بخراسان وما وراء النهر، وتجبر وطغى، واستعبد الملوك الكبار، وأباد أمَمًا كثيرة، وقطع خطبة بني العباس من بلاده، وقصد بغداد، فوصل إلى همذان، فوقع عليهم ثلج عظيم عشرين يومًا، فغطاهم في غير أوانه، فقال له بعض خواصه: إن ذلك غضب من الله حيث قصدت بيت الخلافة.
وبلغه أن أمم الترك قد تألبوا عليه، وطمعوا في البلاد لبعده عنها، فكان ذلك سبب رجوعه، وكفى الناصر شره بلا قتال.
وكان الناصر إذا أطعم أشبع، وإذا ضرب أوجع، وله مواطن يعطى فيها عطاء من لا يخاف الفقر.
ووصل إليه رجل معه ببغاء تقرأ:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} تحفة للخليفة من الهند، فأصبحت ميتة، وأصبح حيران، فجاءه فراش يطلب منه الببغاء، فبكى وقال: الليلة ماتت، فقال: قد عرفنا، هاتها ميتة، وقال: كم كان ظنك أن يعطيك الخليفة؟ قال: خمسمائة دينار، قال: هذه خمسمائة دينار، خذها، فقد أرسلها إليك الخليفة فإنه أعلم بحالك منذ خرجت من الهند.
وكان صدرجهان قد صار إلى بغداد، ومعه جماعة من الفقهاء، وواحد منهم لما خرج من

 

ص -319-      داره من سمرقند على فرس جميلة، فقال له أهله: لو تركتها عندنا لئلا تؤخذ منك في بغداد، فقال الخليفة لا يقدر أن يأخذها مني، فأمر بعض القوادين أنه حين يدخل بغداد يضربه، ويأخذها منه، ويهرب في الزحمة، ففعل، فجاء الفقيه يستغيث فلا يغاث، فلما رجعوا من الحج خلع على صدرجهان وأصحابه، وخلع على ذلك الفقيه، وقدمت له فرسه وعليها سرج من ذهب وطوق، وقيل له: لم يأخذ فرسك الخليفة، إنما أخذها أتوني، فخر مغشيًّا عليه وأسجل بكرامتهم.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان الناصر قد ملأ القلوب هيبة وخيفة، فكان يرهبه أهل الهند ومصر كما يرهبه أهل بغداد، فأحيا بهيبته الخلافة، وكانت قد ماتت بموت المعتصم، ثم ماتت بموته.
وكان الملوك والأكابر بمصر والشام إذا جرى ذكره في خلواتهم خفضوا أصواتهم هيبة وإجلالًا، وورد بغداد تاجر ومعه قناع دمياط المذهب، فسألوه عنه فأنكر، فأعطي علامات فيه: من عدده، وألوانه، وأصنافه، فازداد إنكاره، فقيل له: من العلامات أنك نقمت على مملوكك التركي فلان، فأخذته إلى سيف بحر دمياط في خلوة وقتلته ودفنته هناك، ولم يشعر بذلك أحد.
قال ابن النجار: دانت السلاطين للناصر، ودخل في طاعته من كان من المخالفين وذلت له العتاة والطغاة، وانقهرت بسيفه الجبابرة، واندحض أعداؤه، وكثر أنصاره، وفتح البلاد العديدة، وملك من المماليك ما لم يملكه أحد ممن تقدمه من الخلفاء والملوك، وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين، وكان أشد بني العباس، تتصدع لهيبته الجبال، وكان حسن الخلق، لطيف الخلق، كامل الظرف، فصيح اللسان، بليغ البيان، له التوقيعات المسددة، والكلمات المؤيدة، وكانت أيامه غرة في وجه الدهر، ودرة في تاج الفخر.
وقال ابن واصل: كان الناصر شهمًا شجاعًا، ذا فكرة صائبة، وعقل رصين، ومكر ودهاء، وله أصحاب أخبار في العراق وسائر الأطراف، يطالعونه بجزئيات الأمور، حتى ذكر أن رجلًا ببغداد عمل دعوة وغسل يده قبل أضيافه، فطالع صاحب الخبر الناصر بذلك، فكتب في جواب ذلك: سوء أدب من صاحب الدار، وفضول من كاتب المطالعة، قال: وكان مع ذلك رديء السيرة في الرعية، مائلًا إلى الظلف والعسف، ففارق أهل البلاد بلادهم، وأخذ أموالهم وأملاكهم، وكان يفعل أفعالًا متضادة، وكان يتشيع ويميل إلى مذهب الإمامية بخلاف آبائه، حتى إن ابن الجوزي سئل بحضرته: من أفضل الناس بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أفضلهم بعده من كانت ابنته تحته، ولم يقدر أن يصرح بتفضيل أبي بكر -رضي الله عنه- وقال ابن الأثير: كان الناصر سيئ السيرة، خربت في أيامه العراق مما أحدثه من الرسوم وأخذ أموالهم وأملاكهم، وكان يفعل الشيء وضده، وكان يرمي بالبندق، ويغوى الحمام.
وقال الموفق عبد اللطيف: وفي وسط ولايته اشتغل برواية الحديث، واستناب نوابًا في الإجازة عنه والتسميع، وأجرى عليهم جرايات، وكتب للملوك والعلماء إجازات، وجمع كتابًا وسبعين حديثًا، ووصل إلى حلب، وسمعه الناس.

 

ص -320-      قال الذهبي: أجاز الناصر لجماعة من الأعيان، فحدثوا عنه: منهم ابن سكينة، وابن الأخضر، وابن النجار، وابن الدامغاني، وآخرون.
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي وغيره: قل بصر الناس في آخر عمره، وقيل: ذهب كله، ولم يشعر بذلك أحد من الرعية، حتى الوزير وأهل الدار، وكان له جارية قد علمها الخط بنفسه، فكانت تكتب مثل خطه، فتكتب على التواقيع.
وقال شمس الدين الجزري: كان الماء الذي يشربه الناصر تأتي به الدواب من فوق بغداد بسبعة فراسخ، ويغلى سبع غلوات كل يوم غلوة، ثم يحبس في الأوعية سبعة أيام، ثم يشرب منه، ومع هذا ما مامت حتى سقى المرقد مرات، وشق ذكره، وأخرج منه الحصى، ومات منه يوم الأحد سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة.
ومن لطائفه أن خادمًا له اسمه يمن كتب إليه ورقة فيها عتب، فوقع فيها:

بمن يمن يمن                                      بمن ثمن ثمن

ولما تولى الخليفة بعث إلى السطلان صلاح الدين بالخلع والتقليد، وكتب إليه السلطان كتابًا يقول فيه: والخادم -ولله الحمد- يعدد سوابق في الإسلام، والدولة العباسية لا يعمرها أولية أبي مسلم؛ لأنه والى ثم وارى، ولا آخرية طغرلبك؛ لأنه نصر ثم حجر، والخادم خلع من كان ينازع الخلافة رداءها، وأساغ الغصة التي أذخر الله للإساغة في سيفه ماءها، فرجل الأسماء الكاذبة الراكبة على المنابر، وأعز بتأييد إبراهيم فكسر الأصنام الباطنة بسيفه الطاهر.
ومن الحوادث في أيامه منشورة في سنة سبع وسبعين وخمسمائة، أرسل الملك الناصر يعاتب السلطان صلاح الدين في تسميته بالملك الناصر مع علمه أن الخليفة اختار هذه التسمية لنفسه.
وفي سنة ثمانين جعل الخليفة مشهد موسى الكاظم أمنًا لمن لاذ به، فالتجأ إليه خلق، وحصل بذلك مفاسد.
وفي سنة إحدى وثمانين ولد بالعلث ولد طول جبهته شبر وأربع أصابع، وله أذن واحدة، وفيها وردت الأخبار بأنه خطب للناصر بمعظم بلاد المغرب.
وفي سنة اثنتين وثمانين اجتمع الكواكب الستة في الميزان، فحكم المنجمون بخراب العالم في جميع البلاد بطوفان الريح، فشرع الناس في حفر مغارات في التخوم وتوثيقها، وسد منافسها على الريح، ونقلوا إليها الماء والزاد، وانتقلوا إليها، وانتظروا الليلة التي وعدوا فيها بريح كريح عاد، وهي الليلة التاسعة من جمادى الآخرة، فلم يأت فيها شيء، ولا هب فيها نسيم، بحيث أوقدت الشموع، فلم يتحرك فيها ريح تطفئها، وعملت الشعراء في ذلك، فمما قيل فيه قول أبي الغنائم محمد بن المعلم:

قل لأبي الفضل قول معترف                      مضى جمادى وجاءنا رجب

وما جرت زعزع كما حكموا                        ولابدا كوكب له ذنب

 

ص -321-                                         كلا ولا أظلمت ذكاء ولا         بدت إذن في قرونها الشهب

يقضي عليها من ليس يعلم ما                  يقضي عليه هذا هو العجب

قد بان كذب المنجمين وفي                       أي مقال قالوا فما كذبوا؟

وفي سنة ثلاث وثمانين اتفق أن أول يوم في السنة كان أول أيام الأسبوع، وأول السنة الشمسية، وأول سني الفرس، والشمس والقمر في أول البروج، وكان ذلك من الاتفاقات العجيبة.
وفيها كانت الفتوحات الكثيرة، أخذ السلطان صلاح الدين كثيرًا من البلاد الشامية التي كانت بيد الفرنج، وأعظم ذلك بيت المقدس، وكان بقاؤه في يد الفرنج إحدى وتسعين سنة، وأزال السلطان ما أحدثه الفرنج من الآثار، وهدم ما أحدثوه من الكنائس، وبنى موضع كنيسة منها مدرسة للشافعية، فجزاه الله عن الإسلام خيرًا، ولم يهدم القمامة اقتداء بعمر -رضي الله عنه- حيث لم يهدمها لما فتح بيت المقدس، وقال في ذلك محمد بن أسعد النسابة:

أترى منامًا ما بعيني أبصر                       القدس يفتح، والنصارى تكسر؟

وقمامة قمت من الرجس الذي                بزواله وزوالها يتطهر

ومليكهم في القيد مصفود، ولم               ير قبل ذلك لهم مليك يؤسر

قد جاء نصر الله والفتح الذي                    وعد الرسول فسبحوا واستغفروا

يا يوسف الصديق أنت لفتحها                 فاروقها عمر الإمام الأطهر

ومن الغرائب أن ابن برجان ذكر في تفسيره: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ }[الروم: 1، 2] أن بيت المقدس يبقى في يد الروم إلى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ثم يغلبون ويفتح ويصير دار إسلام إلى آخر الأبد، أخذًا من حساب الآية، فكان كذلك.
قال أبو شامة، وهذا الذي ذكره ابن برجان من عجائب ما اتفق، وقد مات ابن برجان قبل ذلك بدهر، فإن وفاته سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
وفي سنة تسع وثمانين مات السلطان صلاح الدين -رحمه الله- فوصل إلى بغداد الرسول في صحبته لأْمة الحرب التي لصلاح الدين وفرسه، ودينار واحد، وستة وثلاثون درهمًا، لم يخلف من المال سواها، واستقرت مصر لابنه عماد الدين عثمان الملك العزيز، ودمشق لابنه الملك الأفضل نور الدين علي، وحلب لابنه الملك الظاهر غياث الدين غازي.
وفي سنة تسعين مات السلطان طغرلبك شاه ابن أرسلان بن طغرلبك بن محمد بن ملك شاه، وهو آخر ملوك السلجوقية.
قال الذهبي: كان عددهم نيفًا وعشرين ملكًا، أولهم طغرلبك الذي أعاد القائم إلى بغداد، ومدة دولتهم مائة وستون سنة.
وفي سنة خمسمائة واثنتين وتسعين هبت ريح سوداء بمكة، عمت الدنيا، ووقع على

ص -322-      الناس رمل أحمر، ووقع من الركن اليماني قطعة.
وفيها عسكر خوارزم شاه، فعدا جيحون في خمسين ألفًا، وبعث إلى الخليفة يطلب السلطنة، وإعادة دار السلطنة إلى ما كانت، وأن يجيء إلى بغداد، ويكون الخليفة من تحت يده، كما كانت الملوك السلجوقية، فهدم الخليفة دار السلطنة، ورد رسوله بلا جواب، ثم كفى شره كما تقدم.
وفي سنة ثلاث وتسعين انقض كوكب عظيم سمع لانقضاضه صوت هائل، واهتزت الدور والأماكن فاستغاث الناس، وأعلنوا بالدعاء، وظنوا ذلك من أمارات القيامة.
وفي سنة خمس وتسعين مات الملك العزيز بمصر، وأقيم ابنه المنصور بدله، فوثب الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب وتملكها، ثم أقام بها ابنه الملك الكامل.
وفي سنة ست وتسعين توقف النيل بمصر بحيث كسرها، ولم يكمل ثلاثة عشر ذراعًا، وكان الغلاء المفرط بحيث أكلوا الجيف والآدميين، وفشا أكل بني آدم واشتهر، ورؤي من ذلك العجب العجاب، وتعدوا إلى حفر القبور وأكل الموتى، وتمزق أهل مصر كل ممزق، وكثر الموت من الجوع بحيث كان الماشي لا يقع قدمه أو بصره إلا على ميت أو من هو في السياق، وهلك أهل القرى قاطبة بحيث إن المسافر يمر بالقرية فلا يرى فيها نافخ نار، ويجد البيوت مفتوحة وأهلها موتى.
وقد حكى الذهبي في ذلك حكايات يقشعر الجلد من سماعها، قال: وصارت الطرق مزرعة بالموتى، وصارت لحومها الطير والسباع، وبيعت الأحرار والأولاد بالدراهم اليسيرة، واستمر ذلك إلى أثناء سنة ثمانٍ وتسعين.
وفي سنة سبع وتسعين جاءت زلزلة كبرى بمصر والشام والجزيرة، فأخرجت أماكن كثيرة وقلاعًا، وخسفت قرية من أعمال بصرى.
وفي سنة تسع وتسعين في سلخ المحرم ماجت النجوم، وتطايرت تطاير الجراد، ودام ذلك إلى الفجر، وانزعج الخلق، وضجوا إلى الله تعالى، ولم يعهد ذلك إلا عند ظهور رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وفي سنة ستمائة هجم الفرنج إلى النيل من رشيد، ودخلوا بلدة فوه فنهبوها واستباحوها ورجعوا.
وفي سنة إحدى وستمائة تغلبت الفرنج على القسطنطينية، وأخرجوا الروم منها، وكانت بأيدي الروم من قبل الإسلام، واستمرت بيد الفرنج إلى سنة ستين وستمائة فاستطلقها منهم الروم.
وفيها -أي: سنة إحدى وستمائة- ولدت امرأة بقطيعاء ولدًا برأسين ويدين وأربعة أرجل، ولم يعش.
وفي سنة ست وستمائة كان ابتداء أمر التتار، وسيأتي شرح حالهم.
وفي سنة خمس عشرة أخذت الفرنج من دمياط برج السلسلة.

 

ص -323-      قال أبو شامة: وهذا البرج كان قفل الديار المصرية، وهو برج عالٍ في وسط النيل ودمياط بحذائه من شرقيه، والجزيرة بحذائه من غربيه، وفي نحايته سلسلتان تمتد إحداهما على النيل إلى دمياط، والأخرى على النيل إلى الجزيرة تمنعان عبوب المراكب من البحر المالح.
وفي سنة ست عشرة أخذت الفرنج دمياط بعد حروب ومحاصرات، وضعف الملك الكامل عن مقاومتهم، فبدعوا فيها، وجعلوا الجامع كنيسة، فابتنى الملك الكامل مدينة عند مفرق البحرين سموها المنصورة، وبنى عليها سورًا ونزلها بجيشه.
وفي هذه السنة كاتبه قاضي القضاة ركن الدين الظاهر وكان الملك المعظم صاحب دمشق في نفسه منه، فأرسل له بقجة فيها قباء وكلوته وأمره بلبسها بين الناس في مجلس حكمه، فلم يمكنه الامتناع، ثم قام ودخل داره ولزم بيته، ومات بعد أشهر قهرًا، ورمى قطعًا من كبده، وتأسف الناس لذلك، واتفق أن الملك المعظم أرسل في عقب ذلك إلى الشرف بن عنين حين تزهد خمرًا وبردًا، وقال: سبح بهذا فكتب إليه يقول:

يا أيها الملك المعظم سنة                              أحدثتها تبقى على الآباد

تجري الملوك على طريقك بعدها                     خلع القضاة وتحفة الزهاد

وفي سنة ثماني عشرة استردت دمياط من الفرنج فلله الحمد.
وفي سنة إحدى وعشرين بنيت دار الحديث الكاملية بالقاهرة بين القصرين وجعل شيخها أبا الخطاب بن دحية، وكانت الكعبة تكسى الديباج الأبيض من أيام المأمون إلى الآن فكساها الناصر ديباجًا أخضر، ثم كساها ديباجًا أسود فاستمر إلى الآن.
وممن مات في أيام الناصر من الأعلام: الحافظ أبو طاهر السلفي، وأبو الحسن بن القصار اللغوي، والكمال أبو البركات بن الأنباري، والشيخ أحمد بن الرفاعي الزاهد، وابن بشكوال، ويونس والد يونس الشافعي، وأبو بكر بن طاهر الأحدب النحوي، وأبو الفضل والد الرافعي وابن ملقون النحوي وعبد الحق الإشبيلي صاحب: الأحكام، وأبو زيد السهلي صاحب: الروض الأنف، والحافظ أبو موسى المديني، وابن بري اللغوي، والحافظ أبو بكر الحازمي، والشرف بن أبي عصرون، وأبو القاسم البخاري، والعتابي صاحب: الجامع الكبير، من كبار الحنفية، والنجم الحبوشاني المشهور بالصلاح، وأبو القاسم بن فيرة الشاطبي صاحب القصيدة، وفخر الدين أبو شجاع محمد بن علي بن شعيب بن الدهان الفرضي، أول من وضع الفرائض على شكل المنبر، والبرهاني المرغيناني صاحب: الهداية، من الحنفية، وقاضيخان صاحب الفتاوى منهم، وعبد الرحيم بن حجون الزاهد بالصعيد، وأبو الوليد بن رشد صاحب العلوم الفلسفية، وأبو بكر بن زهر الطبيبي، والجمال بن فضلان من الشافعية، والقاضي الفاضل صاحب الإنشاء والترسل، والشهاب الطوسي، وأبو الفرج بن الجوزي، والعماد الكاتب، وابن عظيمة المقرئ، والحافظ عبد الغني المقدسي صاحب: العمدة، والبركي الطاوسي صاحب الخلاف، وتميم الحلي، وأبو ذر الخشني النحوي، والإمام فخر الدين الرازي، وأبو السعادات بن الأثير صاحب: جامع الأصول، ونهاية الغريب، والعماد

 

ص -324-      ابن يونس صاحب: شرح الوجيز، والشرف صاحب: التنبيه، والحافظ أبو الحسن بن المفضل، وأبو محمد بن حوط الله، وأخوه أبو سليمان، والحافظ عبد القادر الرهاوي، والزاهد أبو الحسن بن الصباغ بقنا، والوجيه بن الدهان النحوي وتقي الدين بن المقترح، وأبو اليمن الكندي النحوي، والمعين الحاجري صاحب: الكفاية، من الشافعية، والركن العميدي صاحب الطريقة في الخلاف، وأبو البقاء العكبري صاحب: الإعراب، وابن أبي أصيبعة الطيب، وعبد الرحيم بن السمعاني، ونجم الدين العكبري، وابن أبي الصيف اليمني، وموفق الدين بن قدامة الحنبلي، وفخر الدين بن عساكر، وخلائق آخرون.