شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام

ج / 1 ص -462-    الباب الخامس والعشرون:
ذكر نسبهم:
أما نسبهم فإنهم من ولد جرهم بن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوج عليه السلام هذا مقتضى ما ذكره ابن إسحاق في "سيرته" وابن هشام في نسب جرهم.
وذكر ابن هشام أن جرهما هو ابن قحطان أبو اليمن كلها، وإليه يجتمع نسبها مع ابن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح... انتهى.
وقيل: إن جرهما بن مالك من الملائكة، وهذا يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه عنه الفاكهي في "تاريخه" لأنه قال: وحدثني حسن بن حسين أبو سعيد قال: حدثنا محمد بن حبيب، عن ابن الكلبي، عن أبي المقوم الأنصاري واسميه يحيى بن ثعلبة عن الكلبي، عن أبي صالح قال: كنا عند ابن عباس رضي الله عنهما فذكرنا جرهما، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الملك من الملائكة إذا أذنب ذنبا عظيما أهبط إلى الهوى، ونزعت منه روحاينة الملائكة وجعل في خلق ابن آدم، فأذنب ملك من الملائكة يقال له: عرعرا أو نحوها ذنبا فكان في الهوى، ثم هبط مكة، فتزوج امرأة من العماليق فولدت له جرهما، فذلك قول الحارث بن مضاض الجرهمي1:

اللهم إن جرهما عبادك    الناس طرف وهم قلادك2


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شاعر جاهلي قديم، وقوله: "وهم قلادك": أي أن أهل مكة كالقلادة، والحرم منهم قلادك أي قلاد بيتك.
2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 139.

 

ج / 1 ص -463-    ... انتهى.
وشعر الحارث في هذا المعنى طويل، ذكره الفاكهي، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
وقد أنكر السهيلي هذا الخبر لأنه قال: وجرهم هو الذي تتحدث به العرب في أكاذيبها، وكان من خرافاتها في الجاهلية أن جرهما ابن ملك أهبط من السماء لذنب أصابه، فغضب عليه من أجله، كما أهبط هاروت وماروت، ثم ألقيت فيه الشهوة، فتزوج امرأة، فولدت له جرهما، وقال فيه قائلهم:

اللهم إن جرهما عبادكا    الناس طرف وهم تلادكا

ثم قال: من كتاب "الأمثال" للأصبهاني1... انتهى. وقال: وقد قيل: إنه كان مع نوح في السفينة وذلك أنه من ولده2... انتهى.
ولم يبين السهيلي قائل هذه المقالة، وقد بين ذلك الفاكهي في كتابه "أخبار مكة" لأنه روى فيه بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان في السفينة ثمانون إنسانا وفيهم جرهم3... انتهى.
وذكر السهيلي اختلافا في نسب قحطان الذي ينسب إليه جرهم، وفوائد تتعلق بقحطان، فنذكر ذلك لما فيه من الفائدة، ونص كلامه: أما قحطان فاسمه مهرم فيما ذكر ابن ماكولا، وكانوا أربعة إخوة فيما روي عن ابن منبه: قحطان، وقاحط، ومقحط، وفالغ.
وقحطان أول من قيل له: أبيت اللعن، وأول من قيل له: عم صباحا.
واختلف فيه، فقيل: هو ابن غابر4 بن شالخ5، وقيل: هو ابن عبد الله أخو هود، وقيل: هو "هود" نفسه، فهو على هذا القول ابن إرم بن سام، ومن جعل العرب كلها من إسماعيل قالوا فيه: هو ابن تيمن بن قيدر بن إسماعيل، ويقال له: هو ابن الهميسع بن يمن.
ثم قال: وقال ابن هشام: يمن هو ابن6 يعرب بن قحطان ثم قال الإمام السهيلي: وقد احتجوا لهذا القول أعني أن قحطان من ولد إسماعيل عليه السلام بقول:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الروض الأنف 1/ 138، 139.
2 الروض الأنف 1/ 139.
3 أخبار مكة للفاكهي 5/ 139.
4 في الروض الأنف 1/ 12 "عابر" بالعين المهملة.
5 الروض الأنف 1/ 12.
6 ليس في الروض كلمة "ابن".

 

ج / 1 ص -464-    النبي صلى الله عليه وسلم: "ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا" قال هذا القول لقوم من أسلم بن قصي وأسلم أخو خزاعة، وهم بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، وهم من سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ولا حجة عندي في هذا الحديث لأهل هذا القول، لأن اليمن لو كانت من إسماعيل مع أن عدنا كلها من إسماعيل بلا شك لم يكن لتخصيص هؤلاء القوم بالنسب إلى إسماعيل معنى، لأن غيرهم من العرب أيضا أبوهم إسماعيل، ولكن في الحديث دليل والله أعلم على أن خزاعة من بني لمعة1 أخي مدركة بن إلياس بن مضر2... انتهى.
وقد اختلف في نسب قحطان المنسوب إليه جرهم اختلافا كثيرا.
فقال محمد بن عبدة بن سليمان النسابة فيما رواه عنه ابن عبد البر: اختلف النسابون جميعا في نسب قحطان على ثلاثة مقالات، تفرق كل أهل مقالة منها على ثلاثة مقالات، فنسبته طائفة إلى إرم بن سام بن نوح، وقالت فيه ثلاث مقالات.
ونسبته طائفة إلى غابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وقالت فيه ثلاث مقالات ونسبته طائفة إلى إسماعيل بن إبراهيم، وقالت فيه ثلاث مقالات... انتهى.
وقد بان بما ذكرناه في هذه الترجمة التي ذكرت شيء من نسب جرهم وقحطان وشيء من خبرهما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الروض الأنف 1/ 19: "قمعة".
2 الروض الأنف 1/ 19.

ذكر من ملك مكة من جرهم ومدة ملكهم لها وما وقع في نسبهم من الخلاف وفوائد تتعلق بذلك:
روينا عن الأزرقي بالسند المتقدم قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن إسحاق فذكر شيئا من خبر إسماعيل بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وبني إسماعيل، ثم قال: "ثم توفي نابت بن إسماعيل، فولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي وهو جد نابت بن إسماعيل أبو أمه وضم بني نابت بن إسماعيل وبني إسماعيل إليه، وصاروا مع جدهم أبي أمهم مضاض بن عمرو ومع أخوالهم من جرهم، وجرهم وقطورا يومئذ أهل مكة، وعلى جرهم مضاض بن عمرو ملكا عليها وعلى قطورا رجل منهم يقال له: السميدع ملكا عليهم وكانا حينا ظعنا من اليمن أقبلا سيارة، وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم، فلما نزلا مكة رأيا بلدا طيبا وأراما1 وشجرا، فأعجبهما ونزلا به، فنزل مضاض بن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في أخبار مكة للأزرقي "وإذا ماء".

 

ج / 1 ص -465-    عمرو بمن معه من جرهم أعلا مكة وقعيقعان، فحاز ذلك، ونزل السميدع أجياد وأسفل مكة، فيما حاز ذلك.
وكان مضاض بن عمرو يعشر من دخل مكة من أعلاها، وكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها ومن كداء1، وكل في قومه على حاله، لا يدخل واحد منهما على صاحبه في ملكه.
ثم إن جرهما وقطورا بغى بعضهما على بعض، وتنافسوا الملك بها، فاقتتلوا بها حتى نشبت الحرب أو شبت الحرب بينهم على الملك، وولاة الأمر بمكة مع مضاض بن عمرو بني نابت بن إسماعيل، وبني إسماعيل، وإليه ولاية البيت دون السميدع فلم يزل البغي حتى سار بعضهم على بعض، فخرج مضاض بن عمرو من قعيقعان في كتيبة سائرا إلى السميدع، ومع كتيبته عدتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب، يقعقع ذلك معه، ويقال: ما سميت قعيقعان إلا بذلك. وخرج السميدع بقطوراء من أجياد ومعه الخيل والرجال، ويقال: ما سميى أجياد إلا بخروج الخيل الجياد مع السميدع حتى التقوا بفاضح، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل السميدع وفضحت السميدع وفضحت قطوراء، ويقال: ما سمي فاضح فاضحا إلا بذلك.
ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح، فساروا حتى نزلوا المطابخ شعب بأعلى مكة يقال له: شعب عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فاصطلحوا بذلك الشعب، وأسلموا الأمر إلى مضاض بن عمرو، فلما جمع أمر مكة وصار ملكها له دون السميدع: نحر للناس وأطعمهم، وطبخ الناس وأكلوا فيقال: ما سمي المطابخ إلا بذلك.
قال: وكان الذي بين مضاض بن عمرو والسميدع أول بغي كان بمكة فيما يزعمون، فقال مضاض بن عمرو الجرهمي في تلك الحرب يذكر السميدع وقتله وبغيه والتماسه ما ليس له: 

ونحن قتلنا سيد الحي عنوة   فأصبح فيها وهو حيران موجع

وما كان يبغي أن يكون سوانا    بها ملك حتى أتانا السميدع2

فذاق وبالا حين حاول ملكنا    وعالج منا غصة تتجرع

فنحن عمرنا البيت كنا ولاته    ندافع عنه من أتانا وندفع


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في أخبار مكة للأزرقي "كدى".
2 في أخبار مكة للأزرقي:

وما كان يبغي أن يكون سواءنا   بها ملكا حتى أتانا السميدع

 

ج / 1 ص -466-    ومن كان يبغي أن يلي ذاك غيرنا   ولم يكن حي قبلنا ثم يمنع

وكنا ملوكا في الدهور التي مضت   ورثنا ملوكا لا ترام فتوضع

قال ابن إسحاق: وقد زعم بعض أهل العلم أنها سميت المطابخ لما كان تبح نحر بها وأطعم بها، وكانت منزله.
ثم نشر الله عز وجل بني إسماعيل بمكة، وأخوالهم جرهم إذ ذاك الحكام وولاة مكة والبيت، كانوا كذلك بعد نابت بن إسماعيل، فلما ضاقت عليهم مكة وانتشروا بها انبسطوا في الأرض وابتغوا المعاش والتفسح في الأرض، فلا يأتون قوم لا ينزلون بلدا إلا أظهرهم الله تعالى عليهم بدينهم فوطؤوهم وغلبوهم عليها، حتى ملكوا البلاد ونفوا عنها العماليق ومن كان ساكنا بلادهم التي كانوا اصطلحوا عليها من غيرهم، وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت لا ينازعهم إياه بنو إسماعيل لخؤولتهم وقرابتهم وإعظام الحرم أن يكون به بغي وقتال.
حدثني بعض أهل العلم قالوا: كانت العماليق هم ولاة الحكم بمكة، فضيعوا حرمة مكة، واستحلوا منه أمورا عظاما، ونالوا ما لم يكونوا ينالون، فقام رجل منهم يقال له عملوق، فقال: يا قوم أبقوا على أنفسكم فقد رأيتم وسمعتم خبر من أهلك من صدر الأمم قبلكم: قوم هود، وصالح، وشعيب، فلا تفعلوا المنكر وتواصلوا، ولا تستخفوا بحرم الله وموضع بيته، وإياكم والظلم والإلحاد فيه، فإنه ما سكنه أحد قط فظلم فيه وألحد إلا قطع دابرهم، واستأصل شأفتهم، وبدل أرضا غيرهم، حتى لا يبقى لهم بقية، فلم يقبلوا ذلك منه، وتمادوا في هلكة أنفسهم، قالوا: ثم إن جرهما وقطورا أخرجوا سيارة من اليمن، وأجدبت بلادهم عليهم، فساروا بذراريهم وأنفسهم وأموالهم، وقالوا: نطلب مكانا فه مرعى تسمن فيه ماشيتنا، فإن أعجبنا أقمنا فيه، فإن كل بلاد نزل بها أحد ومعه ذريته وماله فهي وطنه وإلا رجعنا إلا بلادنا فلما قدموا مكة وجدوا فيها ماء معينا وعضاها ملتفة من سلم وسمر، ونباتًا أسمن1 مواشيهم، وسعة من البلاد، ودفئا2 من البرد في الشتاء، وقالوا: إن هذا الموضع يجمع لنا ما نريد، فأقاموا مع العماليق، وكان لا يخرج من اليمن قوم إلا ولهم ملك يقيم أمرهم، وكان ذلك سنة فيهم، ولو كانوا نفرا يسيرا، فلما كان مضاض بن عمرو ملك جرهم والمطاع فيهم، وكان السميدع ملك قطورا، فنزل مضاض بن عمرو أعلا مكة، فكان يعشر كل من دخلها من أعلاها، وكان حوزهم وجه الكعبة والركن الأسود والمقام وموضع زمزم مصعدا يمينا وشمالا وقعيقعان إلى أعلى الوادي، ونزل السميدع أسفل مكة وأجيادا3،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في أخبار مكة: "ملتفة من سلم، وسمر ونباتا يسمن مواشيهم".
2 في أخبار مكة: "ودفا".
3 في أخبار مكة للأزرقي: "أجيادين".

ج / 1 ص -467-    فكان يعشر من دخل مكة من أسفلها، وكان حوزهم المسفلة، وظهر الكعبة، والركن اليماني والغربي، وأجياد، والثنية إلى الرمضة، فبنيا فيها البيوت واتسعا في المنازل وكثروا على العماليق، فنازعهم العماليق فمنعتهم جرهم وأخرجوهم من الحرم كله، فكانوا في أطرافه لا يدخلونه، فقال لهم صاحبهم عملوق: ألم أقل لكم لا تستخفوا بحرمة الحرم فغلبتموني؟ فجعل مضاض والسميدع يقطعان المنازل لمن ورد عليهما من قومهما، وكثروا وازيلوا وأعجبتهم البلاد، وكانوا قوما عربا، وكان اللسان عربيا، فكان إبراهيم عليه السلام خليل الله يزور إسماعيل عليه السلام، فلما سمع لسانهم وإعرابهم، سمع لهم كلاما حسنا، ورأى قوما عربا وكان إسماعيل عليه السلام قد أخذ بلسانهم، أمر إسماعيل أن ينكح فيهم، وخطب إلى مضاض بن عمرو ابنته رعلة، فزوجه إياها، فولدت له عشرة ذكور، وهي أم البيت وزوجته التي غسلت رأس إبراهيم عليه السلام حين وضع رجله في المقام.
ثم قال: فلم يزل أمر جرهم يعظم بمكة ويستفحل حتى ولوا البيت، فكانوا ولاته وحجابه، وولاة الأحكام بمكة، فجاء سيل فدخل البيت، فانهدم، فأعادته جرهم على بناء إبراهيم عليه السلام وكان طوله في السماء تسعة أذرع، وقال بعض أهل العلم: كان الذي بني البيت لجرهم أبو الجدرة، فسمي عمرو الجادر، وسموا بنوه الجدرة.
قال: ثم إن جرهما استخفت أمر البيت الحرام وارتكبوا أمورا عظاما وأحدثوا فيها المظالم وأحدثوا ما لم يكن، فقام مضاض بن عمرو بن الحارث فيهم خطيبا فقال: يا قوم احذروا البغي فإنه لا بقاء لأهله، قد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم فلم يعظموه، وتنازعوا بينهم واختلفوا فسلطكم الله عليهم فأخرجتموهم، فتفرقوا في البلاد، فلا تستخفوا بحق الحرم وحرمة البيت بيت الله عز وجل، ولا تظلموا من دخله أو جاءه معظما لحرمته، أو جاء بائعا لسلعته أو مرتعيا1 في جواركم، فإنكم إن فعلتم ذلك تخوفت أن تخرجوا منه خروج ذل وصغار، حتى لا يقدر أحد منكم أن يصل الحرم ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرم وأمن والطير تأمن فيه، فقال قائل منهم يقال له يجدع2: من الذي يخرجنا منه؟ ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالا وأموالا وسلاحا؟ فقال مضاض بن عمرو: إذا جاء الأمر بطل ما تقولون. فلم يقصروا عن شيء مما كانوا يصنعون، وكان للبيت خزانة بئر في بطنها يلقى فيها الحلي والمتاع الذي يهدى له، وهو يومئذ لا سقف له، وتواعد له خمسة نفر من جرهم أن يسرقوا ما فيها، فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم، واقتحم الخامس، فجعل الله عز وجل أعلاه أسفله، وسقط منكسا، فهلك، وفر الأربعة الأخر. فعند ذلك مسحت الأركان الأربعة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في أخبار مكة: "مرتعبا" وهو خطأ.
2 في أخبار مكة للأزرقي: "مجدع".

 

ج / 1 ص -468-    ثم قال: وقال أهل العلم: إن جرهما لما طغت في الحرم دخل رجل منهم وامرأة يقال لها إساف ونائلة البيت ففجرا فيه فمسخهما الله تعالى حجرين، فأخرجا من الكعبة فنصبا على الصفا والمروة ليعتبر بهما من رآهما وليزدجر الناس عن مثل ما ارتكبا1... انتهى.
وقد يشتمل هذا الخبر على أمور من حال جرهم، وفيه موضعان يقتضيان أنهم أخرجوا العماليق من مكة، وهذا الخبر الذي أشرنا إليه بعد ذكرنا لخبر ابن عباس وابن خيثم في خروج العماليق من مكة، لكونه يفهم خلاف ما يفهمه الخبران المشار إليهما... والله أعلم.
وأظن أن أبا الوليد الأزرقي مؤلف "أخبار مكة" هو القائل: حدثني بعض أهل العلم، قالوا: كانت العماليق هم ولاة الحكم في مكة2، إلى آخر ما ذكرناه من خبر العماليق وقطورا وجرهم، ويحتمل أن يكون قائل ذلك هو ابن إسحاق زيادة على ما ذكره من خبر جرهم وقطورا لما في ذلك من الفوائد الزائدة على ما ذكره أولا... والله أعلم.
وذكر المسعودي خبر جرهم وقوم السميدع على وجه يخالف ما ذكره الأزرقي عن ابن إسحاق، وأفاد في ذلك ما لم يفده غيره، فاقتضى ذلك ذكر ما فيه مما يلائم خبر المشار إليهم دون ما فيه من خبر غيرهم، إلا ما لا بد من ذكره، لارتباط الكلام به، قال المسعودي: ولما أسكن إبراهيم ولده عليهما السلام مكة مع أمه هاجر ثم قال: وكان من خبر إسماعيل وخبر هاجر ما كان إلى أن أنبع الله زمزم وأقحط الشحر واليمن، فتفرقت العماليق وجرهم، ومن هنالك من عاد، فيممت العماليق نحو تهامة يطلبون الماء والمرعى والدار المخصبة وعليهم السميدع بن هوثر بن لاوي بن قطور بن كركر بن حمدان3، فلما أمعنت4 بنو كركر من المسير وقد عدمت الماء والمرعى واشتد بها الجهد، أقبل السميدع بن هوثر يرتجز بشعر له يحثهم على المسير ويشجعهم فيما نزل بهم، فقال:

سيروا بني الكراكر في البلاد   إني أرى الدهر في فساد

قد سار من قحطان ذو الرشاد

فأشرف روادهم وهم المتقدمون منهم لطلب الماء على الوادي، فنظروا إلى الطير يرتفع وينخفض، فاستبطنوا الوادي، فنظروا إلى العريش على الربوة الحمراء، يعني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 81- 88.
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 89,
3 في مروج الذهب "السميدع بن هوبر بن لاوي بن قيطور بن كركر بن حيدان، وفي نسخة: السميدع بن هود بن لابي بن قنطور".
4 في مروج الذهب 1/ 582: "أجهدت".

 

ج / 1 ص -469-    موضع البيت، لأنه ذكر أنه كان ربوة حمراء، وفيها هاجر وإسماعيل، وقد زما حول الماء بالحجارة، ومنعوه من الجريان، ثم قال: فسلم الرواد عليهما واستأذنوهما في نزولهم وشربهم من الماء، فأنست إليهم وأذنت لهم في النزول، فتلقوا من وراءهم من أهلهم، وأخبروهم خبر الماء، فنزلوا الوادي مطمئنين مستبشرين بالماء لما أضاء لهم الوادي من نور النبوة وموضع البيت الحرام.
ثم قال: وتسامعت جرهم ببني كركر، ونزولهم في الوادي، وما هم فيه من الخصب ودر الضرع، وهم في حال قحط، فساروا نحو مكة وعليهم الحارث بن مضاض بن عمرو بن سعد بن رقب بن ظالم بن هني1 بن نبت بن جرهم، حتى أتوا الوادي، ونزلوا على مكة، واستوطنوا الدار مع إسماعيل ومن تقدمهم من العماليق من بني كركر، وقد قيل في كركر: إنهم من العماليق، وقيل: من جرهم، والأشهر أنهم من العماليق.
ثم قال بعد ذكر شيء من خبر إسماعيل: ولما قبض إسماعيل قام بالبيت بعده نابت بن إسماعيل، ثم قام بعد نابت إياس بن جرهم لغلبة جرهم على دار إسماعيل، وكان ملك جرهم يومئذ الحارث بن مضاض، وهو أول من ولي البيت، فكان ينزل هنالك في الموضع المعروف بقعيقعان لما ذكرنا، وخرج السميدع ملك العماليق معه الجياد من الخيل، فعرف الموضع بجياد إلى هذا الوقت، فكانت على الجرهميين فافتضحوا، فسمي الموضع فاضحا إلى هذه الغاية، ثم اصطلحوا ونحروا الجزور وطبخوا، فسمي الموضع المطابخ إلى هذه الغاية، وصارت ولاية البيت إلى العماليق، ثم كانت لجرهم عليه، فأقاموا ولاة البيت نحو ثلاثمائة سنة، وكان آخر ملوكهم الحارث بن مضاض الأصغر بن عمرو بن الحارث بن مضاض الأكبر، وزاد في بناء البيت ورفعه عما كان من بناء إبراهيم2... انتهى.
وقد أغرب المسعودي فيما ذكره من أن ملك جرهم حين قدموا إلى مكة: الحارث بن مضاض بن عمرو، فإن المعروف أن ملكهم إذ ذاك مضاض بن عمرو كما ذكر ابن إسحاق وغيره، وذكر المسعودي بعد ذلك ما يوافق ما ذكره ابن إسحاق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في مروج الذهب: "هيني" وفي نسخة: "ظالم بن مجالة بن هي".
2 مروج الذهب 2/ 46-50.

 

ج / 1 ص -470-    وممن ذكر أن أول ملوك جرهم بمكة مضاض بن عمرو بن غالب الجرهمي الزبير بن بكار، لأنه قال: كان أول من ولي البيت من جرهم مضاض بن عمرو بن غالب الجرهمي، ثم ولده بعده، ثم بنوه كابرا عن كابر، حتى بغت جرهم بمكة... انتهى.
وأغرب المسعودي أيضا فيما ذكره من أن جرهما لما اقتتلوا مع السميدع وقومه، كانت الدائرة على الجرهميين، وأن ولاية البيت صارت للعماليق، ثم صارت لجرهم، والمعروف في قتال الفريقين أن الدائرة كانت على السميدع وقومه، وأنه قتل في هذه الواقعة، وانفرد مضاض بن عمرو الجرهمي بملك مكة كما هو مقتضى ما ذكره ابن إسحاق وغيره، ولا أعلم للمسعودي فيما ذكره في ذلك سلفا ولا خلفا إلا "شارخ العبدونية" فإنه ذكر في ذلك نحو ما ذكره المسعودي، ولعله قلد المسعودي في ذلك، فإنه متأخر عنه، والله أعلم.
وأفاد المسعودي رحمه الله فيما ذكره من خبر الفريقين أمورا لم يفدها غيره فيما علمت، منها: كون السميدع وقومه من العماليق، ومنها: كونهم قدموا إلى مكة قبل جرهم، ومنها: ما ذكره في مدة ملك جرهم، وأفاد في "تاريخه" أيضا في ملكهم غير ذلك، لأنه قال: ووجدت في وجه آخر من الروايات أن أول من ملك من ملوك جرهم بمكة مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هني بن نبت بن جرهم بن قحطان مائة سنة، ثم ملك بعده ابنه عمرو بن مضاض مائة وعشرين سنة، ثم ملك الحارث بن عمرو مائة سنة، وقيل دون ذلك، ثم ملك بعده عمرو بن الحارث مائتي سنة، ثم ملك بعده مضاض بن عمرو الأصغر بن الحارث بن عمرو بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هني بن نبت بن جرهم بن قحطان أربعين سنة1... انتهى.
وقد ذكر "شارح العبدونية" مدة ملوك جرهم وترتيبهم على وفق كلام المسعودي هذا بالمعنى، إلا أنه لم يذكر القول الذي ذكره المسعودي في أن مدة ملك الحارث بن عمرو بن مضاض دون مائة سنة.
وذكر الشارح أيضا في مدة ملك جرهم غير ما ذكره المسعودي، ونص كلامه: وكانت ولاية البيت بعد نابت بن إسماعيل في جرهم نحو ثلاثمائة سنة، وقد قيل: خمسمائة سنة وستين سنة، وقيل: ستمائة سنة... انتهى.
والقول الثاني يوافق ما ذكره المسعودي في مدة ملكهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مروج الذهب 2/ 51.

 

ج / 1 ص -471-    وما ذكره المسعودي في نسب السميدع يخالف ما ذكره السهيلي في نسبه، لأن المسعودي ذكر أنه السميدع بن هوثر -بثاء مثلثة قيدها- البكري بن لابي بن قطور بن كركر بن عملاق1 فوقعت المخالفة في اسمين، أحدهما قطور بدل قطورا، وجيدان بدل عملاق، ولعل الصواب ما ذكره السهيلي، إلا أن يكون ذلك تصحيفا من ناسخ النسخة التي رأيتها من "تاريخ المسعودي"، ورأيت فيها ما يقتضي أن هوبر بالباء ذكر "شارح العبدونية" نسب السميدع كالمسعودي، إلا أنه انتهى في نسبه إلى الكركر، ووقع في بعض نسخ الشرح ابن هود، وليس السميدع هذا بالسميدع الذي حاربه يوشع بن نون، وإن كانا قد اتفقا في الاسم واسم الأب، وفي الانتساب إلى العماليق، ولأن المسعودي قال في أخبار يوشع بن نون: وسار ملك الشام وهو السميدع بن هوثر2 بن ملك إلى يوشع بن نون، فكانت له معه حروب إلى أن قتله يوشع، واحتوى على جميع ملكه، ثم قال: وقد قيل إن يوشع بن نون كان يريد3 محاربته لملك العماليق وهو السميدع، ببلاد أيلة صوب مدين4... انتهى.
والدليل على ما ذكرناه من أن السميدع هذا ليس بالسميدع الذي حاربه يوشع بن نون: أن السميدع ملك قطور كان في زمن الخليل عليه السلام على ما يقتضي كلام المسعودي في الخبر الذي سبق ذكرنا له باختصار، ويوشع المحارب للسميدع كان بعد الخليل عليه السلام بزمن طويل، لأن بين يوشع والخليل عليه السلام خمسة آباء، فإنه على ما ذكره المسعودي: يوشع بن نون بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وإذا كان بين يوشع والخليل عليه السلام هذه الآباء كان متأخرا عن الخليل بدهر طويل، فيكون كذلك السميدع، والسميدع ملك قطورا من العماليق، والزباء الملكة من ذريته على ما فهم السهيلي1 من كلام صاحب "الأغاني"5، والله أعلم.
وذكر السهيلي ما يقتضي أن قطورا الذي منهم السميدع هذا من جرهم، لأنه قال لما ذكر الآباء التي بين عدنان وإبراهيم عليه السلام: وذكر -يعني الطبري6 فيهم أيضا دوس العتقي، وكان أحسن الناس وجها، وكان يقال في المثل: أعتق من دوس، وهو الذي هزم جيش قطورا من جرهم7... انتهى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الروض الأنف 1/ 136.
2 في مروج الذهب: "هوبر".
3 في مروج الذهب: "كان بدء محاربته".
4 مروج الذهب 1/ 51.
5 في كتابه "الأمثال" كما صرح السهيلي في الروض الأنف 1/ 139.
6 تاريخ الطبري 2/ 275.
7 الروض الأنف 1/ 12.

 

ج / 1 ص -472-    وما ذكره المسعودي في نسب ملوك جرهم مخالف لما ذكره السهيلي في ذلك، وكلام المسعودي أيضا مختلف، لأنه أعنى المسعودي ذكر أن جرهما لما ساروا نحو مكة كان عليهم الحارث بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن ظالم بن هني1 بن نبت بن جرهم2.
وقال أيضا: ووجدت في وجه آخر من الروايات أن أول ملك من ملوك جرهم بمكة مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هني بن نبت بن جرهم3.
وقال السهيلي: وكان الحارث بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هني4 بن نبت بن جرهم قد نزل قنونا5 من أرض الحجاز6، وذكر قضية يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى، ووقعت المخالفة في كلام المسعودي في "هني" بالهاء والنون، وفي "منى" بالميم، وفي زيادة "ظالم" بين الرقب" وبين "مي" وفي إسقاط ظالم، ووقعت المخالفة بين المسعودي والسهيلي في زيادة "ظالم"، وفي "هني" هل هو "هني" بالنون كما ذكر المسعودي، أو هي بلا نون كما ذكر السهيلي، أو هي بالميم كما ذكر المسعودي، إلا أن يكون ذلك غلطا من ناسخ أحد الكتابين فتنتفي المعارضة، والله أعلم.
وذكر الشيخ فتح بن موسى بن حماد الأندلسي7 في كتاب له نظم فيه السيرة لابن إسحاق خبرا طويلا، فيه ما يخالف ما ذكره المسعودي والسهيلي في نسب ملوك جرهم، وفيه ما يخالف ما ذكره ابن إسحاق في سبب تسمية قعيقعان وأجياد وفاضح والمطابخ وغير ذلك، فاقتضى ذلك ذكره لإفادة ذلك وغيره من الفوائد، وهو أن إلياس بن مضر قال: سألت عمي إياد بن نزار عن أصل ماله وكان متمولا فذكر أنه مرت عليه سنون، لم يبق له سوى عشرة أبعرة، يعود بكراها على أهله، وذكر أنه كان أكبر إخوته، ثم قال: فخرج إياد إلى الشام بجماله فلم يجد من يكتري منه، فسمع صوتا كالرعد ينادي: من يحملني إلى الحرم وله وقر جمل درا وياقوتا وعقيانا، ولا يجيبه أحد، فتتبع الصوت، إلى أن وجد رجلا أعمى كالنخلة السحوق، ولحيته تناطح ركبتيه، فراعه ذلك وقال: عندي يا شيخ حاجتك. قال: ادن مني، فدنا منه. فقال: أنت إياد بن نزار؟ فقال: نعم! فمن عرفك باسمي؟ قال: علمه عندي عن جدي أن إياد بن نزار يرد الحارث بن مضاض

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عند المسعودي: "هيني" وفي نسخة "هي".
2 مروج الذهب 2/ 47.
3 مروج الذهب 2/ 51.
4 في الروض: "هي".
5 في الروض: "بقنوني" وهي القنقدة.
6 الروض الأنف 1/ 138.
7 فقيه عالم بالأدب والحكمة والمنطق، ولد بالجزيرة الخضراء سنة 588هـ. وتوفي بها سنة 663هـ وتولى القضاء بأسيوط بمصر، ومن كتبه "نظم المفضل للزمخشري" و"نظم الإشارات لابن سينا". انظر: الأعلام ص: 766.

 

ج / 1 ص -473-    إلى مكة من طول غربته، فقال: كم جملا عندك؟ قلت: عشرة: قال: تكفيني، قلت هل معك غيرك؟ قال: لا ولكني إنما أركب الجمل يوما وأتميل، فقلت، قد لفظت له بجملة، فلا أعود، وبيننا وبين مكة عشرة مناهل، فحملته، وكلما حسر جمل قطرته إلى آخر، إلى أن عارضنا مكة، فقال: يا بني إني أحسب الجمل يجمر بي جمرا وأظنه واقعا حول جبل المطابخ قلت: نعم. قال: اسمع آخر كلامي، قلت: نعم. قال: أنا الحارث بن مضاض بن عبد المسيح بن بقيلة بن عبد المدان بن خشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن قحطان بن هود عليه السلام. كنت ملك مكة وما والاها إلى هجر، ومدين وثمود، وكان أخي عمرو بن مضاض ملكا قبلي، وكنا نعلق التيجان على رءوسنا يوما ويوما نعلقها بباب الحرم، فحضر يهودي بدرٍّ وياقوت، فاشترى منه أخي ما شاء الله، وأنصفه في الثمن، ووفاه، فباع أفخره على السوقة، فسمع أخي، فانتزع جميع ما كان معه، فأغفل اليهودي حارس التاج بباب الحرم فقتله، وحمل التاج، فلم نعرف الخبر إلا ممن رآه بالبيت المقدس، فأرسل أخي إلى ملكهم فأران بن سبط يليامين بن يعقوب أن يرد التاج ويأخذ حق اليهودي، فلم يفعل، فخرج إليهم أخي في مائة ألف وخمسين ألفا من أجناده ومن العمالقة وقضاعة، واستنصر فأران بن شنيف بن هرقل، فخرج إلينا في مائتي ألف، وجماعة من أهل الشام فساروا إلينا ونزلوا شرقي هذا الجبل، ونزلنا غربيه، وأوقدنا كلنا النيران، وطبخوا وطبخنا، فسمي ذلك جبل المطابخ، ثم نزلنا قعيقعان فتقعقعنا نحن وهم بالجحف والسلاح، فسمي الجبل قعيقعان، ثم لم اصطففنا خرج أخي وقال: أنا الملك عمرو بن مضاض فابرز لي يا شنيف، فمن أظفره الله كان الملك له، ففعل، فقتله أخي على ربوة فاضح، فنزل إليه فجره برجليه وفضح بذلك، فسميت تلك الربوة ربوة فاضح، وامتنع "فأران" من الوفاء بما التزمه شنيف، فقاتلناهم، وقتل أخي فأران، فانهزموا، وتبعناهم إلى بيت المقدس، فأذعنوا للطاعة، فتزوج أخي منهم برة بنت شمعون، ولم يكن في زمانهم أجمل منها، فشفعت له أن يرحل عن قومها، فرحل، فلما بلغ مكة، وكان عنده مائة رجل من أعيان بني إسرائيل رهائن على الطاقة فلما كانوا بأجياد سمت زوجته مسكة من حديد وألقتها في فراشه، فلما نام عليها مات، وهربت الزوجة في الرهان المائة على نجب عدوها، فلحقناهم وأحضرناهم، فأمرت بقتلهم، فقال أولهم للسياف: لا تخفض ولا ترفع وانزل بسيفك على الأجياد، فسمي موضع قتلهم بالأجياد، وملكت وتزوجت بها، وقصدتني بنو إسرائيل بجنود عظيمة، ومعهم تابوت داود عليه السلام الذي فيه السكينة والزبور، فهزمتهم، وأخذت جرهم التابوت فدفنته في مزبلة، فنهبتهم فعصوني، فأخرجته ليلا ووضعت مكانه تابوتا يشبهه، ونهاهم عنه هميسع بن نبت بن قيدار بن إسماعيل، فأبوا فأعطيته التابوت، فسلط الله على جرهم والعمالقة عللا كثيرة، فماتوا إلا من كره فعلهم، فملكت ابني عمرو، وخرجت

 

ج / 1 ص -474-    أجول في الأرض، فضربت الأمثال بغربتي، وسار به إلى شعب الأثل عند غيضة زيتون فقال: يا بني قد خلونا وثالثنا الله الشاهد العالم الواحد، وإذا أسديت نعمة للمرء وجب عليه شكرها، وقد أسديت إلي نعمة وجب علي شكرها، فعلي لك النصيحة أو أقع في الفضيحة: أنبئك بما ينجيك، والذي به أهديك أحب إلي مما أغنيك، يا بني هل ولد في آل مضر مولود اسمه محمد؟ قلت: لا، قال: إنه سيولد ويأتي حينه ويعلو دينه ويقبل أوانه، ويشرف زمانه، فإن أدركته فصد وحقق، وقبل الشامة التي بين كتفيه صلى الله عليه وسلم، وقل له: يا خير مولود، دعوت إلى معبود، فأجب ولا تخب، ثم قال:

شكر مسارعا نعم الأيادي   لخير الناس كلهم أبادي

إلى ابن نزار حيث الفقر حتى    نزلت برحله من غير زاد

وذكر باقي الأبيات، ثم أتى صخرة عظيمة مطبقة على صخرة فقلعها، ودخل معه سربا، وذكر العقبة، إلى أن دخل بيتا فيه أربعة أسرة، سرير خال، وثلاثة عليها رجال، وفي البيت كرسي دار وياقوت وعقيان ولجين، فقال لي: خذ وقر جملك لا غير، وقال له: هذاك الذي على يسار سريري الخالي مضاض أبي، والذي على يساره ابنه عبد المسيح، والذي على يساره سرير ابنه بقيلة، لوح رخام فيه مكتوب: أنا بقيلة بن عبد المدان، عشت خمسمائة سنة في طلب الملك، فلم يكن ذلك ينجيني من الموت، وعلى رأس عبد المسيح، أنا عبد المسيح، عشت مائة سنة وركبت مائة فرس، وافتضضت مائة بكر، وقتلت مائة مبارز، وأخذني الموت غضبا فأورثني أرضا، وعلى رأس مضاض: أنا مضاض عشت ثلاثمائة سنة، أخذت مصر والقدس، وهزمت الروم بالمرادن، ولم يكن لي بد من الموت، ثم استوى على سريره الخالي، وإذا على رأسه مكتوب: أنا الحارث بن مضاض، عشت أربعمائة سنة، ملكت مائة، وجلت في الأرض ثلاثمائة سنة متغربا بعد هلاك قومي جرهم، ثم قال: يا بني ناولني القارورة التي في تلك الكسوة، فناولته إياها، فشرب نصفها وادهن بنصفها، وقال: إذا أتيت إخوتك وقومك فقالوا لك: من أين لك هذا المال؟ فقل لهم: إن الشيخ الذي حملته هو الحارث بن مضاض الجرهمي، فهم يكذبونك، فقل لهم: إن آيتي الحجر المدفون بجوار زمزم فيه مقام إبراهيم، وفي الحجر الذي يليه شعر الحارث بن مضاض، وهو قوله:

كأن لم يكن بن الحجون إلى الصفا   أنيس ولم يسمر بمكة سامر1


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا البيت من قصيد طويلة تروي عن المضاض بن عمرو الجرهمي، وراجعها في صفحة 47 من كتاب "تاريخ القطبي". وستأتي الأبيات بعد قليل وتنسب لعمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي.

 

ج / 1 ص -475-    الأبيات الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى، ثم قال: ناولني القارورة الأخرى، فناولته فشربها، فصاح صيحة فمات، فخرجت بما معي من المال... انتهى. هذا الخبر على ما هو مذكور في الكتاب المذكور، إلا أني تركت منه شيئا لا تعلق له بخروجهم، وإنما له تعلق بحال إياد بن نزار، وسوى لفيظات في الخبر مصحفة في النسخة التي نقلت منها هذا الخبر، فكتبتها على الصواب إلا ما لم يتجه لي فيه وجه الصواب، فكتبته على ما وجدته في النسخة التي نقلت منها هذا الخبر: تسمية أخي الحارث بن مضاض بعمر بغير واو، ولا أدري هل ذلك صواب؟ والصواب: عمرو بالواو.
وقال الأندلسي بعد ذكره لهذا الخبر: فانظر إلى ما اشتملت عليه هذه الحكاية من مخالفات ما نقله صاحب السيرة من أن هذا الشعر لعمرو بن الحارث بن مضاض، وهو ههنا لوالده، قال: ويمكن الجمع بأن يكون ولده تمثل بها لما فاروا مكة، ثم نبه رحمه الله على أن ما في هذا الخبر من نسب الحارث بن مضاض مخالف لما ذكره السهيلي في نسبه، وقد سبق ما ذكره السهيلي في نسب جرهم، فأغنى عن إعادته.
ومن موجبات ذكر فتح الأندلسي لهذا الخبر الاستدلال به على خلاف ما ذكره السهيلي فيما اعترض به على ابن إسحاق فيما ذكره في سبب تسمية أجياد، ويذكر كلاما ثم يتبعه بتعقب فتح له، لما في ذلك من الفائدة.
قال السهيلي رحمه الله: وأما أجياد فلم يسم بأجياد من أجل جيل الخيل، كما ذكر -يعني ابن إسحاق- لأن جياد الخيل لا يقال فيها: أجياد، وإنما أجياد جمع جيد، وذكر أصحاب الخبر أن مضاضا ضرب في ذلك الموضع من أجياد مائة رجل من العمالقة، فسمي الموضع بأجياد، وهكذا ذكر ابن هشام في غير هذا الكتاب1... انتهى.
وأما تعقب فتح بذلك فلأنه قال: قلت: وما ذكره السهيلي لا يلزم ابن إسحاق، لأن تسمية الشيء لأجل لا يلزم أن يصدق على لفظه بحاله، بل يصدق عليه، كما ذكروه في المطابخ وفاضح، وقد لا يصدق كما ذكره في قعيقعان، فيكون كحكم الجياد مع أجياد، وكحكم القعقعة مع قعيقعان، ويحتمل أن يكون مراده لأجل أجياد الجياد، لأن أعناق الخيل أول ما ظهرت هناك، فيكون على حذف المضاف لقربه من الصفة، على أن لا يسلم له أنه لا يجمع جيد على جيد، فإن المنقول عن سيبويه رحمه الله أن جيدا فعل بضم الفاء وسكون العين كريح، وقد جمعوا الريح على رياح، فكذلك الجيد على هذا التقدير يجمع على جياد، ويؤيد هذا أن سيبويه رحمه الله ذكر أن باب فعل يجمع في التكسير على فعول وفعال، وإن كان جمع فعول فيه أكثر من فعال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الروض الأنف 1/ 136.

 

ج / 1 ص -476-    وأما ما ذكره عن أصحاب الأخبار من ضرب مضاض في ذلك الموضع أجياد مائة من العماليق، فإن الذي نقلته من كتب جماعة أن الذي ضرب الرقاب هناك لم يكن مضاضا، ولا كانت المائة المقتولة من العمالقة أصلا، فإن أصحاب الأخبار قد ذكروا في حديث طويل نذكر معناه مختصرا لأن فيه ما يدل على البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أن إلياس بن مضر قال: سألت عمي إياد بن نزار عن أصل ماله، وكان متمولا، فذكر الخبر المتقدم... انتهى.
قلت: لا مانع من أن يكون مضاض بن عمرو الجرهمي ضرب أيضا بأجياد: أجياد مائة رجل من العمالقة، لما ظهر على قطورا قوم السميدع وهم من العمالقة كما تقدم، ويصح بذلك ما نقله السهيلي عن ابن هشام وغيره من أهل الأخبار، وتكون ذلك قضية، وما ذكره من فتح الأندلس قضية أخرى، وقد ذكر صاحب "الاكتفا" ما يؤيد ذلك، لأنه قال: وغير ابن إسحاق يقول: إنما سمي بأجياد لأن مضاضا ضرب في ذلك الموضع جياد مائة رجل فيه من العمالقة، وقيل: بل أمر بعض الملوك غير مسمى بضرب الرقاب فيه، فكان يقول لسيافه توسطا لأجياد، وهذا أو نحوه أصح في تسمية الموضع بأجياد مما قال ابن إسحاق... انتهى.
ولا منافاة بين ما ذكره صاحب "الاكتفا" من أن الملك قال لسيافه: توسط الأجياد، وبين ما تقدم في الخبر من أن قائل ذلك أول المقتولين، لإمكان أن يكون قال الملك ذلك أيضا لسيافه، كما قاله المقتول للسياف، لأن المقتول سأل ما لا يؤثر في مقصود الملك، فأجابه الملك إلى سؤاله، والله أعلم.
وقد قيل في سبب تسميته أجياد وقعيقعان غير ما ذكره ابن إسحاق في سيرته، لأن الأزرقي ذكر خبرا في خبر تبع، قال فيه: "ثم سار تبع حتى قدم مكة، فكان سلاحه بقعيقعان، فيقال: فبذلك سمي قعقيعان، وكانت خيله بأجياد، ويقال: إنما سميت أجيادا بأجياد خيل تبع، وهذا الخبر رواه الأزرقي، عن جده، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج عن ابن إسحاق1.
وقد قيل في سبب تسمية أجياد وقعيقعان، والمطابخ شيئا يستغرب، ذكره الفاكهي لأنه قال: وحدثني عبد الله بن أبي سلمة قال: حدثني الوليد بن عطاء بن أبي مسلم الأعز، عن أبي صفوان المرواني قال: حدثنا ابن جريج قال: قال مجاهد: قال ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن أباكم إسماعيل أول من ذللت له الخيل العراب فأعتقها وأورثكم حبها"، وذلك أن الخيل العراب كانت كلها وحوشا كسائر الوحوش،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي1/ 133.

 

ج / 1 ص -477-    فلما أذن الله عز وجل لإبراهيم وإسماعيل برفع القواعد من البيت أعطى لكل واحد منهم كنزا من كنوزه فأوحى الله إلى إسماعيل إني معطيك كنزا من كنوزي ذخرته لك لم أعطه أحدا قبلك، فخرج إسماعيل وما يدري ما ذلك الكنز وما يدري الدعاء، حتى أتى أجياد، فألهمه الله تعالى الدعاء فدعا به وأحيط الداعي بالخيل فلم يبق في بلاد العرب كلها فرس إلا أتاه وذلله الله تعالى له وأمكنه من نواصيها، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فبذلك سميت أجياد أجيادا، لأنها اجتمعت في أجياد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فالخيل العراب تراث أبيكم إسماعيل فأعتقوها واركبوها". قال ابن عباس رضي الله عنهما: ووضع في الخيل وجاه السلاح، فكانت كلما أخرجت تقعقع بعضها على بعض، وبذلك سميت قعيقعان، وكان الطعام في الشعب الذي يدعى شعب عبد الله بن عامر، فبذلك سميت المطابخ1... انتهى.
وشعب عبد الله بن عامر المشار إليه هو شعب بأعلى مكة يعرف عند الناس بشعب عامر، وفاضح المذكور فيما سبق من الأخبار هو على ما يقول الناس جبل بسوق الليل مما يلي المعلاة، وقد طال الكلام فيما يتعلق بسبب تسمية أجياد، وقعيقعان، والمطابخ، وفي نسب ملوك جرهم وقطورا، ولكن تحصل بذلك فوائد لا توجد مجتمعة، ولله الحمد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 130.

ذكر من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها:
اختلفت الأخبار فيمن أخرج جرهما من مكة اختلافا كثيرا يعسر فيه التوفيق بين الأخبار المروية في ذلك، فقيل: إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة، وغبشان من خزاعة أخرجوا جرهما من مكة لبغيهم فيها، وقيل: إن بني عمرو بن عامر ماء السماء أخرجوا جرهما من مكة حتى لم يترك جرهم بني عرمو بن عامر يقيمون عندهم بمكة حتى يصل إليهم روادهم. وقيل: إن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر أخرج جرهما من مكة حين طلب حجابة البيت لسيادته ولشرفه، وقيل: إن بني إسماعيل أخرجوا جرهما من مكة بعد أن سلط الله تعالى على جرهم آفات، وقيل: إن الله تعالى سلط عليهم دوابا فأهلكت كثيرا منهم، وجلا لذلك بعضهم عن مكة، والقول الأول ذكره ابن إسحاق، لأنه قال: ثم إن جرهما بغوا بمكة واستحلوا حلالا من الحرمة وظلموا من دخلها من غير أهلها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها، فرق أمرهم، فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وغبشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة، فآذنوهم بالحرب، فاقتتلوا، فغلبتهم بنو بكر وغبشان، فنفوهم من مكة، وكانت مكة في الجاهلية

 

ج / 1 ص -478-    لا كفر فيها ولا ظلما ولا بغيا، لا يبغي فيها أحد إلا أخرجته، فكانت تسمى الناسة، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا هلك. فيقال: ما سميت ببكة إلا لأنها تبك أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها:
قال ابن إسحاق: فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي بغزالي الكعبة وبحجر الركن فدفنها في زمزم، وانطلق هو ومن معه من جرهم إلى اليمن فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا فقال عمرو بن الحارث بن مضاض في ذلك وليس بمضاض الأكبر:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا    أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنا أهلها فأزالنا   صروف الليالي والجدود العواثر

وكنا ولاة البيت من بعد نابت    نطوف بذاك البيت والخير ضاهر

ونحن ولينا البيت من بعد نابت   بعز فما تخطى لدينا المكاثر

ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا    فليس لحي غيرنا ثم فاخر

ألم ينكحوا من غير شخص علمته    فأبناؤها منا ونحن الأصاهر

فإن تنثن الدنيا علينا بحالها    فإن لها حالا وفيها التشاجر

فأخرجنا منها المليك بقدرة   كذلك بين الناس تجري المقادر

أقول إذا نام الخلي ولم أنم    إذ العرش لا يبعد سهيل وعامر

وبدلت منها أوجها لا أحبها    قبائل منها حمير وتحابر

وصرنا أحاديث وكنا بغبطة    كذلك عضتنا السنون الغوابر

فسحت دموع العين تبكي لبلدة    بها حرم آمن وفيها المشاعر

وتبكي لبيت ليس يؤذي حمامه   يظل به آمنا وفيه العصافر

وفيه وحوش ولا ترام أنيسة   إذا أخرجت منه فليس تغادر1

قال ابن هشام: قوله فأبناؤه عن غير إسحاق.
قال ابن إسحاق: وقال عمرو بن الحارث يذكر بكرا، وغبشان، وساكني مكة الذين خلفوا فيها بعدهم:

يا أيها الناس سيروا إن قصركم    أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع بعض أبيات القصيدة في صفحة 47 من تاريخ القطبي وفي كتاب الأغاني للأصبهاني 15/ 18، 19، وفي أخبار مكة للأزرقي 1م 97- 99، 1/ 127، 128. وبعض الأبيات في الروض الأنف 1/ 183، ومعجم البلدان 2/ 285، والكامل لابن الأثير 2/ 43، والبداية والنهاية 2/ 185، 186،ومروج الذهب 2/ 50، وعيون التواريخ 1/ 40.

 

ج / 1 ص -479-   حثوا المطي وأرخوا من أزمتها    قبل المهات وقضوا ما تقضونا

كنا أناسا كما كنتم فعيرنا   دهر فأنتم كما كنا تكونونا1

قال ابن هشام، هذا ما صح له منها: وحدثني بعض أهل العلم بالشعر أن هذه الأبيات هي أول شعر قيل في العرب، وأنها وجدت مكتوبة في حجر باليمن، ولم يسم قائلها2... انتهى.
والقول الثاني في خروج جرهم من مكة ذكره الأزرقي، لأنه قال فيما رويناه عنه بالسند المتقدم إليه قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، عن الكلبي، عن أبي صالح، فذكر خبرا طويلا فيه شيء من خبر جرهم، وخزاعة بمكة، وفيه أن ثعلبة بن عمرو بن عامر لما قدم مكة في قومه بعد تفرقهم من بلاد سبأ لما أخبرت به طريفة الكاهنة من خرابها بسيل العرم، أرسل إلى جرهم وسألهم أن يفتحوا له في بلادهم قدر ما يرسل رواده يرتادون له موضعا، فأبت ذلك جرهم وأخشنوا له القول، وأرسل إليهم ثعلبة يقول لهم: لا بد لي من المقام بهذا البلد حولا كاملا حتى ترجع إلي رسلي، فإن تركتموني طوعا حمدتكم وواسيتكم في الماء والرعي، وإن أبيتم أقمت على كرهكم، فإن قاتلتموني قاتلتكم، ثم إن ظهرت عليكم؛ سبيت النساء وقتلت الرجال، ولم أترك منكم أحدا ينزل الحرم، فأبت جرهم أن يتركوه طوعا، وتعبت لقتاله، فاقتتلوا ثلاثة أيام، ثم انهزمت جرهم، فلم يفلت منهم إلا الشريد، وكان مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو قد اعتزل جرهما ولم يعن جرهما في ذلك، وقال: كنت أحذركم هذا، ثم رحل هو وأهل بيته حتى نزل قنوني3 وحلي4 وما حول ذلك، ثم قال: وفنيت جرهم وقد أقناهم السيف في تلك الحرب، وأقام ثعلبة بمكة وما حولها في قومه وعساكره حولا.
ثم قال: بعد أن ذكر تفرقهم في البلاد، بإشارة طريفة الكاهنة لما أصابهم من الحمى، وانخزعت خزاعة بمكة، وأقام بها ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر وهو لحي، فولي أمر مكة وحجابة الكعبة، ثم قال: فلما جاورت خزاعة أمر مكة وصاروا أهلها، جاءهم بنو إسماعيل، وكانوا قد اعتزلوا حرب جرهم وخزاعة، يدخلون في ذلك فسألوهم السكنى معهم، فأذنوا لهم في ذلك، فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قارن الأبيات هنا بالأبيات الواردة في المصادر الأخرى المشار إليها، ففيها تقديم وتأخير واختلاف في الألفاظ.
2 سيرة ابن هشام 1/ 139، 140.
3 قنوني: هي القنفدة الميناء الحجازي المشهور، وهو واقع في جنوب مكة.
4 حلي: بالفتح ثم السكون، بوزن ظبي، مدينة باليمن على ساحل البحر. "معجم البلدان 2/ 297".

ج / 1 ص -480-    الحارث، وقد كان أصبه من الصبابة إلى مكة ما أحزنه، أرسل إلى خزاعة يستأذنها في الدخول عليهم والنزول معهم بمكة في جوارهم، فأبت خزاعة، ثم قال: فنزعت إبل لمضاض بن عمرو الجرهمي من قنونى تريد مكة، فخرج في طلبها حتى وجد أثرها، وقد دخلت مكة، فمضى على الجبال من نحو أجياد، حتى ظهر على أبي قبيس يتبصر الإبل في بطن وادي مكة، فأبصرها تنحر وتؤكل لا سبيل له إليها، فخاف إن هبط الوادي أن يقتل، فولى منصرفا إلى أهله، وأنشأ يقول:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا    أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولم تتربع واسطا1 فجنوبه   إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر

بلى نحن كنا أهلها فأزالنا   صروف الليالي والجدود العواثر

وبدلني ربي بها دار غربة    بها الذئب يعوي والعدو المحاصر

فإن تملأ الدنيا بكلبها   ويصبح حال بعدنا وتشاجر

فكنا ولاة البيت من بعد نابت    نطوف بهذا البيت والخبر ظاهر

فأنكح جدي غير شخص علمته    فأبناؤه منا البيت والخير ظاهر

فأنكح جدي غير شخص علمته    فأبناؤه منا ونحن الأصاهر

فأخرجنا منها المليك بقدرة   كذلك بالناس تجري المقادر2

أقول إذا نام الخلي ولم أنم    إذا العرش لا يبعد سهيل وعامر

وبدلت منهم أوجها لا أحبها   وحمير قد بدلتها والعمائر

وصرنا أحديثا وكنا بغبطة    كذلك عقتنا السنون الغوابر

وسحت دموع العين تبكي لبلدة   كذا بها حرم أم وفيها المشاعر

بواد أنيس ليس يؤذي حمامه    ولا منفر يوما وفيها العصافر

وفيها وحوش لا ترام أنيسه    إذا أخرجت منها فما إن تغادر

فيا ليت شعري هل يعمر بعدنا   جياد فمضى سيله فالظواهر

فبطن منى وحش كأن لم يسر به   مضاض وفي حي عدي عمائر3

وقال أيضا:

يا أيها الحي سيروا إن قصركم    أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واسط، هو الجبل الذي يصل بين الحارة الموصلة إلى منى، والدرب الذي يمر منه المشاة من الحجاج والذي يعرفه أهل مكة بدرب المكيين.
2 كذا في جميع الأصول.
3 يلاحظ أن القصيدة تختلف في ترتيبها عما كانت عليه عندما أوردها المؤلف قبل قليل، وهي تختلف أيضا في الترتيب وزيادة بعض الأبيات ونقص بعض الأبيات في المصادر المشار إليها قبل قليل في الحاشية.

 

ج / 1 ص -481-    إنا كما كنتم فغيرنا دهر    فسوف كما صرنا تصيرونا

أرخوا المطي وأرخوا من أزمتها   قبل الممات وقضوا ما يقضونا

إن التفكر لا يجدي بصاحبه    عند البديهة في علم تعيدونا

قضوا أموركم بالحزم إن لها    أمور رشيد وشدوا ثم مسنونا

واستخبروا في صنيع الناس قبلكم    لما استبان طريف عنده الهونا

كنا زمانا ملوك الناس قبلكم    بمسكن في جوار الله تأتونا

قال: وانطلق مضاض بن عمرو نحو اليمن إلى أهله وهم يتذاكرون ما حال بينهم وبين مكة وما فارقوا من أهلها وملكها، فحزنوا على ذلك حزنا شديدا وجعلوا يقولون الأشعار في مكة1... انتهى باختصار، لمواضع من هذا الخبر لها تعلق بخبر خزاعة نذكرها فيما بعد وغير ذلك، وفيما ذكرنا من كلمات ذكرناها بالمعنى.
والقول الثالث في سبب خروج جرهم من مكة ذكره الفاكهي، لأنه قال: ويقال في رواية أبي عمرو الشيباني: إن حجابة البيت صارت إلى خزاعة لأن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن تزوج فهيرة بنت الحارث بن مضاض الجرهمي، فولدت له عمرو بن ربيعة، فلما شب وساد وشرف طلب حجابة البيت، فعند ذلك نشب القتال بينهم وبين جرهم، ثم قال بعد أن ذكر شيئا من خبر عمرو وأولاده: وكانت بينهم حرب طويلة وقتال شديد، ثم إن خزاعة غلبوا جرهما على البيت، وخرجت جرهم حتى نزلت وادي إضم2 فهلكوا فيه.
وفي هذا الخبر شيء من خبر جرهم، لأن فيه: وذكروا -والله أعلم- أن إسافا كان رجلا من بني قطورا أخذ امرأة من جرهم يقال لها نائلة، ففجر بها في الكعبة، فمسخهما الله حجرين، فغضب عمرو من ذلك فأخرج بني مضاض وكانوا أخواله، وكانوا أخرجوهم خروجا من مكة فلحقوا باليمن، فتفرقوا في القبائل، فقال بكر بن غالب بن الحارث بن مضاض:

وأخرجنا عمرو سواها لبلدة   بها الذئب يعوي والعدو المحاصر

وقال أيضا:

وكنا ولاة البيت والقاطن الذي     إليه يوفي نذره كل محرم


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قارن بأخبار مكة للأزرقي 1/ 90- 100 ففيه اختلاف في الألفاظ.
2 بالكسر ثم الفتح، ذو إضم: ماء يطؤه الطريق بين مكة واليمامة عند السمينة. وقيل: وادٍ بجبال تهامة. وقيل: وادٍ يشق الحجاز حتى يفرغ في البحر. "معجم البلدان 1/ 214، 215".

ج / 1 ص -482-   سكنا بها قبل الظباء وراثة لنا   عن بني حي بن نبت بن جرهم

فأزعجنا منه وكنا عقيلة   قبائل من كعب وعوف وأسلم1

والقول الرابع في خروجهم جرهم من مكة، ذكره المسعودي، لأنه قال في أثناء الخبر السابق في خبر جرهم وقطورا: وبغت جرهم في الحرم وطغت، حتى فسق رجل منهم بإمرأة في البيت، وكان الرجل يدعى بإساف والمرأة بنائلة، فمسخهما الله حجرين فصيرا وثنين، وعبدا تقربا بهما إلى الله، فبعث الله عز وجل الرعاف والنحل وغير ذلك من الآيات على جرهم، فهلك كثير منهم وكثر ولد إسماعيل وصاروا ذوي قوة ومنعة، فغلبوا على أخوالهم من جرهم فأخرجوهم عن مكة، فلحقوا ببلاد جهينة، فأتاهم في بعض الليالي السيل فذهب بهم مكان الموضع الذي يدعى بإضم، وقد ذكر ذلك أمية بن أبي الصلت الثقفي في شعر له فقال:

وجرهم دمثوا تهامة في الدهر   فسالت بجمعهم إضم

وفي ذلك يقول الحارث بن مضاض الأصغر الجرهمي:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا    أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بل نحن كنا أهلها فإذا لنا    صروف الليالي والجدود العواثر

وكنا لإسماعيل صهرا وجيرة   ولما تدر فيها علينا الدوائر

وكنا ولاة البيت من بعد نابت    نطوف بذاك البيت والخبر ظاهر

وفي ذلك يقول عمرو بن الحارث ابنه:

وكنا ولاة البيت والقاطن الذي    إليه يوفي نذره كل محرم

سكنا بها قبل الظباء وراثة   ورثنا بني حي بن نبت بن جرهم2

... انتهى.
وذكر الزبير بن بكار ما يقتضي أن المجر لجرهم من مكة بعد فناء أكثرهم بالرعاف والنمل: بنو حارثة بن عامر، لأنه قال: قال أبو عبيدة: فلما لم تتناه جرهم عن بغيهم، وتفرق أولاد عمرو بن عامر في اليمن، فانخزع بنو حارثة بن عمرو بن عامر فأوطنوا تهامة وسميت خزاعة، ثم قال: بعث الله عز وجل على جرهم الرعاف والنمل فأفناهم، فاجتمعت خزاعة ليجلوا من بقي، ورأس خزاعة عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، وأمه فقيرة بنت عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي، وليس بابن مضاض الأكبر، فاقتتلوا، فلما أحس عمرو بن الحارث بن مضاض بالهزيمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 140.
2 مروج الذهب 2/ 50، 51.

ج / 1 ص -483-    خرج بغزالي1 الكعبة، وحجر الركن يلتمس التوبة وهو يقول:

لاهُمَّ إن جرهما عبادك    الناس طرف وهم تلادك2

وهم قديما عمروا بلادك

فلم تقبل توبته، وألقى غزالي الكعبة وحجر الركن في زمزم، ثم دفنها، وخرج من بقي من جرهم إلى إضم من أرض جهينة، فجاءهم سيل، أي سيل، فذهب بهم، فقال أمية بن أبي الصلت3:

جرهم دمثوا تهامة في الدهـ    ـر فسالت بجمعهم إضم

... انتهى.
هذا الخبر ذكره المسعودي4 في كون المخرج لهم عمرو، وفناء أكثرهم بالرعاف والنمل.
والقول الخامس في سبب خروج جرهم من مكة ذكره الفاكهي أيضا، لأنه قال في خبر ولاة إياد بن نزار الكعبة: وحدثني حسن بن حسين قال: حدثنا محمد بن حبيب قال: ذكر ابن الكلبي أن الله تعالى سلط على الذي يلون البيت من جرهم دواب شبيهة بالنغف، فهلك منهم ثمانون كهلا في ليلة واحدة سوى الشباب، حتى جلوا عن مكة إلى إضم5... انتهى.
وقد بان بما ذكرناه من هذه الأخبار الاختلاف فيمن أخرج جرهما من مكة، وكيفية خروجهم، وفي قائل الأبيات الرائية التي أولها:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا    أنيس ولم يسمر بمكة سامر

هل هو عمرو بن الحارث بن مضاض الأصغر، كما هو مقتضى ما ذكره ابن إسحاق، أو هو مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو، كما هو مقتضى الخبر الذي رواه الأزرقي عن الكلبي عن أبي صالح، أو الحارث بن مضاض بن عمر، كما هو مقتضى ما ذكره المسعودي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هما غزالان من ذهب كانا في جوف الكعبة، وقد وجدهما بعد ذلك عبد المطلب حينما حفر زمزم،
2 قارن بالروض الأنف 1/ 139.
3 شاعر جاهلي مشهور أدرك البعثة ومات سنة 9هـ، وكان يدعي أنه سيكون النبي المنتظر. ترجمته في: الأغاني 4/ 120- 133 الشعر والشعراء 1/ 369- 372، سمط اللآلئ 362، الحيوان للدميري 2/ 154، خزانة الأدب للبغدادي 15/ 118، طبقات ابن سلام 220- 224، الوافي بالوفيات 4/ 395- 400.
4 مروج الذهب 2/ 51.
5 أخبار مكة للفاكهي 5/ 141.

 

ج / 1 ص -484-    وقيل: إن قارئ هذه الأبيات: ليس ناظم هذه القصيدة، وقيل: هو الحارث بن عمرو بن سعد بن الرقيب، كما هو مقتضى كلام السهيلي في "الروض الأنف".
فتحصل من ذلك في قائل هذه الأبيات خمسة أقوال، وليس المراد نسبة كلها إلى كل من المشار، وإنما المراد البيت الأول، وما ذكر منعه عليه حسب مما وقع في كل خبر.
وقال السهيلي في "الروض" أيضا في قوله في هذه الأبيات: "ولا يبعد سهيل وعامر". جبل من جبال مكة، يدل على ذلك قول بلال رضي الله عنه:

فهل يبدون لي عامر وطفيل

على رواية من رواه هكذا1... انتهى.
واختلف في قائل الأبيات النونية، فقيل: هو عمرو بن الحارث بن مضاض على ما ذكر ابن إسحاق كما سبق، ورأيت في "أخبار مكة" للفاكهي ما يقتضي أن قائل الأبيات النونية هو الحارث بن مضاض، وذكر بعضها على غير ما سبق ذكره، لأنه قال: وقال الحارث بن مضاض، يعني بكرا وغبشان وساكني مكة الذين خلفوا فيها بعدهم:

يا أيها الناس سيروا إن قصركم    أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا

حنوا المطي وأرخوا من أزمتها    قبل الممات وقضوا ما تقضونا

قضوا أموركم بالحزم إن له    أمرا رشيدا ورأي الحزم مأمونا

إن عمرنا بدهر كان يعجبنا   حتى أتانا زمان أظهر الهونا2

... انتهى.
واختلف فيمن دفن الحجر الأسود وغزالي الكعبة في زمزم، هل هو مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي، كما هو مقتضى الخبر الذي رواه الأزرقي عن الكلبي عن أبي صالح؟ أو هو عمرو بن الحارث بن مضاض الأصغر؟ كما هو مقتضى ما ذكره ابن إسحاق والزبير بن بكار عن أبي عبيدة.
وذكر الأزرقي ما يوافق ذلك في الباب الذي ترجم عليه بقوله: باب ما جاء في إخراج جبريل عليه السلام زمزم لأم إسماعيل عليهما السلام، وعزا ذلك لبعض العلماء، ولم يسمه في خبر ذكر فيه شيئا من حال جرهم بمكة وزمزم3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الروض الأنف 1/ 138.
2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 142.
3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 56.

 

ج / 1 ص -485-    وفيما ذكره المسعودي في سبب خروج جرهم من مكة إشعار بأن الرعاف والنمل الذي فني به أكثرهم أصابهم بمكة. وكذلك الذي نقله الزبير عن أبي عبيدة في فناء جرهم.
ورأيت في بعض الأخبار ما يوهم أن النمل أصابهم في بلدة جهينة، وهذا الخبر ذكره الفاكهي، لأنه قال: حدثنا حسن بن حسين الأزدي قال: حدثنا محمد بن حبيب، عن ابن الكلبي قال: بينما الناس سمار حول الكعبة إذا هم بخلق يطوف بها يداري رأسه بها، فأجفل الناس هاربين، فناداهم: لا تراعوا، فأقبلوا إليه وهو يقول:

اللهم رب البيت ذي المناكب

ثم يقول بعد أن ذكر شعرا زيادة على ما ذكرناه قال: فنظروا فإذا هو امرأة، فقالوا ما أنت، إنسية أم جنية؟ قالت: بل إنسية من جرهم.
ثم قالت: من ينحر لي كل يوم جزورا، ويعد لي زادا وبعيرا، ويبلغني بلادا أفورا أعطيه مالا كثيرا.
قال: فانتدب لها رجلان من جهينة، فسارا بها أياما وليالي حتى انتهيا إلى جبل جهينة، فأتت على قرية نمل وذر، وقالت: يا هذان ههنا قومي، فاحتفروا هذا المكان، فاحتفروا عن مال كثير من ذهب وفضة، فأوقرا بعيرها، وقالت لهما إياكما أن تلتفتا فيختلس ما معكما،وأقبل الذر حتى غشيها، فمضينا غير بعيد، ثم التفتا فاختلس ما كان احتملا، فنادياها، هل من ماء؟ قالت: نعم، في موضع هذه الضبات، وقالت وقد غشيها الذر:
يا ويلي يا ويلي من أجلي، أرى صغار الذر يبغي هبلي، أهلكنا الذر زمان يعلم، بالمجحفات وبموت لا يهدم، حتى نزلنا بزقاق أهيم، للبغي منا وركوب المأثم، سلطن تفرين علي، محملي، لما رأيت أنه لا بد لي، من منعة أحرز فيها معقلي.
ودخل الذر منخريها ومسامعها، فخرت تشهق، فهلكت، ووجد الجهينيان الماء حيث قالت، والماء يقال له: مسخي، وهو بناحية فرش ملل إلى جانب مشعر، فهو اليوم لجهينة1... انتهى.
وذكر الفاكهي خبرا يقتضي أنه لم يصب جرهما من معرة جيش بختنصر2 ما أصاب غيرهم من العرب، وسيأتي هذا الخبر في أخبار بني إسماعيل وفي ذلك دليل على رحمة الله لجرهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي، وقارن بالروض الأنف 1/ 137.
2 هو بختنصر ملك الفرس، وطيء الشام وفتح بيت المقدس، وسبى بني إسرائيل. قال المسعودي: والعامة تسميه "البخث ناصر". "مروج الذهب 1/ 228".

 

ج / 1 ص -486-    وذكر الفاكهي أيضا خبرا يقتضي أن جرهما حين هلكوا بقي منها بقية، ونص هذا الخبر:
وحدثني الزبير بن بكار قال: حدثني عمر بن أبي بكر الموصلي، عن زكريا بن عيسى، عن ابن شهاب قال: هلكت جرهم فلم يبق منها غير حيٍّ في بني ملكان، وهم قليل، وآخرون في بني الجون1... انتهى.
وذكر الفاكهي لعمرو بن الحارث المتقدم ذكره شعرا يعظ به بكرا وغبشان حين تهيئوا لقتال جرهم، ويعظم عليهم القتال في الحرم ويحذرهم الهلاك إن هم فعلوا ذلك، أوله:

نعوذ برب الناس من كل ظالم   بغي في ملوك بني كعب وجرهم

وذكر له أيضا شعرا في شأن بكر وغبشان حين أخرجوا من مكة أوله:

لقد نهضت بكر وغبشان كلها    تريد تسامي جرهما في فعالها1

وذكر الفاكهي أيضا خبرا يستغرب لما يقتضيه من طول حياة عمرو هذا، لأنه قال: وحدثني عبد الله بن أبي سلمة قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز الزهري، عن أبيه قال: حدثني سعيد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سلمة بن عبد الأسد خرج في ناس من قريش نحو اليمن قال: وأخطئوا الطريق، فأصابهم عطش شديد، قال: فقال أبو سلمة بن عبد الأسد لمن معه من قريش: أي قوم أطيعوني فإن ناقتي عارفة بالطريق، قالوا: فإنا نطيعك. قال: فخلى عن رأس ناقته، فساروا يومهم وليلتهم حتى كان عند قرب الصبح فإذا الناقة قد بركت، قال أبو سلمة. ما بركت إلا على ماء، قال: فنزلوا فإذا هم ببعر الغنم، فما كان بأسرع من أن انفجر الفجر، فنظروا فإذا بئر، وعلى رأس البئر رجل طويل لم ير مثله، فتقدموا إليه، فقال الرجل: ممن القوم؟ فقلنا: من قريش، فقال: من أي قريش؟ قلنا: من بني مخزوم. قال: فسعى فأتى شجرة طويلة، فإذا قفة معلقة في الشجرة فمد يده فأنزل القفة وفتح رأسها، فإذا شيخ فيها، فرفع حاجبيه ثم قال: "أبت" ثلاث مرات. قال: ففتح عينيه، فقال: ما تشاء؟ قال: هؤلاء قوم من قريش، قال: ادعهم إلى، فجاءوا فقال: تقدموا إلى الشيخ، فتقدمنا إليه ففعل به مثل ما فعله الأول، يا أبت، ثلاث مرات، ففتح عينيه فقال: ما تشاء؟ قال: هؤلاء قوم من قريش. فقال: من أي قريش أنتم؟ قال أبو سلمة: فقلت: من بني مخزوم، فقال: ها أنا ومخزوم قرب، فقال هل تعرفون لما سميت أجياد أجيادا؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 143.

 

ج / 1 ص -487-    قلنا: لا قال: لأنها جادت فيها الخيل، ثم قال: لم سميت قعيقعان قعيقعان؟. قلنا: لا. قال: لأنها تقعقعت فيها السيوف، ثم أنشأ يقول:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا   أنيس ولم يسمر بمكة سامر

بلى نحن كنا أهلها فأبادنا    كروب الليالي والجدود العواثر

فهل فرح يأتي بشيء نريده    وهل جزع ينجيك مما تحاذر؟!

يا ابن أخي أتدري لم سميت قعيقعان باسمها؟ قلت: لا، قال: خرج القوم علينا منها عليهم السلاح تقعقع فسميت بقعيقعان. أتدري يا ابن أخي لم سميت أجياد أجيادا؟ قلت: لا، قال: جادت بالدماء، فسميت أجيادا1... انتهى.
وذكر هذا الخبر الأزرقي2، إلا أنه لم يسنده كما أسنده الفاكهي، وفي غيره أن أبا سلمة ومن معه أصبحوا على ماء فاستقوا واستقى، فإنه لعلى ذلك، إذ أقبل إليهم رجل فقال: من القوم؟ فقالوا: من قريش، وفيه أن الشيخ قال لأبي سلمة بعد أن ذكر له نسبه: كأن لم يكن... الخ.
ولم يذكر الأزرقي في خبره البيت الثالث الذي ذكره الفاكهي من هذا الخبر3، وهو بعيد عن الصحة لما يلزم عليه من أن يكون عمرو بن الحارث عاش ألف سنة، لأن هذه القصة إن صحت فإنها قبيل الإسلام، لأن أبا سلمة أدركها، وإدراكه لها يقتضي أن يكون في هذا التاريخ، لأن سنه تقرب من سن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ثويبة4 مولاة أبي لهب أرضعتهما كما في الصحيح5 عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان كذلك فحياة عمرو إلى هذا التاريخ يقتضي أن يكون عمره ما ذكرنا، لكونه عاش مدة ولاية خزاعة على مكة، وهي خمسمائة سنة، وقيل ثلاثمائة سنة، ومدة ولاية قريش وهي نحو ثلاثمائة على مكة، مع ما عاشه عمرو في ولاية قوم جرهم، ومما يؤيد ذلك أن السهيلي رحمه الله ذكر العمرين، ولم يذكره فيهم، وهو لو كان بهذه الصفة أولى بالذكر لعلو سنه ومقداره، لأنه قال: ومن أطول المعمرين عمر بن وحيد واسمه رويد بن فهر بن قضاعة ثم قال: عاش رويد أربعمائة عام فيما ذكروا، انتهى والله أعلم.
بختام هذا الباب يتم الجزء الأول من كتاب شفاء الغرام ويليه الجزء الثاني وأوله الباب السادس والعشرون في ذكر شيء من خبر إسماعيل عليه السلام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 143-145.
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 82.
3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 97.
4 الإصابة 4/ 257 رقم 213، الروض الأنف 1/ 186.
5 أخرجه البخاري "2110". مسلم "الرضاع: 1449".

 

ج / 1 ص -491-    فهرس المحتويات:
مقدمة   3
تصدير  11
مقدمة المؤلف  15
الباب الأول
في ذكر مكة المشرفة وحكم بيع دورها وإجارتها
ذكر حكم بيع دور مكة وإجارته   43
الباب الثاني
في أسماء مكة المشرفة:
ذكر معاني بعض أسماء مكة وعزو بعضها لأهل العلم   43
الباب الثالث:
في ذكر حرم مكة وسبب تحريمه وتحديده وعلاماته وحدوده:
وما يتعلق بذلك من ضبط ألفاظ في حدوده:
ومعنى بعض أسمائها:
ذكر الحرم وسبب تحريمه   73
ذكر علامات الحرم   74
ذكر حدود الحرم وضبط ألفاظ فيه   75
ذكر تحديد حد الحرم من جهة الطائف على طريق عرفة من بطن نمرة   80
ذكر تحديد حد الحرم من جهة العراق   84
ذكر تحديد حد الحرم من جهة التنعيم    85
ذكر تحديد حد الحرم من جهة اليمن    86

 

ج / 1 ص -492-    الباب الرابع:
في ذكر شيء من الأحاديث والآثار الدالة على حرمة مكة وحرمها:
 وشيء من الأحكام المختصة بذلك
ذكر شيء مما ورد في تعظيم الناس لمكة وحرمها وفي تعظيم الذنب في ذلك   98
الباب الخامس:
ذكر الأحاديث الدالة على أن مكة أفضل من غيرها من البلاد :
وأن الصلاة فيه أفضل من غيرها وغير ذلك من فضلها
ذكر الأحاديث الدالة على أن الصلاة بمسجد مكة أفضل من الصلاة في غيره من المساجد   107
الباب السادس:
في المجاورة بمكة والموت بها، وشيء من فضل أهلها، وشيء من فضل جدة ساحل مكة، وشيء من خبرها، وشيء من فضل الطائف، وشيء من خبره:
ذكر المجاورة بمكة   113
ذكر شيء مما جاء في الموت بمكة    115
ذكر شيء مما جاء في فضل أهل مكة   116
ذكر شيء من فضل جدة ساحل مكة وشيء من خبرها:   118
ذكر شيء من فضل الطائف وخبره   120
الباب السابع: في أخبار عمارة الكعبة المعظمة:
بناء الملائكة للكعبة:  125
بناء آدم عليه السلام   125
ذكر البيت المعمور الذي أنزله الله على آدم وشيء من خبره   126
بناء الخليل عليه السلام   126
بناء العمالقة وجرهم للكعبة   128
بناء قريش للكعبة  128
بناء ابن الزبير للكعبة    132
بناء الحجاج للكعبة   135

 

ج / 1 ص -493-    ذكر شيء من حال الكعبة بعد بناء ابن الزبير والحجاج، وما وضع فيها من العمارة، وما عمل لها من الأساطين والميازيب والأبواب بعد ابن الزبير والحجاج   136
ذكر الأساطين    140
ذكر الميازيب   140
ذكر الأبواب    141
أول من بوب الكعبة   143
الباب الثامن: في صفة الكعبة المعظمة وذرعها وشاذروانها وحليتها ومعاليقها وكسوتها وطيبها وأخدامها وأسمائها وهدم الحبشي لها ووقت فتحها في الجاهلية والإسلام ... الخ
ذكر صفة الكعبة وما أحدث فيها من البدعة   147
ذكر ذرع الكعبة من داخلها وخارجه  149
ذكر ذرع الكعبة من داخلها بذراع الحديد   152
ذكر ذرع الكعبة من خارجها بذراع الحديد  153
ذكر ذرع سطح الكعبة  154
ذكر شاذروان الكعبة وشيء من خبر عمارته   154
ذكر حلية الكعبة المعظمة ومعاليقه   156
ذكر معاليق الكعبة وما أهدي إليها في معنى الحلية   160
ذكر كسوة الكعبة  164
ذكر طيب الكعبة وأخدامه  173
ذكر أسماء الكعبة المعظمة    174
ذكر هدم الحبشي الكعبة في آخر الزمان  175
ذكر وقت فتح الكعبة في الجاهلية والإسلام   176
ذكر بيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق، ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق   179
الباب التاسع
في بيان مصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة المعظمة وقدر صلاته فيه، ووقتها، ومن رواها من الصحابة... الخ
ذكر بيان مصلاه صلى الله عليه وسلم في الكعبة  188
ذكر قدر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة في دخوله هذ    189

 

ج / 1 ص -494-    ذكر من روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة يوم فتح مكة من الصحابة، ومن نقلها منهم رضي الله عنهم...   191
ذكر ترجيح رواية من أثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة على رواية من نفاها، وما قيل من الجمع بين ذلك...   197
ذكر عدد دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة الشريفة بعد هجرته إلى المدينة، وأول وقت دخل الكعبة فيه بعد هجرته   208
الباب العاشر
ذكر ثواب دخول الكعبة المعظمة وفيما جاء من الأخبار الموهمة بعدم استحباب دخولها وفيما يطلب فيها من الأمور التي صنعها النبي وفي حكم الصلاة فيها وفي آداب دخولها:
ذكر حكم الصلاة في الكعبة   217
آداب دخول الكعبة   221
الباب الحادي عشر: في ذكر شيء من فضائل الكعبة وفضائل ركنيها الحجر الأسود واليماني:
ذكر شيء من فضائل الكعبة  222
ذكر شيء من فضائل الحجر الأسود، وما جاء في كونه من الجنة   224
ذكر ما قيل من الحكمة في اسوداد الحجر الأسود بعد بياضه    226
ذكر ما رؤي من البياض في الحجر الأسود بعد اسوداده   227
ما جاء في شهادة الحجر الأسود يوم القيامة لمن استلمه بحق   228
ما جاء في تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم للحجر الأسود واستلامه له    228
ما جاء في السجود عليه   228
ما جاء في الإكثار من استلامه    229
ما جاء في مفاوضة الحجر الأسود   229
ما جاء في أن الحجر الأسود يمين الله يصافح بها عباده، واستجابة الدعاء عنده    229
ذكر فضل الركن اليماني، وما جاء في تقبيله ووضع الخد عليه   230
ما جاء في استلام النبي صلى الله عليه وسلم للركن اليماني    231
ما جاء في المزاحمة على استلام الركن اليماني والحجر الأسود، وأن مسحهما كفارة للخطاي    231
ما جاء في عدم استحباب ذلك للنساء بحضرة الرجال   232
ما جاء في إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من استلامه، واستغفار الملائكة لمن استلمه   232
ما جاء في تأمين الملائكة على الدعاء عنده، واستجابة الدعاء عنده   232

 

ج / 1 ص -495-    ما جاء في أن الركن اليماني باب من أبواب الجنة   233
الباب الثاني عشر: في فضائل الأعمال المتعلقة بالكعبة كالطواف بها والنظر إليها والحج والعمرة وغير ذلك:
ذكر ما ورد في ثواب الطواف عموما، من غير تقييد بزمن  234
ما جاء في فضل الطواف في الحر   236
ما جاء في الطواف في المطر    236
ما جاء في الطواف إذا وقع بعد صلاة الصبح أو العصر، وانقضى مع طلوع الشمس أو غروبه  237
ما جاء في تفضيل الطواف على الصلاة    237
ما جاء في تفضيل الطواف على العمرة    239
ما جاء في فضل الطائفين  241
ذكر بدء الطواف بهذا البيت العظيم وما ورد من طواف الملائكة   242
ذكر طواف بعض الجن والدواب والطير بالكعبة   243
ما جاء في شرعية الطواف لإقامة ذكر الله   244
ذكر ثواب النظر إلى الكعبة  244
ذكر ثواب الحج والعمرة   245
الباب الثالث عشر: الآيات المتعلقة بالكعبة:
ذكر خبر تبع والهذليين   250
ذكر خبر أصحاب الفيل  252
هلاك من أراد الكعبة بسوء  253
الباب الرابع عشر: في ذكر شيء من أخبار الحجر الأسود
ذكر ما أصاب الحجر الأسود في زمن ابن الزبير رضي الله عنه، وما صنع فيه من الفضة في زمنه، وزمن هارون الرشيد   257
ذكر ما أصاب الحجر الأسود في فتنة القرمطي وأخذهم له   257
ذكر ما صنعه الحجبة في الحجر الأسود بأثر رد القرامطة له   258
ذكر ما أصاب الحجر الأسود بعد فتنة القرامطة   259
ذكر صفته وقدره وقدر ما بينه وبين الأرض    260
ذكر شيء من الآيات المتعلقة بالحجر الأسود   260

 

ج / 1 ص -496-    الباب الخامس عشر: في الملتزم والمستجار والحطيم وما جاء في استجابة الدعاء في هذه المواضع وغيرها من الأماكن بمكة المشرفة وحرمها
ذكر الملتزم  262
ذكر المستجار  262
ذكر الحطيم   263
ذكر بقية المواضع بمكة وحرمها التي قيل إن الدعاء فيها مستجاب    265
الباب السادس عشر: في ذكر شيء من أخبار المقام، مقام الخليل عليه السلام
ذكر حلية المقام   271
ذكر صفة الموضع الذي فيه المقام والمصلى خلفه   272
ذكر ذرع ما بين المقام والحجر الأسود، وما بين المقام والركن الشامي الذي يقال له: العراقي، وما بين المقام وبين جدار الكعبة وشاذروانها المقابل للمقام وما بين المقام وحجرة زمزم، وحفر بئر زمزم الطيبة المباركة 273
ذكر موضع المقام في الجاهلية والإسلام وما قيل في ذلك، ورد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى موضعه وهذا حين غيره السيل عنه   274
ذكر شيء من فضل المقام  279
ما جاء في هلاك من تعرض له بسوء    279
الباب السابع عشر: في ذكر شيء من أخبار الحجر المكرم، حجر إسماعيل عليه السلام وفيه بيان المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة
ذكر موضع الحجر، وصفته وشيء من خبر عمارته، وذرعه، وذرع جدره من داخله وخارجه   284
ما جاء في الحجر والصلاة فيه   288
ما جاء في الدعاء في الحجر تحت الميزاب  288
ذكر المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة   290
الباب الثامن عشر: ذكر شيء من أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته وذرعه، وذكر شيء مما ذكره الأزرقي من خبر توسعته
ذكر شيء من خبر توسعة المسجد الحرام بعد الأزرقي، ومن خبر عمارته بعده   298
ذكر صفة هذه الزيادة  300

 

ج / 1 ص -497-    ذكر ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين   303
ذكر ذرع زيادة دار الندوة    306
ذكر ذرع زيادة باب إبراهيم  306
الباب التاسع عشر: في عدد أساطين المسجد الحرام، وصفتها وعدد عقوده وشرفاته وقناديله وأبوابه وأسمائها، ومنابره، وفيما صنع فيه لمصلحة أو لنفع الناس به، وفيما فيه الآن من المقامات... الخ
ذكر عدد أساطين المسجد الحرام غير الزيادتين وصفته  308
ذكر عدد الأساطين التي بصحن المسجد الحرام وصفته   309
ذكر عدد أساطين زادة دار الندوة    310
ذكر عدد أساطين زيادة باب إبراهيم    310
ذكر عدد طاقات المسجد الحرام وشرفاته وقناديله  310
ذكر عدد طاقات زيادة دار الندوة    311
ذكر عدد طاقات زيادة باب إبراهيم   311
عدد شرفاته التي تلي بطن المسجد الحرام  311
الشرفات التي على جدار المسجد الحرام من خارجه   312
ذكر عدد الشرفات التي بزيادة دار الندوة  312
عدد قناديل المسجد الحرام الآن المرتبة فيه غالب   312
ذكر عدد أبواب المسجد الحرام وأسمائها، وصفته   313
ذكر منائر المسجد الحرام   318
ذكر ما صنع في المسجد الحرام لمصلحته، أو لنفع الناس به   321
ذكر صفة المقامات التي هي الآن بالمسجد الحرام ومواضعها منه   323
ذكر ذرع ما بين كل من هذه المقامات وبين الكعبة   324
ذكر كيفية صلاة الأئمة بهذه المقامات وحكم صلاتهم به   325
الباب العشرون: في ذكر شيء من خبر زمزم وسقاية العباس رضي الله عنه
ذكر حفر زمزم وعلاجه   328
ذكر علاج زمزم في الإسلام    330
ذكر ذرع بئر زمزم وما فيها من العيون، وصفة الموضع الذي هي فيه الآن   330
صفة الموضع الذي فيه زمزم   331

 

ج / 1 ص -498-    ذكر أسماء زمزم   334
ذكر فضائل ماء زمزم وخواصه   335
خواص ماء زمزم   339
فضائل بئر زمزم    341
ذكر آداب شربه   341
ذكر حكم التطهير بماء زمزم  342
ذكر نقل ماء زمزم إلى البلدان   342
ذكر شيء من خبر سقاية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه   343
الباب الحادي والعشرون: في ذكر الأماكن المباركة التي ينبغي زيارتها، الكائنة بمكة المشرفة وحرمها وقربه
مسجد الخيف بمنى   350
ما جاء في استحباب مسجد الخيف كل سبت  350
ذكر تعيين مصلى النبي صلى الله عليه وسلم من مسجد الخيف   350
ذكر صفة مسجد الخيف الآن وذرعه بذراع الحديد   351
ذكر صفته الآن   351
ذكر ذرعه    351
ذكر ذرع أروقته   352
ذكر عدد أساطينه، وصفتها وذراع ما بينه   352
ذكر عدد عقوده    352
ذكر ذرع موضع مصلى النبي صلى الله عليه وسلم أمام المنارة   352
ذكر عدد شرفات المسجد من داخله وخارجه    352
ذكر ذرع المنارة، وصفتها، وعدد درجها، وما بين المنارة وبين نواحي المسجد    353
ذكر ذرع السقاية المذكورة    353
عمارة المسجد بعد زمن الأزرقي   353
ذكر المواضع المباركة بمكة المعروفة بالمواليد   356
ذكر شيء مما ورد في بركة الموضع الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم    357
ذكر صفة هذا المكان   357
موضع مولد فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه   358
موضع مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه   358

 

ج / 1 ص -499-    ذكر صفة هذا المكان وذرعه   359
موضع مولد حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه    359
موضع مولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه   359
مولد جعفر الصادق  360
ذكر الدور المباركة بمكة  360
دار خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنه  360
دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه  362
دار الأرقم المخزومي    363
ذكر الجبال المباركة بمكة وحرمه   364
أبو قبيس   364
من فضائل جبل أبي قبيس  367
من خواص جبل أبي قبيس    368
جبل الخندمة  368
جبل حراء بأعلى مكة   369
جبل ثور بأسفل مكة   370
ومن الجبال المباركة بحرم مكة جبل ثبير  372
الجبل الذي يلحق مسجد الخيف    372
ذكر مقابر مكة المباركة   374
ومن مقابر مكة المباركة: المقبرة العلي    376
المقبرة المعروفة بمقبرة المهاجرين بالحصحاص   377
ومن المقابر المباركة بمكة: المقبرة المعروفة بالشبيكة   377
ومن القبور التي ينبغي زيارتها: قبر أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنه   378
الباب الثاني والعشرون: في ذكر أماكن بمكة المشرفة وحرمها وقربه التي لها تعلق بالمناسك وهي ستة وعشرون موضعا مرتبة على ترتيب حروف المعجم
الأول: باب بني شيبة الذي يستحب للمحرم دخول المسجد الحرام منه   379
الثاني: التنعيم المذكور في حد الحرم من جهة المدينة النبوية    380
الثالث: ثبير   380
الرابع: الجعرانة   383
ذكر الموضع الذي أحرم منه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة   384

 

ج / 1 ص -500-    الخامس: الجمار المذكورة في صفة الحج      386
السادس: الحجون المذكور في حد المحصب      387
السابع: الحديبية  390
الثامن: ذو طوى    390
التاسع: الردم   391
العاشر: الصفا الذي هو مبدأ السعي    391
الحادي عشر: طريق ضب    395
الثاني عشر: عرفة   395
ذكر مقدار ما بين باب بني شيبة وهذين العلمين المشار إليهم   397
ذكر مسجد عرفة وحكم الوقوف فيه  399
ذكر ذرع هذا المسجد وشيء من صفته    400
ذكر سبب تسمية عرفة بعرفة وما يتعلق بجمعها وصرفها وحكم الإحياء به     400
الثالث عشر: عرنة بالنون الموضع الذي يجتنب الحاج فيه الوقوف     401
الرابع عشر: قزح    402
الخامس عشر: كداء، الموضع الذي يستحب للمحرم دخول مكة منه     403
السادس عشر: كدي، الموضع الذي يستحب الخروج منه لمن كان في طريقه    405
السابع عشر: المأزمان، اللذان يستحب للحاج أن يسلك طريقهما إذا رجع من عرفة    407
الثامن عشر: محسر، الموضع الذي يستحب للحاج الإسراع فيه  408
التاسع عشر: المحصب الذي يستحب للحاج النزول فيه بعد انصرافه من منى   409
العشرون: المروة، الموضع الذي هو منتهى السعي  411
الحادي والعشرون: المزدلفة    413
الثاني والعشرون: المشعر الحرام   414
الثالث والعشرون: المطاف   414
الرابع والعشرون: منى    417
ذكر حكم البناء بمنى   418
ما جاء في فضل منى وما ذكر فيها من الآيات   421
الخامس والعشرون: الميلان الأخضران    423
السادس والعشرون: نمرة  425

 

ج / 1 ص -501-    الباب الثالث والعشرون: فيما بمكة من المدارس، والربط، والسقايات، والبرك المسبلة، والآبار، والعيون، والمطاهر وغير ذلك من المآثر، وما في حرمها من ذلك
ذكر المدارس بمكة المشرفة   427
ذكر الربط بمكة   430
ذكر السقايات  438
ذكر البرك بمكة وحرمه  440
ذكر الآبار التي بمكة وحرمه   442
ذكر الآبار التي بين باب المعلاة ومنى   445
ذكر الآبار التي بمنى، وهي خمسة عشر بئر    446
ذكر الآبار التي بمزدلفة  447
ذكر الآبار التي بعرفة   447
ذكر الآبار التي بظاهر مكة  447
ذكر الآبار التي بأسفل مكة في جهة التنعيم    448
ذكر عيون مكة المشرفة   448
ذكر المظاهر التي بمكة   453
الباب الرابع والعشرون: في ذكر شيء من خبر بني المحض بن جندل ملوك مكة ونسبهم وذكر شيء من أخبار العماليق ملوك مكة ونسبهم وذكر ولاية طسم للبيت الحرام
ذكر شيء من خبر بني المحض بن جندل ونسبهم   455
ذكر شيء من أخبار العماليق ملوك مكة ونسبهم   456
خروج العماليق من مكة   458
ذكر ولاية طسم للبيت الحرام   461
الباب الخامس والعشرون: في ذكر شيء من جرهم ولاة مكة ونسبهم وذكر من ملك مكة وجرهم ومدة ملكهم لها وما وقع في نسبهم من الخلاف، وفوائد تتعلق بذلك وذكر من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منها وغير ذلك من خبرهم
ذكر نسبهم:   462

 

ج / 1 ص -502-    ذكر من ملك مكة من جرهم ومدة ملكهم لها وما وقع في نسبهم من الخلاف وفوائد تتعلق بذلك   464
ذكر من أخرج جرهما من مكة وكيفية خروجهم منه   477