البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

باب خلق الجان وقصة الشيطان
قال الله تعالى (خلق الانسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار فبأي آلاء ربكما تكذبان) [ الرحمن: 14 ] وقال تعالى (ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون.
والجان خلقناه من قبل من نار السموم) [ الحجر: 26 - 27 ] وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وغير واحد (من مارج من نار) قالوا من طرف اللهب وفي رواية من خالصه وأحسنه * وقد ذكرنا آنفا من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من نار وخلق آدم مما وصف لكم رواه

(1/58)


مسلم * قال كثير من علماء التفسير خلقت الجن قبل آدم عليه السلام وكان قبلهم في الارض الحن والبن فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم وأجلوهم عنها وأبادوهم منها وسكنوها بعدهم.
وذكر السدي في تفسيره عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك الدنيا وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإنما سموا الجن لانهم خزان الجنة.
وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره إنما أعطاني الله هذا لمزية لي على الملائكة.
وذكر الضحاك عن ابن عباس أن الجن لما أفسدوا في الارض وسفكوا الدماء بعث الله إليهم إبليس ومعه جند من الملائكة فقتلوهم وأجلوهم عن الارض إلى جزائر البحور.
وقال محمد بن إسحاق عن خلاد عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس كان اسم إبليس قبل
أن يرتكب المعصية عزازيل.
وكان من سكان الارض ومن أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما وكان من حي يقال لهم الجن * وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عنه كان اسمه عزازيل وكان من أشرف الملائكة من أولي الاجنحة الاربعة * وقد أسند عن حجاج عن ابن جريج قال ابن عباس كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة * وكان خازنا على الجنان وكان له سلطان سماء الدنيا.
وكان له سلطان الارض * وقال صالح مولى التوأمة عن ابن عباس كان يسوس ما بين السماء والارض رواه ابن جرير وقال قتادة عن سعيد بن المسيب كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا * وقال الحسن البصري لم يكن من الملائكة طرفة عين وأنه لاصل الجن كما أن آدم أصل البشر * وقال شهر ابن حوشب وغيره كان إبليس من الجن الذين طردوهم الملائكة فأسره بعضهم وذهب به إلى السماء.
رواه ابن جرير * قالوا فلما أراد الله خلق آدم ليكون في الارض هو وذريته من بعده وصور جثته منها جعل إبليس وهو رئيس الجان وأكثرهم عبادة إذ ذاك وكان اسمه عزازيل يطيف به فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك * وقال أما لئن سلطت عليك لاهلكنك ولئن سلطت علي لاعصينك فلما أن نفخ الله في آدم من روحه كما سيأتي وأمر الملائكة بالسجود له دخل إبليس منه حسد عظيم وامتنع من السجود له وقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، فخالف الامر واعترض على الرب عزوجل وأخطأ في قوله وابتعد من رحمة ربه وأنزل من مرتبته التي كان قد نالها بعبادته وكان قد تشبه بالملائكة ولم يكن من جنسهم لانه مخلوق من نار وهم من نور فخانه طبعه في أحوج ما كان إليه ورجع إلى أصله الناري (فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين) [ الحجر: 30 ] وقال تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) [ الكهف: 50 ].
فأهبط إبليس من الملا الاعلى وحرم عليه قدر أن يسكنه فنزل إلى الارض حقيرا ذليلا مذؤما مدحورا متوعدا بالنار هو ومن اتبعه من الجن والانس إلا أنه مع ذلك جاهد كل الجهد على إضلال

(1/59)


بني آدم بكل طريق وبكل مرصد كما قال (أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلا.
قال إذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) [ الاسراء: 62 ].
وسنذكر القصة مستفاضة عند ذكر خلق آدم عليه السلام * والمقصود أن الجان خلقوا من النار وهم كبني آدم يأكلون ويشربون ويتناسلون * ومنهم المؤمنون ومنهم الكافرون كما أخبر تعالى عنهم في صورة الجن في قوله تعالى (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين) [ الاحقاف: 29 ] وقال تعالى (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا.
وانه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا.
وانه كان يقول سفيهنا على الله شططا.
وأن ظننا أن لن تقول الانس والجن على الله كذبا.
وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا.
وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا * وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملائت حرسا شديدا وشهبا.
وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا.
وانا لا ندري أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا * وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا * وأنا ظننا ان لن نعجز الله في الارض ولن نعجزه هربا.
وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا.
وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون.
فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا * وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا.
وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه.
ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا) [ الجن: 1 ]
وقد ذكرنا تفسير هذه السورة وتمام القصة في آخر سورة الاحقاف * وذكرنا الاحاديث المتعلقة بذلك هنالك * وأن هؤلاء النفر كانوا من جن (نصيبين) وفي بعض الآثار من جن (بصرى) وأنهم مروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي بأصحابه ببطن نخلة من أرض مكة فوقفوا فاستمعوا لقراءته.
ثم اجتمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة كاملة فسألوه عن أشياء أمرهم بها ونهاهم عنها وسألوه الزاد فقال لهم (كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحما وكل روثة علف لدوابكم) ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجي بهما وقال: (إنهما زاد إخوانكم) [ أي ]: الجن.
ونهى عن البول في السرب لانها مساكن الجن.
وقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن فما جعل يمر فيها بآية (فبأي آلاء ربكما تكذبان) إلا قالوا ولا بشئ من الآئك ربنا نكذب فلك الحمد.
وقد أثنى عليهم

(1/60)


النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لما قرأ هذه السورة على الناس فسكتوا.
فقال (الجن كانو أحسن منكم ردا ما قرأت عليهم فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا ولا بشئ من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد) رواه الترمذي عن جبير وابن جرير والبزار عن ابن عمر.
وقد اختلف في مؤمني الجن هل يدخلون الجنة أو يكون جزاء طائعهم أن لا يعذب بالنار فقط.
على قولين الصحيح أنهم يدخلون الجنة لعموم القرآن * ولعموم قوله تعالى (ولمن خاف مقام ربه جنتان.
فبأي آلاء ربكما تكذبان) [ الرحمن: 64 ] فامتن تعالى عليهم بذلك فلولا أنهم ينالونه لما ذكره وعده عليهم من النعم * وهذا وحده دليل مستقل كافي في المسألة وحده والله أعلم.
وقال البخاري حدثنا قتيبة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدري قال له: (إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فانه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة) * قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم * انفرد به البخاري دون مسلم.
وأما كافرو الجن فمنهم الشياطين ومقدمهم الاكبر إبليس عدو آدم أبي البشر وقد سلطه هو وذريته على آدم وذريته.
وتكفل الله عزوجل بعصمة من آمن به وصدق رسله واتبع شرعه منهم.
كما قال (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) [ الاسراء: 65 ] وقال تعالى (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين.
وما كان عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شئ حفيظ) [ سبأ: 20 ] وقال تعالى (يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) [ الاعراف: 27 ] وقال: (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون.
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين.
فسجد الملائكة كلهم أجمعون.
إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين قال يا إبليس مالك أن لا تكون من الساجدين قال لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حماء مسنون قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين.
قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون.
قال فانك من المنظرين.
إلى يوم الوقت المعلوم.
قال رب بما أغويتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم أجمعين.
إلا عبادك المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم.
ان عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين.
وإن جهنم لموعدهم أجمعين.
لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم) [ الحجر: 21 ].
[ * ]

(1/61)


وقد ذكر تعالى هذه القصة في سورة البقرة وفي الاعراف وههنا وفي سورة سبحان وفي سورة طه وفي سورة ص * وقد تكلمنا على ذلك كله في مواضعه في كتابنا التفسير ولله الحمد * وسنوردها في قصة آدم إن شاء الله * والمقصود أن إبليس أنظره الله إلى يوم القيامة محنة لعباده وإختبارا منه لهم كما قال تعالى (وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك.
وربك على كل شئ حفيظ) * وقال تعالى (وقال الشيطان لما قضي الامر إن الله وعدكم وعد
الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم * وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها باذن ربهم تحيتهم فيها سلام) [ إبراهيم: 28 ].
فإبليس لعنه الله حي الآن منظر إلى يوم القيامة بنص القرآن * وله عرش على وجه البحر وهو جالس عليه ويبعث سراياه يلقون بين الناس الشر والفتن * وقد قال الله تعالى (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) [ النساء: 76 ] وكان اسمه قبل معصيته العظيمة عزازيل * قال النقاش وكنيته (أبو كردوس) ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد ما ترى قال أرى عرشا على الماء.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أخسأ فلن تعدو قدرك " فعرف أن مادة مكاشفته التي كاشفه بها شيطانية مستمدة من إبليس الذي هو يشاهد عرشه على البحر * ولهذا قال له أخسأ فلن تعدو قدرك أي لن تجاوز قيمتك الدنية الخسيسة الحقيرة.
والدليل على أن عرش إبليس على البحر الذي رواه الامام أحمد حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثني معاذ التميمي (1) عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عرش إبليس في البحر يبعث سراياه في كل يوم يفتنون الناس فأعظمهم عنده منزلة أعظمهم فتنة للناس " ورواه (2).
وقال أحمد حدثنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (عرش إبليس على البحر يبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة) تفرد به من هذا الوجه.
وقال أحمد حدثنا مؤمل حدثنا حماد حدثنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صائد: " ما ترى " قال أرى عرشا على الماء أو قال على البحر حوله
__________
(1) مسند أحمد: ج 1 / 332 ماعز التميمي بدل معاذ.
(2) ورواه بياض بالاصل.
والتقدير أن أحمد رواه بروايتين اخريين عن جابر من طريق أبي الزبير 3 / 384 ومن طريق
سفيان عن أبي الزبير عن جابر 3 / 332 وفيها: عرش إبليس على البحر.
[ * ]

(1/62)


حيات "، قال صلى الله عليه وسلم: " ذاك عرش إبليس " * هكذا رواه في مسند جابر.
وقال في مسند أبي سعيد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صائد: " ما ترى قال: أرى عرشا على البحر حوله الحيات "، فقال.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدق ; ذاك عرش إبليس ".
وروى الامام أحمد من طريق معاذ التميمي وأبي الزبير (1) عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش (2) بينهم " * وروى الامام مسلم من حديث الاعمش عن أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الشيطان يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة.
يجئ أحدهم فيقول ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا.
فيقول إبليس لا والله ما صنعت شيئا.
ويجئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله.
قال فيقربه ويدنيه ويقول نعم أنت " يروى بفتح النون بمعنى نعم أنت ذاك الذي تستحق الاكرام.
وبكسرها أي نعم منك * وقد استدل به بعض النحاة على جواز كون فاعل نعم مضمرا وهو قليل * واختار شيخنا الحافظ أبو الحجاج الاول ورجحه ووجهه بما ذكرناه والله أعلم.
وقد أوردنا هذا الحديث عند قوله تعالى (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) (3) يعني أن السحر المتلقي عن الشياطين من الانس والجن يتوصل به إلى التفرقة بين المتآلفين غاية التآلف المتوادين المتحابين ولهذا يشكر إبليس سعى من كان السبب في ذلك.
فالذي ذمه الله يمدحه والذي يغضب الله يرضيه عليه لعنة الله * وقد أنزل الله عزوجل سورتي المعوذتين مطردة لانواع الشر وأسبابه وغاياته.
ولا سيما سورة (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) (4).
وثبت في الصحيحين عن أنس.
وفي صحيح البخاري عن صفية بنت حسين (5) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشيطان يجري من
ابن آدم مجرى الدم " (6).
__________
(1) في المسند ماعز التميمي وسقط اسم أبي الزبير.
(2) قوله في التحريش: متعلق بمقدر محذوف أي أن الشيطان سعى في التحريش بين المصلين عن طريق بث الخصومات والبغضاء والحروب والفتن وغيرها.
(3) سورة البقرة الآية 102.
(4) سورة الناس الآية 4.
(5) عند مسلم صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب.
(6) قال القاضي عياض وغيره: قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن الانسان في مجاري دمه، وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق الانسان كما لا يفارقه دمه.
[ * ]

(1/63)


وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا محمد بن جبير حدثنا عدي بن أبي عمارة حدثنا زياد النميري عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس " * ولما كان ذكر الله مطردة للشيطان عن القلب كان فيه تذكار للناس كما قال تعالى (واذكر ربك إذا نسيت) (1) " وقال صاحب موسى (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) (2) وقال تعالى (فأنساه الشيطان ذكر ربه) (3) يعني الساقي لما قال له يوسف اذكرني عند ربك نسي الساقي أن يذكره لربه يعني مولاه الملك.
وكان هذا النسيان من الشيطان (فلبث يوسف في السجن بضع سنين) (4) ولهذا قال بعده (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد امة) (5) أي مدة * وقرئ بعد أمة أي نسيان.
وهذا الذي قلنا من أن الناسي هو الساقي هو الصواب من القولين كما قررناه في التفسير والله أعلم.
وقال الامام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره فقلت نفس الشيطان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقل نفس الشيطان فإنك إذا قلت نفس الشيطان تعاظم وقال بقوتي صرعته وإذا قلت بسم الله تصاغر حتى
يصير مثل الذباب " * تفرد به أحمد وهو إسناد جيد * وقال أحمد حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك ابن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحدكم إذا كان في المسجد جاء الشيطان فأيس به كما يئس الرجل بدابته فإذا سكن له زنقه أو ألجمه (6) * قال أبو هريرة وأنتم ترون ذلك.
أما المزنوق فتراه مائلا كذا لا يذكر إلا الله * وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله عزوجل تفرد به أحمد * وقال الامام أحمد حدثنا ابن نمير حدثنا ثور يعني ابن يزيد عن مكحول عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العين حق ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم " * وقال الامام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن ذر بن عبد الله الهمداني عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أحدث نفسي بالشئ - لان أخر من
__________
(1) سورة الكهف الآية 24.
(2) سورة الكهف الآية 63.
(3) سورة يوسف جزء من الآية 42.
(4) سورة يوسف جزء من الآية 42.
(5) سورة يوسف الآية 45.
أمة بالتشديد: الحين ولا تكون الحين إلا على حذف مضاف والامة الجماعة من الناس.
وقرأ ابن عباس أمة بفتح الهمزة وتخفيف الميم أي بعد نسيان وقيل أمه النسيان ذكره النحاس ورجل أمه ذاهب العقل.
قال صاحب اللسان أمه الرجل فهو مأموه وهو الذي ليس عقله معه.
وقرأ العقيلي بعد إمة أي بعد نعمة، أي بعد أن أنعم الله عليه بالنجاة.
(6) أيس بالشئ: استقل به، وزنقه: ضيق عليه.
[ * ]

(1/64)


السماء أحب إلي من أن أتكلم به.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " * ورواه أبو داود والنسائي من حديث منصور زاد النسائي والاعمش كلاهما عن أبي ذر به.
وقال البخاري حدثنا يحي بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة قال قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته " (1) * وهكذا رواه مسلم من حديث الليث ومن حديث الزهري وهشام بن عروة كلاهما عن عروة به * وقد قال الله تعالى (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) (2) وقال تعالى (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون) (3) وقال تعالى (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم) (4) وقال تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.
إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) (5).
وروى الامام أحمد وأهل السنن من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
وجاء مثله من رواية جبير بن مطعم وعبد الله بن مسعود وأبي أسامة الباهلي (6).
وتفسيره في الحديث (فهمزه الموتة وهو الخنق الذي هو الصرع.
ونفخه الكبر.
ونفثه الشعر) وثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال " أعوذ بالله من الخبت والخبائث " قال كثير من العلماء استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم (7) * وروى الامام أحمد عن شريح عن عيسى بن يونس عن ثور عن الحسين عن ابن سعد الخير وكان من أصحاب عمر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: " ومن أتى الغائط فليستتر فان لم يجد إلا أن يجمع كثيبا فليستدبره فان الشيطان
__________
(1) عقيل هو عقيل بن خالد.
قوله فليستعذ بالله ولينته: معناه إذا عرض له الوسواس فليلجأ إلى الله في دفع شروره وليعرض عن التفكير بذلك.
وليعلم أن هذا كله من وسوسة الشيطان الذي يسعى إلى إغرائه وإفساده وليشغل نفسه بالتفكير بأمور أخرى بعيدا عن الاصغاء لوسوسة الشيطان.
(2) سورة الاعراف الآية 201.
(3) سورة المؤمنون الآيه 97.
(4) سورة الاعراف الآية 200.
(5) سورة النحل الآية 98.
(6) كذا أبو أسامة والصواب أبو أمامة الباهلي، وهو صدي بن عجلان صحابي مشهور سكن الشهابي ومات بها سنة 86 / التقريب ج 1 / 366 - كاشف 2 / 26.
(7) وقال ابن الاثير في النهاية: وقيل الخبث بسكون الباء، وهو خلاف طيب الفعل من فجور وغيره.
والخبائث يريد بها الافعال المذمومة والخصال الرديئة.
[ * ]

(1/65)


يلعب بمقاعد بني آدم من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " * ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث ثور بن يزيد به.
وقال البخاري حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الاعمش عن عدي بن ثابت قال قال سليمان بن صرد استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لاعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد.
لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".
فقالوا للرجل ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لست بمجنون.
ورواه أيضا مسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن الاعمش.
وقال الامام أحمد حدثنا محمد بن عبيد حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع.
عن ابن عمر أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: " لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشمال فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " * وهذا على شرط الصحيحين بهذا الاسناد وهو في الصحيح من غير هذا الوجه.
وروى الامام أحمد من حديث إسماعيل بن أبي حكيم عن عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أكل بشماله أكل معه الشيطان ومن شرب بشماله شرب معه الشيطان " * وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر أنبأنا شعبة عن أبي زياد الطحان سمعت أبا هريرة يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا يشرب قائما فقال له: " قه " قال: لم.
قال: " أيسرك أن يشرب معك الهر ".
قال: لا.
قال: " فإنه قد شرب معك من هو شر منه الشيطان " تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقال أيضا: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن رجل عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاء " قال: وحدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث الزهري * وقال الامام حدثنا موسى حدثنا ابن لهيعة عن ابن الزبير أنه سأل جابرا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله حين يدخل وحين يطعم قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء ههنا.
وان دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله قال أدركتم المبيت.
وان لم يذكر اسم الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء " ؟ قال نعم * وقال البخاري حدثنا محمد حدثنا عبدة حدثنا محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى يبرز وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى يغيب ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فانها تطلع بين قرني الشيطان " (1) أو (الشياطين) لا أدري أي ذلك قال هشام * ورواه مسلم والنسائي من حديث هشام به * وقال البخاري حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى
__________
(1) بين قرني الشيطان: قيل المراد بقرنه أمته وشيعته وقيل: قرنه جانب رأسه.
هذا ظاهر الحديث.
ومعناه أن يدنو برأسه إلى الشمس في هذا الوقت ليكون الساجدون للشمس من الكفار كالساجدين له.
حينئذ يمكن أن يلبس على المصلي صلاته.
فكرهت الصلاة في هذا الوقت لسياق المعنى كما كرهت في مأوى الشيطان.
[ * ]

(1/66)


المشرق فقال " ها إن الفتنة ههنا إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان " * هكذا رواه البخاري منفردا به من هذا الوجه * وفي السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نهى أن يجلس بين الشمس والظل.
وقال إنه مجلس الشيطان ".
وقد ذكروا في هذا معاني.
من أحسنها أنه لما كان الجلوس في مثل هذا الموضع فيه تشويه بالخلقة فيما يرى كان يحبه الشيطان لان خلقته في نفسه مشوه وهذا مستقر في الاذهان.
ولهذا قال تعالى: (طلعها كأنه رؤس الشياطين) (1) الصحيح أنهم الشياطين لا ضرب من الحيات كما زعمه من زعمه من المفسرين والله أعلم * فان النفوس مغروز فيها قبح الشياطين وحسن خلق الملائكة وإن لم يشاؤا.
ولهذا قال تعالى (طلعها كأنه رؤس الشياطين)
وقال النسوة لما شاهدن جمال يوسف (حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم) (2).
وقال البخاري حدثنا يحيى بن جعفر حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري حدثنا ابن جريج أخبرني عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استجنح) أو (كان جنح الليل) فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من العشاء فحلوهم وأغلق بابك واذكر اسم الله وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وأوك (3) سقاءك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئا ".
ورواه أحمد عن يحيى عن ابن جريج وعنده فإن الشيطان لا يفتح مغلقا.
وقال الامام أحمد حدثنا وكيع عن قط (4) عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أغلقوا أبوابكم وخمروا آنيتكم وأوكوا أسقيتكم وأطفؤا سرجكم فان الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ولا يكشف غطاء ولا يحل وكاء وإن الفويسقة تضرم البيت على أهله يعني الفأرة.
وقال البخاري حدثنا آدم حدثنا شعبة عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان ولم يسلط عليه ".
وحدثنا الاعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس مثله.
ورواه أيضا عن موسى بن إسماعيل عن همام عن منصور عن سالم عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فرزقا ولدا لم يضره الشيطان " * وقال البخاري حدثنا إسماعيل حدثنا أخي عن سليمان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد.
يضرب على كل عقدة مكانها " عليك ليل طويل فارقد " فان استيقظ فذكر الله انحلت عقدة.
فإن توضأ إنحلت عقدة.
فإن صلى إنحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " هكذا رواه منفردا به من
__________
(1) سورة الصافات الآية 65.
(2) سورة يوسف الآية 31.
(3) أوك من الوكاء وهو كل ما شد رأسه من وعاء وغيرها.
(4) كذا في الاصول قط وليس الرواة من تسمى بهذا الاسم وفي المسند ج 3 / 301 ورد قطر.
[ * ]

(1/67)


هذا الوجه.
وقال البخاري حدثنا إبراهيم عن حمزة حدثني ابن أبي حازم عن يزيد يعني ابن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فاستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه) ورواه مسلم عن بشر بن الحكم عن الدراوردي.
والنسائي عن محمد بن زنبور عن عبد العزيز بن أبي حازم كلاهما عن يزيد بن الهادي به.
وقال البخاري حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال " ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله ثم أصبح قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه " أو قال (في أذنه).
ورواه مسلم عن عثمان واسحاق كلاهما عن جرير به.
وأخرجه البخاري أيضا والنسائي وابن ماجة من حديث منصور بن المعتمر به.
وقال البخاري حدثنا محمد بن يوسف أنبأنا الاوزاعي عن يحى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط فإذا قضى أقبل فإذا ثوب بها أدبر فإذا قضى أقبل حتى يخطر بين الانسان وقلبه.
فيقول اذكر كذا وكذا حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا فإذا لم يدر أثلاثا صلى أم أربعا سجد سجدتي السهو " هكذا رواه منفردا به من هذا الوجه.
وقال أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا جعفر يعني الاحمر عن عطاء بن السائب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " راصوا الصفوف فإن الشيطان يقوم في الخلل " (1) وقال أحمد حدثنا أبان حدثنا قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " راصوا الصفوف وقاربوا بينها وحاذوا بين الاعناق فوالذي نفس محمد بيده إني لارى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنه الحذف " (2) * وقال البخاري حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا يونس عن حميد بن هلال عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مر بين يدي أحدكم شئ فليمنعه فإن أبى فليمنعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان " ورواه أيضا مسلم وأبو داود من حديث سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال به * وقال الامام أحمد حدثنا
أبو أحمد حدثنا بشير بن معبد حدثنا أبو عبيد حاجب سليمان قال رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي فذهبت أمر بين يديه فردني * ثم قال حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يصلي صلاة الصبح وهو خلفه يقرأ فالتبست عليه القراءة فلما فرغ من صلاته قال " لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين الابهام والتي تليها ولولا دعوة أخي سليمان لاصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد بتلاعب به صبيان المدينة فمن استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل * وروى أبو داود منه فمن استطاع إلى آخره عن أحمد بن أبي سريج عن أبي أحمد محمد بن عبد الله بن محمد بن الزبير به.
وقال البخاري حدثنا محمود حدثنا شبابة حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه صلى صلاة فقال إن الشيطان عرض لي فسد علي لقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه " فذكر الحديث * وقد رواه
__________
(1) مسند أحمد 3 / 154.
(2) مسند أحمد 3 / 260.
[ * ]

(1/68)


مسلم والنسائي من حديث شعبة به مطولا.
ولفظ البخاري عند تفسير قوله تعالى أخبارا عن سليمان عليه السلام أنه قال (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب) (1) من حديث روح وغندر عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن عفريتا (2) من الجن تفلت علي البارحة " أو كلمة نحوها (3) ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب) قال روح فرده خاسئا * وروى مسلم من حديث أبي إدريس عن أبي الدرداء قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فسمعناه يقول: " اعوذ بالله منك " ثم قال: " ألعنك بلعنة الله ثلاثا " وبسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة قلنا يارسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك فقال: " إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجمله (4) في وجهي فقلت: " أعوذ بالله منك ".
ثلاث مرات.
ثم
قلت: ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لاصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة ".
وقال تعالى (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) (5) يعني الشيطان وقال تعالى (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) فالشيطان لا يألو الانسان خبالا جهده وطاقته في جميع أحواله وحركاته وسكناته كما صنف الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا كتابا في ذلك سماه (مصائد الشيطان).
وفيه فوائد جمة.
وفي سنن أبي داود إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يقول في دعائه.
وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت.
وروينا في بعض الاخبار أنه قال (يا رب وعزك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الله تعالى: وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني) وقال الله تعالى (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم) (6) فوعد الله هو الحق المصدق ووعد الشيطان هو الباطل.
وقد روى الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه وابن أبي حاتم في تفسيره من حديث عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن للشيطان للمة بابن آدم وللملك لمة.
فأما لمة الشيطان
__________
(1) سورة ص الآية 35.
(2) العفريت: العاتي المارد من الجن.
(3) عند مسلم.
يفتك علي: والفتك الاخذ في غفلة وخديعة.
(4) عند مسلم: ليجعله.
(5) سورة لقمان الآية 33.
(6) سورة البقرة الآية 268.
[ * ]

(1/69)


فأيعاد بالشر وتكذيب بالحق.
وأما لمة الملك فايعاد بالخير وتصديق بالحق.
فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله.
ومن وجد الاخرى فليتعوذ من الشيطان " (1) ثم قرأ (والشيطان يعدكم
الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم).
وقد ذكرنا في فضل سورة البقرة أن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه.
وذكرنا في فضل آية الكرسي أن من قرأها في ليلة لا يقربه الشيطان حتى يصبح.
وقال البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا ملك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك " (2).
وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة من حديث ملك.
وقال الترمذي حسن صحيح.
وقال البخاري أنبأنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: " كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب ".
تفرد به من هذا الوجه.
وقال البخاري حدثنا عاصم بن علي حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال (ها) ضحك الشيطان ".
ورواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه النسائي من حديث ابن أبي ذئب به * وفي لفظ " إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع فان الشيطان يدخل ".
وقال الامام أحمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب العطاس ويبغض أو يكره التثاؤب فإذا قال أحدكم هاها فإنما ذلك الشيطان يضحك من جوفه.
ورواه الترمذي والنسائي من حديث محمد بن عجلان به.
وقال البخاري حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص عن أشعث عن أبيه عن مسروق قال: قالت عائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم: عن التفات الرجل في الصلاة فقال: " هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم ".
وكذا رواه أبو داود والنسائي من رواية أشعث بن أبي الشعثاء
سليم بن أسود المحاربي عن أبيه عن مسروق به.
وروى البخاري من حديث الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره ".
وقال الامام أحمد حدثنا
__________
(1) أخرجه الترمذي في تفسير سورة (2 ; 25).
(2) أخرجه البخاري في أكثر من موضع (إيمان: 42) ومسلم في الايمان (46) والترمذي في الطهارة (41) وابن ماجة في المقدمة (9).
[ * ]

(1/70)


عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح فانه لا يدري أحدكم لعل الشيطان أن ينزع في يده فيقع في حفرة من النار ".
أخرجاه من حديث عبد الرزاق.
وقال الله تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين واعتدنا لهم عذاب السعير) (1) وقال (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد.
لا يسمعون إلى الملا الاعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب.
إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) (2) وقال تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين.
وحفظناها من كل شيطان رجيم.
إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) (3) وقال تعالى (وما تنزلت به الشياطين.
وما ينبغي لهم وما يستطيعون انهم عن السمع لمعزولون) (4) وقال تعالى إخبارا عن الجان (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا.
وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) (5).
وقال البخاري: وقال الليث: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن أبا الاسود أخبره عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الملائكة تحدث في العنان (والعنان الغمام) بالامر يكون في الارض فتسمع الشياطين الكلمة فتقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة فيزيدون معها مائة كلمة.
هكذا رواه في صفة إبليس معلقا عن الليث به.
ورواه في صفة الملائكة عن
سعيد بن أبي مريم عن الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن عبد الرحمن أبي الاسود عن عروة عن عائشة بنحوه * تفرد بهذين الطريقين دون مسلم * وروى البخاري في موضع آخر ومسلم من حديث الزهري عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه قال: " قالت عائشة سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم: عن الكهان فقال " انهم ليسوا بشئ " * فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثوننا أحيانا بشئ فيكون حقا فقال صلى الله عليه وسلم: " تلك الكلمة من الحق (6) يخطفها (7) من الجني فيقرقرها (8) في أذن وليه كقرقرة الدجاجة فيخلطون معها مائة كذبة * هذا لفظ البخاري.
__________
(1) سورة الملك الآية 5.
(2) سورة الصافات الآية 6.
(3) سورة الحجر الآية 16.
(4) سورة الشعراء الآية 210.
(5) سورة الجن الآية 8.
(6) عند مسلم من الجن، يعني الكلمة المسموعة من الجن أو التي تصح مما نقتله الجن.
(7) يخطفها: الخطف الاستراق والاخذ بسرعة.
(8) قرقرها: وعند مسلم " قرها ": قال أهل اللغة القر ترديد الكلام في إذن المخاطب حتى يفهمه، وقر الدجاجة صوتها إذا قطعته.
يقال: قرت تقرقرا وقريرا وتقول إذا رددته: قرقرت قرقرة.
قال الخطابي وغيره: معناه أن الجني يقذف الكلمة إلى وليه الكاهن فتسمعها الشياطين، كما تؤذن الدجاجة بصوتها رفيقاتها.
[ * ]

(1/71)


وقال البخاري حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال سمعت عكرمة يقول سمعت أبا هريرة يقول إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قضى الله الامر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان.
فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير.
فيسمعها مسترق السمع.
ومسترق السمع هكذا بعضه فوق
بعض.
ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه.
فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن.
فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا.
فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء انفرد به البخاري * وروى مسلم من حديث الزهري عن علي بن الحسين زين العابدين عن ابن عباس عن رجال من الانصار عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا.
وقال تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين.
وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون.
حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) (1) وقال تعالى (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم) (2) الآية وقال تعالى (وقال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد.
قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد.
ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) (3) وقال تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.
ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون.
ولتصغي إليه افئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون) (4).
وقد قدمنا في صفة الملائكة ما رواه أحمد ومسلم من طريق منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه واسمه رافع عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي ولكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير.
وقال الامام أحمد حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه واسمه حصين بن جندب وهو أبو ظبيان الجنبي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الشياطين قالوا وأنت يارسول الله قال نعم ولكن الله أعانني عليه
__________
(1) سورة الزخرف الآية 36.
(2) سورة فصلت الآية 25.
(3) سورة ق الآية 27.
(4) سورة الانعام الآية 111.
[ * ]

(1/72)


فأسلم (1) * تفرد به أحمد وهو على شرط الصحيح.
وقال الامام أحمد حدثنا هارون حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني أبو صخر عن يزيد بن قسيط حدثه أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خرج من عندها ليلا قالت فغرت عليه قالت فجاء فرأى ما أصنع فقال: " مالك يا عائشة أغرت " قالت: فقلت ومالي أن لا يغار مثلي على مثلك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفأخذك شيطانك " قالت: يا رسول الله أو معي شيطان.
قال: " نعم ".
قلت ومع كل إنسان.
قال: " نعم " قلت ومعك يا رسول الله ؟ قال: " نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى اسلم " * وهكذا رواه مسلم عن هارون وهو ابن سعيد الايلي بإسناده نحوه.
وقال الامام أحمد حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن المؤمن لينصى شيطانه كما ينصى أحدكم بعيره في السفر " تفرد به أحمد من هذا الوجه ومعنى لينصى شيطانه ليأخذ بناصيته فيغلبه ويقهره كما يفعل بالبعير إذا شرد ثم غلبه ".
وقوله تعالى إخبارا عن إبليس (قال فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم.
ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) (2).
قال الامام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا أبو عقيل هو عبد الله بن عقيل الثقفي حدثنا موسى بن المسيب عن سالم بن أبي الجعد عن سبرة بن أبي فاكه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقة فقعد له بطريق الاسلام فقال أتسلم وتذر دينك ودين آبائك.
قال فعصاه وأسلم قال وقعد له بطريق الهجرة فقال أتهاجر وتذر أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول فعصاه وهاجر.
ثم قعد له بطريق الجهاد وهو جهد النفس والمال فقال أتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال قال فعصاه وجاهد " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فمن فعل ذلك منهم كان حقا على الله أن يدخله الجنة.
وان قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة وان كان غرق كان
حقا على الله أن يدخله الجنة وان وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة.
وقال الامام أحمد حدثنا وكيع حدثنا عبادة بن مسلم الفزاري حدثني جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم سمعت عبد الله بن عمر يقول لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هذه الدعوات حين يصبح وحين يمسي " اللهم اني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي
__________
(1) فأسلم فيها روايتان برفع الميم وفتحها.
فمن رفع قال: معناه أسلم أنا من شره وفتنته، ومن فتح الميم اعتبر أن القرين أسلم وصار مؤمنا.
قال الخطابي الصحيح الرفع ; ورجح القاضي عياض الفتح: على معنيين: بمعنى انقاد واستسلم وقيل، وهو الظاهر، صار مسلما مؤمنا.
والله أعلم.
(2) سورة الاعراف الآية 16.
[ * ]

(1/73)


وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي " قال وكيع يعني الخسف ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم من حديث عبادة بن مسلم به (1).
وقال الحاكم صحيح الاسناد.