البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

[ ذكر قصتي ] (4) الخضر والياس عليهما السلام
أما الخضر:
فقد تقدم أن موسى عليه السلام رحل إليه في طلب ما عنده من العلم اللدني، وقص الله من خبرهما في كتابه العزيز في سورة الكهف، وذكرنا في تفسير ذلك هنالك، وأوردنا هنا ذكر الحديث المصرح بذكر الخضر عليه السلام وأن الذي رحل إليه هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل عليه السلام الذي أنزلت عليه التوراة.
وقد اختلف في الخضر في اسمه ونسبه ونبوته وحياته، إلى الآن - على أقوال - سأذكرها لك
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده ج 1 / 193 والبخاري في صحيحه 90 / 13 / 6974 فتح الباري.
(2) في الطبري: مائة وست وعشرون سنة، وفيه: انها مات قبل فتح بيت المقدس، مات وهو يقاتل ملوك الشام ; وأما من فتح بيت المقدس.
وذكر المسعودي: كان عمره مائة وعشرون سنة.
(3) ذكر المسعودي 1 / 48: بقي بعد موسى تسعا وعشرين سنة، وأما الطبري فكالاصل.
(4) في النسخ المطبوعة: قصتا.
[ * ]

(1/379)


ههنا إن شاء الله وبحوله وقوته.
قال الحافظ ابن عساكر: يقال إنه الخضر بن آدم عليه السلام لصلبه، ثم روى من طريق الدارقطني: حدثنا محمد بن الفتح القلانسي، حدثنا العباس بن عبد الله الرومي، حدثنا رواد بن الجراح، حدثنا مقاتل بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الخضر بن آدم لصلبه ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال.
وهذا منقطع وغريب.
وقال أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني: سمعت مشيختنا منهم أبو عبيدة وغيره قالوا: إن أطول بني آدم عمرا الخضر، واسمه خضرون بن قابيل بن آدم.
قال: وذكر ابن إسحق: أن آدم عليه السلام لما حضرته الوفاة أخبر بنيه أن الطوفان سيقع بالناس، وأوصاهم إذا كان ذلك أن يحملوا جسده معهم في السفينة، وأن يدفنوه [ معهم ] (1) في مكان عينه لهم.
فلما كان الطوفان حملوه معهم، فلما هبطوا إلى الارض أمر نوح بنيه أن يذهبوا ببدنه فيدفنوه حيث أوصى.
فقالوا إن الارض ليس بها أنيس وعليها وحشة فحرضهم وحثهم على ذلك.
وقال إن آدم دعا لمن يلي دفنه بطول العمر، فهابوا المسير إلى ذلك الموضع في ذلك الوقت، فلم يزل جسده عندهم حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه، وأنجز الله ما وعده فهو يحيى إلى ما شاء الله له أن يحيي.
وذكر ابن قتيبة في المعارف (2) عن وهب بن منبه أن اسم الخضر " بليا " * ويقال ايليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.
وقال إسماعيل بن أبي
أويس اسم الخضر فيما بلغنا والله أعلم: المعمر بن مالك بن عبد لله بن نصر بن لازد.
وقال غيره هو خضرون بن عمياييل بن اليفز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.
ويقال هو أرميا (3) بن خلقيا فالله أعلم.
وقيل إنه كان ابن فرعون صاحب موسى ملك مصر وهذا غريب جدا.
قال ابن الجوزي رواه محمد بن أيوب، عن ابن لهيعة وهما ضعيفان.
وقيل إنه ابن مالك.
وهو أخو الياس قاله السدي كما سيأتي.
وقيل أنه كان على مقدمة ذي القرنين.
وقيل كان ابن بعض من آمن بإبراهيم الخليل وهاجر معه وقيل كان نبيا في زمن بشتاسب بن لهراسب.
قال ابن جرير والصحيح أنه كان متقدما في زمن أفريدون ابن اثفيان حتى أدركه موسى عليهما السلام.
وروى الحافظ ابن عساكر عن سعيد بن المسيب أنه قال الخضر أمه رومية وأبوه فارسي.
وقد ورد ما يدل على أنه كان من بني إسرائيل في زمان فرعون أيضا.
قال أبو زرعة في
__________
(1) سقطت من نسخ البداية والنهاية المطبوعة.
(2) المعارف ص 19 وزاد وكان أبوه ملكا.
(3) علق الطبري ج 1 / 194 قال: ويدل على خطأ قول من قال انه أو رميا بن خلقيا (قال بنو إسرائيل انه أو رميا - الكامل في التاريخ) لان أو رميا كان في أيام بختنصر وبين عهد موسى وبختنصر من المدة لا يشكل قدرها على أهل العلم ; أكثر من ألف عام كما في الكامل لابن الاثير.
ج 1 / 160 - 163.
[ * ]

(1/380)


" دلائل النبوة ": حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي، حدثنا الوليد، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليلة أسرى به وجد رائحة طيبة فقال: " يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة ؟ " قال: هذه ريح قبل الماشطة وابنتها وزوجها.
وقال وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشراف بني إسرائيل وكان ممره براهب في صومعته فتطلع عليه الراهب فعلمه الاسلام فلما بلغ الخضر زوجه أبوه امرأة فعلمها الاسلام، وأخذ عليها أن لا تعلم أحدا، وكان لا يقرب النساء، ثم طلقها ثم زوجه أبوه بأخرى فعلمها
الاسلام، وأخذ عليها أن لا تعلم أحدا ثم طلقها، فكتمت إحداهما وأفشت عليه الاخرى، فانطلق هاربا حتى أتى جزيرة في البحر فأقبل رجلان يحتطبان، فرأياه فكتم أحدهما وأفشى عليه الآخر، قال: قد رأيت العزقيل ومن رآه معك قال: فلان، فسئل فكتم، وكان من دينهم أنه من كذب قتل، فقتل وكان قد تزوج الكاتم المرأة الكاتمة، قال: فبينما هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت نعس فرعون فأخبرت أباها وكان للمرأة ابنان وزوج، فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما فأبيا فقال: إني قاتلكما، فقالا: احسان منك إلينا إن أنت قتلتنا أن تجعلنا في قبر واحد فجعلهما في قبر واحد، فقال: وما وجدت ريحا أطيب منهما، وقد دخلت الجنة وقد تقدمت قصة مائلة بنت فرعون وهذا المشط في أمر الخضر قد يكون مدرجا من كلام أبي بن كعب أو عبد الله بن عباس والله أعلم.
وقال بعضهم كنيته أبو العباس، والاشبه والله أعلم أن الخضر لقب غلب عليه.
قال البخاري - رحمه الله: حدثنا محمد بن سعيد الاصبهاني، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما سمي الخضر لانه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه، خضراء " (1) تفرد به البخاري وكذلك رواه عبد الرزاق عن معمر به.
ثم قال عبد الرزاق الفروة: الحشيش الابيض وما أشبهه يعني: الهشيم اليابس، وقال الخطابي وقال أبو عمر الفروة: الارض البيضاء التي لا نبات فيها، وقال غيره هو الهشيم اليابس شبهه بالفروة ومنه قيل فروة الرأس وهي جلدته بما عليها من الشعر كما قال الراعي: ولقد ترى الحبشي حول بيوتنا * جذلا إذا ما نال يوما ما كلا صعلا أصك كأن فروة رأسه * بذرت فأنبت جانباه فلفلا (2) قال الخطابي: إنما سمي الخضر خضرا لحسنه وإشراق وجهه.
قلت: هذا لا ينافي ما ثبت في الصحيح فإن كان ولا بد من التعليل بأحدهما فما ثبت في الصحيح أولى، وأقوى بل لا يلتفت
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه 60 كتاب المناقب 27 / 3402 فتح الباري، وأحمد في مسنده ج 2 / 312 - 318.
والترمذي في سننه.
(2) في نسخة: جعدا أصك.
والصعل: الصغير الرأس، والاصك: المعوج الركبتين والعقبين.
[ * ]

(1/381)


إلى ما عداه وقد روى الحافظ ابن عساكر هذا الحديث أيضا من طريق إسماعيل بن حفص بن عمر الايلي، حدثنا عثمان وأبو جزي وهمام بن يحيى، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما سمي الخضر خضرا لانه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء ".
وهذا غريب من هذا الوجه.
وقال قبيصة عن الثوري عن منصور عن مجاهد قال إنما سمي الخضر لانه كان إذا صلى اخضر ما حوله وتقدم أن موسى ويوشع عليهما السلام رجعا يقصان الاثر وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر، وهو مسجى بثوب، قد جعل طرفاه من تحت رأسه وقدميه، فسلم عليه السلام فكشف عن وجهه فرد وقال: أني بأرضك السلام ؟ من أنت ؟ قال: أنا موسى.
قال: موسى [ نبي ] (1) بني إسرائيل.
قال: نعم فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه عنهما.
وقد دل سياق القصة على نبوته من وجوه.
أحدها: قوله تعالى (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من من لدنا علما) [ الكهف: 65 ].
الثاني: قول موسى له (هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا.
قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا.
قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا.
قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا) [ الكهف: 66 - 70 ] فلو كان وليا وليس بنبي لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسى هذا الرد، بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذي اختصه الله به دونه، فلو كان غير نبي لم يكن معصوما، ولم تكن لموسى، وهو نبي عظيم ورسوله كريم، واجب العصمة، كبير رغبة ولا عظيم طلبة، في علم ولي غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه والتفتيش عليه، ولو أنه يمضي حقبا من الزمان قيل ثمانين سنة، ثم لما اجتمع به تواضع له وعظمه واتبعه في صورة مستفيد منه،
دل على أنه نبي مثله يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خص من العلوم اللدنية، والاسرار النبوية، بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم نبي بني إسرائيل الكريم، وقد احتج بهذا المسلك بعينه الرماني (2) على نبوة الخضر عليه السلام.
الثالث: أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام.
وهذا دليل مستقل على نبوته.
وبرهان ظاهر على عصمته لان الولي لا يجوز له الاقدام على قتل النفوس، بمجرد ما يلقي في خلده، لان خاطره ليس بواجب العصمة إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق.
ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام، الذي لم يبلغ الحلم علما منه بأنه إذا بلغ يكفر.
__________
(1) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(2) في نسخة البلقاني.
[ * ]

(1/382)


ويحمل أبويه عن الكفر لشدة محبتهما له فيتابعانه عليه، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو عل بقاء مهجته، صيانة لابويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته، دل ذلك على نبوته وانه مؤيد من الله بعصمته.
وقد رأيت الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه.
وحكى الاحتجاج عليه الرماني أيضا.
الرابع: أنه لما فسر الخضر تأويل تلك الافاعيل لموسى، ووضح له عن حقيقة أمره وجلى، قال بعد ذلك كله (رحمة من ربك وما فعلته من أمري) [ الكهف: 82 ] يعني ما فعلته من تلقاء نفسي، بل [ أمر ] (1) بل أمرت به وأوحى إلي فيه.
فدلت هذه الوجوه على نبوته.
ولا ينافي ذلك حصول ولايته، بل ولا رسالته كما قاله آخرون، وأما كونه ملكا من الملائكة [ فقول ] (2) غريب جدا، وإذا ثبتت نبوته كما ذكرناه لم يبق لمن قال بولايته وإن الولي قد يطلع على حقيقة الامور دون أرباب الشرع الظاهر، مستند يستندون إليه، ولا معتمد يعتمدون عليه.
وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم.
قيل لانه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان فنالته دعوة أبيه آدم بطول الحياة.
وقيل لانه شرب من عين الحياة
فحيى (3).
وذكروا أخبارا استشهدوا بها على بقائه إلى الآن وسنوردها [ مع غيرها ] (4) إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
وهذه وصيته لموسى حين (قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئكم بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) [ الكهف: 78 ] روي في ذلك آثار منقطعة كثيرة.
قال البيهقي: أنبأنا أبو سعيد بن أبي عمرو، وحدثنا أبو عبد الله الصفار، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا جرير، حدثني أبو عبد الله الملطي قال: لما أراد موسى أن يفارق الخضر، قال له موسى: أوصني قال: كن نفاعا ولا تكن ضرارا.
كن بشاشا ولا تكن غضبان.
ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة.
وفي رواية من طريق أخرى زيادة: (ولا تضحك إلا من عجب).
وقال وهب بن منبه: قال الخضر: يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها، وقال بشر بن الحارث الحافي: قال موسى للخضر: أوصني، فقال: يسر الله عليك طاعته، وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه ابن عساكر من طريق زكريا بن يحيى الوقاد إلا أنه من الكذابين الكبار.
قال قرئ على عبد الله بن وهب وأنا أسمع قال الثوري: قال مجالد: قال أبو الوداك: قال أبو سعيد الخدري، قال عمر بن الخطاب، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال أخي موسى يا
__________
(1) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(2) سقطت من نسخ المطبوعة.
(3) تناول الرازي في التفسير موضوعة الخضر بتفاصيل واسعة ومسائل كثيرة.
انظر ج 21 / 158 وما بعدها.
(4) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
[ * ]

(1/383)


رب - وذكر كلمته - فأتاه الخضر وهو فتى طيب الريح حسن بياض الثياب، مشمرها فقال: السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران، إن ربك يقرأ عليك السلام.
قال موسى: هو السلام وإليه السلام، والحمد لله رب العالمين، الذي لا أحصى نعمه، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته.
ثم قال موسى: أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك.
فقال الخضر: يا
طالب العلم إن القائل أقل ملالة (1) من المستمع، فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم، وأعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك.
واعزف (2) عن الدنيا وانبذها وراءك.
فإنها ليست لك بدار ولا لك فيها محل قرار، وإنما جعلت بلغة للعباد والتزود منها ليوم المعاد، ورض نفسك على الصبر تخلص من الاثم.
يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له.
ولا تكن مكثارا للعلم مهذارا فإن كثرة المنطق تشين العلماء وتبدي مساوي السخفاء.
ولكن عليك بالاقتصاد فإن ذلك من التوفيق والسداد.
وأعرض عن الجهال وماطلهم، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعل الحكماء وزين العلماء، وإذ شتمك الجاهل فاسكت عنه حلما.
وجانبه حزما، فإن ما بقي من جهله عليك وسبه إياك أكثر وأعظم.
يا ابن عمران ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا.
فإن الاندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف.
يا ابن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه.
يا ابن عمران من لا ينتهي من الدنيا نهمته، ولا تنقضي منها رغبته ومن يحقر حاله، ويتهم الله فيما قضى له كيف يكون زاهدا (3).
هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه ؟ أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه ؟ لان سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه.
يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بواره، ولغيرك نوره، يا موسى بن عمران، اجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات فإنك مصيب السيئات، وزعزع بالخوف قلبك فإن ذلك يرضى ربك واعمل خيرا فإنك لا بد عامل سوء.
قد وعظت إن حفظت * قال فتولى وبقي موسى محزونا مكروبا يبكي.
لا يصح هذا الحديث وأظنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقاد المصري كذبه غير واحد من الائمة والعجب أن الحافظ بن عساكر سكت عنه * وقال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني: حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، ثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي، حدثنا محمد بن الفضل بن عمران الكندي، حدثنا بقية بن الوليد (4) عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه: " ألا أحدثكم عن الخضر ؟ " قالوا: بلى يا رسول الله قال:
__________
(1) في نسخ البداية المطبوعة: ملامة: وهو تحريف.
(2) في نسخ البداية المطبوعة: واغرق من الدنيا وهو تحريف.
(3) في نسخة: عابدا.
(4) بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي ; أبو يحمد صدوق كثير التدليس عن الضعفاء من الثامنة مات سنة سبع وتسعين وله سبع وثمانون.
تقريب التهذيب 1 / 105.
[ * ]

(1/384)


" بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب فقال: تصدق علي بارك الله فيك فقال الخضر: آمنت بالله ما شاء من أمر يكون ما عندي من شئ أعطيكه فقال المسكين أسألك بوجه الله لما تصدقت علي فإني نظرت إلى السماء في وجهك ورجوت البركة عندك فقال الخضر: آمنت بالله ما عندي من شئ أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني فقال المسكين: وهي يستقيم هذا ؟ قال: نعم الحق لك لقد سألتني بأمر عظيم أما أني لا أخيبك بوجه ربي بعني قال: فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شئ.
فقال له: إنك ابتعتني التماس خير عندي فأوصني بعمل قال: أكره أن أشق عليك إنك شيخ كبير ضعيف.
قال ليس يشق علي.
قال فانقل هذه الحجارة وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم فخرج الرجل لبعض حاجاته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة.
فقال: أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه.
ثم عرض للرجل سفر فقال إني أحسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة قال: فأوصني بعمل قال: إني أكره أن أشق عليك قال: ليس تشق علي قال: فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك، فمضى الرجل لسفره فرجع وقد شيد بناؤه فقال أسألك بوجه الله ما سبيلك ؟ وما أمرك ؟ فقال: سألتني بوجه الله والسؤال بوجه الله أوقعني في العبودية سأخبرك من أنا، أنا الخضر الذي سمعت به سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي من شئ أعطيه، فسألني بوجه الله فامكنته من رقبتي، فباعني وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو بقدر، وقف يوم القيامة جلده لا لحم له، ولا عظم يتقعقع.
فقال الرجل آمنت بالله، شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم، فقال لا بأس أحسنت وأبقيت.
فقال الرجل بأبي وأمي يا نبي الله أحكم في أهلي ومالي بما أراك الله أو
أخيرك فأخلي سبيلك فقال: أحب أن تخلي سبيلي فأعبد ربي فخلى سبيله.
فقال الخضر الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها ".
وهذا حديث رفعه خطأ والاشبه أن يكون موقوفا وفي رجاله من لا يعرف فالله أعلم.
وقد رواه ابن الجوزي في كتابه " عجالة المنتظر في شرح حال الخضر " من طريق عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك عن بقية.
وقد روى الحافظ ابن عساكر بإسناده إلى السدي: أن الخضر وإلياس كانا أخوين وكان أبوهما ملكا فقال إلياس لابيه: إن أخي الخضر لا رغبة له في الملك، فلو أنك زوجته لعله يجئ منه ولد يكون الملك له فزوجه أبوه بامرأة حسناء بكر، فقال لها الخضر: إنه لا حاجة لي في النساء فإن شئت أطلقت سراحك وإن شئت أقمت معي تعبدين الله عزوجل وتكتمين علي سري ؟ فقال: نعم وأقامت معه سنة.
فلما مضت السنة دعاها الملك فقال إنك شابة وابني شاب فأين الولد فقالت: إنما الولد من عند الله إن شاء كان وإن لم يشأ لم يكن.
فأمره أبوه فطلقها وزوجه بأخرى ثيبا قد ولد لها فلما زفت إليه قال لها كما قال للتي قبلها فأجابت إلى الاقامة عنده.
فلما مضت السنة سألها الملك عن الولد فقال إن ابنك لا حاجة له بالنساء فتطلبه أبوه فهرب، فأرسل وراءه فلم يقدروا عليه.
فيقال إنه قتل المرأة الثانية لكونها

(1/385)


أفشت سره فهرب من أجل ذلك، وأطلق سراح الاخرى، فأقامت تعبد الله في بعض نواحي تلك المدينة، فمر بها رجل يوما فسمعته يقول بسم الله فقالت له: أنى لك هذا الاسم فقال إني من أصحاب الخضر فتزوجته فولدت له أولادا.
ثم صار من أمرها ماشطة بنت فرعون فبينما هي تمشطها إذ وقع المشط من يدها فقالت: بسم الله فقالت إبنة فرعون: أبي ؟ فقالت: لا ربي وربك ورب أبيك الله فأعلمت أباها فأمر بنقرة من نحاس، فأحميت ثم أمر بها فألقيت فيه، فلما عاينت ذلك تقاعست أن تقع فيها فقال لها ابن معها صغير يا أمه أصبري فإنك على الحق فألقت نفسها في النار فماتت رحمها الله.
وقد روى ابن عساكر عن أبي داود الاعمى نفيع وهو كذاب وضاع عن أنس بن مالك، ومن طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو كذاب أيضا عن
أبيه عن جده أن الخضر جاء ليلة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ويقول: " اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه فبعث إليه رسول الله أنس بن مالك فسلم عليه فرد عليه السلام وقال: قل له: إن الله فضلك على الانبياء كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور وفضل أمتك على الامم كما فضل يوم الجمعة على غيره.
الحديث (1) وهو مكذوب لا يصح سندا ولا متنا كيف لا يتمثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجئ بنفسه مسلما ومتعلما وهم يذكرون في حكاياتهم وما يسندونه عن بعض مشايخهم أن الخضر يأتي إليهم ويسلم عليهم ويعرف أسماءهم ومنازلهم ومحالهم وهو مع هذا لا يعرف موسى بن عمران كليم الله الذي اصطفاه الله في ذلك الزمان على من سواه حتى يتعرف إليه بأنه موسى بني إسرائيل.
وقد قال الحافظ أبو الحسين بن المنادي بعد إيراده حديث أنس هذا وأهل الحديث متفقون على أنه حديث منكر الاسناد، سقيم المتن يتبين فيه أثر الصنعة.
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي (2) قائلا: أخبرنا أبو عبد الله
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 5 / 423 ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المسجد فسمع كلاما من زاوية وإذا هو بقائل يقول: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك: ألا تضم إليها أختها ؟ فقال: اللهم ارزقني شوق الصادقين إلى ما شوقتهم إليه.
قال رسول الله لانس بن مالك وكان معه: اذهب يا أنس فقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لي ; فجاء أنس فبلغه فقال له الرجل: يا أنس أنت رسول الله إلي ؟ فقال كما انت فرجع فاستثبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل له: نعم فقال: نعم فقال له: اذهب فقل له فضلك الله..الحديث.
وتمامه على سائر الايام فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر عليه السلام.
رواه ابن عدي عن كثير بن عبد الله بن عمر بن عوف، عن أبيه عن جده، ورواه الطبراني في الاوسط واورده جلال الدين السيوطي في اللالئ المصنوعة 1 / 164 وختمه بقوله: عبد الله بن نافع ليس بشئ متروك.
وفي المجروحين 2 / 221 كثير هذا: منكر الحديث جدا.
وقال الشافعي عنه: ركن من أركان الكذب.
(2) دلائل النبوة ج 7 / 269 وفيه عباد بن عبد الصمد ابن معمر البصري.
[ * ]

(1/386)


الحافظ، [ قال ] أخبرنا أبو بكر بن بالويه، [ قال ] حدثنا محمد بن بشر بن مطر، [ قال ] حدثنا كامل بن طلحة، [ قال ] حدثنا عباد بن عبد الصمد، عن أنس بن مالك قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدق به أصحابه، فبكوا حوله، واجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح، فتخطى رقابهم، فبكى ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن في الله عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فإلى الله فانيبوا وإليه فارغبوا، ونظر إليكم في البلاء فانظروا فإن المصاب من لم يجبر وانصرف فقال بعضهم لبعض، تعرفون الرجل ؟ فقال أبو بكر وعلي نعم هو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضر عليه السلام.
وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا عن كامل بن طلحة بن وفي متنه مخالفة لسياق البيهقي ثم قال البيهقي: عباد بن عبد الصمد ضعيف، وهذا منكر بمرة.
قلت: عباد بن عبد الصمد هذا هو ابن معمر البصري.
روى عن أنس نسخة قال ابن حبان والعقيلي أكثرها موضوع.
وقال البخاري منكر الحديث.
وقال أبو حاتم ضعيف الحديث جدا منكره.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه في فضائل علي وهو ضعيف غال في التشيع وقال الشافعي في مسنده: أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده علي بن الحسين قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
قال علي بن الحسين أتدرون من هذا.
هذا الخضر.
شيخ الشافعي القاسم العمري متروك.
قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يكذب.
زاد أحمد ويضع الحديث ثم هو مرسل ومثله لا يعتمد عليه ههنا والله أعلم.
وقد روي من وجه آخر ضعيف عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده، عن أبيه عن علي.
ولا يصح.
وقد روى عبد الله بن وهب عمن حدثه، عن محمد بن عجلان، عن محمد بن المنكدر، أن عمر بن الخطاب بينما هو يصلي على جنازة إذ سمع هاتفا وهو يقول لا تسبقنا يرحمك الله، فانتظره حتى لحق بالصف، فذكر دعاءه للميت إن تعذبه فكثيرا عصاك وإن تغفر له ففقير إلى رحمتك.
ولما دفن قال
طوبى لك يا صاحب القبر، إن لم تكن عريفا أو جابيا أو خازنا أو كاتبا أو شرطيا فقال عمر خذوا الرجل نسأله عن صلاته وكلامه عمن هو.
قال فتوارى عنهم فنظروا فإذا أثر قدمه ذراع.
فقال عمر هذا والله الخضر الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الاثر مبهم وفيه انقطاع ولا يصح مثله.
وروى الحافظ ابن عساكر عن الثوري، عن عبد الله بن محرز (1) عن يزيد بن الاصم، عن علي بن أبي طالب قال: دخلت الطواف في بعض الليل فإذا أنا برجل متعلق بأستار الكعبة وهو
__________
(1) في قصص الانبياء: ابن المحرر، قال في الهامش: " في المطبوعة ابن محرز وقد صححه محقق الاولى (من قصص الانبياء) من ميزان الاعتدال 2 / 500 وانظر الكنى والاسماء للدولابي 258 " قلت: ولم أجد فيما لدي من مراجع عبد الله بن المحرز.
[ * ]

(1/387)


يقول: يا من لا يمنعه سمع من سمع ويامن لا تغلطه المسائل، ويامن لا يبرمه إلحاح الملحين، ولا مسألة السائلين ارزقني برد عفوك، وحلاوة رحمتك، قال: فقلت أعد علي ما قلت: فقال لي: أو سمعته ؟ قلت: نعم فقال لي: الذي نفس الخضر بيده، قال: وكان هو الخضر.
لا يقولها عبد خلف صلاة مكتوبة إلا غفر الله له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر وورق الشجر وعدد النجوم لغفرها الله له.
وهذا ضعيف من جهة عبد الله بن المحرز فإنه متروك الحديث ويزيد بن الاصم لم يدرك عليا ; ومثل هذا لا يصح، والله أعلم.
وقد رواه أبو إسماعيل الترمذي: حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا صالح بن أبي الاسود، عن محفوظ بن عبد الله الحضرمي، عن محمد بن يحيى قال: بينما علي بن أبي طالب يطوف بالكعبة إذا هو برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا يغلطه السائلون، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين، أرزقني برد عفوك، وحلاوة رحمتك، قال: فقال له علي: يا عبد الله أعد دعاءك هذا قال: وقد سمعته ؟ قال: نعم قال: فادع به في دبر كل صلاة فوالذي نفس الخضر بيده، لو كان عليك من الذنوب عدد نجوم السماء ومطرها، وحصباء الارض وترابها لغفر لك أسرع من طرفة
عين.
وهذا أيضا منقطع وفي اسناده من لا يعرف والله أعلم.
وقد أورد ابن الجوزي من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا: حدثنا يعقوب بن يوسف، حدثنا مالك بن إسماعيل فذكر نحوه.
ثم قال وهذا إسناد مجهول منقطع وليس فيه ما يدل على أن الرجل الخضر.
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أنبأنا أبو القاسم بن الحصين، أنبأنا أبو طالب محمد بن محمد، أنبأنا أبو إسحق المزكي، حدثنا محمد بن إسحق بن خزيمة، حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد، أملاه علينا بعبادان، أنبأنا عمرو بن عاصم، حدثنا الحسن بن رزين عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: ولا أعلمه إلا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم (1)، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله ما شاء الله، لا يصرف الشر إلا الله ما شاء الله، ما كان من نعمة فمن الله ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال ابن عباس: من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات، آمنه الله من الغرق والحرق والسرق.
قال: وأحسبه قال: ومن الشيطان والسلطان والحية والعقرب.
قال الدارقطني في الافراد هذا حديث غريب من حديث ابن جريج لم يحدث به غير هذا الشيخ يعني الحسن بن رزين هذا.
وقد روى عنه محمد بن كثير العبدي أيضا ومع هذا قال فيه الحافظ أبو أحمد بن عدي ليس بمعروف.
وقال الحافظ أبو جعفر العقيلي مجهول وحديثه غير
__________
(1) ذكر الخبر الطبري في تاريخه دون تعليق قال: عن محمد بن المتوكل عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب قال: الخضر من ولد فارس والياس من بني إسرائيل يلتقيان في كل عام بالموسم.
1 / 188.
[ * ]

(1/388)


محفوظ.
وقال أبو الحسن بن المنادي هو حديث واه بالحسن بن رزين (1).
وقد روى ابن عساكر نحوه من طريق علي بن الحسن الجهضمي وهو كذاب عن ضمرة بن حبيب المقدسي عن أبيه عن العلاء بن زياد القشيري عن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب مرفوعا قال: يجتمع كل يوم عرفة بعرفات جبريل وميكائيل وإسرافيل * والخضر وذكر حديثا
طويلا موضوعا تركنا إيراده قصدا ولله الحمد.
وروى ابن عساكر من طريق هشام ابن خالد، عن الحسن بن يحيى الخشني، عن ابن أبي رواد، قال الياس والخضر يصومان شهر رمضان ببيت المقدس، ويحجان في كل سنة، ويشربان من ماء زمزم شربة واحدة تكفيهما إلى مثلها من قابل.
وروى ابن عساكر أن الوليد بن عبد الملك بن مروان، باني جامع دمشق، أحب أن يتعبد ليلة في المسجد، فأمر القومة أن يخلوه له ففعلوا، فلما كان من الليل جاء من باب الساعات فدخل الجامع، فإذا رجل قائم يصلي فيما بينه وبين باب الخضراء.
فقال للقومة: ألم آمركم أن تخلوه ؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين هذا الخضر يجئ كل ليلة يصلي ههنا.
وقال ابن عساكر أيضا: أنبأنا أبو القاسم بن إسماعيل بن أحمد، انبأنا أبو بكر بن الطبري، أنبأنا أبو الحسين بن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب - هو ابن سفيان الفسوي - حدثني محمد بن عبد العزيز، حدثنا ضمرة (2)، عن السري بن يحيى، عن رباح بن عبيدة، قال: رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه، فقلت في نفسي: إن هذا الرجل حاف، قال فلما انصرف من الصلاة - قلت: من الرجل الذي كان معتمدا على يدك آنفا ؟ قال: وهل رأيته يا رباح ؟ قلت: نعم.
قال: ما أحسبك إلا رجلا صالحا ذاك أخي الخضر بشرني أني سألي وأعدل.
قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي: الرملي مجروح عند العلماء * وقد قدح أبو الحسين بن المنادي في ضمرة والسري ورباح.
ثم أورد من طرق أخر عن عمر بن عبد العزيز أنه اجتمع بالخضر، وضعفها كلها.
وروى ابن عساكر أيضا أنه اجتمع بإبراهيم التيمي وبسفيان بن عيينة وجماعة يطول ذكرهم.
وهذه الروايات والحكايات هي عمدة من ذهب إلى حياته إلى اليوم وكل من الاحاديث المرفوعة ضعيفة جدا، لا يقوم بمثلها حجة في الدين، والحكايات لا يخلو أكثرها عن ضعف في الاسناد، وقصاراها أنها صحيحة إلى من ليس بمعصوم من صحابي أو غيره، لانه يجوز عليه الخطأ والله أعلم.
وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن أبا سعيد قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يوما ] حديثا طويلا عن الدجال.
وقال فيما يحدثنا: " يأتي - الدجال - وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة - [ فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة ]
فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس، أو من خيرهم، فيقول [ له ]: أشهد أنك أنت الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه فيقول الدجال: أرايتم إن قتلت هذا ثم أحييته،
__________
(1) في النسخ المطبوعة: زريق، والصواب ما أثبتناه من ميزان الاعتدال.
(2) في النسخ المطبوعة: جمرة وفي نسخة حمزة وهو تحريف.
والصواب ما أثبتناه.
[ * ]

(1/389)


أتشكون في الامر ؟ فيقولون: لا.
فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحيي والله ما كنت أشد بصيرة فيك مني الآن قال: فيريد قتله الثانية فلا يسلط عليه (1) قال معمر بلغني أنه يجعل على حلقه صحيفة من نحاس وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري به.
وقال أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الراوي عن مسلم الصحيح أن يقال: إن هذا الرجل الخضر.
وقول معمر وغيره بلغني ليس فيه حجة وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث فيأتي بشاب ممتلئ شبابا فيقتله وقوله الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتضي المشافهة بل يكفي التواتر.
وقد تصدى الشيخ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله في كتابه: " عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر " للاحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات فبين أنها موضوعة، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها، وجهالة رجالها، وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد * وأما الذين ذهبوا إلى أنه قد مات ومنهم البخاري وإبراهيم الحربي وأبو الحسين بن المنادي والشيخ أبو الفرج بن الجوزي وقد انتصر لذلك وألف فيه كتابا سماه " عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر " فيحتج لهم بأشياء كثيرة * منها قوله [ تعالى ] (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) [ الانبياء: 34 ] فالخضر إن كان بشرا فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح انتهى.
والاصل عدمه حتى يثبت.
ولم يذكر ما فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله.
ومنها أن الله تعالى قال (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول الله مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم
وأخذتم على ذلك إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) [ آل عمران: 81 ] قال ابن عباس ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه.
وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق، لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وينصرنه.
ذكره البخاري عنه.
فالخضر إن كان نبيا أو وليا، فقد دخل في هذا الميثاق، فلو كان حيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله، أن يكون بين يديه، يؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره أن يصل أحد من الاعداء إليه، لانه إن كان وليا فالصديق أفضل منه، وإن كان نبيا فموسى أفضل منه.
وقد روى الامام أحمد في مسنده: حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا هشيم، أنبأنا مجالد،
__________
(1) صحيح البخاري 29 / 9، 76 / 30، 97 / 31 ومسلم في 15 / 485 و 52 كتاب الفتن 21 باب في صفة الدجال 112 (2938) ص 4 / 2256 ورواه مالك في الموطأ، وأخرجه أحمد في مسنده ج 1 / 183، 2 / 237 - 330 - 483، 3 / 202 - 277 - 393، 5 / 81 - 207.
(نقاب المدينة: أي طرقها وفجاجها، وهو جمع نقب، وهو الطريق بين الجبلين.
- ما بين معكوفين في الحديث زيادة اقتضاها السياق من صحيح مسلم.
- أبو سعيد يعني الخدري.
[ * ]

(1/390)


عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني " (1).
وهذا الذي يقطع به ويعلم من الدين علم الضرورة.
وقد دلت عليه هذه الآية الكريمة أن الانبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانوا كلهم أتباعا له، وتحت أوامره، وفي عموم شرعه.
كما أنه صلوات وسلامه عليه لما اجتمع معهم ليلة الاسراء، رفع فوقهم كلهم، ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس وحانت الصلاة، أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم، فصلى بهم في محل ولايتهم ودار إقامتهم فدل على أنه الامام الاعظم، والرسول الخاتم المبجل المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
فإذا علم هذا - وهو معلوم عند كل مؤمن - علم أنه لو كان الخضر حيا لكان من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وممن
يقتدي بشرعه لا يسعه إلا ذلك * هذا عيسى بن مريم عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان بحكم بهذه الشريعة المطهرة، لا يخرج منها ولا يحيد عنها، وهو أحد أولى العزم الخمسة (2) المرسلين وخاتم أنبياء بني إسرائيل والمعلوم أن الخضر لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه، أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد، ولم يشهد معه قتالا في مشهد من المشاهد.
وهذا يوم بدر يقول الصادق المصدوق فيما دعا به لربه عزوجل، واستنصره واستفتحه على من كفره: " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الارض " (3) وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ، وسادة الملائكة حتى جبريل عليه السلام، كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له في بيت يقال إنه أفخر بيت قالته العرب: وببئر بدر إذ يرد وجوههم * جبريل تحت لوائنا ومحمد (4) فلو كان الخضر حيا لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته وأعظم غزواته.
قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي: سئل بعض أصحابنا عن الخضر هل مات ؟ فقال: نعم.
قال: وبلغني مثل هذا عن أبي طاهر بن الغباري قال: وكان يحتج بأنه لو كان حيا لجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نقله ابن الجوزي في العجالة.
فإن قيل: فهل يقال إنه كان حاضرا في هذه المواطن كلها ولكن لم يكن أحد يراه.
فالجواب أن الاصل عدم هذا الاحتمال البعيد الذي يلزم منه تخصيص العموميات بمجرد التوهمات.
ثم ما الحامل له على هذا الاختفاء وظهوره أعظم لاجره وأعلى في مرتبته وأظهر بمعجزته، ثم لو كان باقيا بعده لكان تبليغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاحاديث النبوية والآيات القرآنية وإنكاره لما وقع من الاحاديث المكذوبة والروايات المقلوبة والآراء البدعية
__________
(1) مسند أحمد ج 3 / 387.
(2) وهم - صلوات الله عليهم - نوح، وابراهيم - وموسى، وعيسى ومحمد عليهم السلام.
(3) أخرجه ابن جرير الطبري، في تفسيره سورة الانفال، وابن المنذر، وابن مردويه ونقله عنهم السيوطي في الدر المنثور 3 / 169.
(4) في نسخ البداية المطبوعة: وتبير بدل " وبئر " وهو تحريف.
[ * ]

(1/391)


والاهواء العصبية وقتاله مع المسلمين في غزواتهم وشهوده جمعهم، وجماعاتهم، ونفعه إياهم، ودفعه الضرر عنهم ممن سواهم وتسديده العلماء، والحكام وتقريره الادلة، والاحكام أفضل ما يقال عنه من كنونه (1) في الامصار.
وجوبه الفيافي والاقطار.
وإجتماعه بعباد لا يعرف أحوال كثير منهم، وجعله لهم كالنقيب المترجم عنهم.
وهذا الذي ذكرناه لا يتوقف أحد فيه بعد التفهيم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين (2) وغيرهما عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ليلة العشاء ثم قال: " أرأيتم ليلتكم هذه فإنه إلى مائة سنة لا يبقى ممن هو على وجه الارض اليوم أحد ".
وفي رواية " عين تطرف ".
قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه وإنما أراد انخرام قرنه.
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، قال: أخبرني سالم بن عبد الله وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة أن عبد الله بن عمر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال: " أرأيتم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن على ظهر الارض أحد " (3).
وأخرجه البخاري ومسلم من حديث الزهري * وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بقليل أو بشهر: " ما من نفس منفوسة أو ما منكم من نفس اليوم منفوسة يأتي عليها مائة سنة وهي يومئذ حية " (4) وقال أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قبل أن يموت بشهر: " يسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله أقسم بالله ما على الارض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة " (5).
وهكذا رواه مسلم من طريق أبي نضرة وأبي الزبير كل منهما عن جابر بن عبد الله به نحوه.
وقال الترمذي: حدثنا عباد، حدثنا أبو معاوية، عن الاعمش عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما على الارض من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة ".
وهذا أيضا على شرط مسلم * قال ابن الجوزي فهذه الاحاديث الصحاح تقطع دابر
دعوى حياة الخضر.
قالوا: فالخضر إن لم يكن قد أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو المظنون الذي يترقى في القوة إلى القطع فلا إشكال.
وإن كان قد أدرك زمانه فهذا الحديث يقتضي أنه لم يعش بعد مائة سنة فيكون الآن مفقودا لا موجودا لانه داخل في هذا العموم والاصل عدم المخصص له
__________
(1) كنون من كن، كن الشئ إذا ستره.
وكنونه: تستره وتخفيه.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 3 / 41 / 116 فتح الباري ومسلم في صحيحه 44 / 53 / 217.
(3) أخرجه أحمد في مسنده ج 2 / 88.
(4) مسند الامام أحمد 3 / 305 - 306 ومسلم في صحيحه 44 / 53 / 218.
(5) مسند الامام أحمد ج 3 / 345.
[ * ]

(1/392)


حتى يثبت بدليل صحيح يجب قبوله والله أعلم.
وقد حكى الحافظ والقاسم السهيلي في كتابه " التعريف والاعلام " عن البخاري وشيخه أبي بكر بن العربي أنه أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن مات بعده لهذا الحديث وفي كون البخاري رحمه الله يقول بهذا وأنه بقي إلى زمان النبي صلى الله عليه وسلم نظر * ورجح السهيلي بقاءه وحكاه عن الاكثرين.
قال وأما إجتماعه مع النبي صلى الله عليه وسلم وتعزيته لاهل البيت بعده فمروي من طرق صحاح ثم ذكر ما تقدم مما ضعفناه ولم يورد أسانيدها والله أعلم.

وأما (1) الياس عليه السلام
فقال الله تعالى بعد قصة موسى وهرون من سورة الصافات (وإن الياس لمن المرسلين.
إذ قال لقومه ألا تتقون.
أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين.
الله ربكم ورب آباءكم الاولين.
فكذبوه فانهم لمحضرون.
إلا عباد الله المخلصين.
وتركنا عليه في الآخرين.
سلام على الياسين.
إنا كذلك نجزي المحسنين.
إنه من عبادنا المؤمنين) [ الصافات: 123 - 132 ]
قال علماء النسب هو الياس التشبي * ويقال ابن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هرون * وقيل الياس بن العازر بن العيزار بن هارون بن عمران.
قالوا وكان إرساله إلى أهل بعلبك غربي دمشق (1) فدعاهم إلى الله عزوجل وأن يتركوا عبادة صنم لهم كانوا يسمونه بعلا.
وقيل كانت امرأة اسمها بعل والاول أصح.
ولهذا قال لهم (ألا تتقون. أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين. الله ربكم ورب آباءكم الاولين) [ الصافات: 124 - 126 ] فكذبوه وخالفوه وأرادوا قتله فيقال إنه هرب منهم واختفى عنهم * قال أبو يعقوب الاذرعي، عن يزيد بن عبد الصمد، عن هشام بن عمار قال: وسمعت من يذكر عن كعب الاحبار أنه قال: إن إلياس اختفى من ملك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين، حتى أهلك الله الملك وولى غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الاسلام، فأسلم، وأسلم من قومه خلق عظيم غير عشرة آلاف منهم، فأمر بهم فقتلوا عن آخرهم.
وقال ابن أبي الدنيا حدثني أبو محمد القاسم بن هاشم، حدثنا عمر بن سعيد الدمشقي، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن بعض مشيخة دمشق قال: أقام إلياس عليه السلام هاربا من قومه في كهف جبل عشرين ليلة.
أو قال أربعين ليلة - تأتيه الغربان برزقه.
وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي: أنبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه قال: أول نبي
__________
(1) قال الطبري ج 1 / 239: كان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه من دون الله يقال له بعل.
وقال ابن قتيبة في المعارف: إلياس من سبط يوشع بن نون بعثه الله في أهل بعلبك وكانوا يعبدون صنما يقال له بعل وملكهم اسمه احب وامرأته أزبيل.
أما الطبري فيقول أن أحاب أحد ملوك بني إسرائيل واسم امرأته ازبل فقد كان يسمع منه ويصدقه - دون سائر ملوك بني إسرائيل الذين عبدوا بعل.
[ * ]

(1/393)


بعث إدريس، ثم نوح ثم إبراهيم، ثم إسماعيل وإسحق ثم يعقوب ثم يوسف ثم لوط ثم هود ثم صالح ثم شعيب، ثم موسى وهارون ابنا عمران، ثم إلياس التشبي بن العازر بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام هكذا قال وفي هذا الترتيب.
وقال مكحول عن كعب أربعة أنبياء أحياء اثنان في الارض إلياس والخضر، واثنان في السماء إدريس وعيسى [ عليهم السلام ].
وقد قدمنا قول من ذكر أن إلياس والخضر يجتمعان في كل عام في شهر رمضان ببيت المقدس، وأنهما يحجان كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى
مثلها من العام المقبل * وأوردنا الحديث الذي فيه انهما يجتمعان بعرفات كل سنة.
وبينا أنه لم يصح شئ من ذلك وأن الذي يقوم عليه الدليل: أن الخضر مات، وكذلك إلياس عليهما السلام.
وما ذكره وهب بن منبه وغيره: أنه لما دعا ربه عزوجل أن يقبضه إليه لما كذبوه وآذوه، فجاءته دابة لونها لون النار فركبها وجعل الله له ريشا وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وصار ملكيا بشريا سماويا أرضيا وأوصى إلى اليسع بن أخطوب (1) ففي هذا نظر وهو من الاسرائيلات التي لا تصدق ولا تكذب بل الظاهر أن صحتها بعيدة والله أعلم.
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي (2): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو العباس أحمد بن سعيد المعداني (3) ببخارا حدثنا عبد الله بن محمود، حدثنا عبدان بن سنان، حدثني أحمد بن عبد الله البرقي، حدثنا يزيد بن يزيد البلوي، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن الاوزاعي عن مكحول، عن أنس بن مالك قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا فإذا رجل في الوادي يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم المرحومة المغفورة المثاب لها قال: فأشرفت على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع فقال لي: من أنت ؟ فقلت: أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأين هو ؟ قلت: هوذا يسمع كلامك قال فأته فأقرته السلام وقل له أخوك إلياس يقرئك السلام.
قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فجاء حتى لقيه فعانقه وسلم [ عليه ] * ثم قعدا يتحادثان فقال له يا رسول الله إني ما آكل في [ السنة ] إلا يوما وهذا يوم فطري فآكل أنا وأنت قال: فنزلت عليهما مائدة من السماء عليها خبز وحوت وكرفس فأكلا وأطعماني وصلينا العصر، ثم ودعه [ ثم رأيته ] مر في السحاب نحو السماء.
فقد كفانا البيهقي (4)
__________
(1) روى الخبر ابن الاثير في الكامل ج 1 / 214.
(2) دلائل النبوة ج 5 / 421.
(3) كذا في الاصول: وفي دلائل البيهقي: البغدادي.
البرقي - في الدلائل الرقي.
يزيد بن يزيد البلوي: في الدلائل: يزيد العلوي.
(4) ما بين معكوفين في الحديث من دلائل البيهقي.
عقب البيهقي بعد تمام الحديث قال: قلت: هذا الذي روي في هذا الحديث في قدرة الله تعالى جائز وبما خص الله [ * ]

(1/394)


أمره وقال: هذا حديث ضعيف بمرة والعجب أن الحاكم أبا عبد الله النيسابوري أخرجه في مستدركه على الصحيحين وهذا مما يستدرك به على المستدرك (1) فإنه حديث موضوع مخالف للاحاديث الصحاح من وجوه.
ومعناه لا يصح أيضا فقد تقدم في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا في السماء إلى أن قال - " ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن " وفيه أنه لم يأت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان هو الذي ذهب إليه.
وهذا لا يصح لانه كان أحق بالسعي إلى بين يدي خاتم الانبياء.
وفيه أنه يأكل في السنة مرة وقد تقدم عن وهب أنه سلبه الله لذة المطعم والمشرب وفيما تقدم عن بعضهم أنه يشرب من زمزم كل سنة شربة تكفيه إلى مثلها من الحول الآخر.
وهذه أشياء متعارضة وكلها باطلة لا يصح شئ منها.
وقد ساق ابن عساكر هذا الحديث من طريق أخرى واعترف بضعفها وهذا عجب منه كيف تكلم عليه فإنه أورده من طريق حسين بن عرفة، عن هانئ بن الحسن، عن بقية، عن الاوزاعي، عن مكحول، عن واثلة، عن ابن الاسقع فذكر نحو هذا مطولا وفيه أن ذلك كان في غزوة تبوك وأنه بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك وحذيفة بن اليمان قالا: فإذا هو أعلى جسما بذراعين أو ثلاثة واعتذر بعدم قدرته لئلا تنفر الابل وفيه أنه لما اجتمع به رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلا من طعام الجنة وقال: إن لي في كل أربعين يوما أكلة وفي المائدة خبز ورمان وعنب وموز ورطب وبقل ما عدا الكراث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله: عن الخضر فقال: عهدي به عام أول وقال لي إنك ستلقاه قبلي فأقرئه مني السلام.
وهذا يدل على أن الخضر وإلياس بتقدير وجودهما وصحة هذا الحديث لم يجتمعا به إلى سنة تسع من الهجرة وهذا لا يسوغ شرعا وهذا موضوع أيضا.
وقد أورد ابن عساكر طرقا فيمن اجتمع بالياس من العباد وكلها لا يفرح بها لضعف إسنادها أو لحهالة المسند إليه فيها * ومن أحسنها ما قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني بشر بن معاذ حدثنا حماد بن واقد عن ثابت قال: كنا
مع مصعب بن الزبير بسواد الكوفة فدخلت حائطا أصلي فيه ركعتين فافتتحت (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول) [ غافر: 1 - 2 ].
فإذا رجل من خلفي على بغلة شهباء، عليه مقطعات يمنية، فقال لي إذا قلت غافر الذنب فقل: يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي.
وإذا قلت قابل التوب فقل: يا قابل التوب تقبل توبتي.
وإذا قلت شديد العقاب فقل: يا شديد العقاب لا تعاقبني.
وإذا قلت ذي الطول فقل: يا ذا الطول تطول علي برحمة فالتفت فإذا لا أحد وخرجت فسألت: مر بكم رجل على بغلة شهباء عليه
__________
= عزوجل به رسوله من المعجزات يشبه، إلا أن إسناد هذا الحديث ضعيف بمرة.
(1) قال الذهبي في الميزان 4 / 441 عن يزيد بن يزيد عن أبي إسحاق الفزاري بحديث باطل أخرجه الحاكم في مستدركه..فما استحي الحاكم من الله يصحح مثل هذا ثم قال الذهبي في تلخيص المستدرك: هذا موضوع، قبح الله من وضعه، وما كنت أحسب أن الجهل يبلغ بالحاكم إلى أن يصحح هذا.
ورواه ابن الجوزي في الموضوعات 1 / 200 وقال: حديث موضوع لا أصل له.
[ * ]

(1/395)


مقطعات يمنية ؟ فقالوا ما مر بنا أحد فكانوا لا يرون إلا أنه الياس.
وقوله تعالى.
(فكذبوه فانهم لمحضرون) [ الصافات: 127 ] أي للعذاب إما في الدنيا والآخرة أو في الآخرة.
والاول أظهر على ما ذكره المفسرون والمؤرخون.
(وقوله إلا عباد الله المخلصين) [ الصافات: 128 ] أي إلا من آمن منهم وقوله (وتركنا عليه في الآخرين) [ الصافات: 129 ] أي ابقينا بعده ذكرا حسنا له في العالمين فلا يذكر إلا بخير ولهذا قال (سلام على الياسين) [ الصافات: 130 ] أي سلام على الياس.
العرب تلحق النون في أسماء كثيرة وتبدلها من غيرها كما قالوا إسماعيل وإسماعين وإسرائيل وإسرائين والياس والياسين.
ومن قرأ سلام على آل ياسين أي على آل محمد وقرأ ابن مسعود وغيره سلام على ادراسين.
ونقل عنه من طريق إسحاق عن عبيدة بن ربيعة عن ابن مسعود انه قال: الياس هو إدريس وإليه ذهب الضحاك بن مزاحم وحكاه قتادة ومحمد بن إسحاق والصحيح أنه غيره كما تقدم والله أعلم

(1/396)