البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

[ ذكر ] (2) عمارة بيت المقدس بعد خرابها واجتماع [ الملا من ] (2) بني إسرائيل بعد تفرقهم في بقاع الارض [ وشعابها ] (2)
قال الله تعالى في كتابه المبين وهو أصدق القائلين: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها.
قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير) [ البقرة: 259 ] قال هشام بن الكلبي: ثم أوحى الله تعالى إلى أ عليه السلام فيما بلغني: أني عامر بيت المقدس فاخرج إليها فانزلها، فخرج حتى قدمها خراب، فقال في نفسه: سبحان الله أمرني الله أن أنزل هذه البلدة وأخبرني أنه عامرها فمتى يعمرها ؟ ومتى يحييها الله بعد موتها ؟ ثم وضع رأسه فنام ومعه حماره وسلة من طعام (3) فمكث في نومه سبعين (4) سنة حتى هلك بخت نصر والملك الذي فوقه وهو لهراسب وكان ملكه مائة وعشرين سنة وقام بعده ولده بشتاسب بن لهراسب وكان موت بخت نصر في دولته فبلغه عن بلاد الشام أنها خراب وأن السباع قد كثرت في أرض فلسطين فلم يبق بها من الانس أحد فنادى في أرض بابل في
__________
= موسى وجده في العراق.
وقال ابن الاثير في كامله: وأما دانيال فإنه أقام بأرض بابل وانتقل عنها ومات ودفن بالسوس من أعمال خوزستان 1 / 268.
(1) يعور ملكه: يهلكه.
(2) ما بين معكوفين سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(3) عصير من عنب في ركوة وسلة تين ; في رواية أخرى للطبري.
(4) فأماته الله مائة عام.
في رواية أخرى عند الطبري.
[ * ]

(2/50)


بني إسرائيل: أن من شاء أن يرجع إلى الشام فليرجع وملك عليهم رجلا من آل داود وأمره أن يعمر بيت المقدس ويبني مسجدها فرجعوا فعمروها وفتح الله لارميا عينيه فنظر إلى المدينة كيف تبنى وكيف تعمر ومكث في نومه ذلك حتى تمت له مائة سنة ثم بعثه الله وهو لا يظن أنه نام أكثر من ساعة وقد عهد المدينة خرابا فلما نظر إليها عامرة آهلة قال أعلم أن الله على كل شئ قدير.
قال فأقام بنو إسرائيل بها ورد الله عليهم أمرهم فمكثوا كذلك حتى غلبت عليهم الروم في زمن ملوك الطوائف.
ثم لم يكن لهم جماعة ولا سلطان يعني بعد ظهور النصارى عليهم.
هكذا حكاه ابن جرير في تاريخه عنه (1).
وذكر ابن جرير أن لهراسب كان ملكا عادلا سائسا لمملكته قد دانت له العباد والبلاد والملوك والقواد وأنه كان ذا رأي جيد في عمارة الامصار والانهار والمعاقل.
ثم لما ضعف عن تدبير المملكة بعد مائة سنة ونيف نزل عن الملك لولده بشتاسب فكان في زمانه ظهور دين المجوسية وذلك أن رجلا كان اسمه زردشت كان قد صحب أرميا عليه السلام فأغضبه فدعا عليه أرميا فبرص زردشت فذهب فلحق بأرض آذربيجان وصحب بشتاسب فلقنه دين المجوسية الذي اخترعه من تلقاء نفسه فقبله منه بشتاسب وحمل الناس عليه وقهرهم وقتل منهم خلقا كثير ممن اباه منهم.
ثم كان بعد يشتاسب بهمن بن بشتاسب وهو من ملوك الفرس المشهورين والابطال المذكورين وقد ناب بخت نصر لكل واحد من هؤلاء الثلاثة وعمر دهرا طويلا قبحه الله.
والمقصود أن هذا الذي ذكره ابن جرير من أن هذا المار على هذه القرية هو أرميا عليه السلام.
قال (2) وهب بن منبه وعبد الله بن عبيد بن عمير وغيرهما وهو قوي من حيث السباق المتقدم وقد روي عن علي وعبد الله بن سلام وابن عباس والحسن وقتاة والسدي وسليمان بن بريدة وغيرهم أنه عزير.
وهذا اشهر عند كثير من السلف والخلف والله أعلم.