البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
باب بدء إسلام الانصار رضي الله عنهم
قال إبن إسحاق: فلما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه.
وانجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي
لقيه فيه النفر من الانصار، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في
كل موسم، فبينا هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا.
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه قالوا: لما لقيهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لهم " من أنتم ؟ " قالوا نفر من الخزرج.
قال: " أمن موالي يهود ؟ " قالوا نعم ! قال " أفلا تجلسون أكلمكم ؟ "
قالوا: بلى.
فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الاسلام، وتلا عليهم القرآن.
قال
وكان مما صنع الله بهم في الاسلام أن يهود كان معهم في بلادهم.
وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا قد غزوهم
ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شئ قالوا
__________
(1) في السيرة: أي قوم.
(2) الخبر في دلائل النبوة للبيهقي وفيه: الحصين بن عبد الرحمن بن سعد
بن معاذ.
(3) من البخاري وفي الاصل أبي أمامة وهو تحريف.
وأخرجه في 63 كتاب مناقب الانصار (1) باب مناقب الانصار ح 3777 فتح
الباري 7 / 87.
(4) في البخاري: وقتلت سرواتهم وجرحوا فقدمه الله لرسوله صلى الله عليه
وسلم في دخولهم في الاسلام.
(*)
(3/181)
[ لهم ] إن
نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم.
فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله.
قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلمون والله إنه النبي الذي توعدكم به يهود،
فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما
عرض عليهم من الاسلام وقالوا له: إنا د تركنا قومنا ولا قوم بينهم من
العداوة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم فندعوهم
إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله
عليك فلا رجل أعز منك.
ثم انصرفوا [ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ] راجعين إلى بلادهم قد
آمنوا وصدقوا.
قال ابن إسحاق: وهم فيما ذكر لي ستة نفر كلهم من الخزرج، وهم: أبو
أمامة أسعد بن زرارة (1) بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن
النجار.
قال أبو نعيم: وقد قيل إنه أول من أسلم من الانصار من الخزرج.
ومن الاوس أبو الهيثم بن التيهان.
وقيل إن أول من أسلم رافع بن مالك ومعاذ بن عفراء والله أعلم.
وعوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار -
وهو ابن عفراء - النجاريان، ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو [ بن
عامر ] بن زريق الزرقي وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بن سواد
بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد (2) بن
جشم بن الخزرج
السلمي ثم من بني سواد، وعقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب
بن سلمة السلمي أيضا، ثم من بني حرام.
وجابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم
بن كعب بن سلمة السلمي أيضا، ثم من بني عبيد رضي الله عنهم.
وهكذا روي عن الشعبي والزهري وغيرهما أنهم كانوا ليلتئذ ستة نفر من
الخزرج.
وذكر موسى بن عقبة في ما رواه عن الزهري وعروة بن الزبير أن أول
اجتماعه عليه السلام بهم كانوا ثمانية (3) وهم: معاذ بن عفراء، وأسعد
بن زرارة، ورافع بن مالك، وذكوان - وهو ابن عبد قيس - وعبادة بن
الصامت، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة، وأبو الهيثم بن التيهان، وعويم
بن ساعدة.
فأسلموا وواعدوه إلى قابل.
فرجعوا إلى قومهم فدعوهم إلى الاسلام،
__________
(1) شهد العقبة الاولى والثانية وبايع فيهما، مات قبل بدر، كان نقيبا،
أمه سعاد ويقال الفريعة بنت رافع بن معاوية بن عبيد بن الابجر.
لما أسلم عمل على تكسير أصنام بني مالك بن النجار.
أخذته الذبحة ولما توفي مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام جنازته
وهو أول من دفع بالبقيع.
(طبقات ابن سعد - الاستيعاب) (2) في الاصل: ساوة بن يزيد، وما أثبتناه
من ابن هشام.
ولا يعرف في العرب تزيد إلا هذا، وتزيد بن الحاف بن قضاعة، وإليهم تنسب
الثياب التزيدية.
(3) في ابن سعد: قال محمد بن عمر: وأمر الستة أثبت الاقاويل عندنا أنهم
أول من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانصار فدعاهم إلى
الاسلام فأسلموا (*)
(3/182)
وأرسلوا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء ورافع بن مالك أن أبعث
إلينا رجلا يفقهنا.
فبعث إليهم مصعب بن عمير فنزل على أسعد بن زرارة وذكر تمام القصة كما
سيوردها ابن إسحاق أتم من سياق موسى بن عقبة.
والله أعلم.
قال ابن إسحاق: فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ودعوهم إلى الاسلام حتى فشا فيهم، فلم يبق دار من دور
الانصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان
العام المقبل وافى الموسم من الانصار اثنا عشر رجلا وهم: أبو أمامة
أسعد بن زرارة المتقدم ذكره، وعوف بن الحارث المتقدم، وأخوه معاذ وهما
ابنا عفراء، ورافع بن مالك المتقدم أيضا.
وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق الزرقي.
قال ابن هشام: وهو أنصاري مهاجري.
وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم (1) بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن
عمرو بن عوف بن الخزرج، وحليفهم أبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة
(2) بن أصرم البلوي، والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن
يزيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج العجلاني، وعقبة
بن عامر بن نابي المتقدم، وقطبة بن عامر بن حديدة المتقدم، فهؤلاء عشرة
من الخزرج، ومن الاوس اثنان وهما، عويم بن ساعدة.
وأبو الهيثم مالك بن التيهان.
قال ابن هشام التيهان يخفف ويثقل كميت وميت.
قال السهيلي: أبو الهيثم بن التيهان: اسمه مالك بن مالك بن عتيك بن
عمرو بن عبد الاعلم بن عامر بن زعون (3) بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن
عمرو بن مالك بن الاوس (4).
قال وقيل إنه أراشي وقيل بلوي.
وهذا لم ينسبه ابن إسحاق ولا ابن هشام.
قال: والهيثم فرخ العقاب، وضرب من النبات، والمقصود أن هؤلاء الاثني
عشر رجلا شهدوا الموسم عامئذ، وعزموا على الاجتماع برسول الله صلى الله
عليه وسلم فلقوه بالعقبة فبايعوه عندها بيعة النساء وهي العقبة الاولى.
وروى أبو نعيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم من قوله في
سورة إبراهيم: " وإذ قال إبراهيم رب
__________
(1) في نسخة لابن هشام: أحرم والصواب ما أثبتناه.
(2) قال ابن اسحاق وابن الكلبي خزمة بسكون الزاي، وقال الطبري خزمة
بفتح الزاي.
قال في الاستيعاب: ليس في الانصار خزمة بالتحريك.
(3) في ابن سعد: زعوراء.
(4) قال ابن سعد: واسمه مالك بن بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة حليف
لبني عبد الاشهل، أجمع على ذلك موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وأبو معشر
ومحمد بن عمر.
شهد أبو الهيثم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر خارصا فخرص
عليهم التمرة.
مات في خلافة عمر سنة عشرين
بالمدينة وقيل بقى إلى أيام علي وشهد معه صفين وقتل يومئذ.
قال الواقدي القول الاول اثبت عندنا (الاستيعاب - الطبقات الكبرى -
الروض الآنف) (*).
(3/183)
اجعل هذا البلد
آمنا) إلى آخرها.
وقال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن [ أبي ] (1) مرثد بن عبد
الله اليزني، عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي عن عبادة - وهو ابن
الصامت - قال: كنت ممن حضر العقبة الاولى، وكنا اثني عشر رجلا.
فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن
يفترض الحرب، على أن لانشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل
أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في
معروف.
فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله، إن شاء
عذب وإن شاء غفر.
وقد روى البخاري ومسلم هذا الحديث من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن أبي
حبيب به نحوه (2).
قال ابن إسحاق: وذكر ابن شهاب الزهري عن عائذ الله أبي إدريس الخولاني
أن عبادة بن الصامت حدثه.
قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الاولى أن لا
نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان
نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة،
وإن غشيتم من ذلك شيئا فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له، وإن سترتم
عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله إن شاء عذب وإن شاء غفر.
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من طرق عن الزهري به نحوه.
وقوله على بيعة النساء - يعني وفق على ما نزلت عليه بيعة النساء بعد
ذلك عام الحديبية - وكان هذا مما نزل علي وفق ما بايع عليه أصحابه ليلة
العقبة.
وليس هذا عجيب فإن القرآن نزل بموافقة عمر بن الخطاب في غير ما موطن
كما بيناه في سيرته وفي التفسير، وإن كانت هذه البيعة وقعت عن وحي غير
متلو فهو أظهر.
والله أعلم.
قال إبن إسحاق: فلما انصرف عنه القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
معهم مصعب (3) بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي.
وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الاسلام ويفقههم في الدين.
وقد روى البيهقي عن ابن إسحاق قال فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث مصعبا حين كتبوا إليه أن يبعثه
إليهم، وهو الذي ذكره موسى بن عقبة كما تقدم، إلا أنه جعل المرة
الثانية هي الاولى.
قال البيهقي: وسياق ابن إسحاق أتم.
وقال ابن إسحاق: فكان عبد الله بن أبي بكر
__________
(1) سقطت من الاصل واستدركت من ابن هشام.
وفي دلائل البيهقي: عن أبي الخير وهو مرثد.
(2) أخرجه البخاري في 63 كتاب مناقب الانصار 43 باب فتح الباري 7 / 219
ومسلم في 29 كتاب الحدود 10 باب ح 44.
(3) يكنى: أبا عبد الله وفي ابن سعد: أبا محمد من أوائل المهاجرين إلى
الحبشة، من فضلاء الصحابة شهد بدرا بعثه صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة يفقههم في الدين ويقرأ عليهم القرآن حتى ظهر الاسلام وفشا في
دور الانصار، وهو أول من جمع في الاسلام، قتل يوم أحد شهيدا قتله ابن
قمئة وكانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم معه يوم بدر وأحد، على
رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة وهو ابن أربعين سنة أو يزيد (طبقات
ابن سعد - الاستيعاب - الروض الآنف).
(*)
(3/184)
يقول: لا أدري
ما العقبة الاولى.
ثم يقول ابن إسحاق: بلى لعمري قد كانت عقبة وعقبة.
قالوا كلهم: فنزل مصعب على أسعد بن زرارة فكان يسمى بالمدينة المقرئ،
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه كان يصلي بهم، وذلك أن
الاوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض رضي الله عنهم أجمعين.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه، عن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت قائد أبي حين ذهب بصره فكنت إذا
خرجت به إلى الجمعة فسمع الآذان بها صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة.
قال: فمكث حينا على ذلك لا يسمع لاذان الجمعة إلا صلى عليه واستغفر له.
قال فقلت في نفسي والله أن هذا بي لعجز، ألا أسأله ؟ فقلت يا أبت مالك
إذا سمعت الاذان للجمعة صليت على أبي أمامة ؟ فقال أي بني كان أول من
جمع بنا بالمدينة في هزم النبيت (1) من حرة بني بياضة في بقيع يقال له
بقيع الخضمات قال: قلت وكم أنتم يومئذ ؟ قال أربعون رجلا.
وقد روى هذا الحديث أبو داود وابن ماجه من طريق
محمد بن إسحاق رحمه الله.
وقد روى الدارقطني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب
إلى مصعب بن عمير يأمره بإقامة الجمعة (2)، وفي إسناده غرابة والله
أعلم.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبيدالله بن المغيرة بن معيقيب، وعبد الله بن
أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير
يريد به دار بني عبد الاشهل، ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ ابن خالة
أسعد بن زرارة ؟ فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر على بئر يقال له: بئر
مرق فجلسا في الحائط، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم، وسعد بن معاذ وأسيد
بن الحضير، يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الاشهل، وكلاهما مشرك على دين
قومه، فلما سمعا به، قال سعد لاسيد: لا أبالك، انطلق إلى هذين الرجلين
اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا، فازجرهما، وانههما أن يأتيا
دارينا فإنه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك، هو ابن
خالتي ولا أجد عليه مقدما.
قال: فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة
قال لمصعب هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق الله فيه، قال مصعب: إن يجلس
أكمله.
قال فوقف عليهما متشتما فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟
__________
(1) هزم النبيت: جبل على بريد من المدينة قاله السهيلي وأنكره ياقوت في
معجمه ونفى أن يكون هزم النبيت جبلا لان هزم: المطمئن من الارض واستحسن
قولا - قال: إن صح فهو المعول عليه - وهو: جمع بنا في هزم بني النبيت
من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات.
(2) قال ابن سعد: قال محمد بن عمر: إنما كان مصعب بن عمير يصلي بهم
ويجمع بهم الجمعات بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما خرج إلى
النبي صلى الله عليه وسلم ليهاجر معه صلى بهم أسعد بن زرارة وقال
البيهقي: يحتمل أن لا يخالف هذا قول ابن شهاب، وكأن مصعب جمع بهم معونة
أسعد بن زرارة فأضافه كعب إليه والله أعلم.
(أنظر الحاشية السابقة - وترجمة ابن زرارة وابن عمير في الطبقات ج 3)
(*).
(3/185)
اعتزلانا إن
كانت لكما بأنفسكما حاجة.
وقال موسى بن عقبة: فقال (1) له غلام: أتيتنا في دارنا بهذا الرعيد.
الغريب الطريد ليتسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه.
قال ابن إسحاق: فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمرا قبلته، وإن
كرهته كف عنك ما تكره ؟ قال: أنصفت، قال: ثم ركز حربته وجلس إليهما
فكلمه (2) مصعب بالاسلام وقرأ عليه القرآن، فقالا - فيما يذكر عنهما -
والله لعرفنا في وجهه الاسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله، ثم قال:
ما أحسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟
قالا له تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي، فقام
فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما:
إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما
الآن، سعد بن معاذ.
ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه
سعد بن معاذ مقبلا.
قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلما
وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت ؟ قال كلمت الرجلين، فوالله ما
رأيت بهما بأسا.
وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى
أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك (3)،
قال: فقام سعد بن معاذ مغضبا مبادرا تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة،
وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئا، ثم خرج إليهما
سعد فلما رآهما مطمئنين، عرف أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف [
عليهما ] متشمتما ؟ ثم قال لاسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة والله
لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما
نكره ؟ قال: وقد قال أسعد لمصعب: جاءك والله سيد من ورائه [ من ] قومه،
إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان.
قال: فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمرا رغبت فيه قبلته، وإن
كرهته عزلنا عنك ما تكره ؟ قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس فعرض
عليه الاسلام وقرأ عليه القرآن.
وذكر موسى بن عقبة أنه قرأ عليه أول الزخرف (4).
قال فعرفنا والله في وجهه الاسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ثم
قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين ؟ قالا
تغتسل فتطهر
__________
(1) نقل البيهقي الخبر عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري، وجاءت
العبارة فيه: فقال لابي أمامة: علام تأتينا في دورنا بهذا الوحيد
الغريب الطريد يسفه ضعفاءنا بالباطل، ويدعوهم إليه، لا أراك بعدها تسئ
من
جوارنا، فقاموا ورجعوا.
(2) في رواية موسى بن عقبة أن ذلك كان في مرة أخرى، حيث توعدهم وعيدا
دون وعيده الاول، فلما رأى منه أسعد بن زرارة لينا قال له: يا ابن خالة
استمع من قوله فإن سمعت منكرا فأردده بأهدى منه، وإن سمعته حقا فأجب
إليه.
إنما نسب موسى هذا القول لسعد بن معاذ وقال: ويقول بعض الناس: بل أسيد
بن حضير.
(3) في ابن هشام: ليخفروك، والاخفار: نقض العهد والغدر.
(4) في البيهقي من رواية موسى قرأ: حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا
عربيا لعلكم تعقلون.
(*)
(3/186)
وتطهر ثوبيك ثم
تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين.
قال فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين، ثم أخذ
حربته فأقبل عائدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن الحضير (1)، فلما رآه
قومه مقبلا قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب
به من عندكم، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الاشهل كيف تعلمون أمري
فيكم ؟ قالوا سيدنا [ وأوصلنا ] وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة، قال: فإن
كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال فوالله ما
أمسى في دار بني عبد الاشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو (2) مسلمة،
ورجع سعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقاما عنده يدعوان الناس إلى
الاسلام حتى لم تبق دار من دور الانصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون،
إلا ماكان من دار بني أمية بن زيد، وخطمة، ووائل، وواقف، وتلك أوس وهم
من الاوس بن حارثة وذلك أنهم كان فيهم أبو قيس بن الاسلت واسمه صيفي.
وقال الزبير بن بكار: اسمه الحارث، وقيل عبيدالله واسم أبيه الاسلت
عامر بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الاوس.
وكذا نسبه الكلبي أيضا.
وكان شاعرا لهم قائدا يستمعون منه ويطيعونه، فوقف بهم عن الاسلام حتى
كان بعد الخندق.
قلت: وأبو قيس بن الاسلت هذا ذكر له ابن إسحاق أشعارا بائية حسنة تقرب
من أشعار أمية بن [ أبي ] الصلت الثقفي.
قال ابن إسحاق فيما تقدم: ولما انتشر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
في العرب وبلغ البلدان ذكر بالمدينة ولم يكن حي من العرب أعلم بأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر، وقبل أن يذكر من هذا الحي من
الاوس والخزرج، وذلك لما كان يسمعون من أحبار يهود.
فلما وقع أمره بالمدينة وتحدثوا بما بين قريش فيه من الاختلاف قال أبو
قيس بن الاسلت أخو بني واقف - قال السهيلي: هو أبو قيس صرمة بن أبي أنس
واسم أبي أنس قيس بن صرمة بن مالك بن عدي بن عمرو (3) بن غنم بن عدي بن
النجار، قال وهو الذي أنزل فيه وفي عمر: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث
إلى نسائكم) الآية.
قال ابن إسحاق (4): وكان يحب قريشا، وكان لهم صهرا.
كانت تحته أرنب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي وكان يقيم عندهم السنين
بامرأته.
قال قصيدة يعظم فيها الحرمة وينهى قريشا فيها عن الحروب ويذكر فضلهم
وأحلامهم ويذكرهم بلاء الله عندهم ودفعه
__________
(1) في رواية ابن عقبة: فقال سعد بن معاذ: بعد قراءة مصعب عليه - ما
أسمع إلا ما أعرف، فرجع سعد بن معاذ وقد هداه الله ولم يظهر لهما
إسلامه حتى رجع إلى قومه.
(2) في ابن هشام: ومسلمة.
(3) في السيرة: عن ابن هشام: عامر.
(4) سيرة ابن هشام ج 1 / 302.
(*)
(3/187)
عنهم الفيل
وكيده ويأمرهم بالكف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيا راكبا إما
عرضت فبلغن * مغلغلة عني لؤي بن غالب (1) رسول امرئ قد راعه ذات بينكم
* على النأي محزون بذلك ناصب وقد كان عندي للهموم معرس * ولم اقض منها
حاجتي ومآربي (2) نبيتكم شرجين، كل قبيلة * لها أزمل من بين مذك وحاطب
(3) أعيذكم بالله من شر صنعكم * وشر تباغيكم ودس العقارب وإظهار أخلاق
ونجوى سقيمة * كوخز الاشافي وقعها حق صائب (4)
فذكرهم بالله أول وهلة * واحلال أحرام الظباء الشوازب (5) وقل لهم
والله يحكم حكمه * ذروا الحرب تذهب عنكم في المراحب متى تبعثوها
تبعثوها ذميمة * هي الغول للاقصين أو للاقارب تقطع أرحاما وتهلك أمة *
وتبري السديف من سنام وغارب وتستبدلوا بالاتحمية بعدها * شليلا وأصداء
ثياب المحارب (6) وبالمسك والكافور غبرا سوابغا * كأن قتيريها عيون
الجنادب (7) فاياكم والحرب لا تعلقنكم * وحوضا وخيم الماء مر المشارب
تزين للاقوام ثم يرونها * بعاقبة إذ بيتت أم صاحب تحرق لا تشوي ضعيفا
وتنتحي * ذوي العز منكم بالحتوف الصوائب ألم تعلموا ما كان في حرب داحس
* فتعتبروا أو كان في حرب حاطب وكم ذا أصابت من شريف مسود * طويل
العماد ضيفه غير خائب عظيم رماد النار يحمد أمره * وذي شيمة محض كريم
المضارب وماء هريق في الضلال كأنما * أذاعت به ريح الصبا والجنائب
يخبركم عنها امرؤ حق عالم * بأيامها والعلم علم التجارب فبيعوا الحراب
ملمحارب واذكروا * حسابكم والله خير محاسب ولي امرئ فاختار دينا فلا
يكن * عليكم رقيبا غير رب الثواقب
__________
(1) المغلغلة: الرسالة.
(2) المعرس: المكان الذي ينزل فيه المسافر آخر الليل، يقيم فيه للراحة
ثم يرتحل.
(3) شرجين: نوعين مختلفين.
الازمل: الصوت المختلط.
المذكى: الموقد، والمذكي: الذي يوقد النار.
(4) الاشافى: جمع اشفى وهي المخرز.
(5) أحرام الظباء: التي يحرم صيدها في الحرم، والشوازب: الضامرة
البطون.
(6) الاتحمية: ثياب رقاق تصنع باليمن.
(7) القتير: حلق الدرع.
(*)
(3/188)
أقيموا لنا
دينا حنيفا فأنتموا * لنا غاية، قد يهتدى بالذوائب وأنتم لهذا الناس
نور وعصمة * تؤمون والاحلام غير عوازب وأنتم إذا ما حصل الناس جوهر *
لكم سرة البطحاء شم الارانب تصونون أنسابا كراما عتيقة * مهذبة الانساب
غير أشائب (1) يرى طالب الحاجات نحو بيوتكم * عصائب هلكى تهتدي بعصائب
لقد علم الاقوام أن سراتكم * على كل حال خير أهل الجباجب (2) وأفضله
رأيا وأعلاه سنة * وأقوله للحق وسط المواكب فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا
* بأركان هذا البيت بين الاخاشب (3) فعندكم منه بلاء ومصدق * غداة أبي
يكسوم هادي الكتائب كتيبته بالسهل تمشي ورجله * على القاذفات في رؤوس
المناقب فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم * جنود المليك بين ساف وحاصب
فولوا سراعا هاربين ولم يؤب * إلى أهله ملحبش غير عصائب فإن تهلكوا
نهلك وتهلك مواسم * يعاش بها، قول امرئ غير كاذب وحرب داحس التي (4)
ذكرها أبو قيس في شعره كانت في زمن الجاهلية مشهورة، وكان سببها فيما
ذكره أبو عبيد معمر بن المثنى وغيره: أن فرسا يقال له داحس كانت لقيس
(5) بن زهير بن جذيمة بن رواحة الغطفاني.
أجراه مع فرس لحذيفة بن بدر بن عمرو بن جؤبة الغطفاني أيضا يقال لها
الغبراء، فجاءت داحس سابقا فأمر حذيفة من ضرب وجهه فوثب مالك بن زهير
فلطم وجه الغبراء، فقام حمل بن بدر فلطم مالكا، ثم إن أبا جنيدب العبسي
لقي عوف بن حذيفة فقتله، ثم لقي رجل من بني فزارة مالكا فقتله، فشبت
الحرب بين بني عبس وفزارة فقتل حذيفة بن بدر وأخوه حمل بن بدر وجماعات
آخرون، وقالوا في ذلك أشعارا كثيرة يطول بسطها وذكرها.
قال ابن هشام: وأرسل قيس داحسا والغبراء وأرسل حذيفة الخطار والحنفاء،
والاول أصح (6) قال وأما حرب حاطب [ فيعني حاطب ] بن الحارث بن قيس بن
هيشة بن الحارث بن
__________
(1) في ابن هشام: تصونون أجسادا بدل تصونون أنسابا.
(2) الجباجب: المنازل، واحدها، جبجبة، قال السهيلي هي منازل منى.
(3) الاخاشب: أراد الاخشبين، جبلا مكة.
(4) في الاصل: الذي، والصواب ما أثبتناه.
(5) قيس بن زهير سيد بني عبس وكان يلقب بقيس الرأي.
لجودة رأيه من أقواله: أربعة لا يطاقون: عبد ملك.
نذل شبع، وأمة ورثت، وقبيحة تزوجت.
(6) اختلفت الآراء حول ملكية داحس والغبراء، أنظر في ذلك: العقد الفريد
ج 3 / 313 سيرة ابن هشام 1 / 303 = (*)
(3/189)
أمية بن معاوية
بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس.
كان قتل يهوديا جارا للخزرج، فخرج إليه يزيد (1) بن الحارث بن قيس بن
مالك بن أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن مالك بن كعب بن الخزرج بن
الحارث بن الخزرج وهو الذي يقال له ابن فسحم (2) في نفر من بني الحارث
بن الخزرج فقتلوه فوقعت الحرب بين الاوس والخزرج فاقتتلوا قتالا شديدا
وكان الظفر للخزرج، وقتل يومئذ الاسود (3) بن الصامت الاوسي، قتله
المجذر بن ذياد حليف بني عوف بن الخزرج، ثم كانت بينهم حروب يطول ذكرها
أيضا.
والمقصود أن أبا قيس بن الاسلت مع علمه وفهمه لم ينتفع بذلك حين قدم
مصعب بن عمير المدينة ودعا أهلها إلى الاسلام، فأسلم من أهلها بشر كثير
ولم يبق دار - أي محلة - من دور المدينة إلا وفيها مسلم ومسلمات غير
دار بني واقف قبيلة أبي قيس ثبطهم عن الاسلام وهو القائل أيضا: أرب
الناس أشياء ألمت * يلف الصعب منها بالذلول أرب الناس إما أن ضللنا *
فيسرنا لمعروف السبيل فلولا ربنا كنا يهودا * وما دين اليهود بذي شكول
(4)
ولولا ربنا كنا نصارى * مع الرهبان في جبل الجليل ولكنا خلقنا إذ خلقنا
* حنيفا ديننا عن كل جيل نسوق الهدي ترسف مذعنات * مكشفة المناكب في
الجلول (5) وحاصل ما يقول أنه حائر فيما وقع من الامر الذي قد سمعه من
بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوقف الواقفي في ذلك مع علمه
ومعرفته.
وكان الذي ثبطه عن الاسلام أولا عبد الله بن أبي بن سلول بعدما أخبره
أبو قيس أنه الذي بشر [ به ] يهود فمنعه عن الاسلام.
قال ابن إسحاق: ولم يسلم إلى يوم الفتح هو وأخوه وخرج، وأنكر الزبير بن
بكار أن يكون أبو قيس أسلم.
وكذا الواقدي.
قال: كان عزم على الاسلام أول ما دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فلامه عبد الله بن أبي فحلف لا يسلم إلى حول فمات في ذي القعدة (6).
وقد ذكر غيره فيما حكاه ابن
__________
= الكامل لابن الاثير 1 / 343 الاغاني 8 / 240، 16 / 26 معجم البلدان
(أصاد - هباءة) شرح ديوان الحماسة للتبريزي 1 / 397 مجمع الامثال
للميداني 2 / 51.
(1) في الاصول زيد وهو تحريف، من ابن هشام وشرح القاموس مادة فسحم.
(2) في الاصول قسحم، وما أثبتناه من ابن هشام وشرح القاموس مادة فسحم.
(3) في ابن هشام: سويد، وقد تقدم التعليق على ذلك يوم بعاث.
(4) البيتان الاول والثاني ليسا في الطبقات.
ويبدأ الثالث والرابع: ولوشا بدل " ولولا ربنا ".
(5) في الطبقات شطره: تكشف عن مناكبها الجلول.
(6) في ابن سعد: ذي الحجة على رأس عشرة أشهر من الهجرة.
(*)
(3/190)
لاثير في كتابه
[ أسد ] الغابة، أنه لما حضره الموت دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى
الاسلام فسمع يقول: لا له إلا الله.
وقال الامام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن
أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من الانصار،
فقال " يا خال: قل لا إله إلا الله " فقال: أخال أم عم ؟ قال بل خال
قال: فخير لي أن أقول لا إله إلا الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم
نعم ! تفرد به أحمد (1) رحمه الله وذكر عكرمة وغيره أنه لما توفي أراد
ابنه أن يتزوج امرأته كبيشة بنت معن بن عاصم، فسألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم في ذلك فأنزل الله: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) [
النساء: 22 ] الآية.
وقال ابن إسحاق وسعيد بن يحيى الاموي في مغازيه: كان أبو قيس هذا قد
ترهب في الجاهلية ولبس المسوح، وفارق الاوثان، واغتسل من الجنابة،
وتطهر من الحائض من النساء، وهم بالنصرانية ثم أمسك عنها ودخل بيتا له
فاتخذه مسجدا لا يدخل عليه فيه حائض ولا جنب وقال: أعبد إله إبراهيم
حين فارق الاوثان وكرهها، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم
فحسن إسلامه (2)، وكان شيخا كبيرا وكان قوالا بالحق معظما لله في
جاهليته يقول في ذلك أشعارا حسانا وهو الذي يقول: يقول أبو قيس وأصبح
غاديا * ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا فأوصيكم بالله والبر والتقى *
وأعراضكم والبر بالله أول وإن قومكم سادوا فلا تحسدنهم * وإن كنتم أهل
الرئاسة فاعدلوا وإن نزلت إحدى الدواهي بقومكم * فأنفسكم دون العشيرة
فاجعلوا وإن ناب.
غر فادح فارفقوهم * وما حملوكم في الملمات فاحملوا وإن أنتم أمعزتم
فتعففوا * وإن كان فضل الخير فيكم فأفضلوا (3) وقال أبو قيس أيضا:
سبحوا الله شرق كل صباح * طلعت شمسه وكل هلال عالم السر والبيان جميعا
* ليس ما قال ربنا بضلال (4) وله الطير تستزيد وتأوي * في وكور من
آمنات الجبال
__________
(1) مسند أحمد ج: 3 / 152، 154، 268 حلبي.
(2) في ابن سعد: كاد أن يسلم، وبقي على دين ابراهيم وكان يقال له بيثرب
الحنيف، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في شعره وكان يقول: ليس على دين
إبراهيم إلا أنا وزيد بن عمرو بن نفيل.
(أنظر الطبقات ج 4 / 383 وما بعدها).
(3) أمعزتم: وتروى أمعرتم بالراء: أفتقرتم وأصابتكم شدة.
(4) في ابن هشام: لدينا مكان جميعا.
(*)
(3/191)
وله الوحش
بالفلاة تراها * في حقاف وفي ظلال الرمال (1) وله هودت يهود ودانت * كل
دين مخافة من عضال (2) وله شمس النصارى وقاموا * كل عيد لربهم واحتفال
وله الراهب الحبيس تراه * رهن بؤس وكان أنعم بال (3) يا بني الارحام لا
تقطعوها * وصلوها قصيرة من طوال واتقوا الله في ضعاف اليتامى * وبما
يستحل غير الحلال واعلموا أن لليتيم وليا * عالما يهتدي بغير سؤال ثم
مال اليتيم لا تأكلوه * إن مال اليتيم يرعاه والي يا بني التخوم لا
تخزلوها * إن جزل التخوم ذو عقال (4) يا بني الايام لا تأمنوها *
واحذروا مكرها ومر الليالي واعلموا أن مرها (5) لنفاد * الخلق ما كان
من جديد وبالي واجمعوا أمركم على البر والتق * وى وترك الخنا وأخذ
الحلال قال ابن إسحاق: وقال أبو قيس صرمة أيضا يذكر ما أكرمهم الله به
من الاسلام، وما خصهم به من نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم.
ثوى في قريش بضع عشرة حجة * يذكر لو يلقى صديقا مواتيا وسيأتي ذكرها
بتمامها فيما بعد إن شاء الله وبه الثقة.
قصة بيعة العقبة الثانية (6) قال ابن إسحاق: ثم إن مصعب بن عمير رجع
إلى مكة، وخرج من خرج من الانصار من المسلمين [ إلى الموسم ] مع حجاج
قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة، فواعدوا
__________
(1) الحقاف: جمع حقف، وهو الكدس المستدير من الرمل.
(2) في ابن هشام: كل دين دين إذا ذكرت عضال (3) في ابن هشام: وكان ناعم
بال.
(4) في الاصل تجزلوها.
وهو تحريف.
وتخزلوها: تقطعوها.
(5) في الاصل أمرها.
(6) أنظر العقبة الثانية في: طبقات ابن سعد 1 / 221 تاريخ الطبري 2 /
361 وما بعدها سيرة ابن هشام 2 / 81 وما بعدها.
تاريخ الاسلام للذهبي 2 / 200 ابن سيد الناس 1 / 192، الدرر في اختصار
المغازي والسير لابن عبد البر (68).
(*)
(3/192)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم العقبة من أواسط أيام التشريق، حين أراد الله بهم من
كرامته والنصر لنبيه واعزاز الاسلام وأهله [ وإذلال الشرك وأهله ].
فحدثني معبد بن كعب بن مالك أن أخاه عبد الله بن كعب - وكان من أعلم
الانصار - حدثه أن أباه كعبا حدثه - وكان ممن شهد العقبة وبايع رسول
الله صلى الله عليه وسلم بها -.
قال: خرجنا في حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا، ومعنا البراء
بن معرور (1) سيدنا وكبيرنا، فلما وجهنا لسفرنا، وخرجنا من المدينة،
قال البراء: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا والله ما أدري أتوا فقونني عليه
أم لا ؟ قلنا وما ذاك ؟ قال: قد رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر -
يعني الكعبة - وأن أصلي إليها.
قال: فقلنا والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى
الشام وما نريد أن خالفه.
فقال: إني لمصل إليها، قال فقلنا له: لكنا لا نفعل.
قال: فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام وصلى هو إلى الكعبة حتى
قدمنا مكة.
[ قال: وقد كنا قد عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الاقامة على ذلك.
فلما قدمنا مكة ] قال لي يا ابن أخي، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى اسأله عما صنعت في سفري هذا فإنه قد وقع في نفسي منه شئ.
لما رأيت من خلافكم إياي فيه.
قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكنا لا نعرفه ولم
نره قبل ذلك - فلقينا رجلا من أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال هل تعرفانه ؟ فقلنا لا، فقال هل تعرفان
العباس بن عبد المطلب عمه ؟ قال: قلنا نعم ! وقد كنا نعرف العباس كان
لا يزال يقدم علينا تاجرا، قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس
مع العباس، قال: فدخلنا المسجد وإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله
عليه وسلم جالس معه، فسلمنا ثم جلسنا إليه، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم للعباس: " هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ؟ " قال: نعم،
هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك قال فوالله ما أنسى قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاعر ؟ قال: نعم ! فقال له البراء بن
معرور: يا نبي الله إني خرجت في سفري هذا قد هداني الله تعالى للاسلام،
فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها وقد خالفني أصحابي
في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شئ فماذا ترى ؟ قال: " قد كنت على قبلة
لو صبرت عليها " قال فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه
وسلم فصلى معنا إلى الشام، قال وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى
مات، وليس ذلك كما قالوا نحن أعلم به منهم.
قال كعب بن مالك: ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق، فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة
التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ومعنا عبد الله بن عمرو
بن حرام أبو جابر، سيد من سادتنا أخذناه وكنا نكتم من معنا من قومنا من
المشركين أمرنا،
__________
(1) البراء بن معرور: يكنى أبا بشر، وهو أحد النقباء الاثني عشر من
الانصار، وهو أول من تكلم من النقباء ليلة العقبة حين لقي رسول الله
صلى الله عليه وسلم السبعون.
أوصى بثلث ماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه حيث شاء، مات وصلى
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر قبل قدوم النبي صلى الله
عليه وسلم المدينة بشهر، قال الواقدي: كان أول من مات من النقباء
(الطبقات 3 / 618).
(*)
(3/193)
فكلمناه وقلنا
له يا أبا جابر إنك سيد من سادتنا وشريف من أشرافنا وإنا نرغب بك عما
أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا، ثم دعوناه إلى الاسلام وأخبرناه
بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة قال فأسلم وشهد معنا
العقبة وكان نقيبا (1).
وقد روى البخاري: حدثني إبراهيم، حدثنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال
عطاء قال
جابر: أنا وأبي وخالي من أصحاب العقبة.
قال عبد الله بن محمد قال ابن عيينة: أحدهم البراء بن معرور.
حدثنا علي بن المديني، حدثنا سفيان، قال كان عمرو يقول سمعت جابر بن
عبد الله يقول: شهد بي خالاي العقبة.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن خثيم، عن أبي
الزبير عن جابر.
قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في
منازلهم، عكاظ ومجنة، وفي المواسم يقول " من يؤويني ؟ من ينصرني ؟ حتى
أبلغ رسالة ربي وله الجنة " فلا يجد أحدا يؤويه ولا بنصره، حتى إن
الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر - كذا قال فيه - فيأتيه قومه وذوو رحمه
فيقولون: إحذر غلام قريش لا يفتنك، ويمضي بين رحالهم [ يدعوهم إلى الله
عزوجل ] (2) وهم يشيرون إليه بالاصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب
فآويناه وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى
أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم تبق دار من دور الانصار إلا وفيها رهط من
المسلمين يظهرون الاسلام، ثم ائتمروا جميعا فقلنا حتى متى نترك رسول
الله صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف ؟ فرحل إليه منا
سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا
عندها من رجل ورجلين حتى توافينا.
فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك ؟ قال " تبايعوني على السمع والطاعة
في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم
وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم
وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة " فقمنا إليه [ نبايعه ] (3) وأخذ بيده
أسعد بن زرارة - وهو من أصغرهم - وفي رواية البيهقي - وهو أصغر السبعين
- إلا أنا، فقال رويدا يا أهل يثرب: فإنا لم نضرب إليه أكباد الابل إلا
ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مناوأة للعرب كافة وقتل
خياركم، [ وأن ] تعضكم السيوف.
فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله، وأما أنتم قوم
تخافون من أنفسكم خيفة فذروه.
فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله.
قالوا أبط (4) عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة ولا
__________
(1) ما بين معكوفتين في الخبر زيادة من ابن هشام.
(2) زيادة من البيهقي.
(3) من البيهقي.
(4) العبارة في البيهقي: فقلنا: أمط يدك يا أسعد بن زرارة فوالله لا
نذر هذه البيعة ولا نستقبلها فقمنا إليه نبايعه رجلا رجلا..(*)
(3/194)
نسلبها أبدا.
قال: فقمنا إليه فبايعناه وأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة.
وقد رواه الامام أحمد أيضا والبيهقي من طريق داود بن عبد الرحمن العطار
- زاد البيهقي عن الحاكم - بسنده إلى يحيى بن سليم (1) كلاهما عن عبد
الله بن عثمان بن خثيم عن أبي إدريس به نحوه.
وهذا إسناد جيد على شرط مسلم ولم يخرجوه.
وقال البزار وروى غير واحد عن ابن خثيم ولا نعلمه يروي عن جابر إلا من
هذا الوجه.
وقال الامام أحمد: حدثنا سليمان بن داود حدثنا عبد الرحمن بن أبي
الزناد عن موسى بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر.
قال: كان العباس آخذا بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله
يواثقنا، فلما فرغنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخذت وأعطيت "
وقال البزار حدثنا محمد بن معمر حدثنا قبيصة حدثنا سفيان - هو الثوري -
عن جابر - يعني الجعفي - عن داود - وهو ابن أبي هند - عن الشعبي عن
جابر - يعني ابن عبد الله - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للنقباء من الانصار: " تؤووني وتمنعوني ؟ " قالو: نعم قالوا: فما لنا ؟
قال: " الجنة " ثم قال: لا نعلمه يروي إلا بهذا الاسناد عن جابر، ثم
قال ابن إسحاق عن معبد عن عبد الله عن أبيه كعب بن مالك.
قال: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل
خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا
مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا،
ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب، أم عمارة، إحدى نساء بني مازن
بن النجار، وأسماء ابنة عمرو بن عدي بن نابي إحدى نساء بني سلمة وهي أم
منيع.
وقد صرح ابن إسحاق - في رواية يونس بن بكير عنه - بسمائهم وأنسابهم وما
ورد في بعض الاحاديث أنهم كانوا سبعين، والعرب كثيرا ما تحذف الكسر،
وقال عروة بن الزبير وموسى بن عقبة.
كانوا
سبعين رجلا وامرأة واحدة (2)، قال منهم أربعون من ذوي أسنانهم، وثلاثون
من شبابهم قال وأصغرهم أبو مسعود وجابر بن عبد الله.
قال كعب بن مالك: فلما اجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا
أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم
العباس بن عبد المطلب فقال: يا معشر الخزرج - قال وكانت العرب إنما
يسمون هذا الحي من الانصار الخزرج خزرجها وأوسها - إن محمدا منا حيث قد
علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزة من
قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن
كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه
__________
= أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 3 / 339 - 440 والبيهقي في الدلائل ج 2
/ 442، 443.
(1) في البيهقي 2 / 443: يحيى بن سليمان عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن
جابر، وزاد في وسطه: قال: فقال له عمه العباس: يا ابن أخي لا أدري ما
هؤلاء القوم الذين جاؤوك، إني ذو معرفة بأهل يثرب، فاجتمعنا عنده من
رجل ورجلين فلما نظر العباس في وجوهنا، قال: هؤلاء قوم لا أعرفهم هؤلاء
أحداث..(2) وفي رواية ابن بكير عن ابن اسحاق قال: كانوا ثلاثة وسبعين
رجلا وامرأتين من الخزرج والاوس.
وفي ابن سعد: إنهم كانوا سبعين يزيدون رجلا أو رجلين.
(*)
(3/195)
إليه ومانعوه
ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه
وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزة ومنعة من قومه
وبلده.
قال: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت: فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك
ما أحببت، قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا
إلى الله ورغب في الاسلام.
قال: " أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم " قال:
فأخذ البراء بن معرور بيده [ و ] قال نعم ! فوالذي بعثك بالحق [ نبيا ]
لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا (1) فبايعنا يا رسول الله فنحن والله ابناء
الحروب [ وأهل الحلقة ] (2) ورثناها كابرا عن كابر.
قال: فاعترض القول، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو
الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا
قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم
أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ قال: فتبسم رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم قال: " بل الدم الدم، والهدم الهدم (3).
أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " قال كعب وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا
يكونون على قومهم بما فيهم " فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من
الخزرج وثلاثة من الاوس.
قال ابن إسحاق: وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة المتقدم، وسعد بن الربيع
بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن
الخزرج بن الحارث بن الخزرج، وعبد الله بن رواحة [ بن ثعلبة ] (4) بن
امرئ القيس [ بن عمرو بن امرئ القيس الاكبر ] (4) بن مالك [ الاغر ]
(5) بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، ورافع بن مالك بن
العجلان المتقدم، والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن
عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن
جشم بن الخزرج، وعبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن
غنم بن كعب بن سلمة، وعبادة بن الصامت المتقدم، وسعد بن عبادة بن دليم
بن حارثة بن (6) خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن
__________
(1) أزرنا: أي نساءنا، والمرأة قد يكنى عنها بالازار، وقد يكنى بالازار
عن النفس أيضا.
(2) ما بين معكوفين من ابن هشام.
(3) كانت العرب تقول عند عقد الحلف والجوار: دمي دمك وهدمي هدمك أي ما
هدمت من الدماء هدمته أنا.
ويروى أيضا: اللدم اللدم، والهدم الهدم.
وعن ابن هشام الهدم: يعني الحرمة: أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم.
وعلق السهيلي على قول ابن هشام قال: وإنما كنى ابن هشام على حرمة الرجل
وأهله بالهدم " لانهم كانوا أهل نجعة وارتحال، ولهم بيوت يستخفونها يوم
ظعنهم، فكلما ظعنوا هدموها.
(الخبر في ابن هشام 2 / 82 ونقله الطبري عنه 2 / 362).
(4) من ابن هشام.
(5) من الاستيعاب.
(6) في الاصول والاستيعاب، بن خزيمة، وفي ابن هشام ابن أبي خزيمة، وفي
شرح السيرة لابي ذر ابن أبي حزيمة،
وقال في الاستيعاب: ويقال فيه: ابن أبي حليمة.
(*)
(3/196)
كعب بن الخزرج،
والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبدود بن زيد بن ثعلبة
بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج.
فهؤلاء تسعة من الخزرج ومن الاوس ثلاثة وهم، أسيد بن حضير بن سماك بن
عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل بن جشم [ بن الحارث ]
(1) بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الاوس، وسعد بن خيثمة بن الحارث بن
مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس
بن مالك بن الاوس، ورفاعة بن عبد المنذر بن زنير (2) بن زيد بن أمية بن
زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس.
قال ابن هشام: وأهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان بدل رفاعة
هذا، وهو كذلك في رواية يونس عن ابن إسحاق (3).
واختاره السهيلي وابن الاثير في [ أسد ] الغابة.
ثم استشهد ابن هشام على ذلك بما رواه عن أبي زيد الانصاري فيما ذكره من
شعر كعب بن مالك في ذكر النقباء الاثني عشر هذه الليلة - ليلة العقبة
الثانية - حين قال: أبلغ أبيا أنه فال رأيه * وحان غداة الشعب والحين
واقع (4) أبى الله ما منتك نفسك إنه * بمرصاد أمر الناس راء وسامع
وأبلغ أبا سفيان أن قد بدالنا * بأحمد نور من هدى الله ساطع فلا ترغبن
في حشد أمر تريده * وألب وجمع كل ما أنت جامع ودونك فاعلم أن نقض
عهودنا * أباه عليك الرهط حين تبايعوا (5) أباه البراء وابن عمرو
كلاهما * وأسعد يأباه عليك ورافع وسعد أباه الساعدي ومنذر * لانفك إن
حاولت ذلك جادع وما ابن ربيع إن تناولت عهده * بمسلمه لا يطمعن ثم طامع
وأيضا فلا يعطيكه ابن رواحة * وإخفاره من دونه السم ناقع
وفاء به، والقوقلي بن صامت * بمندوحة عما تحاول يافع أبو هيثم أيضا وفي
بمثلها * وفاء بما أعطى من العهد خانع وما ابن حضير إن أردت بمطمع *
فهل أنت عن أحموقه الغي نازع
__________
(1) من ابن هشام.
(2) في ابن هشام والاستيعاب: ابن زبير.
(3) واختاره ابن سعد في الطبقات قال: وهو أحد النقباء الاثني عشر من
الانصار وشهد العقبتين جميعا ووافقه البيهقي في الدلائل من رواية ابن
بكير عن ابن سحاق ولم يذكره ابن عبد البر في الدرر في اختصار المغازي
(ص 71) بل ذكر رفاعة.
(4) فال: بطل.
(5) قوله تبايعوا: ضبطها محقق سيرة ابن هشام: تتابعوا.
(*)
(3/197)
وسعد أخو عمرو
بن عوف فانه * ضروح لما حاولت ملامر مانع (1) أولاك نجوم لا يغبك منهم
* عليك بنحس في دجى الليل طالع قال ابن هشام: فذكر فيهم أبا الهيثم بن
التيهان ولم يذكر رفاعة.
قلت: وذكر سعد بن معاذ وليس من النقباء بالكلية في هذه الليلة.
وروى يعقوب بن سفيان عن يونس بن عبد الاعلى عن ابن وهب عن مالك.
قال: كان الانصار ليلة العقبة سبعون رجلا، وكان نقباؤهم اثني عشر
نقيبا، تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس.
وحدثني شيخ من الانصار أن جبرائيل كان يشير إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى من يجعله نقيبا ليلة العقبة وكان أسيد بن حضير أحد
النقباء تلك الليلة.
رواه البيهقي (2).
وقال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر [ بن حزم ] (3): أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال للنقباء: " أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء
ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي [ يعني المسلمين
] (4) " قالوا نعم ! وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن القوم لما
اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن
نضلة
الانصاري أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون
هذا الرجل ؟ قالوا: نعم ! قال إنكم تبايعونه على حرب الاحمر والاسود من
الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا
أسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم
ترون أنكم وافون له له بما دعوتموه إليه على نهكة الاموال وقتل الاشراف
فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة.
قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الاموال وقتل الاشراف فما لنا بذلك يا
رسول الله إن نحن وفينا ؟ قال " الجنة " قالوا ابسط يدك فبسط يده
فبايعوه.
قال عاصم بن عمر بن قتادة: وإنما قال العباس بن عبادة ذلك ليشد العقد
في أعنقاهم وزعم عبد الله بن أبي بكر أنه إنما قال ذلك ليؤخر [ القوم ]
البيعة تلك الليلة، رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي بن سلول سيد الخزرج
ليكون اقوى لامر القوم، فالله أعلم أي ذلك كان.
قال ابن إسحاق: فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة، أسعد بن زرارة، كان
أول من ضرب على يده.
وبنو عبد الاشهل يقولون: بل أبو الهيثم بن التيهان.
قال ابن إسحاق: وحدثني معبد بن كعب عن أخيه عبد الله عن أبيه كعب بن
مالك.
قال: فكان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن
معرور، ثم بايع [ بعد ] القوم (5) وقال *.
__________
* (1) ضروح: مانع ودافع عن نفسه.
(2) دلائل البيهقي ج 2 / 453.
(3) من دلائل البيهقي.
(4) من ابن هشام.
(5) سيرة ابن هشام: 2 / 89 وما بين معقوفتين من السيرة.
(*)
(3/198)
ابن الاثير في
[ أسد ] الغابة: وبنو سلمة يزعمون أن أول من بايعه ليلتئذ كعب بن مالك.
وقد ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث الزهري عن عبد الرحمن بن عبد
الله بن كعب عن أبيه عن كعب بن مالك في حديثه حين تخلف عن غزوة تبوك.
قال: ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين
تواثقنا على الاسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أكثر
(1) في
الناس منها.
وقال البيهقي أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا [ أبو ] (2) عمرو بن
السماك حدثنا حنبل بن إسحاق حدثنا أبو نعيم [ الفضل بن دكين ] حدثنا
زكريا بن أبي زائدة، عن عامر الشعبي قال: انطلق رسول الله صلى الله
عليه وسلم مع العباس عمه إلى السبعين من الانصار عند العقبة تحت
الشجرة، فقال: " ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة فإن عليكم من المشركين
عينا، وإن يعلموا بكم يفضحوكم " فقال قائلهم - وهو أبو أمامة - سل يا
محمد لربك ما شئت، ثم سل لنفسك بعد ذلك ما شئت.
ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله وعليكم إذا فعلنا ذلك.
قال: " أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأسألكم لنفسي
وأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم " قالوا:
فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال: " لكم الجنة " قالوا فلك ذلك.
ثم رواه حنبل عن الامام أحمد عن يحيى بن زكريا عن مجالد عن الشعبي عن
أبي مسعود الانصاري فذكره قال: وكان أبو مسعود أصغرهم.
وقال أحمد عن يحيى عن اسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: فما سمع
الشيب والشبان خطبة مثلها.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمد بن محمش (3)
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن الفضل الفحام، أخبرنا محمد بن يحيى الذهلي،
أخبرنا عمرو بن عثمان الرقي، حدثنا زهير، ثنا عبد الله بن عثمان بن
خثيم، عن اسماعيل بن عبيدالله (4) بن رفاعة عن أبيه قال: قدمت روايا
خمر، فأتاها عبادة بن الصامت فخرقها (5) وقال: إنا بايعنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في
العسر واليسر، وعلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في
الله لا تأخذنا فيه لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا قدم علينا يثرب مما نمنع به أنفسنا وأرواحنا وأبناءنا ولنا
الجنة.
فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بايعناه عليها، وهذا
إسناد جيد قوي ولم يخرجوه.
وقد روى يونس عن ابن إسحاق [ قال ] حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن
الصامت عن أبيه عن جده عبادة بن الصامت.
قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمع
والطاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكرهنا،
__________
(1) في البخاري " بدر أذكر " وفي نسخ البداية المطبوعة: " بدرا كثيرة "
وهو تحريف.
(2) من دلائل البيهقي 2 / 451.
(3) في الدلائل: محمد بن محمد بن محمش الفقيه.
(4) في البيهقي عبيد.
(5) في البيهقي: فحرقها.
(*)
(3/199)
وأثرة علينا
(1)، وأن لا ننازع الامر أهله، وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في
الله لومة لائم.
قال ابن إسحاق في حديثه عن معبد بن كعب عن أخيه عبد الله بن كعب بن
مالك.
قال: فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس
العقبة بأنفذ صوت سمعته قط ؟ يا أهل الجباجب - والجباجب المنازل - هل
لكم في مذمم والصباء معه قد اجتمعوا على حربكم.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا أزب العقبة، هذا ابن
أزيب " (2).
قال ابن هشام: ويقال ابن أزيب.
" أتسمع أي عدو الله ؟ أما والله لا تفرغن لك (3).
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ارفضوا إلى رحالكم " قال: فقال
العباس بن عبادة بن نضلة: يا رسول الله والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن
على أهل منى غدا بأسيافنا ؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم ".
قال فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا فيها حتى أصبحنا (4)، فلما أصبحنا غدت
علينا جلة قريش، حتى جاؤنا في منازلنا فقالوا: يا معشر الخزرج، إنه قد
بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه
على حربنا.
وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا، من أن تنشب الحرب بيننا
وبينهم منكم، قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون ما كان من هذا
شئ وما علمناه، قال: وصدقوا لم يعلموا، قال وبعضنا ينظر إلى بعض.
قال ثم قال القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وعليه
نعلان له جديدان (5)، قال فقلت له كلمة - كأني أريد أن أشرك القوم بها
فيما قالوا - يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من سادتنا مثل
نعلي هذا الفتى من قريش ؟ قال: فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى
بهما إلي.
قال: والله لتنتعلنهما، قال: يقول أبو جابر: مه، أحفظت والله الفتى
فاردد إليه نعليه.
قال: قلت والله لا أردهما، فأل والله صالح، لئن صدق الفأل لاسلبنه.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر أنهم أتوا عبد الله بن أبي
بن سلول فقالوا مثل ما ذكر كعب من القول فقال لهم إن هذا الامر جسيم ما
كان قومي ليتفرقوا (6) علي مثل هذا وما علمته كان.
قال فانصرفوا عنه.
قال ونفر الناس من منى فتنطس (7) القوم الخبر فوجدوه قد كان،
__________
(1) نقل الخبر البيهقي في الدلائل 2 / 452 وزاد هنا فيه: يقول - أي
النبي صلى الله عليه وسلم - وإن استوثر عليكم - تابع الوليد - وقومي
يلومونني على هذا الحرف.
(2) في النهاية لابن الاثير: هو شيطان اسمه: أزب الكعبة، وقيل الازب:
القصير الدميم.
(3) في ابن هشام: لافرعن لك.
(4) كذا في الاصل والسيرة، وفي رواية البيهقي: فرجعنا إلى رحالنا
فاضطجعنا على فرشنا.
(5) قال السهيلي: والنعل مؤنثة، ولكن لا يقال: جديدة في الفصيح من
الكلام، وإنما يقال: ملحفة جديدة.
قال سيبويه: قال جديدة، فإنما أراد معنى حديثة.
(6) في ابن هشام: ليتفوتوا علي بمثل هذا.
(7) التنطس: تدقيق النظر، وتنطس القوم الخبر: أكثروا البحث عنه.
(*)
(3/200)
فخرجوا في طلب
القوم فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر والمنذر بن عمرو أخا بني ساعدة بن
كعب بن الخزرج، وكلاهما كان نقيبا.
فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد بن عبادة فأخذوه فربطوا يديه إلى ؟
عنقه بنسع رحله ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته -
وكان ذا شعر كثير -.
قال سعد: فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش، فيهم رجل وضئ
أبيض، شعشاع، حلو من الرجال، فقلت في نفسي: إن يك عند أحد من القوم خير
فعند هذا.
فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة، فقلت في نفسي لا والله ما
عندهم بعد هذا من خير، فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى (1) لي
رجل ممن معهم.
قال: ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ؟ قال: قلت: بلى
والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم تجاره وأمنعهم ممن أراد ظلمهم
ببلادي.
وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس: فقال: ويحك فاهتف باسم
الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما، قال: ففعلت، وخرج ذلك الرجل إليهما
فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: إن رجلا من الخزرج الان
ليضرب بالابطح ليهتف بكما [ ويذكر أن بينه وبينكما جوار ]، قالا ومن هو
؟ قال: سعد بن عبادة.
قالا: صدق والله، إن كان ليجير لنا تجارنا، ويمنعهم أن يظلموا ببلده،
قال: فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم، فانطلق.
وكان الذي لكم سعدا سهيل بن عمرو.
قال ابن هشام: وكان الذي أوى له أبو البختري بن هشام (2).
وروى البيهقي بسنده عن عيسى بن أبي عيسى بن جبير (3) قال سمعت قريش
قائلا يقول في الليل على أبي قبيس: فإن يسلم السعدان يصبح محمد * بمكة
لا يخشى خلاف المخالف فلما أصبحوا قال أبو سفيان من السعدان أسعد بن
بكر أم سعد بن هذيم (4) ؟ فلما كانت الليلة الثانية سمعوا قائلا يقول:
أيا [ يا ] سعد سعد الاوس كن أنت ناصرا * ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا * على الله في الفردوس منية عارف فإن ثواب
الله للطالب الهدى * جنان من الفردوس ذات رفارف فلما أصبحوا قال أبو
سفيان: هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.
__________
(1) أوى لي: رحمني ورق لي.
(2) سيرة ابن هشام: ج 2 / 93.
(3) الخبر في دلائل البيهقي وفيه عن: عبد الحميد بن أبي عيسى بن خير -
كذا قال الكلبي - وهو عبد الحميد بن أبي عبس بن محمد بن خير.
والخبر أخرجه ابن أبي الدنيا، والخرائطي.
(4) قال السهيلي في الروض الآنف 1 / 272: فحسبوا أنه يريد بالسعدين
القبيلتين: سعد هذيم من قضاعة، وسعد بن زيد بن تميم.
(3/201)
فصل
قال ابن إسحاق: فلما رجع الانصار الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليلة العقبة الثانية إلى المدينة أظهروا الاسلام بها.
وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك منهم، عمرو بن الجموح
بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة، وكان ابنه معاذ بن عمرو
ممن شهد العقبة [ وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ]، وكان عمرو
بن الجموح من سادات بني سلمة وأشرافهم، وكان قد اتخذ صنما من خشب في
داره يقال له مناة (1) كما كانت الاشراف يصنعون، تتخذه إلها يعظمه
ويظهره، فلما أسلم فتيان بني سلمة، ابنه معاذ، ومعاذ بن جبل كانوا
يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك، فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني
سلمة وفيها عذر الناس منكسا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم من
عدا على إلهنا هذه الليلة ؟ ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطيبه
وطهره ثم قال: أما والله لو أعلم من فعل بك هذا لاخزينه.
فإذا أمسى ونام عمرو عدوا عليه، ففعلوا مثل ذلك، فيغدو فيجده في مثل ما
كان فيه من الاذى، فيغسله ويطيبه ويطهره، ثم يعدون عليه إذا أمسى
فيفعلون به مثل ذلك، فلما أكثروا عليه، استخرجه من حيث ألقوه يوما،
فغسله وطهره وطيبه.
ثم جاء بسيفه فعلقه عليه، ثم قال له: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما
أرى، فإن كان فيك خير فامتنع، هذا السيف معك.
فلما أمسى ونام عمرو عدوا عليه، فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلبا
ميتا فقرنوه به بحبل، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة، فيها عذر من
عذر الناس وغدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به، فخرج
يتبعه حتى إذا وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت، فلما رآه أبصر
شأنه وكلمه من أسلم من [ رجال ] قومه فأسلم برحمة الله، وحسن إسلامه،
فقال حين أسلم، وعرف من الله ما عرف، وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من
أمره ويشكر الله الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة ويقول:
والله لو كنت إلها لم تكن * أنت وكلب وسط بئر في قرن اف لملقاك إلها
مستدن * الآن فتشناك عن سوء الغبن (2) الحمد لله العلي ذي المنن *
الواهب الرزاق ديان الدين (3)
هو الذي أنقذني من قبل أن * أكون في ظلمة قبر مرتهن
__________
(1) مناة: مأخوذ من قولك: منيت الدم وغيره، إذا صببته، لان الدماء كانت
تمنى عنده تقربا إليه، ومنه سميت الاصنام الدمى.
(2) مستدن: مستدن، من السدانة، وهي خدمة البيت وتعظيمه، قاله السهيلي،
وقال أبو ذر في شرح السيرة: المستدن: الذليل.
(3) قال السهيلي: الدين: في قوله ديان الدين: جمع دينة وهي العادة.
ويجوز أن يكون أراد: الاديان أي هو ديان أهل الاديان، وجمعها على الدين
لانها ملل ونحل كما قالوا في جمع حرة: حرائر.
(*)
(3/202)
فصل يتضمن أسماء من شهد بيعة العقبة الثانية ثلاثة وسبعون رجلا
وامرأتان
(1) فمن الاوس أحد عشر رجلا، أسيد بن حضير أحد النقباء [ لم يشهد بدرا
]، وأبو الهيثم بن التيهان بدري أيضا (2)، وسلمة بن سلامة بن وقش بدري،
وظهير بن رافع، وأبو بردة بن دينار (3) بدري، ونهير بن الهيثم بن نابي
بن مجدعة بن حارثة، وسعد بن خيثمة أحد النقباء بدري وقتل بها شهيدا،
ورفاعة بن عبد المنذر بن زنير (4) نقيب بدري، وعبد الله بن جبير بن
النعمان بن أمية بن البرك بدري، وقتل يوم أحد شهيدا أميرا على الرماة،
ومعن بن عدي بن الجد بن عجلان بن الحارث (5) بن ضبيعة البلوي حليف
للاوس شهد بدرا وما بعدها وقتل باليمامة شهيدا، وعويم بن ساعدة شهد
بدرا وما بعدها.
ومن الخزرج اثنان وستون رجلا، أبو أيوب خالد بن زيد وشهد بدرا وما
بعدها ومات بأرض الروم زمن معاوية شهيدا، ومعاذ بن الحارث وأخواه عوف
ومعوذ وهم بنو عفراء بدريون، وعمارة بن حزم شهد بدرا وما بعدها وقتل
باليمامة، وأسعد بن زرارة أبو أمامة أحد النقباء مات قبل بدر، وسهل بن
عتيك بدري، وأوس بن ثابت بن المنذر بدري، وأبو طلحة زيد بن سهل بدري،
وقيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن
كان أميرا على الساقة يوم بدر،
وعمرو بن غزية، وسعد بن الربيع أحد النقباء شهد بدرا وقتل يوم أحد،
وخارجة بن زيد شهد بدرا وقتل يوم أحد، وعبد الله بن رواحة أحد النقباء
شهد بدرا وأحدا والخندق، وقتل يوم مؤتة أميرا، وبشير بن سعد بدري، وعبد
الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه (6) الذي أري النداء [ للصلاة ] وهو
بدري، وخلاد بن سويد بدري أحدي خندقي وقتل يوم بني قريظة شهيدا،
__________
(1) رتب ابن هشام في السيرة أسماءهم على حسب القبائل 2 / 97 - 99
ورتبهم الصالحي في السيرة الشامية أبجديا على الاحرف 3 / 293.
(2) يعني أن أسيد حضر بدرا، ولكن أسيد بن حضير لم يشهد بدرا وتخلف هو
وغيره من أگابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من النقباء وغيرهم
عن بدر، وشهد أحد والخندق والمشاهد كلها.
(3) كذا في الاصل وفي نسخة لابن هشام وهو تحريف والصواب: أبو بردة بن
نيار، واسمه هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب..بن الحاف بن قضاعة
كما في سيرة ابن هشام والاستيعاب والقاموس مادة (نير).
(4) في ابن هشام: زنبر، وفي الاستيعاب: زبير.
(5) في ابن هشام: حارثة.
(6) في ابن هشام والاستيعاب: بن عبد الله بن زيد مناة بن الحارث بن
الخزرج.
(*)
(3/203)
طرحت عليه رحى
فشدخته فيقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن له لاجر
شهيدين وأبو مسعود عقبة بن عمرو البدري قال ابن إسحاق: وهو أحدث من شهد
العقبة سنا ولم يشهد بدرا (1)، وزياد بن لبيد (2) بدري، وفروة بن عمرو
بن وذفة (3)، وخالد بن قيس بن مالك بدري، ورافع بن مالك أحد النقباء،
وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق، وهو الذي يقال له
مهاجري أنصاري لانه أقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حتى
هاجر منها وهو بدري قتل يوم أحد، وعباد بن قيس بن عامر بن خالد (4) بن
عامر بن زريق بدري، وأخوه الحارث بن قيس بن عامر بدري أيضا، والبراء بن
معرور أحد النقباء وأول من بايع فيما تزعم بنو سلمة وقد مات قبل مقدم
النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأوصى له بثلث ماله فرده رسول الله
صلى الله عليه وسلم على ورثته، وابنه بشر بن
البراء وقد شهد بدرا وأحدا والخندق ومات بخيبر شهيدا من أكله مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم من تلك الشاة المسمومة رضي الله عنه، وسنان بن
صيفي بن صخر بدري (5)، والطفيل بن النعمان بن خنساء بدري، قتل يوم
الخندق، ومعقل بن المنذر بن سرح بدري، وأخوه يزيد بن المنذر بدري،
ومسعود بن زيد (6) بن سبيع، والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بدري،
ويزيد بن خذام (7) بن سبيع، وجبار بن صخر [ بن أمية ] بن خنساء بن سنان
بن عبيد بدري، والطفيل بن مالك بن خنساء بدري، وكعب بن مالك (8)، وسليم
بن عامر (9) بن حديدة بدري وقطبة بن عامر بن حديدة بدري، وأخوه أبو
المنذر يزيد بدري أيضا، وأبو اليسر كعب بن عمرو بدري، وصيفي بن سواد بن
عباد، وثعلبة بن غنمة بن عدي بن نابي (10) بدري واستشهد بالخندق،
__________
(1) خرج في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب بفدك في صفر سنة
ثمان من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم (الطبقات: 2 / 126).
(2) شهد زياد أحد والخندق والمشاهد كلها، واستعمله النبي صلى الله عليه
وسلم على حضرموت، ومات زياد في خلافة معاوية بن أبي سفيان.
(3) قال ابن هشام ودفة كما في الاصل.
وفي سيرة ابن هشام وذفة، قال السهيلي: ودفة وهو الاصح..وعمرو بن ودفة
هذا هو البياضي.
وذكره أبو ذر ودفة وكذلك ذكره صاحب العين بالدال المهملة، وفي الاشتقاق
لابن دريد وذفة بالذال.
(4) في نسخة ابن هشام - محققة - خلدة.
وأشار محققه إلى أن الاصول: خالد.
وفي طبقات ابن سعد: خالد.
شهد عباد وأخوه الحارث بدرا وأحدا.
وشهد الحارث الخندق وشهد اليمامة وجرح ومات في خلافه عمر.
(5) قتل يوم الخندق شهيدا.
(6) في ابن هشام: يزيد.
(7) في ابن هشام والاستيعاب: حرام.
(8) شهد تبوك، ولم يشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها، بقي إلى زمن معاوية
ومات سنة 50 ه.
(9) في ابن هشام: عمرو في المكانين، ويقال عامر.
(10) في الاستيعاب: هانئ.
(*)
(3/204)
وأخوه عمرو بن
غنمة بن عدي، وعبس بن عامر بن عدي بدري، وخالد بن عمرو بن عدي بن نابي،
وعبد الله بن أنيس حليف لهم من قضاعة، وعبد الله بن عمرو بن حرام أحد
النقباء بدري واستشهد يوم أحد، وابنه جابر بن عبد الله، ومعاذ بن عمرو
بن الجموح بدري وثابت بن الجذع بدري وقتل شهيدا بالطائف، وعمير (1) بن
الحارث بن ثعلبة بدري، وخديج بن سلامة (2) حليف لهم من بلى، ومعاذ بن
جبل شهد بدرا وما بعدها ومات بطاعون عمواس (3) في خلافة عمر بن الخطاب،
وعبادة بن الصامت أحد النقباء شهد بدرا وما بعدها، والعباس بن عبادة بن
نضلة وقد أقام بمكة حتى هاجر منها فكان يقال له مهاجري أنصاري أيضا
وقتل يوم أحد شهيدا، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة (4) بن
أصرم حليف لهم [ من بني غصينة ] من بلى، وعمرو بن الحارث بن كندة (5)،
ورفاعة بن عمرو بن زيد بدري ! وعقبة بن وهب بن كلدة حليف لهم (6) بدري
وكان ممن خرج إلى مكة فأقام بها حتى هاجر منها فهو ممن يقال له مهاجري
أنصاري أيضا، وسعد بن عبادة بن دليم أحد النقباء (7)، والمنذر بن عمرو
نقيب بدري أحدي وقتل يوم بئر معونة أميرا وهو الذي يقال له أعتق ليموت،
وأما المرأتان فأم عمارة نسيبة (8) بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن
عمرو بن غنم بن مازن بن النجار المازنية النجارية.
قال ابن إسحاق: وقد كانت شهدت الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وشهدت معها أختها وزوجها زيد بن عاصم بن كعب، وابناها حبيب (9) وعبد
الله، وابنها خبيب هذا هو الذي قتله مسيلمة الكذاب حين جعل يقول له
أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ فيقول نعم، فيقول أتشهد أني رسول الله ؟
فيقول لا أسمع فجعل يقطعه عضوا عضوا حتى مات في يديه لا يزيده على ذلك،
فكانت أم عمارة ممن خرج إلى اليمامة مع المسلمين حين قتل مسيلمة ورجعت
وبها اثني عشر جرحا من بين طعنة
__________
(1) قال ابن هشام: هو عمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة وهو كذلك في
رواية موسى بن عقبة، أما في الطبقات
فكالاصل.
وشهد بدرا وأحدا.
(2) قال الطبري شهد العقبة ولم يشهد بدرا وكان يكنى أبا رشيد.
(3) عمواس: بكسر أوله وسكون الثاني، أو بفتح ثانيه، قرية بفلسطين قرب
بيت المقدس (معجم البلدان).
(4) خزمة: بسكون الزاي عند ابن اسحاق وابن الكلبي، وبتحريكها عند
الطبري.
(5) في ابن هشام: لبدة بن عمرو بن ثعلبة.
(6) أي لبني سالم بن غنم.
(7) استعد للخروج إلى بدر فنهش قبل أن يخرج فلم يشهد بدرا، وشهد أحدا
والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مهاجرا إلى
الشام في أول خلافة عمر بن الخطاب ومات بحوران - لسنتين ونصف من خلافة
عمر - سنة خمس عشرة، وقيل مات في خلافة أبي بكر سنة إحدى عشرة (طبقات
ابن سعد 3 / 616).
(8) أسلمت وحضرت ليلة العقبة وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وشهدت
أحدا والحديبية وعمرة القضية وحنينا واليمامة وقطعت يدها وقد ضربها ابن
قميئة على عاتقها.
(9) من ابن هشام وابن سعد، وفي الاصل خبيب وهو تحريف.
(*)
(3/205)
وضربة رضي الله عنها، والاخرى أم منيع أسماء ابنة عمرو بن عدي [ بن
سنان ] (1) بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة رضي الله
عنها. |