البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
فصل في إسلام عبد الله بن سلام
قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا عوف، عن زرارة، عن عبد الله
بن سلام.
قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس، فكنت
فيمن انجفل، فلما تبينت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب.
فكان أول شئ سمعته يقول: " [ يا أيها الناس ] (2) افشوا السلام وأطعموا
__________
(1) مسند أحمد ج 3 / 422.
(2) من دلائل البيهقي (*).
(3/255)
الطعام [ وصلوا
الارحام ] (1) وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام " (2)
ورواه الترمذي وابن ماجه من طرق عن عوف الاعرابي عن زرارة بن أبي أوفى
به عنه.
وقال الترمذي صحيح.
ومقتضى هذا السياق يقتضي أنه سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ورآه أول
قدومه حين أناخ بقباء في بني عمرو بن عوف.
وتقدم في رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس أنه اجتمع به حين أناخ عند
دار أبي أيوب عند ارتحاله من قباء إلى دار بني النجار كما تقدم، فلعله
رآه أول ما رآه بقباء، واجتمع به بعد ما صار إلى دار بني النجار.
والله أعلم.
وفي سياق البخاري من طريق عبد العزيز عن أنس.
قال: فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال
أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم
وأعلمهم وابن أعلمهم فأدعهم فسلهم عني قبل أن يعلموا
أني قد أسلمت فإنهم إن يعلموا اني قد أسلمت قالوا في ما ليس في.
فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود فدخلوا عليه.
فقال لهم: " يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا
هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق فأسلموا " قالوا ما
نعلمه.
قالوا [ ذلك ] للنبي صلى الله عليه وسلم قالها ثلاث مرار.
قال: " فأي رجل فيكم عبد الله (3) بن سلام ؟ قالوا ذاك سيدنا وابن
سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا.
قال: أفرأيتم إن أسلم، قالوا حاش لله ما كان ليسلم (4).
قال: " يا ابن سلام اخرج عليهم " فخرج فقال: يا معشر يهود اتقوا الله
فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بالحق.
فقالوا: كذبت.
فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (5).
هذا لفظه.
وفي رواية (6) فلما خرج عليهم شهد شهادة الحق قالوا: شرنا وابن شرنا،
وتنقصوه فقال: يا رسول الله هذا الذي كنت أخاف.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا الاصم حدثنا محمد بن
إسحاق الصنعاني (7) ثنا عبد الله بن أبي بكر، ثنا حميد.
عن أنس.
قال: سمع عبد الله بن سلام
__________
(1) من المسند.
(2) رواه أحمد في المسند 5 / 451، والترمذي في الزهد باب حديث افشوا
السلام..عن محمد بن بشار عن عبد الوهاب الثقفي، وغندر وابن أبي عدي
ويحيى بن سعيد أربعتهم عن عوف بن أبي جميلة.
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الصلاة - باب ما جاء في قيام الليل عن بندار،
وفي أول كتاب الاطعمة عن أبي بكر بن أبي شيبة.
والبيهقي في الدلائل 2 / 531 من طريق يعقوب بن سفيان، ومن طريق علي بن
أحمد بن عبدان.
كلاهما عن عوف.
(3) في ابن هشام: الحصين بن سلام.
(4) في الصحيح كررت العبارة: حاش لله ماكان ليسلم ثلاث مرات مؤكدا
عليهم.
(5) أخرجه البخاري في 63 كتاب مناقب الانصار 45 باب هجرة النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة ح 3911 ورواه البيهقي من طريق عبد
الوارث عن ابن صهيب عن أنس 2 / 526.
(6) في رواية حميد الطويل عن أنس.
ونقلها البيهقي في الدلائل 2 / 528.
(7) في دلائل البيهقي: الصغاني.
(*)
(3/256)
بقدوم النبي
صلى الله عليه وسلم.
- وهو في أرض له - فأتى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال إني سائلك عن
ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله (1)
أهل الجنة ؟ وما بال الولد إلى أبيه أو إلى أمه (2) ؟ قال: " أخبرني
بهن جبريل آنفا " قال جبريل ؟ قال: " نعم ! " قال: عدو اليهود من
الملائكة.
ثم قرأ: " من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك باذن الله) [ البقرة:
97 ] قال: " أما أول أشراط الساعة: فنار تخرج على الناس من المشرق
تسوقهم (3) إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت،
وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد [ إلى أبيه ] (4)،
وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد " فقال.
أشهد أن لا إله إلا الله أو (و) أنك رسول الله.
يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وأنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم
عني بهتوني.
فجاءت اليهود.
فقال: " أي رجل عبد الله [ بن سلام ] (5) فيكم ؟ " قالوا خيرنا وابن
خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا.
قال: " أرأيتم إن أسلم ؟ " قالوا أعاذه الله من ذلك.
فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول
الله.
قالوا: شرنا وابن شرنا وانتقصوه.
قال هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.
ورواه البخاري عن عبد بن منير (6) عن عبد الله بن أبي بكر به ورواه عن
حامد بن عمر عن بشر بن المفضل عن حميد به.
قال محمد إبن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله عن
رجل من آل عبد الله بن سلام: قال: كان من حديث عبد الله بن سلام حين
أسلم - وكان حبرا عالما -.
قال: لما سمعت برسول الله وعرفت صفته واسمه وهيئته و [ زمانه ] الذي
كنا نتوكف له، فكنت بقباء مسرا بذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله صلى
الله عليه وسلم، المدينة فلما قدم نزل بقباء في بني عمرو بن عوف.
فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي
خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى
الله عليه وسلم كبرت، فقالت [ لي ] عمتي حين سمعت تكبيري: لو كنت سمعت
بموسى بن عمران ما زدت، قال: قلت لها: أي عمة.
والله هو أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به.
قال فقالت له: يا ابن أخي أهو الذي كنا
نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة ؟ قال: قلت لها: نعم ! قالت فذاك إذا.
قال فخرجت إلى
__________
(1) سقطت من البيهقي.
(2) عبارة البيهقي: وما ينزع الولد إلى أبيه وإلى أمه.
(3) سقطت من البيهقي، وفي الصحيح: تحشرهم.
(4) من البيهقي.
(5) سقطت من الاصل والبيهقي واستدركت من الصحيح.
(6) أخرجه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة البقرة 6 باب فتح
الباري 8 / 165 عن عبد الله بن منير، ولعله تحريف من الناسخ والصواب
عبد بن حميد.
ورواه في 63 كتاب مناقب الانصار 51 باب حدثني حامد بن عمر فتح الباري 7
/ 272.
(*)
(3/257)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم
فأسلموا وكتمت إسلامي من اليهود وقلت (1): يا رسول الله إن اليهود قوم
بهت، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك فتغيبني عنهم، ثم تسألهم عني
فيخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي، فإنهم إن يعلموا بذلك
بهتوني وعابوني، وذكر نحو ما تقدم.
قال فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث [
فحسن إسلامها ] (2).
وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر حدثني
محدث عن صفية بنت حيي قالت: لم يكن أحد من ولد أبي وعمي أحب إليهما
مني، لم ألقهما في ولد لهما قط اهش إليهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء - قرية بني عمرو بن عوف - غدا إليه
أبي وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين، فوالله ماجاآنا إلا مع مغيب الشمس.
فجاآنا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا، فهششت إليهما كما كنت
أصنع فوالله ما نظر إلي واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لابي: أهو
هو ؟ قال: نعم والله ! قال تعرفه بنعته وصفته ؟ قال نعم والله ! قال:
فماذا في نفسك منه ؟ قال عداوته والله ما بقيت (3).
وذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن أبا ياسر بن أخطب حين قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب إليه
وسمع منه وحادثه ثم رجع إلى قومه فقال: يا قوم أطيعون فإن الله قد
جاءكم بالذي كنتم تنتظرون، فاتبعوه ولا تخالفوه فانطلق أخوه حيي بن
أخطب - وهو يومئذ سيد اليهود، وهما من بني النضير - فجلس إلى رسول الله
وسمع منه، ثم رجع إلى قومه - وكان فيهم مطاعا - فقال: أتيت من عند رجل
والله لا أزال له عدوا أبدا.
فقال له أخوه أبو ياسر يا ابن أم أطعني في هذا الامر واعصني فيما شئت
بعده لا تهلك، قال لا والله لا أطيعك أبدا، واستحوذ عليه الشيطان
واتبعه قومه على رأيه.
قلت: أما أبو ياسر واسمه وأما حيي بن أخطب فلا أدري ما آل إليه أمره،
وأما حيي بن أخطب والد صفية بنت حيي فشرب عداوة النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه، ولم يزل ذلك دأبه لعنه الله حتى قتل صبرا بين يدي رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل مقاتلة بني قريظة كما سيأتي، إن شاء
الله. |