البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
مقتل أبي جهل لعنه الله
قال ابن هشام: وأقبل أبو جهل يومئذ يرتجز [ وهو يقاتل ] ويقول:
ما تنقم الحرب العوان مني * بازل عامين حديث سني لمثل هذا ولدتني أمي
قال ابن إسحاق: ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه، أمر
بأبي جهل أن يلتمس في القتلى،
__________
(1) أي جعلونا في حلقة كالسوار وأحدقوا بنا.
(2) في الواقدي، قتله خبيب بن يساف، وقد ضرب أمية خبيت حتى قطع يده من
المنكب، وتزوج خبيب بابنة أمية بعد مقتله.
1 / 83.
(*)
(3/350)
وكان أول من
لقي أبا جهل كما حدثني ثور بن زيد (1) عن عكرمة، عن ابن عباس وعبد الله
بن أبي بكر أيضا قد حدثني ذلك قالا.
قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة: سمعت القوم وأبو جهل في مثل
الحرجة (2) وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، فلما سمعتها جعلته من
شأني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف
ساقه، فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى
(3) حين يضرب بها، قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت
بجلدة من جنبي، واجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لاسحبها
خلفي فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها.
قال ابن إسحاق: ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان.
ثم مر بأبي جهل - وهو عقير - معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته، وتركه وبه
رمق.
وقاتل معوذ (4) حتى قتل، فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى وقد قال لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم - فيما بلغني - أنظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر
جرح في ركبته فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبدالله بن جدعان
ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش (5) في
أحدهما جحشا لم يزل أثره به.
قال ابن مسعود: فوجدته بآخر رمق فعرفته.
فوضعت رجلي على عنقه.
قال وقد كان ضبث بي مرة بمكة فأذاني ولكزني ثم قلت له: هل أخزاك الله
يا عدو الله ؟ قال وبماذا أخزاني ؟ قال: أعمد من رجل قتلتموه (6)
أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ قال: قلت لله
ولرسوله.
قال ابن إسحاق: وزعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول: قال لي:
لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم، قال: ثم احتززت رأسه ثم جئت به
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:
__________
(1) في السيرة: ابن يزيد.
(2) قال ابن هشام: الحرجة الشجر الملتف.
وفي الحديث عن عمر بن الخطاب: أنه سأل أعرابيا عن الحرجة، فقال: هي
شجرة من الاشجار لا يوصل إليها.
(السيرة 2 / 287).
(3) مرضخة: جمعها مراضخ، والمرضخة حجر يرضخ به النوى أي يكسر.
عن النهاية.
(4) ذكر السهيلي الغلامين اللذين قتلا أبا جهل معاذ بن عمرو بن الجموح
ومعوذ بن عفراء، وفي مسلم أنهما: معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن
الجموح.
وفي رواية ابن إدريس عن ابن إسحاق كما في رواية مسلم.
وقال أبو عمرو: أن ابني عفراء قتلاه عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه
أنس.
وقال الواقدي: قتله معاذ بن عمرو بن الجموح.
وفي رواية أخرى عنده: قتله ابنا الحارث.
وهما ابنا عفراء.
(5) جحش جحشا أي خدش خدشا،.
وفي الصحاح: الجحش: سحج الجلد اي قشره (الصحاح)، وفي الاصل: حجش.
(6) أعمد من رجل قتلتموه ويقال: أعمد من رجل قتله قومه قال ابن هشام:
أي ليس عليه عار إن قتلتموه أو قتله قومه.
وقال أبو ذر: يريد: أكبر من رجل قتلتموه على سبيل التحقير منه لفعلهم
به.
(3/351)
يا رسول الله
هذا رأس عدوالله.
فقال: " الله الذي لا إله غيره ؟ ".
وكان يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت نعم ! والله الذي لا إله
غيره ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله.
هكذا ذكر ابن إسحاق رحمه الله.
وقد ثبت في الصحيحين (1) من طريق يوسف بن يعقوب بن الماجشون، عن صالح
بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف.
قال: إني لواقف يوم بدر في الصف فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين
غلامين من الانصار حديثة أسنانهما، فتمنيت أن أكون بين اظلع منهما
فغمزني أحدهما فقال: يا عم أتعرف أبا جهل ؟ فقلت
نعم وما حاجتك إليه ؟ قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الاعجل منا
فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي أيضا مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى
أبي جهل وهو يجول في الناس فقلت ألا تريان ؟ هذا صاحبكم الذي تسألان
عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فأخبراه فقال: " أيكما قتله ".
قال كل منهما أنا قتلته.
قال: هل مسحتما سيفيكما ؟ " قالا: لا.
قال فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في السيفين فقال: " كلاهما قتله "
وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح - والآخر معاذ بن عفراء.
وقال البخاري حدثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن
جده.
قال: قال عبد الرحمن: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن
يساري فتيان حديثا السن فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرا من
صاحبه: يا عم أرني أبا جهل، فقلت يا ابن أخي ما تصنع به ؟ قال عاهدت
الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه، وقال لي الآخر سرا من صاحبه
مثله، قال فما سرني أنني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما إليه فشدا عليه
مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء.
وفي الصحيحين أيضا: من حديث أبي (2) سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ينظر ماذا صنع أبو جهل " قال
ابن مسعود: أنا يا رسول الله فانطلق فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد.
قال: فأخذ بلحيته قال فقلت: أنت أبو جهل ؟ فقال وهل فوق رجل قتلتموه -
أو قال قتله قومه (3) - وعند البخاري: عن أبي أسامة عن إسماعيل بن قيس
(4) عن ابن مسعود أنه أتى أبا جهل فقال: هل أخزاك الله ؟ فقال: هل أعمد
من رجل قتلتموه.
وقال الاعمش عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال انتهيت إلى أبي
جهل وهو
__________
(1) أخرجه البخاري عن مسدد في كتاب الخمس - باب من لم يخمس الاسلاب.
وأخرجه أيضا في المغازي عن ابن المديني ويعقوب بن إبراهيم.
وأخرجه مسلم في 32 كتاب الجهاد 13 باب ح 32 ص 1372.
عن يحيى بن يحيى.
(2) في البخاري والبيهقي: سليمان.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي 8 باب قتل أبي جهل فتح الباري 7 /
293 وفيه عن سليمان التيمي.
ورواه
مسلم في كتاب الجهاد والسير - باب قتل أبي جهل 3 / 1425.
(4) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 8 باب قتل أبي جهل ح 3961 فتح
الباري 7 / 293.
وفيه: عن أبي أمامة عن اسماعيل عن قيس عن ابن مسعود.
وليس كما في الاصل: اسماعيل بن قيس فهو تحريف.
(*)
(3/352)
صريع وعليه
بيضة ومعه سيف جيد.
ومعي سيف ردئ فجعلت أنقف رأسه بسيفي وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة حتى
ضعفت يده فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال: على من كانت الدائرة لنا أو علينا
ألست رويعينا بمكة ؟ قال: فقتلته، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم
فقلت قتلت أبا جهل، فقال الله الذي لا إله إلا هو ؟ فاستحلفني ثلاث
مرات ثم قام معي إليهم فدعا عليهم (1).
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة
قال: قال عبد الله انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو يذب
الناس عنه بسيف له، فقلت الحمد لله الذي أخزاك الله يا عدو الله.
قال: هل هو إلا رجل قتله قومه، فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت
يده فندر (2) سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته قال ثم خرجت حتى أتيت النبي
صلى الله عليه وسلم كأنما أقل من الارض فأخبرته فقال " الله الذي لا
إله إلا هو ؟ " فرددها ثلاثا، قال: قلت الله الذي لا إله إلا هو قال
فخرج يمشي معي حتى قام عليه فقال: " الحمد لله الذي قد أخزاك الله يا
عدو الله هذا كان فرعون هذه الامة " وفي رواية أخرى قال ابن مسعود
فنفلني سيفه.
وقال أبو إسحاق الفزاري عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن
مسعود قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقلت: قد قتلت
أبا جهل فقال: " الله الذي لا إله إلا هو ؟ " فقلت الله الذي لا إله
إلا هو مرتين - أو ثلاثا - قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الله
أكبر الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده " ثم قال: "
انطلق فأرنيه " فانطلقت فأريته فقال: " هذا فرعون هذه الامة " (3).
ورواه أبو داود والنسائي من حديث أبي إسحاق السبيعي به.
وقال الواقدي وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصرع ابني عفراء
فقال: " رحم الله ابني عفراء فهما شركاء في قتل فرعون هذه الامة ورأس
أئمة الكفر " فقيل يا رسول الله ومن قتله معهما ؟ قال " الملائكة وابن
مسعود قد شرك في قتله " رواه البيهقي (4).
وقال البيهقي أخبرنا الحاكم، أخبرنا الاصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار
حدثنا يونس بن بكير عن عنبسة بن الازهر عن أبي إسحاق قال: لما جاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم البشير يوم بدر بقتل أبي جهل استحلفه ثلاثة
أيمان بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته قتيلا ؟ فحلف له فخر رسول
الله صلى الله عليه وسلم ساجدا.
ثم روى البيهقي من طريق أبي نعيم، عن سلمة بن رجاء، عن الشعثاء - امرأة
من بني أسد (5) - عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلى ركعتين حين بشر بالفتح وحين جئ
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 3 / 88.
(2) ندر: سقط.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 3 / 88 وأبو داود في كتاب الجهاد 142 عن
محمد بن العلاء عن إبراهيم بن يوسف بن أبي اسحاق عن أبيه..والنسائي في
السير - في السنن الكبرى - تحفة الاشراف 7 / 162.
(4) دلائل النبوة ج 3 / 89 عن الواقدي، والخبر في المغازي 1 / 91.
(5) دلائل النبوة ج 3 / 89 وفيه قالت: دخل علي عبد الله بن أبي أوفى،
فرأيته صلى الضحى ركعتين فقالت له = (*)
(3/353)
برأس أبي جهل.
وقال ابن ماجه حدثنا أبو بشر بكر بن خلف حدثنا سلمة بن رجاء قال حدثتني
شعثاء عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى
يوم بشر برأس أبي جهل ركعتين.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبي، حدثنا هشام (1) أخبرنا مجالد، عن
الشعبي أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني مررت ببدر
فرأيت رجلا يخرج من الارض فيضربه رجل بمقمعة معه حتى يغيب في الارض ثم
يخرج فيفعل به مثل ذلك مرارا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى
يوم القيامة " (2).
وقال الاموي في مغازيه: سمعت أبي، ثنا المجالد بن سعيد عن عامر قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال إني رأيت رجلا جالسا
في بدر ورجل يضرب رأسه بعمود من حديد حتى يغيب في الارض، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " ذاك أبو جهل وكل به ملك يفعل به كلما خرج
فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة " وقال البخاري حدثنا عبيد بن
إسماعيل، ثنا
أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه قال قال الزبير: لقيت يوم بدر عبيدة بن
سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وهو يكنى أبا ذات الكرش،
فقال أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه بعنزة فطعنته في عينه فمات قال
هشام فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد أن
نزعتها، وقد انثنى طرفاها، قال عروة فسأله إياها رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأعطاه إياها، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها
ثم طلبها أبو بكر فأعطاه إياها، فلما قبض أبو بكر سألها إياه عمر بن
الخطاب فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها ثم طلبها عثمان منه فأعطاه
إياها، فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير
فكانت عنده حتى قتل.
وقال ابن هشام حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي أن عمر بن
الخطاب قال لسعيد بن العاص - ومر به - إني أراك كأن في نفسك شيئا أراك
تظن أني قتلت أباك إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله، ولكني قتلت
خالي العاص بن هشام بن المغيرة فأما أبوك فإني مررت به وهو يبحث بحث
الثور بروقه فحدث عنه وقصد له ابن عمه علي فقتله (3).
قال ابن إسحاق وقاتل عكاشة بن محصن بن حرثان الاسدي حليف بني عبد شمس
يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأعطاه جذلا (4) من حطب فقال: " قاتل بهذا يا عكاشة " فلما أخذه من
رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد سيفا في يده طويل القامة شديد
المتن أبيض
__________
= امرأته: إنك صليت ركعتين فقال..وذكر تمام الحديث.
(1) في البيهقي: هشيم.
(2) الخبر في دلائل البيهقي 3 / 90، ونقله الصالحي في السيرة الشامية 4
/ 80 وعزاه لابن أبي الدنيا في كتاب " من عاش بعد الموت " عن الشعبي.
(3) سيرة ابن هشام 2 / 290 ورواه الواقدي في المغازي 1 / 92 وقال في
أوله: وأقبل العاص بن سعيد يحث للقتال، فالتقى هو وعلي فقتله علي.
(4) في الواقدي: عودا.
(*)
(3/354)
الحديدة، فقاتل
به حتى فتح الله على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى: العون.
ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
قتله طليحة الاسدي أيام الردة، وأنشد طليحة في ذلك قصيدة منها قوله:
عشية غادرت ابن أقرم ثاويا * وعكاشة الغنمي عند مجال (1) وقد أسلم بعد
ذلك طليحة كما سيأتي بيانه.
قال ابن إسحاق: وعكاشة هو الذي قال حين بشر رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمته بسبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب أدع الله أن
يجعلني منهم قال: " اللهم اجعله منهم " وهذا الحديث مخرج في الصحاح
والحسان وغيرهما.
قال ابن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - "
منا خير فارس في العرب " قالوا ومن هو يا رسول الله ؟ قال " عكاشة بن
محصن " فقال ضرار بن الازور: ذاك رجل منا يا رسول الله، قال ليس منكم
ولكنه منا للحلف.
وقد روى البيهقي عن الحاكم من طريق محمد بن عمر الواقدي: حدثني عمر بن
عثمان الخشني (2) عن أبيه عن عمته قالت: قال عكاشة بن محصن: انقطع سيفي
يوم بدر فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا فإذا هو سيف أبيض
طويل، فقاتلت به حتى هزم الله المشركين، ولم يزل عنده حتى هلك.
وقال الواقدي وحدثني أسامة بن زيد عن داود بن الحصين عن رجال من بني
عبد الاشهل عدة قالوا: انكسر سيف سلمة بن حريش يوم بدر فبقي أعزل لا
سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من
عراجين ابن طاب (3) فقال: اضرب به فإذا سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل
يوم جسر أبي عبيد (4).
رده عليه السلام عين قتادة قال البيهقي في الدلائل: أخبرنا أبو سعد
الماليني، أخبرنا أبو أحمد [ عبد الله ] بن عدي حدثنا أبو يعلى حدثنا
يحيى الحماني ثنا عبد العزيز (5) بن سليمان بن الغسيل عن عاصم بن عمر
بن
__________
(1) ابن أقرم: قال ابن هشام: هو ثابت ابن أقرم الانصاري وانظر الخبر في
سيرة ابن هشام 2 / 290 ومغازي الواقدي 1 / 93.
(2) في البيهقي والواقدي: الجحشي.
(3) ابن طاب: ضرب من الرطب.
وعراجين: جمع عرجون.
والعرجون: العذق أو إذا يبس واعوج.
(4) من ابن سعد، وفي الاصل أبي عبيدة وهو تحريف.
والخبران في المغازي الواقدي 1 / 93 والبيهقي في الدلائل 3 / 99 عنه.
- وعكاشة بن محصن بن حرثان من السابقين الاولين شهد بدرا له ترجمة في
الاصابة 2 / 492.
- سلمة بن أسلم بن حريس بن عدي بن مجدعة بن حارثة، يكنى أبا سعد.
شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها قتل يوم جسر أبي عبيد سنة 14 ه
له ترجمة في ابن سعد 2 / 446.
(5) في البيهقي: عبد الرحمن.
(*)
(3/355)
قتادة عن أبيه
عن جده قتادة بن النعمان: أنه أصيبت عينه يوم بدر فسالت حدقته على
وجنته فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "
لا " فدعاه فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيب (1) - وفي
رواية فكانت أحسن عينيه -.
وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه لما أخبره بهذا
الحديث عاصم بن عمر بن قتادة وأنشد مع ذلك: أنا ابن الذي سالت على الخد
عينه * فردت بكف المصطفى أيما رد فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله عند
ذلك منشدا قول أمية بن أبي الصلت في سيف بن ذي يزن فأنشده عمر في موضعه
حقا: تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا فصل
قصة أخرى شبيهة بها قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا
محمد بن صالح، أخبرنا الفضل بن محمد الشعراني، حدثنا إبراهيم بن
المنذر، أخبرنا عبد العزيز بن عمران، [ حدثني رفاعة بن رافع بن مالك ]
(2).
قال: لما كان يوم بدر تجمع الناس على أمية (3) بن خلف، فأقبلت إليه
فنظرت إلى قطعة من درعه قد انقطعت من تحت ابطه، قال فطعنته بالسيف فيها
طعنة، ورميت
بسهم يوم بدر، ففقئت عيني فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا
لي فما أذاني منها شئ.
وهذا غريب من هذا الوجه وإسناده جيد ولم يخرجوه (4).
ورواه الطبراني من حديث إبراهيم بن المنذر.
قال ابن هشام (5): ونادى أبو بكر ابنه عبد الرحمن وهو يومئذ مع
المشركين لم يسلم بعد فقال: أين مالي يا خبيث فقال عبد الرحمن: لم يبق
إلا شكة ويعبوب * وصارم يقتل ضلال الشيب يعني لم يبق إلا عدة الحرب،
وحصان وهو اليعبوب يقاتل عليه شيوخ الضلالة، هذا يقوله في حال كفره.
وقد روينا في مغازي الاموي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمشى
هو وأبو بكر الصديق بين
__________
(1) دلائل النبوة 3 / 100.
(2) من البيهقي، والعبارة في الاصل: حدثني رفاعة بن يحيى عن معاذ بن
رفاعة بن رافع عن أبيه رافع بن مالك.
(3) من الدلائل.
وفي الاصل أبي، وقد تقدم في قصة قتل أمية، - في رواية - أن رفاعة بن
رافع هو الذي قتله.
(4) الخبر في دلائل البيهقي 3 / 100، ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد 6
/ 82 وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير والاوسط، وفيه عبد العزيز
بن عمران، وهو ضعيف.
(5) سيرة ابن هشام: 2 / 291.
(*)
(3/356)
القتلى ورسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " نفلق هاما " فيقول الصديق: من رجال
أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما طرح رؤوس الكفر في بئر يوم بدر قال
ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة قالت: لما أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب، طرحوا فيه إلا
ما كان من أمية بن خلف، فإنه انتفخ في درعه فملاها فذهبوا ليخرجوه
فتزايل [ لحمه ] فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة، فلما
ألقاهم في القليب، وقف عليهم فقال: " يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم
ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا " قالت فقال له أصحابه: يا
رسول الله أتكلم قوما موتى فقال:
" لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق " قالت عائشة: والناس يقولون: لقد
سمعوا ما قلت لهم، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد علموا
(1) قال ابن إسحاق: وحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: سمع أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله من جوف الليل وهو يقول: " يا أهل
القليب، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا
أبا جهل بن هشام - فعدد من كان منهم في القليب - هل وجدتم ما وعد ربكم
حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا " فقال المسلمون: يا رسول الله صلى
الله عليه وسلم أتنادي قوما قد جيفوا ؟ فقال: " ما أنتم بأسمع لما أقول
منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني " وقد رواه الامام أحمد عن ابن
أبي عدي عن حميد عن أنس فذكر نحوه.
وهذا على شرط الشيخين قال ابن إسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم
كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني
الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا "
(2).
قلت: وهذا مما كانت عائشة رضي الله عنها تتأوله من الاحاديث كما قد جمع
ما كانت تتأوله من الاحاديث في جزء وتعتقد أنه معارض لبعض الآيات، وهذا
المقام مما كانت تعارض فيه قوله: (وما أنت بمسمع من في القبور) وليس هو
بمعارض له والصواب قول الجمهور من الصحابة ومن بعدهم للاحاديث الدالة
نصا على خلاف ما ذهبت إليه رضي الله عنها وأرضاها.
وقال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة
عن أبيه قال: ذكر عند عائشة أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه
وسلم أن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله فقالت: رحمه الله، إنما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليعذب بخطيئته وذنبه، وإن أهله
ليبكون عليه الآن " قالت وذاك مثل قوله
__________
(1) قال السهيلي معارضا قول عائشة: وعائشة لم تحضر، وغيرها ممن حضر
أحفظ للفظه عليه السلام.
(2) سيرة ابن هشام ج 2 / 292، والكامل لابن الاثير 2 / 129.
(*)
(3/357)
إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم
ما قال، قال انهم ليسمعون
ما أقول وإنما قال إنهم الآن ليعلمون إنما كنت أقول لهم حق، ثم قرأت:
(وإنك لا تسمع الموتى) [ النمل: 81 ] (وما أنت بمسمع من في القبور) [
فاطر: 22 ] تقول حين تبوؤا مقاعدهم من النار (1).
وقد رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة به، وقد جاء التصريح بسماع
الميت بعد دفنه في غير ما حديث كما سنقرر ذلك في كتاب الجنائز من
الاحكام الكبير إن شاء الله.
ثم قال البخاري: حدثني عثمان ثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر قال:
وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: " هل وجدتم ما وعد
ربكم حقا " ثم قال: " إنهم الآن يسمعون ما أقول لهم " وذكر لعائشة
فقالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنهم الآن ليعلمون أن الذي
كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت (إنك لا تسمع الموتى) حتى قرأت الآية.
وقد رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة.
وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع كلاهما عن هشام بن عروة.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، سمع روح بن عبادة، ثنا سعيد بن
أبي عروبة، عن قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد
قريش فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام
بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها
رحلها، ثم مشى وتبعه أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى
قام على شفة الركي (2) فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان
ابن فلان ويا فلان بن فلان يسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد
وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ".
فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها ؟ فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول
منهم ".
قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة
وندما (3): وقد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن سعيد بن أبي
عروبة.
ورواه الامام أحمد: عن يونس بن محمد المؤدب عن شيبان بن عبد الرحمن عن
قتادة قال: حدث أنس بن مالك فذكر مثله.
فلم يذكر أبا طلحة وهذا إسناد صحيح، ولكن الاول أصح وأظهر والله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثة أيام حتى جيفوا، ثم
أتاهم فقام عليهم فقال: " يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام، يا عتبة
بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فإني قد وجدت
ما وعدني ربي حقا " قال فسمع عمر صوته فقال يا رسول الله أتناديهم بعد
ثلاث وهل يسمعون ؟ يقول الله تعالى: (إنك لا
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي (8) قتل أبي جهل ح 3979 وأخرجه
مسلم في الجنائز عن أبي كريت عن أبي أسامة، والنسائي في الجنائز عن
محمد بن آدم.
(2) شفة الركي: على طرف البئر.
وفي رواية: شفير.
(3) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي (8) باب قتل أبي جهل ح 3976
ومسلم في صفة الجنة والنار (17) باب ح 78.
(*)
(3/358)
تسمع الموتي)
فقال: " والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا
يستطيعون أن يجيبوا ".
ورواه مسلم عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة به.
وقال ابن إسحاق وقال حسان بن ثابت: عرفت ديار زينب بالكثيب * كخط الوحي
في الورق القشيب (1) تداولها الرياح وكل جون * من الوسمي منهمر سكوب
فأمسى رسمها خلقا وأمست * يبابا بعد ساكنها الحبيب فدع عنك التذكر كل
يوم * ورد حرارة القلب الكئيب (2) وخبر بالذي لا عيب فيه * بصدق غير
إخبار الكذوب بما صنع المليك غداة بدر * لنا في المشركين من النصيب
غداة كأن جمعهمم حراء * بدت أركانه جنح الغروب فلاقيناهم منا بجمع *
كأسد الغاب مردان وشيب أمام محمد قد وازروه * على الاعداء في لفح
الحروب بأيديهم صوارم مرهفات * وكل مجرب خاظي الكعوب
بنو الاوس الغطارف آزرتها * بنو النجار في الدين الصليب فغادرنا أبا
جهل صريعا * وعتبة قد تركنا بالجبوب وشيبة قد تركنا في رجال * ذوي حسب
إذا نسبوا حسيب يناديهم رسول الله لما * قذفناهم كباكب في القليب (3)
ألم تجدوا كلامي كان حقا * وأمر الله يأخذ بالقلوب فما نطقوا ولو نطقوا
لقالوا: * صدقت وكنت ذا رأي مصيب قال ابن إسحاق: ولما أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يلقوا في القليب، أخذ عتبة بن ربيعة، فسحب في
القليب فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - في وجه أبي
حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغير لونه، فقال: " يا حذيفة لعلك قد
دخلك من شأن أبيك شئ - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فقال: لا والله يا رسول الله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت
أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك للاسلام، فلما
رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر، بعد الذي كنت أرجو له،
أحزنني ذلك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا.
وقال
__________
(1) القشيب: الجديد.
قال السهيلي: أراد حسان بالقشيب هنا: الذي خالطه ما يفسده إما من دنس
وإما من قدم.
يقال طعام مقشب: إذا كان فيه السم.
(2) في ابن هشام: الصدر.
(3) كباكب: جماعات (*)
(3/359)
البخاري: حدثنا
الحميدي حدثنا سفيان ثنا عمرو عن عطاء عن ابن عباس (الذين بدلوا نعمة
الله كفرا) قال: هم والله كفار قريش.
قال عمرو: هم قريش، ومحمد نعمة الله (وأحلوا قومهم دار البوار) قال:
النار يوم بدر.
قال ابن إسحاق وقال حسان بن ثابت: قومي الذين هم آووا نبيهم * وصدقوه
وأهل الارض كفار إلا خصائص أقوام هم سلف * للصالحين من الانصار أنصار
مستبشرين بقسم الله قولهم * لما أتاهم كريم الاصل مختار أهلا وسهلا ففي
أمن وفي سعة * نعم النبي ونعم القسم والجار (1) وقاسموهم بها الاموال
إذ قدموا * مهاجرين وقسم الجاهل النار (2) سرنا وساروا إلى بدر لحينهم
* لو يعلمون يقين العلم ما ساروا والاهم بغرور ثم أسلمهم * إن الخبيث
لمن والاه غرار (3) وقال إني لكم جار فأوردهم * شر الموارد فيه الخزي
والعار ثم التقينا فولوا عن سراتهم * من منجدين ومنهم فرقة غاروا وقال
الامام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بكر.
وعبد الرزاق.
قالا: حدثنا إسرائيل، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتلى قيل له عليك
العير ليس دونها شئ، فناداه العباس وهو في الوثاق: إنه لا يصلح لك.
قال لم ؟ قال لان الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أنجز لك ما وعدك.
وقد كانت جملة من قتل من سراة الكفار يوم بدر سبعين، هذا مع حضور ألف
من الملائكة وكان قدر الله السابق فيمن بقي منهم أن سيسلم منهم بشر
كثير.
ولو شاء الله لسلط عليهم ملكا واحدا فأهلكهم عن آخرهم، ولكن قتلوا من
لا خير فيه بالكلية، وقد كان في الملائكة جبريل الذي أمره الله تعالى
فاقتلع مدائن قوم لوط وكن سبعا فيهن من الامم والدواب والاراضي
والمزروعات، وما لا يعلمه إلا الله، فرفعهن حتى بلغ بهن عنان السماء
على طرف جناحه ثم قلبهن منكسات واتبعهن بالحجارة التي سومت لهم كما
ذكرنا ذلك في قصة قوم لوط.
كما تقدم.
وقد شرع الله جهاد المؤمنين للكافرين وبين تعالى حكمه في ذلك فقال:
(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق
فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله
لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض) [ محمد: 4 ] الآية.
وقال
__________
(1) القسم: بالكسر: الخط والنصيب، وبعده في ابن هشام: فأنزلوه بدار لا
يخاف بها * من كان جارهم دارا هي الدار
(2) قوله الجاهل: في ابن هشام الجاحد.
(3) قوله والاهم: في ابن هشام دلاهم.
(*)
(3/360)
تعالى: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور
قوم مؤمنين.
ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء) الآية [ التوبة: 14 - 15 ].
فكان قتل أبي جهل على يدي شاب من الانصار، ثم بعد ذلك يوقف عليه عبد
الله بن مسعود ومسك بلحيته وصعد على صدره حتى قال له لقد رقيت مرتقى
صعبا يا رويعي الغنم، ثم بعد هذا حز رأسه واحتمله حتى وضعه بين يدي
رسول الله فشفى الله به قلوب المؤمنين، كان هذا أبلغ من أن تأتيه صاعقة
أو أن يسقط عليه سقف منزله أو يموت حتف أنفه والله أعلم.
وقد ذكر ابن إسحاق فيمن قتل يوم بدر مع المشركين ممن كان مسلما ولكنه
خرج معهم تقية منهم لانه كان فيهم مضطهدا قد فتنوه عن إسلامه جماعة
منهم، الحارث بن زمعة بن الاسود، وأبو قيس بن الفاكه [ وأبو قيس بن
الوليد بن المغيرة ] (1) وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن
الحجاج.
قال وفيهم نزل قوله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا
فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة
فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) [ النساء: 97 ] وكان
جملة الاسارى يومئذ سبعين أسيرا كما سيأتي الكلام عليهم فيما بعد إن
شاء الله منهم من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس بن عبد
المطلب، وابن عمه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب،
وقد استدل الشافعي والبخاري وغيرهما بذلك على أنه ليس كل من ملك ذا رحم
محرم يعتق عليه وعارضوا به حديث الحسن عن ابن سمرة في ذلك فالله أعلم.
وكان فيهم أبو العاص بن الربيع بن عبد شمس بن أمية زوج زينب بنت النبي
صلى الله عليه وسلم. |