البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة قال الامام أحمد: حدثنا بهز ثنا عكرمة بن عمار، ثنا أياس بن سلمة، حدثني أبي قال: خرجنا مع أبي بكر بن أبي قحافة وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فغزونا بني فزارة، فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا، فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر فشننا الغارة فقتلنا على الماء من مر
__________
(1) في ابن هشام: عدوهم.
(*)

(4/250)


قبلنا، قال سلمة: ثم نظرت إلى عنق (1) من الناس فيه من الذرية والنساء نحو الجبل وأنا أعدو في آثارهم فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل، قال: فجئت بهم
أسوقهم إلى أبي بكر حتى أتيته على الماء وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب، قال فنفلني أبو بكر بنتها، قال فما كشفت لها ثوبا حتى قدمت المدينة ثم بت فلم اكشف لها ثوبا، قال فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال لي " يا سلمة هب لي المرأة " قال: فقلت: والله يا رسول الله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال " يا سلمة هب لي المرأة " قال: فقلت: يا رسول الله والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال " يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك " قال: قلت: يا رسول الله والله ما كشفت لها ثوبا وهي لك يا رسول الله، قال بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة (2) وقد رواه مسلم والبيهقي من حديث عكرمة بن عمار به.
سرية عمر بن الخطاب إلى تربة (3) وراء مكة بأربعة أميال ثم أورد البيهقي من طريق الواقدي بأسانيده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ثلاثين راكبا [ إلى عجز هوازن بتربة ] (4) ومعه دليل من بني هلال، وكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار، فلما انتهوا إلى بلادهم هربوا منهم وكر عمر راجعا إلى المدينة، فقيل له هل لك في قتال خثعم ؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرني إلا بقتال هوازن في أرضهم (5).
سرية عبد الله بن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي ثم أورد من طريق ابراهيم بن لهيعة، عن أبي الاسود عن عروة، ومن طريق موسى بن عقبة عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكبا فيهم عبد الله بن رواحة
__________
(1) عنق من الناس: جماعة.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 4 / 290 ومسلم في صحيحه: 32 كتاب الجهاد 14 باب (ح: 46) من حديث عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار.
(3) تربة: موضع بناحية العبلاء على أربع ليال من مكة طريق صنعاء ونجران.
(4) من الواقدي والبيهقي.
(5) الخبر في المغازي للواقدي ج 2 / 722.
وقال كانت في شعبان سنة سبع.
ونقل البيهقي عنه في الدلائل ج 4 / 292.
(*)

(4/251)


إلى يسير بن رزام اليهودي حتى أتوه بخيبر، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجمع غطفان ليغزوه بهم، فأتوه فقالوا أرسلنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ليستعملك على خيبر، فلم يزالوا به حتى تبعهم في ثلاثين رجلا مع كل رجل منهم رديف من المسلمين، فلما بلغوا قرقرة نيار (1) وهي من خيبر على ستة أميال ندم يسير بن رزام فأهوى بيده إلى سيف عبد الله بن رواحة، ففطن له عبد الله بن رواحة فزجر بعيره ثم اقتحم يسوق بالقوم حتى استمكن من يسير ضرب رجله فقطعها، واقتحم يسير وفي يده مخراش (2) من شوحط فضرب به وجه عبد الله بن رواحة فشجه شجة مأمومة.
وانكفأ كل رجل من المسلمين على رديفه فقتله غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شدا ولم يصب من المسلمين أحد، وبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شجة عبد الله بن رواحة (3) فلم تقيح ولم تؤذه حتى مات.
سرية أخرى مع بشير بن سعد روي من طريق الواقدي باسناده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بشير بن سعد في ثلاين راكبا إلى بني مرة من أرض فدك فاستاق نعمهم، فقاتلوه وقتلوا عامة من معه وصبر هو يومئذ صبرا عظيما، وقاتل قتالا شديدا، ثم لجأ إلى فدك فبات (4) بها عند رجل من اليهود، ثم كر راجعا إلى المدينة.
قال الواقدي: ثم بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله ومعه جماعة من كبار الصحابة فذكر منهم أسامة بن زيد، وأبا مسعود البدري، وكعب بن عجرة ثم ذكر مقتل أسامة ابن زيد لمرداس بن نهيك حليق بني مرة وقوله حين علاه بالسيف: لا إله إلا الله، وأن الصحابة
لاموه على ذلك حتى سقط في يده وندم على ما فعل (5) وقد ذكر هذه القصة يونس بن بكير عن ابن اسحاق عن شيخ من بني سلمة عن رجال من قومه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غالب بن عبد الله الكلبي إلى أرض بني مرة فأصاب مرداس بن نهيك حليفا لهم من الحرقة فقتله أسامة.
قال ابن اسحاق: فحدثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة عن أبيه عن جده أسامة بن زيد قال: أدركته أنا ورجل من الانصار - يعني مرداس بن نهيك - فلما شهرنا عليه السيف قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فلم ننزع عنه حتى قتلناه.
فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه فقال: " يا أسامة من
__________
(1) في البيهقي ومعجم البلدان: ثبار.
(2) في البيهقي: مخرش وهو عصا معوجة الرأس.
(3) رواية موسى بن عقبة في دلائل البيهقي ج 4 / 294: وفيه: عبد الله بن أنيس الذي أصيب وليس ابن رواحة وهو كذلك في سيرة ابن هشام ج 4 / 266.
(4) في الواقدي: أقام عند يهودي بفدك أياما حتى ارتفع من الجراح.
(5) مغازي الواقدي 2 / 724 ورواها عنه البيهقي في الدلائل ج 2 / 295 (*)

(4/252)


لك بلا إله إلا الله " فقلت: يا رسول الله إنما قالها تعوذا من القتل، قال: " فمن لك يا أسامة بلا إله إلا الله " فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها علي حتى تمنيت أن ما مضى من إسلامي لم يكن، وأني أسلمت يومئذ ولم أقتله.
فقلت: إني أعطي الله عهدا أن لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله أبدا، فقال: " بعدي يا أسامة " فقلت بعدك (1).
قال الامام أحمد: حدثنا هشيم بن بشير، أنبأنا حصين، عن أبي ظبيان قال: سمعت أسامة بن زيد يحدث قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، قال فصبحناهم وكان منهم رجل إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا، وإذا أدبروا كان حاميتهم، قال: فغشيته أنا ورجل من الانصار، فلما تغشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الانصاري وقتلته، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ؟ " قال: قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذا من القتل، قال فكررها علي حتى
تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ (2).
وأخرجه البخاري ومسلم من حديث هشيم به نحوه.
وقال ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة، عن مسلم بن عبد الله الجهني، عن جندب ابن مكيث الجهني قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي - كلب ليث إلى بني الملوح بالكديد وأمره أن يغير عليهم وكنت في سريته، فمضينا حتى إذا كنا بالقديد لقينا الحارث بن مالك بن البرصاء الليثي فأخذناه فقال: إني إنما جئت لاسلم، فقال له غالب بن عبد الله إن كنت إنما جئت لتسلم فلا يضيرك رباط يوم وليلة، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك، قال فأوثقه رباطا وخلف عليه رويجلا أسود كان معنا وقال: أمكث معه حتى نمر عليك فإن نازعك فاحتز رأسه.
ومضينا حتى أتينا بطن الكديد فنزلنا عشية بعد العصر، فبعثني أصحابي إليه، فعمدت إلى تل يطلعني على الحاضر (3) فانبطحت عليه، وذلك قبل غروب الشمس، فخرج رجل منهم فنظر فرآني منبطحا على التل.
فقال لامرأته، إني لارى سوادا عى هذا التل ما رأيته في أول النهار، فانظري لا تكون الكلاب اجترت بعض أوعيتك ؟ فنظرت فقالت: والله ما أفقد منها شيئا، قال فناوليني قوسي وسهمين من نبلي فناولته فرماني بسهم في جنبي أو قال في جبيني فنزعته فوضعته ولم أتحرك، ثم رماني بالآخر فوضعه في رأس منكبي فنزعته فوضعته ولم أتحرك، فقال لامرأته: أما والله لقد خالطه سهماي ولو كان ريبة لتحرك، فإذا أصبحت فابتغي سهمي فخذيهما لا تمضغهما علي الكلاب، قال فأمهلنا حتى إذا راحت روايحهم وحتى احتلبوا وعطنوا وسكنوا وذهبت عتمة من الليل، شننا عليهم الغارة فقتلنا واستقنا النعم ووجهنا قافلين به وخرج صريخ القوم إلى قومهم بقربنا، قال وخرجنا سراعا حتى نمر بالحارث بن مالك بن البرصاء وصاحبه، فانطلقنا به معنا
__________
(1) سيرة ابن هشام 4 / 271، ودلائل البيهقي 4 / 297.
(2) أخرجه مسلم في كتاب الايمان عن يعقوب الدورقي، والبخاري في المغازي.
فتح الباري 7 / 517.
(3) الحاضر: الجماعة من الناس النازلون على الماء.
(*)

(4/253)


وأتانا صريخ الناس فجاءنا ما لا قبل لنا به، حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي من
قديد، بعث الله من حيث شاء ماء ما رأينا قبل ذلك مطرا ولا حالا، وجاء بما لا يقدر أحد أن يقدم عليه، فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا ما يقدر أحد منهم أن يقدم عليه، ونحن نجد بها أو نحدوها - شك النفيلي فذهبنا سراعا حتى أسندنا بها في المسلك، ثم حذرنا عنه حتى أعجزنا القوم بما في أيدينا (1).
وقد رواه أبو داود من حديث محمد بن اسحاق في روايته عبد الله بن غالب، والصواب غالب بن عبد الله كما تقدم.
وذكر الواقدي هذه القصة باسناد آخر وقال فيه: وكان معه من الصحابة مائة وثلاثون رجلا.
ثم ذكر البيهقي من طريق الواقدي سرية بشير بن سعد أيضا إلى ناحية خيبر فلقوا جمعا من العرب وغنموا نعما كثيرا، وكان بعثه في هذه السرية باشارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان معه من المسلمين ثلاثمائة رجل ودليله حسبل بن نويرة وهو الذي كان دليل النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر.
قاله الواقدي (2).