البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

* (بسم الله الرحمن الرحيم) *.
سنة إحدى عشرة من الهجرة
استهلت هذه السنة وقد استقر الركاب الشريف النبوي بالمدينة النبوية المطهرة مرجعه من حجة الوداع، وقد وقعت في هذه السنة أمور عظام من أعظمها خطبا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه عليه السلام نقله الله عز وجل من هذه الدار الفانية إلى النعيم الابدي في محلة عالية رفيعة ودرجة في الجنة لا أعلى منها ولا أسنى كما قال تعالى: * (وللآخرة خير لك من الاولى ولسوف يعطيك ربك فترضى) * [ الضحى: 4 ] وذلك بعدما أكمل أداء الرسالة التي أمره الله تعالى بإبلاغها، ونصح أمته ودلهم على خير ما يعلمه لهم، وحذرهم ونهاهم عما فيه مضرة عليهم في دنياهم وأخراهم.
وقد قدمنا ما رواه صاحبا الصحيح من حديث عمر بن الخطاب أنه قال نزل قوله تعالى * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * [ المائدة: 3 ] يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة.
وروينا من طريق جيد: أن عمر بن الخطاب حين نزلت هذه الآية بكى فقيل

(5/233)


ما يبكيك ؟ فقال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان، وكأنه استشعر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقد أشار عليه السلام إلى ذلك فيما رواه مسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقف عند جمرة العقبة وقال لنا: خذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا.
وقدمنا ما رواه الحافظان أبو بكر البزار والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة الربذي، عن صدقة بن يسار عن ابن عمر.
قال: نزلت هذه السورة * (إذا جاء نصر الله والفتح) * في أوسط أيام التشريق فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت ثم ذكر خطبته في ذلك اليوم كما تقدم (1).
وهكذا قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لعمر بن الخطاب حين سأله عن تفسير هذه السورة بمحضر كثير من الصحابة ليريهم فضل ابن عباس وتقدمه وعلمه حين لامه بعضهم على تقديمه وإجلاسه له مع مشايخ بدر.
فقال: إنه من حيث تعلمون ثم سألهم وابن عباس حاضر عن تفسير هذه السورة * (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) * فقالوا: أمرنا إذا فتح لنا أن نذكر الله ونحمده ونستغفره فقال: ما تقول يا بن عباس ؟ فقال: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه.
فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تعلم (2).
وقد ذكرنا في تفسير هذه السورة ما يدل على قول ابن عباس من وجوه وإن كان لا ينافي ما فسر به الصحابة رضي الله عنهم وكذلك ما رواه الامام أحمد حدثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حج بنسائه قال: " إنما هي هذه الحجة ثم الزمن ظهور الحصر ".
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقد رواه أبو داود في سننه من وجه آخر جيد.
والمقصود أن النفوس استشعرت بوفاته عليه السلام في هذه السنة، ونحن نذكر ذلك ونورد ما روي فيما يتعلق به من الاحاديث والآثار وبالله المستعان ولنقدم على ذلك ما ذكره الائمة محمد بن إسحاق بن يسار، وأبو جعفر بن جرير، وأبو بكر البيهقي في هذا موضع قبل الوفاة من تعداد حججه وغزواته وسراياه وكتبه ورسله إلى الملوك فلنذكر ذلك ملخصا مختصرا ثم نتبعه بالوفاة.
ففي الصحيحين (3) من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وحج بعدما هاجر حجة الوداع ولم يحج بعدها.
قال أبو إسحاق وواحدة بمكة كذا قال أبو إسحاق السبيعي.
وقد قال زيد بن الحباب، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجات: حجتين قبل أن يهاجر، وواحدة
بعدما هاجر معها عمرة وساق ستا وثلاثين بدنة وجاء علي بتمامها من اليمن (4).
وقد قدمنا من غير
__________
(1) انظر دلائل النبوة للبيهقي ج 5 / 447.
(2) الحديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير (4) باب.
الحديث (4970) فتح الباري (8 / 734).
(3) في البخاري - كتاب المغازي (77) باب الحديث 4404.
ومسلم في 15 كتاب الحج (35) باب الحديث (218).
(4) تقدم ان ما ساقه رسول الله صلى الله عليه وآله معه من الهدي ست وستون، وأتى علي بتمام المئة من اليمن.
(*)

(5/234)


واحد من الصحابة منهم أنس بن مالك في الصحيحين أنه عليه السلام: اعتمر أربع عمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة والعمرة التي مع حجة الوداع.
وأما الغزوات فروى البخاري: عن أبي عاصم النبيل (1) عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الاكوع.
قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات ومع زيد بن حارثة تسع غزوات يؤمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيحين: عن قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل عن يزيد (2) عن سلمة.
قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات و [ خرجت ] (3) فيما يبعث من البعوث تسع غزوات: مرة علينا أبو بكر ومرة علينا أسامة بن زيد.
وفي صحيح البخاري من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء.
قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة.
وفي الصحيحين من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة وشهد معه منها سبع عشرة أولها العشير أو العسير.
وروى مسلم: عن أحمد بن حنبل، عن معتمر، عن كهمس بن الحسن، عن ابن بريدة عن أبيه: أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
وفي رواية لمسلم من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة قاتل منها في ثمان.
وفي رواية عنه بهذا الاسناد وبعث أربعا وعشرين سرية قاتل يوم بدر وأحد والاحزاب والمريسيع وخيبر ومكة وحنين.
وفي صحيح مسلم: من حديث أبي الزبير عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا إحدى وعشرين غزوة غزوت معه منها تسع عشرة غزوة ولم أشهد بدرا ولا أحدا منعني أبي فلما قتل أبي يوم
أحد لم أتخلف عن غزاة غزاها.
وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري.
قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان عشرة غزوة.
؟ ؟ ؟ ؟ ؟ وسمعته مرة يقول أربعا وعشرين غزوة فلا أدري أكان ذلك وهما أو شيئا سمعته بعد ذلك.
وقال قتادة: غزا رسول الله تسع عشرة قاتل في ثمان منها، وبعث من البعوث أربعا وعشرين.
فجميع غزواته وسراياه ثلاث وأربعون.
وقد ذكر عروة بن الزبير والزهري وموسى بن عقبة ومحمد إسحاق بن يسار وغير واحد من أئمة هذا الشأن: أنه عليه السلام قاتل يوم بدر في رمضان من سنة اثنتين، ثم في أحد في شوال سنة ثلاث، ثم الخندق وبني قريظة في شوال أيضا من سنة اثنتين، ثم في أحد في شوال سنة ثلاث، ثم الخندق وبني قريظة في شوال أيضا من سنة أربع وقيل خمس، في بني المصطلق بالمريسيع في شعبان سنة خمس، ثم في خيبر في صفر سنة سبع ومنهم من يقول سنة ست والتحقيق أنه في أول سنة سبع وآخر سنة ست، ثم قاتل أهل مكة في رمضان سنة ثمان وقاتل هوازن وحاصر أهل الطائف في شوال وبعض ذي الحجة سنة ثمان كما تقدم تفصيله، وحج في سنة ثمان بالناس عتاب بن أسيد نائب مكة، ثم في سنة تسع أبو بكر الصديق، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سنة عشر.
وقال محمد بن
__________
(1) واسمه الضحاك بن مخلد.
والحديث في فتح الباري 7 / 517، رقم 4272.
(2) في نسخ البداية المطبوعة زيد تحريف.
(3) من البخاري.
(*)

(5/235)


إسحاق (1): وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة سبعا وعشرين غزوة: غزوة ودان وهي غزوة الابواء، ثم غزوة بواط من ناحية رضوى، ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع، ثم غزوة بدر الاولى بطلب كرز بن جابر، ثم غزوة بدر العظمى التي قتل الله فيها صناديد قريش، ثم غزوة بني سليم حتى بلغ الكدر، ثم غزوة السويق بطلب أبا سفيان بن حرب، ثم غزوة غطفان وهي غزوة ذي أمر، ثم غزوة بحران معدن بالحجاز، ثم غزوة أحد، ثم حمراء الاسد، ثم غزوة بني النضير، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل، ثم غزوة بدر الآخرة، ثم غزوة دومة الجندل، ثم غزوة الخندق،
ثم غزوة بني قريظة، ثم غزوة بني لحيان من هذيل، ثم غزوة ذي قرد، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة، ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا، فصده المشركون، ثم غزوة خيبر، ثم غزوة القضاء، ثم غزوة الفتح، ثم غزوة حنين، ثم غزوة الطائف، ثم غزوة تبوك.
قال ابن إسحاق: قاتل منها في تسع غزوات: غزوة بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف.
قلت: وقد تقدم ذلك كله مبسوطا في أماكنه بشواهده وأدلته ولله الحمد.
قال ابن إسحاق (2): وكانت بعوثه عليه السلام وسراياه ثمانيا وثلاثين من بين بعث وسرية، ثم شرع رحمه الله في ذكر تفصيل ذلك.
وقد قدمنا ذلك كله أو أكثره مفصلا في مواضعه ولله الحمد والمنة.
ولنذكر ملخص ما ذكره ابن إسحاق: بعث عبيدة بن الحارث إلى أسفل ثنية المرة، ثم بعث حمزة بن عبد المطلب إلى الساحل من ناحية العيص، ومن الناس من يقدم هذا على بعث عبيدة كما تقدم فالله أعلم، بعث سعد بن أبي وقاص إلى الخرار، بعث عبد الله بن جحش إلى نخلة، بعث زيد بن حارثة إلى القردة، بعث محمد بن مسلمة إلى كعب بن الاشرف، بعث مرثد بن أبي مرتد [ الغنوي ] إلى الرجيع، بعث المنذر بن عمرو إلى بئر معونة، بعث أبي عبيدة إلى ذي القصة، بعث عمر بن الخطاب إلى برية في أرض بني عامر، بعث علي إلى اليمن، بعث غالب بن عبد الله الكلبي إلى الكديد فأصاب بني الملوح أغار عليهم في الليل فقتل طائفة منهم فاستاق نعمهم فجاء نفرهم في طلب النعم فلما اقتربوا حال بينهم واد من السيل وأسروا في مسيرهم هذا الحارث بن مالك بن البرصاء.
وقد حرر ابن إسحاق هذا ها هنا وقد تقدم بيانه، بعث علي بن أبي طالب إلى أرض فدك، بعث أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم أصيب هو وأصحابه، بعث عكاشة إلى الغمرة، بعث أبي سلمة بن عبد الاسد إلى قطن وهو ماء بنجد لبني أسد، بعث محمد بن مسلمة إلى القرطاء من هوازن، بعث بشير بن سعد إلى بني مرة بفدك، وبعثه أيضا إلى ناحية حنين، بعث زيد بن حارثة إلى الجموم من أرض بني سليم، بعث زيد بن حارثة إلى جذام من أرض بني خشين.
قال ابن هشام: وهي من أرض حسمى وكان سببها فيما ذكره ابن إسحاق وغيره: أن دحية بن خليفة لما
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 4 / 256.
(2) سيرة ابن هشام ج 4 / 257.
ونقلها عنه البيهقي في الدلائل ج 5 / 467 - 468.
(*)

(5/236)


رجع من عند قيصر وقد أبلغه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الله فأعطاه من عنده تحفا وهدايا فلما بلغ واديا في أرض بني جذام يقال له شنار أغار عليه الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الضليعيان.
والضليع بطن من جذام فأخذا ما معه فنفر حي (1) منهم قد أسلموا فاستنقذوا ما كان قد أخذ لدحية فروده عليه فلما رجع دحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر واستسقاه دم الهنيد وابنه عوص، فبعث حينئذ زيد بن حارثة في جيش إليهم فساروا إليهم من ناحية الاولاج فأغار بالماقص من ناحية الحرة، فجمعوا ما وجدوا من مال وناس وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الاحنف، ورجلا من بني خصيب فلما احتاز زيد أموالهم وذراريهم اجتمع نفر منهم برفاعة بن زيد.
وكان قد جاءه كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الله فقرأه عليهم رفاعة فاستجاب له طائفة منهم، ولم يكن زيد بن حارثة يعلم ذلك فركبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ثلاثة أيام فأعطوه الكتاب فأمر بقراءته جهرة على الناس.
ثم قال: رسول الله كيف أصنع بالقتلى ثلاث مرات.
فقال رجل منهم يقال له أبو زيد بن عمرو أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمي هذه فبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال علي: إن زيدا لا يطيعني فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه علامة فسار معهم على جمل لهم فلقوا زيدا وجيشه ومعهم الاموال والذراري بفيفاء الفحلتين فسلمهم علي جميع ما كان أخذ لهم لم يفقدوا منه شيئا (2).
بعث زيد بن حارثة أيضا إلى بني فزارة بوادي القرى فقتل طائفة من أصحابه وارتث هو من بين القتلى، فلما رجع آلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزوهم أيضا، فلما استبل من جراحه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيا في جيش فقتلهم بوادي القرى، وأسر أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر وكانت عند مالك بن حذيفة بن بدر ومعها ابنة لها [ وعبد الله بن مسعدة ]، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر اليعمري فقتل أم قرفة واستبقى ابنتها وكانت من بيت شرف يضرب بأم قرفة المثل في عزها، وكانت بنتها مع سلمة بن الاكوع فاستوهبها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها إياه، فوهبها
رسول الله لخاله حزن بن أبي وهب فولدت له ابنه عبد الرحمن.
بعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر مرتين: إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن رزام (3) وكان يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله عبد الله بن رواحة في نفر منهم عبد الله بن أنيس، فقدموا عليه فلم يزالوا يرغبونه ليقدموه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار معهم فلما كانوا بالقرقرة (4)، على ستة أميال من خيبر، ندم اليسير على مسيره ففطن له عبد الله بن أنيس - وهو يريد
__________
(1) وهم بنو الضبيب، رهط رفاعة بن زيد.
(2) الخبر في سيرة ابن هشام ج 4 / 260 - 265.
(3) قال ابن هشام: رزام، وفي ابن سعد والواقدي: أسير بن زارم.
(4) في ابن سعد والواقدي: قرقرة ثبار.
وفي مغازي موسى بن عقبة قرقرة تيار.
وقال صاحب وفاء الوفا: ثبار على ستة أميال من خيبر.
(*)

(5/237)


السيف - فضربه بالسيف فأطن قدمه وضربه اليسير بمخرش (1) من شوحط في رأسه فأمه، ومال كل رجل من المسلمين على صاحبه من اليهود فقتله، إلا رجلا واحدا أفلت على قدميه، فلما قدم ابن أنيس تفل في رأسه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقح (2) جرحه ولم يؤذه.
قلت: وأظن البعث الآخر (3) إلى خيبر لما بعثه عليه السلام خارصا على نخيل خيبر والله أعلم.
بعث عبد الله بن عتيك وأصحابه إلى خيبر فقتلوا أبا رافع اليهودي، بعث عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان بن نبيح فقتله بعرنة.
وقد روى ابن إسحاق قصته هاهنا مطولة وقد تقدم ذكرها في سنة خمس والله أعلم، بعث زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة إلى مؤتة من أرض الشام فأصيبوا كما تقدم، بعث كعب بن عمير (4) إلى ذات أطلاح من أرض الشام فأصيبوا جميعا أيضا، بعث عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر إلى بني العنبر من تميم فأغار عليهم فأصاب منهم أناسا ثم ركب وفدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسراهم فأعتق بعضا وفدى بعضا.
بعث غالب بن عبد الله أيضا إلى أرض بني مرة فأصيب بها مرداس بن نهيك حليف لهم من
الحرقة من جهينة قتله أسامة بن زيد ورجل من الانصار.
أدركاه فلما شهرا السلاح قال: لا إله إلا الله فلما رجعا لامهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد اللوم فاعتذرا بأنه ما قال ذلك إلا تعوذا من القتل.
فقال لاسامة هلا شققت عن قبله وجعل يقول لاسامة: من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة.
قال أسامة: فما زال يكررها حتى لوددت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك.
وقد تقدم الحديث بذلك.
بعث عمرو بن العاص إلى دات السلاسل من أرض بني عذرة يستنفر العرب إلى الشام، وذلك أن أم العاص بن وائل كانت من بلي، فلذلك بعث عمرا يستنفرهم ليكون أنجع فيهم فلما وصل إلى ماء لهم يقال له السلسل خافهم فبعث يستمد رسول الله، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيهم أبو بكر وعمر وعليها أبو عبيدة بن الجراح فلما انتهوا إليه تأمر عليهم كلهم عمرو وقال إنما بعثتم مددا لي فلم يمانعه أبو عبيدة لانه كان رجلا سهلا لينا هينا عند أمر الدنيا فسلم له وانقاد معه، فكان عمرو يصلي بهم كلهم ولهذا لما رجع.
قال: يا رسول الله أي الناس أحب إليك ؟ قال: عائشة.
قال فمن الرجال ؟ قال: أبوها.
بعث عبد الله بن أبي حدرد إلى بطن أضم وذلك قبل فتح مكة وفيها قصة محلم بن جثامة وقد تقدم مطولا في سنة سبع، بعث ابن أبي حدرد أيضا إلى الغابة، بعث عبد
__________
(1) مخرش وتروى مخراش وهي عصا معوجة الرأس.
والشوحط: ضرب من شجر في الجبال.
(2) في ابن هشام: فلم تقح ولم تؤذه، وفي الواقدي: فلم تقح بعد ذلك ولم تؤذني.
(3) قال الواقدي في مغازيه عن عروة بن الزبير: غزا عبد الله بن رواحة خيبر مرتين.
الاولى بعثه النبي إلى خيبر في رمضان في ثلاثة نفر ينظر إلى خيبر وحال أهلها ما يريدون وما يتكلمون به...فأقبلوا حتى ناحية خيبر وتفرقوا...ووعوا ما سمعوا من أسير وغيره ثم عادوا بعد ثلاثة أيام.
وأخبروا النبي صلى الله عليه وآله بما رأوه وسمعوه.
والبعث الآخر في شوال وهو البعث الذي تقدم، (1 / 566).
(4) في الاصل عمرو، وما أثبتناه من ابن هشام، وابن سعد.
(*)

(5/238)


الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل.
قال محمد بن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح.
قال: سمعت رجلا من أهل البصرة يسأل عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن إرسال العمامة
من خلف الرجل إذا اعتم.
قال: فقال عبد الله: أخبرك إن شاء الله عن ذلك تعلم أني كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وأبو سعيد الخدري وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتى من الانصار، فسلم على رسول الله ثم جلس.
فقال: يا رسول الله أي المؤمنين أفضل ؟ قال: أحسنهم خلقا.
قال: فأي المؤمنين أكيس ؟ قال: أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا له، قبل أن ينزل به أولئك الاكياس، ثم سكت الفتى.
وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين خمس خصال إذ نزلن بكم - وأعوذ بالله أن تدركوهن - أنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يغلبوا عليها إلا ظهر فيهم الطاعون والاوجاع، التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، فلولا البهائم ما مطروا، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عيهم عدو من غيرهم، فأخذ بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم.
قال: ثم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها، فأصبح وقد اعتم بمعامة من كرابيس سوداء فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقضها ثم عممه بها، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك.
ثم قال: هكذا يا بن عوف فاعتم، فإنه أحسن وأعرف، ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه، فحمد الله وصلى على نفسه، ثم قال: خذه يا بن عوف اغزوا جميعا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسيرة نبيكم فيكم.
فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء.
قال ابن هشام: فخرج إلى دومة الجندل، بعث أبي عبيدة بن الجراح وكانوا قريبا من ثلاثمائة راكب إلى سيف البحر، وزوده عليه السلام جرابا من تمر وفيها قصة العنبر وهي الحوت العظيم الذي دسره البحر (1) وأكلهم كلهم منه قريبا من شهر حتى سمنوا وتزودوا منه وشائق أي شرائح، حتى رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعموه منه فأكل منه كما تقدم بذلك الحديث.
قال ابن هشام: ومما لم يذكر ابن إسحاق من البعوث (2) - يعني هاهنا -، بعث عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان صخر بن حرب بعد
مقتل خبيب بن عدي وأصحابه
فكان من أمره ما قدمناه وكان مع عمرو بن أمية جبار بن صخر، ولم يتفق لهما قتل أبي سفيان بل قتلا رجلا غيره وأنزلا خبيبا عن جذعه، وبعث سالم بن عمير أحد
__________
(1) دسره البحر: أي دفعه.
(2) خطأ السهيلي ابن هشام فيما ادعاه على ابن اسحاق من اغفاله بعض البعوث، قال: " هو غلط منه، قد ذكره ابن اسحاق، عن جعفر بن عمرو بن أمية بن عمرو بن أمية فيما حدث أسد عن يحيى بن زكريا عن ابن اسحاق " (الروض الانف ج 2 / 263).
(*)

(5/239)


البكائين إلى أبي عفك أحد بني عمرو بن عوف وكان قد نجم نفاقه حين قتل رسول الله الحارث بن سويد بن الصامت كما تقدم.
فقال يرثيه ويذم - قبحه الله - الدخول في الدين: لقد عشت دهرا وما أن أرى * من الناس دارا ولا مجمعا أبر عهودا وأوفى لمن * يعاقد فيهم إذا ما دعا من أولاد قيلة في جمعهم * يهد الجبال ولم يخضعا فصدعهم راكب جاءهم * حلال حرام لشتى معا فلو أن بالعز صدقتم * أو الملك تابعتم تبعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من لي بهذا الخبيث، فانتدب له سالم بن عمير هذا فقتله فقالت أمامة المريدية في ذلك: تكذب دين الله والمرء أحمدا * لعمرو الذي أمناك بئس الذي يمني (1) حباك حنيف (2) آخر الليل طعنة * أبا عفك خذها على كبر السن وبعث عمير بن عدي الخطمي لقتل العصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد كانت تهجو الاسلام وأهله، ولما قتل أبو عفك المذكور أظهرت النفاق وقالت في ذلك: بأست بني مالك والنبيت * وعوف وباست بني الخزرج أطعتم أتاوى من غيركم * فلا من مراد ولا مذحج
ترجونه بعد قتل الرؤوس * كما يرتجي ورق المنضج ألا آنف يبتغي غرة * فيقطع من أمل المرتجي قال فأجابها حسان بن ثابت فقال: بنو وائل وبنو واقف * وخطمة دون بني الخزرج متى ما دعت سفها ويحها * بعولتها والمنايا تجي فهزت فتى ماجدا عرقه * كريم المداخل والمخرج فضرجها من نجيع الدما * وبعيد الهدو فلم يحرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك: ألا آخذ لي من ابنة مروان ؟ فسمع ذلك عمير بن عدي فلما أمسى من تلك الليلة سرى عليها [ في بيتها ] (3) فقتلها.
ثم أصبح فقال: يا رسول الله قتلتها.
__________
(1) شطره في ابن هشام: لعمر الذي أمناك أن بئس ما يمني.
(2) من ابن هشام، وفي الاصل حفيف.
(3) من ابن هشام.
(*)

(5/240)


فقال: نصرت الله ورسوله يا عمير.
قال: يا رسول الله هل علي من شأنها.
قال: لا تنتطح فيها عنزان.
فرجع عمير إلى قومه، وهم يختلفون في قتلها وكان لها خمسة بنون.
فقال: أنا قتلتها فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون فذلك أول يوم عز الاسلام في بني خطمة فأسلم منهم بشر كثير، لما رأوا من عز الاسلام.
ثم ذكر البعث الدين أسروا ثمامة بن أثال الحنفي وما كان من أمره في إسلامه.
وقد تقدم ذلك في الاحاديث الصحاح.
وذكر ابن هشام أنه هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء.
لما كان من قلة أكله بعد إسلامه، وأنه لما انفصل عن المدينة دخل مكة معتمرا وهو يلبي فنهاه أهل مكة عن ذلك فأبى عليهم وتوعدهم بقطع الميرة عنهم من اليمامة فلما عاد إلى اليمامة منعهم الميرة حتى كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعادها إليهم.
وقال بعض بني حنيفة:
ومن الذي لبى بمكة محرما * برغم أبي سفيان في الاشهر الحرم وبعث علقمة بن مجزز المدلجي ليأخد بثأر أخيه وقاص بن مجزز يوم قتل بذي قرد فاستأذن رسول لله ليرجع في آثار القوم فأذن له وأمره على طائفة من الناس فلما قفلوا أذن لطائفة منهم في التقدم واستعمل عليهم عبد الله بن حذافة وكانت فيه دعابة فاستوقد نارا، وأمرهم أن يدخلوها فلما عزم بعضهم على الدخول.
قال إنما كنت أضحك فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه.
والحديث في هذا ذكره ابن هشام عن الدراوردي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان عن أبي سعيد الخدري، وبعث كرز بن جابر لقتل أولئك النفر الذين قدموا المدينة وكانوا من قيس من بجيلة، فاستوخموا المدينة واستوبؤها فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبله فيشربوا من أبوالها وألبانها، فلما صحوا قتلوا راعيها وهو يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبحوه وغرزوا الشوك في عينيه واستاقوا اللقاح.
فبعث في آثارهم كرز بن جابر في نفر من الصحابة فجاؤوا بأولئك النفر من بجيلة مرجعه عليه السلام من غزوة ذي قرد فأمر فقطع ايديهم وأرجلهم وسملت أعينهم، وهؤلاء النفر إن كانوا هم المذكورين في حديث أنس المتفق عليه أن نفرا ثمانية من عكل أو عرينة قدموا المدينة الحديث، والظاهر أنهم هم فقد تقدم قصتهم مطولة.
وإن كانوا غيرهم فها قد أوردنا عيون ما ذكره ابن هشام.
والله أعلم قال ابن هشام: وغزوة علي بن أبي طالب [ اليمن ] (1) التي غزاها مرتين.
قال أبو عمرو المدني: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن، وخالدا في جند آخر.
وقال إن اجتمعتم فالامير علي بن أبي طالب.
قال: وقد ذكر ابن إسحاق.
بعث خالد ولم يذكره في عدد البعوث والسرايا فينبغي أن تكون العدة في قوله تسعا وثلاثين.
قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن زيد بن حارثة إلى الشام وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، فتجهز الناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الاولون.
قال ابن هشام:
__________
(1) سقطت من الاصل، واستدركت من ابن هشام.
(*)

(5/241)


وهو آخر بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري حدثنا إسماعيل، ثنا مالك، عن عبد الله بن
دينار، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن الناس في إمارته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل وأيم الله إن كان لخليقا للامارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده.
ورواه الترمذي من حديث مالك.
وقال حديث صحيح حسن.
وقد انتدب كثير من الكبار من المهاجرين الاولين والانصار في جيشه فكان من أكبرهم عمر بن الخطاب ومن قال: إن أبا بكر كان فيهم فقد غلط.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد به المرض وجيش أسامة مخيم بالجرف وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس كما سيأتي فكيف يكون في الجيش وهو إمام المسلمين بإذن الرسول من رب العالمين، ولو فرض أنه قد انتدب معهم فقد استثناه الشارع من بينهم بالنص عليه للامامة في الصلاة التي هي أكبر أركان الاسلام، ثم لما توفي عليه الصلاة والسلام استطلق الصديق من أسامة عمر بن الخطاب فأذن له في المقام عند الصديق ونفذ الصديق جيش أسامة كما سيأتي بيانه وتفصيله في موضعه إن شاء الله.
فصل في الآيات والاحاديث المنذرة بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضه الذي مات فيه
قال الله تعالى: * (إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * [ الزمر: 30 ] وقال تعالى: * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفائن مت فهم الخلدون) * [ الانبياء: 34 ].
وقال تعالى: * (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) * [ الانبياء: 35 ] * (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * [ آل عمران: 185 ].
وقال تعالى: * (وما محمد إلا رسول قد دخلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) * [ آل عمران: 144 - 145 ].
وهذه الآية هي التي تلاها الصديق يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعها الناس كأنهم لم يسمعوها قبل.
وقال تعالى:
* (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) * [ النصر: 1 - 3 ].
قال عمر بن الخطاب وابن عباس: هو أجل رسول الله نعي إليه.
وقال ابن عمر نزلت أوسط أيام التشريق في حجة الوداع فعرف رسول الله أنه الوداع، فخطب الناس خطبة أمرهم فيها ونهاهم، الخطبة المشهورة كما تقدم.
وقال جابر: رأيت رسول الله

(5/242)


يرمي الجمار فوقف.
وقال: " لتأخذوا (1) عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا ".
وقال عليه السلام لابنته فاطمة كم سيأتي: " إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني به العام مرتين وما أرى ذلك إلا اقتراب أجلي ".
وفي صحيح البخاري من حديث أبي بكر بن عياش عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
قال: كان رسول الله يعتكف في كل شهر رمضان عشرة أيام فلما كان من العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما (2)، وكان يعرض عليه القرآن في كل رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه القرآن مرتين (3).
وقال محمد بن إسحاق رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في ذي الحجة فأقام بالمدينة بقيته والمحرم وصفرا وبعث أسامة بن زيد فبينا الناس على ذلك ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراده الله من رحمته وكرامته في ليال بقين (4) من صفر أو في أول شهر ربيع الاول، فكان أول ما ابتدئ به رسول الله من ذلك فيما ذكر لي أنه خرج إلى بقيع الغرقد، من جوف الليل، فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن جعفر عن عبيد بن جبر (5) مولى الحكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي مويهبة (6) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: بعثني رسول الله من جوف الليل فقال: يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن استغفر لاهل هذا البقيع فانطلق معي، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم.
قال: السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها.
الآخرة شر من الاولى، ثم أقبل علي فقال: يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيه، ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة.
قال قلت: بأبي أنت وأمي،
فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة.
قال: لا والله يا أبا مويهبة.
لقد اخترت لقاء ربي والجنة، ثم استغفر لاهل البقيع، ثم انصرف فبدئ برسول الله وجعه الذي قبضه الله فيه.
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب.
وإنما رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن
__________
(1) تقدم نص الحديث وفيه: وقال لنا: خذوا عني.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف (17) باب الحديث (2044) وأبو داود في الصوم الحديث 2466 وابن ماجه في الصيام (58) باب الحديث (1769).
والدارمي في الصوم.
والامام أحمد في مسنده (2 / 336، 355).
(3) البخاري في كتاب فضائل القرآن (7) باب الحديث (4998) (4) قال الواقدي: لليلتين بقيتا من صفر.
(5) في ابن هشام: عبد الله بن عمر عن عبيد بن جبير، وفي الطبري عن ابن اسحاق: عبد الله بن عمر بن علي...(6) أبو مويهبة: مولى رسول الله صلى الله عليه وآله من مولدي مزينة شهد غزوة المريسيع، كان ممن يقود جمل عائشة انظر ترجمة له في الاصابة (4 / 188).
(*)

(5/243)


إسحاق به (1).
وقال الامام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا الحكم بن فضيل، ثنا يعلى بن عطاء، عن عبيد بن جبر عن أبي مويهبة.
قال: أمر رسول الله أن يصلي على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرات فلما كانت [ ليلة الثانية ] (2) قال: يا أبا مويهبة أسرج لي دابتي.
قال فركب ومشيت حتى انتهى إليهم فنزل عن دابته وأمسكت الدابة فوقف.
أو قال - قام عليهم - فقال: ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس، أتت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، الآخرة أشد من الاولى، فليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس.
ثم رجع فقال: يا أبا مويهبة إني أعطيت.
أو قال: خيرت بين مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي قال فقلت: بأبي أنت وأمي فاخترنا.
قال: لان ترد علي عقبها ما شاء الله فاخترت لقاء ربي، فما لبث بعد ذلك إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض.
وقال عبد
الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: قال رسول الله: نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل.
قال البيهقي: وهذا مرسل وهو شاهد لحديث أبي مويهبة (3) قال ابن إسحاق وحدثني يعقوب بن عتبة، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن (4) مسعود بن عائشة.
قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأن أقول وارأساه.
فقال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه قالت: ثم قال: وما ضرك لو مت قبل فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك.
قالت قلت: والله لكأني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك.
قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعز به في بيت ميمونة، فدعا نساءه، فاستأذنهن أن يمرض في بيتي فأذن له.
قالت: فخرج رسول الله بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه [ الارض ] (5) حتى دخل بيتي.
قال عبيد الله فحدثت به ابن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر ؟ هو علي بن أبي طالب.
وهذا الحديث له شواهد ستأتي قريبا.
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة.
قالت: دخل علي رسول الله وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت: وارأساه ! فقال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه ! ثم قال: وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك، وصليت عليك وواريتك.
فقلت: والله إني لاحسب لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 55 - 56 وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال الذهبي: صحيح.
ونقله الطبري عنه في تاريخه 3 / 190.
(2) من مسند الامام أحمد 3 / 488، وفي الاصل: فلما كانت الثالثة.
(3) رواه البيهقي في دلائله ج 7 / 163.
(4) من ابن هشام والطبري، وفي الاصل عن ابن مسعود.
(5) من الطبري 3 / 191.
(*)

(5/244)


بيتى من آخر النهار [ فأعرست بها ]، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تمادى به وجعه فاستعز (1) به وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة، فاجتمع إليه أهله.
فقال العباس: إنا لنرى برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الجنب فهلموا فلنلده، فلدوه (2) فأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من فعل هذا ؟ فقالوا: عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه علي، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه، إلا عمي العباس، فلد أهل البيت كلهم، حتى ميمونة.
وإنها لصائمة يومئذ وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له، فخرج وهو بين العباس ورجل آخر - لم تسمه - تخط قدماه بالارض [ إلى بيت عائشة ].
قال عبيد الله قال ابن عباس: الرجل الآخر علي بن أبي طالب (3).
قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير، ثنا الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما ثقل رسول الله واشتد به وجعه، استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج وهو بين الرجلين، تخط رجلاه الارض بين عباس قال: ابن عبد المطلب وبين رجل آخر.
قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله - يعني ابن عباس - بالذي قالت عائشة.
فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة ؟ قال قلت: لا ! قال ابن عباس: هو علي، فكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدث أن رسول الله لما دخل بيتي، واشتد به وجعه.
قال: هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، لعلي أعهد إلى الناس.
فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن.
قالت عائشة: ثم خرج إلى الناس فصلى لهم وخطبهم (4).
وقد رواه البخاري أيضا في مواضع أخر من صحيحه ومسلم من طرق عن الزهري به.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل، ثنا سليمان بن بلال قال هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: أين أنا غدا أين أنا غدا ؟ يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها.
قالت عائشة رضي الله عنها: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي، وقبضه الله وإن رأسه
لبين سحري ونحري وخالط ريقه ريقي.
قالت: ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مسند إلى صدري (5).
انفرد به البخاري من هذا
__________
(1) استعز: استعز به المرض واستعز عليه اشتد وجعه وغلبه على نفسه.
(2) اللدود: ما يسقاه المريض من الادوية في أحد شقي فمه.
(3) الحديث في دلائل البيهقي ج 7 / 169 - 170 وما بين معكوفين فيه استدراك من الدلائل.
(4) رواه البخاري في كتاب المغازي (83) باب الحديث (4442).
ومسلم في كتاب الصلاة (21) باب الحديث (92).
(5) البخاري في كتاب المغازي - (83) باب.
الحديث (4450) فتح الباري (8 / 144).
(*)

(5/245)


الوجه.
وقال البخاري: أخبرنا عبد الله بن يوسف، ثنا الليث، حدثني ابن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
قالت: مات النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لاحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري: حدثنا حيان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عروة أن عائشة أخبرته.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه (1) بالمعوذات التي كان ينفث وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
ورواه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس بن يزيد الايلي عن الزهري به.
والفلاس ومسلم عن محمد بن حاتم كلهم.
وثبت في الصحيحين من حديث أبي عوانة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة تمشي لا تخطئ، مشيتها مشية أبيها.
فقال: مرحبا بابنتي فأقعدها عن يمينه أو شماله.
ثم سارها بشئ فبكت، ثم سارها فضحكت.
فقلت لها: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرار وأنت تبكين ! فلما أن قامت.
قلت أخبريني ما سارك.
فقالت: ما كنت لافشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما توفي قلت لها: أسألك لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني.
قالت: أما الآن فنعم !
قالت سارني في الاول قال لي: إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة، وقد عارضني في هذا العام مرتين ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي، فاتقي الله وأصبري فنعم السلف أنا لك، فبكيت.
ثم سارني فقال: أما ترضي أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الامة فضحكت (2).
وله طرق عن عائشة.
وقد روى البخاري: عن علي بن عبد الله، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة.
قالت: لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن لا تلدوني ؟ قلنا كراهية المريض للدواء.
فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر، إلا العباس فإنه لم يشهدكم.
قال البخاري: ورواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (3).
وقال البخاري: وقال يونس، عن الزهري قال عروة قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم (4).
هكذا ذكره البخاري معلقا.
وقد
__________
(1) في البخاري: أنفث على نفسه.
(2) البخاري: كتاب الاستئذان (43) باب من ناجى بين يدي الناس.
ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (15) باب حديث (99).
وأخرجه الامام أحمد في مسنده (6 / 282) ورواه ابن سعد في طبقاته (2 / 247).
(2) البخاري - كتاب المغازي حديث 4458.
(4) البخاري في كتاب المغازي - حديث (4428).
والبيهقي في الدلائل ج 7 / 172 وأحمد في مسنده (6 / 18).
(*)

(5/246)


أسنده الحافظ البيهقي عن الحاكم، عن أبي بكر بن محمد (1) بن أحمد بن يحيى الاشقر، عن يوسف بن موسى، عن أحمد بن صالح، عن عنبسة، عن يونس بن يزيد الايلي، عن الزهري به.
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن أبي الاحوص، عن عبد الله بن مسعود.
قال: لئن أحلف تسعا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك أن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا (2).
وقال البخاري: ثنا إسحاق بن بشر حدثنا شعيب (3) عن أبي حمزة حدثني أبي عن الزهري.
قال: أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك الانصاري - وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم - أن عبد الله بن عباس أخبره: أن علي بن أبي طالب خرج من عند رسول الله في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا.
فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب.
فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لارى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لاعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت.
اذهب بنا إلى رسول الله فلنسأله فيمن هذا الامر ؟ إن كان فينا علمنا ذلك.
وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا.
فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انفرد به البخاري، وقال البخاري: ثنا قتيبة، ثنا سفيان، عن سليمان الاحول عن سعيد بن جبير.
قال: قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه.
فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا (4) بعده أبدا فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبي تنازع - فقالوا: ما شأنه أهجر (5) استفهموه.
فذهبوا يردون عنه.
فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، فأوصاهم بثلاث قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها.
ورواه البخاري في موضع آخر ومسلم من حديث سفيان بن عيينة به.
ثم قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا.
فقال بعضهم: إن رسول الله قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل
__________
(1) في البيهقي: أبو بكر محمد...(2) دلائل النبوة ج 7 / 172.
(3) في البخاري: حدثني اسحاق، أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة.
واسحاق هو ابن راهويه.
(فتح الباري
8 / 142).
(4) في البخاري: لن تضلوا.
فتح الباري 8 / 132.
(5) من البخاري، وفي الاصل يهجر.
أهجر: أي هل تغير كلامه واختلط بسسبب المرض، ووقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وآله مستحيل لانه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى) *.
(*)

(5/247)


البيت واختصموا.
فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده.
ومنهم من يقول غير ذلك.
فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا.
قال عبيد الله، قال: ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم (1).
ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق بنحوه.
وقد أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه من حديث معمر ويونس عن الزهري به.
وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الاغبياء من أهل البدع من الشيعة وغيرهم كل مدع أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرمون إليه من مقالاتهم، وهذا هو التمسك بالمتشابه.
وترك المحكم وأهل السنة يأخذون بالمحكم.
ويردون ما تشابه إليه، وهذه طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عز وجل في كتابه، وهذا الموضع مما زل فيه أقدام كثير من أهل الضلالات، وأما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون معه كيفما دار، وهذا الذي كان يريد عليه الصلاة والسلام أن يكتبه قد جاء في الاحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه.
فإنه قد قال الامام أحمد: حدثنا مؤمل، ثنا نافع، عن ابن عمرو ثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة.
قالت لما كان وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قبض فيه قال " ادعوا لي أبا بكر وابنه لكي لا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمناه متمن.
ثم قال: يأبى الله ذلك والمؤمنون ".
مرتين.
قالت عائشة: فأبى الله ذلك والمؤمنون، انفرد به أحمد من هذا الوجه وقال أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي مليكة عن عائشة.
قالت لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: " ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لابي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد، فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم.
قال: " أبى الله والمؤمنون أن
يختلف عليك يا أبا بكر " انفرد به أحمد من هذا الوجه أيضا.
وروى البخاري: عن يحيى بن يحيى، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد عن عائشة.
قالت: قال رسول الله: لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى متمنون.
فقال: يأبى الله - أو يدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون.
وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه.
قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه.
فقالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك - كأنها تقول الموت - قال: " إن لم تجديني فأت أبا بكر ".
والظاهر والله أعلم أنها إنما قالت ذلك له عليه السلام في مرضه الذي مات فيه صلوات الله وسلامه عليه، وقد خطب عليه الصلاة والسلام في يوم الخميس قبل أن يقبض عليه السلام بخمس أيام خطبة عظيمة بين فيها فضل الصديق من سائر الصحابة مع ما كان قد نص عليه أن يؤم الصحابة أجمعين كما سيأتي بيانه مع حضورهم كلهم.
ولعل خطبته هذه كانت عوضا عما أراد أن يكتبه في الكتاب، وقد اغتسل عليه السلام بين يدي هذه الخطبة الكريمة فصبوا عليه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن وهذا من باب الاستشفاء بالسبع كما وردت بها الاحاديث في
__________
(1) فتح الباري 8 / 132.
(*)

(5/248)


غير هذا الموضع، والمقصود أنه عليه السلام اغتسل ثم خرج فصلى الناس ثم خطبهم كما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها.
ذكر الاحاديث الواردة في ذلك.
قال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري عن أيوب بن بشير.
أن رسول الله قال في مرضه: أفيضوا علي من سبع قرب من سبع آبار شتى، حتى أخرج فأعهد إلى الناس.
ففعلوا فخرج فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر، بعد حمد الله والثناء عليه، ذكر أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا لهم.
ثم قال: يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، والانصار على هيئتها لا تزيد، وإنهم عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم.
ثم قال عليه السلام: أيها
الناس إن عبدا من عباد الله قد خيره الله بين الدنيا، وبين ما عند الله.
فاختار ما عند الله، ففهمها أبو بكر رضي الله عنه، من بين الناس فبكى.
وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالنا (1).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر ! أنظروا إلى هذه الابواب الشارعة في المسجد فسدوها، إلا ما كان من بيت أبي بكر فإني لا أعلم أحدا عندي أفضل [ يدا ] (2) في الصحبة منه.
هذا مرسل له شواهد كثيرة.
وقال الواقدي: حدثني فروة بن زبيد بن طوسا، عن عائشة بنت سعد، عن أم ذرة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
قالت: خرج رسول الله عاصبا رأسه بخرقة فلما استوى على المنبر، تحدث الناس بالمنبر واستكفوا.
فقال: والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة.
ثم تشهد فلما قضى تشهده كان أول ما تكلم به، أن أستغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد.
ثم قال: إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا، وبين ما عند الله فاختار العبد ما عند الله، فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه.
وقال: بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجعل رسول الله يقول له: على رسلك (3).
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو عامر، ثنا فليح، عن سالم أبي النضر، عن بشر بن سعيد، عن أبي سعيد قال: خطب رسول الله الناس فقال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله.
قال: فبكى أبو بكر.
قال: فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد، فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به.
فقال رسول الله: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الاسلام ومودته لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر (4).
وهكذا رواه البخاري من حديث أبي عامر العقدي به.
ثم رواه
__________
(1) سقطت عند البيهقي.
(2) من دلائل البيهقي ج 7 / 178.
(3) نقله البيهقي عن الواقدي 7 / 178.
(4) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الانصار (45) باب هجرة النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه إلى المدينة.
ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (11) باب من فضائل أبي بكر.
والامام أحمد في مسنده ج 3 / 18 ورواه البيهقي في = (*)

(5/249)


الامام أحمد عن يونس عن فليح عن سالم أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبشر بن سعيد عن أبي سعيد به.
وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث فليح ومالك بن أنس، عن سالم، عن بشر بن سعيد، وعبيد بن حنين كلاهما عن أبي سعيد بنحوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو الوليد، ثنا هشام، ثنا أبو عوانة، عن عبد الملك، ابن أبي المعلى عن أبيه.
أن رسول الله خطب يوما فقال: إن رجلا خيره ربه بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها، وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه فبكى أبو بكر.
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تعجبون من هذا الشيخ أن ذكر رسول الله رجلا صالحا خيره ربه، بين البقاء في الدنيا وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه، فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله.
فقال أبو بكر: بل نفديك بأموالنا وأبنائنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من الناس أحد أمن علينا في صحبته، وذات يده من ابن أبي قحافة، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة، ولكن ود وإخاء وإيمان، ولكن ود وإخاء وإيمان، مرتين وإن صاحبكم خليل الله عز وجل (1).
تفرد به أحمد.
قالوا: وصوابه أبو سعيد بن المعلى (2) فالله أعلم.
وقد روى الحافظ البيهقي: من طريق إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - ثنا زكريا بن عدي، ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث، حدثني جندب.
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفى بخمس وهو يقول: قد كان لي منكم أخوة وأصدقاء، وإني أبرأ إلى كل خليل من خلته ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وإن ربي اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وإن قوما ممن كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (3).
وقد رواه مسلم في صحيحه عن إسحاق بن راهويه بنحوه، وهذا اليوم الذي كان قبل وفاته عليه السلام بخمسة أيام هو يوم الخميس الذي ذكره ابن عباس فيما تقدم.
وقد روينا هذه الخطبة من طريق ابن عباس.
قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ، أنبأنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب - هو ابن عوانة الاسفراييني -.
قال: ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا وهب بن جرير،
ثنا أبي، سمعت يعلى بن حكيم، يحدث عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه.
ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من أبي بكر، ولو كنت متخذا من الناس خليلا، لاتخذت أبا
__________
= الدلائل ج 7 / 174.
(1) مسند الامام أحمد ج 3 / 478 و 4 / 211، والترمذي في كتاب المناقب - باب مناقب أبي بكر الصديق.
والبيهقي في الدلائل ج 7 / 175.
(2) وذكره البيهقي باسمه وقال: أبو المعلى الانصاري.
(3) دلائل البيهقي ج 7 / 176 ومسلم في كتاب المساجد (3) باب النهي عن بناء المساجد على القبور حديث (23).
(*)

(5/250)


بكر خليلا، ولكن خلة الاسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر (1).
رواه البخاري عن عبيد الله بن محمد الجعفي عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه به.
وفي قوله عليه السلام سدوا عني كل خوخة - يعني الابواب الصغار - إلى المسجد غير خوخة أبي بكر إشارة إلى الخلافة أي ليخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين.
وقد رواه البخاري أيضا من حديث عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل عن عكرمة عن ابن عباس.
أن رسول الله خرج في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه فجلس على المنبر فذكر الخطبة، وذكر فيها الوصاة بالانصار إلى أن قال: فكان آخر مجلس جلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض - يعني آخر خطبة خطبها عليه السلام.
وقد روي من وجه آخر عن ابن عباس بإسناد غريب ولفظ غريب.
فقال الحافظ البيهقي: أنبأنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا ابن أبي قماش، وهو محمد بن عيسى، ثنا موسى بن إسماعيل، أبو عمران الجبلي، ثنا معن بن عيسى القزاز، عن الحارث بن عبد الملك بن عبد الله بن أناس (2) الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس عن الفضل بن عباس.
قال: أتاني رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكا شديدا، وقد عصب رأسه فقال: خذ بيدي يا فضل.
قال: فأخذت بيده حتى قعد على المنبر.
ثم قال: ناد في الناس يا فضل.
فناديت: الصلاة جامعة.
قال: فاجتمعوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: أما بعد أيها الناس إنه قد دنى مني خلوف من بين أظهركم ولن تروني في هذا المقام فيكم، وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتى أقومه فيكم، ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد، ولا يقولن قائل أخاف الشحناء من قبل رسول الله، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وان أحبكم إلي من أخذ حقا إن كان له علي أو حللني فلقيت الله عز وجل وليس لاحد عندي مظلمة.
قال: فقام منهم رجل فقال: يا رسول الله لي عندك ثلاثة دراهم.
فقال: أما أنا فلا أكذب قائلا.
ولا مستحلفه على يمين فيم كانت لك عندي ؟ قال: أما تذكر أنه مر بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم.
قال: أعطه يا فضل.
قال: وأمر به فجلس.
قال عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الاولى.
ثم قال: يا أيها الناس من كان عنده من الغلول شئ فليرده، فقام رجل.
فقال: يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله.
قال: فلم غللتها ؟ قال: كنت إليها محتاجا.
قال: خذها منه يا فضل.
ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الاولى وقال: يا أيها الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو الله له.
فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله إني لمنافق وإني لكذوب وإني لنئوم (3).
فقال عمر بن الخطاب: ويحك أيها
__________
(1) دلائل البيهقي ج 7 / 176 وأخرجه البخاري في 62 كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل أبي بكر.
(2) في البيهقي: إياس.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: لشؤوم تحريف.
(*)

(5/251)


الرجل لقد سترك الله لو سترت على نفسك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا بن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة، اللهم ارزقه صدقا وأيمانا وأذهب عنه النوم إذا شاء.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر (1).
وفي إسناده ومتنه غرابة شديدة.