البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
كانت وفاة الصديق رضي الله عنه في يوم الاثنين عشية، وقيل بعد المغرب
ودفن من ليلته، وذلك لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة بعد مرض
خمسة عشر يوما، وكان عمر بن الخطاب يصلي عنه فيها بالمسلمين، وفي أثناء
هذا المرض عهد بالامر من بعده إلى عمر بن الخطاب، وكان الذي كتب العهد
عثمان بن عفان، وقرئ على المسلمين فأقروا به وسمعوا له وأطاعوا، فكانت
خلافة الصديق سنتين وثلاثة أشهر (2)، وكان عمره يوم توفي ثلاثا وستين
سنة، للسن الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جمع الله
بينهما في التربة، كما جمع بينهما في الحياة، فرضي الله عنه وأرضاه.
قال محمد بن سعد عن أبي قطن عمرو بن الهيثم، عن ربيع بن حسان الصائغ.
قال: كان
__________
(1) في الطبري: المدائن.
(2) في الطبري والكامل: وعشر ليال.
وفي رواية المدايني: وعشرين يوما.
وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال.
والاول أرجح.
(*)
(7/22)
نقش خاتم أبي
بكر " نعم القادر الله ".
وهذا غريب وقد ذكرنا ترجمة الصديق رضي الله عنه،
وسيرته وأيامه وما روي من الاحاديث، وما روي عنه من الاحكام في مجلد
ولله الحمد والمنة.
فقام بالامر من بعده أتم القيام الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
رضي الله عنه.
وهو أول من سمي بأمير المؤمنين.
وكان أول من حياه بها المغيرة بن شعبة، وقيل غيره كما بسطنا ذلك في
ترجمة عمر بن الخطاب وسيرته التي أفردناها في مجلد، ومسنده والآثار
المروية مرتبا على الابواب في مجلد آخر ولله الحمد.
وقد كتب بوفاة الصديق إلى أمراء الشام مع شداد بن أوس، ومحمد بن جريح،
فوصلا والناس مصافون جيوش الروم يوم اليرموك كما قدمنا.
وقد أمر عمر على الجيوش أبا عبيدة حين ولاه وعزل خالد بن الوليد.
وذكر سلمة عن محمد بن إسحاق أن عمر إنما عزل خالدا لكلام بلغه عنه،
ولما كان من أمر مالك بن نويرة، وما كان يعتمده في حربه.
فلما ولى عمر كان أول ما تكلم به أن عزل خالدا، وقال: لا يلي لي عملا
أبدا.
وكتب عمر إلى أبي عبيدة إن أكذب خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه،
وإن لم يكذب نفسه فهو معزول، فانزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله نصفين.
فلما قال أبو عبيدة ذلك لخالد قال له خالد أمهلني حتى أستشير أختي،
فذهب إلى أخته فاطمة - وكانت تحت الحارث بن هشام - فاستشارها في ذلك،
فقالت له: إن عمر لا يحبك أبدا، وإنه سيعزلك وإن كذبت نفسك.
فقال لها: صدقت والله (1).
فقاسمه أبو عبيدة حتى أخذ [ إحدى ] نعليه وترك له الاخرى، وخالد يقول
سمعا وطاعة لامير المؤمنين.
وقد روى ابن جرير (2) عن صالح بن كيسان أنه قال: أول كتاب كتبه عمر إلى
أبي عبيدة حين ولاه وعزل خالدا أن قال: " وأوصيك بتقوى الله الذي يبقى
ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة، وأخرجنا من الظلمات إلى النور،
وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد فقم بأمرهم الذي يحق عليك، لا
تقدم المسلمين [ إلى ] هلكة رجاء غنيمة، ولا تنزلهم منزلا قبل أن تستر
يده لهم وتعلم كيف مأتاه، ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس، وإياك
وإلقاء المسلمين في الهلكة، وقد أبلاك الله بي وأبلاني بك، فغض (3)
بصرك عن الدنيا، وأله قلبك عنها، وإياك أن تهلكك كما أهلكت من كان
قبلك، فقد رأيت مصارعهم.
وأمرهم بالمسير إلى دمشق (4) "، وكان بعد ما بلغه
الخبر بفتح اليرموك وجاءته به البشارة، وحمل الخمس إليه.
وقد ذكر ابن إسحاق أن الصحابة
__________
(1) زاد الطبري: وأبى أن يكذب نفسه.
(2) تاريخ الطبري 4 / 54.
(3) في الطبري: فغمض، وفي فتوح الشام للازدي: وغض عن الدنيا عينيك.
(4) زاد الازدي في فتوح ص 103: فقد رأيت مصارعهم وخبرت سرائرهم وان
بينك وبين الآخرة ستر الخمار، وكأني بك منتظر سفرا من دار قد مضت
نضارتها، وذهبت زهرتها، وأحزم الناس من يكون زاده التقوى.
(*)
(7/23)
قاتلوا بعد
اليرموك أجنادين ثم بفحل من أرض الغور قريبا من بيسان بمكان يقال له
الردغة سمي بذلك لكثرة ما لقوا من الاوحال فيها، فأغلقوها عليهم، وأحاط
بها الصحابة.
قال: وحينئذ جاءت الامارة لابي عبيدة من جهة عمر وعزل خالد، وهذا الذي
ذكره ابن إسحاق من مجئ الامارة لابي عبيدة في حصار دمشق هو المشهور.
فتح دمشق قال سيف بن عمر لما ارتحل
أبو عبيدة من اليرموك فنزل بالجنود على مرج الصفر وهو عازم على حصار
دمشق إذ أتاه الخبر بقدوم مددهم من حمص، وجاءه الخبر بأنه قد اجتمع
طائفة كبيرة من الروم بفحل من أرض فلسطين، وهو لا يدري بأي الامرين
يبدأ.
فكتب إلى عمر في ذلك، فجاء الجواب أن ابدأ بدمشق فإنها حصن الشام وبيت
مملكتهم، فانهد لها واشغلوا عنكم أهل فحل بخيول تكون تلقاءهم، فإن
فتحها الله قبل دمشق فذلك الذي نحب، وإن فتحت دمشق قبلها فسر أنت ومن
معك واستخلف على دمشق، فإذا فتح الله عليكم فحل فسر أنت وخالد إلى حمص
واترك عمرا وشرحبيل على الاردن وفلسطين.
قال: فسرح أبو عبيدة إلى فحل عشرة أمراء مع كل أمير خمسة أمراء وعلى
الجميع عمارة بن مخشى الصحابي، فساروا من مرج الصفر إلى فحل فوجدوا
الروم هنالك قريبا من ثمانين ألفا، وقد أرسلوا المياه حولهم حتى أردغت
الارض فسموا ذلك الموضع الردغة، وفتحها الله على
المسلمين فكانت أول حصن فتح قبل دمشق على ما سيأتي تفصيله.
وبعث أبو عبيدة جيشا (1) يكون بين دمشق وبين فلسطين، وبعث ذا الكلاع في
جيش يكون بين دمشق وبين حمص، ليرد من يرد إليهم من المدد من جهة هرقل.
ثم سار أبو عبيدة من مرج الصفر قاصدا دمشق، وقد جعل خالد بن الوليد في
القلب وركب أبو عبيدة وعمرو بن العاص في المجنبتين، وعلى الخيل عياض بن
غنم، وعلى الرجالة شرحبيل بن حسنة، فقدموا دمشق وعليها نسطاس بن نسطوس،
فنزل خالد بن الوليد على الباب الشرقي وإليه باب كيسان أيضا، ونزل أبو
عبيدة على باب الجابية الكبير، ونزل يزيد بن أبي سفيان على باب الجابية
الصغير، ونزل عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة على بقية أبواب البلد (2)
ونصبوا المجانيق والدبابات، وقد أرصد أبو عبيدة أبا الدرداء على جيش
ببرزة يكونون ردءا له، وكذا الذي بينه وبين حمص وحاصروها حصارا شديدا
سبعين ليلة، وقيل أربعة أشهر، وقيل ستة أشهر، وقيل أربعة عشر شهرا
فالله أعلم.
وأهل دمشق ممتنعون منهم غاية الامتناع، ويرسلون إلى ملكهم هرقل - وهو
مقيم بحمص - يطلبون منه المدد فلا يمكن
__________
(1) في رواية الطبري: بقيادة علقمة بن حكيم ومسروق.
(2) في فتوح البلدان 1 / 144 نزل عمر بن العاص على باب توما وشرحبيل
على باب الفراديس.
(*)
(7/24)
وصول المدد
إليهم من ذي الكلاع، الذي قد أرصده أبو عبيدة رضي الله عنه بين دمشق
وبين حمص - عن دمشق ليلة - فلما أيقن أهل دمشق أنه لا يصل إليهم مدد
أبلسوا وفشلوا وضعفوا، وقوي المسلمون واشتد حصارهم، وجاء فصل الشتاء
واشتد البرد وعسر الحال وعسر القتال، فقدر الله الكبير المتعال، ذو
العزة والجلال، أن ولد لبطريق دمشق مولود في تلك الليالي فصنع لهم
طعاما وسقاهم بعده شرابا.
وباتوا عنده في وليمته قد أكلوا وشربوا وتعبوا فناموا عن مواقفهم،
واشتغلوا عن أماكنهم، وفطن لذلك أمير الحرب خالد بن الوليد فإنه كان لا
ينام ولا يترك أحدا ينام، بل مراصد لهم ليلا ونهارا، وله عيون وقصاد
يرفعون إليه أحوال المقاتلة صباحا ومساء.
فلما رأى حمدة تلك الليلة، وأنه لا يقاتل على السور أحد كان قد أعد
سلاليم من حبال فجاء هو
وأصحابه من الصناديد الابطال، مثل القعقاع بن عمرو ومذعور بن عدي، وقد
أحضر جيشه عند الباب وقال لهم: إذا سمعتم تكبيرنا فوق السور فأرقوا
إلينا.
ثم نهد هو وأصحابه فقطعوا الخندق سباحة بقرب في أعناقهم، فنصبوا تلك
السلالم وأثبتوا أعاليها بالشرفات، وأكدوا أسافلها خارج الخندق، وصعدوا
فيها، فلما استووا على السور رفعوا أصواتهم بالتكبير، وجاء المسلمون
فصعدوا في تلك السلالم وانحدر خالد وأصحابه الشجعان من السور إلى
البوابين فقتلوهم، وقطع خالد وأصحابه أغاليق الباب بالسيوف وفتحوا
الباب عنوة، فدخل الجيش الخالدي من الباب الشرقي.
ولما سمع أهل البلد التكبير ثاروا وذهب كل فريق إلى أماكنهم من السور،
لا يدرون ما الخبر، فجعل كلما قدم أحد من أصحاب الباب الشرقي قتله
أصحاب خالد، ودخل خالد البلد عنوة فقتل من وجده.
وذهب أهل كل باب فسألوا من أميرهم الذي عند الباب من خارج الصلح - وقد
كان المسلمون دعوهم إلى المشاطرة فيأبون عليهم - فلما دعوهم إلى ذلك
أجابوهم.
ولم يعلم بقية الصحابة ما صنع خالد.
ودخل المسلمون من كل جانب وباب (1) فوجدوا خالدا وهو يقتل من وجده
فقالوا له: إنا قد أمناهم، فقال: إني فتحتها عنوة.
والتقت الامراء في وسط البلد عند كنيسة المقسلاط (2) بالقرب من درب
الريحان اليوم.
هكذا ذكره سيف بن عمر وغيره وهو المشهور أن خالدا فتح الباب قسرا.
وقال آخرون: بل الذي فتحها عنوة أبو عبيدة وقيل يزيد بن أبي سفيان،
وخالد صالح أهل البلد فعكسوا المشهور المعروف (3).
والله أعلم.
__________
(1) وفي فتوح البلدان 1 / 145 ان أبا عبيدة عانى من فتح باب الجابية
واقتتل المسلمون مع الروم قتالا شديدا حتى فتح الباب عنوة ودخلوا منه.
أما ابن الاعثم في الفتوح فقال: انه لما اشتد الحصار على أهل دمشق
سألوه أبا عبيدة الصلح فأجابهم إلى ذلك ووقع صلحهم وفتحت أبواب دمشق
فدخلها المسلمون 1 / 161.
(2) وهو موضع النحاسين بدمشق وهو البريص، وفي ابن الاعثم واليعقوبي:
التقيا في كنيسة مريم.
(3) هذا ما ذهب إليه البلاذري في فتوح البلدان وفيه نص كتاب خالد لاهل
دمشق بالصلح وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها: أعطاهم أمانا على
أنفسهم وأموالهم وكنائسهم (*)
(7/25)
وقد اختلف
الصحابة فقال قائلون هي صلح - يعني على ما صالحهم الامير في نفس الامر
وهو أبو عبيدة -.
وقال آخرون: بل هي عنوة، لان خالدا افتتحها بالسيف أولا كما ذكرنا،
فلما أحسوا بذلك ذهبوا إلى بقية الامراء ومعهم أبو عبيدة فصالحوهم،
فاتفقوا فيما بينهم على أن جعلوا نصفها صلحا ونصفها عنوة، فملك أهلها
نصف ما كان بأيديهم وأقروا عليه، واستقرت يد الصحابة على النصف (1).
ويقوي هذا ما ذكره سيف بن عمر من أن الصحابة كانوا يطلبون إليهم أن
يصالحوهم على المشاطرة فيأبون، فلما أحسوا باليأس أنابوا إلى ما كانت
الصحابة دعوهم إليه فبادروا إلى إجابتهم.
ولم تعلم الصحابة بما كان من خالد إليهم.
والله أعلم.
ولهذا أخذ الصحابة نصف الكنيسة العظمى التي كانت بدمشق وتعرف " بكنيسة
يوحنا " فاتخذوا الجانب الشرقي منها مسجدا، وأبقوا لهم نصفها الغربي
كنيسة، وقد أبقوا لهم مع ذلك أربع عشرة كنيسة أخرى مع نصف الكنيسة
المعروفة " بيوحنا "، وهي جامع دمشق اليوم.
وقد كتب لهم بذلك خالد بن الوليد كتابا، وكتب فيه شهادته أبو عبيدة
وعمرو بن العاص ويزيد وشرحبيل: إحداها كنيسة المقسلاط التي اجتمع عندها
أمراء الصحابة، وكانت مبنية على ظهر السوق الكبير، وهذه القناطر
المشاهدة في سوق الصابونيين من بقية القناطر التي كانت تحتها، ثم بادت
فيما بعد وأخذت حجارتها في العمارات.
الثانية: كنيسة كانت في رأس درب القرشيين وكانت صغيرة، قال الحافظ ابن
عساكر: وبعضها باق إلى يوم وقد تشعثت.
الثالثة: كانت بدار البطيخ العتيقة.
قلت: وهي داخل البلد بقرب الكوشك، وأظنها هي المسجد الذي قبل هذا
المكان المذكور، فإنها خربت من دهر.
والله أعلم.
الرابعة: كانت بدرب بني نصر بين درب الحبالين ودرب التميمي.
قال الحافظ ابن عساكر: وقد أدركت بعض بنيانها، وقد خرب أكثرها.
الخامسة: كنيسة بولص، قال ابن عساكر: وكانت غربي القيسارية الفخرية وقد
أدركت من بنيانها بعض أساس الحنية.
السادسة: كانت في موضع دار الوكالة وتعرف اليوم بكنيسة القلانسيين.
قلت: والقلانسيين هي الحواحين اليوم.
السابعة: التي بدرب السقيل اليوم
وتعرف بكنيسة حميد بن درة سابقا، لان هذا الدرب كان أقطاعا له وهو حميد
بن عمرو بن مساحق القرشي العامري، ودرة أمه، وهي درة إبنة هاشم بن عتبة
بن ربيعة، فأبوها خال معاوية.
وكان قد أقطع هذا الدرب فنسبت هذه الكنيسة إليه، وكان مسلما، ولم يبق
لهم اليوم سواها، وقد
__________
= وسور مدينتهم لا يهدم ولا يسكن شئ من دورهم.
لهم بذلك عهد الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله والخلفاء والمؤمنين
لا يعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية.
(1) قال محمد بن سعد: قال الواقدي: قرأت كتاب خالد بن الوليد لاهل دمشق
فلم أر فيه أنصاف المنازل والكنائس، وقد روي ذلك ولا أدري من اين جاء
به من رواه ويروي الواقدي في فتوح الشام أن خالد فتح دمشق عنوة وقد دار
بينه وبين أبي عبيدة محاجة عنيفة نزل خالد بعدها على رأي أبي عبيدة
(فتوح الشام 1 / 72 وما بعدها).
(*)
(7/26)
خرب أكثرها.
ولليعقوبية منهم كنيسة داخل باب توما بين رحبة خالد - وهو خالد بن أسيد
بن أبي العيص - وبين درب طلحة بن عمرو بن مرة الجهني، وهي الكنيسة
الثامنة، وكانت لليعقوبيين كنيسة أخرى فيما بين درب التنوى وسوق علي.
قال ابن عساكر: قد بقي من بنائها بعضه، وقد خربت منذ دهر.
وهي الكنيسة التاسعة.
وأما العاشرة فهي الكنيسة المصلبة قال الحافظ ابن عساكر: وهي باقية إلى
اليوم بين الباب الشرقي وباب توما بقرب النيبطن عند السور.
والناس اليوم يقولون النيطون.
قال ابن عساكر: وقد خرب أكثرها هكذا قال.
وقد خربت هذه الكنيسة وهدمت في أيام صلاح الدين فاتح القدس بعد
الثمانين وخمسمائة بعد موت الحافظ ابن عساكر رحمه الله.
الحادية عشرة: كنيسة مريم داخل الباب الشرقي.
قال ابن عساكر وهي من أكبر ما بقي بأيديهم.
قلت: ثم خربت بعد موته بدهر في أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس
البند قداري على ما سيأتي بيانه.
الثانية عشرة (1) كنيسة اليهود التي بأيديهم اليوم في حارتهم، ومحلها
معروف بالقرب من الجبر
وتسميه الناس اليوم بستان القط وكانت لهم كنيسة في درب البلاغة لم تكن
داخلة في العهد فهدمت فيما بعد وجعل مكانها المسجد المعروف بمسجد ابن
السهروردي، والناس اليوم يقولون درب الشاذوري.
قلت: وقد أخربت لهم كنيسة كانوا قد أحدثوها لم يذكرها أحد من علماء
التاريخ لا ابن عساكر ولا غيره، وكان إخرابها في حدود سنة سبع عشرة
وسبعمائة ولم يتعرض الحافظ ابن عساكر لذكر كنيسة السامرة بمرة.
ثم قال ابن عساكر: ومما أحدث - يعني النصارى - كنيسة بناها أبو جعفر
المنصور بنى قطيطا في الفريق عند قناة صالح قريبا من دازبها وأرمن
اليوم (2)، وقد أخربت فيما بعد وجعلت مسجدا يعرف بمسجد الجنيق وهو مسجد
أبي اليمن.
قال ومما أحدث كنيستا العباد إحداهما عند دار ابن الماشلي وقد جعلت
مسجدا.
والاخرى التي في رأس درب النقاشين وقد جعلت مسجدا.
انتهى ما ذكره الحافظ ابن عساكر الدمشقي رحمه الله.
قلت: وظاهر سياق سيف بن عمر يقتضي أن فتح دمشق وقع في سنة ثلاث عشرة
ولكن نص سيف على ما نص عليه الجمهور من أنها فتحت في نصف رجب سنة أربع
عشرة.
كذا حكاه الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن عائذ القرشي الدمشقي عن
الوليد بن مسلم عن عثمان بن حصين بن غلاق عن يزيد بن عبيدة قال: فتحت
دمشق سنة أربع عشرة.
ورواه دحيم عن الوليد.
قال: سمعت أشياخا يقولون إن دمشق فتحت سنة أربع عشرة.
وهكذا قال سعيد بن عبد العزيز وأبو معشر ومحمد بن إسحاق ومعمر والاموي
وحكاه عن مشايخه وابن الكلبي وخليفة بن خياط وأبو عبيد القاسم بن سلام،
إن فتح دمشق كان في سنة أربع عشرة.
وزاد سعيد بن عبد العزيز وأبو
__________
(1) في الاصل: " عشر " تحريف.
(2) كذا بالاصل.
(*)
(7/27)
معشر والاموي:
وكانت اليرموك بعدها بسنة.
وقال بعضهم: بل كان فتحها في شوال سنة أربع عشرة.
وقال خليفة: حاصرهم أبو عبيدة في رجب وشعبان ورمضان وشوال وتم الصلح في
ذي القعدة.
وقال الاموي في مغازيه: كانت وقعة أجنادين في جمادى الاولى، ووقعة فحل
في ذي
القعدة من سنة ثلاث عشرة - يعني ووقعة دمشق سنة أربع عشرة - وقال دحيم
عن الوليد: حدثني الاموي أن وقعة فحل وأجنادين كانت في خلافة أبي بكر
ثم مضى المسلمون إلى دمشق فنزلوا عليها في رجب سنة ثلاث عشرة يعني
ففتحوها في سنة أربع عشرة.
وكانت اليرموك سنة خمس عشرة، وقدم عمر إلى بيت المقدس سنة ست عشرة.
فصل واختلف العلماء في دمشق هل فتحت صلحا
أو عنوة ؟ فأكثر العلماء على أنه استقر أمرها على الصلح، لانهم
شكوا في المتقدم على الآخر أفتحت عنوة ثم عدل الروم إلى المصالحة، أو
فتحت صلحا، أو اتفق الاستيلاء من الجانب الآخر قسرا ؟ فلما شكوا في ذلك
جعلوها صلحا احتياطا.
وقيل بل جعل نصفها صلحا ونصفها عنوة، وهذا القول قد يظهر من صنع
الصحابة في الكنيسة العظمى التي كانت أكبر معابدهم حين أخذوا نصفها
وتركوا لهم نصفها.
والله أعلم.
ثم قيل: إن أبا عبيدة هو الذي كتب لهم كتاب الصلح، وهذا هو الانسب
والاشهر، فإن خالدا كان قد عزل عن الامرة، وقيل بل الذي كتب لهم الصلح
خالد بن الوليد، ولكن أقره على ذلك أبو عبيدة.
فالله أعلم.
وذكر أبو حذيفه إسحاق بن بشر أن الصديق توفي قبل فتح دمشق، وأن عمر كتب
إلى أبي عبيدة يعزيه والمسلمين في الصديق، وأنه قد استنابه على من
بالشام، وأمره أن يستشير خالدا في الحرب، فلما وصل الكتاب إلى أبي
عبيدة كتمه من خالد حتى فتحت دمشق بنحو من عشرين ليلة، فقال له خالد:
يرحمك الله، ما منعك أن تعلمني حين جاءك ؟ فقال: إني كرهت أن أكسر عليك
حربك، وما سلطان الدنيا أريد، ولا للدنيا أعمل، وما ترى سيصير إلى زوال
وانقطاع، وإنما نحن إخوان وما يضر الرجل أن يليه أخوه في دينه ودنياه.
ومن أعجب ما يذكر ههنا ما رواه يعقوب بن سفيان الفسوي: حدثنا هشام بن
عمار ثنا عبد الملك بن محمد ثنا راشد بن داود الصنعاني حدثني أبو عثمان
الصنعاني شراحيل بن مرثد، قال: بعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى أهل
اليمامة، وبعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام، فذكر
الراوي فقال خالد لاهل اليمامة إلى أن قال: ومات أبو بكر واستخلف عمر
فبعث أبا عبيدة إلى الشام فقدم دمشق فاستمد أبو عبيدة عمر فكتب عمر إلى
خالد بن الوليد أن يسير إلى أبي عبيدة بالشام، فذكر مسير خالد من
العراق إلى الشام كما تقدم.
وهذا غريب جدا فإن الذي لا يشك فيه
(7/28)
أن الصديق هو
الذي بعث أبا عبيدة وغيره من الامراء إلى الشام، وهو الذي كتب إلى خالد
بن الوليد أن يقدم من العراق إلى الشام ليكون مددا لمن به وأميرا
عليهم، ففتح الله تعالى عليه وعلى يديه جميع الشام على ما سنذكره إن
شاء الله تعالى.
وقال محمد بن عائذ: قال الوليد بن مسلم: أخبرني صفوان بن عمرو عن عبد
الرحمن بن جبير بن نفير أن المسلمين لما افتتحوا مدينة دمشق بعثوا أبا
عبيدة بن الجراح وافدا إلى أبي بكر بشيرا بالفتح فقدم المدينة فوجد أبا
بكر قد توفي واستخلف عمر بن الخطاب فأعظم أن يتأمر أحد من الصحابة عليه
فولاه جماعة الناس فقدم عليهم فقالوا: مرحبا بمن بعثناه بريدا فقدم
علينا أميرا.
وقد روى الليث وابن لهيعة وحيوة بن شريح ومفضل بن فضالة وعمر بن الحارث
وغير واحد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحكم عن علي بن رباح عن
عقبة بن عامر أنه بعثه أبو عبيدة بريدا بفتح دمشق قال: فقدمت على عمر
يوم الجمعة فقال لي: منذ كم لم تنزع خفيك ؟ فقلت من يوم الجمعة وهذا
يوم الجمعة.
فقال: أصبت السنة.
قال الليث: وبه نأخذ، يعني أن المسح على الخفين للمسافر لا يتأقت، بل
له أن يمسح عليهما ما شاء، وإليه ذهب الشافعي في القديم.
وقد روى أحمد وأبو داود عن أبي بن عمارة مرفوعا مثل هذا، والجمهور على
ما رواه مسلم عن علي في تأقيت المسح للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن،
وللمقيم يوم وليلة.
ومن الناس من فصل بين البريد ومن في معناه وغيره، فقال في الاول لا
يتأقت، وفيما عداه يتأقت لحديث عقبة وحديث علي.
والله أعلم.
فصل ثم إن أبا عبيدة بعث خالد بن
الوليد إلى البقاع ففتحه بالسيف.
وبعث سرية فالتقوا مع
الروم بعين ميسنون، وعلى الروم رجل يقال له " سنان " تحدر على المسلمين
من عقبة بيروت فقتل من المسلمين يومئذ جماعة من الشهداء فكانوا يسمون "
عين ميسنون " عين الشهداء.
واستخلف أبو عبيدة على دمشق يزيد بن أبي سفيان (1) كما وعده بها
الصديق.
وبعث يزيد دحية بن خليفة إلى تدمر في سرية ليمهدوا أمرها.
وبعث أبا الزهراء القشيري إلى البثينة (2) وحوران فصالح أهلها.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: افتتح خالد دمشق صلحا، وهكذا
سائر مدن
__________
(1) انظر الطبري 4 / 59.
ولم يسمه ابن الاعثم في الفتوح، قال: فدعا أبو عبيدة برجل من المسلمين
فولاه مدينة دمشق وخرج حتى لحق بأصحابه في فلسطين 1 / 177.
(2) في فتوح البلدان: أن يزيد بن أبي سفيان فتح البثنية وحوران صلحا (1
/ 150).
وقال الطبري أن أبا الزهراء القشيري صالحهما على صلح أهل دمشق.
(*)
(7/29)
الشام كانت
صلحا دون أرضيها.
فعلى يدي يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وأبي عبيدة.
وقال الوليد بن مسلم: أخبرني غير واحد من شيوخ دمشق بينما هم على حصار
دمشق إذ أقبلت خيل من عقبة السلمية مخمرة بالحرير فثار إليهم المسلمون
فالتقوا فيما بين بيت لهيا والعقبة (1) التي أقبلوا منها، فهزموهم
وطردوهم إلى أبواب حمص، فلما رأى أهل حمص ذلك ظنوا أنهم قد فتحوا دمشق
فقال لهم أهل حمص إنا نصالحكم على ما صالحتم عليه أهل دمشق ففعلوا.
وقال خليفة بن خياط حدثني عبد الله بن المغيرة عن أبيه قال افتتح
شرحبيل بن حسنة الاردن كلها عنوة ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوه (2).
وهكذا قال ابن الكلبي.
وقالا بعث أبو عبيدة خالدا فغلب على أرض البقاع وصالحه أهل بعلبك وكتب
لهم كتابا (3).
وقال ابن المغيرة عن أبيه وصالحهم على أنصاف منازلهم وكنائسهم، ووضع
الخراج.
وقال ابن إسحاق وغيره وفي سنة أربع عشرة فتحت حمص وبعلبك صلحا على يدي
أبي عبيدة في ذي القعدة قال خليفة: ويقال في سنة خمس عشرة.
وقعة فحل (4)
وقد ذكرها كثير من علماء السير قبل فتح دمشق وإنما ذكرها الامام أبو
جعفر بن جرير بعد فتح دمشق وتبع في ذلك سياق سيف بن عمر فيما رواه عن
أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني وأبي حارثة القيسي قالا: خلف الناس
يزيد بن أبي سفيان في خيله في دمشق وساروا نحو فحل وعلى
__________
(1) في فتوح البلدان: الثنية.
وروى البلاذري عن أبي مخنف أن أهل حمص قاتلوا المسلمين ثم لجأوا إلى
المدينة وطلبوا الامان والصلح، فتم على مئة ألف وسبعين ألف دينار.
(2) الطبري: 4 / 60.
(3) في فتوح البلدان أن أبا عبيدة سار إلى بعلبك فصالحهم وأمنهم على
أنفسهم وكتب لهم: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب أمان لفلان بن فلان
وأهل بعلبك رومها وفرسها وعربها على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم ودورهم،
داخل المدينة وخارجها وعلى أرحائهم، وللروم أن يرعوا سرحهم ما بينهم
وبين خمسة عشر ميلا ولا ينزلوا قرية عامرة.
فإذا مضى شهر ربيع وجمادى الاولى ساروا إلى حيث شاءوا.
ومن أسلم منهم فله مالنا وعليه ما علينا، ولتجارهم أن يسافروا إلى حيث
أرادوا من البلاد التي صالحنا عليها وعلى من أقام منهم الجزية والخراج.
شهد الله، وكفى بالله شهيدا (1 / 154).
أما في فتوح ابن الاعثم فقال أن خالد بن الوليد مضى إلى بعلبك وقاتل
الروم فيها من ضحوة النهار إلى قريب الظهر ثم حمل عليهم حتى احمرت
الارض من دمائهم واحتوى خالد على أموال وسلاح وخيل وسبي كثير فوجه به
كله إلى أبي عبيدة في دمشق وأخبره بما فتح الله عليه من أمر بعلبك 1 /
176.
وافقه الازدي في مسير خالد إليها وفتحها - إلى أن قال - وأقبل راجعا
إلى أبي عبيدة فأخبره الخبر (فتوح الشام 110).
(4) فحل: بكسر أوله وسكون ثانيه: اسم موضع بالشام كانت فيه وقعة
للمسلمين مع الروم (معجم البلدان 6 / 240).
وقيل موضع بين طبرية وبيسان بوادي نهر اليرموك.
كانت به وقائع كثيرة.
(*)
(7/30)
الناس الذين هم
بالغور شرحبيل بن حسنة وسار أبو عبيدة وقد جعل على المقدمة خالد بن
الوليد وأبو عبيدة على الميمنة وعمرو بن العاص على الميسرة، وعلى الخيل
ضرار بن الازور، وعلى الرجالة عياض بن غنم فوصلوا إلى فحل وهي بلدة
بالغور وقد انحاز الروم إلى بيسان (1)، وأرسلوا مياه
تلك الاراضي على هنالك من الاراضي فحال بينهم وبين المسلمين، وأرسل
المسلمون إلى عمر يخبرونه بما هم فيه من مصابرة عدوهم وما صنعه الروم
من تلك المكيدة، إلا أن المسلمين في عيش رغيد ومدد كبير، وهم على أهبة
من أمرهم.
وأمير هذا الحرب شرحبيل بن حسنة وهو لا يبيت ولا يصبح إلا على تعبئة.
وظن الروم أن المسلمين على غرة، فركبوا في بعض الليالي ليبيتوهم، وعلى
الروم سقلاب (2) بن مخراق، فهجموا على المسلمين فنهضوا إليهم نهضة رجل
واحد لانهم على أهبة دائما، فقاتلوهم حتى الصباح وذلك اليوم بكماله إلى
الليل.
فلما أظلم الليل فر الروم وقتل أميرهم سقلاب وركب المسلمون أكتافهم
وأسلمتهم هزيمتهم إلى ذلك الوحل الذي كانوا قد كادوا به المسلمين
فغرقهم الله فيه، وقتل منهم المسلمين بأطراف الرماح ما قارب الثمانين
ألفا (3) لم ينج منهم إلا الشريد، وغنموا منهم شيئا كثيرا ومالا جزيلا.
وانصرف أبو عبيدة وخالد بمن معهما من الجيوش نحو حمص كما أمر أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب.
واستخلف أبو عبيدة على الاردن شرحبيل بن حسنة، فسار شرحبيل ومعه عمرو
بن العاص فحاصر بيسان فخرجوا إليه فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم صالحوه
على مثل ما صالحت عليه دمشق، وضرب عليهم الجزية والخراج على أراضيهم
وكذلك فعل أبو الاعور السلمي بأهل طبرية سواء.
ما وقع بأرض العراق آنذاك من القتال وقد قدمنا أن المثنى بن حارثة لما
سار خالد من العراق بمن صحبه إلى الشام وقد قيل إنه سار بتسعة آلاف،
وقيل بثلاثة آلاف، وقيل بسبعمائة وقيل بأقل، إلا أنهم صناديد جيش
العراق، فأقام المثنى بمن بقي فاستقل عددهم وخاف من سطوة الفرس لولا
اشتغالهم بتبديل ملوكهم وملكاتهم، واستبطأ المثنى خبر الصديق فسار إلى
المدينة فوجد الصديق في السياق، فأخبر بأمر العراق، فأوصى الصديق عمر
أن يندب الناس لقتال أهل العراق.
فلما مات الصديق ودفن ليلة الثلاثاء أصبح عمر فندب الناس وحثهم على
قتال أهل العراق، وحرضهم ورغبهم في الثواب على
__________
(1) بيسان: بلد من أرض فلسطين شمالي نابلس، وإليها ينسب القاضي عبد
الرحيم بن علي البيساني وزير الملك الناصر يوسف بن أيوب.
(2) في الطبري والكامل: سقلار.
(3) كذا بالاصل والطبري والكامل.
وفي فتوح ابن الاعثم: ستين ألفا.
وفي فتوح الازدي (ص 112): بين الثلاثين والاربعين ألفا.
(*)
(7/31)
ذلك، فلم يقم
أحد لان الناس كانوا يكرهون قتال الفرس لقوة سطوتهم، وشدة قتالهم.
ثم ندبهم في اليوم الثاني والثالث فلم يقم أحد وتكلم المثنى بن حارثة
فأحسن، وأخبرهم بما فتح الله تعالى على يدي خالد من معظم أرض العراق،
ومالهم هناك من الاموال والاملاك والامتعة والزاد، فلم يقم أحد في
اليوم الثالث فلما كان اليوم الرابع كان أول من انتدب من المسلمين أبو
عبيد بن مسعود الثقفي ثم تتابع الناس في الاجابة، أمر عمر طائفة من أهل
المدينة وأمر على الجميع أبا عبيد)، هذا ولم يكن صحابيا، فقيل لعمر:
هلا أمرت عليهم رجلا من الصحابة ؟ فقال: إنما أومر أول من استجاب، إنكم
إنما سبقتم الناس بنصرة هذا الدين، وإن هذا هو الذي استجاب قبلكم.
ثم دعاه فوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا،
وأمره أن يستشير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يستشير سليط
بن قيس فإنه رجل باشر الحروب فسار المسلمون إلى أرض العراق وهم سبعة
آلاف رجل (1)، وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يرسل من كان بالعراق ممن قدم
مع خالد إلى العراق فجهز عشرة آلاف عليهم هاشم بن عتبة وأرسل عمر جرير
بن عبد الله البجلي في أربعة آلاف (2) إلى العراق فقدم الكوفة ثم خرج
منها فواقع هرقران المدار فقتله وانهزم جيشه وغرق أكثرهم في دجلة فلما
وصل الناس إلى العراق وجدوا الفرس مضطربين في ملكهم، وآخر ما استقر
عليه أمرهم أن ملكوا عليهم " بوران " بنت كسرى بعد ما قتلوا التي كانت
قبلها " أزرميدخت " وفوضت بوران أمر الملك عشر سنين إلى رجل منهم يقال
له رستم بن فرخزاذ على أن يقوم بأمر الحرب، ثم يصير الملك إلى آل كسرى
فقبل ذلك.
وكان رستم هذا منجما يعرف النجوم وعلمها جيدا، فقيل له: ما حملك على
هذا ؟ يعنون وأنت تعلم أن هذا الامر لا يتم لك فقال: الطمع وحب الشرف
(3).
وقعة النمارق بعث رستم أميرا يقال
له " جابان " وعلى مجنبتيه رجلان يقال لاحدهما " حشنس ماه " ويقال
للآخر " مردانشاه " وهو خصي أمير حاجب الفرس، فالتقوا مع أبي عبيد
بمكان يقال له النمارق، - بين الحيرة والقادسية - وعلى الخيل المثنى بن
حارثة، وعلى الميسرة عمرو بن الهيثم (4) فاقتتلوا هنالك قتالا شديدا
وهزم الله الفرس وأسر جابان ومردانشاه.
فأما مردانشاه فإنه قتله الذي أسره (5)، وأما جابان فإنه خدع الذي أسره
(6) حتى أطلقه فأمسكه المسلمون وأبوا أن يطلقوه،
__________
(1) في فتوح ابن الاعثم: أربعة آلاف.
(2) في ابن الاعثم: في سبعمائة.
(3) الخبر في الطبري 4 / 62 - 64.
(4) زاد الطبري: وعلى ميمنته والق بن جيدارة.
(5) في الطبري: أسره أكتل بن شماخ العكلي.
(6) أسر جابان مطر بن فضة التيمي.
وكان يدعى بأمه، وقد هم مطر بذبحه فقال جابان من تحته: لا إله إلا الله
(*)
(7/32)
وقالوا: إن هذا
الامير وجاؤا به إلى أبي عبيد فقالوا: اقتله فإنه الامير فقال: وإن كان
الامير فإني لا أقتله.
وقد أمنه رجل من المسلمين ثم ركب أبو عبيد في آثار من انهزم منهم وقد
لجأوا إلى مدينة كسكر التي لابن خالة كسرى واسمه نرسي فوازرهم نرسي على
قتال أبي عبيد، فقهرهم أبو عبيد وغنم منهم شيئا كثيرا وأطعمات كثيرة
جدا، ولله الحمد.
وبعث بخمس ما غنم من المال والطعام إلى عمر بن الخطاب بالمدينة وقد قال
في ذلك رجل من المسلمين (1).
لعمري وما عمري علي بهين * لقد صبحت بالخزي أهل النمارق بأيدي رجال
هاجروا نحو ربهم * يجوسونهم ما بين درنا وبارق قتلناهم ما بين مرج مسلح
* وبين الهواني من طريق التدارق (2) فالتقوا بمكان بين كسكر والسفاطية
وعلى ميمنة نرسي وميسرته إبنا خاله بندويه وبيرويه أولاد
نظام (3) وكان رستم قد جهز الجيوش مع الجالينوس، فلما بلغ أبو عبيد ذلك
أعجل نرسي بالقتال قبل وصولهم، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزمت الفرس
وهرب نرسي والجالينوس إلى المدائن بعد وقعة جرت من أبي عبيد مع
الجالينوس بمكان يقال له باروسما، فبعث أبو عبيد المثنى بن حارثة
وسرايا أخر إلى متاخم تلك الناحية كنهر جور (4) ونحوها ففتحها صلحا
وقهرا وضربوا الجزية والخراج وغنموا الاموال الجزيلة ولله الحمد والمنة
وكسروا الجالينوس الذي جاء لنصرة جابان وغنموا جيشه وأمواله وكر هاربا
إلى قومه حقيرا ذليلا.
وقعة جسر أبي عبيد ومقتل أمير
المسلمين وخلق كثير منهم لما رجع الجالينوس هاربا مما لقي من المسلمين
تذامرت الفرس بينهم واجتمعوا إلى رستم فأرسل جيشا كثيفا عليهم ذا
الحاجب " بهمس (5) حادويه " وأعطاه راية افريدون وتسمى درفش كابيان
وكانت الفرس تتيمن بها.
وحملوا معهم راية كسرى وكانت من جلود النمور عرضها ثمانية أذرع (6).
فوصلوا إلى المسلمين (7) وبينهم النهر وعليه جسر فأرسلوا: إما أن
تعبروا إلينا وإما إن
__________
= فلم يقتله مطر (فتوح ابن الاعثم 1 / 166).
(1) وهو عاصم بن عمرو - قاله الطبري.
(2) في الطبري: وبين الهوافي من طريف البذارق.
(3) في الطبري: بندويه وتيرويه ابنا بسطام وهو خال كسرى.
(4) في الطبري: جوبر.
(5) في الطبري والكامل: بهمن جاذويه وفي فتوح البلدان: " ويقال ان اسمه
رستم ".
ويقال له: ذا الحاجب لانه كان يعصب حاجبيه بعصابة ليرفعهما كبرا.
وفي فتوح ابن الاعثم ذكره: مهران ملك اذربيجان.
(6) زاد الكامل والطبري: وطولها اثنى عشر ذراعا (2 / 438).
(7) في الطبري والكامل: في المروحة موضع البرج والعاقول.
وفي فتوح ابن الاعثم بموضع يقال له بانقيا.
(*)
(7/33)
نعبر إليكم.
فقال المسلمون لاميرهم أبي عبيد أأمرهم فليعبروا هم إلينا.
فقال ما هم بأجرأ على
الموت منا ثم اقتحم إليهم فاجتمعوا في مكان ضيق هنالك فاقتتلوا قتالا
شديدا لم يعهد مثله والمسلمون في نحو من عشرة آلاف، وقد جاءت الفرس
معهم بأفيلة كثيرة عليها الجلاجل، قائمة لتذعر خيول المسلمين فجعلوا
كلما حملوا على المسلمين فرت خيولهم من الفيلة ومما تسمع من الجلاجل
التي عليها ولا يثبت منها إلا القليل على قسر.
وإذا حمل المسلمون عليهم لا تقدم خيولهم على الفيلة ورشقتهم الفرس
بالنبل، فنالوا منهم خلقا كثيرا وقتل المسلمون منهم مع ذلك ستة آلاف.
وأمر أبو عبيد المسلمين أن يقتلوا الفيلة أولا، فاحتوشوها فقتلوها عن
آخرها، وقد قدمت الفرس بين أيديهم فيلا عظيما أبيض، فتقدم إليه أبو
عبيد فضربه بالسيف فقطع ذلومه فحمى الفيل، وصاح صيحة هائلة وحمل فتخبطه
برجليه فقتله ووقف فوقه فحمل على الفيل خليفة أبي عبيد الذي كان أوصى
أن يكون أميرا بعده فقتل، ثم آخر ثم آخر حتى قتل سبعة (1) من ثقيف كان
قد نص أبو عبيد عليهم واحدا بعد واحد، ثم صارت إلى المثنى بن حارثة
بمقتضى الوصية أيضا.
وقد كانت دومة امرأة أبي عبيد رأت مناما يدل على ما وقع سواء بسواء.
فلما رأى المسلمون ذلك وهنوا عند ذلك ولم يكن بقي إلا الظفر بالفرس،
وضعف أمرهم، وذهب ريحهم، وولوا مدبرين، وساقت الفرس خلفهم فقتلوا بشرا
كثيرا وانكشف الناس فكان أمرا بليغا وجاؤا إلى الجسر فمر بعض الناس.
ثم انكسر الجسر فتحكم فيمن وراءه الفرس فقتلوا من المسلمين وغرق في
الفرات نحوا من أربعة آلاف.
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وسار المثنى بن حارثة فوقف عند الجسر الذي جاؤا منه، وكان الناس لما
انهزموا جعل بعضهم يلقي بنفسه في الفرات فيغرق، فنادى المثنى.
أيها الناس على هينتكم فإني واقف على فم الجسر لا أجوزه حتى لا يبقى
منكم أحد ههنا، فلما عدى الناس إلى الناحية الاخرى سار المثنى فنزل بهم
أول منزل، وقام يحرسهم هو وشجعان المسلمين، وقد جرح أكثرهم وأثخنوا.
ومن الناس من ذهب في البرية لا يدرى أين ذهب، ومنهم من رجع إلى المدينة
النبوية مذعورا، وذهب بالخبر عبد الله بن زيد بن عاصم المازني إلى عمر
بن الخطاب فوجده على المنبر، فقال له عمر: ما وراءك يا عبد الله بن زيد
؟ (2) فقال: أتاك الخبر اليقين يا أمير المؤمنين، ثم صعد إليه المنبر
فأخبره الخبر سرا، ويقال كان أول من قدم
بخبر الناس عبد الله بن يزيد بن الحصين الحطمي (3).
فالله أعلم.
__________
(1) ذكر في فتوح البلدان أنه بعد مقتل أبي عبيد، أخذ اللواء أخوه فقتل،
فاخذه ابنه جبر فقتل ثم أخذه المثنى ساعة، 2 / 308 وفي فتوح ابن الاعثم
1 / 169: قال أبو عبيد إن قتلت فأميركم ابني وهب فإن قتل فابني مالك
فأن قتل فابني جبر، فإن اصيب فسليط بن مالك فأن اصيب فأبو محجن فإن
اصيب فالمثنى بن حارثة.
(2) في فتوح البلدان: عروة بن زيد.
وفى الطبري والكامل فكالاصل.
(3) كذا في رواية ابن اسحاق وكان الخطمي من الذين تفرقوا ولحقوا
بالمدينة، أما عبد الله بن زيد فقد أرسله المثنى بن حارثة بعد الوقعة
بالخبر إلى عمر بن الخطاب.
وفي ابن الاعشم: معاذ بن حصين الانصاري 1 / 170 (*)
(7/34)
قال سيف بن عمر
وكانت هذه الوقعة في شعبان من سنة ثلاث [ عشرة ] (1) بعد اليرموك
بأربعين يوما فالله أعلم، وتراجع المسلمون بعضهم إلى بعض وكان منهم من
فر إلى المدينة فلم يؤنب عمر الناس بل قال أنا فيئكم وأشغل الله المجوس
بأمر ملكهم.
وذلك أن أهل المدائن عدوا على رستم فخلعوه ثم ولوه وأضافوا إليه
الفيرزان، واختلفوا على فرقتين (2)، فركب الفرس إلى المدائن ولحقهم
المثنى بن حارثة في نفس من المسلمين، فعارضه أميران (3) من أمرائهم في
جيشهم، فأسرهما وأسر معهما بشرا كثيرا فضرب أعناقهم.
ثم أرسل المثنى إلى من بالعراق من أمراء المسلمين يستمدهم، فبعثوا إليه
بالامداد، وبعث إليه عمر بن الخطاب بمدد كثير فيهم جرير بن عبد الله
البجلى، في قومه بجيلة بكمالها، وغيره من سادات المسلمين (4) حتى كثر
جيشه.
وقعت البويب التي اقتص فيها المسلمون من الفرس فلما سمع بذلك أمراء
الفرس، وبكثرة جيوش المثنى، بعثوا إليه جيشا آخر مع رجل يقال له مهران
فتوافوا هم وإياهم بمكان يقال له " البويب " قريب من مكان الكوفة اليوم
وبينهما الفرات.
فقالوا: إما أن تعبروا إلينا، أو نعبر إليكم.
فقال المسلمون: بل اعبروا إلينا.
فعبرت الفرس إليهم فتواقفوا، وذلك في شهر رمضان.
فعزم المثنى على المسلمين في الفطر فأفطروا عن آخرهم ليكون أقوى لهم،
وعبى الجيش، وجعل يمر على كل راية من رايات الامراء على القبائل ويعظهم
ويحثهم على الجهاد والصبر والصمت.
وفي القوم جرير بن عبد الله البجلي في بجيلة وجماعة من سادات المسلمين.
وقال المثنى لهم: إني مكبر ثلاث تكبيرات فتهيأوا، فإذا كبرت الرابعة
فاحملوا.
فقابلوا قوله بالسمع والطاعة والقبول.
فلما كبر أول تكبيرة عاجلتهم الفرس فحملوا حتى غالقوهم، واقتتلوا قتالا
شديدا، ورأى المثنى في بعض صفوفه خللا، فبعث إليهم رجلا يقول: الامير
يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: لا تفضحوا العرب (5) اليوم فاعتدلوا.
فلما رأى ذلك منهم - وهم بنو عجل - أعجبه وضحك.
وبعث إليهم يقول: يا معشر المسلمين عاداتكم، انصروا الله
__________
(1) من الطبري، وفي فتوح البلدان: كانت وقعة الجسر يوم السبت في آخر
شهر رمضان سنة ثلاث عشرة.
(2) في الطبري: فرقة الفهلوج على رستم وأهل فارس على الفيرزان.
(3) وهما: جابان ومردانشاه.
كما في الطبري والكامل.
(4) في ابن الاعثم صار جرير في سبعمائة رجل، وفي الطبري: بعث عمر جرير
في بجيلة، وعصمة بن عبد الله من بني عبد بن الحارث الضبي فيمن تبعه من
بني ضبة، وهلال بن علقمة التيمي مع الرباب، وابن المثنى الجشمي مع جشم
سعد، وعبد الله بن ذي السهمين مع اناس من خثعم، وربعي في بعض بني
حنظلة، وربعي بن عامر بن خالد العنود على بعض بني عمرو وقرط بن جماح
على عبد القيس.
وابن مردى التغلبي في اناس من بني تغلب (الطبري 4 / 73)، وأنس بن هلال
النمري في بنى النمر.
(5) في الطبري: المسلمين.
(*)
(7/35)
ينصركم.
وجعل المثنى والمسلمون يدعون الله بالظفر والنصر.
فلما طالت مدة الحرب جمع المثنى جماعة من أصحابه الابطال يحمون ظهره،
وحمل على مهران فأزاله عن موضعه حتى دخل الميمنة، وحمل غلام من بني
تغلب نصراني فقتل مهران وركب فرسه.
كذا ذكره سيف بن عمر.
وقال محمد بن إسحاق بل حمل عليه المنذر بن حسان بن ضرار الضبي فطعنه
واحتز رأسه جرير بن عبد الله البجلي، واختصما في سلبه فأخذ جرير السلاح
وأخذ المنذر منطقته (1).
وهربت المجوس وركب المسلمون أكتافهم يفصلونهم فصلا.
وسبق المثنى بن حارثة إلى الجسر فوقف عليه
ليمنع الفرس من الجواز عليه ليتمكن منهم المسلمون.
فركبوا أكتافهم بقية ذلك اليوم وتلك الليلة، ومن أبعد إلى الليل فيقال
إنه قتل منهم يومئذ وغرق قريب من مائة ألف ولله الحمد والمنة.
وغنم المسلمون مالا جزيلا وطعاما كثيرا، وبعثوا بالبشارة والاخماس إلى
عمر رضي الله عنه.
وقد قتل من سادات المسلمين في هذا اليوم بشر كثير أيضا وذلت لهذه
الوقعة رقاب الفرس وتمكن الصحابة من الغارات في بلادهم فيما بين الفرات
ودجلة فغنموا شيئا عظيما لا يمكن حصره.
وجرت أمور يطول ذكرها بعد يوم البويب وكانت هذه الواقعة بالعراق نظير
اليرموك بالشام.
وقد قال الاعور الشني العبدي في ذلك: - هاجت لاعور دار الحي أحزانا *
واستبدلت بعد عبد القيس حسانا (2) وقد أرانا بها والشمل مجتمع * إذ
بالنخيلة قتلى جند مهرانا إذ كان (3) سار المثنى بالخيول لهم * فقتل
الزحف من فرس وجيلانا سما لمهران والجيش الذي معه * حتى أبادهم مثنى
ووحدانا
فصل ثم بعث أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب سعد بن أبي وقاص الزهري أحد العشرة في ستة آلاف أميرا على
العراق، وكتب إلى جرير بن عبد الله والمثنى بن حارثة أن يكونا تبعا له
وأن يسمعا له ويطيعا، فلما وصل إلى العراق كانا معه، وكانا قد تنازعا
الامرة، فالمثنى يقول لجرير: إنما بعثك أمير المؤمنين مددا إلي.
ويقول جرير: إنما بعثني أميرا عليك.
فلما قدم سعد على أمر العراق انقطع نزاعهما.
قال ابن إسحاق.
وتوفي المثنى بن حارثة (4) في هذه السنة: كذا قال ابن إسحق.
__________
(1) كذا في رواية الطبري عن ابن اسحاق، والبلاذري في فتوح البلدان،
وزاد: ويقال إن الحصن بن معبد بن زرارة بن عدس التميمي كان ممن قتله.
(2) في الطبري: خفانا.
(3) في الطبري: أزمان.
(4) وكان المثنى قد أصيب بجراحات في وقعة الجسر، فانتقضت عليه فمرض
مرضا شديدا ومات وبلغ ذلك سعد = (*)
(7/36)
بقين من جمادى
الاخرة منها فولى قضاء المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه واستناب
على الشام أبا عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري، وعزل عنها
خالد بن الوليد المخزومي، وأبقاه على شورى الحرب وفيها فتحت بصرى صلحا
وهي أول مدينة فتحت من الشام، وفيها فتحت دمشق في قول سيف وغيره كما
قدمنا واستنيب فيها يزيد بن أبي سفيان فهو أول من وليها من أمراء
المسلمين رضي الله عنهم.
وفيها كانت وقعة فحل من أرض الغور وقتل بها جماعة من الصحابة وغيرهم.
وفيها كانت وقعة جسر أبي عبيد فقتل فيها أربعة آلاف من المسلمين منهم
أميرهم أبو عبيد بن مسعود الثقفي، وهو والد صفية امرأة عبد الله بن عمر
وكانت امرأة صالحة رحمهما الله.
ووالد المختار بن أبي عبيد كذاب ثقيف وقد كان نائبا على العراق في بعض
وقعات العراق كما سيأتي.
وفيها توفي المثنى بن حارثة في قول
ابن إسحاق، وقد كان نائبا على العراق استخلفه خالد ابن الوليد حين سار
إلى الشام، وقد شهد مواقف مشهورة وله أيام مذكورة ولاسيما يوم البويب
بعد جسر أبي عبيد قتل فيه من الفرس وغرق بالفراة قريب من مائة ألف،
الذي عليه الجمهور أنه بقي إلى سنة أربع عشرة كما سيأتي بيانه.
وفيها حج بالناس عمر بن الخطاب في قول بعضهم وقيل بل حج عبد الرحمن بن
عوف.
وفيها استنفر عمر قبائل العرب لغزو العراق الشام فأقبلوا من كل النواحي
فرمى بهم الشام والعراق.
وفيها كانت وقعة أجنادين في قول ابن اسحق يوم السبت لثلاث من جمادى
الاولى منها.
وكذا عند الواقدي فيما بين الرملة وبين جسرين على الروم القيقلان (1)
وأمير المسلمين عمرو بن العاص، وهو في عشرين ألفا في قول فقتل القيقلان
وانهزمت الروم وقتل منهم خلق كثير.
واستشهد من المسلمين أيضا جماعة منهم هشام بن العاص والفضل ابن العباس،
وأبان بن سعيد وأخواه وخالد وعمرو، ونعيم بن عبد الله بن النحام،
والطفيل بن عمرو بن عبد الله بن عمرو الذوسيان، وضرار بن الازور،
وعكرمة بن أبي جهل، وعمه سلمة بن هشام، وهبار بن سفيان، وصخر بن نصر،
وتميم وسعيد إبنا الحارث بن قيس رضي الله عنهم.
وقال محمد بن سعد قتل يومئذ طليب بن عمرو (2) وأمه أروى بنت عبد المطلب
عمة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وممن قتل يومئذ عبد الله بن الزبير بن عبد
المطلب، وكان عمره يومئذ ثلاثين سنة فيما ذكره الواقدي قال: ولم يكن له
رواية وكان ممن صبر يوم حنين.
قال ابن جرير وقتل يومئذ عثمان بن طلحة بن أبي طلحة والحارث بن أوس بن
عتيك رضي الله عنهم.
وفيها كانت وقعة مرج الصفر في قول خليفة بن خياط وذلك لثنتي عشرة بقيت
من جمادى الاولى وأمير الناس خالد بن سعيد بن العاص فقتل يومئذ وقيل
إنما قتل أخوه عمرو وقيل ابنه.
فالله أعلم.
قال ابن إسحق: وكان أمير الروم قلقط فقتل من الروم مقتلة عظيمة حتى جرت
طاحون
__________
(1) في الطبري والكامل: القيقلار.
(2) كذا في الاصل والصواب: طليب بن عمير بن وهب بن عبد بن قصي ويكنى
أبا عدي.
(*)
(7/37)
ذكر اجتماع الفرس على يزدجرد بعد اختلافهم
كان شرين قد جمع آل كسرى في القصر الابيض وأمر بقتل ذكرانهم كلهم،
وكانت أم يزدجرد فيهم معها ابنها وهو صغير، فواعدت أخواله فجاؤا وأخذوه
منها وذهبوا به إلى بلادهم، فلما وقع ما وقع يوم البويب وقتل من قتل
منهم كما ذكرنا، وركب المسلمون أكتافهم وانتصروا عليهم وعلى أخذ
بلدانهم، ومحالهم وأقاليمهم.
ثم سمعوا بقدوم سعد بن أبي وقاص من جهة عمر، اجتمعوا فيما بينهم
وأحضروا الاميرين الكبيرين فيهم وهما رستم والفيرزان فتذامروا فيما
بينهم وتواصوا وقالوا لهما لئن لم تقوما بالحرب كما ينبغي لنقتلنكما
ونشتفي بكما.
ثم رأوا فيما بينهم أن يبعثوا خلف نساء كسرى من كل فج ومن كل بقعة، فمن
كان لها ولد من آل كسرى ملكوه عليهم.
فجعلوا إذا أتوا بالمرأة عاقبوها هل لها ولد وهي تنكر ذلك خوفا على
ولدها إن كان لها ولد، فلم يزالوا حتى دلوا على أم يزجرد، فأحضروها
وأحضروا ولدها فملكوه عليهم وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وهو من ولد
شهريار بن كسرى وعزلوا بوران واستوثقت الممالك له، واجتمعوا عليه
وفرحوا به، وقاموا بين يديه بالنصر أتم قيام، واستفحل أمره فيهم وقويت
شوكتهم به، وبعثوا إلى الاقاليم والرساتيق فخلعوا الطاعة للصحابة
ونقضوا عهودهم وذممهم، وبعث
الصحابة إلى عمر بالخبر، فأمرهم عمر أن بتبرزوا من بين ظهرانيهم
وليكونوا على أطراف البلاد حولهم على المياه، وأن تكون كل قبيلة تنظر
إلى الاخرى بحيث إذا حدث حدث على قبيلة لا يخفى أمرها على جيرانهم.
وتفاقم الحال جدا.
وذلك في ذي القعدة من سنة ثلاث عشرة، وقد حج بالناس عمر في هذه السنة
وقيل بل حج بهم عبد الرحمن بن عوف ولم يحج عمر هذه السنة.
والله أعلم. |