البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
سنة عشرين من الهجرة
قال محمد بن إسحق: فيها كان فتح مصر.
وكذا قال الواقدي: إنها فتحت هي واسكندرية في هذه السنة.
وقال أبو معشر: فتحت مصر سنة عشرين، واسكندرية في سنة خمس وعشرين.
وقال سيف: فتحت مصر واسكندرية في سنة ست عشرة في ربيع الاول منها.
ورجح ذلك أبو الحسن بن الاثير في الكامل لقصة بعث عمرو الميرة من مصر
عام الرمادة، وهو معذور فيما رجحه والله أعلم.
وفيها كان فتح تستر في قول طائفة من علماء السير بعد محاصرة سنتين وقيل
سنة ونصف.
والله أعلم.
صفة فتح مصر عن ابن إسحاق وسيف
قالوا: لما استكمل عمرو المسلمون فتح الشام بعث عمرو بن العاص إلى مصر
وزعم سيف
أنه بعثه بعد فتح بيت المقدس، وأردفه بالزبير بن العوام وفي صحبته بشر
بن أرطاة، وخارجة بن حذافة، وعمير بن وهب الجمحي.
فاجتمعا على باب مصر فلقيهم أبو مريم جاثليق مصر ومعه الاسقف أبو مريم
في أهل الثبات (2)، بعثه المقوقس صاحب اسكندرية لمنع بلادهم، فلما
تصافوا قال عمرو بن العاص لا تعجلوا حتى نعذر، ليبرز إلي بو مريم وأبو
مريم راهبا هذه البلاد، فبرزا إليه، فقال لهما عمرو بن العاص: أنتما
راهبا هذه البلاد فاسمعا، إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق
__________
(1) قال أبو نعيم مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين، واحتج له بأن زر بن
حبيش لقبه في خلافة عثمان، وهذا ما أكده علي بن المديني من انه مات في
صدر خلافة عثمان.
وقال ابن عبد البر: الاكثر على انه مات في خلافة عمر.
(2) في الطبري: أهل النيات.
(*)
(7/111)
وأمره به
وأمرنا به محمد صلى الله عليه وسلم، وأدى إلينا كل الذي أمر به، ثم مضى
وتركنا على الواضحة، وكان مما أمرنا به الاعذار إلى الناس، فنحن ندعوكم
إلى الاسلام، فمن أجابنا إليه فمثلنا، ومن لم يجبنا عرضنا عليه الجزية
وبذلنا له المنعة، وقد أعلمنا أنا مفتتحوكم، وأوصانا بكم حفظا لرحمنا
منكم، وأن لكم إن أجبتمونا بذلك ذمة إلى ذمة.
ومما عهد إلينا أميرنا استوصوا بالقبطيين خيرا، فإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أوصانا بالقبطيين خيرا، لان لهم رحما وذمة.
فقالوا: قرابة بعيدة لا يصل مثلها إلا الانبياء معروفة شريفة، كانت
إبنة ملكنا وكانت من هل منف والملك فيهم فأديل عليهم أهل عين شمس
فقتلوهم وسلبوهم ملكهم واغتربوا فلذلك صارت إلى إبراهيم عليه السلام
مرحبا به وأهلا.
أمنا حتى نرجع إليك، فقال عمرو: إن مثلي لا يخدع ولكني أؤجلكما ثلاثا
لتنظروا ولتناظرا قومكما وإلا ناجزتكم.
قالا: زدا، فزادهم يوما، فقالا: زدنا.
فزادهم يوما.
فرجعا إلى المقوقس فأبى أرطبون أن يجيبهما وأمر بمناهدتهم، فقالا لاهل
مصر: أما نحن فسنجتهد أن ندفع عنكم ولا نرجع إليهم.
وقد بقيت أربعة أيام قاتلوا وأشار عليهم بأن يبيتوا المسلمين، فقال
الملا منهم: ما تقاتلون من قوم قتلوا كسرى وقيصر وغلبوهم على بلادهم.
فألح الارطبون في أن يبيتوا للمسلمين ففعلوا فلم يظفروا بشئ بل قتل
منهم طائفة منهم الارطبون (1)، وحاصر
المسلمون عين شمس (2) من مصر في اليوم الرابع.
وارتقى الزبير عليهم سور البلد (3)، فلما أحسوا بذلك خرجوا إلى عمرو من
الباب الآخر فصالحوه واخترق الزبير البلد حتى خرج من الباب الذي عليه
عمرو فأمضوا الصلح وكتب لهم عمرو كتاب أمان: " بسم الله الرحمن الرحيم:
هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الامان على أنفسهم وملتهم
وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليهم شئ من ذلك ولا
ينتقص ولا يساكنهم النوبة، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا
على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف وعليهم ما حق لصونهم،
فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزاء بقدرهم، وذمتنا ممن أبى
بريئة.
وإن نقص نهرهم من غايته رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم
والنوبة، فله مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب
فهو آمن حتى يبلغ مأمنه أو يخرج من سلطاننا،
__________
(1) وكان ذلك ببلبيس، وبلبيس بمديرية الشرقية وكان نابليون رمم حصونها
لما قدم مصر، وقد قاومت بلبيس شهرا وكان بها ارمانوسة ابنة المقوقس
والتي كان أبوها قد زوجها من قسطنطين بن هرقل وأرسلها إليه في قيسارية،
وقد أخذت ارمانوسة وأرسلها عمرو بن العاص إلى أبيها مكرمة في جميع
مالها مع قيس بن أبي العاص السهمي فسر بقدومها.
(انظر الواقدي في فتوح مصر).
(2) قال الشيخ محمد رضا في كتابه عمر بن الخطاب: لم يكن لعين شمس أهمية
عسكرية عند الفتح الاسلامي غير انها كانت صالحة للقتال فالمياة واصلة
إليها ومن السهل تموين الجيش فيها، وكان عمرو بن العاص يقصد بنزوله عين
شمس محاربة الروم في العراء بعيدا عن الحصون.
ص 239.
(3) وهو سور حصن بابليون أو قصر الشمع وقد بناه الريان بن ارسلاون وكان
هذا القصر يوقد عليه الشمع في رأس كل شهر وذلك انه إذا حلت الشمس في
برج من البروج.
(*)
(7/112)
عليهم ما عليهم
أثلاثا، في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم.
على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين
وذمم المؤمنين، وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا،
وكذا وكذا فرسا على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة.
شهد الزبير وعبد
الله ومحمد ابناه وكتب وردان وحضر (1) " فدخل في ذلك أهل مصر كلهم
وقبلوا الصلح واجتمعت الخيول بمصر وعمروا الفسطاط، وظهر أبو مريم وأبو
مريام فكلما عمرا في السبايا التي أصيبت بعد المعركة.
فأبى عمرو أن يردها عليهما، وأمر بطردهما وإخراجهما من بين يديه، فلما
بلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمر أن كل سبي أخذ في الخمسة أيام
التي أمنوهم فيها أن يرد عليهم، وكل سبي أخذ ممن لم يقاتل وكذلك من
قاتل فلا يرد عليه سباياه.
وقيل إنه أمره أن يخيروا من في أيديهم من السبي بين الاسلام وبين أن
يرجع إلى أهله، فمن اختار الاسلام فلا يردوه إليهم، ومن اختارهم ردوه
عليهم وأخذوا منه الجزية، وأما ما تفرق من سبيهم في البلاد ووصل إلى
الحرمين وغيرهما، فإنه لا يقدر على ردهم ولا ينبغي أن يصالحهم على ما
يتعذر الوفاء به.
ففعل عمرو ما أمر به أمير المؤمنين، وجمع السبايا وعرضوهم وخيروهم
فمنهم من اختار الاسلام، ومنهم من عاد إلى دينه، وانعقد الصلح بينهم.
ثم أرسل عمرو جيشا إلى اسكندرية وكان المقوقس صاحب الاسكندرية قبل ذلك
يؤدي خراج بلده وبلد مصر إلى ملك الروم - فلما حاصره عمرو بن العاص جمع
أساقفته وأكابر دولته وقال لهم: إن هؤلاء العرب غلبوا كسرى وقيصر
وأزالوهم عن ملكهم ولا طاقة لنا بهم، والرأي عندي أن نؤدي الجزية
إليهم.
ثم بعث إلى عمرو بن العاص يقول: إني كنت أؤدي الخراج إلى من هو أبغض
إلي منكم - فارس والروم - ثم صالحه على أداء الجزية، وبعث عمرو بالفتح
والاخماس إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وذكر سيف أن عمرو بن العاص لما التقى مع المقوقس جعل كثير من المسلمين
يفر من الزحف فجعل عمر يزمرهم ويحثهم على الثبات: فقال له رجل من أهل
اليمن: إنا لم نخلق من حجارة ولا حديد.
فقال له عمرو: اسكت فإنما، أنت كلب.
فقال له الرجل: فأنت إذا أمير الكلاب.
فأعرض عنه عمرو ونادى يطلب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما
اجتمع إليه من هناك من الصحابة قال لهم عمرو: تقدموا فبكم ينصر الله
المسلمين.
فنهدوا إلى القوم ففتح الله عليهم وظفروا أتم الظفر.
قال سيف: ففتحت مصر في ربيع الاول من سنة ست عشرة وقام فيها ملك
الاسلام ولله الحمد والمنة.
وقال غيره: فتحت مصر في سنة عشرين، وفتحت اسكندرية في سنة
خمس وعشرين بعد محاصرة ثلاثة أشهر عنوة، وقيل صلحا على اثني عشر ألف
دينار.
وقد ذكر أن المقوقس سأل من عمرو أن يهادنه أولا، فلم يقبل عمرو وقال
له: قد علمتم ما فعلنا بملككم
__________
(1) قال الاستاذ بتلر أن هذا العقد - وقد أورده الطبري 4 / 239 - هو
عقد صلح الاسكندرية.
أقول ويبدو ان هذا العقد مقتضب فقد فرض على جميع من بمصر أعلاها
وأسفلها من القبط ديناران ديناران عن كل نفس شريفهم ووضيعهم من بلغ
منهم الحلم (وأخرج النساء والصبيان من ذلك) انظر فتوح البلدان 1 / 256.
(*)
(7/113)
الاكبر هرقل.
فقال المقوقس لاصحابه: صدق فنحن أحق بالاذعان.
ثم صالح على ما تقدم.
وذكر غيره أن عمرا والزبير سارا إلى عين شمس فحاصراها وأن عمرا بعث إلى
الفرما (1) أبرهة بن الصباح، وبعث عوف بن مالك إلى الاسكندرية، فقال كل
منهما لاهل بلده: أن نزلتم فلكم الامان.
فتربصوا ماذا يكون من أهل عين شمس، فلما صالحوا صالح الباقون.
وقد قال عوف بن مالك لاهل اسكندرية: ما أحسن بلدكم ؟ فقالوا: إن اسكندر
لما بناها قال: لابنين مدينة فقيرة إللى الله غنية عن الناس.
فبقيت بهجتها.
وقال أبرهة لاهل الفرما: ما أقبح مدينتكم: فقالوا إن الفرما - وهو أخو
الاسكندر - لما بناها قال لابنين مدينة غنية عن الله فقيرة إلى الناس.
فهي لا يزال ساقطا بناؤها فشوهت بذلك.
وذكر سيف أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما ولي مصر بعد ذلك زاد في
الخراج عليهم رءوسا من الرقيق يهدونها إلى المسلمين في كل سنة، ويعوضهم
المسلمون بطعام مسمى وكسوة.
وأقر ذلك عثمان بن عفان وولاة الامور بعده، حتى كان عمر بن عبد العزيز
فأمضاه أيضا نظرا لهم، وإبقاء لعهدهم.
قلت: وإنما سميت ديار مصر بالفسطاط نسبة إلى فسطاط عمرو بن العاص، وذلك
أنه نصب خيمته وهي الفسطاط موضع مصر اليوم، وبنى الناس حوله، وتركت مصر
القديمة من زمان عمرو بن العاص وإلى اليوم، ثم رفع الفسطاط وبنى موضعه
جامعا وهو المنسوب إليه اليوم.
وقد غزا المسلمون بعد فتح مصر النوبة فنالهم جراحات كثيرة، وأصيبت أعين
كثيرة، لجودة رمي النوبة فسموهم جند الحدق.
ثم فتحها الله بعد ذلك وله الحمد والمنة،
وقد اختلف في بلاد مصر فقيل: فتحت صلحا إلا الاسكندرية، وهو قول يزيد
بن أبي حبيب.
وقيل: كلها عنوة وهو قول ابن عمر وجماعة.
وعن عمرو بن العاص أنه خطب الناس فقال: ما قعدت هذا ولاحد من القبط
عندي عهد إن شئت قتلت، وإن شئت بعت وإن شئت خمست إلا لاهل الطابلس (2)
فإن لهم عهدا نوفي به.
قصة نيل مصر روينا من طريق ابن
لهيعة عن قيس بن الحجاج عن عمن حدثه قال: لما افتتحت مصر أتى أهلها
عمرو بن العاص - حين دخل بؤنة من أشهر العجم - فقالوا: أيها الامير،
لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها.
قال: وما ذاك: قالوا: إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا
إلى جارية
__________
(1) الفرما: مدينة قديمة وميناء بمصر شرقي بور سعيد على بعد عشرين ميلا
منها وقد كانت مفتاح مصر من جهة الشام وكان لها شأن كبير في الحرب التي
نشبت بين الفرس ومصر.
قال ابن حوقل والمقريزي وبها قبر جالينوس.
(2) في فتوح البلدان: أنطابلس.
(*)
(7/114)
بكر من أبويها،
فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم
ألقيناها في هذا النيل.
فقال لهم عمرو: إن هذا مما لا يكون في الاسلام، إن الاسلام يهدم ما
قبله.
قال: فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا، حتى
هموا بالجلاء، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه: إنك قد
أصبت بالذي فعلت، وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي، فألقها في
النيل.
فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة فإذا فيها " من عبد الله عمر أمير
المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد، فإن كنت إنما تجري من قبلك ومن
أمرك فلا تجر فلا حاجة لنا فيك، وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد
القهار، وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك " قال: فألقى
البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا
في ليلة واحدة وقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم (1).
قال سيف بن عمر: وفي ذي القعدة من هذه السنة - وهي عنده سنة ست عشرة -
جعل عمرو المسالح على أرجاء مصر، وذلك لان هرقل أغزا الشام ومصر في
البحر.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة غزا أرض الروم أبو بحرية عبد الله بن قيس
العبدي - وهو أول من دخلها فيما قيل - فسلم وغنم وقيل أول من دخلها
ميسرة بن مسروق العبسي.
قال الواقدي: وفيها عزل عمر قدامة ابن مظعون عن البحرين، وحده في
الشراب.
وولى على البحرين واليمامة أبا هريرة الدوسي رضي الله عنه.
قال: وفيها شكا أهل الكوفة سعدا في كل شئ، حتى قالوا: لا يحسن يصلي،
فعزله عنها وولى عليها عبد الله بن عبد الله بن عتبان - وكان نائب سعد
- وقيل بل ولاها عمرو بن ياسر.
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن عبد الملك سمعه من جابر بن سمرة.
قال: شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر فقالوا: إنه لا يحسن يصلي، قال
الاعاريب ؟ والله ما آلو بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الظهر والعصر، اردد في الاوليين واصرف في الاخيرين.
فسمعت عمر يقول: كذا الظن بك يا أبا إسحق.
وفي صحيح مسلم أن عمر بعث من يسأل عنه أهل الكوفة فأثنوا خيرا إلا رجلا
يقال له: أبو سعدة قتادة بن أسامة قام فقال: أما إذ أنشدتنا فإن سعدا
لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية، ولا يخرج في السرية.
فقال سعد: اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة، فأطل عمره وأدم
فقره وعرضه للفتن.
فأصابته دعوة سعد - فكان شيخا كبيرا يرفع حاجبيه عن عينيه، ويتعرض
للجواري في الطرق فيغمزهن، فيقال له في ذلك، فيقول: شيخ كبير مفتون
أصابته دعوة سعد.
وقد قال عمر في وصيته - وذكره في الستة " فإن أصابت الامرة سعدا فذاك،
وإلا فليستعن به أيكم ولى، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة.
قال: وفيها أجلى عمر يهود خيبر عنها إلى أذرعات وغيرها، وفيها أجلى عمل
يهود نجران منها أيضا إلى الكوفة، وقسم خيبر، ووادي القرى، ونجران بين
المسلمين.
قال: وفيها دون عمر الدواوين، وزعم
__________
(1) الخبر رواه الواقدي في فتوح مصر 2 / 69.
(*)
(7/115)
غيره أنه دونها
قبل ذلك.
فالله أعلم.
قال: وفيها بعث عمر علقمة بن مجزر المدلجي إلى الحبشة
في البحر فأصيبوا فآلى عمر على نفسه أن لا يبعث جيشا في البحر بعدها.
وقد خالف الواقدي في هذا أبو معشر فزعم أن غزوة الحبشة إنما كانت في
سنة إحدث وثلاثين - يعني في خلافة عثمان بن عفان - والله أعلم.
قال الواقدي: وفيها تزوج عمر فاطمة بنت الوليد بن عبتة.
التي مات عنها الحارث بن هشام في الطاعون.
وهي أخت خالد بن الوليد.
قال: وفيها مات هلال بدمشق، وأسيد بن الحضير في شعبان، وزينب بنت جحش
أم المؤمنين.
وهي أول من مات من أمهات المؤمنين رضي الله عنها.
قال: وفيها مات هرقل وقام بعده ولده قسطنطين.
قال: وحج الناس في هذه السنة عمر ونوابه وقضاته من تقدم في التي قبلها.
سوى من ذكرنا أنه عزله وولى غيره.
ذكر المتوفين من الاعيان - أسيد بن
الحضير ابن سماك الانصاري الاشهلي من الاوس، أبو يحيى أحد النقباء ليلة
العقبة، وكان أبوه رئيس الاوس يوم بعاث، وكان قبل الهجرة بست سنين وكان
يقال له حضير الكتائب، يقال إنه أسلم على يدي مصعب بن عمير.
ولما هاجر الناس آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن
حارثة، ولم يشهد بدرا.
وفي الحديث الذي صححه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أسيد بن
الحضير " وذكر جماعة.
وقدم الشام مع عمر وأثنت عليه عائشة، وعلى سعد بن معاذ، وعباد بن بشر،
رضي الله عنهم.
وذكر ابن بكير أنه توفي بالمدينة سنة عشرين، وأن عمر حمل بين عموديه
وصلى عليه ودفن بالبقيع، وكذا أرخ وفاته سنة عشرين الواقدي وأبو عبيد
وجماعة.
أنيس بن مرثد بن أبي مرثد الغنوي هو وأبوه وجده صحابة وكان أنيس هذا
عينا لرسول الله يوم حنين، ويقال إنه الذي قال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم " إغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " والصحيح
أنه غيره، فإن في الحديث " فقال لرجل من أسلم " فقيل: إنه أنيس بن
الضحاك الاسلمي.
وقد مال ابن الاثير إلى ترجيحه والله أعلم.
له حديث في الفتنة قال إبراهيم بن المنذر: توفي في ربيع الاول سنة
عشرين.
بلال بن أبي رباح الحبشي المؤذن مولى أبي بكر ويقال له بلال بن حمامة.
وهي أمه.
أسلم قديما فعذب في الله فصبر فاشتراه الصديق فأعتقه، شهد بدرا وما
بعدها.
وكان عمر يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا.
رواه البخاري.
(7/116)
ولما شرع
الاذان بالمدينة كان هو الذي يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وابن أم مكتوم يتناوبان، تارة هذا وتارة هذا، وكان بلال ندي الصوت
حسنه، فصيحا، وما يروى " أن سين بلال عند الله شيئا " فليس له أصل.
وقد أذن يوم الفتح على ظهر الكعبة.
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الاذان، ويقال أذن للصديق
أيام خلافته ولا يصح.
ثم خرج إلى الشام مجاهدا، ولما قدم عمر إلى الجابية أذن بين يديه بعد
الخطبة لصلاة الظهر، فانتحب الناس بالبكاء.
وقيل إنه زار المدينة في غضون ذلك فأذن فبكى الناس بكاء شديدا ويحق لهم
ذلك، رضي الله عنهم.
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال " إني دخلت
الجنة فسمعت خشف نعليك أمامي فأخبرني بأرجى عمل عملته ".
فقال: ما توضأت إلا وصليت ركعتين.
" فقال بذاك " وفي رواية " ما أحدثت إلا توضأت وما توضأت إلا رأيت أن
علي أن أصلي ركعتين " قالوا: وكان بلال آدم شديد الادمة طويلا نحيفا
كثير الشعر خفيف العارضين.
قال ابن بكير: توفي بدمشق في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة.
وقال محمد بن إسحق وغير واحد: توفي سنة عشرين.
قال الواقدي: ودفن بباب الصغير وله بضع وستون سنة.
وقال غيره: مات بداريا ودفن بباب كيسان.
وقيل دفن بداريا، وقيل إنه مات بحلب.
والاول أصح والله أعلم.
سعيد بن عامر بن خذيم من أشراف بني جمح، شهد خيبر وكان من الزهاد
والعباد، وكان أميرا لعمر على حمص بعد أبي عبيدة، بلغ عمر أنه قد
أصابته جراحة شديدة، فأرسل إليه بألف دينار فتصدق بها جميعها، وقال
لزوجته: أعطيناها لمن يتجر لنا فيها رضي الله عنه.
قال خليفة: فتح هو ومعاوية فيسارية كل منهما أمير على من معه.
عياض بن غنم أبو سعد الفهري من المهاجرين الاولين، شهد بدرا وما بعدها،
وكان سمحا جوادا، شجاعا، وهو الذي افتتح الجزيرة، وهو أول من جاز درب
الروم غازيا، واستنابه أبو عبيدة بعده على الشام فأقره عمر عليها إلى
أن مات سنة عشرين عن ستين سنة.
أبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب بن عم رسول الله صلى الله عليه
وسلم قبل اسمه المغيرة.
أسلم عام الفتح فحسن إسلامه جدا وكان قبل ذلك من أشد الناس على رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وعلى دينه ومن تبعه، وكان شاعرا مطيقا يهجو
الاسلام وأهله، وهو الذي رد عليه حسان بن ثابت رضي الله عنه في قوله:
(7/117)
ألا أبلغ أبا
سفيان عني * مغلغلة فقد برح الخفاء هجوت محمدا وأجبت عنه * وعند الله
في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفء * فشركما لخيركما الفداء ولما جاء
هو و عبد الله بن أبي أمية ليسلما لم يأذن لهما عليه السلام حتى شفعت
أم سلمة لاخيها فأذن له، وبلغه أن أبا سفيان هذا قال: والله لئن لم
يأذن لي لآخذن بيد بني هذا - لولد معه صغير - فلاذهبن فلا يدري أين
أذهب.
فرق حينئذ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن له، ولزم رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم حنين وكان آخذا بلجام بغلته يومئذ، وقد روي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبه وشهد له بالجنة، وقال " أرجو أن
تكون خلفا من حمزة " وقد رثى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي
بقصيدة ذكرناها فيما سلف وهي التي يقول فيها: أرقت فبات ليلي لا يزول *
وليل أخ المصيبة فيه طول وأسعدني البكاء وذاك فيما * أصيب المسلمون به
قليل فقد عظمت مصيبتنا وجلت * عشية قيل قد قبض الرسول فقدنا الوحي
والتنزيل فينا * يروح به ويغدو جبرئيل
ذكروا أن أبا سفيان حج فلما حلق رأسه فطع الحالق ثؤلولا له في رأسه
فتمرض منه فلم يزل كذلك حتى مات بعد مرجعه إلى المدينة، وصل عليه عمر
بن الخطاب.
وقد قيل إن أخاه نوفلا توفي قبله بأربعة أشهر والله أعلم.
أبو الهيثم بن التيهان هو مالك بن مالك بن عسل (1) بن عمرو بن عبد
الاعلم بن عامر بن دعورا (2) بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن
مالك بن الاوس الانصاري الاوسي، شهد العقبة نقيبا، وشهد بدرا وما
بعدها، ومات سنة عشرين، وقيل إحدى وعشرين، وقيل إنه شهد صفين مع علي،
قال ابن الاثير وهو الاكثر (3).
وقد ذكره شيخنا هنا.
فالله أعلم.
__________
(1) في الاصابة عتيك، وقد سقط من نسبه في الاستيعاب.
(2) في الاصابة والاستيعاب: زعورا.
(3) وقد رجحه ابن عبد البر في الاستيعاب، وقد شكك الواقدي وابن حجر في
هذا القول وذهبا إلى ترجيح قول من قال سنة عشرين أو احدى وعشرين.
(*)
(7/118)
زينب بنت جحش
ابن رباب الاسدية من أسد خزيمة أول أمهات المؤمنين وفاة، أمها أميمة
بنت عبد المطلب، وكان اسمها برة، فسماها رسول الله زينب، وتكنى أم
الحكم، وهي التي زوجه الله بها، وكانت تفتخر بذلك على سائر أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم، فتقول: زوجكن أهلوكن وزوجني الله من السماء.
قال الله تعالى * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * الآية [
الاحزاب: 37 ].
وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، فلما طلقها تزوجها رسول الله صلى
الله عليه وسلم قيل كان ذلك في سنة ثلاث وقيل أربع وهو الاشهر.
وقيل سنة خمس وفي دخوله عليه السلام بها نزل الحجاب كما ثبت في
الصحيحين عن أنس.
وهي التي كانت تسامي عائشة بنت الصديق في الجمال والحظوة، وكانت دينة
ورعة عابدة كثيرة الصدقة.
وذاك الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله " أسرعكن
لحاقا بي أطولكن يدا " أي
بالصدقة.
وكانت امرأة صناعا تعمل بيديها وتتصدق على الفقراء، قالت عائشة: ما
رأيت امرأة قط خيرا في الدين وأتقى الله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم
أمانة وصدقة من زينب بنت جحش.
ولم تحج بعد حجة الوداع لا هي ولا سودة، لقوله عليه السلام لازواجه "
هذه ثم ظهور الحصر " وأما بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكن
يخرجن إلى الحج وقالتا زينب وسودة: والله لا تحركنا بعده دابة.
قالوا: وبعث عمر إليها فرضها اثني عشر ألفا فتصدقت به في أقاربها.
ثم قالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد هذا.
فماتت في سنة عشرين وصلى عليها عمر.
وهي أول من صنع لها النعش، ودفنت بالبقيع.
صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول وهي أم الزبير بن العوام، وهي شقيقة
حمزة والمقوم وحجل، أمهم هالة بنت وهيب (1) بن عبد مناف بن زهرة.
لا خلاف في إسلامها وقد حضرت يوم أحد ووجدت على أخيها حمزة وجدا كيثرا،
وقتلت يوم الخندق رجلا من اليهود جاء فجعل يطوف بالحصن التي هي فيه وهو
فارع حصن حسان فقالت لحسان: انزل فاقتله، فأبى، فنزلت إليه فقتلته ثم
قالت: انزل فاسلبه فلولا أنه رجل لاستلبته.
فقال: لا حاجة لي فيه.
وكانت أول امرأة قتلت رجلا من المشركين.
وقد اختلف في إسلام من عداها من عمات النبي صلى الله عليه وسلم فقيل:
أسلمت أروى وعاتكة.
قال ابن الاثير وشيخنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ: والصحيح أنه لم
يسلم منهن غيرها (2).
وقد تزوجت أولا بالحارث بن حرب بن أمية.
ثم خلف عليها العوام بن خويلد فولدت له الزبير وعبد الكعبة.
وقيل تزوج بها العوام بكرا، والصحيح الاول توفيت بالمدينة سنة عشرين عن
ثلاث وسبعين سنة
__________
(1) كذا في الاصل وابن سعد والاستيعاب وفي الاصابة: وهب.
(2) وفي ابن سعد ان أروى وعاتكة اسلمتا بمكة وهاجرتا إلى المدينة، 8 /
42 - 44.
(*)
(7/119)
ودفنت بالبقيع رضي الله عنها وقد ذكر ابن إسحق من توفي غيرها.
عويم بن ساعدة الانصاري
شهد العقبتين والمشاهد كلها وهو أول من استنجى بالماء، وفيه نزل قوله
تعالى * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) * [ التوبة:
108 ] وله روايات توفي هذه السنة بالمدينة * بشر بن عمرو بن حنش يلقب
بالجارود، أسلم في السنة العاشرة، وكان شريفا مطاعا في عبد القيس، وهو
الذي شهد على قدامة بن مظعون أنه شرب الخمر، فعزله عمر عن اليمن وحده
قتل الجارود شهيدا * أبو خراشة خويلد بن مرة الهذلي، كان شاعرا مجيدا
مخضرما أدرك الجاهلية والاسلام وكان إذا جرى سبق الخيل.
نهشته حية فمات بالمدينة. |