البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

ذكر صفته رضي الله عنه
كان رضي الله عنه حسن الوجه دقيق (1) البشرة، كبير اللحية، معتدل القامة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس، حسن الثغر، فيه سمرة، وقيل كان في وجهه شئ من آثار الجدري، رضي الله عنه.
وعن الزهري: كان حسن الوجه والثغر، مربوعا، أصلع، أروح الرجلين.
يخضب بالصفرة وكان قد شد أسنانه بالذهب وقد كسى ذراعيه الشعر.
وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة عن سعيد بن أبي زيد، عن الزهري، عن عبيد الله ابن عتبة.
قال: كان لعثمان عند خازنه يوم قتل، ثلاثون ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم، ومائة ألف دينار (2)، فانتهبت وذهبت، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات كان تصدق بها، بئر أريس، وخيبر، ووادي القرى، فيه مائتا ألف دينار.
[ وبئر رومة كان اشتراها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسبلها ] (3).
فصل قال الاعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة أنه قال: أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن الدجال.
وروى الحافظ ابن عساكر من طريق شبابة عن حفص بن مورق الباهلي، عن حجاج بن أبي عمار الصواف عن زيد بن وهب عن حذيفة.
قال: أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن خروج الدجال، والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه، آن به في قبره.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا وغيره: أنا محمد ابن سعد أنا عمرو بن عاصم الكلابي ثنا أبو الاشهب حدثني عوف عن محمد بن سيرين أن حذيفة
__________
(1) في رواية الواقدي: رقيق البشرة.
(2) في رواية ابن سعد عن الواقدي: خمسون ومائة ألف دينار 3 / 76 وقال في مروج الذهب: كان له عند خازنه من المال خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار وخلف خيلا كثيرا وإبلا.
2 / 367.
(3) سقطت من رواية الواقدي، وزادها في عقد الجمان ونسبها لابن كثير.
(*)

(7/214)


ابن اليمان قال: اللهم إن كان قتل عثمان بن عفان خيرا.
فليس لي فيه نصيب، وإن كان قتله شرا فأنا منه برئ، والله لئن كان قتله خيرا ليحلبنه لبنا، وإن كان قتله شرا ليمتص به دما (1).
وقد ذكره البخاري في صحيحه.
طريق أخرى عنه قال محمد بن عائذ: ذكر محمد بن حمزة حدثني أبو عبد الله الحراني أن حذيفة بن اليمان في مرضه الذي هلك فيه كان عنده رجل من إخوانه وهو يناجي امرأته ففتح عينيه فسألهما فقالا خيرا، فقال: شيئا تسرانه دوني ما هو بخير، قال: قتل الرجل - يعني عثمان - قال: فاسترجع ثم قال: اللهم إني كنت من هذا الامر بمعزل، فإن كان خيرا فهو لمن حضره وأنا منه برئ، وإن كان شرا فهو لمن حضره وأنا منه برئ، اليوم تغيرت القلوب يا عثمان، الحمد لله الذي سبق بي الفتن، قادتها وعلوجها الخطى، من تردى بغيره فشبع شحما وقبل عمله.
وقال الحسن بن عرفة: ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي موسى الاشعري: قال لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الامة لبنا، ولكنه كان ضلالا فاحتلبت به الامة دما، وهذا منقطع.
وقال محمد بن سعد: أنا عارم (2) بن الفضل أنا الصعق بن حزن ثنا قتادة عن زهدم الجرمي.
قال: خطب ابن عباس فقال: لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء.
وقد روي من غير هذا الوجه عنه.
وقال الاعمش وغيره عن ثابت بن عبيد عن أبي جعفر الانصاري.
قال: لما قتل عثمان جئت عليا وهو جالس في المسجد وعليه عمامة سوداء فقلت له: قتل عثمان، فقال: تبا لهم آخر الدهر.
وفي رواية: خيبة لهم.
وقال أبو القاسم البغوي: أنبأنا علي بن الجعد أنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن ابن أبي ليلى.
قال: سمعت عليا وهو بباب المسجد أو عند أحجار الزيت (3) رافعا صوته يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان.
وقال أبو هلال عن قتادة عن الحسن.
قال: قتل عثمان وعلي غائب في أرض له (4)، فلما بلغه قال: اللهم إني لم أرض ولم أمالئ.
وروى الربيع بن بدر عن سيار بن سلامة عن أبي العالية: أن عليا دخل
على عثمان فوقع عليه وجعل يبكي حتى ظنوا أنه سيلحق به.
وقال الثوري وغيره عن ليث عن طاووس عن ابن عباس قال: قال علي يوم قتل عثمان: والله ما قتلت ولا أمرت ولكني غلبت.
__________
(1) انظر طبقات ابن سعد 3 / 82.
(2) من ابن سعد 3 / 80 وفي الاصل حازم تحريف (3) أحجار الزيت: موضع بالمدينة كان فيه أحجار علا عليها الطريق فاندفنت.
(4) في فتوح ابن الاعثم: عرف الضبع، سمي بالضبع لما عليه من الحجارة التي كانت منضدة تشبيها لها بالضبع وعرفها لان للضبع عرفا من رأسها إلى ذنبها.
(معجم البلدان) وقيل موضع قبل حرة بني سليم.
(*)

(7/215)


ورواه غير ليث عن طاوس عن ابن عباس عن علي نحوه.
وقال حبيب بن أبي العالية عن مجاهد عن ابن عباس.
قال: قال علي إن شاء الناس حلفت لهم عند مقام إبراهيم بالله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله، ولقد نهيتهم فعصوني، وقد روي من غير وجه عن علي بنحوه (1).
وقال محمد ابن يونس الكديمي: ثنا هارون بن إسماعيل ثنا قرة بن خالد عن الحسن عن قيس بن عباد.
قال: سمعت عليا يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاؤوني للبيعة فقلت: والله إني لاستحيي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لاستحيي ممن تستحي منه الملائكة " (2) وإني لاستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل في الارض لم يدفن بعد، فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس يسألوني البيعة فقلت: اللهم إني أشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزمة فبايعت.
فلما قالوا: أمير المؤمنين كان صدع قلبي وأسكت نفرة من ذلك وقد اعتنى الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر يجمع الطرق الواردة عن علي أنه تبرأ من دم عثمان، وكان يقسم على ذلك في خطبه وغيرها أنه لم يقتله ولا أمر بقتله ولا مالا ولا رضي به، ولقد نهى عنه فلم يسمعوا منه.
ثبت ذلك عنه من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث ولله الحمد والمنة.
وثبت عنه أيضا من غير وجه أنه قال: إني لارجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى فيهم * (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر
متقابلين) * [ الحجر: 47 ] وثبت عنه أيضا من غير وجه أنه قال: * (كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا) * [ المائدة: 93 ] وفي رواية أنه قال: كان عثمان رضي الله عنه خيرنا وأوصلنا للرحم، وأشدنا حياء، وأحسننا طهورا، وأتقانا للرب عز وجل.
وروى يعقوب بن سفيان عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن مجالد عن عمير بن رودى (كذا) أبي كثير.
قال: خطب علي فقطع الخوارج عليه خطبته فنزل فقال: إن مثلي ومثل عثمان كمثل أثوار ثلاثة، أحمر وأبيض وأسود، ومعهم في أجمة أسد، فكان كلما أراد قتل أحدهم منعه الآخران، فقال للاسود والاحمر: إن هذا الابيض قد فضحنا في هذه الاجمة فخليا عنه حتى آكله، فخليا عنه فأكله، ثم كان كلما أراد أحدهما منعه الآخر فقال للاحمر: إن هذا الاسود قد فضحنا في هذه الاجمة، وإن لوني على لونك فلو خليت عنه أكلته فخلى عنه الاحمر فأكله، ثم قال للاحمر: إني آكلك، فقال: دعني حتى أصيح ثلاث صيحات، فقال دونك، فقال: ألا إني إنما أكلت يوم أكل البيض ثلاثا فلو أني نصرته لما أكلت ثم قال علي: وإنما أنا وهنت يوم قتل عثمان، ولو أني نصرته لما وهنت قالها ثلاثا.
وروى ابن عساكر من طريق محمد بن هارون الحضرمي عن سويد بن عبد الله القشيري القاضي عن ابن مهدي عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب.
قال: كانت المرأة تجئ في زمان عثمان إلى بيت المال فتحمل وقرها وتقول: اللهم
__________
(1) الخبر في طبقات ابن سعد 3 / 82.
(2) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة ح (26) والامام أحمد في المسند 1 / 71، 6 / 63، 155، 288.
(*)

(7/216)


بدل، اللهم غير.
فقال حسان بن ثابت حين قتل عثمان رضي الله عنه: قلتم بدل فقد بدلكم * سنة حرى وحربا كاللهب ما نقمتم من ثياب خلفة * وعبيد وإماء وذهب قال: وقال أبو حميد أخو بني ساعدة - وكان ممن شهد بدرا، وكان ممن جانب عثمان - فلما قال: والله ما أردنا قتله، ولا كنا نرى أن يبلغ منه القتل، اللهم إن لك علي أن لا أفعل كذا وكذا
أضحك حتى ألقاك (1)، وقال محمد بن سعد أنا عبد الله بن إدريس أنا إسماعيل بن أبي خالد أنا قيس بن أبي حازم عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.
قال: لقد رأيتني وأن عمر موثقي وأخته الاسلام، ولو أرفض أحد فيما صنعتم بإبن عفان لكان حقيقا.
وهكذا رواه البخاري في صحيحه وروى محمد بن عائذ عن إسماعيل بن عباس عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير.
قال سمع عبد الله بن سلام رجلا يقول لآخر: قتل عثمان بن عفان فلم ينتطح فيه عنزان.
فقال: سلام أجل ! إن البقر والمعز لا تنتطح في قتل الخليفة، ولكن ينتطح فيه الرجال بالسلاح، و لنقتلن به أقوام إنهم لفي أصلاب آبائهم ما ولدوا بعد.
وقال ليث عن طاوس.
قال: قال سلام: يحكم عثمان يوم القيامة في القاتل والخاذل.
وقال أبو عبد الله المحاملي: ثنا أبو الاشعث حزم بن أبي حزم سمعت أبا الاسود يقول سمعت أبا بكرة يقول: لان أخر من السماء إلى الارض أحب إلي من أن أشرك في قتل عثمان.
وقال أبو يعلى: ثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ثنا محمد بن عباد الهباني ثنا البراء بن أبي فضال ثنا الحضرمي عن أبي مريم رضيع الجارود.
قال: كنت بالمدينة فقام الحسن بن علي خطيبا فقال: أيها الناس ! رأيت البارحة في منامي عجبا، رأيت الرب تبارك وتعالى فوق عرشه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام عند قائمة من قوائم العرش، فجاء أبو بكر فوضع يده على منكب النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء عمر فوضع يده على منكب أبي بكر، ثم جاء عثمان فكان بيده - دم رأسه - فقال: رب سل عبادك فيم قتلوني ؟ فانبعث من السماء ميزابان من دم في الارض، قال لعلي ألا ترى ما يحدث به الحسن ؟ ! فقال: حدث بما رأى.
ورواه أبو يعلى أيضا عن سفيان بن عن جميع بن عمير عن عبد الرحمن بن مجالد عن حرب العجلي: سمعت الحسن بن علي يقول كنت لاقاتل بعد رؤيا رأيتها، رأيت العرش ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متعلق بالعرش، ورأيت أبا بكر واضعا يده على منكب رسول الله، وكان عمر واضعا يده على منكب أبي بكر، ورأيت عثمان واضعا يده على منكب عمر، ورأيت دما دونهم، فقلت: ما هذا ؟ فقيل: دم عثمان يطلب الله به.
ثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا سلام بن مسكين عن وهب بن شبيب عن زيد بن صوحان أنه قال: يوم قتل عثمان نفرت القلوب منافرها، والذي نفسي بيده لا تتألف إلى يوم القيامة، وقال محمد بن سيرين
قالت عائشة: مصصتموه مص الاناء ثم قتلتموه ؟ وقال خليفة بن خياط: ثنا أبو قتيبة ثنا يونس
__________
(1) الخبر رواه ابن سعد من طريق سليمان بن حرب 3 / 81.
(*)

(7/217)


أبي إسحاق، عن عون بن عبد الله بن عتبة.
قال: قالت عائشة: غضبت لكم من السوط ولا أغضب لعثمان من السيف، استعتبتموه حتى إذا تركتموه كالعقب المصفى قتلتموه.
وقال أبو معاوية عن الاعمش، عن خيثمة عن مسروق.
قال: قالت عائشة حين قتل عثمان: تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه.
وفي رواية: ثم قربتموه ثم ذبحتموه كما يذبح الكبش ؟ فقال لها مسروق: هذا عملك، أنت كتبت إلى الناس تأمريهم أن يخرجوا إليه، فقالت: لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون، ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا.
قال الاعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها.
وهذا إسناد صحيح إليها.
وفي هذا وأمثاله دلالة ظاهرة على أن هؤلاء الخوارج قبحهم الله، زوروا كتبا على لسان الصحابة إلى الآفاق يحرضونهم على قتال عثمان، كما قدمنا بيانه ولله الحمد والمنة.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا حزم القطعي، ثنا أبو الاسود بن سوادة أخبرني طلق بن حسان قال: قال قتل عثمان فتفرقنا في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نسألهم عن قتله فسمعت عائشة تقول: قتل مظلوما لعن الله قتلته.
وروى محمد بن عبد الله الانصاري عن أبيه عن ثمامة عن أنس.
قال: قالت أم سليم لما سمعت بقتل عثمان: رحمه الله، أما إنه لم يحلبوا بعده إلا دما.
وأما كلام أئمة التابعين في هذا الفصل فكثير جدا يطول ذكرنا له، فمن ذلك قول أبي مسلم الخولاني حين رأى الوفد الذين قدموا من قتله أنكم مثلهم أو أعظم جرما أما مررتم ببلاد ثمود ؟ قالوا: نعم ! قال: فأشهد أنكم مثلهم، لخليفة الله أكرم عليه من ناقته.
وقال ابن علية عن يونس ابن عبيد عن الحسن.
قال: لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الامة لبنا، ولكنه كان ضلالا فاحتلبت به الامة دما.
وقال أبو جعفر الباقر: كان قتل عثمان على غير وجه الحق (1).
وهذا ذكر بعض ما رثي به رضي الله عنه
قال مجالد عن الشعبي: ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك: فكف يديه ثم أغلق بابه * وأيقن أن الله ليس بغافل وقال لاهل الدار لا تقتلوهم * عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل فكيف رأيت الله صب عليهم * العداوة والبغضاء بعد التواصل وكيف رأيت الخير أدبر بعده * عن الناس إدبار النعام الجوافل (2)
__________
(1) ذكر ابن سعد في طبقاته ما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في قتله بأسانيد وطرق كثيرة ج 3 / 80 وما بعدها (2) في الاستيعاب: السحاب الحوافل (*)

(7/218)


وقد نسب هذه الابيات سيف بن عمر إلى أبي المغيرة الاخنس بن شريق (1).
وقال سيف بن عمر: وقال حسان بن ثابت: ماذا أردتم من أخي الدين باركت * يد الله في ذاك الاديم المقدد قتلتم ولي الله في جوف داره * وجئتم بأمر جائر غير مهتد فهلا رعيتم ذمة الله بينكم * وأوفيتم بالعهد عهد محمد ألم يك فيكم ذا بلاء ومصدق * وأوفاكم عهدا لدى كل مشهد فلا ظفرت أيمان قوم تبايعوا (2) * على قتل عثمان الرشيد المسدد وقال ابن جرير: وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه: من سره الموت صرفا لا مزاج له * فليأت مأسدة في دار عثمانا مستحقبي حلق الماذي قد سفعت (3) * فوق المخاطم بيض زان أبدانا ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا (4) صبرا فدى لكم أمي وما ولدت * وقد ينفع الصبر في المكروه أحيانا فقد رضينا (5) بأرض الشام نافرة * وبالامير وبالاخوان إخوانا إني لمنهم وإن غابوا وإن شهدوا * ما دمت حيا وما سميت حسانا
لتسمعن وشيكا في ديارهم * الله أكبر يا ثارات عثمانا (6) يا ليت شعري وليت الطير تخبرني * ما كان شأن علي وابن عفانا [ وهو القائل أيضا: إن تمس دار ابن أروى منه خاوية * باب صريع وباب محرق خرب فقد يصادف باغي العرف حاجته * فيها ويأوي إليها المجد والحسب (7)
__________
(1) وقال مصعب هي لحسان وقال عمر بن شبة هي للوليد بن عقبة بن أبي معيط (الاستيعاب).
(2) في الاستيعاب: تعاونوا.
(3) في الطبري والكامل وابن الاعثم: مستشعري حلق الماذي قد شفعت.
(4) سقط من الطبري وأثبته في الاستيعاب وقال: هذا البيت يختلف فيه ينسب إلى غيره وقال بعضهم هو لعمران بن حطان.
وهو في الكامل.
(5) في ابن الاعثم: رضيت حقا.
(6) البيت في فتوح ابن الاعثم: لتسمعن وشيكا في دياركم * خيلا تكدس تحت النخع فرسانا (7) البيت في الطبري والكامل: فقد يصادف باغي الخير حاجته * فيها ويهوي إليها الذكر والحسب = (*)

(7/219)


يا معشر الناس ابدوا ذات أنفسكم * لا يستوي الصدق عند الله والكذب وقال الفرزدق: إن الخلافة لما أظعنت ظعنت * عن أهل يثرب إذ غير الهدى سلكوا صارت إلى أهلها منهم ووارثها * لما رأى الله في عثمان ما انتهكوا السافكي دمه ظلما ومعصية * أي دم لا هدوا من غيتهم سفكوا ] (1) وقال راعي الابل النميري في ذلك:
عشية يدخلون بغير إذن * على متوكل أوفى وطابا خليل محمد ووزير صدق * ورابع خير من وطئ الترابا
فصل إن قال قائل كيف وقع قتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة وفيها جماعة من كبار الصحابة رضي الله عنهم ؟ فجوابه من وجوه (أحدها) أن كثيرا منهم بل أكثرهم أو كلهم لم يكن يظن أنه يبلغ الامر إلى قتله، فإن أولئك الاحزاب لم يكونوا يحاولون قتله عينا، بل طلبوا منه أحد أمور ثلاثة، إما أن يعزل نفسه، أو يسلم إليهم مروان بن الحكم، أو يقتلوه، فكانوا يرجون أن يسلم إلى الناس مروان، أو أن يعزل نفسه ويستريح من هذه الضائقة الشديدة.
وأما القتل فما كان يظن أحد أنه يقع، ولا أن هؤلاء يجترئون عليه إلى ما هذا حده، حتى وقع ما وقع والله أعلم.
- الثاني - أن الصحابة مانعوا دونه أشد الممانعة، ولكن لما وقع التضييق الشديد، عزم عثمان على الناس أن يكفوا أيديهم ويغمدوا أسلحتهم ففعلوا، فتمكن أولئك مما أرادوا، ومع هذا ما ظن أحد من الناس أنه يقتل بالكلية - الثالث - أن هؤلاء الخوارج لما اغتنموا غيبة كثير من أهل المدينة في أيام الحج، ولم تقدم الجيوش من الآفاق للنصرة، بل لما اقترب مجيئهم، انتهزوا فرصتهم، قبحهم الله، وصنعوا ما صنعوا من الامر العظيم - الرابع - أن هؤلاء الخوارج كانوا قريبا من ألفي مقاتل من الابطال، وربما لم يكن في أهل المدينة هذه العدة من المقاتلة، لان الناس كانوا في الثغور وفي الاقاليم في كل جهة، ومع هذا كان كثير من الصحابة اعتزل هذه الفتنة ولزموا بيوتهم، ومن كان يحضر منهم المسجد لا يجئ إلا ومعه السيف، يضعه على حبوته إذا احتبى، والخوارج محدقون بدار عثمان رضي الله عنه، وربما لو أرادوا صرفهم عن الدار لما أمكنهم ذلك، ولكن كبار
__________
= وفي الاستيعاب: فيها ويأوي إليها الجود والحسب.
(1) في هامش النسخة المطبوعة قال: زيادة من تاريخ البدر العيني نقلها في سياق عبارة ابن كثير.
وأورد ابن عبد البر في الاستيعاب البيتان الاول والثاني ونسبهما إلى حميد بن ثور الهلالي.
(*)

(7/220)


الصحابة قد بعثوا أولادهم إلى الدار يحاجفون عن عثمان رضي الله عنه، لكي تقدم الجيوش من الامصار لنصرته، فما فجئ الناس إلا وقد ظفر أولئك بالدار من خارجها، وأحرقوا بابها، وتسوروا عليه حتى قتلوه، وأما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله، فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أنه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه، بل كلهم كرهه، ومقته، وسب من فعله، ولكن بعضهم كان يود لو خلع نفسه من الامر، كعمار بن ياسر، ومحمد بن أبي بكر، وعمرو بن الحمق وغيرهم.
وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة سهم بن خنش أو خنيش أو خنش الازدي - وكان قد شهد الدار - ورواه محمد بن عائذ عن إسماعيل بن عياش عن محمد بن يزيد الرجي عنه وكان قد استعاده عمر بن عبد العزيز إلى دير سمعان فسأله عن مقتل عثمان فذكر ما ملخصه: أن وفد السبائية وفد مصر كانوا قد قدموا على عثمان فأجازهم وأرضاهم فانصرفوا راجعين ثم كروا إلى المدينة فوافقوا عثمان قد خرج لصلاة الغداة أو الظهر فحصبوه بالحصا والنعال والخفاف فانصرف إلى الدار ومعه أبو هريرة والزبير وابنه عبد الله وطلحة ومروان والمغيرة بن الاخنس في ناس، وأطاف وفد مصر بداره، فاستشار الناس فقال عبد الله بن الزبير: يا أمير المؤمنين إني أشير بإحدى ثلاث خصال إما أن تحرم بعمرة فيحرم عليهم دماؤنا وإما أن نركب معك إلى معاوية بالشام، وإما أن نخرج فنضرب بالسيف إلى أن يحكم الله بيننا وبينهم فأنا على الحق وهم على الباطل.
فقال عثمان: أما ما ذكرت من الاحياء بعمرة فتحرم دماؤنا فإنهم يرونا ضلالا الآن وحال الاحرام وبعد الاحرام، وأما الذهاب إلى الشام فإني أستحيي أن أخرج من بينهم خائفا فيراني أهل الشام وتسمع الاعداء من الكفار ذلك، وأما القتال فإني أرجو أن ألقى الله وليس يهراق بسببي محجمة دم.
قال: ثم صلينا معه صلاة الصبح ذات يوم فلما فرغ أقبل على الناس فقال: إني رأيت أبا بكر وعمر أتياني الليلة فقالا لي: صم يا عثمان فإنك تفطر عندنا، وإني أشهدكم أني قد أصبحت صائما وإني أعزم على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخرج من الدار سالما مسلوما منه.
فقلنا: يا أمير المؤمنين إن خرجنا لم نأمن منهم علينا فأذن لنا أن نكون معه في بيت من الدار تكون لنا فيه
جماعة ومنعة، ثم أمر بباب الدار ففتح ودعا بالمصحف فأكب عليه وعنده امرأتاه بنت الفرافصة وابنة شيبة فكان أول من دخل عليه محمد بن أبي بكر فأخذ بلحيته فقال: دعها يا بن أخي فوالله لقد كان أبوك يتلهف لها بأدنى من هذا، فاستحيى فخرج فقال للقوم: قد أشعرته لكم وأخذ عثمان ما امتعط من لحيته فأعطاه إحدى امرأتيه ثم دخل رومان بن سودان رجل أزرق قصير محدد عداده من مراد معه حرف من حديد فاستقبله فقال: على أي ملة أنت يا نعثل ؟ فقال عثمان: لست بنعثل ولكني عثمان بن عفان، وأنا على ملة إبراهيم حنيفا مسلما وما أنا من المشركين فقال: كذبت، وضربه بالحرف على صدغه الايسر فقتله فخر فأدخلته نائلة بينها وبين ثيابها - وكانت جسيمة ضليعة - فألقت نفسها عليه وألقت بنت شيبة نفسها على ما بقى من جسده ودخل رجل من

(7/221)


أهل مصر بالسيف مصلتا فقال: والله لاقطعن أنفه فعالج المرأة عنه فغلبته فكشف عنها درعها من خلفها حتى نظر إلى متنها فلما لم يصل إليه أدخل السيف بين قرطها ومنكبها فقبضت على السيف فقطع أناملها، فقالت: يا رباح، لغلام عثمان أسود يا غلام ادفع عني هذا الرجل، فمشى إليه الغلام فضربه فقتله وخرج أهل البيت يقاتلون عن أنفسهم فقتل المغيرة بن الاخنس وجرح مروان ؟ ال: فلما أمسينا قلنا: إن تركتم صاحبكم حتى يصبح مثلوا به فاحتملناه إلى بقيع الغرقد في جوف الليل وغشينا سواد من خلفنا فهبناهم وكدنا أن نتفرق عنه فنادى مناديهم: أن لا روع عليكم البثوا إنما جئنا لنشهده معكم - وكان أبو حبيش يقول: هم ملائكة الله - فدفناه ثم هربنا إلى الشام من ليلتنا فلقينا الجيش بوادي القرى عليه حبيب بن مسلمة قد أتوا في نصرة عثمان فأخبرناهم بقتله ودفنه.
وقال أبو عمر بن عبد البر: دفنوا عثمان رضي الله عنه بحش كوكب (1) - وكان قد اشتراه ؟ زاده في البقيع - ولقد أحسن بعض السلف إذ يقول وقد سئل عن عثمان: هو أمير البررة، وقتيل الفجرة، مخذول من خذله، منصور من نصره.
وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي في آخر ترجمة عثمان وفضائله - بعد حكايته هذا الكلام:
للذين قتلوه أو ألبوا عليه قتلوا إلى عفو الله ورحمته، والذين خذلوه خذلوا وتنغص عيشهم، وكان ؟ ؟ للك بعده في نائبه معاوية وبنيه، ثم في وزيره مروان وثمانية من ذريته، استطالوا حياته وملوه مع ؟ ضله وسوابقه، فتملك عليهم من هو من بني عمه بضعا وثمانين سنة، فالحكم لله العلي الكبير.
هذا لفظه بحروفه.
بعض الاحاديث الواردة في فضائل عثمان بن عفان هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن ؟ ياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أبو عمرو وأبو عبد الله، القرشي، الاموي، أمير المؤمنين، ذو النورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين.
وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن عبد شمس.
وأمها أم حكيم وهي البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وأحد الثلاثة الذين خلصت لهم الخلافة من الستة، ثم تعينت فيه بإجماع المهاجرين والانصار رضي الله عنهم، فكان ثالث الخلفاء الراشدين، والائمة المهديين، المأمور باتباعهم والاقتداء بهم.
أسلم عثمان رضي الله عنه قديما على يدي أبي بكر الصديق، وكان سبب إسلامه عجيبا فيما
__________
(1) حش كوكب: الحش البستان، وكوكب: رجل من الانصار.
(*)

(7/222)


ذكره الحافظ ابن عساكر، وملخص ذلك أنه لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج ابنته رقية - وكانت ذات جمال - من ابن عمها عتبة بن أبي لهب، تأسف إذ لم يكن هو تزوجها، فدخل على أهله مهموما فوجد عندهم خالته سعدى بنت كريز - وكانت كاهنة - فقالت له: أبشر وحييت ثلاثا تترا، ثم ثلاثا وثلاثا أخرى، ثم بأخرى كي تتم عشرا، أتاك خير ووقيت شرا، أنكحت والله حصانا زهرا، وأنت بكر ولقيت بكرا، وافيتها بنت عظيم قدرا، بنيت أمرا قد أشاد ذكرا * قال عثمان: فعجبت من أمرها حيث تبشرني بالمرأة قد تزوجت بغيري: فقلت: يا خالة ! ما
تقولين ؟ فقالت: عثمان لك الجمال، ولك اللسان، هذا النبي معه البرهان.
أرسله بحقه الديان.
وجاءه التنزيل والفرقان، فاتبعه لا تغتالك الاوثان.
قال: فقلت إنك لتذكرين أمرا ما وقع ببلدنا.
فقالت: محمد بن عبد الله، رسول من عند الله، جاء بتنزيل الله، يدعو به إلى الله، ثم قالت: مصباحه مصباح، ودينه فلاح، وأمره نجاح، وقرنه نطاح، ذلت له البطاح، ما ينفع الصياح، لو وقع الذباح، وسلت الصفاح ومدت الرماح.
قال عثمان: فانطلقت مفكرا فلقيني أبو بكر فأخبرته، فقال: ويحك يا عثمان إنك لرجل حازم، ما يخفى عليك الحق من الباطل، ما هذه الاصنام التي يعبدها قومنا ؟ أليست من حجارة صم لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع ؟ قال قلت بلى ! والله إنها لكذلك، فقال: والله لقد صدقتك خالتك، هذا رسول الله محمد بن عبد الله، قد بعثه الله إلى خلقه برسالته، هل لك أن تأتيه ؟ فاجتمعنا برسول الله فقال: يا عثمان أجب الله إلى حقه، فإني رسول الله إليك وإلى خلقه قال: فوالله ما تمالكت نفسي منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم لم ألبث أن تزوجت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقال: أحسن زوج رآه إنسان * رقية وزوجها عثمان فقالت في ذلك سعدى بنت كريز: هدى الله عثمانا بقولي إلى الهدى * وأرشده والله يهدي إلى الحق فتابع بالرأي السديد محمدا * وكان برأي لا يصد عن الصدق وأنكحه المبعوث بالحق بنته * فكانا كبدر مازج الشمس في الافق فداؤك يا بن الهاشميين مهجتي * وأنت أمين الله أرسلت للخلق قال: ثم جاء أبو بكر من الغد بعثمان بن مظعون، وبأبي عبيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي سلمة بن عبد الاسد، والارقم بن أبي الارقم، فأسلموا وكانوا مع من اجتمع مع رسول الله ثمانية وثلاثون رجلا.
وهاجر إلى الحبشة أول الناس ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إلى مكة وهاجر إلى المدينة، فلما كانت وقعة بدر اشتغل بتمريض ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام
بسببها في المدينة، وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه منها وأجره فيها، فهو معدود فيمن شهدها.

(7/223)


؟ ؟ وفيت زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأختها أم كلثوم فتوفيت أيضا في صحبته، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ؟ ؟ ؟ ؟ كان عندنا أخرى لزوجناها بعثمان " وشهد أحدا وفر يومئذ فيمن تولى، وقد نص الله على العفو ؟ ؟ ؟ ؟ ؟، وشهد الخندق والحديبية، وبايع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بإحدى يديه، وشهد خيبر ؟ ؟ ؟ القضاء، وحضر الفتح وهوازن والطائف وغزوة تبوك، وجهز جيش العسرة.
وتقدم عن ؟ ؟ ؟ الرحمن بن خباب أنه جهزهم يومئذ بثلاثمائة بعير بأقتاببها وأحلاسها، وعن عبد الرحمن بن ؟ ؟ ؟ ؟ أنه جاء يومئذ بألف دينار فصبها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: ما ضر عثمان ما فعل ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ هذا اليوم مرتين.
وحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وتوفي وهو عنه راض، وصحب أبا بكر فأحسن صحبته، وتوفي وهو عنه راض، وصحب عمر أحسن صحبته وتوفي وهو عنه ؟ ؟ ؟ ؟ ؟.
ونص عليه في أهل الشورى الستة، فكان خيرهم كما سيأتي.
فولي الخلافة بعده ففتح الله على يديه كثيرا من الاقاليم والامصار، وتوسعت المملكة الاسلامية، وامتدت الدولة المحمدية، وبلغت الرسالة المصطفوية في مشارق الارض ومغاربها، ؟ ؟ ؟ للناس مصداق قوله تعالى: * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) * [ النور: 55 ] وقوله تعالى: * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ كله ولو كره المشركون) * [ التوبة: 33 ] وقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله " وهذا كله تحقق ؟ ؟ ؟ ؟ وتأكد وتوطد في زمان عثمان رضي الله عنه.
وقد كان رضي الله عنه حسن الشكل، مليح الوجه، كريم الاخلاق، ذا حياء كثير، ؟ ؟ ؟ ؟ غزير، يؤثر أهله وأقاربه في الله، تأليفا لقلوبهم من متاع الحياة الدنيا الفاني، لعله يرغبهم ؟ ؟ ر ما يبقى على ما يفنى، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي أقواما ويدع آخرين، يعطي أقواما خشية
؟ بهم الله على وجوههم في النار، ويكل آخرين إلى ما جعل الله في قلوبهم من الهدى والايمان، ؟ - $ عنت عليه بسبب هذه الخصلة أقوام، كما تعنت بعض الخوارج على رسول الله صلى الله عليه وسلم في.
وقد قدمنا ذلك في غزوة حنين حيث قسم غنائمها * وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل ؟ ؟ ؟ ؟ رضي الله عنه نذكر ما تيسر منها إن شاء الله وبه الثقة، وهي قسمان - الاول - فيما ورد في ؟ ؟ ؟ ؟ مع غيره.
فمن ذلك الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: حدثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد عن قتادة أن أنسا حدثهم قال: " صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف اسكن أحد - أظنه ضربه برجله - فليس عليك ألا نبي وصديق وشهيدان (1) " تفرد به دون
__________
؟ ؟ ؟ جه البخاري في فضائل الصحابة ح 3699 فتح الباري 7 / 53.
وأخرجه الترمذي في المناقب ح 3697 = (*)

(7/224)


مسلم.
وقال الترمذي: ثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمد بن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله " كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اهدئي فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد (1) ".
ثم قال في الباب: عن عثمان (2) وسعيد بن زيد وابن عباس، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك، وبريدة الاسلمي، وهذا حديث صحيح.
قلت: ورواه أبو الدرداء، ورواه الترمذي عن عثمان في خطبته يوم الدار، وقال: على ثبير.
حديث آخر وهو عن أبي النهدي عن أبي موسى الاشعري قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط، فأمرني بحفظ الباب، فجاء رجل يستأذن فقلت: من هذا ؟ قال: أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائذن له وبشره بالجنة.
ثم جاء عمر فقال ائذن له وبشره بالجنة، ثم جاء عثمان فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فدخل وهو يقول: اللهم صبرا وفي رواية - الله المستعان (3) " رواه عنه قتادة وأيوب السختياني.
وقال البخاري: وقال حماد بن زيد: حدثنا عاصم
الاحول وعلي بن الحكم سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى الاشعري بنحوه، وزاد عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان قد انكشف عن ركبتيه، أو ركبته، فلما دخل عثمان غطاها.
وهو في الصحيحين أيضا من حديث سعيد بن المسيب عن أبي موسى، وفيه " أن أبا بكر وعمر دليا أرجلهما مع رسول الله في باب القف وهو في البئر، وجاء عثمان فلم يجد له موضعا " قال سعيد: فأولت ذلك قبورهم اجتمعت وانفرد عثمان.
وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد بن مروان، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة.
قال: قال نافع بن الحارث: " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطا فقال: امسك علي الباب، فجاء حتى جلس على القف ودلى رجليه، فضرب الباب فقلت: من هذا ؟ فقال: أبو بكر، فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر، قال: ائذن له وبشره بالجنة، فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على
__________
= من طريق محمد بن بشار وفيه: اثبت أحد.
ج 5 / 624.
(1) أخرجه في المناقب ح 3696 ج 5 / 624.
(2) في نسخ البداية المطبوعة: عثمان بن سعيد وهو تحريف وعثمان هو عثمان بن موهب نسبة إلى جده وهو عثمان بن عبد الله بن موهب مولى بني تميم بصري تابعي وسط وهو ثقة باتفاقهم.
(3) رواه الترمذي في المناقب ح 3710 وقال هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن أبي عثمان النهدي ج 5 / 631 والبخاري في فضائل الصحابة ح 3695 فتح الباري 7 / 53 وح 3674 عن سعيد بن المسيب.
ورواه الامام أحمد في مسنده، في الحديث التالي عن نافع بن الحارث ج 3 / 408 و 2 / 165.
(*)

(7/225)


القف ودلى رجليه في البئر، ثم ضرب الباب: فقلت: من هذا ؟ قال.
عمر، قلت: يا رسول الله هذا عمر، قال: ائذن له وبشره بالجنة، ففعلت، فجاء فجلس مع رسول الله على القف ودلى رجليه في البئر، ثم ضرب الباب فقلت: من هذا ؟ قال: عثمان، قلت: يا رسول الله هذا عثمان، قال: ائذن له وبشره بالجنة معها بلاء، فأذنت له وبشرته بالجنة، فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على القف ودلى رجليه في البئر " هكذا وقع في هذه الرواية، وقد أخرجه أبو داود والنسائي
من حديث أبي سلمة، فيحتمل أن أبا موسى ونافع بن عبد الحارث كانا موكلين بالباب، أو أنها قصة أخرى.
وقد رواه الامام أحمد عن عفان عن وهيب عن موسى بن عقبة سمعت أبا سلمة ولا أعلمه إلا عن نافع بن عبد الحارث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطا فجلس على قف البئر، فجاء أبو بكر فاستأذن فقال لابي موسى: ائذن له وبشره بالجنة.
ثم جاء عمر فقال: ائذن له وبشره بالجنة، ثم جاء عثمان فقال: ائذن له وبشره بالجنة وسيلقى بلاء (1) " وهذا السياق أشبه من الاول، على أنه قد رواه النسائي من حديث صالح بن كيسان عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن نافع ابن عبد الحارث عن أبي موسى الاشعري.
فالله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد أنا همام عن قتادة، عن ابن سيرين، ومحمد بن عبيد عن عبد الله بن عمرو قال: " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر فاستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة، ثم جاء عمر فقال: ائذن له وبشره بالجنة، ثم جاء عثمان فاستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة.
قال: قلت فأين أنا ؟ قال: أنت مع أبيك (2) " تفرد به أحمد.
وقد رواه البزاز وأبو يعلى من حديث أنس بن مالك بنحو ما تقدم.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا حجاج، ثنا ليث حدثني عقيل، عن ابن شهاب عن يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة، فأذن لابي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف، فاستأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحالة فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال: اجمعي عليك ثيابك فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله ! ما لي لا أراك فزعت لابي بكر وعمر كما فزعت
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 4 / 393 و 408.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 2 / 165 و 3 / 408 (*)

(7/226)


لعثمان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عثمان رجل حيي، وأني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة لا يبلغ إلى حاجته " قال الليث: وقال جماعة الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: " ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة ؟ " (1) ورواه مسلم من حديث محمد بن أبي حرملة عن عطاء وسليمان بن يسار عن أبي سلمة عن عائشة.
ورواه أبو يعلى الموصلي من حديث سهيل عن أبيه عن عائشة.
ورواه جبير بن نفير وعائشة بنت طلحة عنها.
وقال الامام أحمد: حدثنا مروان، ثنا عبد الله بن يسار، سمعت عائشة بنت طلحة تذكر عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان جالسا كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله، ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له وهو على حاله، ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه، فلما قاموا قلت: يا رسول الله استأذن عليك أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك، فلما استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك: فقال: يا عائشة ألا نستحي من رجل والله إن الملائكة لتستحي منه ؟ (2) ".
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
طريق أخرى عن حفصة رواه الحسن بن عرفة وأحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن ابن جريج، أخبرني أبو خالد عثمان بن خالد عن عبد الله بن أبي سعيد المدني حدثتني حفصة، فذكر مثل حديث عائشة، وفيه: فقال " ألا نستحي ممن تستحي منه الملائكة ؟ (3) ".
طريق أخرى عن ابن عباس قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أبو كريب، ثنا يونس بن بكير ثنا النضر - هو ابن عبد الرحمن أبو عمر الخزاز الكوفي - عن عكرمة عن ابن عباس.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا نستحي ممن تستحي منه الملائكة عثمان بن عفان ؟ " (1) ثم قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الاسناد قلت هو على شرط الترمذي ولم يخرجوه.
طريق أخرى عن ابن عمر
قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنل ؟ ا، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا أبو
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 71، 6 / 155 و 167 ومسلم في فضائل الصحابة (3) باب ح (28) ص 4 / 1867.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 6 / 62.
(3) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 6 / 155 و 288.
(*)

(7/227)


معشر حدثني إبراهيم بن عمر بن أبان، حدثني أبي عمر بن أبان عن أبيه.
قال سمعت عبد الله ابن عمر يقول: " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعائشة وراءه إذ استأذن أبو بكر فدخل، ثم استأذن عمر فدخل، ثم استأذن سعد بن مالك فدخل، ثم استأذن عثمان بن عفان فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث كاشفا عن ركبته، فرد ثوبه على ركبته حين استأذن عثمان، وقال لامرأته: استأخري، فتحدثوا ساعة ثم خرجوا، فقالت عائشة: يا نبي الله ! دخل أبي وأصحابه فلم تصلح ثوبك على ركبتك ولم تؤخرني عنك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ؟ والذي نفسي بيده إن الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحي من الله ورسوله، ولو دخل وأنت قريب مني لم يتحدث ولم يرفع رأسه حتى يخرج (1) " هذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه زيادة على ما قبله، وفي سنده ضعف.
قلت: وفي الباب عن علي وعبد الله بن أبي أوفى، وزيد ابن ثابت: وروى أبو مروان القرشي عن أبيه عن مالك، عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عثمان حيي تستحي منه الملائكة ".
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأشدها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبي.
وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين وأمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح (2) " وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه
من حديث خالد الحذاء، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وفي صحيح البخاري ومسلم آخره " ولكل أمة أمين وأمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح " وقد روى هشيم عن كريز بن حكيم عن نافع عن ابن عمر مثل حديث أبي قلابة عن أنس أو نحوه.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، ثنا محمد بن حرب، حدثني الزبيدي، عن ابن شهاب عن عمرو بن أبان بن عثمان، عن جابر بن عبد الله.
أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر، فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ما ذكره
__________
(1) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 82 وقال: رواه أبو يعلى والطبراني وفيه ابراهيم بن عمر بن أبان وهو ضعيف.
(2) الحديث في مسند أحمد ج 3 / 184 وارجع إلى هامش (3) من صفحة 151 من هذا الجزء.
(*)

(7/228)


رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوط بعضهم ببعض، فهؤلاء ولاة هذا الامر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم (1) " ورواه أبو داود عن عمرو بن عثمان عن محمد بن حرب، ثم قال: ورواه يونس وشعيب عن الزهري فلم يذكرا عمرا.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا أبو داود - عمر بن سعد - ثنا بدر بن عثمان عن عبيد الله بن مروان عن أبي عائشة عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: " رأيت قبل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين، فأما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهي التي يوزن بها، فوضعت في كفة ووضعت أمتي في كفة فوزنت بهم فرجحت، ثم جئ بأبي بكر فوزن فوزن بهم، ثم جئ بعمر فوزن فوزن بهم، ثم جئ بعثمان فوزن فوزن بهم، ثم رفعت (2) " تفرد به أحمد * وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا هشام بن عمار ثنا عمرو بن واقد ثنا يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني رأيت أني
وضعت في كفة وأمتي في كفة فعدلتها، ثم وضع أبو بكر في كفة وأمتي في كفة فعدلها، ثم وضع عمر في كفة وأمتي في كفة فعدلها، ثم وضع عثمان في كفة وأمتي في كفة فعدلها ".
حديث آخر قال أبو يعلى: حدثنا عبد الله بن مطيع ثنا هشيم عن العوام، عمن حدثه عن عائشة.
قالت: لما أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه، وجاء أبو بكر بحجر فوضعه وجاء عمر بحجر فوضعه، وجاء عثمان بحجر فوضعه، قالت: فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " هم أمراء الخلافة من بعدي ".
وقد تقدم هذا الحديث في بناء مسجده أول مقدمه المدينة عليه الصلاة والسلام، وكذلك تقدم في دلائل النبوة من حديث الزهري عن رجل عن أبي ذر في تسبيح الحصا في يده عليه السلام ثم في كف أبي بكر، ثم في كف عمر، ثم في كف عثمان، رضي الله عنهم، وفي بعض الروايات: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذه خلافة النبوة " وسيأتي حديث سفينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا " فكانت ولاية عثمان ومدتها ثنتي عشرة سنة، من جملة هذه الثلاثين بلا خلاف بين العلماء العاملين، كما أخبر به سيد المرسلين صلى الله عليه آله وصحبه أجمعين.
__________
(1) الحديث في مسند أحمد 3 / 355.
(2) مسند أحمد 3 / 355.
(*)

(7/229)


حديث آخر وهو ما روي من طرق متعددة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شهد للعشرة بالجنة، وهو أحدهم بنص النبي صلى الله عليه وسلم.
حديث آخر قال البخاري: حدثنا محمد بن حاتم (1) بن بزيغ، ثنا شاذان ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر قال: " كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر
أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نذر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم " تابعه عبد الله بن صالح بن عبد العزيز، تفرد به البخاري، ورواه إسماعيل بن عياش، والفرج بن فضالة، عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن نافع عن ابن عمر.
ورواه أبو يعلى عن أبي معشر عن يزيد بن هارون عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن عمر به.
طريق أخرى عن ابن عمر قال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن ابن عمر.
قال: " كنا نعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه متوافرون أبو بكر وعمر وعثمان ثم نسكت ".
طريق أخرى عن ابن عمر بلفظ آخر قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمرو بن علي، وعقبة بن مكرم قالا: ثنا أبو عاصم عن عمر بن محمد عن سالم عن أبيه.
قال: كنا نقول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر وعثمان - يعني في الخلافة - وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجوه، لكن قال البزار: وهذا الحديث قد روي عن ابن عمر من وجوه " كنا نقول أبو بكر وعمر وعثمان، ثم لا نفاضل بعد " وعمر بن محمد لم يكن بالحافظ، وذلك: يتبين في حديثه إذا روي عن غير سالم فلم يقل شيئا وقد رواه غير واحد من الضعفاء عن الزهري عن سالم عن أبيه به.
وقد اعتنى الحافظ ابن عساكر بجمع طرقه عن ابن عمر فأفاد وأجاد.
فأما الحديث الذي قال الطبراني: حدثنا سعيد بن عبد ربه الصفار البغدادي حدثنا علي بن جميل الرقي أنا جرير عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في الجنة شجرة - أو ما في الجنة شجرة - شك علي بن حنبل، ما عليها ورقة إلا مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو
__________
(1) في نسخ البداية المطبوعة " (حازم) - فتح الباري - كتاب المناقب ح 3697 ص 7 / 53 (*)

(7/230)


النورين " فإنه حديث ضعيف في إسناده من تكلم فيه ولا يخلو من نكارة، والله أعلم.
القسم الثاني فيما ورد من فضائله وحده
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبو عوانة ثنا عثمان بن موهب.
قال: " جاء رجل من أهل مصر حج البيت، فرأى قوما جلوسا فقال: من هؤلاء القوم ؟ قالوا: قريش، قال: فمن الشيخ فيهم ؟ قالوا: عبد الله بن عمر.
قال: يا بن عمر ! إني سائلك عن شئ فحدثني [ عنه ]، هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد ؟ قال: نعم ! قال: تعلم أنه تغيب يوم بدر ولم يشهدها ؟ قال: نعم ! قال: تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان ولم يشهدها ؟ قال: نعم ! قال: الله أكبر، قال ابن عمر: تعال أبين لك، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله وكانت مريضة، فقال له رسول الله: إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك (1) " تفرد به دون مسلم.
طريق أخرى وقال الامام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، ثنا زائدة، عن عاصم، عن سفيان.
قال: لقي عبد الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة، فقال له الوليد: ما لي أراك جفوت أمير المؤمنين عثمان ؟ فقال له عبد الرحمن: أبلغه أني لم أفر يوم حنين، قال عاصم: يقول يوم أحد - ولم أتخلف عن يوم بدر، ولم أترك سنة عمر، قال: فانطلق فخبر بذلك عثمان فقال: أما قوله: إني لم أفر يوم حنين، فكيف يعيرني بذلك وقد عفا الله عني فقال: * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم) * [ آل عمران: 155 ] وأما قوله: إني تخلفت يوم بدر، فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم فقد شهد، وأما قوله: ولم أترك سنة عمر، فإني لا أطيقها ولا هو، فإنه يحدثه بذلك.
__________
(1) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة - ح 3698 فتح الباري 7 / 54.
ورواه الترمذي في المناقب ح 3706
ص 5 / 629 قوله: اذهب بها الآن معك: يظهر من سياق الاسئلة ان السائل كان ممن يتعصب على عثمان فأراد أن يقرر معتقده فيه، وكأن ابن عمر فهم منه مراده، فقول ابن عمر له يعني أن أقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده في عثمان (قاله ابن حجر).
(*)

(7/231)


حديث آخر قال البخاري: حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد (1)، ثنا أبي عن يونس، قال ابن شهاب: أخبرني عروة أن عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الاسود بن عبد يغوث قالا: ما يمنعك أن تكلم عثمان لاخيه (3) الوليد فقد أكثر الناس فيه ؟ فقصدت لعثمان حين خرج إلى الصلاة.
فقلت: إن لي إليك حاجة، وهي نصيحة لك، فقال: يا أيها المرء منك قال أبو عبد الله قال معمر: أعوذ بالله منك - فانصرفت فرجعت إليهم إذ جاء رسول عثمان فأتيته فقال ما نصيحتك ؟ فقلت: إن الله بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ولرسوله، وهاجرت الهجرتين، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت هديه، وقد أكثر الناس في شأن الوليد.
فقال: أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت: لا ! ولكن خلص إلي من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها، قال: أما بعد ! فإن الله بعث محمدا بالحق وكنت ممن استجاب لله ولرسوله فآمنت بما بعث به، وهاجرت الهجرتين كما قلت، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته، فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله عز وجل، ثم أبو بكر مثله، ثم عمر مثله، ثم استخلفت، أفليس لي من الحق مثل الذي لهم ؟ قلت: بلى ! قال: فما هذه الاحاديث التي تبلغني عنكم ؟ أما ما ذكرت من شأن الوليد فسأخذ فيه بالحق إن شاء الله.
ثم دعا عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين (3).
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، ثنا الوليد بن مسلم، حدثني ربيعة بن يزيد، عن عبد الله بن عامر، عن النعمان بن بشير عن عائشة رضي الله عنها قالت: " أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
عثمان بن عفان فجاء فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأينا إقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان أقبلت إحدانا على الاخرى فكان من آخر كلمة أن ضرب منكبه وقال: يا عثمان إن الله عسى أن يلبسك قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ثلاثا.
فقلت لها يا أم المؤمنين ؟ فأين كان هذا عنك ؟ قالت: نسيته والله ما ذكرته، قال: فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين: أن اكتبي إلي به، فكتبت إليه به كتابا (4) " وقد رواه أبو
__________
(1) من البخاري، وفي الاصل سعد تحريف.
(2) الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس وكان أخا عثمان لامه وكان قد ولاه الكوفة بعد عزله سعدا بن أبي وقاص.
(3) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة ح 3696 فتح الباري 7 / 53 وروى الجزء الاخير منه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 88 وقال: رجاله رجال الصحيح.
(4) أخرجه الامام أحمد في مسنده 6 / 117.
(*)

(7/232)


عبد الله الجيري عن عائشة وحفصة بنحو ما تقدم.
ورواه قيس بن أبي حازم وأبو سلمة عنها.
ورواه أبو سهلة عن عثمان: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا فأنا صابر نفسي عليه " ورواه فرج ابن فضالة عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكره، قال الدارقطني: تفرد به الفرج بن فضالة ورواه أبو مروان محمد عن عثمان بن خالد العماني، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه [ عن هشام بن عروة عن أبيه ] عن عائشة.
ورواه ابن عساكر من طريق المنهال بن عمر عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عنها.
ورواه ابن أسامة عن الجريري: حدثني أبو بكر العدوي.
قال: سألت عائشة، وذكر عنها نحو ما تقدم [ تفرد به الفرج بن فضالة ] (1) ورواه حصين عن مجاهد عن عائشة بنحوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن كنانة الاسدي، أبو يحيى، ثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه.
قال: بلغني أن عائشة قالت: " ما استمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة، فإن عثمان جاءه في
حر الظهيرة فظننت أنه جاءه في أمر النساء، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه فسمعته يقول: إن الله ملبسك قميصا تريدك أمتي على خلعه فلا تخلعه.
فلما رأيت عثمان يبذل لهم ما سألوه إلا خلعه علمت أنه عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عهد إليه (2).
طريق أخرى قال الطبراني: حدثنا مطلب بن سعيد الازدي، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، قال: كنا عند شفى الاصبحي فقال: حدثنا عبد الله بن عمر قال: " التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عثمان إن الله كساك قميصا فأرادك الناس على خلعه قلا تخلعه، فوالله لئن خلعته لا ترى الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " وقد رواه أبو يعلى من طريق عبد الله بن عمر عن أخته حفصة أم المؤمنين.
وفي سياق متنه غرابة والله أعلم.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد حدثتني فاطمة بنت عبد الرحمن قالت: حدثتني أمي أنها سألت عائشة وأرسلها عمها فقال: قولي إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن
__________
(1) ما بين معكوفتين سقط من الاصل، واستدرك من المخطوطة الحلبية.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 6 / 114.
ورواه الترمذي في المناقب عن النعمان بن بشير عن عائشة ح (3705) ص 5 / 628.
(*)

(7/233)


عفان فإن الناس قد شتموه، فقالت: " لعن الله من لعنه، فوالله لقد كان قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن رسول الله لمسند ظهره إلي، وإن جبريل ليوحي إليه القرآن، وإنه ليقول له: اكتب يا عثيم، قالت عائشة: فما كان الله لينزل تلك المنزلة إلا كريما على الله ورسوله (1) " ثم رواه الامام أحمد عن يونس عن عمر بن إبراهيم اليشكري عن أمه عن أمها أنها سألت عائشة عند الكعبة عن عثمان فذكرت مثله.
حديث آخر قال البزار: حدثنا عمر بن الخطاب قال: ذكر أبو المغيرة عن صفوان بن عمرو، عن ماعز التميمي، عن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة فقال أبو بكر: أنا أدركها ؟ فقال: لا ! فقال عمر: أنا يا رسول الله أدركها ؟ قال: لا ! فقال عثمان: يا رسول الله فأنا أدركها ؟ قال: بك يبتلون " قال البزار: وهذا لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا أسود بن عمر، ثنا سنان بن هارون، ثنا كليب بن واصل (2)، عن ابن عمر.
قال: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال: يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما، فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان ".
ورواه الترمذي عن إبراهيم بن سعيد عن شاذان به وقال: حسن غريب.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا موسى بن عقبة حدثني أبو أمي أبو حنيفة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافا - أو قال: اختلافا وفتنة - فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله ؟ قال: عليكم
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 6 / 250 ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 86 وقال: رواه أحمد والطبراني في الاوسط إلا أنه قال: " عن أم كلثوم بنت ثمامة الحنطي أن أخاها المخارق بن ثمامة الحنطي ".
قال: وأم كلثوم لم أعرفها وبقية رجال الطبراني ثقات.
(2) رواه الترمذي في المناقب ح 3708 ص 5 / 630.
وفيه حدثنا شاذان الاسود بن عامر عن سنان بن هرون البرجمي عن كليب بن وائل.
(*)

(7/234)


بالامين وأصحابه وهو يشير إلى عثمان بذلك (1) " تفرد به أحمد وإسناده جيد حسن ولم يخرجوه من
هذا الوجه.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو أسامة ثنا حماد بن أسامة ثنا كهمس بن الحسن، عن عبد الله ابن شقيق، حدثني هرم بن الحارث وأسامة بن خزيم - وكانا يغازيان - فحدثاني حديثا ولم يشعر كل واحد منهما أن صاحبه حدثنيه عن مرة البهزي قال: " بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة فقال: كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الارض كأنها صياصي بقر ؟ نصنع ماذا يا رسول الله ؟ قال: عليكم هذا وأصحابه - أو اتبعوا هذا وأصحابه - قال: فأسرعت حتى عييت فأدركت الرجل فقلت: هذا يا رسول الله ؟ قال: هذا، فإذا هو عثمان بن عفان (2) " فقال: هذا وأصحابه فذكره.
طريق أخرى وقال الترمذي في جامعه: حدثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا أيوب، عن أبي قلابة عن أبي الاشعث الصنعاني أن خطباء قامت بالشام وفيهم رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له مرة بن كعب، فقال: لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تكلمت، وذكر الفتن فقر بها فمر رجل متقنع في ثوب، فقال: هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه.
فإذا هو عثمان ابن عفان، فأقبلت عليه بوجهه فقلت: هذا ؟ قال نعم ! (3) " ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن حوالة وكعب بن عجرة.
قلت: وقد رواه أسد بن موسى عن معاوية بن صالح حدثني سليم بن عامر، عن جبير بن نفير، عن مرة بن كعب البهزي فذكر نحوه، وقد رواه الامام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية، عن صالح، عن سليم بن عامر، عن جبير بن نفير عن كعب بن مرة البهزي.
الصحيح مرة بن كعب كما تقدم، وأما حديث ابن حواله، فقال حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن عبد الله بن سفيان (4) عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن حوالة.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف وأنت وفتنة تكون في أقطار الارض ؟ قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال اتبع هذا الرجل، فإنه يومئذ ومن اتبعه على الحق قال: فاتبعته فأخذت بمنكبه فقتلته فقلت: هذا يا رسول الله ؟ فقال: نعم ! فإذا هو
عثمان بن عفان " وقال حرملة عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط، عن ابن حوالة.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من نجا منهن فقد نجا، موتي،
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 2 / 345.
(2) أخرجه الامام أحمد ج 5 / 35.
(3) أخرجه الترمذي في المناقب ح 3704 ص (5 / 628).
(4) في هامش النسخة المطبوعة: كذا بالمصرية بزيادة عبد الله بن سفيان.
(*)

(7/235)


وخروج الدجال وقتل خليفة مصطبر قوام بالحق يعطيه.
وأما حديث كعب بن عجرة.
فقال الامام أحمد: حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي، أخبرني معاوية بن مسلم، عن مطر الوراق، عن ابن سيرين عن كعب بن عجرة قال: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها وعظمها قال: ثم مر رجل مقنع في ملحفة فقال: هذا يومئذ على الحق قال فانطلقت مسرعا أو محضرا وأخذت بضبعيه فقلت: هذا يا رسول الله ؟ قال: هذا فإذا هو عثمان بن عفان (1) " ثم رواه أحمد عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كعب بن عجرة فذكر مثله.
ورواه أبو يعلى عن هدبة، عن همام، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن كعب بن عجرة.
وكذا رواه أبو عون عن ابن سيرين عن كعب.
وقد تقدم حديث أبي ثور التميمي عنه في قوله في الخطبة التي خاطب بها الناس من داره: والله ما تغنيت ولا تمنيت ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يعتق كل يوم جمعة عتيقا فإن تعذر عليه أعتق في الجمعة الاخرى عتيقين.
وقال مولاه حمران: كان عثمان يغتسل كل يوم منذ أسلم.
رضي الله عنه.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا علي بن عياش، ثنا الوليد بن مسلم، أنبأنا الاوزاعي، عن محمد ابن عبد الملك بن مروان أنه حدثه عن المغيرة بن شعبة: أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال:
" إنك إمام العامة وقد نزل بك ما ترى وإني أعرض عليك خصالا ثلاثا اختر إحداهن، إما أن تخرج فتقاتلهم فإن معك عددا وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل، وإما أن تخرق بابا سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على رواحلك فتلحق مكة، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية.
فقال عثمان: أما أن أخرج فأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء، وأما أن أخرج إلى مكة فإنهم لن يستحلوني بها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم، ولن أكون أنا، وأما أن ألحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) ".
وقال الامام أحمد: ثنا أبو المغيرة ثنا أرطاة - يعني ابن المنذر - حدثني أبو عون الانصاري أن عثمان قال لابن مسعود: " هل أنت منته عما بلغني عنك ؟ فاعتذر بعض العذر، فقال عثمان: ويحك ! إني قد سمعت وحفظت - وليس كما سمعت -، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيقتل أمير، ويتبرى متبرئ (3)، وإني أنا المقتول، وليس عمر، إنما قتل عمر واحد، وأنه
__________
(1) الحديث أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 4 / 242.
(2) مسند الامام أحمد ج 1 / 67.
(3) مسند الامام أحمد 1 / 66.
وفيه: وينتزي منتز بدل ويتبرى متبرئ.
(*)

(7/236)


يجتمع علي " وهذا الذي قاله لابن مسعود قبل مقتله بنحو من أربع سنين فإنه مات قبله بنحو ذلك.
حديث آخر [ قال عبد الله بن أحمد: ثنا عبيد الله بن عمر الفربري: ثنا القاسم بن الحكم بن أوس الانصاري، حدثني أبو عبادة الزرقي الانصاري - من أهل المدينة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: " شهدت عثمان يوم حصر في موضع الجنائز ولو ألقى حجر لم يقع إلا على رأس رجل فرأيت عثمان أشرف من الخوخة التي تلي باب مقام جبريل، فقال: أيها الناس ! أفيكم طلحة ؟ فسكتوا، ثم قال: أيها الناس ! أفيكم طلحة بن عبيد الله ؟ فسكتوا، ثم قال: أيها الناس !
أفيكم طلحة ؟ فقام طلحة بن عبيد الله فقال له عثمان: ألا أراك ههنا ؟ ما كنت أرى أنك تكون في جماعة قوم تسمع نداي آخر ثلاث مرات، ثم لا تجيئني ؟ أنشدك الله يا طلحة تذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع كذا وكذا ليس معه أحد من أصحابه غيري وغيرك ؟ فقال: نعم ! قال: فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ما من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق في الجنة، وإن عثمان بن عفان هذا - يعني نفسه - رفيقي في الجنة ؟ فقال طلحة: اللهم نعم ! " تفرد به أحمد ] (1).
حديث آخر عن طلحة قال الترمذي: حدثنا أبو هشام الرفاعي، ثنا يحيى بن اليمان، عن شريح بن زهرة (2)، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب (3)، عن طلحة بن عبيد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل نبي رفيق ورفيقي في الجنة عثمان " ثم قال: هذا حديث غريب وليس إسناده بالقوي، وإسناده منقطع.
ورواه أبو عثمان محمد بن عثمان عن أبيه عن أبي الزناد عن أبيه عن الاعرج عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حدثنا الفضل بن أبي طالب البغدادي وغير واحد قالوا: حدثنا عثمان ابن زفر، حدثنا محمد بن زياد، عن محمد بن عجلان عن أبي الزبير عن جابر قال: " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل ليصلي عليه فلم يصل عليه، فقيل يا رسول الله ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا ؟ فقال: إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله عز وجل (4) " ثم قال الترمذي: هذا حديث
__________
(1) هذا الحديث تكرر في النسختين المصرية والحلبية.
انظر صفحة 198 - 199 من هذا الجزء والتعليق عليه هناك فليراجع.
(2) في الترمذي: شيخ من بني زهرة.
(3) من الترمذي ح 3698 ص 5 / 624 وفي الاصل وتاب.
(4) كتاب المناقب - ح 3709 ص 5 / 630.
(*)

(7/237)


غريب، ومحمد بن زياد هذا صاحب ميمون بن مهران ضعيف الحديث جدا، ومحمد بن زياد
صاحب أبي هريرة بصري ثقة، يكنى أبا الحارث، ومحمد بن زياد الالهاني صاحب أبي أمامة ثقة شامي يكنى أبا سفيان.
حديث آخر روى الحافظ ابن عساكر من حديث أبي مروان العثماني، ثنا أبي عثمان بن خالد، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه عن الاعرج عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عثمان بن عفان على باب المسجد فقال: يا عثمان ! هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية، على مثل مصاحبتها " وقد روى ابن عساكر أيضا من حديث ابن عباس وعائشة وعمارة بن روبية وعصمة بن مالك، الخطمي، وأنس بن مالك وابن عمر وغيرهم، وهو غريب ومنكر من جميع طرقه، وروي بإسناد ضعيف عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو كان لي أربعون ابنة لزوجتهن بعثمان واحدة بعد واحدة، حتى لا يبقى منهن واحدة " وقال محمد بن سعيد الاموي، عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن المهلب بن أبي صفرة قال: " سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم قلتم في عثمان: أعلانا فوقا ؟ قالوا: لانه لم يتزوج رجل من الاولين والآخرين ابنتي نبي غيره رواه ابن عساكر.
وقال إسماعيل بن عبد الملك عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه حتى يبدو ضبعيه إلا لعثمان بن عفان، إذا دعا له.
وقال مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعا يديه يدعو لعثمان يقول: " اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه " وفي رواية يقول لعثمان: " غفر الله لك ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما كان منك وما هو كائن إلى يوم القيامة " ورواه الحسن بن عرفة عن محمد بن القاسم الاسدي عن الاوزاعي عن حسان بن عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وقال ابن عدي عن أبي يعلى عن عمار بن ياسر المستملي عن إسحاق بن إبراهيم المستملي، عن أبي إسحاق عن أبي وائل عن حذيفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان يستعينه في غزاة غزاها، فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار، فوضعها بين يديه، فجعل يقلبها بين يديه ويدعو له: " غفر
الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها ".
حديث آخر وقال ليث بن أبي سليم: أول من خبص الخبيص عثمان خلط بين العسل والنقي ثم بعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزل أم سلمة، فلم يصادفه، فلما جاء وضعوه بين يديه، فقال: من

(7/238)


بعث هذا ؟ قالوا: عثمان: قالت: فرفع يديه إلى السماء فقال: " اللهم إن عثمان يترضاك فارض عنه ".
حديث آخر روى أبو يعلى عن سنان بن فروخ عن طلحة بن يزيد عن عبيدة بن حسان عن عطاء الكيخاراني عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتنق عثمان وقال: " رأيت وليي في الدنيا ووليي في الآخرة ".
حديث آخر قال أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن حوالة.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تهجمون على رجل معتجر ببرده من أهل الجنة، يبايع الناس " قال فهجمنا على عثمان بن عفان فرأيناه معتجرا يبايع الناس.
ذكر شئ من سيرته وهي دالة على فضيلته
قال ابن مسعود: لما توفي عمر بايعنا خيرنا ولم نأل، وفي رواية بايعوا خيرهم ولم يألوا، وقال الاصمعي عن أبي الزناد عن أبيه عن عمرو بن عثمان بن عفان قال: كان نقش خاتم عثمان آمنت بالذي خلق فسوى.
وقال محمد بن المبارك بلغني أنه كان نقش خاتم عثمان آمن عثمان بالله العظيم.
وقال البخاري في التاريخ: ثنا موسى بن إسماعيل ثنا مبارك بن فضالة قال سمعت الحسن يقول: أدركت عثمان على ما نقموا عليه، قل ما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون
فيه خيرا، يقال لهم: يا معشر المسلمين اغدوا على أعطياتكم، فيأخذونها وافرة، ثم يقال لهم: اغدوا على أرزاقكم فيأخذونها وافرة، ثم يقال لهم اغدوا على السمن والعسل، الاعطيات جارية، والارزاق دارة، والعدو متقى، وذات البين حسن، والخير كثير، وما من مؤمن يخاف مؤمنا، ومن لقبه فهو أخوه، قد كان من إلفته ونصيحته ومودته قد عهد إليهم أنها ستكون أثرة، فإذا كانت فاصبروا " قال الحسن: فلو أنهم صبروا حين رأوها لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق والخير الكثير، بل قالوا: لا والله ما نصابرها: فوالله ما وردوا وما سلموا، والاخرى كان السيف مغمدا عن أهل الاسلام فسلوه على أنفسهم، فوالله ما زال مسلولا إلى يوم الناس، هذا وأيم الله إني لاراه سيفا مسلولا إلى يوم القيامة " وقال غير واحد عن الحسن البصري قال: سمعت عثمان يأمر في خطبته بذبح الحمام وقتل الكلاب.
وروى سيف بن عمر أن أهل المدينة اتخذ بعضهم الحمام ورمى بعضهم بالجلا هقات [ فوكل عثمان رجلا من بني ليث يتبع ذلك، فيقص

(7/239)


الحمام ويكسر الجلاهقات ] (1) - وهي قسي البندق - وقال محمد بن سعد: " أنبأنا القعنبي وخالد بن مخلد ثنا محمد بن هلال عن جدته - وكانت تدخل على عثمان وهو محصور - فولدت هلالا، ففقدها يوما فقيل له: إنها قد ولدت هذه الليلة غلاما، قالت: فأرسل إلي بخمسين درهما وشقيقة سنبلانية، وقال: هذا عطاء ابنك وكسوته، فإذا مرت به سنة رفعناه إلى مائة " وروى الزبير بن أبي بكر عن محمد بن سلام عن ابن بكار، قال: قال ابن سعيد بن يربوع بن عتكة المخزومي: انطلقت وأنا غلام في الظهيرة ومعي طير أرسله في المسجد، والمسجد بيننا، فإذا شيخ جميل حسن الوجه نائم، تحت رأسه لبنة أو بعض لبنة، فقمت أنظر إليه أتعجب من جماله، ففتح عينيه فقال: من أنت يا غلام ؟ فأخبرته، فإذا غلام نائم قريبا منه فدعاه فلم يجبه، فقال لي: ادعه ! فدعوته فأمره بشئ وقال لي: اقعد ! فذهب الغلام فجاء بحلة وجاء بألف درهم، ونزع ثوبي وألبسني الحلة ؟ وجعل الالف درهم فيها، فرجعت إلى أبي فأخبرته ؟ فقال: يا بني من فعل هذا بك ؟ فقلت: لا أدري إلا أنه رجل في المسجد نائم لم أر قط أحسن منه، قال: ذاك أمير المؤمنين
عثمان بن عفان " وقال عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرني يزيد بن خصيفة عن أبي السائب بن يزيد " أن رجلا سأل عبد الرحمن بن عثمان التميمي أهي صلاة طلحة بن عبيد الله عن صلاة عثمان قال: نعم ! قال: قلت لاغلبن الليلة النفر على الحجر - يعني المقام - فلما قمت فإذا رجل يرجمني مقنعا قال فالتفت فإذا بعثمان يرحمني فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد بسجود القرآن، حتى إذا قلت هذا هو أذان الفجر أوتر بركعة لم يصل غيرها ثم انطلق ".
وقد روى هذا من غير وجه أنه صلى بالقرآن العظيم في ركعة واحدة عند الحجر الاسود، أيام الحج، وقد كان هذا من دأبه رضي الله عنه.
ولهذا روينا عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى * (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) * [ الزمر: 9 ] قال: هو عثمان بن عفان.
وقال ابن عباس في قوله تعالى * (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم) * [ النحل: 76 ] قال: هو عثمان.
وقال حسان (2): ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وقال سفيان بن عيينة: ثنا إسرائيل بن موسى سمعت الحسن يقول قال عثمان: لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لاكره أن يأتي علي يوم لا أنظر في المصحف، وما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما يديم النظر فيه.
وقال أنس ومحمد بن سيرين: قالت امرأة عثمان يوم الدار: اقتلوه أو دعوه، فوالله لقد كان يحيي الليل بالقرآن في ركعة.
وقال غير واحد: إنه رضي الله عنه كان لا يوقظ أحدا من أهله إذا قام من الليل ليعينه على وضوئه، إلا أن يجده يقظانا، وكان يصوم
__________
(1) الطبري 5 / 135 والكامل 3 / 181 وكان ذلك سنه ثمان من خلافته.
(2) انظر حاشية 4 صفحة 219 من هذا الجزء.
(*)

(7/240)


الدهر، وكان يعاتب فيقال: لو أيقظت بعض الخدم ؟ فيقول: لا ! الليل لهم يستريحون فيه.
وكان إذا اغتسل لا يرفع المئزر عنه، وهو في بيت مغلق عليه، ولا يرفع صلبه جيدا من شدة حيائه رضي الله عنه.
شئ من خطبه قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي عن أبيه أن عثمان لما بويع خرج إلى الناس فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس أول كل مركب صعب، وإن بعد اليوم أياما، وإن أعش تأتكم الخطب على وجهها، وما كنا خطباء وسيعلمنا الله (1).
وقال الحسن: خطب عثمان فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس ! اتقوا الله فإن تقوى الله غنم، وإن أكيس الناس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، واكتسب من نور الله نورا لظلمة القبر، وليخش عبد أن يحشره الله أعمى، وقد كان بصيرا، وقد يلقى الحكيم جوامع الكلم، والاصم ينادي من مكان بعيد، واعلموا أن من كان الله له لم يخف شيئا، ومن كان الله عليه فمن يرجو بعده ؟.
وقال مجاهد: خطب عثمان فقال: ابن آدم ! اعلم أن ملك الموت الذي وكل بك لم يزل يخلفك ويتخطى إلى غيرك منذ أنت في الدنيا، وكأنه قد تخطى غيرك إليك، وقصدك، فخذ حذرك، واستعد له، ولا تغفل فإنه لا يغفل عنك، واعلم ابن آدم إن غفلت عن نفسك ولم تستعد لها لم يستعد لها غيرك، ولابد من لقاء الله، فخذ لنفسك ولا تكلها إلى غيرك والسلام.
وقال سيف بن عمر عن بدر بن عثمان عن عمه.
قال: آخر خطبة خطبها عثمان في جماعة " إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى وإن الآخرة تبقى، لا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، وآثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله، اتقوا الله فإن تقواه جنة من بأسه، ووسيلة عنده، واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا * (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) * إلى آخر الآيتين (2).
فصل قال الامام أحمد: حدثنا هشيم، ثنا محمد بن قيس الاسدي، عن موسى بن طلحة.
__________
(1) طبقات ابن سعد 3 / 62.
العقد الفريد 2 / 133 وذكر الطبري في تاريخه خطبة أخرى لما بايعه أهل الشورى.
كانت مثالا في الزهد واحتقار الدنيا وعدم الركون إليها (الطبري 5 / 43).
(2) سورة آل عمران الاية 103، والخطبة في تاريخ الطبري 5 / 149.
(*)

(7/241)


قال: سمعت عثمان بن عفان وهو على المنبر والمؤذن يقيم الصلاة وهو يستخير الناس يسألهم عن أخبارهم، وأسفارهم.
وقال أحمد: حدثنا إسماعيل ثنا إبراهيم ثنا يونس - يعني ابن عبيد - حدثني عطاء بن فروخ مولى القرشيين أن عثمان اشترى من رجل أرضا فأبطأ عليه فلقيه فقال: ما منعك من قبض مالك ؟ قال: إنك غبنتني، فما ألقى من الناس أحدا إلا وهو يلومني، قال: أذلك يمنعك ؟ قال: نعم ! قال: فاختر بين أرضك ومالك، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أدخل الله الجنة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا (1) ".
وروى ابن جرير أن طلحة لقي عثمان وهو خارج إلى المسجد فقال له طلحة: إن الخمسين ألفا التي لك عندي قد حصلت فأرسل من يقبضها، فقال له عثمان: إنا قد وهبناكها لمروءتك (2).
وقال الاصمعي: استعمل ابن عامر (3) قطن بن عوف الهلالي على كرمان، فأقبل جيش من المسلمين - أربعة آلاف - وجرى الوادي فقطعهم عن طريقهم، وخشى قطن الفوت فقال: من جاز الوادي فله ألف درهم، فحملوا أنفسهم على العوم، فكان إذا جاز الرجل منهم قال قطن: اعطوه جائزته، حتى جاوزا جميعا وأعطاهم أربعة آلاف ألف درهم، فأبى ابن عامر أن يحسبها له، فكتب لذلك إلى عثمان بن عفان، فكتب عثمان: أن احسبها له، فإنه إنما أعان المسلمين في سبيل الله فمن ذلك اليوم سميت الجوائز لاجازة الوادي، فقال الكناني (4) في ذلك: فدى للاكرمين بني هلال * على علاتهم أهلي ومالي هموا سنوا الجوائز في معد * فعادت سنة أخرى الليالي (5) رماحهم تزيد على ثمان * وعشر قبل تركيب النصال (6)
فصل ومن مناقبه الكبار وحسنأته العظيمة أنه جمع الناس على قراءة واحدة، وكتب المصحف على
الفرضة الاخيرة، التي درسها جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سني حياته، وكان سبب ذلك أن حذيفة بن اليمان كان في بعض الغزوات، وقد اجتمع فيها خلق من أهل الشام، ممن يقرأ على
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 58، وفي نسخ البدايه المطبوعة: اسماعيل بن ابراهيم ثنا يونس تحريف.
والصواب ما اثبتناه حسب سياق المسند.
(2) تاريخ الطبري 5 / 139.
(3) في فتوح البلدان 2 / 482: ولى الحجاج قطن بن قبيصة بن مخارق الهلالي على كرمان وفارس.
وكذره في الاصابة: قطن بن عبد عوف الهلالي له ادراك، استعمله عبد الله بن عامر على كرمان.
(4) ذكره في فتوح البلدان: الحجاف بن حكيم.
(5) في الاصابة: فكانت سنة إحدى الليالي.
وفي فتوح البلدان: فصارت سنة...(6) في فتوح البلدان: وعشر حين تختلف العوالي.
(*)

(7/242)


قراءة المقداد بن الاسود، وأبي الدرداء، وجماعة من أهل العراق، ممن يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود، وأبي موسى، وجعل من لا يعلم بسوغان القراءة على سبعة أحرف، يفضل قراءته على قراءة عبد الله بن مسعود، وأبي موسى، وجعل من لا يعلم بسوغان القراءة على سبعة أحرف، يفضل قراءته على قراءة غيره، وربما خطأ الآخر أو كفره، فأدى ذلك إلى اختلاف شديد، وانتشار في الكلام السئ بين الناس، فركب حذيفة إلى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الامة قبل أن تختلف في كتابها كاختلاف اليهود والنصارى في كتبهم.
وذكر له ما شاهد من اختلاف الناس في القراءة، فعند ذلك جمع عثمان الصحابة وشاورهم في ذلك، ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد، وأن يجمع الناس في سائر الاقاليم على القراءة به، دون ما سواه، لما رأى في ذلك من مصلحة كف المنازعة، ودفع الاختلاف، فاستدعى بالصحف التي كان الصديق أمر زيد بن ثابت بجمعها، فكانت عند الصديق أيام حياته، ثم كانت عند عمر، فلما توفي صارت إلى حفصة أم المؤمنين، فاستدعى بها عثمان وأمر زيد بن ثابت الانصاري أن يكتب وأن يملي عليه سعيد بن
العاص الاموي، بحضرة عبد الله بن الزبير الاسدي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وأمرهم إذا اختلفوا في شئ أن يكتبوه بلغة قريش، فكتب لاهل الشام مصحفا، ولاهل مصر آخر، وبعث إلى البصرة مصحفا وإلى الكوفة بآخر، وأرسل إلى مكة مصحفا وإلى اليمن مثله، وأقر بالمدينة مصحفا.
ويقال لهذه المصاحف الائمة، وليست كلها بخط عثمان، بل ولا واحد منها، وإنما هي بخط زيد بن ثابت، وإنما يقال لها المصاحف العثمانية نسبة إلى أمره وزمانه، وإمارته، كما يقال دينار هرقلي، أي ضرب في زمانه ودولته.
قال الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
ورواه غيره من وجه آخر عن أبي هريرة قال: " لما نسخ عثمان المصاحف دخل عليه أبو هريرة فقال: أصبت ووفقت، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أنشد أمتي حبا لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني، يعملون بما في الورق المعلق (1) " فقلت: أي ورق ؟ حتى رأيت المصاحف، قال: فأعجب ذلك عثمان وأمر لابي هريرة بعشرة آلاف، وقال: والله ما علمت أنك لتحبس علينا حديث نبينا صلى الله عليه وسلم "، ثم عمد إلى بقية المصاحف التي بأيدي الناس مما يخالف ما كتبه فحرقه، لئلا يقع بسببه اختلاف، فقال أبو بكر بن أبي داود - في كتاب المصاحف - حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن قالا: ثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن رجل عن سويد بن غفلة قال: قال لي علي حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته (2) " وهكذا رواه أبو داود الطيالسي وعمرو بن مرزوق عن شعبة مثله، وقد رواه البيهقي وغيره من حديث محمد بن أبان - زوج أخت حسين - عن
__________
(1) روى البيهقي في الدلائل 6 / 538 عن أبي صالح حديثا مرسلا بنحوه.
ورورى نحوه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وروي موصولا عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس.
(2) كتاب المصاحف ص 19.
(*)

(7/243)


علقمة بن مرثد قال: سمعت العيزار بن جرول سمعت سويد بن غفلة قال: " قال علي: أيها الناس ! إياكم والغلو في عثمان تقولون حرق المصاحف، والله ما حرقها إلا عن ملا من أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم، ولو وليت مثل ما ولي لفعلت مثل الذي فعل (1) " وقد روي عن ابن مسعود أنه تعتب لما أخذ منه مصحفه فحرق، وتكلم في تقدم إسلامه على زيد بن ثابت الذي كتب المصاحف، وأمر أصحابه أن يغلوا مصاحفهم، وتلا قوله تعالى * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) * [ آل عمران: 161 ] فكتب إليه عثمان رضي الله عنه يدعوه إلى اتباع الصحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك، وجمع الكلمة، وعدم الاختلاف، فأناب وأجاب إلى المتابعة وترك المخالفة رضي الله عنهم أجمعين.
وقد قال أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله بن مسعود دخل مسجد منى فقال: كم صلى أمير المؤمنين الظهر ؟ قالوا: أربعا، فصلى ابن مسعود أربعا فقالوا: ألم تحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر صلوا ركعتين ؟ فقال: نعم ! وأنا أحدثكموه الآن، ولكني أكره الاختلاف.
وفي الصحيح أن ابن مسعود قال: ليت حظي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين.
وقال الاعمش: حدثني معاوية بن قرة - بواسط - عن أشياخه قالوا: صلى عثمان الظهر بمنى أربعا فبلغ ذلك ابن مسعود فعاب عليه، ثم صلى بأصحابه العصر في رحله أربعا، فقيل له: عتبت على عثمان وصليت أربعا ؟ فقال: إني أكره الخلاف.
وفي رواية الخلاف شر فإذا كان هذا متباعة من ابن مسعود إلى عثمان في هذا الفرع فكيف بمتابعته إياه في أصل القرآن ؟ والاقتداء به في التلاوة التي عزم على الناس أن يقرأوا بها لا بغيرها ؟ وقد حكى الزهري وغيره أن عثمان إنما أتم خشية على الاعراب أن يعتقدوا أن فرض الصلاة ركعتان، وقيل بل قد تأهل بمكة، فروى يعلى وغيره من حديث عكرمة بن إبراهيم حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذباب عن أبيه أن عثمان صلى بهم بمنى أربع ركعات، ثم أقبل عليهم فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا تزوج الرجل ببلد فهو من أهله " وإني أتممت لاني تزوجت بها منذ قدمتها.
وهذا الحديث لا يصح، وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء بميمونة بنت الحارث ولم يتم الصلاة، وقد قيل إن عثمان تأول أنه أمير المؤمنين حيث كان وهكذا تأولت عائشة فأتمت، وفي هذا التأويل نظر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حيث كان، ومع هذا ما أتم الصلاة في الاسفار.
ومما كان
يعتمده عثمان بن عفان أنه كان يلزم عماله بحضور الموسم كل عام، ويكتب إلى الرعايا: من كانت له عند أحد منهم مظلمة فليواف إلى الموسم فإني آخذ له حقه من عامله، وكان عثمان قد سمح لكثير من كبار الصحابة في المسير حيث شاؤوا من البلاد، وكان عمر يحجر عليهم في ذلك، حتى ولا في الغزو، ويقول: إني أخاف أن تروا الدنيا وأن يراكم أبناؤها، فلما خرجوا في زمان
__________
(1) رواه أبو بكر السجساتي في المصاحف مطولا 29 - 30.
(*)

(7/244)


عثمان اجتمع عليهم الناس، وصار لكل واحد أصحاب، وطمع كل قوم في تولية صاحبهم الامارة العامة بعد عثمان، فاستعجلوا موته، واستطالوا حياته، حتى وقع ما وقع من بعض أهل الامصار، كما تقدم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، العلي العظيم.
ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم
تزوج برقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فولد له منها عبد الله (1)، وبه كان يكنى، بعد ما كان يكنى في الجاهلية بأبي عمرو، ثم لما توفيت تزوج بأختها أم كلثوم، ثم توفيت فتزوج بفاختة بنت غزوان ابن جابر، فولد له منها عبيد الله الاصغر، وتزوج بأم عمرو بنت جندب بن عمرو الازدية، فولدت له عمرا، وخالدا، وأبانا، وعمر ومريم، وتزوج بفاطمة بنت الوليد بن عبد شمس المخزومية، فولدت له الوليد وسعيدا.
وتزوج أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزارية، فولدت له عبد الملك، ويقال وعتبة، وتزوج رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي فولدت له عائشة وأم أبان وأم عمرو، بنات عثمان.
وتزوج نائلة بنت الفرافصة بن الاحوص بن عمرو بن ثعلبة (2) بن حصن بن ضمضم بن عدي بن حيان بن كليب، فولدت له مريم ويقال وعنبسة (3) وقتل رضي الله عنه وعنده أربع نائلة، ورملة، وأم البنين، وفاختة.
ويقال إنه طلق أم البنين وهو محصور.
فصل
تقدم في دلائل النبوة الحديث الذي رواه الامام أحمد وأبو داود من حديث سفيان الثوري عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية الكاهلي، عن عبد الله بن مسعود، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن رحا الاسلام ستدور لخمس وثلاثين، أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن تهلك فسبيل ما هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما قال: فقال عمر يا رسول الله أبما مضى أم بما بقي ؟ قال: بل بما بقي " وفي لفظ له ولابي داود " تدور رحا الاسلام لخمس وثلاثين، أو ست وثلاثين " الحديث.
وكأن هذا الشك من الراوي، والمحفوظ في نفس الامر خمس وثلاثين، فإن
__________
(1) بلغ عبد الله ست سنين فنقره ديك في عينه فمرض فمات في جمادى الاولى سنة أربع من الهجرة وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله.
(2) في الطبري وابن سعد: ابن ثعلبة بن الحارث بن حصن.
(3) قال الواقدي وكان له بنت تدعى أم البنين بنت عثمان بن نائلة وهي التي كانت عند عبد الله بن يزيد بن أبي سفيان.
وقال ابن سعد أم البنين وأمها أم ولد.
(الطبري 5 / 149 وطبقات ابن سعد 3 / 54).

(7/245)


فيها قتل أمير المؤمنين عثمان على الصحيح، وقيل ست وثلاثين، والصحيح الاول وكانت أمور شنيعة ولكن الله سلم ووقى بحوله وقوته فلم يكن بأسرع من أن بايع الناس علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وانتظم الامر، واجتمع الشمل، ولكن جرت بعد ذلك أمور في يوم الجمل وأيام صفين على ما سنبينه إن شاء الله تعالى.
في ذكر من توفي زمان عثمان ممن لا يعرف وقت وفاته على التعيين أنس بن معاذ بن أنس بن قيس الانصاري النجاري، ويقال له أنيس أيضا، شهد المشاهد كلها رضي الله عنه.
أوس بن الصامت، أخو عبادة بن الصامت الانصاريان، شهد بدرا، وأوس هو زوج المجادلة المذكورة في قوله تعالى * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) * [ المجادلة: 1 ] وامرأته خولة بنت ثعلبة.
أوس بن خولى الانصاري من بني الحبلى، شهد بدرا، وهو المنفرد من بين الانصار بحضور غسل النبي صلى الله عليه وسلم، والنزول مع أهله في قبره، عليه الصلاة والسلام.
الحر بن قيس، كان سيدا في الانصار، ولكن كان بخيلا ومتهما بالنفاق، يقال إنه شهد بيعة الرضوان فلم يبايع، واستتر ببعير له، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى * (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا) * [ التوبة: 49 ].
وقد قيل إنه تاب وأقلع فالله أعلم.
الحطيئة الشاعر المشهور.
قيل اسمه جرول ويكنى بأبي مليكة، من بني عبس، أدرك أيام الجاهلية، وأدرك صدرا من الاسلام، وكان يطوف في الآفاق يمتدح الرؤساء من الناس، ويستجديهم ويقال كان بخيلا مع ذلك، سافر مرة فودع امرأته فقال لها: عدي السنين إذا خرجت لغيبة * ودعي الشهور فانهن قصار وكان مداحا هجاء، وله شعر جيد، ومن شعره ما قاله بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فاستجاد منه قوله: من يفعل الخير لم يعدم جوائزه * لا يذهب العرف بين الله والناس خبيب بن يساف بن عتبة الانصاري أحد من شهد بدرا * سلمان بن ربيعة الباهلي، يقال له صحبة، كان من الشجعان الابطال المذكورين، والفرسان المشهورين، ولاه عمر قضاء الكوفة، ثم ولي في زمن عثمان إمرة على قتال الترك، فقتل ببلنجر، فقيرة هناك في تابوت يستسقي به الترك إذا قحطوا * عبد الله بن حذافة بن قيس القرشي السهمي، هاجر هو وأخوه قيس إلى الحبشة،

(7/246)


وكان من سادات الصحابة، وهو القائل: يا رسول الله من أبي ؟ - وكان إذا لاحى الرجال دعي لغير أبيه - فقال: أبوك حذافة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى كسرى فدفع كتابه إلى عظيم بصرى فبعث معه من يوصله إلى هرقل كما تقدم، وقد أسرته الروم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في جملة ثمانين من المسلمين، فأرادوه على الكفر فأبى عليهم، فقال له الملك: قبل رأسي وأنا أطلقك ومن معك من المسلمين، فقبل رأسه فأطلقهم، فلما قدم على عمر قال له:
حق على كل مسلم أن يقبل رأسك، ثم قام عمر فقبل رأسه قبل الناس رضي الله عنه * عبد الله بن سراقة بن المعتمر، العدوي صحابي أحدي، وزعم الزهري أنه شهد بدرا فالله أعلم * عبد الله بن قيس بن خالد الانصاري، شهد بدرا * عبد الرحمن بن سهل بن زيد الانصاري الحارثي، شهد أحدا وما بعدها، وقال ابن عبد البر شهد بدرا، استعمله عمر على البصرة بعد موت عتبة بن غزوان، وقد نهشته حية فرقاه عمارة بن حزم، وهو القائل لابي بكر - وقد جاءته جدتان فأعطى السدس أم الام وترك الاخرى وهي أم الاب - فقال له: أعطيت التي لو ماتت لم يرثها، وتركت التي لو ماتت لورثها، فشرك بينهما * عمرو بن سراقة بن المعتمر العدوي أخو عبد الله بن سراقة، وهو بدري كبير، روى أنه جاع مرة فربط حجرا على بطنه من شدة الجوع، ومشى يومه ذلك إلى الليل، فأضافه قوم من العرب ومن معه، فلما شبع قال لاصحابه: كنت أحسب الرجلين يحملان البطن، فإذا البطن يحمل الرجلين.
عمير بن سعد الانصاري الاوسي، صحابي جليل القدر، كبير المحل كان يقال له نسيج وحده، لكثرة زهادته وعبادته، شهد فتح الشام مع أبي عبيدة، وناب بحمص وبدمشق أيضا في زمان عمر، فلما كانت خلافة عثمان عزله وولى معاوية الشام بكماله، وله أخبار يطول ذكرها * عروة بن حزام أبو سعيد العدوي كان شاعر مغرما في ابنة عم له، وهي عفراء بنت مهاجر، يقول فيها الشعر واشتهر بحبها، فارتحل أهلها من الحجاز إلى الشام، فتبعهم عروة فخطبها إلى عمه فامتنع من تزويجه لفقره وزوجها بابن عمها الآخر، فهلك عروة هذا في محبتها، وهو مذكور في كتاب مصارع العشاق، ومن شعره فيها قوله: وما هي إلا أن أراها فجاءة * فأبهت حتى ما أكاد أجيب وأصرف عن رأيي الذي كنت أرتأي * وأنسى الذي أعددت حين تغيب قطبة بن عامر أبو زيد الانصاري عقبي بدري * قيس بن مهدي بن قيس بن ثعلبة الانصاري النجاري، له حديث في الركعتين قبل الفجر، وزعم ابن ماكولا أنه شهد بدرا، قال مصعب الزبيري: هو جد يحيى بن سعيد الانصاري، وقال الاكثرون: بل هو جد أبي مريم
عبد الغفار بن القاسم الكوفي فالله أعلم * لبيد بن ربيعة أبو عقيل العامري الشاعر المشهور: صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شئ ما خلا الله باطل " * وتمام البيت: وكل نعيم لا محالة زائل

(7/247)


فقال عثمان بن مظعون: إلا نعيم الجنة، وقد قيل إنه توفي سنة إحدى وأربعين فالله أعلم * المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي، شهد بيعة الرضوان وهو والد سعيد بن المسيب سيد التابعين * معاذ بن عمرو بن الجموح الانصاري شهد بدرا، وضرب يومئذ أبا جهل بسيفه فقطع رجله، وحمل عكرمة بن أبي جهل على معاذ هذا فضربه بالسيف فحل يده من كتفه، فقاتل بقية يومه وهي معلقة يسحبها خلفه، قال معاذ: فلما انتهيت وضعت قدمي عليها ثم تمطأت عليها حتى طرحتها رضي الله عنه.
وعاش بعد ذلك إلى هذه السنة سنة خمس وثلاثين * محمد بن جعفر بن أبي طالب، القرشي الهاشمي، ولد لابيه وهو بالحبشة، فلما هاجر إلى المدينة سنة خيبر، وتوفي يوم مؤتة شهيدا، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزلهم فقال لامهم أسماء بنت عميس: " إيتيني ببني أخي، فجئ بهم كأنهم أفرخ فجعل يقبلهم ويشمهم ويبكي، فبكت أمهم فقال: أتخافين عليهم العيلة وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ؟ ثم أمر الحلاق فحلق رؤوسهم " وقد مات محمد وهو شاب في أيام عثمان كما ذكرنا، وزعم ابن عبد البر أنه توفي في تستر فالله أعلم * معبد بن العباس بن عبد المطلب بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتل شابا بأفريقية من بلاد المغرب * معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، صاحب خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، قيل توفي في أيام عثمان، وقيل قبل ذلك، وقيل سنة أربعين والله أعلم * منقذ بن عمرو الانصاري، أحد بني مازن بن النجار.
كان قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه، وضعف عقله، وكان يكثر من البيع والشراء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " من بايعت فقل لا خلابة، ثم أنت بالخيار في كل ما تشتريه ثلاثة أيام " قال الشافعي: كان مخصصا بإثبات الخيار في كل بيع، سواء اشترط الخيار أم لا * نعيم بن مسعود، أبو سلمة الغطفاني وهو الذي خذل بين الاحزاب وبين بني قريظة كما قدمناه، فله بذلك
اليد البيضاء، والراية العليا أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، الشاعر، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد يوم السقيفة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أشعر هذيل، وهذيل أشعر العرب وهو القائل: وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع وتجلدي للشامتين أربهم * أني لريب الدهر لا أتضعضع توفي غازيا بأفريقية في خلافة عثمان * أبو رهم سبرة بن عبد العزى القرشي الشاعر ذكره في هذا الفصل محمد بن سعد وحده * أبو زبيد الطائي، الشاعر، اسمه حرملة بن المنذر كان نصرانيا (1) وكان يجالس الوليد بن عقبة فأدخله على عثمان فاستنشده شيئا من شعره فأنشده قصيدة
__________
(1) تذهب أغلب المصادر القديمة إلى أنه كان نصرانيا وأدرك الاسلام ولم يسلم وانه على دينه (النصرانية) مات.
(الشعر والشعراء، الاغاني، تاريخ ابن عساكر، الارشاد لياقوت) إلا أن هناك اشارة في الطبري اغفلها المؤرخون، وهي رغبته واستعداده للقتال، وقد تمثل ذلك في قتاله إلى جانب المسلمين يوم الجسر حمية = (*)

(7/248)


له في الاسد بديعة (1)، فقال له عثمان: تفتأ تذكر الاسد ما حييت ؟ إني لاحسبك جبابا نصرانيا * أبو سبرة بن أبي رهم العامري، أخو أبي سلمة بن عبد الاسد، أمهما برة بنت عبد المطلب، هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا وما بعدها، قال الزبير: لا نعلم بدريا سكن مكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم سواه، قال: وأهله ببدر في ذلك * أبو لبابة بن عبد المنذر أحد نقباء ليلة العقبة، وقيل إنه في خلافة علي والله أعلم * أبو هاشم بن عتبة تقدم وفاته في سنة إحدى وعشرين، وقيل في خلافة عثمان والله أعلم.