البداية والنهاية، ط. دار الفكر
قصة يونس عليه
السلام
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ
آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا
كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ في الْحَياةِ الدُّنْيا
وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ 10: 98 وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ
الْأَنْبِيَاءِ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ
لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا
أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا
لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ
21: 87- 88 وقال تعالى في سورة والصافات وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. فَساهَمَ
فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ
فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ
إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ
وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً من يَقْطِينٍ
(1/231)
وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ
يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ 37: 139- 148.
وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ نُونْ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا
تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلا أَنْ
تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ
مَذْمُومٌ فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ من الصَّالِحِينَ) 68: 48-
50. قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ بَعَثَ اللَّهُ يُونُسَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ إِلَى أَهْلِ نِينَوَى مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ فَدَعَاهُمْ
إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَذَّبُوهُ وَتَمَرَّدُوا عَلَى
كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَنْ
أَمْرِهُمْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهَرِهِمْ وَوَعَدَهُمْ حُلُولَ
الْعَذَابِ بِهِمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَلَمَّا
خَرَجَ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانَيْهِمْ وَتَحَقَّقُوا نُزُولَ الْعَذَابِ
بِهِمْ قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ التَّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ
وَنَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَى نَبِيِّهِمْ فَلَبِسُوا
الْمُسُوحَ وَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ بَهِيمَةٍ وَوَلَدِهَا ثُمَّ
عَجُّوَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصَرَخُوا وَتَضَرَّعُوا
إِلَيْهِ وَتَمَسْكَنُوا لَدَيْهِ وَبَكَى الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ
وَالْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ والأمهات وجأرت الأنعام والدواب والمواشي
فرغت الْإِبِلُ وَفُصْلَانُهَا وَخَارَتِ الْبَقَرُ وَأَوْلَادُهَا
وَثَغَتِ الْغَنَمُ وَحُمْلَانُهَا وَكَانَتْ سَاعَةً عَظِيمَةً
هَائِلَةً فَكَشَفَ اللَّهُ الْعَظِيمُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ
وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ عَنْهُمُ الْعَذَابَ الَّذِي كَانَ قَدِ
اتَّصَلَ بِهِمْ بِسَبَبِهِ وَدَارَ على رءوسهم كَقِطَعِ اللَّيْلِ
الْمُظْلِمِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ
آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها 10: 98 أَيْ هَلَّا وُجِدَتْ فِيمَا
سَلَفَ مِنَ الْقُرُونِ قَرْيَةٌ آمَنَتْ بِكَمَالِهَا فَدَلَّ عَلَى
أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ بَلْ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَما أَرْسَلْنا
فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما
أُرْسِلْتُمْ به كافِرُونَ 34: 34. وَقَوْلُهُ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ
الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ 10: 98 أَيْ آمَنُوا
بِكَمَالِهِمْ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَلْ يَنْفَعُهُمْ هَذَا الْإِيمَانُ
فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَيُنْقِذُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ
الْأُخْرَوِيِّ كَمَا أَنْقَذَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ
عَلَى قَوْلَيْنِ الْأَظْهَرُ مِنَ السِّيَاقِ نَعَمْ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَمَّا آمَنُوا 10: 98 وَقَالَ تَعَالَى
وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا
فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ 37: 147- 148. وَهَذَا الْمَتَاعُ إِلَى
حِينٍ لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ رَفْعِ
الْعَذَابِ الْأُخْرَوِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ لَا مَحَالَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي
الزِّيَادَةِ فَعَنْ مَكْحُولٍ عَشَرَةُ آلَافٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَمَّنْ
سَمِعَ أَبَا الْعَالِيَةِ حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ
سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
قَوْلِهِ (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) 37:
147 قَالَ يَزِيدُونَ عِشْرِينَ أَلْفًا فَلَوْلَا هَذَا الرَّجُلُ
الْمُبْهَمُ لَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ فَاصِلًا فِي هَذَا الْبَابِ
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا
وَعَنْهُ وَبِضْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَعَنْهُ وَبِضْعَةً
وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ كَانُوا مِائَةَ
أَلْفٍ وَسَبْعِينَ أَلْفًا.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ إِرْسَالُهُ إِلَيْهِمْ قَبْلَ الْحُوتِ أَوْ
بَعْدَهُ أَوْ هُمَا أُمَّتَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ هِيَ
مَبْسُوطَةٌ فِي التَّفْسِيرِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ لَمَّا ذَهَبَ مُغَاضِبًا بِسَبَبِ قَوْمِهِ رَكِبَ
سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ فَلَجَّتْ بِهِمْ وَاضْطَرَبَتْ وَمَاجَتْ
بِهِمْ وَثَقُلَتْ بِمَا فِيهَا وَكَادُوا يَغْرَقُونَ عَلَى مَا ذكره
المفسرون قالوا فاشتوروا فيما
(1/232)
فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يَقْتَرِعُوا
فَمَنْ وَقَعَتْ عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتحفظوا مِنْهُ.
فَلَمَّا اقْتَرَعُوا وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ
يُونُسَ فَلَمْ يَسْمَحُوا بِهِ فَأَعَادُوهَا ثَانِيَةً فَوَقَعَتْ
عَلَيْهِ أَيْضًا فَشَمَّرَ لِيَخْلَعَ ثِيَابَهُ وَيُلْقِيَ
بِنَفْسِهِ فَأَبَوْا عَلَيْهِ ذَلِكَ. ثُمَّ أَعَادُوا الْقُرْعَةَ
ثَالِثَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا لِمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ بِهِ
مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّ يُونُسَ
لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ.
فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ
مُلِيمٌ 37: 139- 142. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِ
الْقُرْعَةُ أُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ وَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
حُوتًا عَظِيمًا مِنَ الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ فَالْتَقَمَهُ وَأَمَرَهُ
اللَّهُ تعالى أن لا يأكل له لحما ولا يهشم لَهُ عَظْمًا فَلَيْسَ لَكَ
بِرِزْقٍ فَأَخْذَهُ فَطَافَ بِهِ الْبِحَارَ كُلَّهَا وَقِيلَ إِنَّهُ
ابْتَلَعَ ذَلِكَ الْحُوتَ حُوتٌ آخَرُ أَكْبَرُ مِنْهُ قَالُوا
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي جَوْفِ الْحُوتِ حَسِبَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ
فَحَرَّكَ جَوَارِحَهُ فَتَحَرَّكَتْ فَإِذَا هُوَ حَيٌّ فَخَرَّ للَّه
سَاجِدًا وَقَالَ يَا رَبِّ اتَّخَذْتُ لَكَ مَسْجِدًا لَمْ يَعْبُدْكَ
أَحَدٌ فِي مَثَلِهِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ لُبْثِهِ فِي
بَطْنِهِ. فَقَالَ مَجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ الْتَقَمَهُ ضُحًى
وَلَفَظَهُ عَشِيَّةً وَقَالَ قَتَادَةُ مَكَثَ فِيهِ ثَلَاثًا وَقَالَ
جَعْفَرٌ الصَّادِقُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَيَشْهَدُ لَهُ شِعْرُ
أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ.
وَأَنْتَ بِفَضْلٍ مِنْكَ نجيت يونسا ... وقد بات في أضعاف حوت
لَيَالِيَا
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ وَأَبُو مَالِكٍ مَكَثَ فِي
جَوْفِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مِقْدَارُ مَا
لَبِثَ فِيهِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ الْحُوتُ يَطُوفُ
بِهِ فِي قَرَارِ الْبِحَارِ اللُّجِّيَّةِ وَيَقْتَحِمُ بِهِ لُجَجَ
الْمَوْجِ الْأُجَاجِيِّ فَسَمِعَ تَسْبِيحَ الْحِيتَانِ لِلرَّحْمَنِ
وَحَتَّى سَمِعَ تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى ورب السموات السَّبْعِ
وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا بَيْنَهَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى
فَعِنْدَ ذَلِكَ وَهُنَالِكَ قَالَ مَا قَالَ بِلِسَانِ الْحَالِ
وَالْمَقَالِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ ذُو الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ
الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالنَّجْوَى وَيَكْشِفُ الضُّرَّ
وَالْبَلْوَى سَامِعُ الْأَصْوَاتِ وَإِنْ ضَعُفَتْ وَعَالِمُ
الْخِفْيَاتِ وَإِنْ دَقَّتْ وَمُجِيبُ الدَّعَوَاتِ وَإِنْ عَظُمَتْ
حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ الْمُنَزَّلِ عَلَى رَسُولِهِ
الْأَمِينِ وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ وإله
المرسلين (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ) 21: 87 الى أهله (مُغاضِباً
فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لَا
إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ من الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي
الْمُؤْمِنِينَ 21: 87- 88. فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) 21:
87 أن نُضَيِّقَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ نُقَدِّرُ مِنَ التَّقْدِيرِ وَهِيَ
لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ قَدَرَ وَقَدَّرَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ.
فَلَا عَائِدٌ ذَاكَ الزَّمَانُ الَّذِي مَضَى ... تَبَارَكْتَ ما يقدر
يكن فلك الأمر
(فَنادى في الظُّلُماتِ) 21: 87 قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ
عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ ميمون وسعيد بن جبير ومحمد ابن كعب والحسن
وقتادة والضحاك ظلمة الْحُوتِ وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ
اللَّيْلِ وَقَالَ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ ابْتَلَعَ الْحُوتَ
حُوتٌ آخَرُ فَصَارَ ظُلْمَةُ الْحُوتَيْنِ مَعَ ظُلْمَةِ الْبَحْرِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ
لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 37: 143- 144 قِيلَ
مَعْنَاهُ لَوْلَا أَنَّهُ سَبَّحَ اللَّهَ هُنَالِكَ وقال ما قال من
التهليل والتسبيح
(1/233)
وَالِاعْتِرَافِ للَّه بِالْخُضُوعِ
وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ لَلَبِثَ هُنَالِكَ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلَبُعِثَ مِنْ جَوْفِ ذَلِكَ الْحُوتِ.
هَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي إِحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ (فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ)
37: 143 مِنْ قَبْلِ أَخْذِ الْحُوتِ لَهُ (مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) 37:
143 أَيِ الْمُطِيعِينَ الْمُصَلِّينَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا
قَالَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو
الْعَالِيَةِ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَالْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ
وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَبَعْضُ أَهْلِ
السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي (يَا غُلَامُ إِنِّي مُعَلِّمُكَ
كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ
تُجَاهَكَ تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي
الشِّدَّةِ) وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَالْبَزَّارُ فِي
مَسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أَمِّ سَلَمَةَ سَمِعْتُ
أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ حَبْسَ يُونُسَ فِي بَطْنِ
الْحُوتِ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ أَنْ خُذْ وَلَا تَخْدِشْ
لَحْمًا وَلَا تَكْسِرْ عَظْمًا» فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى
أَسْفَلِ الْبَحْرِ سَمِعَ يُونُسَ حِسًّا فَقَالَ فِي نَفْسِهِ مَا
هَذَا فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ إِنَّ
هَذَا تَسْبِيحُ دَوَابِّ الْبَحْرِ قَالَ فَسَبَّحَ وَهُوَ فِي بَطْنِ
الْحُوتِ فَسَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ تَسْبِيحَهُ فَقَالُوا (يَا
رَبَّنَا إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتًا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ) قَالَ ذَلِكَ
عَبْدِي يُونُسُ عَصَانِي فَحَبَسْتُهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فِي
الْبَحْرِ قَالُوا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ
إِلَيْكَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلٌ صَالِحٌ قَالَ
نَعَمْ قَالَ فَشَفَعُوا لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَأَمَرَ الْحُوتَ
فَقَذَفَهُ فِي السَّاحِلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ (وَهُوَ سَقِيمٌ) 37:
145 هَذَا لَفْظُ ابْنِ جَرِيرٍ إِسْنَادًا وَمَتْنًا ثُمَّ قَالَ
الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ كَذَا قَالَ. وَقَدْ
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ في تفسيره حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عبد
الرحمن أخى ابن وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَمِّي حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ
أَنَّ يزيد الرقاشيّ حدثه سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَلَا أَعْلَمُ
إِلَّا أَنَّ أَنَسًا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُونُسَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ
السَّلَامُ حِينَ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ
وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ قَالَ (اللَّهمّ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ
سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) 21: 87 فَأَقْبَلَتِ
الدَّعْوَةُ تَحِنُّ بِالْعَرْشِ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا رَبِّ
صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ مِنْ بِلَادٍ غَرِيبَةٍ فَقَالَ أَمَا
تَعْرِفُونَ ذَاكَ. قَالُوا يَا رَبِّ وَمَنْ هُوَ قَالَ عَبْدِي
يُونُسُ قَالُوا عَبَدُكَ يُونُسُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يرفع له عملا
متقبلا ودعوة مجابة قالوا يا ربنا أَوَلَا تَرْحَمُ مَا كَانَ
يَصْنَعُهُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنَجِّيَهُ مِنَ الْبَلَاءِ قَالَ بَلَى
فَأَمَرَ الْحُوتَ فَطَرَحَهُ فِي الْعَرَاءِ وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ
عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ زَادَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ
أَبُو صَخْرٍ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ قُسَيْطٍ
وَأَنَا أُحَدِّثُهُ هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
يَقُولُ طُرِحَ بِالْعَرَاءِ وَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ
الْيَقْطِينَةَ قُلْنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَا الْيَقْطِينَةُ
قَالَ شَجَرَةُ الدُّبَّاءِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهَيَّأَ اللَّهُ
لَهُ أُرْوِيَّةً وَحْشِيَّةً تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ أَوْ
قَالَ هَشَاشِ الْأَرْضِ. قَالَ فَتَنْفَشِخُ عَلَيْهِ فَتَرْوِيهِ
مِنْ لَبَنِهَا كُلَّ عَشِيَّةٍ وَبُكْرَةٍ حَتَّى نَبَتَ وَقَالَ أمية
ابن أَبِي الصَّلْتِ فِي ذَلِكَ بَيْتًا مِنْ شِعْرِهِ.
فَأَنْبَتَ يَقْطِينًا عَلَيْهِ بِرِحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لَوْلَا الله
أصبح ضاويا
(1/234)
وهذا غريب أيضا من مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَيَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ يَتَقَوَّى بِحَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا يَتَقَوَّى ذَاكَ بِهَذَا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تعالى فَنَبَذْناهُ 37: 145 أَيْ
أَلْقَيْنَاهُ (بِالْعَراءِ) 37: 145 وَهُوَ الْمَكَانُ الْقَفْرُ
الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْجَارِ بَلْ هُوَ عار منها
(وَهُوَ سَقِيمٌ) 37: 145 أَيْ ضَعِيفُ الْبَدَنِ قَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ كَهَيْئَةِ الْفَرْخِ لَيْسَ عَلَيْهِ رِيشٌ وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ والسدي وابن زيد كهيئة الضبيّ حين يولد وهو المنفرش لَيْسَ
عَلَيْهِ شَيْءٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يقطين قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وسعيد بن
جبير ووهب ابن مُنَبِّهٍ وَهِلَالُ بْنُ يَسَافٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
طَاوُسٍ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ
الْخُرَاسَانِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هُوَ الْقَرْعُ قَالَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ فِي إِنْبَاتِ الْقَرْعِ عَلَيْهِ حِكَمٌ جَمَّةٌ.
مِنْهَا أَنَّ وَرَقَهُ فِي غَايَةِ النُّعُومَةِ وَكَثِيرٌ وَظَلِيلٌ
وَلَا يَقْرَبُهُ ذُبَابٌ وَيُؤْكَلُ ثَمَرُهُ مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِهِ
الى آخره نيا وَمَطْبُوخًا وَبِقِشْرِهِ وَبِبِزْرِهِ أَيْضًا وَفِيهِ
نَفْعٌ كَثِيرٌ وَتَقْوِيَةٌ لِلدِّمَاغِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ
كَلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَسْخِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ تِلْكَ
الْأُرْوِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ تُرْضِعُهُ لَبَنَهَا وَتَرْعَى فِي
الْبَرِّيَّةِ وَتَأْتِيهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. وَهَذَا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ بِهِ وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ
الْغَمِّ 21: 88 أَيِ الْكَرْبِ وَالضِّيقِ الَّذِي كَانَ فِيهِ
(وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) 21: 88 أي وهذا صنيعنا بكل من
دَعَانَا وَاسْتَجَارَ بِنَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنِي عمران بن
بكار الكلاعي حدثنا يحيى ابن صَالِحٍ حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَ
بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اسْمُ اللَّهِ
الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى
دَعْوَةُ يُونُسَ بْنِ مَتَّى قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ
لِيُونُسَ خَاصَّةً أَمْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ هِيَ
لِيُونُسَ خَاصَّةً وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً إِذَا دَعَوْا بِهَا.
أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ
لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي
الْمُؤْمِنِينَ) 21: 87- 88 فَهُوَ شَرْطٌ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ دَعَاهُ
بِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ
الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ
زَيْدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ أَبُو خَالِدٍ
أَحْسَبُهُ عَنْ مُصْعَبٍ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ. قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ دَعَا
بِدُعَاءِ يُونُسَ اسْتُجِيبَ لَهُ) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ
يريد به (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) 21: 88 وَهَذَانِ
طَرِيقَانِ عَنْ سَعْدٍ. وَثَالِثٌ أَحْسَنُ مِنْهُمَا. قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ حدثنا يونس
بن أبى إسحاق الهمذانيّ حدثنا إبراهيم بن محمد ابن سَعْدٍ حَدَّثَنِي
وَالِدِي مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ
قَالَ مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَلَّمْتُ
عَلَيْهِ فَمَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِّي ثُمَّ لَمْ يَرْدُدْ عَلَيَّ
السَّلَامَ فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ
المؤمنين هل حدث في السلام شيء قَالَ لَا وَمَا ذَاكَ قُلْتُ لَا
إِلَّا أَنِّي مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ آنِفًا فِي الْمَسْجِدِ
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَمَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِّي ثُمَّ لَمْ يَرْدُدْ
عَلَيَّ السَّلَامَ. قَالَ فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى عُثْمَانَ
فَدَعَاهُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ لَا تَكُونَ رددت
(1/235)
عَلَى أَخِيكَ السَّلَامَ. قَالَ مَا
فَعَلْتُ. قَالَ سَعْدٌ قُلْتُ بَلَى حَتَّى حَلَفَ وَحَلَفْتُ. قَالَ
ثُمَّ إِنْ عُثْمَانَ ذَكَرَ فَقَالَ بَلَى وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
وَأَتُوبُ إِلَيْهِ إِنَّكَ مَرَرْتَ بِي آنِفًا وَأَنَا أُحَدِّثُ
نَفْسِي بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَاللَّهِ مَا ذَكَرْتُهَا قَطُّ إِلَّا
تَغَشَّى بَصَرِي وَقَلْبِي غِشَاوَةٌ. قَالَ سَعْدٌ فَأَنَا
أُنْبِئُكَ بِهَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَكَرَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ
فَشَغَلَهُ حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَاتَّبَعْتُهُ فَلَمَّا أَشْفَقْتُ أَنْ يَسْبِقَنِي إِلَى
مَنْزِلِهِ ضَرَبْتُ بِقَدَمِي الْأَرْضَ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ هَذَا أَبُو
إِسْحَاقَ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَمَهْ
قُلْتُ لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنَّكَ ذَكَرْتَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ.
ثُمَّ جَاءَ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ فَشَغَلَكَ. قَالَ نَعَمْ دَعْوَةُ
ذِي النُّونِ إِذْ هُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ (لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ
سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ من الظَّالِمِينَ) 21: 87 فَإِنَّهُ لَمْ
يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ
لَهُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سعد به
ذِكْرُ فَضْلِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَالَ اللَّهُ تعالى وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 37: 139
وَذَكَرَهُ تَعَالَى فِي جُمْلَةِ الْأَنْبِيَاءِ الْكِرَامِ فِي سورتي
النساء والانعام عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ
وَالسَّلَامِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
(لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ
مَتَّى) وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
بِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ
بْنِ مَتَّى وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ
وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ قَالَ شُعْبَةُ فِيمَا
حَكَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي
الْعَالِيَةِ سِوَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ هَذَا أَحُدُهَا وَقَدْ
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ (وَمَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ
يُونُسَ بْنِ مَتَّى) تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الْحَافِظُ
أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
بْنِ كَيْسَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رجاء أنبأنا إسرائيل عن
أبى يحيى العتاب عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ
مَتَّى) إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ سَمِعْتُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ
مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى) وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ من حديث شعبة به
وفي الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَطَمَ وَجْهَ
الْيَهُودِيِّ حِينَ قَالَ لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى على
(1/236)
الْعَالَمِينَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِهِ (وَلَا أَقُولُ إِنَّ
أَحَدًا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى) أَيْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ
يُفَضِّلَ نَفْسَهُ عَلَى يونس والقول الآخر لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ
أَنْ يُفَضِّلَنِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى كَمَا قَدْ وَرَدَ فِي
بَعْضِ الْأَحَادِيثِ لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَلَا
عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَهَذَا مِنْ بَابِ الْهَضْمِ
وَالتَّوَاضُعِ مِنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى
سَائِرِ أَنْبِيَاءِ الله والمرسلين |