البداية والنهاية، ط. دار الفكر
وَهَذِهِ قِصَّةُ الْعُزَيْرِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بن عساكر هو عزير بن جروة ويقال بن
سوريق بن عديا بن أيوب بن درزنا بن عرى بن تقى بن أسبوع بْنِ فِنْحَاصَ
بْنِ الْعَازِرِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عمران ويقال عزير بن سروخا جَاءَ
فِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّ قَبْرَهُ بِدِمَشْقَ. ثُمَّ سَاقَ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ
حِبَّانَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كُرَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عن
ابن عباس مرفوعا لا أدرى العين بيع أَمْ لَا وَلَا أَدْرِي أَكَانَ
عُزَيْرٌ نَبِيًّا أَمْ لَا ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُؤَمَّلِ بْنِ
الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقِ السِّجْزِيِّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذؤيب عَنْ سَعِيدِ
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. ثُمَّ
رَوَى مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ بِشْرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ
جُوَيْبِرٍ وَمُقَاتِلٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ
عُزَيْرًا كَانَ ممن سباه نَصَّرَ وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ فَلَمَّا
بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَعْطَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ قَالَ وَلَمْ
يَكُنْ أَحَدٌ أَحْفَظَ وَلَا أَعْلَمَ بِالتَّوْرَاةِ مِنْهُ قَالَ
وكان يذكر مع الأنبياء حتى محى اللَّهُ اسْمَهُ مِنْ ذَلِكَ حِينَ
سَأَلَ رَبَّهُ عن القدر وهذا ضعيف
__________
[ () ] قوله تعالى وَأَصْحابَ الرَّسِّ 25: 38 فان الرس تخفيف أرس. وله
الى الآن اتباع تعد بالملايين في الهند وإيران وله كتاب باللغة
الفارسية القديمة مشتمل على المبادي والتعاليم والأحكام والبشارات
بالأمور الآتية على نهج سائر الكتب. منها بشاراته بظهور الرسول عليه
السلام بقوله سيظهر في العرب نبي عظيم وبعد أن يمضى من ظهور شريعته ألف
سنة وكسور إذا جاء ثانيا لا يعرف أن هذه كانت شريعته انتهى ترجمته
بالمعنى ويقصد بذلك أن شريعته عليه السلام بمضى الزمان يدخل فيها من
البدع والاهواء وما لم يكن منها بحيث إذا رآها بعد ألف سنة لا يعرفها
لكثرة ما دخل فيها من البدع. فانظر أنه لم يكتف بالبشارة بظهوره بل
أخبر أيضا بما يقع في المستقبل في شريعته فهذا من جملة الأدلة على صدق
نبوته كما لا يخفى على من تتبع تواريخ الأديان والمذاهب انتهى (فرج
الله زكى الكردي)
(2/43)
وَمُنْقَطِعٌ وَمُنْكِرٌ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ بشر عن سعيد عن أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ
عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّ عُزَيْرًا هُوَ
الْعَبْدُ الَّذِي أَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ كَعْبٍ وَسَعِيدُ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ
عَنِ الْحَسَنِ وَمُقَاتِلٌ وَجُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِدْرِيسُ عَنْ جده وهب بن منبه
قال إسحاق كُلُّ هَؤُلَاءِ حَدَّثُونِي عَنْ حَدِيثِ عُزَيْرٍ وَزَادَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَالُوا بِإِسْنَادِهِمْ إِنَّ عُزَيْرًا
كَانَ عَبْدًا صَالِحًا حَكِيمًا خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ الى ضيعة له
يتعاهدها فلما انصرف أتى إِلَى خَرِبَةٍ حِينَ قَامَتِ الظَّهِيرَةُ
وَأَصَابَهُ الْحَرُّ وَدَخَلَ الْخَرِبَةَ وَهُوَ عَلَى حِمَارِهِ
فَنَزَلَ عَنْ حِمَارِهِ وَمَعَهُ سَلَّةٌ فِيهَا تِينٌ وَسَلَّةٌ
فِيهَا عِنَبٌ فَنَزَلَ فِي ظِلِّ تِلْكَ الْخَرِبَةِ وَأَخْرَجَ
قَصْعَةً مَعَهُ فَاعْتَصَرَ مِنَ الْعِنَبِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ فِي
الْقَصْعَةِ ثُمَّ أَخْرَجَ خُبْزًا يَابِسًا مَعَهُ فَأَلْقَاهُ فِي
تِلْكَ الْقَصْعَةِ فِي الْعَصِيرِ لِيَبْتَلَّ لِيَأْكُلَهُ ثُمَّ
اسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ وَأَسْنَدَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْحَائِطِ
فَنَظَرَ سَقْفَ تِلْكَ الْبُيُوتِ وَرَأَى مَا فِيهَا وَهِيَ
قَائِمَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَقَدْ بَادَ أَهْلُهَا وَرَأَى عِظَامًا
بَالِيَةً فَقَالَ (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِها) 2: 259
فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّ اللَّهَ يُحْيِيهَا وَلَكِنْ قَالَهَا تَعَجُّبًا
فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكَ الْمَوْتِ فَقَبَضَ رُوحَهُ فَأَمَاتَهُ
اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ. فَلَمَّا أَتَتْ عَلَيْهِ مِائَةُ عَامٍ
وَكَانَتْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أُمُورٌ
وَأَحْدَاثٌ قَالَ فَبَعَثَ اللَّهُ الى عزير ملكا فخلق قلبه ليعقل
قلبه وَعَيْنَيْهِ لِيَنْظُرَ بِهِمَا فَيَعْقِلَ كَيْفَ يُحْيِي
اللَّهُ الْمَوْتَى. ثُمَّ رَكَّبَ خَلْقَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ ثُمَّ
كَسَى عِظَامَهُ اللَّحْمَ وَالشَّعْرَ وَالْجِلْدَ ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ
الرُّوحَ كُلُّ ذَلِكَ وَهُوَ يَرَى وَيَعْقِلُ فَاسْتَوَى جَالِسًا
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ كَمْ لَبِثْتَ قال لبثت يوما أو بعض يوم وذلك
أنه كان لبث صَدْرِ النَّهَارِ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ وَبُعِثَ فِي آخِرِ
النَّهَارِ وَالشَّمْسُ لَمْ تَغِبْ فَقَالَ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وَلَمْ
يَتِمَّ لِي يَوْمٌ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ
عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طعامك وشرابك يَعْنِي الطَّعَامَ الْخُبْزَ
الْيَابِسَ وَشَرَابَهُ الْعَصِيرَ الَّذِي كان اعتصره في القصعة
فاذاهما عَلَى حَالِهِمَا لَمْ يَتَغَيَّرِ الْعَصِيرُ وَالْخُبْزُ
يَابِسٌ فذلك قوله (لَمْ يَتَسَنَّهْ) 2: 259 يَعْنِي لَمْ يَتَغَيَّرْ
وَكَذَلِكَ التِّينُ وَالْعِنَبُ غَضٌّ لم يتغير شَيْءٍ مِنْ
حَالِهِمَا فَكَأَنَّهُ أَنْكَرَ فِي قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ
أَنْكَرْتَ مَا قُلْتُ لَكَ انظر الى حمارك فنظر الى حِمَارُهُ قَدْ
بَلِيَتْ عِظَامُهُ وَصَارَتْ نَخِرَةً فَنَادَى الْمَلَكُ عِظَامَ
الْحِمَارِ فَأَجَابَتْ وَأَقْبَلَتْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى
رَكَّبَهُ الْمَلَكُ وَعُزَيْرٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ثُمَّ أَلْبَسَهَا
الْعُرُوقَ وَالْعَصَبَ ثُمَّ كَسَاهَا اللَّحْمَ ثُمَّ أَنْبَتَ
عَلَيْهَا الْجِلْدَ وَالشَّعْرَ ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ الْمَلَكُ فَقَامَ
الْحِمَارُ رَافِعًا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ نَاهِقًا
يَظُنُّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ فذلك قوله (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ
وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ
نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) 2: 259 يعنى وانظر الى عظام حمارك
كيف يركب بَعْضَهَا بَعْضًا فِي أَوْصَالِهَا حَتَّى إِذَا صَارَتْ
عِظَامًا مُصَوَّرًا حِمَارًا بِلَا لَحْمٍ ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ
نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى
وَغَيْرِهِ. قَالَ فَرَكِبَ حِمَارَهُ حَتَّى أَتَى مَحِلَّتَهُ
فَأَنْكَرَهُ النَّاسُ وَأَنْكَرَ النَّاسَ وأنكر منزله فَانْطَلَقَ
عَلَى وَهَمٍ مِنْهُ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ فإذا هو
(2/44)
بِعَجُوزٍ عَمْيَاءَ مُقْعَدَةٍ قَدْ أَتَى
عَلَيْهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً كَانَتْ أَمَةً لَهُمْ فَخَرَجَ
عَنْهُمْ عُزَيْرٌ وَهِيَ بِنْتُ عِشْرِينَ سَنَةً كَانَتْ عَرَفَتْهُ
وَعَقَلَتْهُ فَلَمَّا أَصَابَهَا الْكِبَرُ أَصَابَهَا الزَّمَانَةُ.
فَقَالَ لَهَا عُزَيْرٌ يَا هَذِهِ أَهَذَا مَنْزِلُ عُزَيْرٍ قَالَتْ
نَعَمْ هَذَا مَنْزِلُ عُزَيْرٍ فَبَكَتْ وَقَالَتْ مَا رَأَيْتُ
أَحَدًا مِنْ كَذَا وَكَذَا سَنَةٍ يَذْكُرُ عُزَيْرًا وَقَدْ نَسِيَهُ
النَّاسُ قَالَ فَإِنِّي أَنَا عُزَيْرٌ كَانَ اللَّهُ أَمَاتَنِي
مِائَةَ سَنَةٍ ثُمَّ بَعَثَنِي قَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ فَإِنَّ
عُزَيْرًا قَدْ فَقَدْنَاهُ مُنْذُ مِائَةِ سَنَةٍ فَلَمْ نَسْمَعْ
لَهُ بِذِكْرٍ قَالَ فَإِنِّي أَنَا عُزَيْرٌ قَالَتْ فَإِنَّ
عُزَيْرًا رَجُلٌ مُسْتَجَابُ الدَّعْوَةِ يَدْعُو لِلْمَرِيضِ
وَلِصَاحِبِ الْبَلَاءِ بِالْعَافِيَةِ وَالشِّفَاءِ فَادْعُ اللَّهَ
أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ بَصَرِي حَتَّى أَرَاكَ فَإِنْ كُنْتَ عُزَيْرًا
عَرَفْتُكَ. قَالَ فَدَعَا رَبَّهُ وَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى
عَيْنَيْهَا فَصَحَّتَا وَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ قُومِي بِإِذْنِ
اللَّهِ فَأَطْلَقَ اللَّهُ رِجْلَيْهَا فَقَامَتْ صَحِيحَةً
كَأَنَّمَا نَشِطَتْ مِنْ عِقَالٍ فَنَظَرَتْ فَقَالَتْ أَشْهَدُ
أَنَّكَ عُزَيْرٌ وَانْطَلَقَتْ إِلَى مَحِلَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَهُمْ فِي أَنْدِيَتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ وَابْنٌ لِعُزَيْرٍ شَيْخٌ
ابن مائة سنة وثماني عشر سنة وبنى بَنِيهِ شُيُوخٌ فِي الْمَجْلِسِ
فَنَادَتْهُمْ فَقَالَتْ هَذَا عُزَيْرٌ قَدْ جَاءَكُمْ فَكَذَّبُوهَا
فَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةٌ مَوْلَاتُكُمْ دَعَا لِي رَبَّهُ فَرَدَّ
عَلَيَّ بَصَرِي وَأَطْلَقَ رِجْلَيَّ وَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ
أَمَاتَهُ مِائَةَ سَنَةٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ فَنَهَضَ النَّاسُ
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَقَالَ ابْنُهُ كَانَ
لِأَبِي شَامَةٌ سَوْدَاءُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَكَشَفَ عَنْ كَتِفَيْهِ
فَإِذَا هُوَ عُزَيْرٌ فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَإِنَّهُ لَمْ
يَكُنْ فِينَا أَحَدٌ حَفِظَ التَّوْرَاةَ فِيمَا حدثنا غير عزير وقد
حرق نَصَّرَ التَّوْرَاةَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا مَا
حَفِظَتِ الرِّجَالُ فَاكْتُبْهَا لَنَا وَكَانَ أَبُوهُ سروخا وقد دفن
التوراة أيام نَصَّرَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ غَيْرُ
عُزَيْرٍ فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَحَفَرَهُ
فَاسْتَخْرَجَ التَّوْرَاةَ وَكَانَ قَدْ عَفِنَ الْوَرَقُ وَدَرَسَ
الْكِتَابُ قَالَ وَجَلَسَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ
حَوْلَهُ فَجَدَّدَ لَهُمُ التَّوْرَاةَ وَنَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
شِهَابَانِ حَتَّى دَخَلَا جَوْفَهُ فَتَذَكَّرَ التَّوْرَاةَ
فَجَدَّدَهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. فَمِنْ ثَمَّ قَالَتِ الْيَهُودُ
عزير بن الله لِلَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ الشِّهَابَيْنِ وَتَجْدِيدِهِ
التَّوْرَاةَ وَقِيَامِهِ بِأَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانَ جَدَّدَ
لَهُمُ التَّوْرَاةَ بِأَرْضِ السَّوَادِ بِدَيْرِ حَزْقِيلَ.
وَالْقَرْيَةُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا يُقَالُ لَهَا سَايْرَابَاذَ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ فَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِنَجْعَلَكَ
آيَةً لِلنَّاسِ 2: 259 يَعْنِي لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَذَلِكَ
أَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ مَعَ بَنِيهِ وَهُمْ شُيُوخٌ وَهُوَ شَابٌّ
لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَبَعَثَهُ اللَّهُ
شَابًّا كَهَيْئَةِ يَوْمَ مَاتَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بعث بعد نَصَّرَ
وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ وَقَدْ أَنْشَدَ أَبُو حَاتِمٍ
السِّجِسْتَانِيُّ فِي مَعْنَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَأَسْوَدُ رَأْسٍ شَابَ مِنْ قَبْلِهِ ابْنُهُ ... وَمِنْ قَبْلِهِ
ابْنُ ابْنِهِ فَهْوَ أَكْبَرُ
يَرَى ابْنِهِ شَيْخًا يَدِبُّ عَلَى عَصَا ... وَلِحْيَتُهُ سَوْدَاءُ
وَالرَّأْسُ أَشْقَرُ
وَمَا لِابْنِهِ حَيْلٌ وَلَا فَضْلُ قُوَّةٍ ... يَقُومُ كَمَا
يَمْشِي الصَّبِيُّ فَيَعْثِرُ
يُعَدَّ ابْنُهُ فِي النَّاسِ تِسْعِينَ حِجَّةً ... وَعِشْرِينَ لَا
يَجْرِي وَلَا يَتَبَخْتَرُ
وَعُمْرُ أَبْيهِ أَرْبَعُونَ أَمَرَّهَا ... ولان ابنه تسعون في الناس
عبر
فَمَا هُوَ فِي الْمَعْقُولِ إِنْ كُنْتَ دَارِيًا ... وان كنت لا تدري
فبالجهل تعذر
(2/45)
فَصْلُ
الْمَشْهُورُ أَنَّ عُزَيْرًا نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي
إِسْرَائِيلَ وَأَنَّهُ كَانَ فِيمَا بَيْنَ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ
وَبَيْنَ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَبْقَ فِي بَنِي
إِسْرَائِيلَ مَنْ يَحْفَظُ التَّوْرَاةَ أَلْهَمَهُ اللَّهُ حِفْظَهَا
فَسَرَدَهَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا قَالَ وَهْبُ بْنُ
مُنَبِّهٍ أَمَرَ اللَّهُ مَلَكًا فَنَزَلَ بِمِغْرَفَةٍ مِنْ نُورٍ
فَقَذَفَهَا فِي عُزَيْرٍ فَنَسَخَ التَّوْرَاةَ حَرْفًا بِحَرْفٍ
حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا. وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله 9: 30 لِمَ قَالُوا
ذَلِكَ فَذَكَرُ لَهُ ابْنُ سَلَامٍ مَا كَانَ مِنْ كَتْبِهِ لِبَنِي
إِسْرَائِيلَ التَّوْرَاةَ مِنْ حِفْظِهِ وَقَوْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ
لَمْ يَسْتَطِعْ مُوسَى أَنْ يَأْتِيَنَا بِالتَّوْرَاةِ إِلَّا فِي
كِتَابٍ وَإِنَّ عُزَيْرًا قَدْ جَاءَنَا بِهَا مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ
فَرَمَاهُ طَوَائِفُ مِنْهُمْ وَقَالُوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ.
وَلِهَذَا يَقُولُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ تَوَاتُرَ
التَّوْرَاةِ انْقَطَعَ فِي زَمَنِ الْعُزَيْرِ. وَهَذَا متجه جدا إذا
كان العزير غَيْرَ نَبِيٍّ كَمَا قَالَهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رباح
والحسن البصري وفيما رواه إسحاق ابن بِشْرٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ
سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ
الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَمُقَاتِلٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ قَالَ كان في الفترة تسعة أشياء نَصَّرَ وَجَنَّةُ صَنْعَاءَ
وَجَنَّةُ سَبَأٍ وَأَصْحَابُ الْأُخْدُودِ وَأَمْرُ حَاصُورَا [1]
وَأَصْحَابُ الْكَهْفِ وَأَصْحَابُ الْفِيلِ وَمَدِينَةُ أَنْطَاكِيَةَ
وَأَمْرُ تُبَّعٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ أَنْبَأَنَا سَعِيدٌ
عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ كَانَ أَمْرُ عُزَيْرٍ وَبُخْتُ
نَصَّرَ فِي الْفَتْرَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَوْلَى
النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ لَأَنَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وبينه نبي)
. وقال وهب ابن مُنَبِّهٍ كَانَ فِيمَا بَيْنَ سُلَيْمَانَ وَعِيسَى
عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ عُزَيْرًا كَانَ فِي
زَمَنِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَأَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَلَمْ
يَأْذَنْ لَهُ يَعْنِي لِمَا كَانَ مِنْ سُؤَالِهِ عَنِ الْقَدَرِ
وَأَنَّهُ انْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ مِائَةُ مَوْتَةٍ أَهْوَنُ مِنْ
ذُلِّ سَاعَةٍ وَفِي مَعْنَى قَوْلِ عُزَيْرٍ مِائَةُ مَوْتَةٍ
أَهْوَنُ مِنْ ذُلِّ سَاعَةٍ قَوْلُ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ
قَدْ يَصْبِرُ الْحُرُّ عَلَى السَّيْفِ ... وَيَأْنَفُ الصَّبْرَ
عَلَى الْحَيْفِ
وَيُؤْثِرُ الْمَوْتَ عَلَى حَالَةٍ ... يَعْجَزُ فِيهَا عَنْ قِرَى
الضَّيْفِ
فَأَمَّا مَا رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَنَوْفٍ الْبِكَالِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ
أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ الْقَدَرِ فَمُحِيَ اسْمُهُ مِنْ ذِكْرِ
الْأَنْبِيَاءِ فَهُوَ مُنْكَرٌ وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ وَكَأَنَّهُ
مَأْخُوذٌ عَنِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ
وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي
عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ قَالَ قَالَ
عُزَيْرٌ فِيمَا يُنَاجِي رَبَّهُ (يَا رَبِّ تَخْلُقُ خَلْقًا
فَتُضِلُّ مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ) فَقِيلَ لَهُ أَعْرِضْ
عَنْ هَذَا فَعَادَ فقيل له لتعرض عَنْ هَذَا أَوْ لَأَمْحُوَنَّ
اسْمَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِنِّي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ
وَهُمْ يُسْأَلُونَ وهذا لا يَقْتَضِي وُقُوعَ مَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ
لَوْ عَادَ فما محيا اسْمُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْجَمَاعَةُ سِوَى التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ
بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن سعيد وابى سلمة
__________
[1] هكذا في النسخة الحلبية. وفي النسخة المصرية (وأمر جاصور)
(2/46)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعَيْبٌ عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ نَبِيٌّ
مِنَ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ
بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا
فَأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ فَأَوْحَى اللَّهُ اليه مهلا نَمْلَةً
وَاحِدَةً. فَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ
عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ عُزَيْرٌ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ
عُزَيْرٌ فاللَّه اعلم. |