البداية والنهاية، ط. دار الفكر
صِفَةُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَدْ تَقَدَّمُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَمَّا ذَبَحَ تِلْكَ
الْإِبِلَ الْمِائَةَ عَنْ وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ حِينَ كَانَ نَذَرَ
ذَبْحَهُ فَسَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَا كَانَ قُدِّرَ فِي
الْأَزَلِ مِنْ ظُهُورِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمِ الرُّسُلِ وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ مِنْ
صُلْبِهِ، فَذَهَبَ كَمَا تَقَدَّمَ فَزَوَّجَهُ أَشْرَفَ عَقِيلَةٍ
فِي قُرَيْشٍ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةِ
الزُّهْرِيَّةَ، فَحِينَ دَخَلَ بِهَا وَأَفْضَى إِلَيْهَا حَمَلَتْ
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كانت أم
قتال رُقَيْقَةُ بِنْتُ نَوْفَلٍ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ
تَوَسَّمَتْ مَا كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ
يُجَامِعَ آمِنَةَ مِنَ النُّورِ، فَوَدَّتْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
مُتَّصِلًا بِهَا لِمَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا مِنَ
الْبِشَارَاتِ بِوُجُودٍ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَنَّهُ قَدْ أَزِفَ زَمَانُهُ فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ لِيَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ أَظْهَرُ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهَا فَلَمَّا انْتَقَلَ ذَلِكَ النُّورُ
الْبَاهِرُ إِلَى آمِنَةَ بِمُوَاقَعَتِهِ
(2/262)
إِيَّاهَا كَأَنَّهُ تَنَدَّمَ عَلَى مَا
كَانَتْ عَرَضَتْ عَلَيْهِ. فَتَعَرَّضَ لَهَا لِتُعَاوِدَهُ.
فَقَالَتْ لَا حَاجَةَ لِي فِيكَ وَتَأَسَّفَتْ عَلَى مَا فَاتَهَا
مِنْ ذَلِكَ وَأَنْشَدَتْ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الشِّعْرِ
الْفَصِيحِ الْبَلِيغِ. وَهَذِهِ الصِّيَانَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ
لَيْسَتْ لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى اللَّهُ أَعْلَمُ
حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ 6: 124 وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ
الْمَرْوِيُّ مِنْ طَرِيقٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ: «وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ»
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أُمَّهُ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ تُوُفِّيَ أَبُوهُ
عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ حَمْلٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
قال محمد ابن سَعْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ- هُوَ
الْوَاقِدِيُّ- حدثنا موسى بن عبيدة اليزيدي. وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
صعصعة. قال: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى
الشَّامِ إِلَى غَزَّةَ فِي عِيرٍ مِنْ عِيرَاتِ قريش يحملونه تجارات،
ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبد الله ابن عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ يَوْمَئِذٍ مَرِيضٌ، فَقَالَ أَتَخَلَّفُ عِنْدَ
أَخْوَالِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ
مَرِيضًا شَهْرًا وَمَضَى أَصْحَابُهُ فَقَدِمُوا مَكَّةَ فَسَأَلَهُمْ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَنِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالُوا
خَلَّفْنَاهُ عِنْدَ أَخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ
وَهُوَ مَرِيضٌ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَكْبَرَ
وَلَدِهِ الْحَارِثَ. فَوَجَدَهُ قَدْ تُوُفِّيَ وَدُفِنَ فِي دَارِ
النَّابِغَةِ فَرَجَعَ إِلَى أَبِيهِ فَأَخْبَرَهُ، فَوَجَدَ عَلَيْهِ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَإِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَجْدًا شَدِيدًا،
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ
حَمْلٌ. وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ تُوُفِّيَ
خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هَذَا هُوَ أَثْبَتُ الْأَقَاوِيلِ فِي وَفَاةِ
عَبْدِ اللَّهِ وَسِنِّهِ عِنْدَنَا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ:
وَحَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ
بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ يَمْتَارُ لَهُمْ تَمْرًا
فَمَاتَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَقَدْ أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عَوَانَةَ
بْنِ الْحَكَمِ. قَالَا: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بن عبد المطلب بعد
ما أَتَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثمانية وعشرين شَهْرًا، وَقِيلَ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ سَعْدٍ:
وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْلٌ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ
بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ
عَنِ ابْنِ خَرَّبُوذَ. قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ
بِالْمَدِينَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ابْنُ شَهْرَيْنِ، وَمَاتَتْ أُمُّهُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ،
وَمَاتَ جَدُّهُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَأَوْصَى بِهِ إِلَى
عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ. وَالَّذِي رَجَّحَهُ الْوَاقِدِيُّ وَكَاتِبُهُ
الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ تُوُفِّيَ أَبُوهُ وَهُوَ جَنِينٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
وَهَذَا أَبْلَغُ الْيُتْمِ وَأَعْلَى مَرَاتِبِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ
فِي الحديث «ورؤيا أمى الّذي رأت حين حمل بِي كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا
نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ فَكَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُ أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ
حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ
لَهَا إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا
وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ فَقُولِي: أُعِيذُهُ بالواحد، من شر كل حاسد،
من كل بر عاهد [1] وكل عبد رائد، يذود عنى ذائد، فإنه عند الْحَمِيدِ
الْمَاجِدْ، حَتَّى أَرَاهُ قَدْ أَتَى الْمَشَاهِدْ. وَآيَةُ ذَلِكَ
أَنَّهُ يَخْرُجُ مَعَهُ نُورٌ يَمْلَأُ قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ
الشَّامِ، فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا. فَإِنَّ اسْمَهُ فِي
التَّوْرَاةِ أَحْمَدُ يحمده أهل السماء وأهل
__________
[1] كذا في الأصلين ولم نقف عليه ولم يظهر لنا معناه.
(2/263)
الْأَرْضِ، وَاسْمَهُ فِي الْإِنْجِيلِ
أَحْمَدُ يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، وَاسْمَهُ
فِي الْقُرْآنِ مُحَمَّدٌ. وَهَذَا وَذَاكَ يَقْتَضِي أَنَّهَا رَأَتْ
حِينَ حَمَلَتْ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا
نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ. ثُمَّ لَمَّا وَضَعَتْهُ
رَأَتْ عِيَانًا تَأْوِيلَ ذَلِكَ كَمَا رَأَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ
هَاهُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ-
هُوَ الْوَاقِدِيُّ- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُسْلِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى
بْنُ عبدة عن أخيه ومحمد بن كعب القرظي. وحدثني عبد الله ابن جَعْفَرٍ
الزُّهْرِيُّ عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ المسود عن أبيها.
وحدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم المزني وزياد ابن حشرج عن أبى وجزة.
وَحَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ.
وَحَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ. أَنَّ آمِنَةَ بِنْتَ
وَهْبٍ قَالَتْ لَقَدْ عَلِقْتُ بِهِ- تَعْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا وَجَدْتُ لَهُ مَشَقَّةً حَتَّى
وَضَعْتُهُ، فَلَمَّا فَصَلَ مِنِّي خَرَجَ مَعَهُ نُورٌ أَضَاءَ لَهُ
مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، ثُمَّ وَقَعَ إِلَى
الْأَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ قَبْضَةً مِنَ
التُّرَابِ فَقَبَضَهَا وَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. وَقَالَ
بَعْضُهُمْ وَقَعَ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَخَرَجَ مَعَهُ نُورٌ
أَضَاءَتْ لَهُ قصور الشام وأسواقها حتى رئيت أَعْنَاقَ الْإِبِلِ
بِبُصْرَى، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. وَقَالَ الْحَافِظُ
أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل أنبأنا محمد بن
إسحاق حدثنا يونس بن مُبَشِّرُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
عِمْرَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ ابن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي
سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ
حَدَّثَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا شَهِدَتْ وِلَادَةَ آمِنَةَ بِنْتِ
وَهْبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ
ولدته، قالت فما شيء أنظره فِي الْبَيْتِ إِلَّا نُورٌ وَإِنِّي
أَنْظُرُ إِلَى النُّجُومِ تَدْنُو حَتَّى إِنِّي لِأَقُولُ لَيَقَعْنَ
عَلَيَّ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الشِّفَاءِ أُمِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ أَنَّهَا كَانَتْ قَابِلَتَهُ وَأَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِهِ
حِينَ سَقَطَ عَلَى يَدَيْهَا وَاسْتَهَلَّ سَمِعَتْ قَائِلًا يَقُولُ
يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَإِنَّهُ سَطَعَ مِنْهُ نُورٌ رُئِيَتْ مِنْهُ
قُصُورُ الرُّومِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا وَضَعَتْهُ بَعَثَتْ إِلَى
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَارِيَتَهَا- وَقَدْ هَلَكَ أَبُوهُ وَهِيَ
حُبْلَى وَيُقَالَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا
فاللَّه أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ- فَقَالَتْ قد ولد لك غُلَامٌ
فَانْظُرْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَهَا أَخْبَرَتْهُ وَحَدَّثَتْهُ
بِمَا كَانَتْ رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ، وَمَا قِيلَ لَهَا فِيهِ،
وَمَا أُمِرَتْ أَنْ تُسَمِّيَهُ. فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ
فَأَدْخَلَهُ عَلَى هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، فَقَامَ عَبْدُ
الْمُطَّلِبِ يَدْعُو وَيَشْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَقُولُ:
الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَعْطَانِي ... هَذَا الْغُلَامَ الطَّيِّبَ
الْأَرْدَانِ
قَدْ سَادَ في المهد على الغلمان ... أعيذه بالبيت ذِي الْأَرْكَانِ
حَتَّى يَكُونَ بِلُغَةِ الْفِتْيَانِ ... حَتَّى أَرَاهُ بَالِغَ
الْبُنْيَانِ
(2/264)
أعيذه من كل ذي شنئان ... مِنْ حَاسِدٍ
مُضْطَرِبِ الْعِنَانِ
ذِي هِمَّةٍ لَيْسَ لَهُ عَيْنَانِ ... حَتَّى أَرَاهُ رَافِعَ
اللِّسَانِ
[1]
أَنْتَ الّذي سميت في القرآن ... في كتب ثابتة المثاني
احمد مكتوب عَلَى اللِّسَانِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ
أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ احمد بن حاتم الدرابودى [2]-
بِمَرْوٍ- حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيُّ حَدَّثَنَا
أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ حَدَّثَنَا
يونس بن عطاء بن عثمان ابن رَبِيعَةَ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ
الصُّدَائِيُّ- بِمِصْرَ- حَدَّثَنَا الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا، قَالَ
فَأَعْجَبَ جَدَّهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَحَظِيَ عِنْدَهُ. وَقَالَ:
لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ فَكَانَ لَهُ شَأْنٌ. وَهَذَا
الْحَدِيثُ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ
عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيِّ عَنْ
هُشَيْمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ.
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ
كَرَامَتِي عَلَى اللَّهِ أَنِّي وُلِدْتُ مَخْتُونًا ولم ير سوأتي
أَحَدٌ ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ عَنْ
هُشَيْمٍ بِهِ. ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ- هُوَ الْبَاغَنْدِيُّ- حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَيُّوبَ الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي
مُوسَى الْمَقْدِسِيُّ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا مَخْتُونًا. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ:
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْمَالِكِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَطَاءٍ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ
حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ.
قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَخْتُونًا مَسْرُورًا، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ جَدَّهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ
وَحَظِيَ عِنْدَهُ، وَقَالَ لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ،
فَكَانَ لَهُ شَأْنٌ. وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ صِحَّتَهُ لِمَا
وَرَدَ لَهُ مِنَ الطُّرُقِ حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ
مُتَوَاتِرٌ وَفِي هَذَا كُلِّهِ نَظَرٌ، وَمَعْنًى مَخْتُونًا أَيْ
مَقْطُوعَ الْخِتَانِ، وَمَسْرُورًا أَيْ مَقْطُوعَ السُّرَّةِ مِنْ
بَطْنِ أُمِّهِ. وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ الْبَصَرِيِّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ
محارب بن مسلم بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ
جِبْرِيلَ خَتَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
طَهَّرَ قَلْبَهُ وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَدَّهُ
عَبْدَ الْمُطَّلِبِ خَتَنَهُ وَعَمِلَ لَهُ دَعْوَةً جَمَعَ قُرَيْشًا
عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ
أَنْبَأَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي- شِفَاهًا- أَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَهُ- يَعْنِي السُّلَمِيَّ-
حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي
مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ التَّنُوخِيِّ.
قَالَ: كَانَ الْمَوْلُودُ إِذَا وُلِدَ فِي قُرَيْشٍ دَفَعُوهُ إِلَى
نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى الصبح يكفأن عليه برمة، فلما ولد
__________
[1] كذا في الأصلين. وفي السهيليّ: رافع السان: ولعلها: حتى أرى منه
رفيع الشان.
[2] كذا في المصرية. وفي الحلبية: الدرايردى وفي المعجم دراورد،
ودريرات.
(2/265)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَفَعَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى نِسْوَةٍ فَكَفَأْنَ
عَلَيْهِ بُرْمَةً، فَلَمَّا أَصْبَحْنَ أَتَيْنَ فَوَجَدْنَ
الْبُرْمَةَ قَدِ انْفَلَقَتْ عَنْهُ بِاثْنَتَيْنِ وَوَجَدْنَهُ
مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ.
فَأَتَاهُنَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَقُلْنَ لَهُ مَا رَأَيْنَا
مَوْلُودًا مِثْلَهُ، وَجَدْنَاهُ قَدِ انْفَلَقَتْ عنه البرمة،
ووجدناه مفتوحا عينيه شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ.
فَقَالَ احْفَظْنَهُ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ لَهُ شَأْنٌ، أَوْ
أَنْ يُصِيبَ خَيْرًا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ ذَبَحَ
عَنْهُ وَدَعَا لَهُ قُرَيْشًا فَلَمَّا أَكَلُوا قَالُوا يَا عَبْدَ
الْمُطَّلِبِ أَرَأَيْتَ ابْنَكَ هَذَا الَّذِي أَكْرَمْتَنَا عَلَى
وَجْهِهِ مَا سَمَّيْتَهُ؟ قَالَ سَمَّيْتُهُ محمدا، قالوا فما
رَغِبْتَ بِهِ عَنْ أَسْمَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ أَرَدْتُ أَنْ
يَحْمَدَهُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ وَخَلْقُهُ فِي الْأَرْضِ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: كُلُّ جَامِعٍ لِصِفَاتِ الْخَيْرِ يُسَمَّى
مُحَمَّدًا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
إليك- أبيت اللعن- أعملت نافتى ... إِلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ
الْكَرِيمِ الْمُحَمَّدِ
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَلْهَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ
سَمَّوْهُ مُحَمَّدًا لِمَا فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ
لِيَلْتَقِيَ الِاسْمُ وَالْفِعْلُ، وَيَتَطَابَقَ الِاسْمُ
وَالْمُسَمَّى فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، كَمَا قَالَ عَمُّهُ أَبُو
طَالِبٍ وَيُرْوَى لِحَسَّانَ:
وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ
وَهَذَا مُحَمَّدُ
وَسَنَذْكُرُ أَسْمَاءَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
وَشَمَائِلَهُ وَهِيَ صِفَاتُهُ الظَّاهِرَةُ وَأَخْلَاقُهُ
الطَّاهِرَةُ وَدَلَائِلُ نَبُّوَّتِهِ وَفَضَائِلُ مَنْزِلَتِهِ فِي
آخِرِ السِّيرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا احمد ابن شيبان الرمليّ حدثنا احمد بن
إبراهيم الحبلى حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ
عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ! دَعَانِي إِلَى الدُّخُولِ فِي دِينِكَ أَمَارَةٌ
لِنُبُوَّتِكَ، رَأَيْتُكَ فِي الْمَهْدِ تُنَاغِي الْقَمَرَ وَتُشِيرُ
إِلَيْهِ بِأُصْبُعِكَ، فَحَيْثُ أَشَرْتَ إِلَيْهِ مَالَ قَالَ:
«إِنِّي كُنْتُ أُحَدِّثُهُ وَيُحَدِّثُنِي وَيُلْهِينِي عَنِ
الْبُكَاءِ، وَأَسْمَعُ وَجْبَتَهُ حِينَ يَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ» .
ثُمَّ قَالَ تَفَرَّدَ بِهِ اللَّيْثِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ.
فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْآيَاتِ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ هَوَاتِفِ الْجَانِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
خُرُورِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْنَامِ لَيْلَتَئِذٍ لِوُجُوهِهَا
وَسُقُوطِهَا عَنْ أَمَاكِنِهَا، وَمَا رَآهُ النَّجَاشِيُّ مَلِكُ
الْحَبَشَةِ، وَظُهُورِ النُّورِ مَعَهُ حَتَّى أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ
الشَّامِ حِينَ وُلِدَ، وَمَا كَانَ مِنْ سُقُوطِهِ جَاثِيًا رَافِعًا
رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَانْفِلَاقِ تِلْكَ الْبُرْمَةِ عَنْ
وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَمَا شُوهِدَ مِنَ النُّورِ فِي الْمَنْزِلِ
الَّذِي وُلِدَ فِيهِ وَدُنُوِّ النُّجُومِ مِنْهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
حَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ تَفْسِيرِ بَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ الْحَافِظِ
أَنَّ إِبْلِيسَ رَنَّ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ: حِينَ لُعِنَ، وَحِينَ
أُهْبِطَ،
(2/266)
وَحِينَ وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحِينَ أُنْزِلَتِ الْفَاتِحَةُ. قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يَهُودِيٌّ قَدْ سَكَنَ
مَكَّةَ يَتَّجِرُ بِهَا فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُلِدَ
فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي
مَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ وُلِدَ فِيكُمُ
اللَّيْلَةَ مَوْلُودٌ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُهُ
فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَمَا إِذَا أَخْطَأَكُمْ فَلَا بَأْسَ
انْظُرُوا وَاحْفَظُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ: وُلِدَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ
نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَخِيرَةِ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَامَةٌ
فِيهَا شَعَرَاتٌ مُتَوَاتِرَاتٌ كَأَنَّهُنَّ عُرْفُ فَرَسٍ. لَا
يَرْضَعُ لَيْلَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ
أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي فَمِهِ فَمَنَعَهُ الرَّضَاعَ فَتَصَدَّعَ
الْقَوْمُ مِنْ مَجْلِسِهِمْ وَهُمْ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ قَوْلِهِ
وَحَدِيثِهِ فَلَمَّا صَارُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ أَخْبَرَ كُلُّ
إِنْسَانٍ مِنْهُمْ أَهْلَهُ فَقَالُوا قَدْ وَاللَّهِ وُلِدَ لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ غُلَامٌ سَمَّوْهُ مُحَمَّدًا
فَالْتَقَى الْقَوْمُ فَقَالُوا هَلْ سَمِعْتُمْ حَدِيثَ الْيَهُودِيِّ
وَهَلْ بَلَغَكُمْ مَوْلِدُ هَذَا الْغُلَامِ؟ فَانْطَلَقُوا حَتَّى
جَاءُوا الْيَهُودِيَّ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ. قَالَ فَاذْهَبُوا
مَعِيَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ. فَخَرَجُوا بِهِ حَتَّى أَدْخَلُوهُ
عَلَى آمِنَةَ فَقَالُوا أَخْرِجِي إِلَيْنَا ابْنَكِ فَأَخْرَجَتْهُ
وَكَشَفُوا لَهُ عَنْ ظَهْرِهِ. فَرَأَى تِلْكَ الشَّامَةَ. فَوَقَعَ
الْيَهُودِيُّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ. فَلَمَّا أفاق قالوا له مالك
وَيْلَكَ؟ قَالَ قَدْ ذَهَبَتْ وَاللَّهِ النُّبُوَّةُ مِنْ بنى
إسرائيل، فرحتم بِهَا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. وَاللَّهِ لَيَسْطُوَنَّ
بِكُمْ سَطْوَةً يَخْرُجُ خَبَرُهَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ
زُرَارَةَ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي مِمَّنْ
لَا أَتَّهِمُ عَنْ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ: إِنِّي لَغُلَامٌ
يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ- أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ- أَعْقِلُ مَا
رَأَيْتُ وَسَمِعْتُ إِذَا بِيَهُودِيٍّ فِي يَثْرِبَ يَصْرُخُ ذَاتَ
غَدَاةٍ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ- وأنا أسمع-
فقالوا ويلك مالك؟ قَالَ قَدْ طَلَعَ نَجْمُ أَحْمَدَ الَّذِي يُولَدُ
بِهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ. وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي
كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الْعَامِرِيِّ عَنْ سليمان بن سحيم وذريح بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ يَقُولُ
جِئْتُ بَنِي عبد الأشهل يوما لا تحدث فِيهِمْ وَنَحْنُ يَوْمئِذٌ فِي
هُدْنَةٍ مِنَ الْحَرْبِ، فَسَمِعْتُ يُوشَعَ الْيَهُودِيَّ يَقُولُ:
أَظَلَّ خُرُوجُ نَبِيٍّ يُقَالَ لَهُ أَحْمَدُ يُخْرُجُ مِنَ
الْحَرَمِ. فَقَالَ لَهُ خَلِيفَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْأَشْهَلِيُّ-
كَالْمُسْتَهْزِئِ بِهِ مَا صِفَتُهُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْسَ
بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ يَلْبَسُ
الشَّمْلَةَ وَيَرْكَبُ الْحِمَارِ. سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَهَذَا
الْبَلَدَ مُهَاجَرُهُ. قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي بَنِي خُدْرَةَ
وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَتَعَجَّبُ مِمَّا يَقُولُ يُوشَعُ فَأَسْمَعُ
رَجُلًا مِنَّا يَقُولُ وَيُوشَعُ يَقُولُ هَذَا وَحْدَهُ؟! كُلُّ
يَهُودَ يَثْرِبَ يَقُولُونَ هَذَا. قَالَ أَبِي مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ
فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَجِدُ جَمْعًا
فَتَذَاكَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ
الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا: قَدْ طَلَعَ الْكَوْكَبُ الْأَحْمَرُ الَّذِي
لَمْ يَطْلُعْ إِلَّا لِخُرُوجِ نبي أو ظهوره وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ
إِلَّا أَحْمَدُ وَهَذَا مُهَاجَرُهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَلَمَّا
قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَبِي
هَذَا الْخَبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَوْ أسلم الزبير لأسلم ذووه مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ
إِنَّمَا هُمْ لَهُ تَبَعٌ» وقال أبو نعيم: حدثنا عمر بن محمد
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ
سلمة حدثنا
(2/267)
إِسْمَاعِيلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
عَنْ أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ [1] سَمِعْتُ زَيْدَ
بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: كَانَ أَحْبَارُ يَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ
وَالنَّضِيرِ يَذْكُرُونَ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَمَّا طَلَعَ الْكَوْكَبُ الْأَحْمَرُ أَخْبَرُوا أَنَّهُ
نَبِيٌّ وَأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ. وَاسْمُهُ أَحْمَدُ
وَمُهَاجَرُهُ إِلَى يَثْرِبَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَنْكَرُوا وَحَسَدُوا
وَكَفَرُوا. وَقَدْ أَوْرَدَ هَذِهِ الْقِصَّةَ الْحَافِظُ أَبُو
نُعَيْمٍ فِي كِتَابِهِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى وللَّه الْحَمْدُ.
وَقَالَ أبو نعيم ومحمد بن حبان: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
عَاصِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ويحيى بن عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيد، قال قال زيد بن
عمرو ابن نُفَيْلٍ قَالَ لِي حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الشَّامِ: قَدْ
خَرَجَ فِي بَلَدِكَ نَبِيٌّ- أَوْ هُوَ خَارِجٌ- قَدْ خَرَجَ نَجْمُهُ
فَارْجِعْ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ. |