البداية والنهاية، ط. دار الفكر

فصل في الأذان ومشروعيته عِنْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ إِخْوَانُهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَاجْتَمَعَ أَمْرُ الْأَنْصَارِ اسْتَحْكَمَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ، فَقَامَتِ الصَّلَاةُ وَفُرِضَتِ الزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ، وَقَامَتِ الْحُدُودُ وَفُرِضَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَتَبَوَّأَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ هُمُ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ

(3/231)


وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَهَا إِنَّمَا يَجْتَمِعُ النَّاسُ إِلَيْهِ لِلصَّلَاةِ لِحِينِ مَوَاقِيتِهَا بِغَيْرِ دَعْوَةٍ، فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ بُوقًا كَبُوقِ يَهُودَ الَّذِي يَدْعُونَ بِهِ لِصَلَاتِهِمْ ثُمَّ كَرِهَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِالنَّاقُوسِ فَنُحِتَ لِيَضْرِبَ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ لِلصَّلَاةِ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ النِّدَاءَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ طَافَ بِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ طَائِفٌ، مَرَّ بِي رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ هَذَا النَّاقُوسَ؟
فَقَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ قُلْتُ نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ وَمَا هُوَ؟
قَالَ تَقُولُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَلَمَّا أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ فَلْيُؤَذِّنْ بِهَا فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» فَلَمَّا أَذَّنَ بِهَا بِلَالٌ سَمِعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بن ثعلبة ابن عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَّمَهُ الْإِقَامَةَ قَالَ ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ. اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَكَمِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الأنصاري قال في ذلك:
الحمد للَّه ذي الجلال وذي الا ... كرام حمدا على الأذان كبيرا
إِذْ أَتَانِي بِهِ الْبَشِيرُ مِنَ اللَّهِ ... فَأَكْرِمْ بِهِ لَدَيَّ بَشِيرَا
فِي لَيَالٍ وَالَى بِهِنَّ ثَلَاثٍ ... كُلَّمَا جَاءَ زَادَنِي تَوْقِيرَا
قُلْتُ: وَهَذَا الشِّعْرُ غَرِيبٌ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاللَّه أَعْلَمُ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ نَحْوَ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّعْرَ [وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا أَبِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ

(3/232)


سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ النَّاسَ لِمَا يُهِمُّهُمْ من الصَّلَاةِ، فَذَكَرُوا الْبُوقَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ، ثُمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى. فَأُرِيَ النِّدَاءَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَطَرَقَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَذَّنَ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ وَزَادَ بِلَالٌ فِي نِدَاءِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ، فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى وَلَكِنَّهُ سَبَقَنِي، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ هَذَا الْفَصْلِ فِي بَابِ الْأَذَانِ مِنْ كِتَابِ الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدَهُ السُّهَيْلِيُّ بِسَنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَخْلَدٍ ثَنَا أَبِي عَنْ زِيَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ وَفِيهِ: فَخَرَجَ مَلَكٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ فَأَذَّنَ بِهَذَا الْأَذَانِ وَكُلَّمَا قَالَ كَلِمَةً صَدَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمَهُ فَأَمَّ بِأَهْلِ السَّمَاءِ وَفِيهِمْ آدَمُ وَنُوحٌ. ثُمَّ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَأَخْلِقْ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ صحيحا لما يعضده ويشا كله مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ. فَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ كَمَا زَعَمَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ صَحِيحٌ بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ تَفَرَّدَ بِهِ زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَبُو الْجَارُودِ الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْفِرْقَةُ الْجَارُودِيَّةُ وَهُوَ مِنَ الْمُتَّهَمِينَ. ثُمَّ لَوْ كَانَ هَذَا قَدْ سَمِعَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَأَوْشَكَ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1]] .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ قَالَ لِي عَطَاءٌ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: ائْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ [بِالنَّاقُوسِ] لِلِاجْتِمَاعِ لِلصَّلَاةِ، فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَشَبَتَيْنِ لِلنَّاقُوسِ إِذْ رَأَى عُمَرُ فِي الْمَنَامِ لَا تَجْعَلُوا النَّاقُوسَ بَلْ أَذِّنُوا لِلصَّلَاةِ. فَذَهَبَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ بِمَا رَأَى وَقَدْ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ فَمَا رَاعَ عُمَرَ إِلَّا بِلَالٌ يُؤَذِّنُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ «قَدْ سَبَقَكَ بِذَلِكَ الْوَحْيُ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْوَحْيُ بِتَقْرِيرِ مَا رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ لِلْفَجْرِ كُلَّ غَدَاةٍ فَيَأْتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْتَظِرُ الْفَجْرَ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ أَحْمَدُكَ وَأَسْتَعِينُكَ عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا دِينَكَ، قَالَتْ ثُمَّ يُؤَذِّنُ، قَالَتْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ كَانَ تَرَكَهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً- يَعْنِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ.
__________
[1] هذا الحديث مقدم في النسخة المصرية ومؤخر في الحلبية.

(3/233)


فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَدَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرِهِ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِوَاءً أَبْيَضَ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لِيَعْتَرِضَ لِعِيرَاتِ قُرَيْشٍ وَأَنَّ حَمْزَةَ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، قَالَ وَكَانَ الَّذِي يَحْمِلُ لِوَاءَ حَمْزَةَ أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ.
فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَدَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ فِي شَوَّالٍ لِعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ لِوَاءً أَبْيَضَ وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى بَطْنِ رَابِغٍ، وَكَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ فَبَلَغَ ثَنِيَّةَ الْمَرَةِ وَهِيَ بِنَاحِيَةِ الْجُحْفَةِ فِي سِتِّينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ أَنْصَارِيٌّ، وَأَنَّهُمُ الْتَقَوْا هُمْ وَالْمُشْرِكُونَ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ أَحْيَاءٌ وَكَانَ بَيْنَهُمُ الرمي دون المسابقة. قال الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ مِائَتَيْنِ عَلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ الْمُثْبَتُ عِنْدَنَا، وَقِيلَ كان عليهم مكرز بن حفص.
فَصْلٌ
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا- يَعْنِي فِي السَّنَةِ الْأُولَى فِي ذِي الْقَعْدَةِ- عَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى الْخَرَّارِ لِوَاءً أَبْيَضَ يَحْمِلُهُ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، فَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ [عَنْ أَبِيهِ] . قَالَ: خَرَجْتُ فِي عِشْرِينَ رَجُلًا عَلَى أَقْدَامِنَا، أَوْ قَالَ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا، فَكُنَّا نَكْمُنُ النَّهَارَ وَنَسِيرُ اللَّيْلَ حَتَّى صَبَّحْنَا الْخَرَّارَ صُبْحَ خَامِسَةٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أُجَاوِزَ الْخَرَّارَ، وَكَانَتِ الْعِيرُ قَدْ سَبَقَتْنِي قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَتِ الْعِيرُ سِتِّينَ وَكَانَ مَنْ مَعَ سَعْدٍ كُلُّهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. قال أبو جعفر بن جرير (رحمه الله) وعند ابن إسحاق (رحمه الله) أَنَّ هَذِهِ السَّرَايَا الثَّلَاثَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْوَاقِدِيُّ كُلَّهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ.
قُلْتُ: كَلَامُ ابْنِ إِسْحَاقَ لَيْسَ بصريح فيما قاله أبو جعفر (رحمه الله) لِمَنْ تَأَمَّلَهُ كَمَا سَنُورِدُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمَغَازِي فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وذلك تلوما نحن فيه إن شاء الله، ويحتمل أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهَا وَقَعَتْ هَذِهِ السَّرَايَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى، وَسَنَزِيدُهَا بَسْطًا وَشَرْحًا إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْوَاقِدِيُّ (رحمه الله) عِنْدَهُ زِيَادَاتٌ حَسَنَةٌ، وَتَارِيخٌ مُحَرَّرٌ غَالِبًا فَإِنَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ الْكِبَارِ

(3/234)


وَهُوَ صَدُوقٌ فِي نَفْسِهِ مِكْثَارٌ كَمَا بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي عَدَالَتِهِ وَجَرْحِهِ فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ بالتكميل فِي مَعْرِفَةِ الثِّقَاتِ وَالضُّعَفَاءِ وَالْمَجَاهِيلِ وللَّه الْحَمْدُ والمنة.
فَصْلٌ
وَمِمَّنْ وُلِدَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمُبَارَكَةِ- وَهِيَ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ابْنَتَيِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ وُلِدَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَبْلَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُمَا وُلِدَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَسَنُشِيرُ فِي آخِرِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ وَزِيَادَ بْنَ سُمَيَّةَ وُلِدَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأُولَى [1] فاللَّه أَعْلَمُ. وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الصَّحَابَةِ، كُلْثُومُ بْنُ الْهِدْمِ الْأَوْسِيُّ الَّذِي نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَسْكَنِهِ بِقُبَاءَ إِلَى حِينَ ارْتَحَلَ مِنْهَا إِلَى دَارِ بَنِي النَّجَّارِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبَعْدَهُ- فِيهَا- أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ نَقِيبُ بَنِي النَّجَّارِ تُوُفِّيَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ كَمَا تَقَدَّمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَرْضَاهُمَا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ- يَعْنِي الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ- مَاتَ أَبُو أُحَيْحَةَ بِمَالِهِ بِالطَّائِفِ وَمَاتَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ والْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ فِيهَا بِمَكَّةَ.
قُلْتُ: وَهَؤُلَاءِ مَاتُوا عَلَى شِرْكِهِمْ لَمْ يُسْلِمُوا للَّه عز وجل.
__________
[1] وفي الأصلين: في هذه السنة الثانية وهو خطأ وصححتها من تاريخ ابن جرير.

(3/235)