البداية والنهاية، ط. دار الفكر
فَصْلٌ فِي ذكر جمل من الحوادث في سَنَةَ
ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ
تَقَدَّمَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَزْوِيجِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
بِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَذَكَرْنَا
مَا سَلَفَ مِنَ الْغَزَوَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ
وَفَيَاتِ أَعْيَانٍ مِنَ الْمَشَاهِيرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُشْرِكِينَ، فَكَانَ مِمَّنْ توفى فيها الشُّهَدَاءِ يَوْمَ
بَدْرٍ وَهْمُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَا بَيْنَ مُهَاجِرِيٍّ
وَأَنْصَارِيٍّ تَقَدَّمَ تَسْمِيَتُهُمْ، وَالرُّؤَسَاءُ مِنْ
مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَقَدْ كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا عَلَى
الْمَشْهُورِ، وَتُوفِيَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ بِيَسِيرٍ أَبُو لَهَبٍ
عبد العزى ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَعَنَهُ اللَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ،
وَلَمَّا جَاءَتِ الْبِشَارَةُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ مع زيد حَارِثَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِمَا
أَحَلَّ اللَّهُ بِالْمُشْرِكِينَ وَبِمَا فَتَحَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَجَدُوا رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ تُوُفِّيَتْ وَسَاوَوْا عَلَيْهَا التُّرَابَ، وَكَانَ
زَوْجُهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَدْ أَقَامَ عِنْدَهَا
يُمَرِّضُهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَهُ بِذَلِكَ. وَلِهَذَا ضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ فِي مَغَانِمِ بَدْرٍ
وَأَجْرُهُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ زَوَّجَهُ
بِأُخْتِهَا الْأُخْرَى أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا كَانَ يُقَالُ لِعُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانَ ذُو النُّورَيْنِ ويقال إنه لم يغلق أَحَدٌ عَلَى ابْنَتَيْ
نَبِيٍّ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَأَرْضَاهُ. وَفِيهَا حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَزِيدَ
فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ عَلَى مَا سَلَفَ، وَفِيهَا فُرِضَ الصِّيَامُ
صِيَامُ رَمَضَانَ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهَا فُرِضَتِ الزَّكَاةُ ذَاتُ
النُّصُبِ وَفُرِضَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَفِيهَا خَضَعَ
الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْيَهُودِ الَّذِينَ هُمْ
بِهَا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَبَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ
وَيَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ وَصَانَعُوا الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَ
الْإِسْلَامَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ
وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ مُنَافِقُونَ مِنْهُمْ مَنَ هُوَ عَلَى مَا
كَانَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنِ انْحَلَّ بِالْكُلِّيَّةِ فَبَقِيَ
مُذَبْذَبًا لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ كَمَا
وَصَفَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَفِيهَا كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَعَاقِلَ وَكَانَتْ مُعَلَّقَةً بِسَيْفِهِ
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقِيلَ إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وُلِدَ
فِيهَا، قَالَ وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ ابْنَ
أَبِي سَبْرَةَ حَدَّثَهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَنَى بِفَاطِمَةَ
فِي ذي الحجة منها قال فان كانت هذه الرواية صحيحه فالقول الأول باطل
ثم الجزء الثالث من كتاب البداية والنهاية ويليه الجزء الرابع وأوله
سنة ثلاث من الهجرة
(3/347)
[المجلد الرابع]
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة ثلاث من الهجرة
فِي أَوَّلِهَا كَانَتْ غَزْوَةُ نَجْدٍ وَيُقَالُ لَهَا غَزْوَةُ ذِي
أَمَرَّ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ السَّوِيقِ أَقَامَ
بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا ثُمَّ
غَزَا نَجْدًا يُرِيدُ غَطَفَانَ وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَّ. قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ
عَفَّانَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِنَجْدٍ صَفَرًا كُلَّهُ
أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ مِنْ بَنِي
ثَعْلَبَةَ بْنِ مُحَارِبٍ تَجَمَّعُوا بِذِي أَمَرَّ يُرِيدُونَ
حَرْبَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ من المدينة يوم الخميس لثنتى عشرة
خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى
الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَغَابَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا
وَكَانَ مَعَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، وَهَرَبَتْ
مِنْهُ الْأَعْرَابُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ حَتَّى بَلَغَ مَاءً
يُقَالُ لَهُ ذُو أَمَرَّ فَعَسْكَرَ بِهِ وَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ
كَثِيرٌ فَابْتَلَّتْ ثِيَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ هُنَاكَ وَنَشَرَ ثِيَابَهُ
لِتَجِفَّ وَذَلِكَ بِمَرْأَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَاشْتَغَلَ
الْمُشْرِكُونَ فِي شُئُونِهِمْ، فَبَعَثَ الْمُشْرِكُونَ رَجُلًا
شُجَاعًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ أَوْ
دُعْثُورُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالُوا: قَدْ أَمْكَنَكَ اللَّهُ مِنْ
قَتْلِ مُحَمَّدٍ، فَذَهَبَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَمَعَهُ سَيْفٌ صَقِيلٌ
حَتَّى قَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالسَّيْفِ مَشْهُورًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ يَمْنَعُكَ من
الْيَوْمَ؟ قَالَ: اللَّهُ. وَدَفَعَ جِبْرِيلُ فِي صَدْرِهِ فَوَقَعَ
السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ لَا
أَحَدَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَا أُكَثِّرُ عَلَيْكَ جَمْعًا
أَبَدًا. فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَيْفَهُ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالُوا:
وَيْلَكَ، مالك؟ فَقَالَ: نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ فَدَفَعَ فِي
صَدْرِي فَوَقَعْتُ لِظَهْرِي فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مَلَكٌ وَشَهِدْتُ
أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهِ لَا أُكَثِّرُ عليه جمعا،
(4/2)
وَجَعَلَ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى
الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَنَزَلَ في ذلك قوله تعالى يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ
قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ
عَنْكُمْ 5: 11 الآية. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَسَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ
ذَاتِ الرِّقَاعِ قِصَّةٌ تُشْبِهُ هَذِهِ فَلَعَلَّهُمَا قِصَّتَانِ،
قُلْتُ: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ مَحْفُوظَةً فَهِيَ غَيْرُهَا قَطْعًا
لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ اسْمُهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا
لَمْ يُسْلِمْ بَلِ اسْتَمَرَّ عَلَى دِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَاهَدَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
غَزْوَةُ الْفُرُعِ مِنْ بُحْرَانَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ رَبِيعًا الْأَوَّلَ
كُلَّهُ أَوْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُ ثُمَّ غَدَا يُرِيدُ قُرَيْشًا،
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ
مَكْتُومٍ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَتَّى بَلَغَ بُحْرَانَ وَهُوَ
مَعْدِنٌ بالحجاز من ناحية الفرع. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: إِنَّمَا
كَانَتْ غَيْبَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْمَدِينَةِ عَشَرَةَ
أَيَّامٍ. فاللَّه أَعْلَمُ
خَبَرُ يهود بنى قينقاع مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَقَدْ زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَوْمِ السَّبْتِ
النِّصْفَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ فاللَّه
أَعْلَمُ وَهُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى كَمَثَلِ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ 59: 15 قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ
ذَلِكَ مِنْ غَزْوِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ. قَالَ وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَهُمْ فِي
سُوقِهِمْ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ احْذَرُوا مِنَ اللَّهِ
مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنَ النِّقْمَةِ وَأَسْلِمُوا
فَإِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنِّي نَبِيٌّ مُرْسَلٌ تَجِدُونَ ذَلِكَ
فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ. فَقَالُوا: يَا
مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَرَى أَنَّا قَوْمُكَ لَا يَغُرُّنَّكَ أَنَّكَ
لَقِيتَ قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ فأصبت منهم فرصة أما
وَاللَّهِ لَئِنْ حَارَبْنَاكَ لَتَعْلَمَنَّ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ.
قال ابن إسحاق: فحدثني مولى لزيد بن ثابت عن سعيد بن جبير وعن عكرمة عن
ابن عباس قال: ما نزلت هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إِلَّا فِيهِمْ قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ
وَبِئْسَ الْمِهادُ قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ في فِئَتَيْنِ الْتَقَتا 3:
12- 13 يَعْنِي أَصْحَابَ بِدْرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُرَيْشٍ فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ
الْعَيْنِ وَالله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ في ذلِكَ
لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ 3: 13 قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ بَنِي
قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوَّلَ يَهُودَ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَحَارَبُوا
فِيمَا بَيْنَ بِدْرٍ وَأُحُدٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فَذَكَرَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ [بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ] بْنِ الْمِسْوَرِ
بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ كَانَ أَمْرِ بَنِي
قَيْنُقَاعَ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْعَرَبِ قدمت بحلب لَهَا
فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَجَلَسَتْ إِلَى صَائِغٍ
هُنَاكَ مِنْهُمْ فَجَعَلُوا
(4/3)
يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا فَأَبَتْ فَعَمَدَ الصَّائِغُ
إِلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إِلَى ظَهْرِهَا فَلَمَّا قَامَتِ
انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا فَضَحِكُوا بِهَا فَصَاحَتْ فَوَثَبَ رَجُلٌ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّائِغِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ يَهُودِيًّا
فَشَدَّتِ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ فَاسْتَصْرَخَ
أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ فَأُغْضِبَ
الْمُسْلِمُونَ فَوَقَعَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي
قَيْنُقَاعَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ قَالَ فَحَاصَرَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللَّهُ
مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ وَكَانُوا
حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ قَالَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي
مَوَالِيَّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ قَالَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ
دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ وَكَانَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ الْفُضُولِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسِلْنِي وَغَضِبَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رأوا لوجهه
طللا ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ أَرْسِلْنِي قَالَ لَا وَاللَّهِ لَا
أُرْسِلُكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي مَوِالِيَّ أَرْبَعِمِائَةِ حَاسِرٍ
وَثَلَاثِمِائَةِ دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنَ الْأَحْمَرِ
وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إِنِّي وَاللَّهِ
امْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ. قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ لَكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم فِي
مُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُمْ أَبَا لُبَابَةَ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ
الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ مُحَاصَرَتُهُ إِيَّاهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ
لَيْلَةً. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُبَادَةَ
بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ لَمَّا
حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَقَامَ
دُونَهُمْ وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مِنْ بَنِي عَوْفٍ لَهُ من
حلفهم مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ
فَخَلَعَهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَقَالَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الكفار وولايتهم قال وفيه وفي عبد
الله بن أبى نزلت الآيات مِنَ الْمَائِدَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ
أَوْلِياءُ بَعْضٍ 5: 51 الْآيَاتِ حَتَّى قَوْلِهِ فَتَرَى الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ
تُصِيبَنا دائِرَةٌ 5: 52 يعنى عبد الله ابن أُبَيٍّ إِلَى قَوْلِهِ
وَمن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ
حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ 5: 56 يَعْنِي عُبَادَةَ بْنَ
الصَّامِتِ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ |