البداية والنهاية، ط. دار الفكر
كِتَابُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي سَنَةِ
عَشْرٍ وَيُقَالُ لَهَا حَجَّةُ الْبَلَاغِ، وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ،
وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ
لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا
وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا، وَسُمِّيَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ
عليه السلام لَمْ يَحُجَّ مِنَ الْمَدِينَةِ غَيْرَهَا وَلَكِنْ حَجَّ
قَبْلَ الْهِجْرَةِ مَرَّاتٍ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا. وَقَدْ
قِيلَ إِنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ نَزَلَتْ عَامَئِذٍ وَقِيلَ سَنَةَ
تِسْعٍ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ قَبْلَ الهجرة وهو غريب، وسميت
حجة البلاغ لأنه عليه السلام بَلَّغَ النَّاسَ شَرْعَ اللَّهِ فِي
الْحَجِّ قَوْلًا وَفِعْلًا وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ دَعَائِمِ
الْإِسْلَامِ وقواعده شيء إلا وقد بينه عليه السلام فَلَمَّا بَيَّنَ
لَهُمْ شَرِيعَةَ الْحَجِّ وَوَضَّحَهُ وَشَرَحَهُ أَنْزَلَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً 5: 3.
وَسَيَأْتِي إِيضَاحٌ لِهَذَا كُلِّهِ وَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ حَجَّتِهِ
عليه السلام كَيْفَ كَانَتْ فَإِنَّ النَّقَلَةَ اخْتَلَفُوا فِيهَا
اخْتِلَافًا كَثِيرًا جِدًّا بِحَسَبِ مَا وَصَلَ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمْ
مِنَ الْعِلْمِ وَتَفَاوَتُوا فِي ذَلِكَ تَفَاوُتًا كَثِيرًا لَا
سِيَّمَا مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَنَحْنُ
نُورِدُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ مَا
ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي كُتُبِهِمْ من هذه الروايات ونجمع بينهما
جَمْعًا يُثْلِجُ قَلْبَ مَنْ تَأَمَّلَهُ وَأَنْعَمَ النَّظَرَ فِيهِ
وَجَمَعَ بَيْنَ طَرِيقَتَيِ الْحَدِيثِ وَفَهِمِ مَعَانِيهِ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ وباللَّه الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَقَدْ
اعْتَنَى النَّاسُ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ اعْتِنَاءً كَثِيرًا مِنْ قُدَمَاءِ الْأَئِمَّةِ
وَمُتَأَخِّرِيهِمْ وَقَدْ صَنَّفَ الْعَلَّامَةُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ
حَزْمٍ الْأَنْدَلُسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُجَلَّدًا فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ أَجَادَ فِي أَكْثَرِهِ وَوَقَعَ لَهُ فِيهِ أَوْهَامٌ
سَنُنَبِّهُ عَلَيْهَا فِي مَوَاضِعِهَا وباللَّه المستعان.
باب
بيان أنه عليه السلام لَمْ يَحُجَّ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَّا حَجَّةً
وَاحِدَةً وَأَنَّهُ اعْتَمَرَ قَبْلَهَا ثَلَاثَ عُمَرٍ كَمَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ هُدْبَةَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ
إِلَّا الَّتِي فِي حَجَّتِهِ الْحَدِيثَ. وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ
بُكَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هريرة مثله
وقال سعد بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الدراوَرْديّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَتْ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَلَاثَ عُمَرٍ عُمْرَةٌ فِي شَوَّالٍ وَعُمْرَتَيْنِ فِي ذِي
الْقَعْدَةِ وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرَ
ثَلَاثَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ
حدثنا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا دَاوُدُ- يَعْنِي الْعَطَّارَ- عَنْ
عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: اعتمر رسول الله
أَرْبَعَ عُمَرٍ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةَ الْقَضَاءِ
وَالثَّالِثَةُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ وَالرَّابِعَةُ الَّتِي مَعَ
حِجَّتِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ الْعَطَّارِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(5/109)
[وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْفَصْلُ عِنْدَ
عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ. وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ
عَلَيْهِ السلام حَجَّ قَارِنًا وباللَّه الْمُسْتَعَانُ. فَالْأُولَى،
مِنْ هَذِهِ الْعُمَرِ] عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي صُدَّ
عَنْهَا. ثُمَّ بَعْدَهَا عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَيُقَالُ عُمْرَةُ
الْقِصَاصِ وَيُقَالُ عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ. ثُمَّ بَعْدَهَا عُمْرَةُ
الْجِعْرَانَةِ مَرْجِعَهُ مِنَ الطَّائِفِ حِينَ قَسَّمَ غَنَائِمَ
حُنَيْنٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَوَاضِعِهِ،
وَالرَّابِعَةُ عُمْرَتُهُ مَعَ حَجَّتِهِ وَسَنُبَيِّنُ اخْتِلَافَ
النَّاسِ فِي عُمْرَتِهِ هَذِهِ مَعَ الْحَجَّةِ هَلْ كَانَ
مُتَمَتِّعًا بِأَنْ أَوْقَعَ الْعُمْرَةَ قَبْلَ الْحَجَّةِ وَحَلَّ
مِنْهَا أَوْ مَنَعَهُ مِنَ الْإِحْلَالِ مِنْهَا سَوْقُهُ الْهَدْيَ
أَوْ كَانَ قَارِنًا لَهَا مَعَ الْحَجَّةِ كَمَا نَذْكُرُهُ مِنَ
الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ كَانَ مُفْرِدًا لَهَا
عَنِ الْحَجَّةِ بِأَنْ أَوْقَعَهَا بَعْدَ قضاء الحجة قال وَهَذَا
هُوَ الَّذِي يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ بِالْإِفْرَادِ كَمَا هُوَ
الْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا عِنْدَ
ذِكْرِنَا إِحْرَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم كيف كان مفردا أو
متمتعا أَوْ قَارِنًا.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً
وَأَنَّهُ حج بعد ما هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ
وَبِمَكَّةَ أُخْرَى وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ. زَادَ الْبُخَارِيُّ
وَإِسْرَائِيلَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمْرِو بْنِ
عَبْدِ الله السبيعي عن زيد به وهذا الّذي قال أبو إسحاق من أنه عليه
السلام حَجَّ بِمَكَّةَ حَجَّةً أُخْرَى أَيْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ
يَقَعْ مِنْهُ بِمَكَّةَ إِلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ
لَفْظِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّهُ عليه السلام كَانَ بَعْدَ
الرِّسَالَةِ يَحْضُرُ مَوَاسِمَ الْحَجِّ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى
اللَّهِ وَيَقُولُ: «مَنْ رَجُلٌ يُؤْوِينِي حَتَّى أُبَلِّغَ كَلَامَ
رَبِّي فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ
رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ» حتى قيض الله جَمَاعَةَ الْأَنْصَارِ
يَلْقَوْنَهُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ أَيْ عَشِيَّةَ يَوْمِ النَّحْرِ
عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَتَالِيَاتٍ حَتَّى
إِذَا كَانُوا آخِرَ سَنَةٍ بَايَعُوهُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ
الثَّانِيَةِ وَهِيَ ثَالِثُ اجْتِمَاعِهِ لَهُمْ بِهِ ثُمَّ كَانَتْ
بَعْدَهَا الْهِجْرَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ
مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: أَقَامَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ
تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ
فَاجْتَمَعَ بِالْمَدِينَةِ بَشَرٌ كَثِيرٌ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي
الْقَعْدَةِ أَوْ لِأَرْبَعٍ فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
صَلَّى ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمَّا أَخَذَتْ بِهِ فِي
الْبَيْدَاءِ لَبَّى وَأَهْلَلْنَا لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ.
وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِطُولِهِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا
لَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طريق احمد بن حنبل عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
طَهْمَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمد به.
باب تاريخ خروجه عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ لِحَجَّةِ الْوَدَاعِ
بَعْدَ مَا اسْتَعْمَلَ عليها أبا دجانة سماك بن حرشة الساعدي، ويقال
سباع بن عرفطة الغفاريّ حكاهما عبد الملك بن هشام
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو الْقَعْدَةِ مِنْ
سَنَةِ عَشْرٍ تَجَهَّزَ لِلْحَجِّ، وَأَمَرَ
(5/110)
النَّاسَ بِالْجِهَازِ لَهُ فَحَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الْحَجِّ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي
الْقَعْدَةِ وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَرَوَى الْإِمَامُ مالك في
موطإه عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ
عَائِشَةَ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
نُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ
عَنْهَا وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصحيحين وسنن النسائي وابن ماجة ومصنف
ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
قالت: خرجنا مع رسول الله لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لَا
نُرَى إِلَّا الْحَجَّ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا مُوسَى بْنُ
عقبة أخبرنى كريب عن ابن عباس. قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ
وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ
مِنَ الْأَرْدِيَةِ وَلَا الْأُزُرِ إِلَّا الْمُزَعْفَرَةِ الَّتِي
تَرْدَعُ الْجِلْدِ [1] فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكِبَ
رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ وَذَلِكَ لِخَمْسٍ
بَقِينَ مِنْ ذي القعدة فقدم مكة لخمس خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فَقَوْلُهُ- وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ
مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ- إِنْ أَرَادَ بِهِ صَبِيحَةَ يَوْمِهِ بِذِي
الْحُلَيْفَةِ صَحَّ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ [2] فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَ
الْخَمِيسِ وَبَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ
وَأَصْبَحَ بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الْيَوْمُ الْخَامِسُ
والعشرين مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَإِنْ أَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ بقوله
وذلك لخمس من ذي القعدة يوم انطلاقه عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ
بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ كَمَا
قَالَتْ عَائِشَةُ وَجَابِرٌ إِنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ
لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ بَعُدَ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ
وَتَعَذَّرَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِغَيْرِهِ
وَلَمْ يَنْطَبِقْ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِنْ كَانَ
شَهْرُ ذِي الْقَعْدَةِ كَامِلًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خروجه
عليه السلام من المدينة كان يوم الجمعة لما روى الْبُخَارِيُّ
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا وُهَيْبٌ ثَنَا أَيُّوبُ
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: صَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ معه الظُّهْرَ
بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى
اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ الله عز وجل
وسبح ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
والنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ
بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ
سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ- يَعْنِي ابْنَ الْمُنْكَدِرِ-
وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ
بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
رَكْعَتَيْنِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو دواد
وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ محمد بن
المنذر وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَنَسٍ بِهِ. وَقَالَ
أَحْمَدُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ ثَنَا ابْنُ جريج عن محمد بن
المنذر عن أنس قال: صلى
__________
[1] الردع تغيير اللون الى الصفرة.
[2] في المصرية: قول ابن إسحاق.
(5/111)
بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ
بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
حَتَّى أَصْبَحَ فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ
أَهَلَّ. وَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المنذر التَّيْمِيُّ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ: قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فِي مَسْجِدِهِ
بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ صَلَّى بِنَا الْعَصْرَ بِذِي
الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ آمِنًا لَا يَخَافُ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ
وَهُمَا على شرط الصحيح وهذه ينفى كون خروجه عليه السلام يَوْمَ
الْجُمُعَةِ قَطْعًا وَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ
يَوْمَ الْخَمِيسِ كَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ لِأَنَّهُ كَانَ يَوْمَ
الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ
أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِمَا ثبت
بالتواتر والإجماع من أنه عليه السلام وَقَفَ بِعَرَفَةَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ وَهُوَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ بِلَا نِزَاعٍ، فَلَوْ
كَانَ خُرُوجُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ الرَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي
الْقَعْدَةِ لَبَقِيَ فِي الشَّهْرِ سِتُّ لَيَالٍ قَطْعًا لَيْلَةُ
الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ
وَالْأَرْبِعَاءِ فَهَذِهِ سِتُّ لَيَالٍ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَعَائِشَةُ وَجَابِرٌ إِنَّهُ خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي
الْقَعْدَةِ وَتَعَذَّرَ أَنَّهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ
فَتَعَيَّنَ على هذا أنه عليه السلام خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَ
السَّبْتِ وَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تَامًّا
فَاتَّفَقَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ نُقْصَانُهُ فَانْسَلَخَ يَوْمَ
الْأَرْبِعَاءِ وَاسْتَهَلَّ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ
الْخَمِيسِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ لِخَمْسٍ
بَقِينَ أَوْ أَرْبَعٍ وَهَذَا التَّقْرِيرُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ
لَا مَحِيدَ عنه ولا بد منه والله أعلم.
باب صفة خروجه عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ لِلْحَجِّ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثَنَا
أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ
نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ
وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُصَلِّي
فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ
بِبَطْنِ الْوَادِي وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ. تَفَرَّدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَزَّارُ وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ زريع عن هشام عن عروة عن ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ
أَنَسٍ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَجَّ
عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ وَتَحْتَهُ قَطِيفَةٌ وَقَالَ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ
فِيهَا وَلَا سُمْعَةَ. وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ
فَقَالَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المقدمي حدثنا يزيد بن
زريع عن عروة عن ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ قَالَ: حَجَّ أَنَسٌ عَلَى
رَحْلٍ رَثٍّ وَلَمْ يَكُنْ شَحِيحًا وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ
زَامِلَتَهُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَزَّارُ وَالْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا
مَقْطُوعَ الْإِسْنَادِ مِنْ أَوَّلِهِ وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ فَقَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ المقرئ أَنْبَأَنَا أَبُو
الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
(5/112)
إِسْحَاقَ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ
الْقَاضِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ فَذَكَرَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي
مُسْنَدِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. فَقَالَ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ
صَبِيحٍ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَجَّ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ
وَقَطِيفَةٍ تُسَاوِي- أَوْ لَا تُسَاوِي- أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ.
فَقَالَ: «اللَّهمّ حَجَّةً لَا رِيَاءَ فِيهَا» . وَقَدْ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حديث
وكيع ابن الْجَرَّاحِ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ بِهِ
وَهُوَ إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ
الرَّقَاشِيِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ
الْأَئِمَّةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا هَاشِمٌ ثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ:
صَدَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَمَرَّتْ بِنَا رُفْقَةٌ يَمَانِيَةٌ
ورحالهم الأدم وخطم إبلهم الخرز. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ أَحَبَّ
أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَشْبَهِ رُفْقَةٍ وَرَدَتِ الْعَامَ بِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِذْ
قَدِمُوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذِهِ
الرُّفْقَةِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ هَنَّادٍ عَنْ وَكِيعٍ عن
إسحاق عن سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عن أبيه عن
ابن عمر. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ وَأَبُو
زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ
وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالُوا ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
هُوَ الْأَصَمُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الله بن الْحَكَمِ
أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ الْكِنَانِيُّ- رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ
مِنْ مَوَالِيهِمْ- عَنْ بِشْرِ بْنِ قدامة الضبابي. قال: أبصرت عيناي
حبيبي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا
بِعَرَفَاتٍ مَعَ النَّاسِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ حَمْرَاءَ قَصْوَاءَ
تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ بَوْلَانِيَّةٌ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهمّ اجعلها
حجة غير رياء ولا مما [1] وَلَا سُمْعَةٍ» . وَالنَّاسُ يَقُولُونَ
هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ
ثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ. أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ
قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حجاجا حتى أدركنا بِالْعَرْجِ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَتْ عَائِشَةُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي
وَكَانَتْ زِمَالَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَزِمَالَةُ أَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً مَعَ غُلَامِ أَبِي
بَكْرٍ، فَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ يَنْتَظِرُ أن يطلع عليه فطلع عليه
وَلَيْسَ مَعَهُ بَعِيرُهُ. فَقَالَ: أَيْنَ بَعِيرُكَ؟ فَقَالَ
أَضْلَلْتُهُ الْبَارِحَةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعِيرٌ وَاحِدٌ تضله
فطفق يضر به وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَبْتَسِمُ وَيَقُولُ: «انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمُحْرِمِ وَمَا
يَصْنَعُ» . وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ بِهِ. فَأَمَّا
الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ
قَائِلًا حَدَّثَنَا إسماعيل بن حفص ثنا يحيى بن اليمان ثَنَا حَمْزَةُ
الزَّيَّاتُ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عن أبى الطفيل
__________
[1] كذا في المصرية وفي التيمورية ولا هما (كذا) ولم أقف على صحته. وفي
ترجمة بشر من الاصابة: اللَّهمّ غير رياء ولا سمعة.
(5/113)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ: حَجَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مُشَاةً
مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ قَدْ رَبَطُوا أَوْسَاطَهُمْ
وَمَشْيُهُمْ خِلْطُ الْهَرْوَلَةِ. فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ وَحَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ الزَّيَّاتُ ضَعِيفٌ
وَشَيْخُهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَقَدْ قَالَ الْبَزَّارُ لَا
يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ حَسَنًا
عِنْدَنَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي عُمْرَةٍ إِنْ ثَبَتَ
الحديث لأنه عليه السلام إِنَّمَا حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً وَكَانَ
رَاكِبًا وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ مُشَاةً.
قُلْتُ: وَلَمْ يَعْتَمِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ عُمَرِهِ مَاشِيًا لَا فِي الْحُدَيْبِيَةِ
وَلَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا الْجِعْرَانَةِ وَلَا فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ، وَأَحْوَالُهُ عليه السلام أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ مِنْ أَنْ
تَخْفَى عَلَى النَّاسِ بَلْ هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ شَاذٌّ لَا
يَثْبُتُ مثله والله أعلم.
فصل: تقدم أنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا
ثُمَّ رَكِبَ مِنْهَا إِلَى الْحُلَيْفَةِ وَهِيَ وَادِي الْعَقِيقِ
فَصَلَّى بِهَا الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَاءَ
الْحُلَيْفَةَ نَهَارًا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَصَلَّى بِهَا الْعَصْرَ
قَصْرًا وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ ثُمَّ
صَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَبَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ
فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ جَاءَهُ الْوَحْيُ مِنَ
اللَّيْلِ بِمَا يَعْتَمِدُهُ فِي الْإِحْرَامِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ مُوسَى
بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أُتِيَ فِي الْمُعَرَّسِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ
فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ. وَأَخْرَجَاهُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهِ وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ثَنَا الْوَلِيدُ وَبِشْرُ
بْنُ بَكْرٍ. قَالَا: ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنِي
عِكْرِمَةُ أَنَّهُ سمع ابن عباس أنه سمع ابن عمر يقول سمعت رسول الله
بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي
فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي
حَجَّةٍ» تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مسلم فالظاهر إن أمره عليه السلام
بِالصَّلَاةِ فِي وَادِي الْعَقِيقِ هُوَ أَمْرٌ بِالْإِقَامَةِ بِهِ
إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الظُّهْرِ لِأَنَّ الْأَمْرَ إِنَّمَا
جَاءَهُ فِي اللَّيْلِ وَأَخْبَرَهُمْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمْ
يَبْقَ إِلَّا صَلَاةُ الظُّهْرِ فَأُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَهَا هُنَالِكَ
وَأَنْ يُوقِعَ الْإِحْرَامَ بَعْدَهَا وَلِهَذَا قَالَ: أَتَانِي
اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا
الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ، وَقَدِ احْتُجَّ
بِهِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْقِرَانِ فِي الْحَجِّ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى
الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا سيأتي بيانه قريبا والمقصود أنه عليه
السلام أُمِرَ بِالْإِقَامَةِ بِوَادِي الْعَقِيقِ إِلَى صَلَاةِ
الظُّهْرِ وَقَدِ امْتَثَلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
ذَلِكَ فَأَقَامَ هُنَالِكَ وَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي تِلْكَ
الصَّبِيحَةِ وَكُنَّ تِسْعَ نِسْوَةٍ وَكُلُّهُنَّ خَرَجَ مَعَهُ ولم
يزل لك حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي
حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
ثُمَّ أَشْعَرَ بَدَنَتَهُ ثُمَّ رَكِبَ فَأَهَلَّ وَهُوَ عِنْدَ
مُسْلِمٍ. وَهَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ
ثَنَا أَشْعَثُ- هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا عَلَا
شَرَفَ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل
عَنْ أَشْعَثَ بِمَعْنَاهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْأَزْهَرِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
(5/114)
الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَشْعَثَ أَتَمَّ
مِنْهُ، وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ
ذَلِكَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ وَلَهُ أَنْ يَعْتَضِدَ بِمَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ رجل عن أنس أن رسول الله بات
بذي الحليفة حي أَصْبَحَ فَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ
حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ
وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَبُو
قِلَابَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ ثَنَا خَالِدٌ- يَعْنِي
ابْنَ الْحَارِثِ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إبراهيم بن محمد بن المنتشر سمعت
أبى يحدث عن عائشة أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ
ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَحُ طِيبًا.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَأَخْرَجَاهُ
مِنْ حَدِيثِ أبى عوانة زاد مسلم ومسعر وسفيان ابن سَعِيدٍ
الثَّوْرِيِّ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْتَشِرِ بِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ إبراهيم بن محمد
ابن الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عُمَرَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَطَيَّبُ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا. قَالَ:
مَا أُحِبُّ أَنِّي أُصْبِحُ مُحْرِمًا أنضح طيبا لأن أطلي القطران
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَقَالَتْ عائشة: أنا طيبت
رسول الله عِنْدَ إِحْرَامِهِ ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ
أَصْبَحَ مُحْرِمًا. وَهَذَا اللَّفْظُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ
يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتطيب
قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ عَلَى نِسَائِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَطْيَبَ
لِنَفْسِهِ وَأَحَبَّ إِلَيْهِنَّ، ثُمَّ لَمَّا اغْتَسَلَ مِنَ
الْجَنَابَةِ وَلِلْإِحْرَامِ تَطَيَّبَ أَيْضًا لِلْإِحْرَامِ طِيبًا
آخر. كما رواه الترمذي والنسائي مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ. وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ غَسَلَ
رَأْسَهُ بِخَطْمِيٍّ وَأُشْنَانٍ وَدَهَنَهُ بِشَيْءٍ مِنْ زَيْتٍ
غَيْرِ كَثِيرٍ. الْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
عُرْوَةَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ:
طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِحُرْمِهِ وَلِحِلِّهِ قُلْتُ لَهَا بِأَيِّ طِيبٍ؟
قَالَتْ بِأَطْيَبِ الطِّيبِ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ
وهب عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِهِ. وَقَالَ البخاري من حديث وهب ابن
يُوسُفَ أَنْبَأَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ
يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. وَقَالَ
مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أنبأنا محمد بن أبى بَكْرٍ
أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ يُخْبِرَانِهِ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ الله بِيَدَيَّ بِذَرِيرَةٍ
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي هَاتَيْنِ لِحُرْمِهِ حِينَ
أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
(5/115)
وَقَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ
مَنِيعٍ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ. قَالَا: ثَنَا هُشَيْمٌ
أَنْبَأَنَا مَنْصُورٌ عَنْ عبد الرحمن ابن الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يحرم ويحل وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ
أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ. وَقَالَ مُسْلِمٌ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ.
قَالَا:
ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ
فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ يُلَبِّي. ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ
وَغَيْرِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى
وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ
حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ
كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ
عَنْهَا. وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنِ
الْحَكَمِ بن إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ.
وَقَالَ أَبُو داود الطيالسي: أنبأنا أشعث عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ كَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي أُصُولِ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَفَّانُ ثَنَا حَمَّادٌ بن سلمة عن
إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النبي صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ
أَيَّامٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَقَالَ عَبْدُ الله بن الزبير الحميدي ثنا
سفيان ابن عُيَيْنَةَ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: رَأَيْتُ
الطيب في مفرق رسول الله بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَهَذِهِ
الْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ على أنه عليه السلام تَطَيَّبَ بَعْدَ
الْغُسْلِ إِذْ لَوْ كَانَ الطِّيبُ قَبْلَ الْغُسْلِ لَذَهَبَ بِهِ
الْغُسْلُ وَلَمَا بَقِيَ لَهُ أَثَرٌ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ الْإِحْرَامِ.
وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمُ: ابْنُ عُمَرَ إِلَى
كَرَاهَةِ التَّطَيُّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَقَدْ رَوَيْنَا هَذَا
الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَ
الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
بِشْرَانَ- بِبَغْدَادَ- أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ
ثَنَا عبد الرحمن بن ابى العمر ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
عَنْ عَائِشَةَ. أَنَّهَا قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَالِيَةِ الْجَيِّدَةِ عِنْدَ
إِحْرَامِهِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ عَزِيزُ الْمَخْرَجِ ثُمَّ انه
عليه السلام لَبَّدَ رَأْسَهُ لِيَكُونَ أَحْفَظَ لِمَا فِيهِ مِنَ
الطِّيبِ وَأَصْوَنَ لَهُ مِنَ اسْتِقْرَارِ التُّرَابِ وَالْغُبَارِ.
قَالَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ تَحِلَّ
أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ. قَالَ: «إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ
هدى فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» . وَأَخْرَجَاهُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنْ
نافع. قال الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ أَنْبَأَنَا
الْأَصَمُّ أَنْبَأَنَا يَحْيَى ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
الْقَوَارِيرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبد رأسه بالعسل. وهذا اسناد جيد
(5/116)
ثم أنه عليه السلام أَشْعَرَ الْهَدْيَ
وَقَلَّدَهُ وَكَانَ مَعَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ. قَالَ اللَّيْثُ عَنْ
عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ تَمَتَّعَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ
الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ
وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا مُعَاذُ
بْنُ هِشَامٍ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَى
ذَا الْحُلَيْفَةِ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ
سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ
ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ
الْأَرْبَعَةِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ قَتَادَةَ وَهَذَا يدل على أنه عليه
السلام تَعَاطَى هَذَا الْإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ بِيَدِهِ
الْكَرِيمَةِ فِي هَذِهِ الْبَدَنَةِ وَتَوَلَّى إِشْعَارَ بَقِيَّةِ
الْهَدْيِ وَتَقْلِيدَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ هَدْيٌ كَثِيرٌ
إِمَّا مِائَةُ بَدَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا بِقَلِيلٍ وَقَدْ ذَبَحَ
بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَأَعْطَى
عَلِيًّا فَذَبَحَ مَا غَبَرَ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ عَلِيًّا
قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَفِي سِيَاقِ ابْنِ إسحاق أنه عليه السلام أَشْرَكَ
عَلِيًّا فِي بُدْنِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ
ذَبَحَ هُوَ وَعَلِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَعَلَى
هَذَا يَكُونُ قَدْ سَاقَهَا مَعَهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَقَدْ
يَكُونُ اشْتَرَى بعضها بعد ذلك وهو محرم.
بَابُ بَيَانِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَهَلَّ مِنْهُ عَلَيْهِ السلام
وَاخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ لِذَلِكَ وَتَرْجِيحِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ
ذكر من قال إنه عليه السلام أَحْرَمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِذِي
الْحُلَيْفَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ
تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ
الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: أَتَانِي آتٍ مِنْ
رَبِّي فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ
عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ بَابُ الْإِهْلَالِ
عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ ثَنَا سُفْيَانُ ثَنَا مُوسَى بْنُ عقبة سمعت سالم بن عبد
الله. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَاهُ يَقُولُ: مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَلَا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ- يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي
الْحُلَيْفَةِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ
طرق عن موسى ابن عُقْبَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر فذكره. وزاد فقال
لَبَّيْكَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى
بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ:
بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ التي تكذبون فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أهلّ رسول الله مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا كَمَا يَأْتِي فِي
الشِّقِّ الْآخَرِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ
جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ قَالَ وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ
بِهِ رَاحِلَتُهُ.
(5/117)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي خُصَيْفُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
قَالَ قُلْتُ: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَا أَبَا الْعَبَّاسِ
عَجَبًا لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَوْجَبَ. فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ
النَّاسِ بِذَلِكَ إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة وَاحِدَةٌ فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا،
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا
فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ
أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ
رَكْعَتَيْهِ فسمع ذلك منه قوم فَحَفِظُوا عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ
فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ
مِنْهُ أَقْوَامٌ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ
أَرْسَالًا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ
فَقَالُوا إِنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ
نَاقَتُهُ، ثم مضى رسول الله فَلَمَّا عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ
أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَقَالُوا إِنَّمَا
أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ، وَايْمُ
اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ، وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ
بِهِ نَاقَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ. فَمَنْ
أخذ بقول عبد الله بن عباس [انه] أَهَلَّ فِي مُصَلَّاهُ إِذَا فَرَغَ
مِنْ رَكْعَتَيْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ
خُصَيْفٍ بِهِ نَحْوَهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا
نعرف أحد رَوَاهُ غَيْرَ عَبْدِ السَّلَامِ كَذَا قَالَ وَقَدْ
تَقَدَّمَ رِوَايَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ محمد ابن
إِسْحَاقَ عَنْهُ- وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ
الْحَاكِمِ عَنِ الْقَطِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ
أَبِيهِ ثُمَّ قَالَ خُصَيْفٌ الْجَزَرِيُّ غَيْرُ قَوِيٍّ، وَقَدْ
رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ:
إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ مُتَابَعَةُ الْوَاقِدِيِّ
وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي وَرَدَتْ في ذلك عن عمر وغيره مسانيدها
قَوِيَّةٌ ثَابِتَةٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قُلْتُ فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ فِيهِ جَمْعٌ لِمَا بين
الأحاديث من الاختلاف وبسط لعذر من نَقَلَ خِلَافَ الْوَاقِعِ وَلَكِنْ
فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ
عُمَرَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ
وَنُبَيِّنُهُ وَهَكَذَا ذَكَرَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ عليه السلام
أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا هشام بْنُ يُوسُفَ
أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ. وَقَدْ رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ
أَنَسٍ وَثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ
سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ. قَالَ: وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ الله
يهل حتى تنبعث به راحلته واخرجا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ
ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ
أَبِيهِ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
ثُمَّ يُهِلُّ حِينَ تَسْتَوِي بِهِ قَائِمَةً. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
بَابُ مَنْ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ حَدَّثَنَا أَبُو
عَاصِمٍ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ
نَافِعٍ
(5/118)
عن ابن عمر. قَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ
قَائِمَةً. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ. وَقَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ
وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ ذِي
الْحُلَيْفَةِ. انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ بَابُ الْإِهْلَالِ
مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ. قَالَ: كان ابن عمر إذ
صَلَّى الْغَدَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ
فَرُحِلَتْ ثُمَّ رَكِبَ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ
الْقِبْلَةَ قَائِمًا ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ، ثُمَّ
يُمْسِكُ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ،
فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ اغْتَسَلَ، وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ
تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ فِي الْغُسْلِ. وَقَدْ عَلَّقَ
الْبُخَارِيُّ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَسْنَدَهُ فِيهِ
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ
هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ
عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَعَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ
عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيد ثلاثتهم عن أيوب عن أَبِي تَمِيمَةَ
السَّخْتِيَانِيِّ بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ
الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ ثَنَا فُلَيْحٌ
عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كان ابن عمر إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى
مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ ثُمَّ
يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِذَا
اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ، ثُمَّ قَالَ هَكَذَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ.
تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ
عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ
الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فِيهَا وَاللَّهِ مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا من عند الشجرة حِينَ قَامَ بِهِ
بَعِيرُهُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَجْمَعُ بَيْنَ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ الْأُولَى
وَهَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِحْرَامَ كَانَ مِنْ
عِنْدِ المسجد ولكن بعد ما رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ عَلَى
الْبَيْدَاءِ يَعْنِي الْأَرْضَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى
الْمَكَانِ الْمَعْرُوفِ بِالْبَيْدَاءِ، ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا فضيل ابن سُلَيْمَانَ ثَنَا مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ عن عبد الله بن عباس قَالَ: انْطَلَقَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ
بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزاره ورداءه هو وأصحابه ولم
يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَرْدِيَّةِ وَالْأُزُرِ تُلْبَسُ إلا
المزعفرة التي تردع على الجلد، فأصبح بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكِبَ
رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ
وَأَصْحَابُهُ وَقَلَّدَ بُدْنَهُ وَذَلِكَ لخمس بقين مِنْ ذِي
الْحِجَّةِ. فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يُحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ لانه قلدها، لم تزل
بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجُونِ وَهُوَ مُهِلٌ بِالْحَجِّ وَلَمْ
يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ
عَرَفَةَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ ثُمَّ
يُحِلُّوا، وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا،
وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِيَ لَهُ حَلَالٌ
(5/119)
وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ. انْفَرَدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ بَهْزِ بْنِ
أَسَدٍ وَحَجَّاجٍ وَرَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ
كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ
أَبَا حَسَّانَ الْأَعْرَجَ الْأَجْرَدَ وَهُوَ مُسْلِمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْبَصْرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِذِي
الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دَعَا بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ صَفْحَةَ
سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا نعلين،
ثم دعا براحلته فلما استوت عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ هُشَيْمٍ أَنْبَأَنَا أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ
شُعْبَةُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا
عَنْ رَوْحٍ وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَوَكِيعِ بْنِ
الْجَرَّاحِ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ
بِهِ نَحْوَهُ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
وَأَهْلُ السُّنَنِ فِي كُتُبِهِمْ فَهَذِهِ الطُّرُقُ عَنِ ابن عباس
من أنه عليه السلام أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَصَحُّ
وَأَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ خُصَيْفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ الْمُثْبِتَةُ الْمُفَسِّرَةُ أَنَّهُ أَهَلَّ
حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ الرَّاحِلَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُخْرَى
لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ حِينَ
اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَيَكُونُ رِوَايَةُ رُكُوبِهِ
الرَّاحِلَةَ فِيهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى الْأُخْرَى وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَرِوَايَةُ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ سَالِمَةٌ عَنِ الْمُعَارِضِ
وَهَكَذَا رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
مِنْ طَرِيقِ جعفر الصادق عن أبيه عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ زَيْنِ
الْعَابِدِينَ عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ الَّذِي
سَيَأْتِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ سَالِمَةٌ عَنِ الْمُعَارِضِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ سَمِعْتُ عَطَاءً
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ إهلال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ
بِهِ رَاحِلَتُهُ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ
سَعْدٍ. قَالَتْ قَالَ سَعْدٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ طَرِيقَ الْفُرْعِ أَهَلَّ إِذَا
اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وإذا أخذ طريقا أخرى أَهَلَّ إِذَا
عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ. فَرَوَاهُ أبو دواد وَالْبَيْهَقِيُّ
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَفِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. فَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى الْقَطْعِ أَوِ
الظَّنِّ الْغَالِبِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السلام أحرم بعد الصلاة وبعد ما
رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَابْتَدَأَتْ بِهِ السَّيْرَ زَادَ ابْنُ عمر في
روايته وهو مستقبل القبلة.
بَابُ بَسْطِ الْبَيَانِ لِمَا أَحْرَمَ بِهِ عَلَيْهِ السلام في حجته
هذه من الافراد أو التمتع أو القران ذكر الأحاديث الواردة بانه عليه
السلام كَانَ مُفْرِدًا
رِوَايَةُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ. قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: أَنْبَأَنَا
مَالِكٌ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَفْرَدَ الْحَجَّ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ
(5/120)
عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ وَيَحْيَى بْنِ
يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنِي الْمُنْكَدِرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الحج. وقال الإمام احمد
ثنا شريح ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ.
وَعَنْ هِشَامِ ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَنْهَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ
حَمَّادٍ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ. وَقَالَ:
حَدَّثَنَا رَوْحٌ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ- وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ
عُرْوَةَ- عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
أَهَلَّ بِالْحَجِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا ثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ. قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَمِنَّا
مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ وَأَهَلَّ رَسُولُ الله بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ
أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فَأَحَلُّوا حِينَ طَافُوا بِالْبَيْتِ
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ
بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يُحِلُّوا إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ
والقعيني وإسماعيل ابن أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَقَالَ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَأَهَلَّ نَاسٌ
بِالْعُمْرَةِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ نَحْوَهُ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ
أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ
مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَبْدَأَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ الْحَجِّ فَلْيَفْعَلْ،
وَأَفْرَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْحَجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ. فَإِنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ
وَلَكِنْ لَفْظُهُ فِيهِ نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَلَمْ
يَعْتَمِرْ. فَإِنْ أُرِيدَ بِهَذَا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ مَعَ
الْحَجِّ ولا قبله هو قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْإِفْرَادِ وَإِنْ
أُرِيدَ أنه لم يَعْتَمِرْ. فَإِنْ أُرِيدَ بِهَذَا أَنَّهُ لَمْ
يَعْتَمِرْ مع الحج ولا قبله هو قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْإِفْرَادِ
وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ بِالْكُلِّيَّةِ لَا قَبْلَ
الْحَجِّ وَلَا مَعَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ
أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِهِ ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا
صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي
الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ. وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ
هَذَا فِي فَصْلِ الْقِرَانِ مُسْتَقْصًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَائِلًا
فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا رَوْحٌ ثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي
الْأَخْضَرِ ثَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ
عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:
أهل رسول الله بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
وَسَاقَ مَعَهُ الهدى، وأهل ناس معه بِالْعُمْرَةِ وَسَاقُوا
الْهَدْيَ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَلَمْ يَسُوقُوا هَدْيًا.
قَالَتْ
(5/121)
عَائِشَةُ: وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ
بِالْعُمْرَةِ وَلَمْ أَسُقْ هَدْيًا، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَ] : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ
أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ فَلْيَطُفْ
بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا يَحِلُّ مِنْهُ شَيْءٌ
حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ وَيَنْحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ
النَّحْرِ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَلَمْ يَسُقْ
مَعَهُ هَدْيًا فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
ثُمَّ لْيُقَصِّرْ وَلْيُحْلِلْ ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالْحَجِّ
وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي
الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ
فقدّم رسول الله الْحَجَّ الَّذِي خَافَ فَوْتَهُ وَأَخَّرَ
الْعُمْرَةَ. فَهُوَ حَدِيثٌ مِنْ أَفْرَادِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَفِي
بَعْضِ أَلْفَاظِهِ نَكَارَةٌ وَلِبَعْضِهِ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحِ،
وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ لَيْسَ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِ
الزُّهْرِيِّ لَا سِيَّمَا إِذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ كَمَا هَاهُنَا
فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ سِيَاقِهِ هَذَا. وَقَوْلُهُ فَقَدَّمَ الْحَجَّ
الَّذِي يَخَافُ فَوْتَهُ وَأَخَّرَ الْعُمْرَةَ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ
أَوَّلِ الْحَدِيثِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنْ أَرَادَ
أَنَّهُ أَهَلَّ بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ وَقَدَّمَ أَفْعَالَ الْحَجِّ
ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ
ذَهَبَ إِلَى الْإِفْرَادِ فَهُوَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ هَاهُنَا،
وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ بِالْكُلِّيَّةِ بَعْدَ
إِحْرَامِهِ بِهَا فَهَذَا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ
صَارَ إِلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ الْمَقْضِيُّ بِأَفْعَالِ
الْحَجِّ عَنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَدَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي
الْحَجِّ، فَهَذَا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقِرَانِ وَهُمْ
يُؤَوِّلُونَ قَوْلَ مَنْ رَوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ أَفْرَدَ الْحَجَّ أَيْ أَفْرَدَ أَفْعَالَ الْحَجِّ
وَإِنْ كَانَ قَدْ نَوَى مَعَهُ الْعُمْرَةَ قَالُوا لِأَنَّهُ قَدْ
رَوَى الْقِرَانَ كُلُّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ كَمَا سَيَأْتِي
بَيَانُهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْإِفْرَادِ. قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا الْأَعْمَشُ
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ:
أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حجته بِالْحَجِّ.
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
الْجَبَّارِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ. قَالَ: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ فِي حَجَّتِهِ
بِالْحَجِّ لَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ غَرِيبَةٌ
جِدًّا وَرِوَايَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَحْفَظُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ
بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ. قَالَ: وأهللنا بِالْحَجِّ
لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ
هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ الدراوَرْديّ وَحَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ
كِلَاهُمَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ
الْحَجَّ، وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ثَنَا حَبِيبٌ- يَعْنِي
الْمُعَلِّمَ- عَنْ عَطَاءٍ حَدَّثَنِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ هُوَ
وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ لَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ إِلَّا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلْحَةَ وَذَكَرَ
تَمَامَ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِطُولِهِ كَمَا
سَيَأْتِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِلْإِفْرَادِ. قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا عَبَّادٌ-
يَعْنِي ابن عباد- حَدَّثَنِي عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: أَهْلَلْنَا مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ
عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
(5/122)
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ
مُفْرَدًا. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ ثَنَا الحسن
ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ. قَالَا: ثَنَا
بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العزيز بن زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ- يَعْنِي مُفْرَدًا-
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلْإِفْرَادِ. رَوَى الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَنَّهُ قَالَ: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ، فَقَدِمَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي
الْحِجَّةِ فَصَلَّى بِنَا الصُّبْحَ بِالْبَطْحَاءِ. ثُمَّ قَالَ:
مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَجْعَلْهَا. ثُمَّ قَالَ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إبراهيم بن دينار عن ابن رَوْحٍ وَتَقَدَّمَ
مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صلى الظهر بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ أَتَى بِبَدَنَةٍ فَأَشْعَرَ
صَفْحَةَ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ ثُمَّ أَتَى بِرَاحِلَتِهِ
فَرَكِبَهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ
بِالْحَجِّ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا. وَقَالَ الْحَافِظُ
أَبُو الحسن الدار قطنى ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا
أَبُو هِشَامٍ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا أَبُو حَصِينٍ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ:
حَجَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَجَرَّدَ، وَمَعَ عُمَرَ فَجَرَّدَ،
وَمَعَ عُثْمَانَ فَجَرَّدَ تَابَعَهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي حَصِينٍ
وَهَذَا إِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ
هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ
هَذَا عَنْ تَوْقِيفٍ وَالْمُرَادُ بِالتَّجْرِيدِ هَاهُنَا
الْإِفْرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الدار قطنى ثنا أبو عبيد
الله الْقَاسِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ. قَالَا:
ثنا عليّ بن محمد بن معاوية الرزاز ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٌ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ
عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى الْحَجِّ فَأَفْرَدَ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ
أَبَا بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ فَأَفْرَدَ الْحَجَّ، ثُمَّ حَجَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ عَشْرٍ
فَأَفْرَدَ الْحَجَّ، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستخلف أَبُو بَكْرٍ فَبَعَثَ عُمَرَ فَأَفْرَدَ
الْحَجَّ، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَأَفْرَدَ الْحَجَّ، وَتُوُفِّيَ
أَبُو بَكْرٍ وَاسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَبَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
عوف فأفرد الحج، ثم حج فَأَفْرَدَ الْحَجَّ، ثُمَّ حُصِرَ عُثْمَانُ
فَأَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لِلنَّاسِ فَأَفْرَدَ
الْحَجَّ. فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ
وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ لَهُ شَاهِدٌ
باسناد صحيح.
ذَكَرَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَجَّ
مُتَمَتِّعًا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ثَنَا لَيْثٌ
حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
بالعمرة الى الحج، وأهل فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ،
وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ
بِالْعُمْرَةِ ثم أهل بالحج، وكان مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ
الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ.
فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا
يُحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حتى يقضى حجه ومن لم يكن أَهْدَى
فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ
(5/123)
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ
وَلْيُحْلِلْ ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ فَمَنْ لَمْ
يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ
إِلَى أَهْلِهِ» . وَطَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ قدم مكة، استلم [الحجر] أول شيء ثم خب ثلاثة أشواط
مِنَ السَّبْعِ وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى
طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ
فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ
لَمْ يُحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ
وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النحر وأفاض فطاف بالبيت، وَفَعَلَ مِثْلَ
مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ
أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ثَنَا لَيْثٌ حَدَّثَنِي عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَتَمَتُّعِ النَّاسِ معه
بمثل الّذي أخبرنى سالم ابن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهُ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَوَى
هَذَا الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ،
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنِ
اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ محمد بن عبد الله ابن
الْمُبَارَكِ الْمُخَرَّمِيِّ عَنْ حُجَيْنِ بْنِ الْمُثَنَّى
ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ
عَلَى كُلٍّ مِنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، أَمَّا قَوْلُ
الْإِفْرَادِ فَفِي هَذَا إِثْبَاتُ عُمْرَةٍ إِمَّا قَبْلَ الْحَجِّ
أَوْ مَعَهُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ التَّمَتُّعِ الْخَاصِّ
فَلِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحِلَّ من إحرامه بعد ما طَافَ
بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَلَيْسَ هَذَا شَأْنَ الْمُتَمَتِّعِ،
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا مَنَعَهُ مِنَ التَّحَلُّلِ سَوْقُ
الْهَدْيِ كَمَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ
حَفْصَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ
حَلُّوا مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ
فَقَالَ إني لبدت رأسي وقلدت هدى فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ.
فَقَوْلُهُمْ بِعِيدٌ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي
إِثْبَاتِ الْقِرَانِ تَرُدُّ هَذَا القول وتأبى كونه عليه السلام
إِنَّمَا أَهَلَّ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ بَعْدَ سَعْيِهِ
بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَإِنَّ هَذَا عَلَى
هَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بَلْ
وَلَا حَسَنٍ وَلَا ضَعِيفٍ. وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ:
تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، إِنْ أُرِيدَ
بِذَلِكَ التَّمَتُّعُ الْخَاصُّ وَهُوَ الَّذِي يُحِلُّ مِنْهُ بَعْدَ
السَّعْيِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ مَا
يَرُدُّهُ ثُمَّ في إثبات العمرة المقارنة لحجة عليه السلام مَا
يَأْبَاهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّمَتُّعُ الْعَامُّ دَخَلَ فِيهِ
الْقِرَانُ وَهُوَ الْمُرَادُ. وَقَوْلُهُ: وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ
أَهَلَّ بِالْحَجِّ، إِنْ أُرِيدَ بِهِ بَدَأَ بِلَفْظِ الْعُمْرَةِ
عَلَى لَفْظِ الْحَجِّ بِأَنْ قَالَ لَبَّيْكَ اللَّهمّ عُمْرَةً
وَحَجًّا فَهَذَا سَهْلٌ وَلَا يُنَافِي الْقِرَانَ وَإِنْ أُرِيدَ
بِهِ أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا
الْحَجَّ متراخ وَلَكِنْ قَبْلَ الطَّوَافِ قَدْ صَارَ قَارِنًا
أَيْضًا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ
فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِهَا تَحَلَّلْ أَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ بِسَوْقِ
الْهَدْيِ كَمَا زَعَمَهُ زَاعِمُونَ وَلَكِنَّهُ أَهَلَّ بِحَجٍّ
بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى مِنًى،
فَهَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا قَدَّمْنَا،
وَمَنِ ادَّعَاهُ مِنَ النَّاسِ فَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ لِعَدَمِ
نَقْلِهِ وَمُخَالَفَتِهِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ في
(5/124)
إِثْبَاتِ الْقِرَانِ كَمَا سَيَأْتِي،
بَلْ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْإِفْرَادِ كَمَا سَبَقَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ حَدِيثَ
اللَّيْثِ هَذَا عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ يروى مِنَ الطَّرِيقِ الْأُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ حِينَ
أفرد الحج ومن مُحَاصَرَةِ الْحَجَّاجِ لِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقِيلَ
لَهُ إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ فَلَوْ أَخَّرْتَ
الْحَجَّ عامك هذا. فقال: إذا أَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي زَمَنَ حُصِرَ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحَرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ
لَمَّا عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ قَالَ مَا أَرَى أَمْرَهُمَا إِلَّا
وَاحِدًا فَأَهَلَّ بِحَجٍّ مَعَهَا فَاعْتَقَدَ الرَّاوِي أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا فَعَلَ
سَوَاءً، بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ
فَرَوَوْهُ كَذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَنُبَيِّنُهُ وَبَيَانُ
هَذَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ
أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ نَافِعًا
حَدَّثَهُمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ فِي الْفِتْنَةِ
[1] مُعْتَمِرًا وَقَالَ إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا
صَنَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَسَارَ
حَتَّى إِذَا ظَهَرَ عَلَى ظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ الْتَفَتَ إِلَى
أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ
أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ، فَخَرَجَ حَتَّى
جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ بِهِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
سَبْعًا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، ورأى أن ذلك مجزيا عنه وأهدى. وقد أخرجه
صاحب الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ
عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ بِهِ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ
نَافِعٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَفِيهِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: هَكَذَا
فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِيمَا
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا
لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ
نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ
كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ. قَالَ:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حسنة إِذًا أَصْنَعُ
كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. ثُمَّ خَرَجَ
حَتَّى إِذَا كَانَ بظاهر البيداء قال ما أرى شأن الحج والعمرة إلا
واحدا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي فَأَهْدَى
هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ
يَنْحَرْ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ وَلَمْ يَحْلِقْ
وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ،
وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ
الْأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عن
نافع: أن ابن عمر دخل [عليه] ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ وَظَهْرُهُ في المدار فَقَالَ: إِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ
الْعَامَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ فَيَصُدُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ فَلَوْ
أَقَمْتَ. قَالَ: قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ،
فَإِنْ يُحَلْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفْعَلْ كَمَا فَعَلَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، إِذًا أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي
أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا ثُمَّ
قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا. وَهَكَذَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ
أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ به.
ورواه مسلم من حديثهما
__________
[1] في الأصل (في السه) هكذا ولعل الصواب ما كتبناه.
(5/125)
عَنْ أَيُّوبَ بِهِ. فَقَدِ اقْتَدَى ابْنُ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّحَلُّلِ عِنْدَ حَصْرِ الْعَدُوِّ
وَالِاكْتِفَاءِ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ عَنِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ لِيَكُونَ
مُتَمَتِّعًا فَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ حَصْرٌ فَجَمَعَهُمَا وَأَدْخَلَ
الحج قبل الْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ فَصَارَ قَارِنًا، وَقَالَ:
مَا أَرَى أَمْرَهُمَا إِلَّا وَاحِدًا- يَعْنِي لَا فَرْقَ بَيْنَ
أَنْ يُحْصَرَ الْإِنْسَانُ عَنِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ أَوْ
عَنْهُمَا- فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ اكْتَفَى عَنْهُمَا بِطَوَافِهِ
الْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السياق الأول الّذي أفردناه، وَهُوَ
قَوْلُهُ: وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي أَنَّهُ اكْتَفَى
عَنِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ- يَعْنِي بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ
عُمَرَ رَوَى الْقِرَانَ وَلِهَذَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ
مُوسَى عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَرَنَ الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، ثُمَّ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ الرَّقِّيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أمية، وأيوب بن موسى، وأيوب
السختياني، وعبد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ:
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ
فَخَشِيَ أَنْ يُصَدَّ عَنِ الْبَيْتِ. فَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ
مِنْ إِدْخَالِهِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَصَيْرُورَتِهِ
قَارِنًا.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ ابْنِ
عُمَرَ إِذًا أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلَهُ كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اعْتَقَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ
ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَأَدْخَلَهُ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّوَافِ
فَرَوَاهُ بِمَعْنَى مَا فَهِمَ، وَلَمْ يُرِدِ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ
وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ،
ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا ثُمَّ
أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ قَبْلَ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ
قَارِنًا لَا مُتَمَتِّعًا التَّمَتُّعَ الْخَاصَّ فَيَكُونُ فِيهِ
دَلَالَةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ وَاللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
فِي صَحِيحِهِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا هَمَّامٌ
عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ عِمْرَانَ. قَالَ:
تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ.
فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عبد
الصمد ابن عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ،
وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُتْعَةُ الَّتِي أَعَمُّ مِنَ الْقِرَانِ
وَالتَّمَتُّعِ الْخَاصِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ
عَنِ مُطَرِّفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِمْرَانَ
بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَذَكَرَ تَمَامَ
الْحَدِيثِ.
وَأَكْثَرُ السَّلَفِ يُطْلِقُونَ الْمُتْعَةَ عَلَى الْقِرَانِ كَمَا
قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. قَالَ: اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُمَا بِعُسْفَانَ في المتعة، فقال عليّ:
ما تريد الى أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ أَيْضًا عَنْ الحكم بن عيينة عن على ابن الْحُسَيْنِ عَنْ
مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْهُمَا بِهِ. وَقَالَ عَلِيٌّ: مَا كُنْتُ
لِأَدَعَ سُنَّةَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِقَوْلِ
(5/126)
أحد من الناس. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ شُعْبَةَ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
شَقِيقٍ عَنْهُمَا فقال له على: لقد علمت إنما تَمَتَّعْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ أَجَلْ!
وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مخراق
المقبري سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ أَصْحَابُهُ
بحج فلم يحل رسول الله وَلَا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ
وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ. فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ
فِي مُسْنَدِهِ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مسلم
المقبري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ- وَفِي رِوَايَةِ أَبِي
دَاوُدَ- أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ فَمَنْ
كَانَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتْعَةُ هَدْيٍ حَلَّ وَمَنْ كَانَ
مَعَهُ هَدْيٌ لَمْ يَحِلَّ الْحَدِيثَ. فَإِنْ صَحَّحْنَا
الرِّوَايَتَيْنِ جَاءَ الْقِرَانُ وَإِنْ تَوَقَّفْنَا فِي كُلٍّ
مِنْهُمَا وَقَفَ الدَّلِيلُ، وَإِنْ رَجَّحْنَا رِوَايَةَ مُسْلِمٍ
فِي صَحِيحِهِ فِي رِوَايَةِ الْعُمْرَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَوَى الْإِفْرَادَ وَهُوَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ
فَتَكُونُ هَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْحَجِّ فَيَجِيءُ الْقَوْلُ
بِالْقِرَانِ لَا سِيَّمَا وَسَيَأْتِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ
وَمُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ عُمْرَةٌ
اسْتَمْتَعْنَا بِهَا فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ
الْحِلَّ كله فَقَدْ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ
وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي
جَمْرَةَ قَالَ: تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ فَسَأَلْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ فَأَمَرَنِي بِهَا فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا
يَقُولُ حَجٌّ مَبْرُورٌ وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَخْبَرْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَوَاتُ
اللَّهِ وَسَلَامُهُ عليه، والمراد بالمتعة هاهنا القران. وقال القعيني
وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَامَ حَجَّ
مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَذْكُرُ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَجِّ. فَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ
جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ. فَقَالَ سَعْدٌ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ
أَخِي فَقَالَ الضَّحَّاكُ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ
يَنْهَى عَنْهَا. فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ. وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ صَحِيحٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُعْتَمِرِ
بْنِ سُلَيْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ حَدَّثَنِي غُنَيْمُ بْنُ قَيْسٍ سَأَلْتُ
سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ: عَنِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَجِّ قَالَ فَعَلْتُهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ فِي الْعُرُشِ- يَعْنِي
مَكَّةَ- وَيَعْنِي بِهِ مُعَاوِيَةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَمَرْوَانَ
الْفَزَارِيِّ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ سَمِعْتُ
غُنَيْمَ بْنَ قَيْسٍ سَأَلْتُ سَعْدًا عَنِ الْمُتْعَةِ فَقَالَ: قَدْ
فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ. وَفِي رِوَايَةِ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ- يَعْنِي مُعَاوِيَةَ- وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ
بَابِ إِطْلَاقِ التَّمَتُّعِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ
التَّمَتُّعِ الْخَاصِّ وَهُوَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ
وَالْفَرَاغُ مِنْهَا ثُمَّ الْإِحْرَامُ
(5/127)
بِالْحَجِّ وَمِنَ الْقِرَانِ بَلْ كَلَامُ
سَعْدٍ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِطْلَاقِ التَّمَتُّعِ عَلَى
الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اعْتَمَرُوا
وَمُعَاوِيَةُ بَعْدُ كَافِرٌ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْحَجِّ إِمَّا
عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ وَهُوَ
الْأَشْبَهُ، فَأَمَّا عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ فَقَدْ كَانَ
مُعَاوِيَةُ أَسْلَمَ مَعَ أَبِيهِ لَيْلَةَ الْفَتْحِ وَرُوِّينَا
أَنَّهُ قَصَّرَ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ فِي بَعْضِ عُمَرِهِ وَهِيَ عُمْرَةُ
الْجِعْرَانَةِ لَا مَحَالَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أنه عليه السلام كَانَ قَارِنًا
وَسَرْدُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ
رِوَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي
كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي
عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ
عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ. وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ المقبري ببغداد أنبأنا
احمد بن سليمان قَالَ قُرِئَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدٍ
وَأَنَا أَسْمَعُ حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الْهَرَوِيُّ ثَنَا عَلِيُّ
بْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ثَنَا عِكْرِمَةُ
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: أتانى جبرائيل
عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَا بِالْعَقِيقِ فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا
الْوَادِي الْمُبَارَكِ رَكْعَتَيْنِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ
فَقَدْ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ
الْهَرَوِيِّ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثنا هاشم ثَنَا سَيَّارٌ
عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ نَصْرَانِيًّا يُقَالُ لَهُ
الصُّبَيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، فَأَرَادَ الْجِهَادَ فَقِيلَ لَهُ ابْدَأْ
بِالْحَجِّ فَأَتَى الْأَشْعَرِيَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا فَفَعَلَ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُلَبِّي إِذْ
مَرَّ بِزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ. فَقَالَ
أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ،
فَسَمِعَهَا الصُّبَيُّ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَدِمَ
أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ وَسَمِعْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى يَقُولُ وُفِّقْتَ
لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ
عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنِ الصُّبَيِّ
بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَهُ. وَقَالَ:
إِنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا شَيْئًا، هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ بِهِ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ
أَبِي وَائِلٍ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ
أَبِي لُبَابَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ قَالَ: الصُّبَيُّ بْنُ
مبعد كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فأهلكت بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَسَمِعَنِي
زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَنَا أُهِلَّ
بِهِمَا. فَقَالَا: لَهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ،
فَكَأَنَّمَا حُمِّلَ عَلَيَّ بِكَلِمَتِهِمَا جَبَلٌ، فَقَدِمْتُ
عَلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَلَامَهُمَا
وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَبْدَةُ قال أبو وائل كثيرا ما
ذهبت وأنا مسروق الى الصبىّ
(5/128)
ابن مَعْبَدٍ [1] نَسْأَلُهُ عَنْهُ
وَهَذِهِ أَسَانِيدٌ جَيِّدَةٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ. وَقَدْ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ
عَنِ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ
فِي كتاب الحج من سننه حدثنا محمد ابن عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ
شَقِيقٍ ثَنَا أَبِي عن جمرة السُّكَّرِيِّ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ.
أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُتْعَةِ
وَإِنَّهَا لَفِي كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
رِوَايَةُ أَمِيرَيِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ. قَالَ: اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ بِعُسْفَانَ
وَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ أَوِ الْعُمْرَةِ فَقَالَ:
عَلِيٌّ مَا تُرِيدُ إِلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْهَى عَنْهُ. فَقَالَ عُثْمَانُ دَعْنَا
مِنْكَ. هَكَذَا رواه الامام الأحمد مُخْتَصَرًا. وَقَدْ أَخْرَجَاهُ
فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ
عَنْ سَعِيدٍ بْنِ الْمُسَيَّبِ. قَالَ اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ
وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ. فَقَالَ: عَلِيٌّ مَا تُرِيدُ
الى أين تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا وَهَكَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يسار ثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ
عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ
الْحَكَمِ. قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَعُثْمَانُ يَنْهَى
عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ
أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ. قَالَ: مَا كُنْتُ
لِأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِقَوْلِ أَحَدٍ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ
وَمِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ الْحُسَيْنِ بِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ كَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ
وَعَلِيٌّ يَأْمُرُ بِهَا. فَقَالَ: عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ إِنَّكَ
لَكَذَا وَكَذَا. ثُمَّ قَالَ: عَلِيٌّ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا
تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: أَجَلْ وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ شُعْبَةَ فَهَذَا اعْتِرَافٌ من عثمان رضى الله بما رواه على
رضى الله عنهما وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَحْرَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ وأمره
عليه السلام أَنْ يَمْكُثَ حَرَامًا وَأَشْرَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَدْيِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالسُّقْيَا وَهُوَ يَنْجَعُ بَكَرَاتٍ لَهُ
دَقِيقًا وَخَبَطًا فَقَالَ: هَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَنْهَى
عَنْ أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَخَرَجَ عَلِيٌّ
وَعَلَى يده أمر الدَّقِيقِ وَالْخَبَطِ- مَا أَنْسَى أَثَرَ
الدَّقِيقِ وَالْخَبَطِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ- حَتَّى دَخَلَ عَلَى
عُثْمَانَ. فَقَالَ: أَنْتَ تَنْهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ. فَقَالَ عُثْمَانُ ذَلِكَ رَأْيِي فَخَرَجَ عَلِيٌّ
مُغْضَبًا وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ
وَعُمْرَةٍ مَعًا. وَقَدْ قَالَ: أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ ثَنَا
يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَنَا حَجَّاجٌ ثَنَا يُونُسُ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قال: كنت
__________
[1] في آخر سطر صفحة 128: كثيرا ما ذهبت وأنا مسروق صحته أنا ومسروق.
(5/129)
مَعَ عَلِيٍّ حِينَ أَمَرَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْيَمَنِ فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ فِي قُدُومِ عَلِيٍّ. قَالَ عَلِيٌّ: فَقَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ صَنَعْتَ. قَالَ
قُلْتُ: إِنَّمَا أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: إِنِّي قَدْ سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ.
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ
بِإِسْنَادِهِ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَعَلَّلَهُ
الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا اللَّفْظَ
فِي سِيَاقِ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ فِيهِ
نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ الْقِرَانُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ. قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَخَرَجْتُ أَنَا مِنَ الْيَمَنِ.
وَقُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كإهلال النبي. فَقَالَ: النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا. رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ. وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَنَحْنُ
نُورِدُهُمْ مُرَتَّبِينَ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ.
بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ. قَالَ: الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ أَنْبَأَنَا
بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ يُحَدِّثُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا،
فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ. فَقَالَ: لَبَّى بِالْحَجِّ
وَحْدَهُ فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ.
فَقَالَ: مَا تعدونا الاصبيانا. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مسدد عن بشر بن الفضل عن حميد به. وأخرجه
مسلم عن شريح بْنِ يُونُسَ عَنْ هُشَيْمٍ بِهِ. وَعَنْ أُمَيَّةَ بْنِ
بِسْطَامٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ
عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ بِهِ.
ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَبَّيْكَ
بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا. تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْهُ. قَالَ:
الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثنا روح ثنا أشعث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ
قَدِمُوا مَكَّةَ وَقَدْ لَبَّوْا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَأَمَرَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ما طَافُوا
بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يُحِلُّوا وَأَنْ
يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَكَأَنَّ الْقَوْمَ هَابُوا ذَلِكَ. فَقَالَ:
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنِّي
سُقْتُ هَدْيًا لَأَحْلَلْتُ فَأَحَلَّ الْقَوْمُ وَتَمَتَّعُوا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
قَزَعَةَ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ ثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ
عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلَمَّا
قَدِمُوا مَكَّةَ طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ،
أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يُحِلُّوا فَهَابُوا ذَلِكَ. فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحِلُّوا فَلَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ
لَأَحْلَلْتُ. فَحَلُّوا حَتَّى حَلُّوا إِلَى النِّسَاءِ. ثُمَّ
قَالَ: الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ الْحَسَنِ إِلَّا
أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.
حُمَيْدُ بْنُ تِيرَوَيْهِ الطَّوِيلُ عَنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسًا سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لبيك بحج
وعمرة وَحَجٍّ. هَذَا إِسْنَادٌ ثُلَاثِيٌّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَلَا أَحَدٌ
(5/130)
مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ، لَكِنْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ
هُشَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
صُهَيْبٍ وَحُمَيْدٍ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهَلَّ
بِهِمَا جَمِيعًا لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا لَبَّيْكَ عُمْرَةً
وَحَجًّا. وَقَالَ الْإِمَامُ احمد حدثنا يعمر بن يسر ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَنْبَأَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قَالَ: سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بُدْنًا كَثِيرَةً وَقَالَ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ وَإِنِّي
لَعِنْدَ فَخِذِ نَاقَتِهِ الْيُسْرَى. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا.
حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَدَوِيُّ الْبَصْرِيُّ عَنْهُ. قَالَ
الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَحَدَّثَنَاهُ
سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ
عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَحُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ
أَنَسٍ. قَالَ: إِنِّي رِدْفُ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّ رُكْبَتَهُ
لَتَمَسُّ رُكْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ
قَوِيٌّ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ. وَقَدْ
تَأَوَّلَهُ الْبَزَّارُ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ يُلَبِّي
بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ وَلَمْ يُنْكِرْ
عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا
التَّأْوِيلُ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ لِمَجِيءِ ذَلِكَ
مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ كَمَا مَضَى وَكَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ عَوْدُ
الضَّمِيرِ إِلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْلَى وَهُوَ فِي هَذِهِ
الصُّورَةِ أَقْوَى دَلَالَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي فِي
رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَنَسٍ صَرِيحُ الرَّدِّ
عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ.
زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْهُ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَزَّارُ رَوَى سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ.
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَرَوِيُّ
وَمُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
أَنَسٍ. قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ
وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ
أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.
فَقَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي. قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنْبَأَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الوليد بن يزيد
أخبرنى أبى ثنا شعيب بن عبد العزيز عن زيد بن أسلم وَغَيْرِهِ. أَنَّ
رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: بِمَ أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَهَلَّ
بِالْحَجِّ فَانْصَرَفَ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ.
فَقَالَ: بِمَ أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ أَلَمْ تَأْتِنِي عَامَ
أَوَّلٍ. قَالَ: بَلَى! وَلَكِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَزْعُمُ
أَنَّهُ قَرَنَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ
يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ وَهُنَّ مُكَشِّفَاتُ الرُّءُوسِ، وَإِنِّي
كُنْتُ تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَمَسُّنِي لُعَابُهَا أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ.
سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ الْغَطَفَانِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا
شَرِيكٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عن أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقَالَ
لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا، حَسَنٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا عَفَّانُ ثنا أبو عوانة ثنا عثمان
(5/131)
ابْنَ الْمُغِيرَةِ عَنْ سَالِمِ بْنِ
أَبِي الْجَعْدِ عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ. قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ فَأَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ. فَقَالَ
عَلِيٌّ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ كَمَا أَقُولُ، ثُمَّ لَبَّى قَالَ
لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا. قَالَ وَقَالَ: سَالِمٌ وَقَدْ
أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ رِجْلِي
لَتَمَسُّ رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَنَّهُ لِيُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا. وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ
جَيِّدٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
وَهَذَا السِّيَاقُ يَرُدُّ عَلَى الْحَافِظِ الْبَزَّارِ مَا
تَأَوَّلَ بِهِ حَدِيثَ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ كَمَا
تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ
عَنْهُ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ
سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِهِمَا
جَمِيعًا. ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَمْ يَرْوِهِ عَنِ التَّيْمِيِّ
إِلَّا ابْنُهُ الْمُعْتَمِرُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ إِلَّا مِنْ يَحْيَى
بْنِ حَبِيبٍ الْعَرَبِيِّ عَنْهُ. قُلْتُ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ
الصَّحِيحِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ عَنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي قَزَعَةَ سُوَيْدِ
بْنِ حُجَيْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي
طَلْحَةَ فَكَانَتْ رُكْبَةُ أَبِي طَلْحَةَ تَكَادُ أَنْ تُصِيبَ
رُكْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ بِهِمَا.
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ
وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْحَافِظِ الْبَزَّارِ صَرِيحٌ.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ عَنْهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا
مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ يُسَايِرُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَإِنَّ رِجْلِي لَتَمَسُّ غَرْزَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يُلَبِّي
بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ
طُرُقٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ. صلى
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا
وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا
حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى
الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، وَأَهَلَّ بِحَجٍّ
وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا جَمِيعًا. وَفِي رِوَايَةٍ
لَهُ: كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّهُمْ لَيَصْرُخُونَ
بِهِمَا جَمِيعًا الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ
فَصَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ
بِهِ الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ.
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُ عَنْهُ مَعَ
رِوَايَةِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْهُ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو
بَكْرٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا
عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ
أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا. هذا غريب من هذا الوجه ولم يُخْرِجْهُ أَحَدٌ
مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَهُوَ عَلَى شَرْطِهِمْ.
قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ السَّدُوسِيُّ عَنْهُ قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَعَبْدُ الصَّمَدِ الْمَعْنَى. قالا:
أخبرنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا قَتَادَةُ. قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ قُلْتُ كَمْ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قَالَ: حِجَّةً وَاحِدَةً
(5/132)
وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ عُمْرَتُهُ
زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَتُهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنَ
الْمَدِينَةِ وَعُمْرَتُهُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ
حَيْثُ قَسَمَ غَنِيمَةَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَتُهُ مَعَ حَجَّتِهِ.
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حديث همام ابن يَحْيَى بِهِ.
مُصْعَبُ بْنُ سُلَيْمٍ الزُّبَيْرِيُّ مَوْلَاهُمْ عَنْهُ. قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سُلَيْمٍ
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَفَرَّدَ بِهِ
أَحْمَدُ.
يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ عَنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ ثنا هشيم أنبأنا يحيى بن إسحاق وعبد العزيز ابن صُهَيْبٍ
وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي
بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً
وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ
مُسْلِمًا رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ هُشَيْمٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ
يَحْيَى عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ قَالَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ
لبيك عمرة وحجا. أبو الصَّيْقَلُ عَنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا حَسَنٌ ثَنَا زُهَيْرٌ. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ ثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ
الصَّيْقَلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: خَرَجْنَا نَصْرُخُ
بِالْحَجِّ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً.
وَقَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ
لَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَلَكِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ
الْحَجَّ بِالْعُمْرَةِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ هَنَّادٍ عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ
الصَّيْقَلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ يُلَبِّي
بِهِمَا. أَبُو قُدَامَةَ الْحَنَفِيُّ وَيُقَالُ إِنَّ اسْمَهُ
مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ
عَنْ أَبِي قُدَامَةَ الْحَنَفِيِّ. قَالَ قُلْتُ: لِأَنَسٍ بِأَيِّ
شَيْءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُلَبِّي فَقَالَ سَمِعْتُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ يلبى بِعُمْرَةٍ
وَحَجَّةٍ، تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَهُوَ إِسْنَادٌ
جَيِّدٌ قَوِيٌّ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ
وَالْعِصْمَةُ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقَرَنَ الْقَوْمُ
مَعَهُ. وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ بَعْضَ هَذِهِ
الطُّرُقِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثُمَّ شَرَعَ يُعَلِّلُ ذَلِكَ
بِكَلَامٍ فِيهِ نَظَرٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ. قَالَ: وَالِاشْتِبَاهُ
وَقَعَ لِأَنَسٍ لَا لِمَنْ دُونَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
سَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ
غَيْرَهُ كَيْفَ يُهِلُّ بِالْقِرَانِ لَا أَنَّهُ يُهِلُّ بِهِمَا
عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
غَيْرِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَفِي ثُبُوتِهِ نَظَرٌ قُلْتُ وَلَا
يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ النَّظَرِ الظَّاهِرِ لِمَنْ
تَأَمَّلَهُ وَرُبَّمَا أنه كَانَ تَرْكُ هَذَا الْكَلَامِ أَوْلَى
مِنْهُ إِذْ فِيهِ تَطَرُّقُ احْتِمَالٍ إِلَى حِفْظِ الصَّحَابِيِّ
مَعَ تَوَاتُرِهِ عَنْهُ كَمَا رَأَيْتَ آنِفًا وَفَتْحُ هَذَا يُفْضِي
إِلَى مَحْذُورٍ كَبِيرٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي الْقِرَانِ. قَالَ الْحَافِظُ
أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
بِشْرَانَ أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنَا
أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ
أَنْبَأَنَا زَكَرِيَّا بْنُ
(5/133)
أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي
الْقَعْدَةِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ
أَرْبَعَ عُمَرٍ بِعُمْرَتِهِ الَّتِي حَجَّ مَعَهَا. قَالَ:
الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ هَذَا بِمَحْفُوظٍ قُلْتُ سَيَأْتِي بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ إِلَى عَائِشَةَ نَحْوُهُ.
رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
قَالَ الحافظ أبو الحسن الدار قطنى حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
دَاوُدَ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ رُمَيْسٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ أَبُو عُبَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ جَعْفَرٍ اللَّبَّانُ
وَغَيْرُهُمْ.
قَالُوا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ ثَنَا زيد بن
حباب ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: حَجَّ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَجَّتَيْنِ قَبْلَ
أَنْ يُهَاجِرَ وَحَجَّةٌ قَرَنَ مَعَهَا عُمْرَةً. وَقَدْ رَوَى هَذَا
الْحَدِيثَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ
بْنِ سعيد الثوري به، وأما التِّرْمِذِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ زيد بن حباب عَنْ سُفْيَانَ بِهِ
ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا
مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ. وَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عبد الرحمن يعنى الرازيّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فِي كُتُبِهِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا
فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَرَأَيْتُهُ لَا يَعُدُّهُ مَحْفُوظًا. قَالَ:
وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا. وَفِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ لِلْبَيْهَقِيِّ
قَالَ: أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ
إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا
حَدِيثٌ خَطَأٌ وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا عَنِ الثَّوْرِيِّ مُرْسَلًا.
قَالَ: الْبُخَارِيُّ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ الحباب إذا روى خطأ رُبَّمَا
غَلَطَ فِي الشَّيْءِ وَأَمَّا ابْنُ مَاجَهْ فَرَوَاهُ عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيِّ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ وَهَذِهِ
طَرِيقٌ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ وَلَا الْبَيْهَقِيُّ
وَرُبَّمَا وَلَا الْبُخَارِيُّ حيث تكلم في زيد ابن الْحُبَابِ
ظَانًّا أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ
حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا. ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا لِحَجِّهِ وَلِعُمْرَتِهِ. قُلْتُ:
حَجَّاجٌ هَذَا هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ. وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ
وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَكِنْ قَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا
كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ
حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي عَمِّي الْقَاسِمُ
بْنُ يَحْيَى بْنِ مقدم عن عبد الرحمن ابن عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمَ
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ فَقَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ وَسَاقَ الْهَدْيَ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لَمْ يُقَلِّدِ الْهَدْيَ
فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً. ثُمَّ قَالَ: الْبَزَّارُ وَهَذَا
الْكَلَامُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ إِلَّا مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ انْفَرَدَ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ
الْبَزَّارُ فِي مسندة وإسنادها غريبة جِدًّا وَلَيْسَتْ فِي شَيْءٍ
مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(5/134)
رِوَايَةُ أَبِي طَلْحَةَ زَيْدِ بْنِ
سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا حَجَّاجٌ- هُوَ ابْنُ
أَرْطَاةَ- عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَرَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ
بِإِسْنَادِهِ وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. الْحَجَّاجُ
بْنُ أَرْطَاةَ فِيهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ. قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بن إبراهيم ثنا داود- يعنى ابن سويد-
سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ الزَّرَّادَ. يَقُولُ سَمِعْتُ النَّزَّالَ
بْنَ سَبْرَةَ صَاحِبَ عَلِيٍّ يَقُولُ سَمِعْتُ سُرَاقَةَ يَقُولُ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ
وَقَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ. رِوَايَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَمَتَّعَ
بِالْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَهُوَ الْقِرَانُ. قَالَ: الْإِمَامُ
مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ
أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ
عَامَ حَجَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَذْكُرُ التَّمَتُّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ.
فَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ
اللَّهِ. فَقَالَ سَعْدٌ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أَخِي. فَقَالَ
الضَّحَّاكُ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى عَنْهَا
فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ قُتَيْبَةَ
عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَقَالَ: التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ:
الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا سُلَيْمَانُ-
يَعْنِي التَّيْمِيَّ- حَدَّثَنِي غُنَيْمٌ. قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ
أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الْمُتْعَةِ فَقَالَ: فَعَلْنَاهَا وَهَذَا
كَافِرٌ بِالْعُرُشِ- يَعْنِي مُعَاوِيَةَ- هَكَذَا رَوَاهُ
مُخْتَصَرًا. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ
سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ وَمَرْوَانَ
الْفَزَارِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ طَرْخَانَ التَّيْمِيِّ سَمِعْتُ غُنَيْمَ بْنَ
قَيْسٍ سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الْمُتْعَةِ؟
فَقَالَ: قَدْ فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ.
قَالَ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ- يَعْنِي مُعَاوِيَةَ-
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ سَأَلْتُ سَعْدًا عَنِ
التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ. فَقَالَ: فَعَلْتُهَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يَوْمَئِذٍ
كَافِرٌ بِالْعُرُشِ- يَعْنِي مَكَّةَ وَيَعْنِي بِهِ مُعَاوِيَةَ-
وَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي أَصَحُّ إِسْنَادًا وَإِنَّمَا
ذَكَرْنَاهُ اعْتِضَادًا لَا اعْتِمَادًا وَالْأَوَّلُ صحيح الاسناد
وهذا أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمِصْرِيُّ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أَوْفَى قَالَ: إِنَّمَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَاجًّا بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ ثَنَا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا دَاوُدُ- يعنى القطان- عن
(5/135)
عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةَ
الْقَضَاءِ وَالثَّالِثَةُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ وَالرَّابِعَةَ الَّتِي
مَعَ حَجَّتِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْعَطَّارِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا.
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحَسَنِ
عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
الرَّبِيعِ وَشِهَابِ بْنِ عَبَّادٍ كِلَاهُمَا عَنْ دَاوُدَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ فَذَكَرَهُ. وَقَالَ: الرَّابِعَةُ
الَّتِي قَرَنَهَا مَعَ حَجَّتِهِ ثُمَّ قَالَ: أَبُو الْحَسَنِ
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُ فِي هَذَا
الحديث عن ابن عباس إلا داود ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ حَكَى
الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَهِمُ فِي الشَّيْءِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِوَادِي الْعَقِيقِ أَتَانِي آتٍ
مِنْ رَبِّي فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ
عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ. فَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَنَدُ ابْنِ عَبَّاسٍ
فِيمَا حَكَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قَدْ
تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ
اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ. أَنَّهُ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْدَى فَسَاقَ
الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ
بِالْحَجِّ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي عَدَمِ إِحْلَالِهِ
بَعْدَ السَّعْيِ فَعُلِمَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أولا إنه عليه السلام
لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا التَّمَتُّعَ الْخَاصَّ وَإِنَّمَا كَانَ
قارنا لأنه حكى أنه عليه السلام لم يكن متمتعا اكْتَفَى بِطَوَافٍ
وَاحِدٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ.
وَهَذَا شَأْنُ الْقَارِنِ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ كَمَا
سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو
يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ
يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عبيد الله عن نافع عن بْنِ عُمَرَ. أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ طَوَافًا
وَاحِدًا لِإِقْرَانِهِ لَمْ يُحِلَّ بَيْنَهُمَا وَاشْتَرَى مِنَ
الطَّرِيقِ- يَعْنِي الْهَدْيَ- وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ رِجَالُهُ
كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَمَانٍ وَإِنْ كَانَ
مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ فِي أَحَادِيثِهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ نَكَارَةٌ
شَدِيدَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِمَّا يُرَجِّحُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
أَرَادَ بِالْإِفْرَادِ الذى رَوَاهُ إِفْرَادَ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا
الْإِفْرَادَ الْخَاصَّ الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ أَصْحَابُ
الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْحَجُّ ثُمَّ الِاعْتِمَارُ بَعْدَهُ فِي
بَقِيَّةِ ذِي الْحِجَّةِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنْبَأَنَا مَالِكٌ
عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ
أَعْتَمِرَ قَبْلَ الْحَجِّ وَأُهْدِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ
أَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ- يَعْنِي
الزُّبَيْرِيَّ- حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَرَنَ خَشْيَةَ أَنْ يُصَدَّ
عَنِ الْبَيْتِ وَقَالَ إِنْ لَمْ يكن حَجَّةٌ فَعُمْرَةٌ وَهَذَا
حَدِيثٌ غَرِيبٌ سَنَدًا وَمَتْنًا تفرد بروايته
(5/136)
الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَقَدْ قَالَ
أَحْمَدُ فِي يُونُسَ بْنِ الْحَارِثِ الثَّقَفِيِّ هَذَا كَانَ
مُضْطَرِبَ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ وَكَذَا ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ
مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالنَّسَائِيُّ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ
الْمَتْنِ فَقَوْلُهُ إِنَّمَا قَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشْيَةَ أَنْ يُصَدَّ عَنِ الْبَيْتِ فمن الّذي
كان يصده عليه السلام عَنِ الْبَيْتِ وَقَدْ أَطَّدَ اللَّهُ لَهُ [1]
الْإِسْلَامَ وَفَتَحَ الْبَلَدَ الْحَرَامَ وَقَدْ نُودِيَ بِرِحَابِ
مِنًى أَيَّامَ الْمَوْسِمِ فِي الْعَامِ الْمَاضِي أَنْ لَا يَحُجَّ
بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عريان وقد كان
معه عليه السلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ
أَلْفًا فقوله: خشية أن يصد عن البيت، وَمَا هَذَا بِأَعْجَبَ مِنْ
قَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
حِينَ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا تَمَتَّعْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: أجل ولكنا
كنا خائفين ولست أدرى على م يحمل هذا الخوف مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ؟
إِلَّا أَنَّهُ تَضَمَّنَ رِوَايَةَ الصَّحَابِيِّ لِمَا رَوَاهُ
وَحَمَلَهُ عَلَى مَعْنًى ظَنَّهُ فَمَا رَوَاهُ صَحِيحٌ مَقْبُولٌ
وَمَا اعْتَقَدَهُ ليس بِمَعْصُومٍ فِيهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ
وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ رَدُّ
الْحَدِيثِ الّذي رواه: هكذا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. لَوْ
صَحَّ السَّنَدُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَحَجَّاجٌ قَالَا
ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ سَمِعْتُ مُطَرِّفًا قَالَ
قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا عَسَى
اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جمع بين حجته وعمرته ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ
حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ فِيهِ يُحَرِّمُهُ وَإِنَّهُ
كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ فَلَمَّا اكْتَوَيْتُ أَمْسَكَ عَنِّي
فَلَمَّا تَرَكْتُهُ عَادَ إِلَيَّ. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ومحمد بن يسار عن غندر عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ ثَلَاثَتُهُمْ
عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ
عِمْرَانَ بِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَسَعِيدُ
بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ
حَجٍّ وَعُمْرَةٍ الْحَدِيثَ. قَالَ الحافظ أبو الحسن الدار قطنى
حَدِيثُ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مُطَرِّفٍ صَحِيحٌ،
وَأَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ فَإِنَّمَا رَوَاهُ
عَنْ شُعْبَةَ كَذَلِكَ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَقَدْ رَوَاهُ
غُنْدَرٌ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ
قَتَادَةَ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ
عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ
عَنْ شُعْبَةَ وَفِي نُسْخَةٍ عَنْ سَعِيدٍ بَدَلَ شُعْبَةَ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَذَكَرَهُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
الْحُصَيْنِ قَالَ: تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ
وَلَمْ يُنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رِوَايَةُ الْهِرْمَاسِ بْنِ زِيَادٍ
الْبَاهِلِيِّ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عَلِيٍّ أَبُو
مُحَمَّدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ وَكَانَ أصله أصبهانيّ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عمار عن
__________
[1] أطد له: أي ثبته وأيده.
(5/137)
الْهِرْمَاسِ. قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ أَبِي
فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى
بَعِيرٍ وَهُوَ يَقُولُ: «لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا»
وَهَذَا عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
رِوَايَةُ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا
قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مالك لَمْ
تُحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ:
«إِنِّي لَبَّدْتُ رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر» وَقَدْ
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَعُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ زَادَ الْبُخَارِيُّ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ زَادَ
مُسْلِمٌ وَابْنِ جُرَيْجٍ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
بِهِ. وَفِي لَفْظِهِمَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ
عُمْرَتِكَ؟
فَقَالَ: «إِنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي وَلَبَّدْتُ رَأْسِي فَلَا أَحِلُّ
حَتَّى أَنْحَرَ» وَقَالَ الامام احمد أيضا حدثنا شعيب ابن أَبِي
حَمْزَةَ. قَالَ قَالَ نَافِعٌ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
يَقُولُ: أَخْبَرَتْنَا حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ
الْوَدَاعِ. فَقَالَتْ لَهُ فُلَانَةُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَحِلَّ.
قَالَ:
«إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَسْتُ أُحِلُّ
حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي» وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ ابن إبراهيم حدثنا أبى عن أبى إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.
أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ بِعُمْرَةٍ. قُلْنَا:
فَمَا يَمْنَعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَحِلَّ مَعَنَا؟
قَالَ: «إِنِّي أَهْدَيْتُ وَلَبَّدْتُ فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ
هَدْيِي» ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ كَثِيرِ بن هشام عن جعفر ابن
بُرْقَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ فَذَكَرَهُ
فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَحِلَّ
مِنْهَا، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحَادِيثِ الْإِفْرَادِ
أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَيْضًا فَدَلَّ مَجْمُوعُ ذَلِكَ
أَنَّهُ قَارِنٌ مَعَ مَا سَلَفَ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ. ثُمَّ قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ
بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لا يحل حتى يحل منهما جَمِيعًا،
فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا
بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْقُضِي رَأْسَكِ
وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ فَفَعَلْتُ
فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ. فَقَالَ هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ
قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ
بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ
طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا
الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا
طَوَافًا وَاحِدًا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ
عَنِ الزُّهْرِيِّ فَذَكَرَهُ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ بْنِ
حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام حَجَّةِ الْوَدَاعِ
فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ أَكُنْ
(5/138)
سُقْتُ الْهَدْيَ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ
فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ
مِنْهُمَا جَمِيعًا وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ هَاهُنَا قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ
فَلْيُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ السلام
قَدْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَهُوَ أَوَّلُ وَأَوْلَى مَنِ ائْتَمَرَ
بِهَذَا لِأَنَّ الْمُخَاطِبَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ مُتَعَلَّقِ
خِطَابِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهَا قَالَتْ وَأَمَّا
الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا
طَوَافًا وَاحِدًا يَعْنِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَقَدْ
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
طَوَافًا وَاحِدًا فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ كَانَ قَدْ جَمَعَ
بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِي
الْيَسَارِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنَ
النُّسُكَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا وَذَكَرَتْ أَنَّهَا
سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. وَقَالَتْ يَا رسول الله ينطلقون
بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ فَبَعَثَهَا مَعَ أَخِيهَا
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَعْمَرَهَا مِنَ التنعيم ولم
يذكر أنه عليه السلام اعْتَمَرَ بَعْدَ حَجَّتِهِ فَلَمْ يَكُنْ
مُفْرِدًا. فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا لِأَنَّهُ كَانَ
بِاتِّفَاقِ النَّاسِ قَدِ اعْتَمَرَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ
مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي
زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ
قَالَ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَلَاثَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ
لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ بِعُمْرَتِهِ الَّتِي
حَجَّ مَعَهَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ أَنْبَأَنَا
أَبُو مُحَمَّدِ [1] بن حبان الأصبهاني أنبأنا إبراهيم ابن شَرِيكٍ
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ كَمِ اعْتَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ
مَرَّتَيْنِ فَقَالَتْ: عَائِشَةُ لَقَدْ عَلِمَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ ثَلَاثًا
سِوَى الْعُمْرَةِ الَّتِي قَرَنَهَا مَعَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. ثُمَّ
قَالَ: الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ لَكِنْ فِيهِ
إِرْسَالٌ- مُجَاهِدٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِ بَعْضِ
الْمُحَدِّثِينَ قُلْتُ كَانَ شُعْبَةُ يُنْكِرُهُ وَأَمَّا
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَإِنَّهُمَا أَثْبَتَاهُ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِ
وَاحِدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كان مَعَهُ الْهَدْيُ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَفِي
إِعْمَارِهَا من التنعيم ومصادقتها له منهبطا على أهل مكة وبيتوته
بِالْمُحَصَّبِ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ بِمَكَّةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
الْمَدِينَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أنه عليه السلام
لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَ حَجَّتِهِ تِلْكَ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنَ
الصَّحَابَةِ نَقَلَهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ بَيْنَ
النُّسُكَيْنِ وَلَا رَوَى أَحَدٌ أَنَّهُ عليه السلام بَعْدَ
طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
حَلَقَ وَلَا قَصَّرَ وَلَا تَحَلَّلَ بَلِ اسْتَمَرَّ عَلَى
إِحْرَامِهِ بِاتِّفَاقٍ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَهَلَّ بِحَجٍّ
لَمَّا سَارَ إِلَى مِنًى فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا.
وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ عليه السلام اعْتَمَرَ عَامَ حَجَّةِ
الْوَدَاعِ فَلَمْ يَتَحَلَّلْ بَيْنَ النسكين ولا
__________
[1] في المصرية بن حسان
(5/139)
أَنْشَأَ إِحْرَامًا لِلْحَجِّ وَلَا
اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ فَلَزِمَ الْقِرَانُ وَهَذَا مِمَّا
يَعْسُرُ الْجَوَابُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ
رِوَايَةَ الْقِرَانِ مُثْبِتَةٌ لِمَا سَكَتَ عَنْهُ أَوْ نَفَاهُ
مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهَا
كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ
أَنَّهُ حَجَّ مَعَ مَوَالِيهِ. قَالَ: فَأَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ
فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي لَمْ أحج قط فأيهما أَبْدَأُ
بِالْعُمْرَةِ أَمْ بِالْحَجِّ قَالَتْ ابْدَأْ بِأَيِّهِمَا شِئْتَ.
قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ صَفِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فسألنها فقالت:
لي مثل ما قالت لي ثُمَّ جِئْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرْتُهَا
بِقَوْلِ صَفِيَّةَ فَقَالَتْ لِي أُمُّ سَلَمَةَ. سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا آلَ مُحَمَّدٍ
مَنْ حَجَّ مِنْكُمْ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فِي حَجَّةٍ رَوَاهُ ابْنُ
حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ
أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عن أم سلمة به.
فصل
إِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصحابة أنه عليه
السلام أَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ رَوَيْتُمْ عَنْ هَؤُلَاءِ
بِأَعْيَانِهِمْ وَعَنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ فما الجمع من ذَلِكَ [1] فَالْجَوَابُ: أَنَّ رِوَايَةَ
مَنْ رَوَى أَنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ
أَفْرَدَ أَفْعَالَ الْحَجِّ وَدَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِيهِ نِيَّةً
وَفِعْلًا وَوَقْتًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اكْتَفَى بِطَوَافِ
الْحَجِّ وَسَعْيِهِ عَنْهُ وَعَنْهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ
الْجُمْهُورِ فِي الْقَارِنِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ حَيْثُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ
وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ وَاعْتَمَدَ عَلَى مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَفِي الْإِسْنَادِ إِلَيْهِ نَظَرٌ.
وَأَمَّا مَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ ثُمَّ رَوَى الْقِرَانَ فَقَدْ
قَدَّمْنَا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّمَتُّعَ فِي كَلَامِ
السَّلَفِ أَعَمُّ مِنَ التَّمَتُّعِ الْخَاصِّ وَالْقِرَانِ بَلْ
وَيُطْلِقُونَهُ عَلَى الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَجٌّ. كَمَا قَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ
تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهَذَا- يَعْنِي مُعَاوِيَةَ- يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ-
يَعْنِي بِمَكَّةَ- وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهَذَا إِحْدَى
الْعُمْرَتَيْنِ إِمَّا الْحُدَيْبِيَةَ أَوِ الْقَضَاءَ فَأَمَّا
عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ فَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ أَسْلَمَ
لِأَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ بَعْدَ
ذَلِكَ سَنَةَ عَشْرٍ وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فصل
إن قيل: فما جوابها عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أبى سيح الهنائى واسمه صفوان بْنُ خَالِدٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ: لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صُفَفِ النُّمُورِ قَالُوا اللَّهمّ
نَعَمْ! قَالَ. وَأَنَا أَشْهَدُ قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ
الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا قَالُوا اللَّهمّ نَعَمْ! قَالَ:
أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
__________
[1] هكذا في النسخ ولعلها بين ذلك.
(5/140)
نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ قَالُوا اللَّهمّ لَا! قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهَا
لَمَعَهُنَّ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا عَفَّانُ ثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ قتادة عن أبى سيح الهنائى قال: كنت في ملاء مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ
مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: مُعَاوِيَةُ أَنْشُدُكُمْ باللَّه أتعلمون أن
رسول الله نَهَى عَنْ جُلُودِ النُّمُورِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا
قَالُوا اللَّهمّ نَعَمْ! قَالَ: وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ
لِبَاسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا قَالُوا اللَّهمّ نَعَمْ! قَالَ
وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ قَالُوا اللَّهمّ نَعَمْ! قَالَ وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ
نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ- يَعْنِي متعة الحج- قالوا اللَّهمّ لا!
وَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا سعيد عن قتادة
عن أبى سيح الْهُنَائِيِّ أَنَّهُ شَهِدَ مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ
جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ لهم معاوية: أتعلمون أن رسول الله نَهَى عَنْ رُكُوبِ جُلُودِ
النُّمُورِ قَالُوا نَعَمْ! قال: تعلمون أن رسول الله نَهَى عَنْ
لُبْسِ الْحَرِيرِ قَالُوا اللَّهمّ نَعَمْ! قال أتعلمون أن رسول الله
نَهَى أَنْ يُشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالُوا
اللَّهمّ نَعَمْ! قَالَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله نَهَى عَنْ
جَمْعٍ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ قَالُوا اللَّهمّ لا! قال فو الله
إِنَّهَا لَمَعَهُنَّ. وَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
قَتَادَةَ وَزَادَ وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ وَكَذَا رَوَاهُ أشعث بن
نزار وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ بأصله.
ورواه مطر الوراق وبهيس بن فهدان عن أبى سيح فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ.
فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي من طرق عن أبى سيح
الْهُنَائِيِّ بِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ
وَيُسْتَغْرَبُ مِنْهُ رِوَايَةُ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
النَّهْيَ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَعَلَّ
أَصْلَ الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ الْمُتْعَةِ فَاعْتَقَدَ الرَّاوِي
أَنَّهَا مُتْعَةُ الْحَجِّ وَإِنَّمَا هِيَ مُتْعَةُ النِّسَاءِ
وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أُولَئِكَ الصَّحَابَةِ رِوَايَةٌ فِي النَّهْيِ
عَنْهَا أَوْ لَعَلَّ النَّهْيَ عَنِ الْإِقْرَانِ فِي التَّمْرِ كَمَا
فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَاعْتَقَدَ الرَّاوِي أَنَّ الْمُرَادَ
الْقِرَانُ فِي الْحَجِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ لَعَلَّ مُعَاوِيَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قال إِنَّمَا قَالَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ
نُهِيَ عَنْ كَذَا فبناه بما لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَصَرَّحَ
الرَّاوِي بِالرَّفْعِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَوَهِمَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي كَانَ يَنْهَى عَنْ
مُتْعَةِ الْحَجِّ إِنَّمَا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ نَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ على وجه التحريم
والحتم كَمَا قَدَّمْنَا وَإِنَّمَا كَانَ يَنْهَى عَنْهَا لِتُفْرَدَ
عن الحج بسفر آخر ليكثر زِيَارَةُ الْبَيْتِ وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَهَابُونَهُ كَثِيرًا فَلَا يَتَجَاسَرُونَ
عَلَى مُخَالَفَتِهِ غَالِبًا وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ
يُخَالِفُهُ فَيُقَالُ لَهُ إِنَّ أَبَاكَ كَانَ يَنْهَى عَنْهَا
فَيَقُولُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنَ
السَّمَاءِ قَدْ فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم
أفسنة رسول الله تُتَّبَعُ أَمْ سُنَّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَكَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
يَنْهَى عَنْهَا وَخَالَفَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَمَا
تَقَدَّمَ. وَقَالَ لَا أَدَعُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ. وَقَالَ عِمْرَانُ
بْنُ حُصَيْنٍ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عَنْهَا رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ أَخْرَجَاهُ
فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدٍ أَنَّهُ
أَنْكَرَ عَلَى مُعَاوِيَةَ إِنْكَارَهُ الْمُتْعَةَ وَقَالَ قَدْ
فَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ يَعْنِي مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ
كَانَ حِينَ فَعَلُوهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَافِرًا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ
أنه عليه السلام حج قارنا
(5/141)
بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ
الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
وَبَيْنَ وَفَاةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَلَا أحد وثمانون يوما وقد شهد الحجة ما ينيف عن أَرْبَعِينَ أَلْفَ
صَحَابِيٍّ قَوْلًا مِنْهُ وَفِعْلًا فَلَوْ كَانَ قَدْ نَهَى عَنِ
الْقِرَانِ فِي الْحَجِّ الَّذِي شَهِدَهُ مِنْهُ النَّاسُ لَمْ
يَنْفَرِدْ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَيَرُدَّهُ عَلَيْهِ
جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ممن سمع منه ولم يَسْمَعْ فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هَكَذَا لَيْسَ مَحْفُوظًا عَنْ مُعَاوِيَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ
ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ
أَخْبَرَنِي أَبُو عِيسَى الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ عبد الله بن القاسم
خراسانى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنى عمر ابن الْخَطَّابِ
فَشَهِدَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ يَنْهَى عَنِ الْعُمْرَةِ
قَبْلَ الْحَجِّ وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ ثُمَّ
إِنْ كان هذا الصحابي عن مُعَاوِيَةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ
عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ فِي هَذَا النَّهْيِ عَنِ الْمُتْعَةِ لَا
الْقِرَانِ. وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَهُوَ مُشْكِلٌ فِي
الْجُمْلَةِ لَكِنْ لَا عَلَى الْقِرَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ مُسْتَنَدِ مَنْ قَالَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ أَطْلَقَ الْإِحْرَامَ وَلَمْ يُعَيِّنْ حَجًّا وَلَا
عُمْرَةً أَوَّلًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ صَرْفَهُ إِلَى مُعَيَّنٍ
وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ إِلَّا أَنَّهُ
قَوْلٌ ضَعِيفٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنْبَأَنَا
سُفْيَانُ أَنْبَأَنَا ابْنُ طَاوُسٍ وَإِبْرَاهِيمُ بن ميسرة وهشام بن
حجير سمعوا طَاوُسًا. يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ لَا يُسَمِّي حَجًّا وَلَا
عُمْرَةً يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ
بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ مَنْ كان منهم من
أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا
عُمْرَةً. وَقَالَ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا
اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَكِنْ لَبَّدْتُ رَأْسِي
وَسُقْتُ هَدْيِي فَلَيْسَ لِي مَحِلٌّ إِلَّا مَحِلَّ هَدْيِي فَقَامَ
إِلَيْهِ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ
لَنَا قَضَاءَ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ أَعُمْرَتُنَا هَذِهِ
لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ لِلْأَبَدِ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ
فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ: فَدَخَلَ عَلِيٌّ مِنَ
الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم بم
أهللت؟ فقال: أحدهما لَبَّيْكَ إِهْلَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْآخَرُ: لَبَّيْكَ حَجَّةَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مُرْسَلُ طَاوُسٍ وَفِيهِ
غَرَابَةٌ وَقَاعِدَةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا
يُقْبَلُ الْمُرْسَلُ بِمُجَرَّدِهِ حَتَّى يَعْتَضِدَ بِغَيْرِهِ
اللَّهمّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ كَمَا
عُوِّلَ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الرِّسَالَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ
أَنَّهُمْ لَا يُرْسِلُونَ إِلَّا عَنِ الصَّحَابَةِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَهَذَا الْمُرْسَلُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ هُوَ
مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا أَحَادِيثِ
الْإِفْرَادِ وَأَحَادِيثِ التَّمَتُّعِ وَأَحَادِيثِ الْقِرَانِ
وَهِيَ مُسْنَدَةٌ صَحِيحَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ
عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ أَمْرًا نَفَاهُ هَذَا الْمُرْسَلُ
وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النافي لو تكافئا فَكَيْفَ
وَالْمُسْنَدُ صَحِيحٌ وَالْمُرْسَلُ مِنْ حَيْثُ لَا يَنْهَضُ حُجَّةً
لِانْقِطَاعِ سَنَدِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ:
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ حَدَّثَنَا
مُحَاضِرٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ
عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ
(5/142)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ
نَحِلَّ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ
حُيَيٍّ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«حَلْقَى عَقْرَى» مَا أُرَاهَا إِلَّا حَابِسَتَكُمْ. قَالَ: هَلْ
كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ: نَعَمْ! قَالَ: فَانْفِرِي.
قَالَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَكُنْ أَهْلَلْتُ
قَالَ: «فَاعْتَمِرِي مِنَ التَّنْعِيمِ» قَالَ فَخَرَجَ مَعَهَا
أَخُوهَا قَالَتْ: فلقينا مدلجا. فقال: موعدكنّ كَذَا وَكَذَا هَكَذَا
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ
قِيلَ هُوَ ابْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ عَنْ مُحَاضِرِ بْنِ
الْمُوَرِّعِ بِهِ إِلَّا أنه.
قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ وَهَذَا أَشْبَهُ
بِأَحَادِيثِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سُوَيْدِ
بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً: وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ
عَنْهَا. قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ وَهَذَا
أَصَحُّ وَأَثْبَتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ خَرَجْنَا نُلَبِّي وَلَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا
عُمْرَةً وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ ذَلِكَ
مَعَ التَّلْبِيَةِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ سَمَّوْهُ حَالَ الْإِحْرَامِ
كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «لبيك اللَّهمّ حجا وعمرة» . وقال أَنَسٌ:
وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا. فَأَمَّا الْحَدِيثُ
الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ
أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَالَا:
قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُشْكِلٌ
عَلَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا
شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ،
وَالْمُلْكَ لك لَا شَرِيكَ لَكَ» وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمر
يزيد فيها: لبيك لك وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ لَبَّيْكَ،
وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى
كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَقَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبَّادٍ ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عن نافع مولى
عبد الله بن عمرو حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً
عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ، فَقَالَ: «لَبَّيْكَ
اللَّهمّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ
الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، والملك لك لَا شَرِيكَ لَكَ» . قَالُوا:
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يقول في تلبية رسول الله. قَالَ نَافِعٌ:
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَزِيدُ مَعَ هَذَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ
لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ [لَبَّيْكَ]
وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سعيد عن عبد اللَّهِ أَخْبَرَنِي
نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تلقفت التلبية مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر بمثل حديثهم حدثني حرملة ابن
يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ. قال قال سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي
(5/143)
عَنْ أَبِيهِ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يهل ملبيا [1] يَقُولُ:
«لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ،
إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» لَا
يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الكلمات وان عبد الله ابن عُمَرَ كَانَ
يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فإذا اسْتَوَتْ بِهِ
النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ
بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: كَانَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُهِلُّ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَهُوَ
يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي
يَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ. هَذَا لَفْظُ
مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ مِنَ التَّلْبِيَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ وَسَيَأْتِي مُطَوَّلًا قَرِيبًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ
مُنْفَرِدًا بِهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ إِيرَادِهِ مِنْ
طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا تَقَدَّمَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ
عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: إِنِّي
لَأَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُلَبِّي: «لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ
لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ» تَابَعَهُ أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَقَالَ شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا
سُلَيْمَانُ سَمِعْتُ خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ سَمِعْتُ
عَائِشَةَ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ عمير عن أبى عطية الوادي عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ
مِثْلَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ سَوَاءً وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ
أَبِي مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ
كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ سَوَاءً وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَرَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي
مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ سَوَاءً وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ. قَالَ قَالَتْ
عَائِشَةُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي. قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهَا
تُلَبِّي. فَقَالَتْ: لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا
شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ
وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ. فَزَادَ فِي هَذَا السِّيَاقِ وَحْدَهُ
وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَنْبَأَنَا الْأَصَمُّ
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ
أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْفَضْلِ
حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
أَنَّهُ قَالَ: كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ» . وَقَدْ رَوَاهُ
النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا
عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهِ. قَالَ: النَّسَائِيُّ وَلَا
أعلم أحدا أسنده عن عبد الله ابن الْفَضْلِ إِلَّا عَبْدَ الْعَزِيزِ
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ مُرْسَلًا. وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ عَنْ مُجَاهِدٍ.
أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُظْهِرُ مِنَ التَّلْبِيَةِ لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ فَذَكَرَ
التَّلْبِيَةَ. قَالَ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمِ وَالنَّاسُ
يُصْرَفُونَ عَنْهُ كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد
__________
[1] وفي الازهرية ملبدا.
(5/144)
فِيهَا لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ
الْآخِرَةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَسِبْتُ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمَ
عَرَفَةَ. هَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ قَالَ
الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
خُزَيْمَةَ ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ثَنَا مَحْبُوبُ
بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا دَاوُدُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ
بِعَرَفَاتٍ فَلَمَّا. قَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ. قَالَ:
إِنَّمَا الْخَيْرُ خَيْرُ الْآخِرَةِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ
وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ. وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ ثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي لَبِيدٍ عَنِ المطلب ابن عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنى جبرائيل
بِرَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْإِهْلَالِ فَإِنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ
الْحَجِّ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ
الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ
أَبِي لَبِيدٍ عن المطلب بن حنطب عن خلاد عن السَّائِبِ عَنْ زَيْدِ
بْنِ خَالِدٍ.
قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ مُرْ أَصْحَابَكَ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ
بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا شِعَارُ الْحَجِّ.
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ وكيع
عن الثَّوْرِيِّ بِهِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَمُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ بِهِ وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سليمان عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيِّ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم جاءني جبرائيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَكَ
فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا شِعَارُ
الْحَجِّ. قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي
كِتَابِهِ الْأَطْرَافِ. وَقَدْ رَوَاهُ معاوية عن هِشَامٍ وَقَبِيصَةُ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ
عَنِ الْمُطَّلِبِ عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ
خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أتانى جبرائيل فَقَالَ: مُرْ
أَصْحَابَكَ فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ. وَقَالَ
أَحْمَدُ قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ
مَالِكٍ وَحَدَّثَنَا رَوْحٌ ثَنَا مَالِكٌ يَعْنِي ابْنَ أَنَسٍ عَنْ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ
الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: أتانى جبرائيل فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ
أَصْحَابِي- أَوْ مَنْ مَعِي- أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ
بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ بِالْإِهْلَالِ- يُرِيدُ أَحَدَهُمَا وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ
الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عن عبد الله
بن أَبِي بَكْرٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ. وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ
(5/145)
وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ: كَتَبَ
إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ
أَبَا خَلَّادٍ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ مَالِكٍ
وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم كذلك قال الْبُخَارِيُّ
وَغَيْرُهُ كَذَا قَالَ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ احمد في مسندة: حدثنا
السَّائِبِ بْنِ خَلَّادِ بْنِ سُوَيْدٍ أَبِي سَهْلَةَ
الْأَنْصَارِيِّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَنْبَأَنَا ابْنُ جريج.
وثنا روح ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ الله بن
أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عن عبد الملك ابن
أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ
عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ عن أبيه السائب ابن
خَلَّادٍ. أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: أتانى جبرائيل فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ
أَنْ تَأْمُرَ أَصْحَابَكَ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ
بِالتَّلْبِيَةِ وَالْإِهْلَالِ. وَقَالَ رَوْحٌ بالتلبية أو الإهلال.
قال: لا أَدْرِي أَيُّنَا وَهِلَ أَنَا أَوْ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ
خَلَّادٌ فِي الْإِهْلَالِ أَوِ التَّلْبِيَةِ هَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ
فِي مُسْنَدِهِ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي أَطْرَافِهِ عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ كَرِوَايَةِ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
فاللَّه أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
فِي إِيرَادِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ فِي حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ وَحْدَهُ مَنْسَكٌ مُسْتَقِلٌّ رَأَيْنَا أَنَّ إِيرَادَهُ
هَاهُنَا أَنْسَبُ لِتَضَمُّنِهِ التَّلْبِيَةَ وغيرها كما سَلَفَ
وَمَا سَيَأْتِي فَنُورِدُ طُرُقَهُ وَأَلْفَاظَهُ ثُمَّ نُتْبِعُهُ
بِشَوَاهِدِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي مَعْنَاهُ وباللَّه
الْمُسْتَعَانُ. قَالَ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي أَبِي. قَالَ:
أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ فِي بَنِي سَلَمَةَ
فَسَأَلْنَاهُ عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَكَثَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ
أُذِّنَ فِي النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حاج في هَذَا الْعَامَ. قَالَ: فَنَزَلَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ
كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ فَخَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخمس بَقِينَ مِنْ ذِي
الْقَعْدَةِ وَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ
نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ اغْتَسِلِي ثُمَّ اسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ ثُمَّ
أَهِلِّي فَخَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ
بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ. لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ
لَكَ لَبَّيْكَ. إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا
شَرِيكَ لَكَ. وَلَبَّى النَّاسُ وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ ذَا
الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ فَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ شَيْئًا فَنَظَرْتُ
مَدَّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ راكب وماش ومن خلفه كذلك وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلُ
ذَلِكَ وَعَنْ شِمَالِهِ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ: جَابِرٌ وَرَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا
عَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا
عَمِلَ بِهِ مِنْ شيء علمناه فَخَرَجْنَا لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ
حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْكَعْبَةَ فَاسْتَلَمَ نَبِيُّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ثُمَّ رَمَلَ
ثَلَاثَةً وَمَشَى أَرْبَعَةً حَتَّى إِذَا فَرَغَ عَمَدَ إِلَى
مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى خَلْفَهُ
(5/146)
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَرَأَ وَاتَّخِذُوا
مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى 2: 125. قَالَ: أَحْمَدُ وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ- يَعْنِي جعفر- فَقَرَأَ فِيهِمَا بِالتَّوْحِيدِ
وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَخَرَجَ
إِلَى الصَّفَا ثُمَّ قَرَأَ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ
شَعائِرِ اللَّهِ 2: 158. ثُمَّ قَالَ: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ
بِهِ فَرَقِيَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ
كَبَّرَ. ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أنجز وعده وصدق وعده وَهَزَمَ-
أَوْ غَلَبَ- الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ. ثُمَّ دَعَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
هَذَا الْكَلَامِ ثُمَّ نَزَلَ حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل حتى
إذا صعد مشى حتى إذا أَتَى الْمَرْوَةَ فَرَقِيَ عَلَيْهَا حَتَّى
نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ فَقَالَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ عَلَى الصَّفَا
فَلَمَّا كَانَ السَّابِعُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ. قَالَ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ
لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ لَمْ يَكُنْ
مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً. فَحَلَّ النَّاسُ
كُلُّهُمْ فَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مالك بن جعثم وَهُوَ فِي أَسْفَلِ
الْوَادِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ
فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَصَابِعَهُ فَقَالَ لِلْأَبَدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ قَالَ:
دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ
وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِهَدْيٍ وَسَاقَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ مِنْ هَدْيِ الْمَدِينَةِ
هَدْيًا فَإِذَا فَاطِمَةُ قَدْ حَلَّتْ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صبيغا [1]
واكتحلت فأنكر ذلك عَلَيْهَا فَقَالَتْ: أَمَرَنِي بِهِ أَبِي. قَالَ
قَالَ على بالكوفة: قال جعفر قال الى هَذَا الْحَرْفُ لَمْ يَذْكُرْهُ
جَابِرٌ فَذَهَبْتُ مُحَرِّشًا أَسْتَفْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ قُلْتُ
إِنَّ فَاطِمَةَ لبست ثيابا صبيغا واكتحلت وقالت أمرنى أبى. قال:
صَدَقَتْ صَدَقَتْ أَنَا أَمَرْتُهَا بِهِ. وَقَالَ جَابِرٌ وَقَالَ
لِعَلِيٍّ بِمَ؟ أَهْلَلَتَ: قَالَ قُلْتُ: اللَّهمّ إِنِّي أُهِلُّ
بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ قَالَ وَمَعِي الْهَدْيُ قَالَ فَلَا
تَحِلَّ. قَالَ: وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي أَتَى بِهِ
عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ثُمَّ
أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ [2] وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ
ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ
فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا. ثُمَّ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ قَدْ نَحَرْتُ هَاهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ
وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَالَ وَقَفْتُ هَاهُنَا. وَعَرَفَةُ كُلُّهَا
مَوْقِفٌ وَوَقَفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ. وَقَالَ وَقَفْتُ هَاهُنَا.
وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ. هَكَذَا أَوْرَدَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَدِ اخْتَصَرَ آخِرَهُ جِدًّا. وَرَوَاهُ
الْإِمَامُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الْمَنَاسِكِ مِنْ صَحِيحِهِ
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
كِلَاهُمَا عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بن على ابن أَبِي طَالِبٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَهُ. وَقَدْ
أَعْلَمْنَا عَلَى الزِّيَادَاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ مِنْ سِيَاقِ
أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ إِلَى قَوْلِهِ عليه السلام لِعَلِيٍّ صَدَقَتْ
صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ. قَالَ قُلْتُ:
اللَّهمّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال [على] : فان معى الهدى. قال: فَلَا تَحِلَّ
قَالَ فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ
الْيَمَنِ وَالَّذِي أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة. قال: فحل الناس كلهم
__________
[1] كذا في الأصل: ولعله ثوبا صيغا.
[2] ما غبر أي ما بقي.
(5/147)
وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَمَّا كَانَ
يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ
وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى
بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ
ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ
لَهُ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا
أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ
تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجَازَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ
قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ
الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ
الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ. وَقَالَ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي
شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا كُلُّ شَيْءٍ من أمر
الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ
أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ [1] رَبِيعَةَ بْنِ
الْحَارِثِ كَانَ مسترضعا في بنى سعد فقتلته هذيل. ورباء الجاهلية
موضوع وأول ربا أضعه من رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ موضوع كله واتقوا الله في النساء فإنكم
أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ
بِكَلِمَةِ اللَّهِ ولكم عليهم أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا
تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ
مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لم تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ
اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي
فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ
وَنَصَحْتَ وَأَدَّيْتَ. فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ
يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ [2]
اللَّهمّ اشْهَدْ اللَّهمّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ أَذَّنَ
ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ
وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ
بَطْنَ نَاقَتِهِ القصوى إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ جَبَلَ
الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ
وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا
حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ خَلْفَهُ
وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ
شَنَقَ القصواء الزمام حتى أن رأسها لتصيب مورك رجله ويقول بيده
اليمنى. أيها الناس السكينة السكينة. كُلَّمَا أَتَى جَبَلًا مِنَ
الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى
الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ
وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ
الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ
بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى
الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فاستقبل القبلة فدعا فحمد الله وَكَبَّرَهُ
وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ
جِدًّا وَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ
بْنَ الْعَبَّاسِ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا
فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرَّتْ ظُعُنٌ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ
فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ
عَلَى وَجْهِ الفضل فحول الفضل يده الى الشق الآخر فَحَوَّلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ
الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَصَرَفَ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ
الْآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى إِذَا أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ
قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى
الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ
الشَّجَرَةِ فرماها بسبع
__________
[1] قال السهيليّ: اسمه آدم وقيل تمام.
[2] في الأصل: وملكها على الناس ونعكها والتصحيح عن أبى داود
(5/148)
حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ
مِنْهَا حَصَى الْخَذْفِ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ
إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثُمَّ
أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ
أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ
فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ
رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ
إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِي عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وهم يستقون عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ انْزِعُوا بَنِي
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى
سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ. فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ
مِنْهُ. ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جابر فذكره بنحوه.
وذكر قصة أبى سنان وَأَنَّهُ كَانَ يَدْفَعُ بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ
عَلَى حِمَارٍ عُرْيٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ: نَحَرْتُ هَاهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ
فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ وَوَقَفْتُ هَاهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا
مَوْقِفٌ وَوَقَفْتُ هَاهُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ. وَقَدْ
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِطُولِهِ عَنِ النُّفَيْلِيِّ وَعُثْمَانَ بْنِ
أَبِي شَيْبَةَ وَهِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَسُلَيْمَانِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَرُبَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْكَلِمَةَ
وَالشَّيْءَ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ
جَعْفَرٍ بِنَحْوٍ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقَدْ رَمَزْنَا لِبَعْضِ
زِيَادَاتِهِ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ جَعْفَرٍ بِهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ
أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ يَحْيَى بن سعيد ببعضه
عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَارُونَ الْبَلْخِيِّ عَنْ حَاتِمِ بْنِ
إِسْمَاعِيلَ بِبَعْضِهِ.
ذِكْرُ الْأَمَاكِنِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ذَاهِبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى
مَكَّةَ فِي عُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ بَابُ الْمَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى طُرُقِ
الْمَدِينَةِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا النَّبِيُّ صلّى
الله عليه وسلّم حدثنا محمد ابن أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ
ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ.
قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ
مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ
يُصَلِّي فِيهَا وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَةِ. وَحَدَّثَنِي نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي
فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَةِ وَسَأَلْتُ سَالِمًا فَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا
وَافَقَ نَافِعًا فِي الْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا إِلَّا أَنَّهُمَا
اخْتَلَفَا فِي مسجد بشرف الروحاء قال حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْمُنْذِرِ ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ ثَنَا مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ بِذِي
الْحُلَيْفَةِ حِينَ يَعْتَمِرُ وَفِي حَجَّتِهِ حِينَ حَجَّ تَحْتَ
سَمُرَةٍ فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ
وَكَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ غَزْوٍ كان في تلك الطريق أو في حَجٍّ أَوْ
عُمْرَةٍ هَبَطَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ
أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي
الشَّرْقِيَّةِ فَعَرَّسَ ثَمَّ حَتَّى يُصْبِحَ لَيْسَ عِنْدَ
الْمَسْجِدِ الَّذِي بِحِجَارَةٍ وَلَا عَلَى الْأَكَمَةِ الَّتِي
عَلَيْهَا الْمَسْجِدُ كَانَ ثَمَّ خَلِيجٌ يُصَلِّي عَبْدُ اللَّهِ
عِنْدَهُ فِي بَطْنِهِ كُثُبٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَّ يُصَلِّي فَدَحَا السَّيْلُ فِيهِ
بِالْبَطْحَاءِ حَتَّى دَفَنَ ذَلِكَ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ
(5/149)
عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي فِيهِ، وَأَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَيْثُ الْمَسْجِدُ الصَّغِيرُ الَّذِي
دُونَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ
اللَّهِ يُعْلِمُ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
ثَمَّ عَنْ يَمِينِكَ حِينَ تَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ تُصَلِّي وَذَلِكَ
الْمَسْجِدُ عَلَى حَافَّةِ الطَّرِيقِ الْيُمْنَى وَأَنْتَ ذَاهِبٌ
إِلَى مَكَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ رَمْيَةٌ
بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي
إِلَى الْعِرْقِ الَّذِي عِنْدَ مُنْصَرَفِ الرَّوْحَاءِ وَذَلِكَ
الْعِرْقُ انْتِهَاءُ طَرَفِهِ عَلَى حَافَّةِ الطَّرِيقِ دُونَ
الْمَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنْصَرَفِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ
إِلَى مَكَّةَ، وَقَدِ ابْتُنِيَ ثَمَّ مَسْجِدٌ فَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ
اللَّهِ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ كَانَ يَتْرُكُهُ عَنْ
يَسَارِهِ وَوَرَاءَهُ وَيُصَلِّي أَمَامَهُ إِلَى الْعِرْقِ نَفْسِهِ،
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَرُوحُ مِنَ الرَّوْحَاءِ فَلَا يُصَلِّي
الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَيُصَلِّيَ فِيهِ
الظُّهْرَ وَإِذَا أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ مَرَّ بِهِ قَبْلَ
الصُّبْحِ بِسَاعَةٍ أَوْ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ عَرَّسَ حَتَّى
يُصَلِّيَ بِهَا الصُّبْحَ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ تَحْتَ
سَرْحَةٍ ضَخْمَةٍ دُونَ الرُّوَيْثَةِ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ
وَوُجَاهَ الطَّرِيقِ فِي مَكَانٍ بَطْحٍ سَهْلٍ حَتَّى يُفْضِيَ مِنْ
أَكَمَةٍ دُوَيْنَ بَرِيدِ الرُّوَيْثَةِ بِمِيلَيْنِ وَقَدِ انْكَسَرَ
أَعْلَاهَا فَانْثَنَى فِي جَوْفِهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ
وَفِي سَاقِهَا كُثُبٌ كَثِيرَةٌ. وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى
فِي طَرَفِ تَلْعَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْعَرْجِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى
هَضْبَةٍ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ قَبْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى
الْقُبُورِ رَضْمٌ مِنْ حِجَارَةٍ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ عِنْدَ
سَلِمَاتِ الطَّرِيقِ بَيْنَ أُولَئِكَ السَّلِمَاتِ كَانَ عَبْدُ
اللَّهِ يَرُوحُ مِنَ الْعَرْجِ بَعْدَ أَنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ
بِالْهَاجِرَةِ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ. وَأَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عِنْدَ سَرَحَاتٍ عَنْ يَسَارِ
الطَّرِيقِ فِي مَسِيلٍ دُونَ هَرْشَى ذَلِكَ الْمَسِيلُ لَاصِقٌ
بِكُرَاعِ هَرْشَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ قَرِيبٌ مِنْ غَلْوَةٍ
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي إِلَى سَرْحَةٍ هِيَ أَقْرَبُ
السَّرَحَاتِ إِلَى الطَّرِيقِ وَهَى أَطْوَلُهُنَّ. وان عبد الله ابن
عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ فِي الْمَسِيلِ الَّذِي فِي أَدْنَى مَرِّ
الظَّهْرَانِ قَبْلَ الْمَدِينَةِ حِينَ يَهْبِطُ مِنَ الصَّفْرَاوَاتِ
يَنْزِلُ فِي بَطْنِ ذَلِكَ الْمَسِيلِ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ
وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ لَيْسَ بَيْنَ مَنْزِلِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ إِلَّا
رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَنْزِلُ بِذِي طُوًى وَيَبِيتُ حَتَّى يُصْبِحَ يُصَلِّي الصُّبْحَ
حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ وَمُصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ لَيْسَ فِي
الْمَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ وَلَكِنْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى
أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ. وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ
الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ
الْكَعْبَةِ فَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ يَسَارَ
الْمَسْجِدِ بِطَرَفِ الْأَكَمَةِ وَمُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الْأَكَمَةِ
السَّوْدَاءِ تَدَعُ مِنَ الْأَكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ
نَحْوَهَا ثُمَّ تُصَلِّي مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ مِنَ الْجَبَلِ
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ. تَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ
رَحِمَهُ اللَّهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِطُولِهِ وَسِيَاقِهِ إِلَّا
أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى مِنْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي آخِرِهِ وَأَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طُوًى إِلَى آخِرِ
الْحَدِيثِ عَنْ
(5/150)
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيِّ
عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
بِطُولِهِ عَنْ أَبِي قُرَّةَ مُوسَى بْنِ طَارِقٍ عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ نَحْوَهُ. وَهَذِهِ
الْأَمَاكِنُ لَا يُعْرَفُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرُهَا
لِأَنَّهُ قَدْ غُيِّرَ أَسْمَاءُ أَكْثَرِ هَذِهِ الْبِقَاعِ
الْيَوْمَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ هُنَاكَ فَإِنَّ
الْجَهْلَ قَدْ غَلَبَ عَلَى أَكْثَرِهِمْ. وَإِنَّمَا أَوْرَدَهَا
الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لَعَلَّ أَحَدًا
يَهْتَدِي إِلَيْهَا بِالتَّأَمُّلِ وَالتَّفَرُّسِ وَالتَّوَسُّمِ
أَوْ لَعَلَّ أَكْثَرَهَا أَوْ كَثِيرًا مِنْهَا كَانَ مَعْلُومًا فِي
زَمَانِ الْبُخَارِيِّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
بَابُ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا مسدد ثنا يحيى بن عبد اللَّهِ
حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: بَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طُوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَلَ
مَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ بِهِ. وَزَادَ حَتَّى صَلَّى
الصُّبْحَ أَوْ قَالَ حَتَّى أَصْبَحَ. وَقَالَ مُسْلِمٌ ثَنَا أَبُو
الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إِلَّا بَاتَ بِذِي
طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَارًا
وَيَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
فَعَلَهُ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
عَنْ أَيُّوبَ بِهِ. وَلَهُمَا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَيُّوبَ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ
أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى وَذَكَرَهُ.
وَتَقَدَّمَ آنِفًا مَا أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ
فَيُصَلِّيَ الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ وَمُصَلَّى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ
وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَبَلِ
الطَّوِيلِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ
ثَمَّ يَسَارَ الْمَسْجِدِ بِطَرَفِ الْأَكَمَةِ وَمُصَلَّى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْفَلَ منه على الأكمة
السوداء يدع مِنَ الْأَكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا ثُمَّ
يصلى مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَحَاصِلُ
هَذَا كُلِّهِ أنه عليه السلام لَمَّا انْتَهَى فِي مَسِيرِهِ إِلَى
ذِي طُوًى وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ مُتَاخِمٌ لِلْحَرَمِ أَمْسَكَ
عَنِ التَّلْبِيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إِلَى الْمَقْصُودِ وبات
بذلك المكان حتى أصبح فصلى لك الصُّبْحَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي
وَصَفُوهُ بَيْنَ فُرْضَتَيِ الجبل الطويل لك. وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ
الْأَمَاكِنَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ عَرَفَهَا
مَعْرِفَةً جَيِّدَةً وَتَعَيَّنَ لَهُ الْمَكَانُ الَّذِي صَلَّى
فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ
اغْتَسَلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ دُخُولِ
مَكَّةَ ثُمَّ رَكِبَ وَدَخَلَهَا نَهَارًا جَهْرَةً عَلَانِيَةً مِنَ
الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بالبطحاء. ويقال كذا لِيَرَاهُ
النَّاسُ وَيُشْرِفَ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ دَخَلَ مِنْهَا يَوْمَ
الْفَتْحِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
(5/151)
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ
الْعُلْيَا وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى أَخْرَجَاهُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِهِ وَلَهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مِنَ
الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي فِي الْبَطْحَاءِ وَخَرَجَ مِنَ
الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى. وَلَهُمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَلَمَّا وَقَعَ
بَصَرُهُ عليه السلام عَلَى الْبَيْتِ. قَالَ: مَا رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهمّ زِدْ
هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا ومهابة وزد من
شرّفه وكرمه فمن حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا
وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا. قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا
مُنْقَطِعٌ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الشَّامِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ. قَالَ كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ فَرَأَى
الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ وَقَالَ: اللَّهمّ أَنْتَ
السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ،
اللَّهمّ زِدْ هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا وَزِدْ
مَنْ حَجَّهُ أَوِ اعْتَمَرَهُ تَكْرِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا
وَبِرًّا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ:
تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ وَعَلَى
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَبِجَمْعٍ وَعِنْدَ
الْجَمْرَتَيْنِ وَعَلَى الْمَيِّتِ. قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ
وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ مَرَّةً مَوْقُوفًا عَلَيْهِمَا وَمَرَّةً مَرْفُوعًا
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ ذِكْرِ
الْمَيِّتِ. قَالَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى هذا غير قوى. ثم أنه عليه
السلام دَخَلَ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ قَالَ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ قَالَ يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ. قَالَ:
وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ
بَنِي شَيْبَةَ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ إِلَى الصَّفَا.
ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ. وَقَدِ
اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ
مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيِّ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وقيس بن سلام كُلُّهُمْ
عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْعُرَةَ عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ لَمَّا انْهَدَمَ الْبَيْتُ بَعْدَ
جُرْهُمٍ بَنَتْهُ قُرَيْشٌ فَلَمَّا أَرَادُوا وَضْعَ الْحَجَرِ
تَشَاجَرُوا مَنْ يَضَعُهُ فَاتَّفَقُوا أَنْ يَضَعَهُ أَوَّلُ مَنْ
يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ فَأَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ فَوَضَعَ
الْحَجَرَ فِي وَسَطِهِ وَأَمَرَ كُلَّ فَخْذٍ أَنْ يَأْخُذُوا
بِطَائِفَةٍ مِنَ الثَّوْبِ فَرَفَعُوهُ وَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا
مَبْسُوطًا فِي بَابِ بَنَّاءِ الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْبِعْثَةِ. وَفِي
الِاسْتِدْلَالِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّخُولِ مِنْ بَابِ بَنِي
شَيْبَةَ بِهَذَا نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
صِفَةُ طَوَافِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ عَنِ ابْنِ
وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ محمد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ. قَالَ ذَكَرْتُ لِعُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَتْنِي
عَائِشَةُ: أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
(5/152)
تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ
عُمْرَةٌ ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِثْلَهُ. ثُمَّ حَجَجْتُ
مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ.
ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ. وَقَدْ
أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا
وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا مَسَحُوا
الرُّكْنَ حَلُّوا. هَذَا لَفْظُهُ. وَقَدْ رَوَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى وَمُسْلِمٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ
ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ. وَقَوْلُهَا ثُمَّ لَمْ تَكُنْ
عُمْرَةٌ يَدُلُّ على أنه عليه السلام لَمْ يَتَحَلَّلْ بَيْنَ
النُّسُكَيْنِ ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ ما ابتدأ به عليه السلام اسْتِلَامُ
الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ الطَّوَافِ كَمَا قَالَ جَابِرٌ: حَتَّى
إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ
ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثنا محمد ابن
كَثِيرٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ
فَقَبَّلَهُ وَقَالَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ
وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وابن أبى نُمَيْرٍ جَمِيعًا عَنْ
أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ
بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ
إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ
وَلَوْلَا إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ. قَالَا:
حدثنا الأعمش عن إبراهيم بن عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ. قَالَ: رَأَيْتُ
عُمَرَ أَتَى الحجر فقال أما والله لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا
تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ ولولا أنى رأيت رسول الله قَبَّلَكَ مَا
قَبَّلْتُكَ ثُمَّ دَنَا فَقَبَّلَهُ. فَهَذَا السِّيَاقُ يَقْتَضِي
أَنَّهُ قَالَ مَا قَالَ ثُمَّ قَبَّلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ
سِيَاقِ صَاحِبَيِ الصَّحِيحِ فاللَّه أَعْلَمُ. وَقَالَ أَحْمَدُ
ثَنَا وَكِيعٌ وَيَحْيَى وَاللَّفْظُ لِوَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى الْحَجَرَ فَقَالَ إِنِّي
لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا
أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ وَقَالَ
ثُمَّ قَبَّلَهُ. وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
وَبَيْنَ عُمَرَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا ثَنَا سَعِيدُ بْنُ
أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ
أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ. قَالَ لِلرُّكْنِ:
أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا
تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ فَاسْتَلَمَهُ.
ثُمَّ قال وما لنا والرمل إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ
الْمُشْرِكِينَ وَلَقَدْ أَهَلَكَهُمُ اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ
صَنَعَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا
نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِلَامَ
تَأَخَّرَ عَنِ الْقَوْلِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
سِنَانٍ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا وَرْقَاءُ ثَنَا زَيْدُ
بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
قَبَّلَ الْحَجَرَ وَقَالَ لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا حَرْمَلَةُ ثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ هُوَ- ابْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ-
وَعَمْرٌو- هو- ابن دينار. وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ
الْأَيْلِيُّ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ قَبَّلَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْحَجَرَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ
لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ حَجَرٌ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا
قَبَّلْتُكَ. زَادَ هَارُونُ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ عَمْرٌو
وَحَدَّثَنِي بِمِثْلِهَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَسْلَمَ-
يَعْنِي-
(5/153)
عَنْ عُمَرَ بِهِ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي
أَنَّ التقبيل يقدم عَلَى الْقَوْلِ فاللَّه أَعْلَمُ. وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا عَبْدُ
اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَبَّلَ
الْحَجَرَ. ثُمَّ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ حَجَرٌ وَلَوْلَا
أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ. هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَقَالَ:
إِنِّي لَأُقَبِّلُكَ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ وَلَكِنِّي
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُقَبِّلُكَ. ثُمَّ قَالَ: مُسْلِمٌ ثَنَا خَلَفُ ابن هِشَامٍ
وَالْمُقَدَّمِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ وَقُتَيْبَةُ كُلُّهُمْ عَنْ
حَمَّادٍ قَالَ خَلَفٌ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ
الْأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ. قَالَ: رَأَيْتُ
الْأَصْلَعَ- يَعْنِي- عُمَرَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ وَاللَّهِ
إِنِّي لَأُقَبِّلُكَ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ وَأَنَّكَ
لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا
قَبَّلْتُكَ.
وَفِي رِوَايَةِ المقدمي وأبى كامل رأيت الأصلع وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ
مُسْلِمٍ دُونَ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ
أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَرْجِسَ بِهِ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ بِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إبراهيم
ابن عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ رَأَيْتُ
عُمَرَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ
حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَكِنِّي رَأَيْتُ أَبَا
الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَ حَفِيًّا. ثُمَّ
رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ.
وَزَادَ فَقَبَّلَهُ وَالْتَزَمَهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ بِلَا زِيَادَةٍ. وَمِنْ
حَدِيثِ وَكِيعٍ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ قَبَّلَ الْحَجَرَ
وَالْتَزَمَهُ. وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَ حَفِيًّا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا
عَفَّانُ ثَنَا وُهَيْبٌ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عمر
ابن الْخَطَّابِ أَكَبَّ عَلَى الرُّكْنِ: وَقَالَ إِنِّي لَأَعْلَمُ
أَنَّكَ حَجَرٌ وَلَوْ لَمْ أَرَ حَبِيبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَبَّلَكَ وَاسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ وَلَا
قَبَّلْتُكَ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
33: 21 وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَقَالَ
أبو داود الطيالسي ثنا جعفر بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيُّ مِنْ أَهْلِ
مَكَّةَ قَالَ رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَبَّلَ
الْحَجَرَ وَسَجَدَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ خَالَكَ ابْنَ
عَبَّاسٍ قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ. ثُمَّ
قَالَ عُمَرُ لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَبَّلَهُ مَا قَبَّلْتُهُ. وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ
حَسَنٌ وَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَّا النَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ
عُثْمَانَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي
سُفْيَانَ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ فَذَكَرَ
نَحْوَهُ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُمَرَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْهُ. وَأَبُو
يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ في مسندة من طريق هشام بن حشيش [1] بن الأشقر
عَنْ عُمَرَ. وَقَدْ أَوْرَدْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ بِطُرُقِهِ
وَأَلْفَاظِهِ وَعَزْوِهِ وَعِلَلِهِ فِي الْكِتَابِ الَّذِي
جَمَعْنَاهُ فِي مُسْنَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَبِالْجُمْلَةِ فهذا الحديث مروى من طرق
__________
[1] في جميع النسخ ابن حشيش ولعله عن حشيش إلخ.
(5/154)
مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ تُفِيدُ
الْقَطْعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ وَلَيْسَ فِي
هذه الروايات أنه عليه السلام سَجَدَ عَلَى الْحَجَرِ إِلَّا مَا
أَشْعَرَ بِهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ جَعْفَرِ
بْنِ عُثْمَانَ وَلَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الرَّفْعِ. وَلَكِنْ رَوَاهُ
الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ
ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ
عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَسَجَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ
قَالَ: رَأَيْتُ خَالَكَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَأَيْتُ عُمَرَ قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَعَلَ هَكَذَا فَفَعَلْتُ. وَقَالَ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ عَبْدَانَ أَنْبَأَنَا الطَّبَرَانِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو
الزِّنْبَاعِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ ثَنَا
يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ ثنا سفيان بن أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد عَلَى الْحَجَرِ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ إِلَّا يَحْيَى
بْنُ يَمَانٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثنا مسدد ثنا حماد عن الزبير ابن
عَرَبِيٍّ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَنِ استلام الحجر. قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ أَرَأَيْتَ
إِنْ غُلِبْتُ؟ قَالَ اجْعَلْ أَرَأَيْتَ بِالْيَمَنِ. رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُ
وَيُقَبِّلُهُ تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ
الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا فَقُلْتُ
لِنَافِعٍ أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ قَالَ
إِنَّمَا كَانَ يَمْشِي لِيَكُونَ أَيْسَرَ لِاسْتِلَامِهِ. وَرَوَى
أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «كَانَ لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ
وَالْحَجَرَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ» . وَقَالَ. الْبُخَارِيُّ ثَنَا أَبُو
الْوَلِيدِ ثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ
الْيَمَانِيَيْنِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى
وَقُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
أَنَّهُ قَالَ مَا أَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ إِلَّا أَنَّهُمَا
لَمْ يُتَمَّمَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي
عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ
يَتَّقِي شَيْئًا مِنَ الْبَيْتِ. وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ
الْأَرْكَانَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ
هَذَانَ الرُّكْنَانِ فَقَالَ لَهُ لَيْسَ مِنَ الْبَيْتِ شَيْءٌ
مَهْجُورًا وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَسْتَلِمُهُنَّ كُلُّهُنَّ.
انْفَرَدَ بِرِوَايَتِهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ثَنَا
ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ قَتَادَةَ
بْنَ دِعَامَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ الْبَكْرِيَّ
حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَمْ أَرَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ غَيْرَ
الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ. انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ فَالَّذِي
رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
لَا يُسْتَلَمُ الرُّكْنَانِ الشَّامِيَّانِ لِأَنَّهُمَا لَمْ
يُتَمَّمَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّ قُرَيْشًا قَصَرَتْ
بِهِمُ النَّفَقَةُ فَأَخْرَجُوا الْحَجَرَ مِنَ الْبَيْتِ حِينَ
بَنَوْهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَوَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَوْ بَنَاهُ فَتَمَّمَهُ عَلَى
قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ
(5/155)
وَلَكِنْ خَشِيَ مِنْ حَدَاثَةِ عَهْدِ
النَّاسِ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَتُنْكِرُهُ قُلُوبُهُمْ فَلَمَّا كَانَتْ
إِمْرَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ هَدَمَ الْكَعْبَةَ
وَبَنَاهَا عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَمَا أَخْبَرَتْهُ خَالَتُهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ
عَائِشَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ. فَإِنْ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ
اسْتَلَمَ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا بَعْدَ بِنَائِهِ إِيَّاهَا عَلَى
قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَحَسَنٌ جِدًّا وَهُوَ وَاللَّهِ الْمَظْنُونُ
بِهِ. وَقَالَ:
أَبُو دَاوُدَ ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَدَعُ أَنْ
يَسْتَلِمَ الركن اليماني والحجر في كل طوافه» وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ يَحْيَى وَقَالَ النَّسَائِيُّ
ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ. قَالَ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: بَيْنَ
الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرِ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا
حَسَنَةً وَفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ 2: 201.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ
غَيْلَانَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَعْفَرِ
بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: لَمَّا قَدِمَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ دَخَلَ
الْمَسْجِدَ فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ
فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ فَقَالَ
وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى 2: 125 فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ وَالْمَقَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، ثُمَّ أَتَى
الْحَجَرَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى
الصَّفَا أَظُنُّهُ. قَالَ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ من شَعائِرِ
الله 2: 158 هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا
عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ
رَاهَوَيْهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ
النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ وَاصِلٍ عَنْ
يَحْيَى بْنِ آدَمَ بِهِ.
ذِكْرُ رَمَلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي طَوَافِهِ
وَاضْطِبَاعِهِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنِي
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ
أَبِيهِ. قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ
الْأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنَ
السَّبْعِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ السَّرْحِ
وَحَرْمَلَةَ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ ثَنَا محمد بن سلام ثنا شريح بْنُ النُّعْمَانِ ثَنَا
فُلَيْحٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: سَعَى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَمَشَى
أَرْبَعَةً فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ تَابَعَهُ اللَّيْثُ.
حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْفَرَدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ كِلَاهُمَا
عَنْ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ
كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثَنَا أَبُو
ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوِ
الْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى
أَرْبَعَةً ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثَنَا
أَنَسٌ عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ
(5/156)
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ إِذَا طَافَ
بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ
وَيَمْشِي أَرْبَعَةً، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ
إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حديث عبيد الله بن عمر قال مُسْلِمٌ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ بْنِ أَبَانَ الْجُعْفِيُّ أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ
أَنْبَأَنَا عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ:
رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا. ثُمَّ رَوَاهُ
مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمِ بْنِ أَخْضَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
بِنَحْوِهِ. وَقَالَ مُسْلِمٌ أَيْضًا حدثني أبو طاهر حدثني عبد الله
ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رمل ثلاثة أشواط
مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ. وَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
فِيمَ الرَّمَلَانُ [1] وَالْكَشْفُ عَنِ الْمَنَاكِبِ، وَقَدْ أطد
الله الإسلام ونفى الكفر وَمَعَ ذَلِكَ لَا نَتْرُكُ شَيْئًا كُنَّا
نَفْعَلُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ
مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْهُ. وَهَذَا كُلُّهُ رَدٌّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ
تَابَعَهُ مِنْ أن المرسل ليس بسنة لأن رسول الله إِنَّمَا فَعَلَهُ
لَمَّا قَدِمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ- يَعْنِي فِي
عُمْرَةِ الْقَضَاءِ- وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّهُ يَقْدُمُ
عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا
الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ
وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كلها إلا خشية
الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وتصريحه لعذر سببه في صحيح مسلم أظهر فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُنْكِرُ
وُقُوعَ الرَّمَلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَقَدْ صَحَّ بِالنَّقْلِ
الثَّابِتِ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ فِيهِ زِيَادَةُ تَكْمِيلٍ الرَّمَلُ
مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ وَلَمْ يَمْشِ مَا بَيْنَ
الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ لِزَوَالِ تِلْكَ الْعِلَّةِ
الْمُشَارِ إِلَيْهَا وَهِيَ الضَّعْفُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ رَمَلُوا فِي عُمْرَةِ
الْجِعْرَانَةِ وَاضْطَبَعُوا وَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ فَإِنَّ عُمْرَةَ
الْجِعْرَانَةِ لَمْ يَبْقَ فِي أَيَّامِهَا خَوْفٌ لِأَنَّهَا بَعْدَ
الْفَتْحِ كَمَا تَقَدَّمَ. رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنَ الْجِعْرَانَةِ
فَرَمَلُوا بِالْبَيْتِ وَاضْطَبَعُوا وَوَضَعُوا أَرْدِيَتَهُمْ
تَحْتَ آبَاطِهِمْ وَعَلَى عَوَاتِقِهِمْ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ بِنَحْوِهِ. وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ فَأَمَّا
الِاضْطِبَاعُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَدْ قَالَ قَبِيصَةُ
وَالْفِرْيَابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ
عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ شَيْبَةَ عن يعلى بن أمية
عن أمية. قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ مُضْطَبِعًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ أَبُو
دَاوُدَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ يَعْلَى عَنْ أبيه. قال: طاف رسول الله مضطبعا
برداء أَخْضَرَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ
عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ يَعْلَى عَنْ
أَبِيهِ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا
قَدِمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ مضطبع ببرد له أخضر.
__________
[1] وفي التيمورية فيم الرمل.
(5/157)
وَقَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ
الْمُتَقَدِّمِ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ
الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا ومشى أربعا. ثم تقدم إِلَى مَقَامِ
إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى
2: 125 فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَذَكَرَ
أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هو الله أحد. وقل يا
أيها الكافرون فان قيل فهل كان عليه السلام فِي هَذَا الطَّوَافِ
رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ نَقْلَانِ
قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُمَا مُتَعَارِضَانِ وَنَحْنُ نَذْكُرُهُمَا
وَنُشِيرُ إِلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا وَرَفْعِ اللَّبْسِ عِنْدَ
مَنْ يَتَوَهَّمُ فِيهِمَا تَعَارُضًا وباللَّه التَّوْفِيقُ
وَعَلَيْهِ الِاسْتِعَانَةُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنَعِمَ الْوَكِيلُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
صَالِحٍ وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَا ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ
أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. وَأَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ
إِلَّا التِّرْمِذِيَّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. قَالَ
الْبُخَارِيُّ تَابَعَهُ الدراوَرْديّ عَنِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ
عَنْ عَمِّهِ. وَهَذِهِ الْمُتَابَعَةُ غَرِيبَةٌ جِدًّا. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ ثَنَا خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ.
قَالَ طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ
عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ. وَقَدْ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ
الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ وَعَبْدِ الْوَارِثِ كِلَاهُمَا عَنْ خَالِدِ
بْنِ مِهْرَانَ الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس. قال طَافَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَإِذَا
انْتَهَى إِلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ. وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم بالبيت على بعير
فلما أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ
وَكَبَّرَ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ خَالِدٍ
الحذاء. وقد أسند هذا التعليق ها هنا في كتاب الطواف عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
طَهْمَانَ بِهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى عَنْ
شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حول الكعبة على بعير يَسْتَلِمُ
الرُّكْنَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرِبَ عَنْهُ النَّاسُ. فهذا إثبات أنه
عليه السلام طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ وَلَكِنْ
حَجَّةُ الْوَدَاعِ كَانَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَطْوَافٍ الْأَوَّلُ
طَوَافُ الْقُدُومِ وَالثَّانِي طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ طَوَافُ
الْفَرْضِ وَكَانَ يَوْمَ النَّحْرِ وَالثَّالِثُ طَوَافُ الْوَدَاعِ
فَلَعَلَّ رُكُوبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ في أحد
الآخرين أَوْ فِي كِلَيْهِمَا. فَأَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ طَوَافُ
الْقُدُومِ فَكَانَ مَاشِيًا فِيهِ. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى
هَذَا كُلِّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا
عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ هُوَ- ابْنُ
يَسَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ- عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ
على ابن الْحُسَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
دَخَلْنَا مَكَّةَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى فَأَتَى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابَ الْمَسْجِدِ فَأَنَاخَ
رَاحِلَتَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَبَدَأَ بِالْحَجَرِ
فَاسْتَلَمَهُ وَفَاضَتْ عَيْنَاهُ بِالْبُكَاءِ ثُمَّ رَمَلَ ثَلَاثًا
وَمَشَى
(5/158)
أَرْبَعًا حَتَّى فَرَغَ فَلَمَّا فَرَغَ
قَبَّلَ الْحَجَرَ ووضع يده عَلَيْهِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ. فَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا يَزِيدُ
بن أبي زياد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ
يَشْتَكِي فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمَّا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ
اسْتَلَمَهُ بِمِحْجَنٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنَاخَ
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ
وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
وَلَا ذَكَرَ أَنَّهُ فِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ مِنْ حَجَّةِ
الْوَدَاعِ وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
عَنْهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ. وَكَذَا جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب في طوافه لضعفه. وإنما ذكر لكثرة
النَّاسِ وَغِشْيَانَهُمْ لَهُ وَكَانَ لَا يُحِبُّ أَنْ يُضْرَبُوا
بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ
اللَّهُ. ثُمَّ هَذَا التَّقْبِيلُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ
إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ الطَّوَافِ وَبَعْدَ رَكْعَتَيْهِ
أَيْضًا ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. قَالَ:
فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ صَلَاةِ رَكْعَتِيِ الطَّوَافِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
الركن فاستلمه. وقد قال مسلم بن الحاج فِي صَحِيحِهِ حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي
خَالِدٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ. قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ
يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يده قال وما تَرَكْتُهُ
مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَفْعَلُهُ. فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض الطوافات أو في آخر استلام فعل هذا
لما ذَكَرْنَا. أَوْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْحَجَرِ
لِضَعْفٍ كَانَ بِهِ أَوْ لِئَلَّا يُزَاحِمَ غَيْرَهُ فَيَحْصُلُ
لِغَيْرِهِ أَذًى بِهِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَالِدِهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ
الْعَبْدِيِّ. قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا بِمَكَّةَ فِي إِمَارَةِ
الْحَجَّاجِ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ
إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ
الضَّعِيفَ إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فاستلمه وإلا فاستقبله وَكَبِّرْ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ لَكِنَّ رَاوِيَهُ عَنْ عمر مهم لَمْ
يُسَمَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ثِقَةٌ جَلِيلٌ. فَقَدْ رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ
الْعَبْدِيِّ وَاسْمُهُ وَقْدَانُ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ
حِينَ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ
يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِعُمَرَ يَا أَبَا حَفْصٍ إِنَّكَ
رَجُلٌ قَوِيٌّ فَلَا تُزَاحِمْ عَلَى الرُّكْنِ فَإِنَّكَ تُؤْذِي
الضَّعِيفَ وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا
فَكَبِّرْ وَامْضِ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ هُوَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ كَانَ الْحَجَّاجُ اسْتَعْمَلَهُ
عَلَيْهَا مُنْصَرَفَهُ مِنْهَا حِينَ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ.
قُلْتُ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا جَلِيلًا نَبِيلًا
كَبِيرَ الْقَدْرِ وَكَانَ أَحَدَ النَّفَرِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ
نَدَبَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ
الَّتِي نَفَّذَهَا إِلَى الْآفَاقِ وَوَقَعَ عَلَى مَا فعله الإجماع
والاتفاق.
ذكر طوافه عليه السلام بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ
الْمُتَقَدِّمِ بَعْدَ ذكره طوافه عليه السلام بِالْبَيْتِ سَبْعًا
وَصَلَاتَهُ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا
فَلَمَّا
(5/159)
دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ من شَعائِرِ الله 2: 158 أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ
بِهِ. فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ
فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ
وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. لا إله إلا الله
أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ.
ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
ثُمَّ نَزَلَ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد
مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَرَقِيَ عَلَيْهَا حَتَّى نَظَرَ
إِلَى الْبَيْتِ فَقَالَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ عَلَى الصَّفَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا عُمَرُ ابن هَارُونَ الْبَلْخِيُّ
أَبُو حَفْصٍ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ بَعْضِ بَنِي يَعْلَى بْنِ
أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَبِعًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
بِبُرْدٍ لَهُ نَجْرَانِيٍّ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا
يُونُسُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عبد
الرحمن ثنا عطية عن حبيبة بنت أبى تجزأة قالت دخلت دار حصين فِي
نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ [1] وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَتْ وَهُوَ
يَسْعَى يَدُورُ بِهِ إِزَارُهُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ وَهُوَ يَقُولُ
لِأَصْحَابِهِ اسْعَوْا إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا ثَنَا شريح ثنا عبد الله ابن المؤمل ثَنَا
عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بنت شيبة عن حبيبة بنت أبى
تجزأة قَالَتْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ
وَهُوَ وَرَاءَهُمْ وَهُوَ يَسْعَى حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ من شدة
السعي يكور بِهِ إِزَارُهُ وَهُوَ يَقُولُ اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ
كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَقَدْ رَوَاهُ
أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ وَاصِلٍ
مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ صَفِيَّةَ
بِنْتِ شَيْبَةَ. أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا سَمِعَتِ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ يَقُولُ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيُ فَاسْعَوْا.
وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ حبيبة بنت أبى تجزأة الْمُصَرَّحُ
بِذِكْرِهَا فِي الْإِسْنَادَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَعَنْ أُمِّ وَلَدِ
شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ. أَنَّهَا أَبْصَرَتِ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ يَقُولُ: «لَا يُقْطَعُ الْأَبْطَحُ الأسدا» .
رواه النسائي والمراد بالسعي ها هنا هو الذهاب من الصفا الى والمروة
وَمِنْهَا إِلَيْهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّعْيِ هَاهُنَا
الْهَرْوَلَةَ وَالْإِسْرَاعَ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهُ
عَلَيْنَا حَتْمًا بَلْ لَوْ مَشَى الْإِنْسَانُ عَلَى هِينَةٍ فِي
السبع الطوافات بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَرْمُلْ فِي الْمَسِيلِ أَجْزَأَهُ
ذَلِكَ عند جماعة العلماء لا نعرف بينهم اختلافا فِي ذَلِكَ. وَقَدْ
نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
ثُمَّ قَالَ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ
عَطَاءِ بن السائب عن كثير بن جهمان قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ
يَمْشِي فِي الْمَسْعَى فَقُلْتُ أَتَمْشِي فِي السَّعْيِ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فقال لئن سعيت فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْعَى وَلَئِنْ مَشَيْتُ لَقَدْ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي
وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح. وقد
روى سعيد ابن جبير عن ابن عباس نَحْوَ هَذَا. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ عن كثير بن جهمان السُّلَمِيِّ الْكُوفِيِّ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ فَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ شَاهَدَ الْحَالَيْنِ مِنْهُ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم
__________
[1] وفي نسخة من قيس.
(5/160)
يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ
رَآهُ يَسْعَى فِي وَقْتٍ مَاشِيًا لَمْ يَمْزُجْهُ بِرَمَلٍ فِيهِ
بِالْكُلِّيَّةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ رَآهُ يَسْعَى فِي بَعْضِ
الطَّرِيقِ وَيَمْشِي فِي بَعْضِهِ، وَهَذَا لَهُ قُوَّةٌ لِأَنَّهُ
قَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْعَى
بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جابر أنه عليه السلام: نَزَلَ مِنَ الصَّفَا
فَلَمَّا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي الْوَادِي رَمَلَ حَتَّى إِذَا
صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي
تَسْتَحِبُّهُ الْعُلَمَاءُ قاطبة أن الساعي بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ- وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ- يُسْتَحَبُّ لَهُ
أَنْ يَرْمُلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي في كل طوافه فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ
الَّذِي بَيْنَهُمَا وَحَدَّدُوا ذَلِكَ بِمَا بَيْنَ الْأَمْيَالِ
الْخُضْرِ فَوَاحِدٌ مُفْرَدٌ مِنْ نَاحِيَةِ الصَّفَا مِمَّا يَلِي
الْمَسْجِدَ وَاثْنَانِ مُجْتَمِعَانِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَرْوَةِ
مِمَّا يَلِي الْمَسْجِدَ أَيْضًا. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَا
بَيْنَ هَذِهِ الْأَمْيَالِ الْيَوْمَ أَوْسَعُ مِنْ بَطْنِ الْمَسِيلِ
الَّذِي رَمَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فاللَّه أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ
فِي الْكِتَابِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثم خرج عليه
السلام إِلَى الصَّفَا فَقَرَأَ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ
شعائر الله، أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَطَافَ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيْضًا سَبْعًا رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ
يَخُبُّ ثَلَاثًا وَيَمْشِي أَرْبَعًا فَإِنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ عَلَى
هَذَا الْقَوْلِ وَلَمْ يَتَفَوَّهْ بِهِ أَحَدٌ قبله من أنه عليه
السلام خَبَّ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ مَعَ هَذَا الْغَلَطِ الْفَاحِشِ لَمْ
يَذْكُرْ عَلَيْهِ دَلِيلًا بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ لَمَّا انْتَهَى
إِلَى مَوْضِعِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ قَالَ وَلَمْ نَجِدْ عَدَدَ
الرَّمَلِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَنْصُوصًا وَلَكِنَّهُ متفق
عليه هذا لفظه. فان أراد بأن الرمل في الثلاث التطوافات الْأُوَلِ
عَلَى مَا ذَكَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ لَمْ
يَقُلْهُ أَحَدٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثِ
الْأُوَلِ فِي الْجُمْلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَا يُجْدِي لَهُ
شَيْئًا وَلَا يحصل له شيئا مَقْصُودًا، فَإِنَّهُمْ كَمَا اتَّفَقُوا
عَلَى الرَّمَلِ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ فِي بَعْضِهَا عَلَى مَا
ذَكَرْنَاهُ كَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي الْأَرْبَعِ
الْأُخَرِ أَيْضًا. فَتَخْصِيصُ ابْنِ حَزْمٍ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ
بِاسْتِحْبَابِ الرَّمَلِ فِيهَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ
الْعُلَمَاءُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ
أَنَّهُ عَلَيْهِ السلام كَانَ رَاكِبًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ
أَخْرَجَاهُ وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْهُ إِنْ أَسْعَى فَقَدْ رَأَيْتُ
رسول الله يَسْعَى وَإِنْ مَشَيْتُ فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
يَمْشِي. وَقَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي
الْوَادِي رَمَلَ حَتَّى إِذَا صَعِدَ مَشَى رَوَاهُ مسلم. وقالت حبيبة
بنت أبى مجزأة يَسْعَى يَدُورُ بِهِ إِزَارُهُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ
رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ كَمَا
تَقَدَّمَ أَنَّهُ رَقِيَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ.
وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَرْوَةِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَنْ جَابِرٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ
بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي حَتَّى طَافَ ثُمَّ لَمْ
يَذْكُرْ أَنَّهُ رَكِبَهُ حَالَ مَا خَرَجَ إِلَى الصَّفَا وَهَذَا
كُلُّهُ مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَيْهِ السلام سَعَى بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيًا وَلَكِنْ قَالَ مُسْلِمٌ ثَنَا عَبْدُ
بْنُ حُمَيْدٍ ثَنَا مُحَمَّدٌ- يَعْنِي ابْنَ بَكْرٍ- أَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ طَافَ
(5/161)
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ
وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ على بعير لِيَرَاهُ النَّاسُ
وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ فَإِنَّ النَّاسَ غَشَوْهُ، وَلَمْ
يَطُفِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا
أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ عَنْ عِيسَى
بْنِ يُونُسَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ وَلَيْسَ فِي بَعْضِهَا وَبَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدُ
بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنِ ابْنُ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ
وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ
الْفَلَّاسِ عَنْ يَحْيَى، وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ يزيد عن سعيد بْنِ
إِسْحَاقَ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ. فَهَذَا مَحْفُوظٌ
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا لِأَنَّ.
بَقِيَّةَ الرِّوَايَاتِ عَنْ جَابِرٍ وغيره تدل على أنه عليه السلام
كَانَ مَاشِيًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ تَكُونُ رواية
أبى الزبير عَنْ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ
السلام كَانَ مَاشِيًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ تَكُونُ
رواية أبى الزبير عن جابر لهذه الزِّيَادَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَبَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مُقْحَمَةً أو مدرجة ممن بعد الصجابى والله
اعلم. أو أنه عليه السلام طاف بين الصفا والمروة بعض الطوفان عَلَى
قَدَمَيْهِ وَشُوهِدَ مِنْهُ مَا ذُكِرَ فَلَمَّا ازْدَحَمَ النَّاسُ
عَلَيْهِ وَكَثُرُوا رَكِبَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ
عَبَّاسٍ الْآتِي قَرِيبًا وَقَدْ سَلَّمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ
طَوَافَهُ الْأَوَّلَ بِالْبَيْتِ كَانَ مَاشِيًا وَحَمَلَ رُكُوبَهُ
فِي الطَّوَافِ عَلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ
رَاكِبًا فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ:
لِأَنَّهُ لم يطف بينهما الامرة وَاحِدَةً ثُمَّ تَأَوَّلَ قَوْلَ
جَابِرٍ حَتَّى إِذَا انصبت قدماه في الوادي رمل بأنه لم يُصَدِّقُ
ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا فَإِنَّهُ إِذَا انْصَبَّ بِعِيرُهُ
فَقَدِ انْصَبَّ كُلُّهُ وَانْصَبَّتْ قَدَمَاهُ مَعَ سَائِرِ
جَسَدِهِ. قَالَ وَكَذَلِكَ ذِكْرُ الرَّمَلِ يَعْنِي بِهِ رَمَلَ
الدَّابَّةِ بِرَاكِبِهَا وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَعِيدٌ جِدًّا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ
مُوسَى ثَنَا حَمَّادٌ أَنْبَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ الْغَنَوِيُّ عَنْ
أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَلَ
بالبيت وأن ذلك من سنته قَالَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا فَقُلْتُ مَا
صَدَقُوا وَمَا كَذَبُوا؟ قَالَ صَدَقُوا رَمَلَ رسول الله وَكَذَبُوا
لَيْسَ بِسُنَّةٍ: إِنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ
دَعُوا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ حَتَّى يَمُوتُوا مَوْتَ النَّغَفِ،
فلما صالحوه على ان يحجوا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيُقِيمُوا
بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأصحابه ارملوا بالبيت ثلاثا وليس بسنة. قالت:
يزعم قومك أن رسول الله طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى
بَعِيرٍ وَأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ قَالَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا قُلْتُ مَا
صَدَقُوا وَمَا كَذَبُوا قَالَ صَدَقُوا قَدْ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
عَلَى بَعِيرٍ، وَكَذَبُوا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ، كَانَ النَّاسُ لَا
يُدْفَعُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَا يُصْرَفُونَ عَنْهُ فَطَافَ عَلَى بَعِيرٍ لِيَسْمَعُوا
كَلَامَهُ وَلِيَرَوْا مَكَانَهُ وَلَا تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ هَكَذَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كَامِلٍ
عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ فَضْلَ الطَّوَافِ
بِالْبَيْتِ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ
عَبَّاسٍ:
(5/162)
أَخْبِرْنِي عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا أَسُنَّةٌ هُوَ فَإِنَّ قَوْمَكَ
يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ قال صدقوا وكذبوا. قلت: فما قَوْلُكَ
صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَثُرَ عَلَيْهِ
النَّاسُ يَقُولُونَ هَذَا مُحَمَّدٌ هَذَا مُحَمَّدٌ! حَتَّى خَرَجَ
الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ وَكَانَ رسول الله لَا يُضْرَبُ النَّاسُ
بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ رَكِبَ. قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ. هَذَا لَفْظُ
مُسْلِمٍ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إِنَّمَا رَكِبَ فِي أَثْنَاءِ
الْحَالِ. وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ حَيْثُ قَالَ
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا زُهَيْرٌ
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ
قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أُرَانِي قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَصِفْهُ لِي قُلْتُ
رَأَيْتُهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ عَلَى نَاقَةٍ وَقَدْ كَثُرَ النَّاسُ
عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَاكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا لا يضربون عَنْهُ وَلَا
يُكْرَهُونَ. فَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ وليس فيه دلالة على انه
عليه السلام سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا إِذْ لَمْ
يُقَيَّدْ ذَلِكَ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَا غَيْرِهَا وَبِتَقْدِيرِ
أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَ الجائز أنه عليه
السلام بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ السَّعْيِ وَجُلُوسِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ
وَخُطْبَتِهِ النَّاسَ وَأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ مَنْ لَمْ يَسُقِ
الْهَدْيَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْسَخَ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ فَحَلَّ
النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي
حَدِيثِ جَابِرٍ. ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ أُتِيَ بِنَاقَتِهِ
فَرَكِبَهَا وَسَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِالْأَبْطَحِ كَمَا
سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَحِينَئِذٍ رَآهُ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ
بْنُ وَاثِلَةَ الْبِكْرِيُّ وَهُوَ معدود في صغار الصحابة. قُلْتُ
قَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ كَأَبِي حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ إِلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ
طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ
وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ. وَلَهُمْ أَنْ
يَحْتَجُّوا بحديث جابر الطويل ودلالة على أنه سَعَى بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ مَاشِيًا وَحَدِيثُهُ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعَى بَيْنَهُمَا رَاكِبًا عَلَى
تَعْدَادِ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا مَرَّةً مَاشِيًا وَمَرَّةً
رَاكِبًا. وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ منصور في سند عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ
مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِعُمْرَتِهِ
ثُمَّ عَادَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
لِحَجَّتِهِ ثُمَّ أَقَامَ حَرَامًا إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ هَذَا
لَفْظُهُ. وَرَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ
عَلِيٍّ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا
طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ. وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ البيهقي والدار قطنى وَالنَّسَائِيُّ فِي خَصَائِصِ عَلِيٍّ
فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
الْحَارِثِ الْفَقِيهُ أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ
أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
زُنْبُورٍ ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ أَوْ مَنْصُورٍ عَنْ
مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ قَالَ لَقِيتُ عَلِيًّا
وَقَدْ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ هُوَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
فَقُلْتُ هَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ كَمَا فَعَلْتَ قَالَ ذَلِكَ
لَوْ كُنْتَ بَدَأْتَ بِالْعُمْرَةِ قُلْتُ كَيْفَ أَفْعَلُ إِذَا
أَرَدْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ تَأْخُذُ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ فَتُفِيضُهَا
عَلَيْكَ ثُمَّ تُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ تَطُوفُ لَهُمَا
طَوَافَيْنِ وَتَسْعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ وَلَا يَحِلُّ لَكَ حَرَامٌ
دُونَ يَوْمِ النَّحْرِ. قَالَ مَنْصُورٌ: فذكرت ذلك لمجاهد قال ما كنا
نفىء إِلَّا بِطَوَافٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا الْآنَ
(5/163)
فَلَا نَفْعَلُ. قَالَ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَسُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ
السَّعْيَ. قَالَ وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا مَجْهُولٌ وَإِنْ صَحَّ
فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ طَوَافَ الْقُدُومِ وَطَوَافَ
الزِّيَارَةِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ بِأَسَانِيدَ أُخَرَ عَنْ عَلِيٍّ
مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا ومدارها على الحسن بن عمارة وحفص ابن أَبِي
دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَحَمَّادِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِمَّا
رَوَوْهُ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ وَالْمَنْقُولُ فِي
الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ خِلَافُ ذَلِكَ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنِ ابْنِ
عُمَرَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ
وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَصَارَ قَارِنًا وَطَافَ لَهُمَا
طَوَافًا وَاحِدًا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقَالَ هَكَذَا
فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ
رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ
الدراوَرْديّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ
جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا
وَسَعَى لَهُمَا سَعْيًا وَاحِدًا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قُلْتُ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَهَكَذَا جَرَى لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا كَانَتْ
مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ لِعَدَمِ سَوْقِ الْهَدْيِ مَعَهَا
فَلَمَّا حَاضَتْ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ بِحَجٍّ مَعَ عُمْرَتِهَا
فَصَارَتْ قَارِنَةً فَلَمَّا رَجَعُوا مِنْ مِنًى طَلَبَتْ أَنْ
يُعْمِرَهَا مِنْ بَعْدِ الْحَجِّ فَأَعْمَرَهَا تَطْيِيبًا
لِقَلْبِهَا كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْحَدِيثِ. وَقَدْ قَالَ
الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ أَنْبَأَنَا مُسْلِمٌ-
هُوَ ابْنُ خَالِدٍ- الزَّنْجِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أن
رسول الله قَالَ لِعَائِشَةَ طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ. وَهَذَا ظَاهِرُهُ
الْإِرْسَالُ وَهُوَ مُسْنَدٌ فِي الْمَعْنَى بِدَلِيلِ مَا قَالَ
الشَّافِعِيُّ أَيْضًا أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي
نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ
عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ وَرُبَّمَا قَالَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ
فَذَكَرَهُ قَالَ الْحَافِظُ البيهقي ورواه ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مَوْصُولًا. وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ وُهَيْبٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ ابن عباس عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنُ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ دَخَلَ
رَسُولُ اللَّهِ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ مَالَكِ
تَبْكِينَ قَالَتْ أَبْكِي أَنَّ النَّاسَ حَلُّوا وَلَمْ أَحِلَّ
وَطَافُوا بِالْبَيْتِ وَلَمْ أَطُفْ وَهَذَا الْحَجُّ قَدْ حَضَرَ
قَالَ إِنَّ هَذَا أَمْرٌ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ
فَاغْتَسِلِي وَأَهِلِّي بِحَجٍّ قَالَتْ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَلَمَّا
طَهَرْتُ قَالَ طُوفِي بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
ثُمَّ قَدْ حَلِلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمَرَتِكِ قَالَتْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْ عُمْرَتِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ
طُفْتُ حَتَّى حَجَجْتُ قَالَ اذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ
فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ.
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَيْضًا أَخْبَرَنِي أَبُو
الزُّبَيْرِ سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، وَعِنْدَ أَصْحَابِ أَبِي
حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ سَاقُوا الْهَدْيَ كَانُوا قَدْ
قَرَنُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ
الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ في القارن
يطوف طوافين
(5/164)
ويسعى سعيين، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ
بَعْضُ النَّاسِ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَاحْتَجَّ فِيهِ بِرِوَايَةٍ
ضَعِيفَةٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ جعفر يروى عن على قولنا رويناه عن النبي
صلّى الله عليه وسلّم لَكِنْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا هَارُونُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالَا: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ
عَنْ مَعْرُوفٍ يَعْنِي ابْنَ خَرَّبُوذَ الْمَكِّيَّ حَدَّثَنَا أَبُو
الطُّفَيْلِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى راحلته يستلم الركن بمحجن ثُمَّ
يُقَبِّلُهُ، زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَطَافَ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ وَقَدْ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيِّ عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ بِهِ بِدُونِ
الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ مَعْرُوفٍ بِدُونِهَا
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي
عَمْرٍو عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ يَزِيدَ
بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مالك عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ
بِدُونِهَا فاللَّه أَعْلَمُ. وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ
أَبِي إِسْحَاقَ قَالَا ثَنَا أبو جعفر محمد بن على بن رحيم ثنا احمد
ابن حَازِمٍ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَجَعْفَرُ بْنُ
عَوْنٍ قَالَا أَنْبَأَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ عن قدامة بن عبد الله
ابن عَمَّارٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى بَعِيرٍ لَا
ضَرْبٌ وَلَا طَرْدٌ وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ
كَذَا قَالَا. وَقَدْ رَوَاهُ جماعة غير أَيْمَنَ فَقَالُوا يَرْمِي
الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا
صَحِيحَيْنِ قُلْتُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ
وَكِيعٍ وَقُرَّانَ بْنِ تمام وأبى قرة موسى بن طارف قَاضِي أَهْلِ
الْيَمَنِ وَأَبِي أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الزُّبَيْرِيِّ وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ
نَابِلٍ الْحَبَشِيِّ أَبِي عِمْرَانَ الْمَكِّيِّ نَزِيلِ عَسْقَلَانَ
مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ ثِقَةٌ جَلِيلٌ مِنْ رِجَالِ
الْبُخَارِيِّ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ
الْكِلَابِيِّ أَنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي
عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ لَا ضَرْبٌ وَلَا طَرْدٌ وَلَا إِلَيْكَ
إِلَيْكَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
مَنِيعٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ
بْنِ أَبِي شَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ وَكِيعٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَيْمَنَ
بْنِ نَابِلٍ عَنْ قُدَامَةَ كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وقال
الترمذي حسن صحيح.
فصل
قَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ: حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ
عِنْدَ الْمَرْوَةِ قَالَ إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا
اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَفِيهِ
دَلَالَةٌ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ كُلُّ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ يُحْسَبُ
مَرَّةً قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَكَابِرِ الشَّافِعِيَّةِ. وَهَذَا
الْحَدِيثُ رد عليهم لأن آخر الطواف عن قَوْلِهِمْ يَكُونُ عِنْدَ
الصَّفَا لَا عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي
رِوَايَتِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَلَمَّا كَانَ السَّابِعُ عِنْدَ
الْمَرْوَةِ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ
أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا
عُمْرَةً فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ
وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ. وَقَالَ
مُسْلِمٌ فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم ومن كان معه هدى.
(5/165)
فصل
روى أمره عليه السلام لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ بِفَسْخِ الْحَجِّ
إِلَى الْعُمْرَةِ خَلْقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَطُولُ ذِكْرُنَا لَهُمْ
ها هنا وَمَوْضِعُ سَرْدِ ذَلِكَ كِتَابُ الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ:
مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ كَانَ ذَلِكَ مِنْ
خَصَائِصِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ نُسِخَ جَوَازُ الْفَسْخِ لِغَيْرِهِمْ
وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ
فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ إِلَّا لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا
الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَرَدَّ ذَلِكَ. وَقَالَ قَدْ رَوَاهُ أَحَدَ
عَشَرَ صَحَابِيًّا فَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ ذَلِكَ
وَذَهَبَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى جَوَازِ الْفَسْخِ لِغَيْرِ
الصَّحَابَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
بِوُجُوبِ الْفَسْخِ عَلَى كُلِّ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ بَلْ
عِنْدَهُ أَنَّهُ يَحِلُّ شَرْعًا إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ
يَكُنْ سَاقَ هَدْيًا صَارَ حَلَالًا بِمُجَرَّدِ ذلك وليس عنه
النُّسُكُ إِلَّا الْقِرَانُ لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَوِ التَّمَتُّعُ
لِمَنْ لَمْ يَسُقْ فاللَّه أَعْلَمُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا أَبُو
النُّعْمَانِ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ.
قَالَا: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابُهُ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يُهِلُّونَ
بِالْحَجِّ لَا يَخْلِطُهُ شَيْءٌ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا
فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً وَأَنَّ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا ففشت تلك
المقالة. قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ: فَيَرُوحُ أَحَدُنَا إِلَى
مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا. قَالَ جَابِرٌ- بِكَفِّهِ- فبلغ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بَلَغَنِي
أَنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا وَاللَّهِ لَأَنَا أَبَرُّ
وَأَتْقَى للَّه مِنْهُمْ وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي
مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ
لَأَحْلَلْتُ فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ هِيَ لَنَا أو للأبد فقال بل للأبد. قال مُسْلِمٌ ثَنَا
قُتَيْبَةُ ثَنَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ
عَنْ جَابِرٍ. أَنَّهُ قَالَ: أقبلنا مهلين مع رسول الله بِحَجٍّ
مُفْرَدٍ وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا
بِسَرِفٍ عَرَكَتْ حَتَّى إِذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ
وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ
هَدْيٌ. قَالَ فَقُلْنَا حِلُّ مَاذَا قَالَ الْحِلُّ كُلُّهُ
فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ وَتَطَيَّبْنَا بالطيب ولبسنا ثيابا وَلَيْسَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ فهذان الحديثان
فيهما التصريح بأنه عليه السلام قَدِمَ مَكَّةَ عَامَ حَجَّةِ
الْوَدَاعِ لِصُبْحِ رَابِعَةِ ذِي الْحِجَّةِ وَذَلِكَ يَوْمَ
الْأَحَدِ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَقْتَ الضَّحَاءِ لِأَنَّ
أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ تِلْكَ السَّنَةَ كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ
بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْهُ كَانَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ بِنَصِّ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الثَّابِتِ فِي
الصحيحين كما سيأتي. فلما قدم عليه السلام يَوْمَ الْأَحَدِ رَابِعَ
الشَّهْرِ بَدَأَ كَمَا ذَكَرْنَا بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ
بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا انْتَهَى
طَوَافُهُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْمَرْوَةِ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ
مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ حَتْمًا فَوَجَبَ ذَلِكَ
عَلَيْهِمْ لَا مَحَالَةَ فَفَعَلُوهُ وَبَعْضُهُمْ مُتَأَسِّفٌ
لِأَجْلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السلام لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ
لِأَجْلِ سَوْقِهِ الْهَدْيَ وكانوا يحبون موافقته عليه السلام
وَالتَّأَسِّيَ بِهِ فَلَمَّا رَأَى مَا عِنْدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: لَهُمْ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ
(5/166)
أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ
الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عمرة. أي لو أعلم أن هذا ليشق عَلَيْكُمْ
لَكُنْتُ تَرَكْتُ سَوْقَ الْهَدْيِ حَتَّى أَحِلَّ كما أحللتم ومن ها
هنا تَتَّضِحُ الدَّلَالَةُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ كَمَا
ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَخْذًا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ
قَالَ: لَا أَشُكُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا وَلَكِنَّ التَّمَتُّعَ أفضل لتأسفه عليه
وجوابه أنه عليه السلام لَمْ يَتَأَسَّفْ عَلَى التَّمَتُّعِ
لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنَ الْقِرَانِ فِي حَقِّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ
وَإِنَّمَا تَأَسَّفَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي
بَقَائِهِ عَلَى إِحْرَامِهِ وَأَمْرِهِ لَهُمْ بِالْإِحْلَالِ
وَلِهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَمَّا تَأَمَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
هَذَا السِّرَّ نَصَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ عَلَى أَنَّ
التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يسق الهدى لأمره عليه
السلام مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالتَّمَتُّعِ
وَأَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ كَمَا
اخْتَارَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَمْرِهِ لَهُ بِذَلِكَ
كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فصل
ثُمَّ سَارَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ
مِنْ طَوَافِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَمْرِهِ بِالْفَسْخِ
لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ وَالنَّاسُ مَعَهُ حتى نزل بالأبطح شرقى
مكة فأقام لك بَقِيَّةَ يَوْمِ الْأَحَدِ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ
وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ حتى صلى الصبح من يوم الخميس كل ذلك
يصلى بأصحابه لك وَلَمْ يَعُدْ إِلَى الْكَعْبَةِ مِنْ تِلْكَ
الْأَيَّامِ كُلِّهَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ مَنْ لَمْ يَقْرَبِ
الْكَعْبَةَ وَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَةَ وَيَرْجِعَ
بَعْدَ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ
أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَطَافَ سَبْعًا
وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ
بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ انفرد به البخاري.
فصل
وَقَدِمَ- فِي هَذَا الْوَقْتِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ خَارِجَ مَكَّةَ- عَلِيٌّ
مِنَ الْيَمَنِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ بَعَثَهُ كَمَا قَدَّمْنَا إِلَى الْيَمَنِ أَمِيرًا بَعْدَ
خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا قَدِمَ
وَجَدَ زَوْجَتِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَلَّتْ كَمَا حَلَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ لَمْ يَسُوقُوا
الْهَدْيَ وَاكْتَحَلَتْ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا فَقَالَ مَنْ
أَمَرَكِ بِهَذَا قَالَتْ أَبِي فَذَهَبَ مُحَرِّشًا عَلَيْهَا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ
فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا حَلَّتْ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا
وَاكْتَحَلَتْ وَزَعَمَتْ أَنَّكَ أَمَرْتَهَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَقَالَ صَدَقَتْ صَدَقَتْ صَدَقَتْ. ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ أَهْلَلْتَ حِينَ
أَوْجَبْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ:
بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلَّ فَكَانَ
جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي جَاءَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ
وَالَّذِي أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَاشْتَرَاهُ فِي الطَّرِيقِ مِائَةً مِنَ
الْإِبِلِ وَاشْتَرَكَا فِي
(5/167)
الْهَدْيِ جَمِيعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا
كُلُّهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ
يَرُدُّ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ
الطَّبَرَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. أَنَّ عَلِيًّا تَلَقَّى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الْجُحْفَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَ أَبُو مُوسَى
فِي جُمْلَةِ مَنْ قَدِمَ مَعَ عَلِيٍّ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسُقْ
هَدْيًا فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِأَنْ يَحِلَّ بَعْدَ مَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ وَسَعَى فَفَسَخَ
حَجَّهُ إِلَى الْعُمْرَةِ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا فَكَانَ يُفْتِي
بِذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلَمَّا
رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُفْرِدَ الْحَجَّ عَنِ
الْعُمْرَةِ تَرَكَ فُتْيَاهُ مَهَابَةً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنْ
عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: رأيت بلالا يؤذن
ويدور ويتبع فاه ها هنا وها هنا وإصبعاه في أذنه. قَالَ: وَرَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ
أَرَاهَا مَنْ أَدَمٍ. قَالَ: فَخَرَجَ بِلَالٌ بَيْنَ يَدَيْهِ
بِالْعَنَزَةِ فَرَكَزَهَا فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَمِعْتُهُ بِمَكَّةَ
قَالَ: بِالْبَطْحَاءِ يمر بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَلْبُ وَالْمَرْأَةُ
وَالْحِمَارُ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى
بَرِيقِ سَاقَيْهِ قَالَ: سُفْيَانُ نَرَاهَا حِبَرَةً. وَقَالَ
أَحْمَدُ ثَنَا وَكِيعٌ ثنا سفيان عن عون ابن أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ
أَبِيهِ. قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ فَخَرَجَ
بِلَالٌ بِفَضْلِ وَضُوئِهِ فَمِنْ نَاضِحٍ وَنَائِلٍ. قَالَ:
فَأَذَّنَ بِلَالٌ فَكُنْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَكَذَا وَهَكَذَا-
يَعْنِي يَمِينًا وَشِمَالًا- قال ثم ركزت له عنزة فَخَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ لَهُ
حَمْرَاءُ أَوْ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ
سَاقَيْهِ فَصَلَّى بِنَا الى عنزة فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ لَهُ حَمْرَاءُ أَوْ
حُلَّةٌ حَمْرَاءُ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ
فَصَلَّى بِنَا إِلَى عَنَزَةٍ الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ
تَمُرُّ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ لَا يَمْنَعُ ثُمَّ لَمْ
يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ. وَقَالَ
مَرَّةً فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ
ثَنَا شعبة وحجاج عن الحكم سمعت أبا جحيفة قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى
الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ
يَدَيْهِ عَنَزَةٌ وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ عَنْ أَبِيهِ عن أبى جحيفة
وكان يمر من ورائنا الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ. قَالَ: حَجَّاجٌ فِي
الْحَدِيثِ ثُمَّ قَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَهُ
فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ. قَالَ:
فَأَخَذْتُ يَدَهُ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ
مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ
صَاحِبَا الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بتمامه.
فصل
فأقام عليه السلام بِالْأَبْطَحِ كَمَا قَدَّمْنَا يَوْمَ الْأَحَدِ
وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءَ وَيَوْمَ
الْأَرْبِعَاءَ.
وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَقَدِمَ فِي
هَذِهِ الْأَيَّامِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْيَمَنِ بِمَنْ
مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا مَعَهُ مِنَ الأموال ولم يعد عليه
السلام إلى الكعبة بعد ما طاف بها فلما أصبح عليه السلام يَوْمَ
الْخَمِيسِ صَلَّى بِالْأَبْطَحِ الصُّبْحَ مِنْ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ
يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيُقَالُ لَهُ يَوْمُ مِنًى لأنه يسار
(5/168)
فِيهِ إِلَيْهَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ قَبْلَ هَذَا
الْيَوْمِ. وَيُقَالُ لِلَّذِي قَبْلَهُ فِيمَا رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ
التعاليق يوم الزينة لأنه يزين فِيهِ الْبُدْنُ بِالْجِلَالِ
وَنَحْوِهَا فاللَّه أَعْلَمُ. قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجُلُودِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا أَبُو
قُرَّةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ كَانَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
خطب يَوْمِ التَّرْوِيَةِ خَطَبَ النَّاسَ فَأَخْبَرَهُمْ
بِمَنَاسِكِهِمْ، فَرَكِبَ عليه السلام قَاصِدًا إِلَى مِنًى قَبْلَ
الزَّوَالِ وَقِيلَ بَعْدَهُ وَأَحْرَمَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ
حَلُّوا بِالْحَجِّ مِنَ الْأَبْطَحِ حِينَ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى
وَانْبَعَثَتْ رَوَاحِلُهُمْ نَحْوَهَا.
قَالَ: عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَحْلَلْنَا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ
وَجَعَلْنَا مَكَّةَ مِنَّا بِظَهْرٍ، لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ. ذَكَرَهُ
الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مَجْزُومًا. وَقَالَ مُسْلِمٌ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ:
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا
أَحْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إِذَا تَوَجَّهْنَا إِلَى مِنًى. قَالَ:
وَأَهْلَلْنَا مِنَ الْأَبْطَحِ. وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ
لِابْنِ عُمَرَ رَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ
إِذَا رَأَوُا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى يَوْمِ
التَّرْوِيَةِ. فَقَالَ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ. رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ. قال البخاري وسئل عطاء عن
المجاوز مِنًى يُلَبِّي بِالْحَجِّ. فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ
يُلَبِّي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَاسْتَوَى
عَلَى رَاحِلَتِهِ قُلْتُ هَكَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ إِذَا
حَجَّ مُعْتَمِرًا يَحِلُّ مِنَ الْعُمْرَةِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ
التَّرْوِيَةِ لَا يُلَبِّي حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ
مُتَوَجِّهًا إِلَى مِنًى كَمَا أَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ بَعْدَ مَا صَلَّى
الظُّهْرَ وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، لَكِنْ يَوْمَ
التَّرْوِيَةِ لَمْ يُصَلِّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْأَبْطَحِ وَإِنَّمَا صَلَّاهَا يَوْمَئِذٍ
بِمِنًى وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ
أَيْنَ يصل الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ. قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بن مالك قال
قلت:
أخبرنى بشيء علقت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أين يصلى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ
بِمِنًى قُلْتُ:
فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالْأَبْطَحِ.
ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ
بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْرَقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ
الْأَزْرَقِ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ يُسْتَغْرَبُ
مِنْ حَدِيثِ الْأَزْرَقِ عن الثوري. ثم قال البخاري أنبأنا عَلِيٌّ
سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
رُفَيْعٍ. قَالَ لَقِيتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَحَدَّثَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ:
خَرَجْتُ إِلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلَقِيتُ أَنَسًا ذَاهِبًا
عَلَى حِمَارٍ فَقُلْتُ أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْيَوْمَ الظُّهْرَ؟ فَقَالَ انْظُرْ حَيْثُ
يُصَلِّي أُمَرَاؤُكَ فَصَلِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ
عَامِرٍ ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ
مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَمْسَ صَلَوَاتٍ بمنى. وقال
(5/169)
أَحْمَدُ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ
عَامِرٍ ثَنَا أَبُو مُحَيَّاةَ يَحْيَى بْنُ يَعْلَى التَّيْمِيُّ
عَنِ الأعمش عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ
التَّرْوِيَةِ بِمِنًى وَصَلَّى الْغَدَاةَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِهَا.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عن زهير بن حرب عن أحوص عن جَوَّابٍ عَنْ
عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ
بِهِ وَلَفْظُهُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْفَجْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ
بِمِنًى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْأَجْلَحِ عَنِ الْأَعْمَشِ بِمَعْنَاهُ. وَقَالَ
لَيْسَ هَذَا مِمَّا عَدَّهُ شُعْبَةُ فِيمَا سَمِعَهُ الْحَكَمُ عَنْ
مِقْسَمٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَجْلَحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صلى بنا رسول الله
بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ
ثُمَّ غَدَا إِلَى عَرَفَاتٍ. ثُمَّ قَالَ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ
مُسْلِمٍ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ. وَفِي الْبَابِ عَنْ عبد الله بن
الزبير وأنس ابن مالك. وقال الامام احمد [1] عَمَّنْ رَأَى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَاحَ إِلَى مِنًى يَوْمَ
التَّرْوِيَةِ وَإِلَى جَانِبِهِ بِلَالٌ بِيَدِهِ عُودٌ عَلَيْهِ
ثَوْبٌ يُظَلِّلُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَعْنِي مِنَ الْحَرِّ- تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَقَدْ نص
الشافعيّ على أنه عليه السلام رَكِبَ مِنَ الْأَبْطَحِ إِلَى مِنًى
بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى
فَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ فِي حديث جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَابِرِ. قَالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ
هَدْيٌ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى
فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ
وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى
طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ
لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ
لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ
بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ
النَّاسَ. وَقَالَ: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ
عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي
بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الجاهلية موضوع تحت
قدمي، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ
أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ وكان
مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ. وَرِبَا
الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا
العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي
النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ
وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ
عَلَيْهِنَّ أن لا يوطئن فرشكم أحد تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ
ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ
عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي إِنِ
اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي
فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟
قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ.
فَقَالَ: بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا الى السماء وينكتها
على النَّاسِ، اللَّهمّ اشْهَدْ اللَّهمّ اشْهَدْ اللَّهمّ اشْهَدْ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ
أنبأنا على بن
__________
[1] في التيمورية: بياض بين احمد وبين عمن.
(5/170)
حجر عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ
زِيَادِ بْنِ حِذْيَمِ بْنِ عَمْرٍو السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ: اعْلَمُوا أَنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ
وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا
كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا. وَقَالَ
أَبُو دَاوُدَ بَابُ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِعَرَفَةَ.
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ ثَنَا سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ
عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ، قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِعَرَفَةَ
وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ.
لِأَنَّ فِيهِ رَجُلًا مُبْهَمًا ثُمَّ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ
الطَّوِيلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السلام خَطَبَ عَلَى نَاقَتِهِ
الْقَصْوَاءِ. ثُمَّ قَالَ: أَبُو دَاوُدَ ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ عَنْ رَجُلٍ
مِنَ الْحَيِّ عَنْ أَبِيهِ نُبَيْطٍ:
أَنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاقِفًا بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ أَحْمَرَ يَخْطُبُ. وَهَذَا فِيهِ
مُبْهَمٌ أَيْضًا. وَلَكِنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ شَاهِدٌ لَهُ. ثُمَّ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَعُثْمَانُ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَا: ثَنَا وكيع عن عبد المجيد بن أَبِي
عَمْرٍو. قَالَ حَدَّثَنِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ.
وَقَالَ هَنَّادٌ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ
الْعَدَّاءِ بْنِ هَوْذَةَ. قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى
بَعِيرٍ قَائِمًا فِي الرِّكَابَيْنِ. قَالَ: أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ
ابْنُ الْعَلَاءِ عَنْ وَكِيعٍ كَمَا قَالَ هَنَّادٌ. وَحَدَّثَنَا
عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ ثَنَا
عَبْدُ الْمَجِيدِ أَبُو عَمْرٍو عَنِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ
بِمَعْنَاهُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ
الْخُفَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ
لِلْمُحْرِمِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى
بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ
عَبَّادٍ. قَالَ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي يَصْرُخُ فِي النَّاسِ
بِقَوْلِ رسول الله وَهُوَ بِعَرَفَةَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ
خَلَفٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل
أيها الناس إن رسول الله يَقُولُ: هَلْ تَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا
فَيَقُولُونَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ فَيَقُولُ قُلْ لَهُمْ إِنَّ
اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ
كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا. ثُمَّ يَقُولُ قُلْ أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّ رسول الله يَقُولُ هَلْ تَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا. وَذَكَرَ
تَمَامَ الْحَدِيثِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي
لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَمْرِو
بْنِ خَارِجَةَ. قَالَ بَعَثَنِي عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ
فِي حَاجَةٍ فَبَلَغْتُهُ ثُمَّ وَقَفْتُ تَحْتَ نَاقَتِهِ وَإِنَّ
لُعَابَهَا لِيَقَعُ عَلَى رَأْسِي فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَيُّهَا
الناس إن الله أَدَّى إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَإِنَّهُ لا
يجوز وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ
الْحَجَرُ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ
مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ الله له صَرْفًا وَلَا عَدْلًا. وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
غُنْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ
حَسَنٌ صَحِيحٌ قُلْتُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ عَلَى قَتَادَةَ وَاللَّهُ
أعلم. وسنذكر الخطبة التي خطبها عليه السلام بَعْدَ هَذِهِ الْخُطْبَةِ
يَوْمَ النَّحْرِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ
وَالتَّفَاصِيلِ وَالْآدَابِ النَّبَوِيَّةِ إِنْ شاء الله. قَالَ
الْبُخَارِيُّ بَابُ
(5/171)
التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ إِذَا غَدَا
مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَنْبَأَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ
أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى
إِلَى عَرَفَةَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ
يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ
الْمُكَبِّرُ مِنَّا فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ
كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بن أبى بكر بن عوف بن رباح الثَّقَفِيِّ
الْحِجَازِيِّ عَنْ أَنَسٍ بِهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ ثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ.
كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ أَنْ يَأْتَمَّ بِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْحَجِّ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ
جَاءَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ- أَوْ
زَالَتِ الشَّمْسُ- فَصَاحَ عن فُسْطَاطِهِ أَيْنَ هَذَا فَخَرَجَ
إِلَيْهِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ الرَّوَاحُ فَقَالَ: الْآنَ قَالَ
نَعَمْ! فَقَالَ: أَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَيَّ مَاءً فَنَزَلَ
ابْنُ عُمَرَ حَتَّى خَرَجَ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ
إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَاقْصُرِ
الْخُطْبَةَ وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ فَقَالَ: ابْنُ عمر صدق. ورواه
البخاري أيضا عن القعنبي عن مالك وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ
حَدِيثِ أَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. ثُمَّ قَالَ
الْبُخَارِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ. وَقَالَ اللَّيْثُ
حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ
الْحَجَّاجَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ
كَيْفَ تصنع في هذا الموقف فقال: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ
فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ صَدَقَ
إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي
السُّنَّةِ فَقُلْتُ لِسَالِمٍ أَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلْ تَبْتَغُونَ بِذَلِكَ إِلَّا
سنة. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا يعقوب
ثنا أبى عوف عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَا مِنْ
مِنًى حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ صَبِيحَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَنَزَلَ
بِنَمِرَةَ وَهِيَ مَنْزِلُ الْإِمَامِ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ
بِعَرَفَةَ، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَاحَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَجِّرًا
فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَهَكَذَا ذَكَرَ جَابِرٌ فِي
حَدِيثِهِ بَعْدَ مَا أَوْرَدَ الْخُطْبَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَالَ
ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ
فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. وهذا يقتضي
أنه عليه السلام خَطَبَ أَوَّلًا ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَلَمْ
يَتَعَرَّضْ لِلْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ
أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ جَعْفَرِ
بْنِ مُحَمَّدٍ عن أبيه وعن جابر في حجة الوداع. قَالَ: فَرَاحَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَوْقِفِ
بِعَرَفَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى ثُمَّ أَذَّنَ
بِلَالٌ ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ فَفَرَغَ مِنَ الْخُطْبَةِ وَبِلَالٌ
مِنَ الْأَذَانِ ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ
أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ. قال البيهقي تفرد به إبراهيم ابن
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى. قَالَ: مُسْلِمٌ عَنْ جابر ثُمَّ رَكِبَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى
الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى
الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ جَبَلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ
وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا يحيى ابن
سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ
عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ: أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا
فِي صِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ
بِحِلَابٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ
يَنْظُرُونَ
(5/172)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ هَارُونَ بْنِ
سَعِيدِ الْأَيْلِيِّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنْبَأَنَا مَالِكٌ عَنْ
النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا
تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ
وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ مَالِكٍ أَيْضًا. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ عَنْ أَبِي
النَّضْرِ بِهِ. قُلْتُ أُمُّ الْفَضْلِ هِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةَ
بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَقِصَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَصَحَّ إِسْنَادُ الْإِرْسَالِ اليها لأنه من
عندها اللَّهمّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ تَعَدَّدَ
الْإِرْسَالُ مِنْ هَذِهِ وَمِنْ هَذِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا إِسْمَاعِيلُ ثَنَا أَيُّوبُ قَالَ: لَا
أَدْرِي أَسَمِعْتُهُ مِنْ سَعِيدِ بن جبير أم عن بنيه عنه. قال: أتيت
على ابن عباس وهو بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَأْكُلُ رُمَّانًا. وَقَالَ:
أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِعَرَفَةَ وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ أُمُّ الْفَضْلِ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ
مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ تَمَارَوْا فِي
صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يوم عرفة فأرسلت أم
فضل الى رسول الله بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
ثَنَا عَبْدُ الرزاق وأبو بَكْرٍ قَالَا: أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ
قَالَ قَالَ عَطَاءٌ دَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْفَضْلَ
بْنَ عَبَّاسٍ إِلَى الطَّعَامِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ إِنِّي
صَائِمٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا تَصُمْ فإن رسول الله قُرِّبَ
إِلَيْهِ حِلَابٌ فِيهِ لَبَنٌ يَوْمَ عَرَفَةَ فَشَرِبَ مِنْهُ فَلَا
تَصُمْ فَإِنَّ النَّاسَ مُسْتَنُّونَ بِكُمْ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ
وَرَوْحٌ إِنَّ النَّاسَ يَسْتَنُّونَ بِكُمْ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ
قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ
وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا
تُحَنِّطُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مُلَبِّيًا.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ عَنْ
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ
أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة وأتاه أناس مِنْ
أَهْلِ نَجْدٍ فَسَأَلُوهُ عَنِ الْحَجِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الحج عَرَفَةُ) فَمَنْ أَدْرَكَ
لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ
فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ. وَقَدْ رَوَاهُ بَقِيَّةُ أَصْحَابِ السُّنَنِ
مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ زَادَ النَّسَائِيُّ وَشُعْبَةُ
عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَنْبَأَنَا
قُتَيْبَةُ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ يَزِيدَ
بْنَ شَيْبَانَ قَالَ كُنَّا وُقُوفًا بِعَرَفَةَ مَكَانًا بَعِيدًا
مِنَ الْمَوْقِفِ فَأَتَانَا ابْنُ مِرْبَعٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ
إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ كُونُوا
عَلَى مَشَاعِرِكُمْ فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ أَبِيكُمْ
إِبْرَاهِيمَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ. وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. وَابْنُ مربع
اسمه زيد بْنُ مِرْبَعٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ لَهُ
هَذَا
(5/173)
الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ. قَالَ وَفِي
الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ
وَالشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ: وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وقفت ها هنا
وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ زَادَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ وارفعوا
عن بطن عرفة [1] .
فصل
فيما حفظ من دعائه عليه السلام وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ: قَدْ
تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السلام أَفْطَرَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَدَلَّ
عَلَى أَنَّ الْإِفْطَارَ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنَ الصِّيَامِ لِمَا
فِيهِ مِنَ التقوى عَلَى الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَهَمُّ
هُنَاكَ، وَلِهَذَا وقف عليه السلام وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى الرَّاحِلَةِ
مِنْ لَدُنِ الزَّوَالِ إِلَى أَنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ. وَقَدْ رَوَى
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَوْشَبِ بْنِ عقيل
عن مهدي الهجري عن عكرمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ
عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثَنَا حَوْشَبُ بْنُ عُقَيْلٍ حَدَّثَنِي
مَهْدِيٌّ الْمُحَارِبِيُّ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي بَيْتِهِ
فَسَأَلْتُهُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ صوم عَرَفَةَ
بِعَرَفَاتٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَرَّةً عَنْ مَهْدِيٍّ
الْعَبْدِيِّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ حَوْشَبٍ
عَنْ مَهْدِيٍّ الْعَبْدِيِّ فَذَكَرَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عن حوشب. والنسائي عن سليمان ابن
مَعْبَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ بِهِ. وَعَنِ الْفَلَّاسِ عَنِ
ابْنِ مَهْدِيٍّ بِهِ. وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ
حَوْشَبٍ. وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ الْكَلْبِيُّ ثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ ثَنَا الْحَارِثُ
بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ حَوْشَبِ بْنِ عقيل عن مهدي الهجري عن عكرمة عن
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: كَذَا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَالْمَحْفُوظُ
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَى أَبُو حَاتِمٍ
مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ
فَقَالَ حججت مع رسول الله فَلَمْ يَصُمْهُ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ
يَصُمْهُ وَمَعَ عُمَرَ فَلَمْ يَصُمْهُ وَأَنَا فَلَا أَصُومُهُ وَلَا
آمُرُ بِهِ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ
زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ مولى ابن عباس عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا
قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ مَوْصُولًا
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدِّهِ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا
قُلْتُ أَنَا والنبيون من
__________
[1] كذا في الأصل ولعله بطن عرفة فإنه من عرفة.
(5/174)
قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَلِلْإِمَامِ أَحْمَدَ أَيْضًا عَنْ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. قَالَ: كَانَ
أَكْثَرَ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
عَرَفَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ
الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ النَّيْسَابُورِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
دَاوُدَ بْنِ جَابِرٍ الْأَحْمَسِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْمَوْصِلِيُّ ثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دُعَائِي وَدُعَاءُ الْأَنْبِيَاءِ
قَبْلِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي
ابْنَ عَبْدِ رَبِّهِ الْجِرْجِسِيَّ ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ
حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بْنُ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي يَحْيَى مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ بْنِ
الْعَوَّامِ عَنِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ بِعَرَفَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ
لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً
بِالْقِسْطِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 3: 18
وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ يَا رَبِّ. وَقَالَ
الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ ثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُثَنَّى بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ثنا عفان ابن
مُسْلِمٍ ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ الْأَغَرِّ بْنِ
الصَّبَّاحِ عَنْ خَلِيفَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا
وَالْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي
الدَّعَوَاتِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُؤَدِّبُ ثَنَا على بن
ثابت ثنا قيس ابن الرَّبِيعِ وَكَانَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَنِ
الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَكْثَرَ مَا دَعَا بِهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ
فِي الْمَوْقِفِ اللَّهمّ لك الحمد كالذي نقول وخير مِمَّا نَقُولُ
اللَّهمّ لَكَ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي وَلَكَ رَبِّ
تُرَاثِي، أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ
وَشَتَاتِ الْأَمْرِ. اللَّهمّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا
تَهُبُّ بِهِ الرِّيحُ. ثُمَّ قَالَ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَخِيهِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَكْثَرَ دُعَاءِ
مَنْ كَانَ قَبْلِي وَدُعَائِي يَوْمَ عَرَفَةَ أَنْ أَقُولَ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ
وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهمّ اجْعَلْ
فِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي قَلْبِي نُورًا.
اللَّهمّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي اللَّهمّ إِنِّي
أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَسْوَاسِ الصَّدْرِ وَشَتَاتِ الْأَمْرِ وَشَرِّ
فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَشَرِّ مَا يَلِجُ فِي اللَّيْلِ وَشَرِّ مَا
يَلِجُ فِي النَّهَارِ وَشَرِّ مَا تَهُبُّ بِهِ الرِّيَاحُ وَشَرِّ
بَوَائِقِ الدَّهْرِ. ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مُوسَى بْنُ
عُبَيْدَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ
عَلِيًّا: وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى
بن عثمان النصري ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ
صَالِحٍ الْأَيْلِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَطَاءِ
بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ فِيمَا دَعَا
بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ: اللَّهمّ إِنَّكَ تَسْمَعُ كَلَامِي وَتَرَى مَكَانِي
وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ
(5/175)
أَمْرِي، أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ
الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ الْوَجِلُ الْمُشْفِقُ الْمُقِرُّ
الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ وأبتهل
إليك ابتهال الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ،
مَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ وَفَاضَتْ لَكَ عَبْرَتُهُ، وَذَلَّ
لَكَ جَسَدُهُ وَرَغِمَ لَكَ أَنْفُهُ. اللَّهمّ لَا تَجْعَلْنِي
بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَكُنْ بِي رَءُوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ
الْمَسْئُولِينَ وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ. وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ثَنَا
عَطَاءٌ. قَالَ قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: كُنْتُ رَدِيفَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَرَفَعَ
يَدَيْهِ: يَدْعُو فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فَسَقَطَ خِطَامُهَا قَالَ
فَتَنَاوَلَ الْخِطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ
الْأُخْرَى. وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عن يعقوب بن إبراهيم عن
هشيم. وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب
ثنا على ابن الْحَسَنِ ثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيِّ
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِعَرَفَةَ يَدَاهُ إِلَى
صَدْرِهِ كَاسْتِطْعَامِ الْمِسْكِينِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ
الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ
السَّرِيِّ حَدَّثَنِي ابْنٌ كنانة بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ
لِأُمَّتِهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ فَأَكْثَرَ الدُّعَاءَ،
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ إِلَّا ظُلْمَ
بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَأَمَّا ذُنُوبُهُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ
فَقَدْ غَفَرْتُهَا فَقَالَ يَا رَبِّ إِنَّكَ قَادِرٌ عَلَى أَنَّ
تُثِيبَ هَذَا الْمَظْلُومَ خَيْرًا مِنْ مَظْلَمَتِهِ وَتَغْفِرَ
لِهَذَا الظَّالِمِ فَلَمْ يُجِبْهُ تِلْكَ الْعَشِيَّةَ، فَلَمَّا
كَانَ غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأَجَابَهُ اللَّهُ
تَعَالَى إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبَسَّمْتَ فِي سَاعَةٍ لَمْ تَكُنْ تَتَبَسَّمُ
فِيهَا. قَالَ تَبَسَّمْتُ مِنْ عَدُوِّ اللَّهِ إِبْلِيسَ إِنَّهُ
لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اسْتَجَابَ لِي فِي
أُمَّتِي أَهْوَى يَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَيَحْثُو
التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ
فِي سُنَنِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبِرَكِيِّ وَأَبِي
الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ
السَّرِيِّ عَنِ ابْنِ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُخْتَصَرًا. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ
أَيُّوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيِّ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ
السَّرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ مُطَوَّلًا: وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي
تَفْسِيرِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَيْفٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ عَبْدِ
الْقَاهِرِ بْنِ السَّرِيِّ عن ابن كنانة يقال له أبو لبابة عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فَذَكَرَهُ وَقَالَ
الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا
مَعْمَرٌ عَمَّنْ سَمِعَ قَتَادَةَ يَقُولُ ثَنَا جلاس بْنُ عَمْرٍو
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ
اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَغَفَرَ لَكُمْ
إِلَّا التَّبِعَاتِ فِيمَا بَيْنَكُمْ، وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ
لِمُحْسِنِكُمْ. وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ. فَادْفَعُوا
بِسْمِ اللَّهِ. فَلَمَّا كانوا يجمع. قال إن الله قد غفر لصالحكم وشفع
لصالحيكم فِي طَالِحِيكُمْ، تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ فَتَعُمُّهُمْ ثُمَّ
تَفَرَّقُ الرَّحْمَةُ فِي الْأَرْضِ فَتَقَعُ عَلَى كُلِّ تَائِبٍ
مِمَّنْ حَفِظَ لِسَانَهُ وَيَدَهُ. وَإِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ عَلَى
جبال عرفات
(5/176)
يَنْظُرُونَ مَا يَصْنَعُ اللَّهُ بِهِمْ،
فَإِذَا نَزَلَتِ الرحمة دعا هو وجنوده بالويل والثبور، كنت أستفرهم
حقبا من الدهر [1] الْمَغْفِرَةُ فَغَشِيَتْهُمْ، فَيَتَفَرَّقُونَ
يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ.
ذِكْرُ ما نزل على رسول الله مِنَ الْوَحْيِ الْمُنِيفِ فِي هَذَا
الْمَوْقِفِ الشَّرِيفِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ ثَنَا أَبُو
الْعُمَيْسِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ.
قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً فِي
كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ
لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ وَأَيُّ آيَةٍ هِيَ؟
قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ
دِيناً 5: 3 فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ
الَّذِي نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَالسَّاعَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فِي
يَوْمِ جُمُعَةٍ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
الصَّبَّاحِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا
وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ قَيْسِ
بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ.
ذِكْرُ إِفَاضَتِهِ عَلَيْهِ السلام مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى الْمَشْعَرِ
الْحَرَامِ
قَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ: فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا
حَتَّى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا قَلِيلًا حِينَ غَابَ الْقُرْصُ
فَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شنق ناقته القصواء الزمام حتى إن
رأسها ليصيب مورك رجله، ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة
السكينة!! كُلَّمَا أَتَى جَبَلًا مِنَ الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا
قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى
بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ
يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ بَابُ السَّيْرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ. حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنْبَأَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا جَالِسٌ
كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ. قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ
فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. قَالَ: هِشَامٌ- وَالنَّصُّ- فَوْقَ
الْعَنَقِ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ
إِلَّا التِّرْمِذِيَّ مِنْ طُرُقٍ عِدَّةٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ اسامة بن زيد. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا
يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ: كُنْتُ
رَدِيفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ
عَرَفَةَ. قَالَ: فَلَمَّا وَقَعَتِ الشَّمْسُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سَمِعَ حَطْمَةَ النَّاسِ
خَلْفَهُ. قَالَ: رُوَيْدًا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ
إِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ [2] . قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَحَمَ عَلَيْهِ
النَّاسُ أَعْنَقَ وَإِذَا، وَجَدَ فُرَجَةً نَصَّ، حَتَّى أَتَى
الْمُزْدَلِفَةَ فجمع فيها بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ. ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ
طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ
عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ اسامة بن زيد فذكر مثله. وقال:
__________
[1] بياض بالأصل ولعله (خوف المغفرة) .
[2] الإيضاع: حمل البعير على سرعة السير.
(5/177)
الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا أَبُو كَامِلٍ
ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ وَأَنَا رَدِيفُهُ
فَجَعَلَ يَكْبَحُ رَاحِلَتَهُ حتى إن ذفراها [1] ليكاد يصيب قَادِمَةَ
الرَّحْلِ. وَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ
وَالْوَقَارَ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ فِي إِيضَاعِ الْإِبِلِ.
وَكَذَا رَوَاهُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ
هَارُونَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بِنَحْوِهِ. قَالَ وَقَالَ:
أُسَامَةُ فَمَا زَالَ يَسِيرُ عَلَى هينة حَتَّى أَتَى جَمْعًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ
ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ شُعْبَةَ
عَنِ ابن عباس عن اسامة ابن زيد. أنه ردف رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ حَتَّى دَخَلَ الشِّعْبَ
ثُمَّ أَهْرَاقَ الْمَاءَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَكِبَ وَلَمْ يُصَلِّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ثَنَا هَمَّامٌ
عَنْ قتادة عن عروة عن الشعبي عن اسامة بن زيد أَنَّهُ حَدَّثَهُ.
قَالَ: كُنْتُ رَدِيفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عرفات فلم ترفع راحلته رجلها غادية
حَتَّى بَلَغَ جَمْعًا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَخْبَرَنِي أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَهُ مِنْ عَرَفَةَ فَلَمَّا أَتَى الشِّعْبَ
نَزَلَ فَبَالَ وَلَمْ يَقُلْ أَهْرَاقَ الْمَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ
فَتَوَضَّأَ وَضُوءًا خَفِيفًا فَقُلْتُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ
الصَّلَاةُ أَمَامَكَ. قَالَ: ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى
الْمَغْرِبَ ثُمَّ حلوا رحالهم ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ. كَذَا رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ
بْنِ زَيْدٍ فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الْحُسَيْنِ بن
حرب عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ
وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ كِلَاهُمَا عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ. قَالَ: شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ
الْمِزِّيُّ فِي أَطْرَافِهِ وَالصَّحِيحُ كُرَيْبٌ عَنْ أُسَامَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنْبَأَنَا
مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بن عقبة عن كريب عن أسامة بن زَيْدٍ. أَنَّهُ
سَمِعَهُ يَقُولُ دَفَعَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ فَنَزَلَ الشِّعْبَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ
فَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَقُلْتُ لَهُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ
الصَّلَاةُ أَمَامَكَ. فَجَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ
ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ
إِنْسَانٍ بِعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ
فَصَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا. وَهَكَذَا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى
بْنِ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهِ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَيْضًا. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ
عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ كَنَحْوِ رِوَايَةِ أَخِيهِمَا مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ عَنْهُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا ثَنَا قُتَيْبَةُ
ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
حَرْمَلَةَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. أَنَّهُ قَالَ:
رَدَفْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا
بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّعْبَ
الْأَيْسَرَ الَّذِي دُونَ الْمُزْدَلِفَةَ أَنَاخَ فَبَالَ ثُمَّ
جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خفيفا.
فقلت الصلاة
__________
[1] ذفرى البعير: أصل اذنه.
(5/178)
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ
أَمَامَكَ، فَرَكِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى ثُمَّ رَدِفَ
الْفَضْلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ
جَمْعٍ. قَالَ: كُرَيْبٌ فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ
عَنِ الْفَضْلِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنِ
أَيُّوبَ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
جَعْفَرٍ بِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا
عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ أَرْدَفَهُ مِنْ عَرَفَةَ. قَالَ فَقَالَ: النَّاسُ
سَيُخْبِرُنَا صَاحِبُنَا مَا صَنَعَ. قَالَ فَقَالَ: أُسَامَةُ لَمَّا
دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ فَوَقَفَ، كَفَّ رَأْسَ رَاحِلَتِهِ حَتَّى
أَصَابَ رَأْسُهَا وَاسِطَةَ الرَّحْلِ أَوْ كَادَ يُصِيبُهُ يُشِيرُ
إِلَى النَّاسِ بِيَدِهِ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ!!
حَتَّى أَتَى جَمْعًا ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ
فَقَالَ: النَّاسُ سَيُخْبِرُنَا صَاحِبُنَا بما صنع رسول الله فَقَالَ
الْفَضْلُ: لَمْ يَزَلْ يَسِيرُ سَيْرًا لَيِّنًا كَسَيْرِهِ
بِالْأَمْسِ حَتَّى أَتَى عَلَى وَادِي مُحَسِّرٍ فَدَفَعَ فِيهِ
حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ الْأَرْضُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا سَعِيدُ
بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ حَدَّثَنِي
عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى وَالِبَةَ الْكُوفِيِّ حَدَّثَنِي ابْنُ
عَبَّاسٍ. أَنَّهُ دفع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ عَرَفَةَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا لِلْإِبِلِ فَأَشَارَ
بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ
بِالسَّكِينَةِ! فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ تَفَرَّدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ والنسائي هذا من طريق عطاء ابن أَبِي
رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فاللَّه
أَعْلَمُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عُمَرَ ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. قَالَ: لما أفاض رسول مِنْ عَرَفَاتٍ أَوْضَعَ النَّاسُ
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَيُّهَا النَّاسُ
لَيْسَ الْبِرُّ بِإِيضَاعِ الْخَيْلِ وَلَا الرِّكَابِ. قَالَ فَمَا
رَأَيْتُ مِنْ رافعة يديها غادية حَتَّى نَزَلَ جَمْعًا. وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا حُسَيْنٌ وَأَبُو نُعَيْمٍ. قَالَا: ثَنَا
إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنِي
مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمْ يَنْزِلْ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَاتٍ وجمع إلا أريق
الْمَاءَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ. كُنْتُ
مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِعَرَفَاتٍ فَلَمَّا كَانَ حِينَ رَاحَ رُحْتُ
مَعَهُ حَتَّى الْإِمَامَ فَصَلَّى مَعَهُ الْأُولَى وَالْعَصْرَ ثُمَّ
وَقَفَ وَأَنَا وَأَصْحَابٌ لِي حَتَّى أَفَاضَ الْإِمَامُ فَأَفَضْنَا
مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْمَضِيقِ دُونَ الْمَأْزِمَيْنِ
فَأَنَاخَ وَأَنَخْنَا وَنَحْنُ نَحْسَبُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ
يُصَلِّيَ فَقَالَ غُلَامُهُ الَّذِي يُمْسِكُ رَاحِلَتَهُ إِنَّهُ
لَيْسَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَكَانِ
قَضَى حَاجَتَهُ فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ ثَنَا مُوسَى ثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ. قَالَ:
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ غَيْرَ أَنَّهُ يَمُرُّ بِالشِّعْبِ الَّذِي
أَخَذَهُ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم فيدخل فينتقص
وَيَتَوَضَّأُ وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِيءَ جَمْعًا تَفَرَّدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وقال البخاري
ثنا آدم بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ وَلَمْ
(5/179)
يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلَا عَلَى إِثْرِ
وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى
عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ
وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا. ثُمَّ قَالَ: مُسْلِمٌ
حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ أَخْبَرَهُ أن أباه. قال: جمع رسول الله بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا سَجْدَةٌ فَصَلَّى
الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ
فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي بِجَمْعٍ كَذَلِكَ حَتَّى لَحِقَ
باللَّه. ثُمَّ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ
وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. أَنَّهُ صَلَّى
الْمَغْرِبَ بِجَمْعٍ وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ
حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى مِثْلَ ذَلِكَ. وَحَدَّثَ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ
سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: جَمَعَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَالْعِشَاءَ
رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ ثَنَا أَبُو
بكر ابن أبى شيبة ثنا عبد الله بن جبير ثَنَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَالَ قَالَ: سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
أَفَضْنَا مَعَ ابْنِ عُمَرَ حَتَّى أَتَيْنَا جَمْعًا فَصَلَّى بِنَا
الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ انْصَرَفَ،
فَقَالَ:
هَكَذَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَكَانِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا خَالِدُ
بْنُ مَخْلَدٍ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يزيد الخطميّ حدثني أبو يزيد الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع في حجة الوداع بين
الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
أَيْضًا فِي الْمَغَازِي عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ
مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ
ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عدي بن
ثابت. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنِ الْفَلَّاسِ عَنْ يَحْيَى
الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ بِهِ. ثُمَّ
قَالَ الْبُخَارِيُّ بَابُ مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ
حَرْبٍ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
يَزِيدَ يَقُولُ: حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ
حِينَ الْأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ
رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَصَلَّى
بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى، ثُمَّ
أَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ. قَالَ عَمْرٌو: - لَا أَعْلَمُ
الشَّكَّ إِلَّا مِنْ زُهَيْرٍ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ
فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ. قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا
هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ هُمَا صَلَاتَانِ تُحَوَّلَانِ عَنْ وَقْتِهِمَا
صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدَلِفَةَ
وَالْفَجْرِ حِينَ يبرغ الْفَجْرُ. قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ وَهَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ
قَوْلُهُ وَالْفَجْرِ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ أَبْيَنُ وَأَظْهَرُ
مِنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَفْصِ
بْنِ عُمَرَ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً بغير مِيقَاتِهَا إِلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ
بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وصلاة الْفَجْرَ قَبْلَ مِيقَاتِهَا.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَجَرِيرٍ عَنِ
الْأَعْمَشِ بِهِ. وَقَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ ثُمَّ اضْطَجَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(5/180)
حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى
الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ.
وَقَدْ شَهِدَ مَعَهُ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ
أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ الطَّائِيُّ. قَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ ثَنَا هُشَيْمٌ ثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ وَزَكَرِيَّا عَنِ
الشَّعْبِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ. قَالَ: أَتَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِجَمْعٍ
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُكَ من جبلي طيِّئ أتعبت نفسي
وأنضيت رَاحِلَتِي وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلَّا وَقَفْتُ
عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟
فَقَالَ: مَنْ شَهِدَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ يَعْنِي صَلَاةَ الفجر
بجمع ووقف معنا حتى يفيض مِنْهُ. وَقَدْ أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ
عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى
تَفَثَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَأَهْلُ
السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ مُضَرِّسٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فصل
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدَّمَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ
قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى. قَالَ
الْبُخَارِيُّ بَابُ مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ
فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَدْعُونَ وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ
الْقَمَرُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ
يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ قَالَ: سَالِمٌ كَانَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِلَيْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا
لَهُمْ ثُمَّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ وَقَبْلَ أَنْ
يَدْفَعَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا
الْجَمْرَةَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سفيان
أخبرنى عبد اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ:
أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: بَعَثَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَنْ جَمْعٍ بِسَحَرٍ مَعَ ثَقَلِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَنِ
الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: قدّمنا رسول الله
أغيلمة بنى عبد المطلب على حراثنا فَجَعَلَ يَلْطَحُ [1] أَفْخَاذَنَا
بِيَدِهِ وَيَقُولُ أَبَنِيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ مَا إِخَالُ أَحَدًا
يَرْمِي الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وَقَدْ رَوَاهُ
أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فَذَكَرَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِهِ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرٍ
وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ
بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا أَبُو
الْأَحْوَصِ عَنِ الأعمش عن الحكم
__________
[1] اللطح (بالحاء المهملة) الضرب بالكف وليس بالشديد.
(5/181)
ابن عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. قَالَ: مر بنا رسول الله لَيْلَةَ النَّحْرِ وَعَلَيْنَا
سَوَادٌ مِنَ اللَّيْلِ فَجَعَلَ يضرب أفخاذنا ويقول أبني أفيضوا لا
تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. ثُمَّ رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ
مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعَفَةَ أهله من المزدلفة بليل فجعل
يوصيهم أن لا يَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ. وَقَالَ أبو داود ثنا عثمان ابن أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ ثَنَا حمزة الزيات بن حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم- يعنى أن لا يَرْمُوا
الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ-.
وَكَذَا رَوَاهُ النسائي عن محمود بن غليلان عَنْ بِشْرِ بْنِ
السَّرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبٍ. قَالَ:
الطَّبَرَانِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ فَخَرَجَ حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ مِنْ عُهْدَتِهِ وَجَادَ
إِسْنَادُ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ
ثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يحيي عن ابن جريج حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ
مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ
عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ
قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ قُلْتُ لَا فَصَلَّتْ
سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ نَعَمْ! قَالَتْ
فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلْنَا فَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ
ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا فَقُلْتُ لَهَا
يَا هَنْتَاهُ مَا أُرَانَا إِلَّا قَدْ غَلَّسْنَا فَقَالَتْ: يَا
بُنَيَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَذِنَ لِلظُّعُنِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ
بِهِ فَإِنْ كَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ رَمَتِ الْجِمَارَ
قَبْلَ طلوع الشمس كما ذكر ها هنا عَنْ تَوْقِيفٍ فَرِوَايَتُهَا
مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّ إِسْنَادَ
حَدِيثِهَا أَصَحُّ مِنْ إِسْنَادِ حَدِيثِهِ اللَّهمّ إِلَّا أَنْ
يُقَالَ إِنَّ الْغِلْمَانَ أَخَفُّ حَالًا مِنَ النِّسَاءِ وَأَنْشَطُ
فَلِهَذَا أُمِرَ الغلمان بأن لا يَرْمُوا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَأُذِنَ لِلظُّعُنِ فِي الرَّمْيِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
لِأَنَّهُمْ أَثْقَلُ حَالًا وَأَبْلَغُ فِي التَّسَتُّرِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَتْ أَسْمَاءُ لَمْ تَفْعَلْهُ عَنْ تَوْقِيفٍ
فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِهَا. لَكِنْ يُقَوِّي
الْأَوَّلَ قَوْلُ أَبِي دَاوُدَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ
الْبَاهِلِيُّ ثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ
أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا رَمَتِ الْجَمْرَةَ
بِلَيْلٍ قُلْتُ إِنَّا رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ قَالَتْ إِنَّا
كُنَّا نَصْنَعُ هَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا
أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ
النَّاسِ وَكَانَتِ امْرَأَةً بَطِيئَةً فَأَذِنَ لَهَا فَدَفَعَتْ
قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ وَأَقَمْنَا نَحْنُ حَتَّى أَصْبَحْنَا ثُمَّ
دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ فَلَأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ
الْقَعْنَبِيِّ عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ بِهِ. وَأَخْرَجَاهُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا ابْنُ
أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ الضَّحَّاكِ- يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ- عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة. أَنَّهَا قَالَتْ
أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ
سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتِ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ
ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي يَكُونَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ
(5/182)
أَبُو دَاوُدَ- يَعْنِي عِنْدَهَا-.
انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ
رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
ذكر تلبيته عليه السلام بِالْمُزْدَلِفَةِ
قَالَ مُسْلِمٌ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا أَبُو
الْأَحْوَصِ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَنَحْنُ
بِجَمْعٍ سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ
يَقُولُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، لَبَّيْكَ اللَّهمّ لَبَّيْكَ.
فصل
في وُقُوفُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَدَفْعُهُ
مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَإِيضَاعُهُ فِي
وَادِي مُحَسِّرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ
عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ 2: 198 الآية.
وَقَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ: فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ
لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ
حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ
فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ،
فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا وَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ
تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَرَاءَهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ منهال ثنا شعبة عن ابن
إِسْحَاقَ. قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقُولُ: شهدت عمر
صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ
كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ
أَشْرِقْ ثَبِيرُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ ثَنَا إِسْرَائِيلُ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ. قَالَ:
خَرَجْتُ مَعَ عبد الله الى مكة ثم قدمنا جمعا فصلى صلاتين كُلَّ
صَلَاةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَالْعِشَاءُ بَيْنَهُمَا،
ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ. قَائِلٌ يَقُولُ
طَلَعَ الْفَجْرُ وَقَائِلٌ يَقُولُ لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ. ثُمَّ
قَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا
الْمَكَانِ الْمَغْرِبَ، فلا تقدم الناس جمعا حتى يقيموا وَصَلَاةَ
الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ. ثُمَّ
قَالَ: لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الْآنَ أَصَابَ
السُّنَّةَ فَلَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كان أسرع أو دفع عثمان فَلَمْ
يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى ثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المبارك العبسيّ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ
سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
مَخْرَمَةَ عن المسور بن مخرمة. قال: خطبنا رسول الله بِعَرَفَةَ
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ
فَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ كَانُوا يدفعون من ها هنا
عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ حَتَّى تَكُونَ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ
الْجِبَالِ مِثْلَ عَمَائِمِ الرِّجَالِ عَلَى رُءُوسِهَا، هَدْيُنَا
مُخَالِفٌ لِهَدْيِهِمْ. وَكَانُوا يَدْفَعُونَ مِنَ الْمَشْعَرِ
الْحَرَامِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ مِثْلَ
عَمَائِمِ الرِّجَالِ عَلَى رُءُوسِهَا، هَدْيُنَا مُخَالِفٌ
لِهَدْيِهِمْ. قَالَ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عن ابن
جريج عن محمد
(5/183)
ابن قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ مُرْسَلًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثنا أبو خالد سليمان بن حيان سَمِعْتُ
الْأَعْمَشَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ مِنَ
الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا
زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا أَبِي عَنْ
يُونُسَ الْأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابن عبد
الله بن عباس. أن اسامة كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ
أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى. قَالَ
فَكِلَاهُمَا قَالَ لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَرَوَاهُ
ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَى مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي
مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَكَانَ
رَدِيفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ
دَفَعُوا عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ حَتَّى
دَخَلَ مُحَسِّرًا وَهُوَ مِنْ مِنًى. قَالَ:
عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ.
قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ. وَقَالَ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ بَابُ الْإِيضَاعِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ. أَخْبَرَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَبُو عمرو المقري وأبو
بكر الوراق أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ
عَمَّارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَا: ثَنَا حَاتِمُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَابِرِ فِي حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: حَتَّى إِذَا أَتَى مُحَسِّرًا حَرَّكَ قَلِيلًا. رَوَاهُ
مُسْلِمٌ في الصحيح عن أبى بكر بن شَيْبَةَ. ثُمَّ رَوَى
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: أَفَاضَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَأَمَرَهُمْ
بِالسَّكِينَةِ وَأَوْضَعَ فِي وَادِي محسر، وأمرهم أن يرموا الجمار
بمثل حَصَى الْخَذْفِ وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ لَعَلِّي
لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا. ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ
زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
رَافِعٍ عَنْ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى أَتَى محسرا فقرع نَاقَتَهُ
حَتَّى جَاوَزَ الْوَادِيَ فَوَقَفَ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ ثُمَّ
أَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا. هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا سفيان بن عبد الرحمن بن الحارث ابن
عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ وَقَفَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة فقال: إن
هَذَا الْمَوْقِفُ وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَأَفَاضَ حِينَ
غَابَتِ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ فَجَعَلَ يُعْنِقُ عَلَى
بَعِيرِهِ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا لَا يَلْتَفِتُ
إِلَيْهِمْ وَيَقُولُ السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ ثُمَّ أَتَى
جَمْعًا فَصَلَّى بِهِمُ الصَّلَاتَيْنِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ
ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ أَتَى قُزَحَ فَوَقَفَ عَلَى قُزَحَ
فَقَالَ هَذَا الْمَوْقِفُ وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ثُمَّ سَارَ
حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَرَعَ دَابَّتَهُ
فَخَبَّتْ حَتَّى جَازَ الْوَادِيَ ثُمَّ حَبَسَهَا، ثُمَّ أَرْدَفَ
الْفَضْلَ وَسَارَ حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى
الْمَنْحَرَ. فَقَالَ: هَذَا الْمَنْحَرُ وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ.
قَالَ وَاسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمٍ. فَقَالَتْ:
إِنَّ أَبِي شيخ كبير قد أفند [1] .
__________
[1] افند. إذا تكلم بالفند والفند الكذب ثم قالوا للشيخ إذا هرم قد
افند لانه يتكلم بالمخرف.
(5/184)
وَقَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي
الْحَجِّ فَهَلْ يجزئ عنه أن أودى عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ! فَأَدِّي
عَنْ أَبِيكِ. قَالَ وَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ فَقَالَ: لَهُ
الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟
قَالَ: رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ
عَلَيْهِمَا. قَالَ ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ. قَالَ انْحَرْ وَلَا حَرَجَ. ثُمَّ
أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَفَضْتُ قَبْلَ
أَنْ أَحْلِقَ قَالَ احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ وَلَا حَرَجَ. ثُمَّ أَتَى
الْبَيْتَ فَطَافَ ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ سِقَايَتَكُمْ وَلَوْلَا أن يغلبكم الناس عليها انزعت
معكم. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ
يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ.
وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِي حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ
عَلِيٍّ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قُلْتُ وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ
وُجُوهٍ صَحِيحَةٍ مُخَرَّجَةٍ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا فَمِنْ
ذَلِكَ قِصَّةُ الْخَثْعَمِيَّةِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
طَرِيقِ الْفَضْلِ وَتَقَدَّمَتْ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَسَنَذْكُرُ
مِنْ ذَلِكَ مَا تَيَسَّرَ وَقَدْ حَكَى البيهقي باسناد عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْإِسْرَاعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ وَقَالَ
إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْرَابِ. قَالَ: وَالْمُثْبِتُ
مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي قُلْتُ وَفِي ثُبُوتِهِ عَنْهُ نَظَرٌ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَصَحَّ مِنْ صَنِيعِ الشَّيْخَيْنِ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ فَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ النَّجَّادِ وَغَيْرِهِ عَنْ
أَبِي عَلِيٍّ محمد ابن مُعَاذِ بْنِ الْمُسْتَهِلِّ الْمَعْرُوفِ
بِدُرَّانَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ المسور ابن مخرمة أن عمر كان يوضع ويقول:
إليك تعدوا قَلِقًا وَضِينُهَا ... مُخَالِفٌ دِينَ النَّصَارَى
دِينُهَا
ذِكْرُ رميه عليه السلام جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحْدَهَا يَوْمَ
النَّحْرِ وَكَيْفَ رَمَاهَا وَمَتَى رَمَاهَا وَمِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ
رَمَاهَا وَبِكَمْ رَمَاهَا وَقَطْعِهِ التَّلْبِيَةَ حِينَ رَمَاهَا
قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ وَالْفَضْلِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ
الصَّحَابَةِ رضى الله عنهم أجمعين أنه عليه السلام لَمْ يَزَلْ
يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ
أَنْبَأَنَا الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرِ
بْنُ خُزَيْمَةَ أَنْبَأَنَا جَدِّي- يَعْنِي إِمَامَ الْأَئِمَّةِ-
مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ
ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: رَمَقْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ
بِأَوَّلِ حَصَاةٍ. وَبِهِ عَنِ ابْنِ خُزَيْمَةَ ثَنَا عُمَرُ بْنُ
حَفْصٍ الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ. قَالَ: أَفَضْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ
عَرَفَاتٍ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ
يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مَعَ آخِرِ
حَصَاةٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ غَرِيبَةٌ لَيْسَتْ
فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ
وَإِنْ كَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ قَدِ اخْتَارَهَا.
(5/185)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ. قَالَ: أَفَضْتُ
مَعَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَمَا أَزَالُ أَسْمَعُهُ يُلَبِّي
حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَلَمَّا قَذَفَهَا أَمْسَكَ.
فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ: رَأَيْتُ أَبِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَأَخْبَرَنِي
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَخِيهِ
الْفَضْلِ. أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ
النَّاسَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ
الْجَمْرَةُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ. قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم غداة يوم النحر هات فألقط لي حصا
فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ فَوَضَعَهُنَّ فِي
يَدِهِ فَقَالَ: بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ،
وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ
الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ جَابِرٌ فِي
حَدِيثِهِ حَتَّى أَتَى بِطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ
سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ
الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ
يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ رَمَى
مِنْ بَطْنِ الْوَادِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
وَقَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَمَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يوم النحر ضحى، ورمى بعدد ذَلِكَ بَعْدَ
الزَّوَالِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ
أَسْنَدَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو
الزُّبَيْرِ سَمِعَ جَابِرًا. قَالَ: رَمَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى
وَأَمَّا بَعْدُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
يَزِيدَ. قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللَّهِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي فَقُلْتُ
يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ
فَوْقِهَا. فَقَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ هَذَا مَقَامُ
الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ لَفْظُ
الْبُخَارِيِّ. وَفِي لَفْظٍ لَهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنِ
الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ أَتَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى
فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى
بِسَبْعٍ. وَقَالَ هَكَذَا أرمى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ
الْبَقَرَةِ. ثُمَّ قَالَ البخاري باب من رمى الحمار بِسَبْعٍ
يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ قَالَهُ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا إِنَّمَا يُعْرَفُ فِي
حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَابِرِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا
بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مثل حَصَى
الْخَذْفِ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مِنْ
حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَمَى الْجَمْرَةَ
مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ
حَصَاةٍ. ثم قال من ها هنا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ قَامَ
الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ سَمِعَ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يرمى
الْجَمْرَةَ بِسَبْعٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ. وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا ثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ الْحَكَمِ
عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ- يَعْنِي مِقْسَمًا- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ
جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا. وَرَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ يحيى ابن زَكَرِيَّا
بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَقَالَ حَسَنٌ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ
(5/186)
الْأَحْمَرِ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ
أَرْطَاةَ بِهِ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ
مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ من حديث يزيد ابن زِيَادٍ عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جُنْدُبٍ
الْأَزْدِيَّةِ. قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجِمَارَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَهُوَ
رَاكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَرَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ
يَسْتُرُهُ فَسَأَلْتُ عَنِ الرَّجُلِ فَقَالُوا الْفَضْلُ بْنُ
عَبَّاسٍ فَازْدَحَمَ النَّاسُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ
بعضا، وإذا رميتم الجمرة فارموه بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ. لَفْظُ
أَبِي دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَتْ: رَأَيْتُهُ عِنْدَ
جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا وَرَأَيْتُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ حَجَرًا
فَرَمَى وَرَمَى النَّاسُ وَلَمْ يَقُمْ عِنْدَهَا. وَلِابْنِ مَاجَهْ
قَالَتْ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
النَّحْرِ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَهُوَ رَاكِبٌ على بغلة. وذكر
الحديث وذكر البغلة ها هنا غَرِيبٌ جِدًّا. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي
صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى
رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ
فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حديث زيد ابن أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ
يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَيْنِ
سَمِعْتُهَا تَقُولُ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ
الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ
وَهُوَ يَقُولُ:
لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ
بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ حججت مع رسول الله
حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا أَحَدُهُمَا آخِذٌ
بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى
جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا أَبُو
أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا أَيْمَنُ
بْنُ نَابِلٍ ثَنَا قُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِلَابِيُّ.
أَنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى
جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى
نَاقَةٍ لَهُ صَهْبَاءَ، لَا ضَرْبٌ وَلَا طَرْدٌ وَلَا إِلَيْكَ
إِلَيْكَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عن وكيع ومعتمر ابن سُلَيْمَانَ
وَأَبِي قُرَّةَ مُوسَى بْنِ طَارِقٍ الزَّبِيدِيِّ ثلاثتهم عن أيمن بن
نائل بِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي قُرَّةَ عَنْ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيْمَنَ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ بِهِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَيْمَنَ
بْنِ نَابِلٍ بِهِ. وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا نُوحُ بْنُ مَيْمُونٍ ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ- يَعْنِي الْعُمَرِيَّ- عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عمر
برمي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى دَابَّتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكَانَ
لَا يَأْتِي سَائِرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا مَاشِيًا. وَزَعَمَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَأْتِيهَا
إِلَّا مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ
الْقَعْنَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الله العمرى به.
فصل
قَالَ جَابِرٌ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا
وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ
وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ
بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا
وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا.
(5/187)
وسنتكلم على هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عبد الرحمن بن معاذ عَنْ رَجُلٍ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى
ونزّلهم منازلهم فقال: لينزل المهاجرون ها هنا وأشار الى ميمنة القبلة
والأنصار ها هنا وَأَشَارَ إِلَى مَيْسَرَةِ الْقِبْلَةِ. ثُمَّ
لِيَنْزِلِ النَّاسُ حَوْلَهُمْ. قَالَ: وَعَلَّمَهُمْ مَنَاسِكَهُمْ
فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُ أَهْلِ مِنًى حَتَّى سَمِعُوهُ فِي
مَنَازِلِهِمْ. قَالَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ارْمُوا الْجَمْرَةَ
بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ. وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ لِيَنْزِلِ النَّاسُ
حَوْلَهُمْ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ
بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ
عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ
الْأَعْرَجِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن ابن
مُعَاذٍ التَّيْمِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِمِنًى فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا حَتَّى
كَأَنَّا نَسْمَعُ مَا يَقُولُ الْحَدِيثَ. ذَكَرَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَشَرَكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي الْهَدْيِ وَأَنَّ جَمَاعَةَ
الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي جَاءَ
بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةٌ مِنَ
الْإِبِلِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَحَرَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً. قَالَ:
ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وذلك مناسب لعمره عليه السلام فَإِنَّهُ
كَانَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ مِائَةَ بَدَنَةٍ نَحَرَ مِنْهَا
بِيَدِهِ سِتِّينَ وَأَمَرَ بِبَقِيَّتِهَا فَنُحِرَتْ وَأَخَذَ مِنْ
كُلِّ بَدَنَةٍ بَضْعَةً فَجُمِعَتْ فِي قدر فأكل منها وحسي مِنْ
مَرَقِهَا. قَالَ: وَنَحَرَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ فِيهَا
جَمَلُ أَبِي جَهْلٍ فَلَمَّا صُدَّتْ عَنِ الْبَيْتِ حَنَّتْ كَمَا
تَحِنُّ إِلَى أَوْلَادِهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بَعْضَهُ عَنْ
أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا يَعْقُوبُ ثَنَا أَبِي عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بْنِ جَبْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قال:
أهدى رسول الله فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ نَحَرَ
مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ ثُمَّ أَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ
ما بقي منها. وقال قسم- لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلَالَهَا بَيْنَ
النَّاسِ، وَلَا تُعْطِيَنَّ جَزَّارًا مِنْهَا شَيْئًا وَخُذْ لَنَا
مِنْ كُلِّ بعير جدية مِنْ لَحْمٍ، وَاجْعَلْهَا فِي قِدْرٍ وَاحِدَةٍ
حَتَّى نَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا وَنَحْسُوَ مِنْ مَرَقِهَا فَفَعَلَ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي
لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ
أَتَصَدَّقَ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لَا
أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ
عِنْدِنَا. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَارِثِ الْأَزْدِيِّ سَمِعْتُ عَرَفَةَ بْنَ الْحَارِثِ
الْكِنْدِيَّ. قَالَ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَتَى بالبدن فقال: أدع لِي أَبَا حَسَنٍ فَدُعِيَ لَهُ
عَلِيٌّ. فَقَالَ: خُذْ بِأَسْفَلِ الْحَرْبَةِ وَأَخَذَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(5/188)
بأعلاها ثم طعنا بها الْبُدْنِ، فَلَمَّا
فَرَغَ رَكِبَ بَغْلَتَهُ وَأَرْدَفَ عَلِيًّا. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو
دَاوُدَ وَفِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ غَرَابَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَنْبَأَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ
عَنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ- يَعْنِي مِقْسَمًا- عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. قَالَ: رَمَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ ذَبَحَ ثُمَّ حَلَقَ. وَقَدِ
ادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بالبقر وأهدى بمنى
بقرة وضحى هو بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ.
صِفَةُ حَلْقِهِ رَأْسَهُ الْكَرِيمَ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ أَفْضَلُ
الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا
مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ فِي
حَجَّتِهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ-
هُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ- عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ثَنَا شُعَيْبٌ قَالَ قَالَ
نَافِعٌ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: حَلَقَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ابن
أَسْمَاءَ ثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ. قَالَ: حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ
بَعْضُهُمْ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ
بِهِ وَزَادَ قَالَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ مَرَّةً
أَوْ مرتين. قالوا يا رسول الله والمقصرين قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا
وَكِيعٌ وَأَبُو دَاوُدَ الطيالسي عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ
جَدَّتِهِ أَنَّهَا سمعت رسول الله فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ دَعَا
لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً وَلَمْ يَقُلْ
وَكِيعٌ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَهَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مالك وعبد اللَّهِ [1] عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ وَعُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَالْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ. وَقَالَ مُسْلِمٌ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثنا حفص ابن
غِيَاثٍ عَنْ هِشَامٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنًى
فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى
وَنَحَرَ. ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ
الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ. وَفِي
رواية أَنَّهُ حَلَقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ
مِنْ شَعْرَةٍ وَشَعْرَتَيْنِ وَأَعْطَى شِقَّهُ الْأَيْسَرَ لِأَبِي
طَلْحَةَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّهُ أَعْطَى الْأَيْمَنَ لِأَبِي
طَلْحَةَ وَأَعْطَاهُ الْأَيْسَرَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَ
النَّاسِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
حَرْبٍ ثَنَا سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ.
قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْحَلَّاقُ يَحْلِقُهُ وَقَدْ أطاف به أصحابه ما يريدون أن يقع
شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ. انْفَرَدَ بِهِ احمد.
فصل
ثم لبس عليه السلام ثِيَابَهُ وَتَطَيَّبَ بَعْدَ مَا رَمَى جَمْرَةَ
الْعَقَبَةِ ونحر هديه وقبل أن يطوف بالبيت
__________
[1] كذا في نسخة الدار وفي التيمورية عبيد الله.
(5/189)
طَيَّبَتْهُ عَائِشَةُ أُمُّ
الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ ثَنَا سُفْيَانُ- هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ-
ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَكَانَ
أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ. أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ وَكَانَ أَفْضَلَ
أَهْلِ زَمَانِهِ يَقُولُ: أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ طَيَّبْتُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي هَاتَيْنِ
حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ
وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا. وَقَالَ مُسْلِمٌ ثَنَا يَعْقُوبُ
الدَّوْرَقِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ. قَالَا: ثَنَا هُشَيْمٌ
أَنْبَأَنَا مَنْصُورٌ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أن يحرم ويحل يوم النَّحْرِ
قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ. وَرَوَى
النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: طيبت رسول الله
لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ بَعْدَ مَا رَمَى جَمْرَةَ
الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
أَنْبَأَنَا سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
عَنْ سَالِمٍ. قَالَ قَالَتْ: عَائِشَةُ أنا طيبت رسول الله لِحِلِّهِ
وَإِحْرَامِهِ. وَرَوَاهُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ. وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سمع عروة والقاسم يخبرا عَنْ
عَائِشَةَ. أَنَّهَا قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ بِيَدَيَّ
بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عن أبى
الرحال عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عن الحسن العوفيّ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ
حَلَلْتُمْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْكُمْ حَرَامًا إِلَّا
النِّسَاءَ حَتَّى تَطُوفُوا بِالْبَيْتِ. فَقَالَ رَجُلٌ وَالطِّيبُ
يَا أَبَا الْعَبَّاسِ فَقَالَ لَهُ. إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْمُخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ
أَفَطِيبٌ هُوَ أَمْ لَا؟ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي
أبو عبيدة عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ
زَيْنَبَ بِنْتِ أَمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَتِ
اللَّيْلَةُ الَّتِي يَدُورُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فكان رسول الله عِنْدِي
فَدَخَلَ وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ وَرَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي أُمَيَّةَ
مُتَقَمِّصَيْنِ. فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَضْتُمَا قَالَا لا. قال فانزعا قميصكما
فَنَزَعَاهُمَا. فَقَالَ: لَهُ وَهْبٌ وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
فَقَالَ هَذَا يَوْمٌ أُرْخِصَ لَكُمْ فِيهِ إِذَا رَمَيْتُمُ
الْجَمْرَةَ وَنَحَرْتُمْ هَدْيًا إِنْ كَانَ لكم فقد حللتم مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ حَرُمْتُمْ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءَ حتى تطوفوا بالبيت فإذا
رميتم وَلَمْ تُفِيضُوا صِرْتُمْ حُرُمًا كَمَا كُنْتُمْ أَوَّلَ
مَرَّةٍ حَتَّى تَطُوفُوا بِالْبَيْتِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ
كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَهُ.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
أبى إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْعَنْبَرِيِّ عَنْ يَحْيَى
بْنِ مَعِينٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ
وَحَدَّثَتْنِي أُمُّ قَيْسٍ بِنْتُ مِحْصَنٍ. قَالَتْ: خَرَجَ مِنْ
عِنْدِي عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ
مُتَقَمِّصِينَ عَشِيَّةَ يَوْمِ النحر ثم رجعوا إلينا عشيا
وُقُمُصُهُمْ عَلَى أَيْدِيهِمْ يَحْمِلُونَهَا فَسَأَلَتْهُمْ
فَأَخْبَرُوهَا بِمِثْلِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ وَصَاحِبِهِ وَهَذَا
الْحَدِيثُ غَرِيبٌ جِدًّا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ قال
به.
(5/190)
ذكر إفاضته عليه السلام إِلَى الْبَيْتِ
الْعَتِيقِ
قَالَ جَابِرٌ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِي
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ. فَقَالَ:
انْزِعُوا بنى عبد المطلب فلولا أن تغلبكم النَّاسُ عَلَى
سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ
مِنْهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَفِي هَذَا السِّيَاقِ ما يدل على أنه عليه
السلام رَكِبَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ صَلَّى الظُّهْرَ هُنَاكَ. وَقَالَ مُسْلِمٌ
أَيْضًا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ أَنْبَأَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ
بِمِنًى. وَهَذَا خِلَافُ حَدِيثِ جَابِرٍ وَكِلَاهُمَا عِنْدَ
مُسْلِمٍ، فَإِنْ عللنا بهما أمكن أن يقال إنه عليه السلام صَلَّى
الظُّهْرَ بِمَكَّةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَوَجَدَ النَّاسَ
يَنْتَظِرُونَهُ فَصَلَّى بِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ورجوعه عليه
السلام إِلَى مِنًى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مُمْكِنٌ لِأَنَّ ذَلِكَ
الْوَقْتَ كَانَ صَيْفًا وَالنَّهَارُ طَوِيلٌ وَإِنْ كان قد صدر منه
عليه السلام أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ فِي صَدْرِ هَذَا النَّهَارِ
فَإِنَّهُ دَفَعَ فِيهِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ مَا أَسْفَرَ
الْفَجْرُ جِدًّا وَلَكِنَّهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ قَدِمَ
مِنًى فَبَدَأَ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ.
ثُمَّ جَاءَ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بدنة ونحر عليّ
بقية المائة، ثم أخذت مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بَضْعَةً وَوُضِعَتْ فِي
قِدْرٍ وَطُبِخَتْ حَتَّى نَضِجَتْ فَأَكَلَ مِنْ ذَلِكَ اللَّحْمِ
وشرب من ذلك المرق. وفي غبون [1] ذلك حلق رأسه عليه السلام
وَتَطَيَّبَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ رَكِبَ الى البيت وقد
خطب عليه السلام فِي هَذَا الْيَوْمِ خُطْبَةً عَظِيمَةً وَلَسْتُ
أَدْرِي أَكَانَتْ قَبْلَ ذَهَابِهِ إِلَى الْبَيْتِ أَوْ بَعْدَ رجوعه
منه الى منى فاللَّه أعلم. والقصد أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ
فَطَافَ بِهِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ رَاكِبًا وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ
جَابِرٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ شَرِبَ مِنْ ماء
زمزم ومن نبيذ تمر مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ. فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا
يُقَوِّي قول من قال: إنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ
كَمَا رَوَاهُ جَابِرٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مِنًى فِي
آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى الظُّهْرَ
أَيْضًا. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشْكَلَ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ فَلَمْ
يَدْرِ مَا يَقُولُ فِيهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ لِتَعَارُضِ الرِّوَايَاتِ
الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا
عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَعْنَى.
قَالَا: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحمر عن محمد بن إسحاق عن عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ:
أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ
يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ
بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا
زَالَتِ الشَّمْسُ كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حَصَاةٍ. قَالَ:
ابْنُ حَزْمٍ فَهَذَا جَابِرٌ وَعَائِشَةُ قد اتفقا على أنه عليه
السلام صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَهُمَا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ أَضْبَطُ لِذَلِكَ مِنَ ابْنِ عُمَرَ. كَذَا قَالَ وَلَيْسَ
بِشَيْءٍ فَإِنَّ رِوَايَةِ عَائِشَةَ هَذِهِ ليست ناصة أنه
__________
[1] كذا في الأصلين ولعله تصحيف (غضون ذلك) أي في أثناء ذلك.
(5/191)
عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ
بَلْ مُحْتَمِلَةٌ إِنْ كَانَ الْمَحْفُوظُ فِي الرِّوَايَةِ حَتَّى
صَلَّى الظُّهْرَ وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ
وَهُوَ الْأَشْبَهُ فان ذلك دليل على أنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ
بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْبَيْتِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَعَلَى هَذَا فَيَبْقَى
مُخَالِفًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى
الظُّهْرَ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ إِلَى الْبَيْتِ وَحَدِيثُ
جَابِرٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ
يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَصَلَّاهَا بِمَكَّةَ. وَقَدْ قَالَ
الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ
عَبَّاسٍ أَخَّرَ النبي صلّى الله عليه وسلّم- يعنى طواف الزيارة الى
الليل- وهذا والّذي علقه البخاري فقد رواه الناس من حديث يحيى بن سعيد
وعبد الرحمن بن مهدي وفرج بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الطَّوَافَ
يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى اللَّيْلِ. وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ
الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ
حَسَنٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ
وَابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ زَارَ لَيْلًا. فَإِنْ حُمِلَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ
أَخَّرَ ذَلِكَ إِلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ كَأَنَّهُ يَقُولُ إِلَى
الْعَشِيِّ صَحَّ ذَلِكَ. وَأَمَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى مَا بَعْدَ
الْغُرُوبِ فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَمُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ فِي
الْأَحَادِيثِ الصحيحة المشهورة من أنه عليه السلام طَافَ يَوْمَ
النَّحْرِ نَهَارًا، وَشَرِبَ مِنْ سِقَايَةِ زَمْزَمَ. وَأَمَّا
الطَّوَافُ الَّذِي ذَهَبَ فِي اللَّيْلِ إِلَى الْبَيْتِ بِسَبَبِهِ
فَهُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ. وَمِنَ الرُّوَاةِ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهُ
بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. أَوْ
طَوَافُ زِيَارَةٍ مَحْضَةٍ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَبَعْدَ
طَوَافِ الصَّدْرِ الَّذِي هُوَ طَوَافُ الْفَرْضِ. وَقَدْ وَرَدَ
حَدِيثٌ سنذكره في موضعه. أن رسول الله كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ كُلَّ
لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي مِنًى وَهَذَا بَعِيدٌ أَيْضًا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَقَدْ روى الحافظ البيهقي من حديث عمرو ابن قيس عن عبد
الرحمن عن الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ أذن لأصحابه فزار والبيت يَوْمَ النَّحْرِ ظَهِيرَةً وَزَارَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نِسَائِهِ
لَيْلًا. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا أَيْضًا وَهَذَا قَوْلُ
طَاوُسٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الطَّوَافَ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى
اللَّيْلِ. وَالصَّحِيحُ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ
أنه عليه السلام طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالنَّهَارِ وَالْأَشْبَهُ
أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ
وَاللَّهُ أعلم.
والمقصود أنه عليه السلام لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ
سَبْعًا وَهُوَ رَاكِبٌ ثُمَّ جَاءَ زَمْزَمَ وَبَنُو عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ يَسْتَقُونَ مِنْهَا وَيَسْقُونَ النَّاسَ، فَتَنَاوَلَ
مِنْهَا دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ وَأَفْرَغَ عَلَيْهِ مِنْهُ. كَمَا
قَالَ:
مسلم أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ ثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الْمُزَنِيِّ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَهُ
عِنْدَ الْكَعْبَةِ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَأَتَيْنَاهُ
بِإِنَاءٍ فِيهِ نَبِيذٌ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ.
وَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ هَكَذَا فَاصْنَعُوا. قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَحْنُ لَا نُرِيدُ أَنْ نُغَيِّرَ مَا أَمَرَ بِهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي رِوَايَةٍ
عَنْ بَكْرٍ أن أعرابيا قال لابن عباس:
(5/192)
ما لي أَرَى بَنِي عَمِّكُمْ يَسْقُونَ
اللَّبْنَ وَالْعَسَلَ وَأَنْتُمْ تَسْقُونَ النَّبِيذَ، أَمِنْ
حَاجَةٍ بِكُمْ أَمْ مِنْ بُخْلٍ؟ فَذَكَرَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا
الْحَدِيثَ. وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ
حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ
لِابْنِ عَبَّاسٍ. مَا شَأْنُ آلِ مُعَاوِيَةَ يَسْقُونَ الْمَاءَ
وَالْعَسَلَ، وَآلِ فُلَانٍ يَسْقُونَ اللَّبَنَ، وَأَنْتُمْ تَسْقُونَ
النَّبِيذَ. أَمِنْ بُخْلٍ بِكُمْ أم حَاجَةٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
مَا بِنَا بُخْلٌ وَلَا حَاجَةٌ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَنَا وَرَدِيفُهُ أُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ فَاسْتَسْقَى فَسَقَيْنَاهُ مِنْ هَذَا- يَعْنِي نَبِيذَ
السِّقَايَةِ- فَشَرِبَ مِنْهُ وَقَالَ أَحْسَنْتُمْ هَكَذَا
فَاصْنَعُوا. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ رَوْحٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ
عَنِ ابن جريج عن حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبَّاسٍ، وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بن سليمان عَنْ خَالِدٍ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ جاء إلى
السقاية فاستقى، فَقَالَ: الْعَبَّاسُ يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى
أُمِّكَ فأت رسول الله بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا. فَقَالَ:
اسْقِنِي! فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ
أَيْدِيَهُمْ فِيهِ. قَالَ: اسْقِنِي! فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى
زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا. فَقَالَ: اعْمَلُوا
فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ. ثُمَّ قَالَ لَوْلَا أَنْ
تُغْلَبُوا لنزعت حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ- يَعْنِي
عَاتِقَهُ- وأشار اليه عَاتِقِهِ. وَعِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ
عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: سَقَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ
قَائِمٌ. قَالَ عَاصِمٌ فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ- مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ
إِلَّا عَلَى بَعِيرٍ. وَفِي رِوَايَةٍ نَاقَتِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ ثَنَا هُشَيْمٌ ثَنَا يَزِيدُ بن أبي زياد عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرٍ وَاسْتَلَمَ
الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ كَانَ مَعَهُ. قَالَ وَأَتَى السِّقَايَةَ
فَقَالَ: اسْقُونِي! فَقَالُوا إِنَّ هَذَا يَخُوضُهُ النَّاسُ
وَلَكِنَّا نَأْتِيكَ بِهِ مِنَ الْبَيْتِ. فَقَالَ: لَا حاجة لي فيه
اسقوني مما يشرب النَّاسُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ
عَنْ خَالِدٍ الطَّحَّانِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ
مَكَّةَ وَنَحْنُ نَسْتَقِي فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَعَفَّانُ. قَالَا:
ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ قَيْسٍ وَقَالَ عَفَّانُ فِي حَدِيثِهِ
أَنْبَأَنَا قَيْسٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّهُ
قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
زَمْزَمَ فَنَزَعْنَا لَهُ دَلْوًا فشرب، ثم مج فيها ثم أفر- غناها فِي
زَمْزَمَ. ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا عَلَيْهَا لَنَزَعْتُ
بِيَدِي- انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُ على شرط مسلم.
فصل
ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعِدِ
الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً بَلِ
اكْتَفَى بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ. كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا واحدا. قلت والمراد بأصحابه ها هنا
الَّذِينَ سَاقُوا الْهَدْيَ وَكَانُوا قَارِنِينِ. كَمَا ثَبَتَ فِي
صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. قَالَ لِعَائِشَةَ: - وَكَانَتْ أَدْخَلَتِ
(5/193)
الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَصَارَتْ
قَارِنَةً-: يَكْفِيكِ طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ. وَعِنْدَ أَصْحَابِ الْإِمَامِ
أَحْمَدَ أَنَّ قَوْلَ جَابِرٍ وَأَصْحَابِهِ عَامٌّ فِي الْقَارِنِينَ
وَالْمُتَمَتِّعِينَ. وَلِهَذَا نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ
الْمُتَمَتِّعَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَنْ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ
وَإِنَّ تَحَلَّلَ بَيْنَهُمَا تَحَلَّلَ. وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ
مَأْخَذُهُ ظَاهِرُ عُمُومِ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ
أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُتَمَتِّعِ كَمَا قَالَ
الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافَانِ
وَسَعْيَانِ حَتَّى طَرَدَتِ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ فِي الْقَارِنِ
وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ
وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ وَنَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا.
وَرُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدَ
الطَّوَافِ وَبَيَّنَّا أَنَّ أَسَانِيدَ ذَلِكَ ضَعِيفَةٌ مُخَالِفَةٌ
لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاللَّهُ أعلم.
فصل
ثم رجع عليه السلام إِلَى مِنًى بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ
كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرٍ. وَقَالَ: ابْنُ عُمَرَ رَجَعَ
فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ كَمَا تَقَدَّمَ
قَرِيبًا وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِوُقُوعِ ذَلِكَ بِمَكَّةَ
وَبِمِنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَتَوَقَّفَ ابْنُ حَزْمٍ فِي هَذَا
الْمَقَامِ فَلَمْ يَجْزِمْ فِيهِ بِشَيْءٍ وَهُوَ مَعْذُورٌ
لِتَعَارُضِ النَّقْلَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِيهِ فاللَّه أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَفَاضَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ
صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمَرَاتِ إِذَا زَالَتِ الشمس كل
جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة. ورواه أَبُو دَاوُدَ مُنْفَرِدًا
بِهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أن ذهابه عليه السلام إِلَى مَكَّةَ
يَوْمَ النَّحْرِ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَهَذَا يُنَافِي حَدِيثَ
ابْنِ عُمَرَ قَطْعًا وَفِي منافاته لحديث جابر نظر والله أعلم.
فصل
وَقَدْ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
هَذَا الْيَوْمِ الشَّرِيفِ خُطْبَةً عَظِيمَةً تَوَاتَرَتْ بِهَا
الْأَحَادِيثُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ. قَالَ الْبُخَارِيُّ بَابُ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ ثَنَا عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ
النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ. فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ
يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟
قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ.
قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ
دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ
كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ
هَذَا. قَالَ فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رأسه فقال: اللَّهمّ
هل بلغت اللَّهمّ قد بلغت قال: ابن عباس فو الّذي نَفْسِي بِيَدِهِ
إِنَّهَا لِوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ- فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ
الْغَائِبَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ
رِقَابَ بَعْضٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْفَلَّاسِ عَنْ
يَحْيَى الْقَطَّانِ بِهِ. وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا
أَبُو عَامِرٍ ثَنَا قُرَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
(5/194)
أَخْبَرَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ
يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى
ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسمه. قال: أليس هذا يَوْمَ
النَّحْرِ قُلْنَا بَلَى! قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ
بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ:
أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ قُلْنَا بَلَى! قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟
قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا
أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: أَلَيْسَ بِالْبَلْدَةِ
الْحَرَامِ قُلْنَا بَلَى! قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ
عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا
فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ. أَلَا هَلْ
بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ! قَالَ: اللَّهمّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغِ
الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوَعَى مِنْ سَامِعٍ فَلَا
تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ بِهِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ. وَزَادَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ
انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أملحين فذبحهما والى جذيعة مِنَ الْغَنَمِ
فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا
إِسْمَاعِيلُ أَنْبَأَنَا أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ
أَبِي بَكْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَطَبَ فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ: أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ
اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السموات والأرض، السنة
اثنى عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ
مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ
وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. ثُمَّ قَالَ:
أَلَا أَيُّ يَوْمٍ هَذَا! قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ
فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ.
قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا بَلَى! ثُمَّ قَالَ أَيُّ
شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى
ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: أَلَيْسَ ذَا
الْحِجَّةِ قُلْنَا بَلَى! ثُمَّ قَالَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ
سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: أَلَيْسَتِ الْبَلْدَةَ قُلْنَا
بَلَى! قال: فان دماءكم وأموالكم- لأحسبه- قَالَ وَأَعْرَاضَكُمْ
عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا
فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ
أَعْمَالِكُمْ أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِبُ
بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ. أَلَا لِيُبَلِّغِ
الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوَعَى
لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ. هَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي
بَكْرَةَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ.
وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ كِلَاهُمَا عَنْ
إِسْمَاعِيلَ- وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ- عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهِ. وَهُوَ منقطع لأن صَاحِبَا
الصَّحِيحِ أَخْرَجَاهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
بَكْرَةٍ عَنْ أبيه به. وقال البخاري أيضا ثنا محمد ابن الْمُثَنَّى
ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟
قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ
حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: بَلَدٌ حَرَامٌ. قَالَ: أَفَتَدْرُونَ
أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
(5/195)
قَالَ: شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ
اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ
وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي
بَلَدِكُمْ هَذَا. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَمَاكِنَ
مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ صَحِيحِهِ وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا
التِّرْمِذِيَّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
فَذَكَرَهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ أخبرنى
نافع عن ابن عمر وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ
بِهَذَا. وَقَالَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَطَفِقَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهمّ
اشْهَدْ وَوَدَّعَ النَّاسَ فَقَالُوا هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ.
وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُؤَمَّلِ بْنِ
الْفَضْلِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ
عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ كِلَاهُمَا
عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ بْنِ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ أَبِي
الْعَبَّاسِ الدمشقيّ به [1] . وقيامه عليه السلام بِهَذِهِ
الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَعْدَ رَمْيِهِ
الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَبْلَ طَوَافِهِ. وَيَحْتَمِلُ أنه
بعد طوافه ورجوعه الى منى ورميه بِالْجَمَرَاتِ لَكِنْ يُقَوِّي
الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ
يحيى بن حصين الْأَحْمَسِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ حُصَيْنٍ قَالَتْ:
حَجَجْتُ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فرأيت بلالا آخذا بقود رَاحِلَتِهِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَافِعٌ
عَلَيْهِ ثَوْبَهُ يُظِلُّهُ مِنَ الْحَرِّ وَهُوَ مُحْرِمٌ حَتَّى
رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ قَوْلًا كَثِيرًا. وَقَدْ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ
الْحُصَيْنِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الحصين قالت حججت مع رسول الله
حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا أَحَدُهُمَا آخِذٌ
بخطام ناقة رسول الله وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ
الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. قَالَتْ فَقَالَ: رَسُولُ
اللَّهِ قَوْلًا كَثِيرًا. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ أُمِّرَ
عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ- حَسِبْتُهَا- قَالَتْ أَسْوَدُ
يَقُودُكُمْ بكتاب الله فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا محمد بن عبيد الله ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ- وَهُوَ- ذَكْوَانُ السَّمَّانُ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ
خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
النَّحْرِ فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا يَوْمُنَا
هَذَا. قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا شَهْرُنَا
هَذَا.
قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا بَلَدُنَا هَذَا.
قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ
كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ
هَذَا هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ. قَالَ اللَّهمّ اشْهَدْ.
انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ
الصَّحِيحَيْنِ. وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ
أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ في خطبته عليه
السلام يَوْمَ عَرَفَةَ فاللَّه أَعْلَمُ. قَالَ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ
ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الْأَعْمَشِ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَالَ قَالَ:
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ
هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ بِهِ وَإِسْنَادُهُ
عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ فاللَّه أَعْلَمُ. وَقَالَ الْحَافِظُ
أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا أَبُو هشام
__________
[1] في الخلاصة: أبى عبد الله الدمشقيّ.
(5/196)
ثَنَا حَفْصٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟
قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ
عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا
فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ رَوَاهُ أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ وأبى سَعِيدٍ. وَجَمَعَهُمَا لَنَا أَبُو هِشَامٍ عَنْ
حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ قُلْتُ وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ
لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ ابن عَبْدِ اللَّهِ فَلَعَلَّهُ
عِنْدَ أَبِي صَالِحٍ عَنِ الثَّلَاثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ
هِلَالُ بْنُ يَسَافٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ. قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في حَجَّةِ
الْوَدَاعِ: إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ، لَا تُشْرِكُوا باللَّه شَيْئًا
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا. قَالَ فَمَا أَنَا بِأَشَحَّ
عَلَيْهِنَّ مِنِّي حِينَ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ. وَقَالَ
ابْنُ حَزْمٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن عمر ابن
أنس العذري ثنا أبو ذر عبد الله بْنُ أَحْمَدَ الْهَرَوِيُّ
الْأَنْصَارِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ الْحَافِظُ
بِالْأَهْوَازِ ثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى بن شيرزاد ثنا موسى بن
عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ ثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
جُحَادَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ.
قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ الله فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَخْطُبُ
وَهُوَ يَقُولُ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ
أَدَنَاكَ أَدْنَاكَ قَالَ فَجَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا يَا رَسُولَ
اللَّهِ قبلنا بَنُو يَرْبُوعٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى ثُمَّ سَأَلَهُ
رَجُلٌ نَسِيَ أَنْ يَرْمِيَ الْجِمَارَ. فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ.
ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَسِيتُ الطَّوَافَ
فَقَالَ طُفْ وَلَا حَرَجَ. ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ حَلَقَ قبل أن يذبح
قال: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ. فَمَا سَأَلُوهُ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ
إِلَّا قَالَ لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ. ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَذْهَبَ
اللَّهُ الْحَرَجَ إِلَّا رَجُلًا اقْتَرَضَ امْرَأً مُسْلِمًا
فَذَلِكَ الَّذِي حَرِجَ وَهَلَكَ. وَقَالَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً
إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً إِلَّا الْهَرَمَ. وَقَدْ رَوَى
الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ بَعْضَ هَذَا السِّيَاقِ مِنْ
هَذِهِ الطَّرِيقِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ مُدْرِكٍ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ جَرِيرٍ وَهُوَ
جَدُّهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ:
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَا جَرِيرُ اسْتَنْصِتِ النَّاسَ.
ثُمَّ قَالَ: فِي خُطْبَتِهِ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا
يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ
غُنْدَرٍ وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بِهِ.
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَالَ
أَحْمَدُ ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ
بَلَغَنَا أَنَّ جريرا قال قال رسول الله: اسْتَنْصِتِ النَّاسَ ثُمَّ
قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ لَا أعرفن بعد ما أرى ترجعون كُفَّارًا يَضْرِبُ
بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ ثَنَا
هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنِ ابْنِ
غَرْقَدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ. قَالَ
شَهِدْتُ رَسُولَ الله فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: أَيُّهَا
النَّاسُ ثَلَاثَ مرات
(5/197)
أي يوم هذا قالوا يَوْمُ الْحَجِّ
الْأَكْبَرِ. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ
وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي
بلدكم هذا ولا يجنى جان عَلَى وَالِدِهِ، أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ
قَدْ يَئِسَ أن يعبد في بلدكم هذا وَلَكِنْ سَيَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِي
بَعْضِ مَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَيَرْضَى، أَلَا وَإِنَّ
كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ يُوضَعُ لَكُمْ رُءُوسُ
أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ. وَذَكَرَ تَمَامَ
الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ بَابُ مَنْ قَالَ يخطب يَوْمَ
النَّحْرِ. حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا هِشَامُ
بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَنَا عِكْرِمَةُ- هُوَ ابْنُ عَمَّارٍ- ثَنَا
الْهِرْمَاسُ بْنُ زِيَادٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى
نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ يَوْمَ الْأَضْحَى بِمِنًى. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ
عَنِ الهرماس. قال: كان أبى مرد في فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى يَوْمَ
النَّحْرِ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ. لَفْظُ أَحْمَدَ وَهُوَ مِنْ
ثُلَاثِيَّاتِ الْمُسْنَدِ وللَّه الْحَمْدُ. ثُمَّ قَالَ أَبُو
دَاوُدَ ثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ ثَنَا
الْوَلِيدُ ثَنَا ابْنُ جَابِرٍ ثَنَا سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ سَمِعْتُ
أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ. وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ
صَالِحٍ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ الْكَلَاعِيِّ. سَمِعْتُ أَبَا
أُمَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ يَوْمَئِذٌ عَلَى الْجَدْعَاءِ وَاضِعٌ رِجْلَيْهِ
فِي الْغَرْزِ يَتَطَاوَلُ ليسمع النَّاسَ. فَقَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ
أَلَا تَسْمَعُونَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ طَوَائِفِ النَّاسِ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ «اعْبُدُوا
رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خمسكم وصوموا شهركم وأطيعوا إذا أمرتم تَدْخُلُوا
جَنَّةَ رَبِّكُمْ» فَقُلْتُ يَا أَبَا أُمَامَةَ مِثْلُ مَنْ أَنْتَ
يَوْمَئِذٍ. قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ ابن ثلاثين سنة أزاحم البعير
أزحزحه قدما لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُوسَى
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ.
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا أَبُو
الْمُغِيرَةِ ثَنَا إسماعيل بن عباس ثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ
الْخَوْلَانِيُّ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى
كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَالْوَلَدُ
لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ.
وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ
مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ التَّابِعَةُ إِلَى يوم
القيامة، لا تنفق امرأة مِنْ بَيْتِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا.
فَقِيلَ يَا رسول الله ولا الطعام. قال: ذاك أفضل أموالنا. ثم قال رسول
الله: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ،
وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ. وَرَوَاهُ أَهْلُ
السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ. ثُمَّ قال أبو داود رحمه الله باب متى
يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحِيمِ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا مَرْوَانُ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ
الْمُزَنِيِّ حَدَّثَنِي رَافِعُ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ. قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ
النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ
وَعَلِيٌّ يُعَبِّرُ عَنْهُ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ دُحَيْمٍ عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ
بِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا
هِلَالُ بْنُ عامر المزني عن أبيه. قال: رأيت
(5/198)
رسول الله يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى عَلَى
بَغْلَةٍ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ أَحْمَرُ. قَالَ: وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
بَدْرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ يُعَبِّرُ عَنْهُ. قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى
أَدْخَلْتُ يَدِي بَيْنَ قَدَمِهِ وَشِرَاكِهِ. قَالَ: فَجَعَلْتُ
أَعْجَبُ مِنْ بَرْدِهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ثَنَا
شَيْخٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عامر المزني عن أبيه.
قال: رأيت رسول الله عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَلِيٌّ يُعَبِّرُ
عَنْهُ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ
هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ. ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَابُ مَا يَذْكُرُ
الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ بِمِنًى حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ
التَّيْمِيِّ. قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِمِنًى فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا حَتَّى
كُنَّا نَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَنَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا فَطَفِقَ
يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ حتى بلغ الجمار فوضع السباحتين ثم قال حصى
الْخَذْفِ. ثُمَّ أَمَرَ الْمُهَاجِرِينَ فَنَزَلُوا فِي مُقَدَّمِ
الْمَسْجِدِ وَأَمَرَ الْأَنْصَارَ فَنَزَلُوا مِنْ وَرَاءِ
الْمَسْجِدِ ثُمَّ نَزَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَاهُ
أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ
عَبْدِ الْوَارِثِ كَذَلِكَ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ الْإِمَامِ
أَحْمَدَ لَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ
عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فاللَّه أَعْلَمُ. وَثَبَتَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ
يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كُنْتُ
أَحْسَبُ أَنَّ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ قَامَ آخَرُ
فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا. فَقَالَ:
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْعَلْ وَلَا
حَرَجَ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ. زَادَ مُسْلِمٌ وَيُونُسُ
عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ وَلَهُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا
مَوْضِعَ اسْتِقْصَائِهَا. وَمَحَلُّهُ كِتَابُ الْأَحْكَامِ وباللَّه
الْمُسْتَعَانُ وَفِي لَفْظٍ الصَّحِيحَيْنِ.
قَالَ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَنْ شيء قدم وإلا أخر إلا قال: افعل ولا حرج.
فصل
ثم نزل عليه السلام بِمِنًى حَيْثُ الْمَسْجِدُ الْيَوْمَ فِيمَا
يُقَالُ وَأَنْزَلَ الْمُهَاجِرِينَ يَمْنَتَهُ وَالْأَنْصَارَ
يَسْرَتَهُ وَالنَّاسُ حَوْلَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ. وَقَالَ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ
أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ
بِالْكُوفَةِ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ ثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَنْبَأَنَا إسرائيل عن إبراهيم ابن
مُهَاجِرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكٍ عَنْ أُمِّ مسيكة عن عائشة. قال:
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَبْنِيَ لَكَ بِمِنًى بِنَاءً
يُظِلُّكَ. قَالَ: لَا مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ
لَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي الْمُسْنَدِ وَلَا فِي الْكُتُبِ
السِّتَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ ثنا يحيى عن ابن جريج
أَوْ أَبُو حَرِيزٍ الشَّكُّ مِنْ يَحْيَى أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ فَرُّوخٍ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ إِنَّا
نَتَبَايَعُ بِأَمْوَالِ النَّاسِ فَيَأْتِي أَحَدُنَا مَكَّةَ
فَيَبِيتُ عَلَى الْمَالِ فَقَالَ: أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَاتَ بِمِنًى وَظَلَّ. انْفَرَدَ بِهِ
أَبُو دَاوُدَ.
(5/199)
ثُمَّ قَالَ: أَبُو دَاوُدَ ثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ
اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ
سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ زَادَ الْبُخَارِيُّ
وَأَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ زَادَ مُسْلِمٌ وَأَبِي
أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ. وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ
عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ
الله ابن عُمَرَ بِهِ. وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ
ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَارِثَةَ
بْنِ وَهْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَلِهَذَا ذَهَبَ طَائِفَةٌ
مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ سَبَبَ هَذَا الْقَصْرِ النُّسُكُ كَمَا
هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. قَالُوا
وَمَنْ قَالَ: إنه عليه السلام كَانَ يَقُولُ بِمِنًى لِأَهْلِ مَكَّةَ
أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ فَقَدْ غَلِطَ إِنَّمَا قَالَ:
ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام
الْفَتْحِ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْأَبْطَحِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي
الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى بَعْدَ
الزَّوَالِ كَمَا قَالَ جَابِرٌ فِيمَا تَقَدَّمَ مَاشِيًا كَمَا قَالَ
ابْنُ عُمَرَ فِيمَا سَلَفَ كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ
يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَعِنْدَ
الثَّانِيَةِ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَقِفُ عِنْدَ
الثَّالِثَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بحر وعبد الله
ابن سَعِيدٍ الْمَعْنَى قَالَا ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عن
محمد بن إسحاق عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ
رجع الى منى فمكث بها أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا
زَالَتِ الشَّمْسُ كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَيُكَبِّرُ مَعَ
كُلِّ حصاة ويقف عند الاولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع ويرمى
الثالثة لا يَقِفُ عِنْدَهَا. انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ. وَرَوَى
الْبُخَارِيُّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي
الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ
كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يتقدم ثم يُسْهِلَ فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ
الْقِبْلَةِ طَوِيلًا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي
الْوُسْطَى ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة
وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلًا ثُمَّ يَرْمِي
جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ
عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ. وَقَالَ
وَبَرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَامَ ابْنُ عُمَرَ عِنْدَ
الْعَقَبَةِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وقال أبو مجلز
حزرت قيامه بعد قِرَاءَةِ سُورَةِ يُوسُفَ ذَكَرَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبى القداح
عَنْ أَبِيهِ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدْعُوا
يَوْمًا. وَقَالَ أَحْمَدُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أبى بكر وأما رَوْحٌ
ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو عَنْ أبيه عن أبى القداح بْنِ عَاصِمِ بْنِ
عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ
لِلرِّعَاءِ أَنْ يَتَعَاقَبُوا فَيَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ
يَدْعُوا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ يَرْمُوا الْغَدَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَنَا مَالِكٌ
عن عبد الله بن بكر عن أبيه عن أبى القداح بن عاصم ابن عَدِيٍّ عَنْ
أَبِيهِ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي البيتوتة بمنى حتى يرمون يوم النحر
(5/200)
ثم يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ
يَرْمُونَ الْغَدَ أَوْ من بعد الغد ليومين ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ
النَّفْرِ. وَكَذَا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ
بِنَحْوِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ
حَدِيثِ مَالِكٍ وَمِنْ حديث سفيان ابن عُيَيْنَةَ بِهِ. قَالَ
التِّرْمِذِيُّ وَرِوَايَةُ مَالِكٍ أَصَحُّ وهو حديث حسن صحيح.
فَصْلٌ
فِيمَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ خَطَبَ النَّاسَ بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ أَوْسَطُهَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَابٌ
أَيَّ يَوْمٍ يَخْطُبُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ
أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ.
قَالَا: رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَخْطُبُ بَيْنَ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَنَحْنُ عِنْدَ
رَاحِلَتِهِ وَهِيَ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الَّتِي خَطَبَ بِمِنًى. انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا أَبُو
عَاصِمٍ ثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حصين
حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي سَرَّاءُ بِنْتُ نَبْهَانَ- وَكَانَتْ رَبَّةَ
بَيْتٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ-. قَالَتْ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الرُّءُوسِ فَقَالَ: أَيُّ
يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَالَ: أَلَيْسَ
أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ. قَالَ
أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ عَمُّ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيُّ
[1] أَنَّهُ خَطَبَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَذَا الْحَدِيثُ
قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ احمد متصلا مطولا فقال ثنا عثمان ثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي
حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَمِّهِ. قَالَ كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ
نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَذُودُ عَنْهُ النَّاسَ. فَقَالَ: يَا
أَيُّهَا النَّاسُ أَتَدْرُونَ فِي أَيِّ شَهْرٍ أَنْتُمْ وَفِي أَيِّ
يَوْمٍ أَنْتُمْ وَفِي أَيِّ بَلَدٍ أَنْتُمْ؟
قَالُوا: فِي يَوْمٍ حَرَامٍ وَشَهْرٍ حَرَامٍ وَبَلَدٍ حرام. قال: فإن
دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا
فِي شَهْرِكُمْ هَذَا في بلدكم هذا إلى أن تَلْقَوْنَهُ. ثُمَّ قَالَ:
اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا أَلَا لَا
تَظْلِمُوا أَلَا لَا تَظْلِمُوا، إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ
مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، أَلَا إِنَّ كُلَّ دَمٍ
وَمَالٍ وَمَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي
هَذِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ يُوضَعُ دَمُ
[2] رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عبد المطلب كَانَ مُسْتَرْضِعًا
فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ. ألا إن كل ربا في الجاهلية
موضوع وإن الله قَضَى أَنَّ أَوَّلَ رِبًا يُوضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ
بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا
تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ، أَلَا وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدِ استدار
كهيئة يوم خلق الله السموات وَالْأَرْضَ ثُمَّ قَرَأَ إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ
يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ 9: 36،
أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رقاب بعض،
ألا
__________
[1] في الأصل: أبو حمزة والتصحيح عن أبى داود والخلاصة.
[2] كذا في الأصل وتقدم أنه ابن ربيعة وحكينا تسميته عن روض الأنف.
(5/201)
إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ
يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ ولكنه في التحريش بينكم، واتقوا الله فِي
النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عِوَانٌ لَا يَمْلِكْنَ
لِأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا وَإِنَّ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقًّا وَلَكُمْ
عليهنّ حق أن لا يوطئن فرشكم أحد غَيْرَكُمْ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي
بُيُوتِكُمْ لِأَحَدٍ تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ خِفْتُمْ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ واضربوهن ضربا غير
مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ
بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله،
أَلَا وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى من
ائتمنه عليها وبسط يده وقال: أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ! أَلَا هَلْ
بَلَّغْتُ! ثُمَّ قَالَ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَإِنَّهُ
رُبَّ مُبَلَّغٍ أَسْعَدُ مِنْ سَامِعٍ. قَالَ حُمَيْدٌ قَالَ
الْحَسَنُ حِينَ بَلَّغَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ: قَدْ وَاللَّهِ بَلَّغُوا
أَقْوَامًا كَانُوا أَسْعَدَ بِهِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي
كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ سُنَنِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ
أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ- وَاسْمُهُ حَنِيفَةُ- عَنْ عَمِّهِ
بِبَعْضِهِ فِي النُّشُوزِ. قَالَ: ابْنُ حَزْمٍ جَاءَ أَنَّهُ خَطَبَ
يَوْمَ الرُّءُوسِ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ
بِلَا خِلَافٍ عَنْ أَهْلِ مكة، وجاء أنه أوسط أيام التشريق فيحتمل
عَلَى أَنَّ أَوْسَطَ بِمَعْنَى أَشْرَفَ كَمَا قَالَ تعالى وَكَذلِكَ
جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً 2: 143. وَهَذَا الْمَسْلَكُ الَّذِي
سَلَكَهُ ابْنُ حَزْمٍ بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْحَافِظُ
أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ حدثنا الوليد بن عمرو بن مسكين ثَنَا أَبُو
هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَصَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى وَهُوَ فِي
أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِذا جاءَ
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ 110: 1 فَعَرَفَ أَنَّهُ الْوَدَاعُ
فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ ثم ركب فوقف
للناس بِالْعَقَبَةِ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ
أَهْلُهُ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ كُلَّ
دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ هَدَرٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ
دِمَائِكُمْ أَهْدِرُ دَمَ رَبِيعَةَ ابن الْحَارِثِ كَانَ
مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ. وَكُلُّ رِبًا
فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ وَإِنَّ أَوَّلَ رِبَاكُمْ
أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ استدار كهيئة يوم خلق الله السموات وَالْأَرْضَ،
وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عشر مِنْهَا
أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ رَجَبُ- مُضَرَ- الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى
وَشَعْبَانَ، وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ ذلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ 9: 36
الْآيَةَ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ
الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا
لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ الله 9: 37 كَانُوا يُحِلُّونَ صَفَرًا
عَامًا وَيُحَرِّمُونَ الْمُحَرَّمَ عَامًا ويحرمون صفر عَامًا
وَيُحِلُّونَ الْمُحَرَّمَ عَامًا فَذَلِكَ النَّسِيءُ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا
إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ
الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِبِلَادِكُمْ آخِرَ الزمان
وقد يرضى عنكم بمحقرات الأعمال فاحذروه على بمحقرات الْأَعْمَالِ،
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النِّسَاءَ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ
أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ
بِكَلِمَةِ اللَّهِ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقٌّ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ
حَقٌّ، وَمِنْ حَقِّكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ
غَيْرَكُمْ وَلَا يَعْصِينَكُمْ فِي
(5/202)
مَعْرُوفٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ
فَلَيْسَ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلٌ وَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ ضَرَبْتُمْ فَاضْرِبُوا
ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ. وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ
إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ
تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا كِتَابَ
اللَّهِ فَاعْمَلُوا بِهِ، أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟
قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هذا؟ قالوا: بلد حرام.
قال: أي شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ
اللَّهَ حَرَّمَ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ
كَحُرْمَةِ هَذَا الْيَوْمِ فِي هَذَا الْبَلَدِ وَهَذَا الشَّهْرِ،
أَلَا لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَلَا
أُمَّةَ بَعْدَكُمْ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهمّ اشْهَدْ.
ذِكْرُ إِيرَادِ حَدِيثٍ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ
لَيَالِي مِنًى
قَالَ الْبُخَارِيُّ يُذْكَرُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ فِي أَيَّامِ مِنًى هَكَذَا ذَكَرَهُ
مُعَلَّقًا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ. وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ ثَنَا العمرى أنبأنا
ابن عرعرة فقال: دَفَعَ إِلَيْنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ كِتَابًا قَالَ
سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي وَلَمْ يَقْرَأْهُ قَالَ فَكَانَ فِيهِ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ
كُلَّ لَيْلَةٍ مَا دَامَ بِمِنًى. قَالَ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا
وَاطَأَهُ عَلَيْهِ قَالَ: الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى الثَّوْرِيُّ فِي
الجامع عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يُفِيضُ كُلَّ لَيْلَةٍ-
يَعْنِي لَيَالِيَ مِنًى- وَهَذَا مُرْسَلٌ.
فصل
الْيَوْمُ السَّادِسُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ يقال: له
يوم الزينة لأنه يزين فِيهِ الْبُدْنُ بِالْجِلَالِ وَغَيْرِهَا،
وَالْيَوْمُ السَّابِعُ يُقَالُ لَهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهُمْ
يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ وَيَحْمِلُونَ مِنْهُ مَا
يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ حَالَ الْوُقُوفِ وَمَا بَعْدَهُ، وَالْيَوْمُ
الثَّامِنُ يُقَالُ لَهُ يَوْمُ مِنًى لِأَنَّهُمْ يَرْحَلُونَ فِيهِ
مِنَ الْأَبْطَحِ إِلَى مِنًى، وَالْيَوْمُ التَّاسِعُ يُقَالُ لَهُ
يَوْمُ عَرَفَةَ لِوُقُوفِهِمْ فِيهِ بِهَا، وَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ
يُقَالُ لَهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمُ الْأَضْحَى وَيَوْمُ الْحَجِّ
الْأَكْبَرِ، وَالْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ يُقَالُ لَهُ يَوْمُ
الْقَرِّ لِأَنَّهُمْ يَقِرُّونَ فِيهِ، وَيُقَالُ لَهُ يَوْمُ
الرُّءُوسِ لِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ فِيهِ رُءُوسَ الْأَضَاحِي وَهُوَ
أَوَّلُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
يُقَالُ لَهُ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ لِجَوَازِ النَّفْرِ فِيهِ،
وَقِيلَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَوْمُ الرُّءُوسِ،
وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُقَالُ لَهُ
يَوْمُ النَّفْرِ الْآخِرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمَنْ تَعَجَّلَ
فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ
عَلَيْهِ 2: 203 الْآيَةَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّفْرِ الْآخِرِ
وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَكَانَ
يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَنَفَرَ بِهِمْ مِنْ مِنًى
فَنَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى فَصَلَّى
بِهِ الْعَصْرَ. كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رفيع.
(5/203)
قال سألت أنس بن مالك: أخبرنى عن شيء
عَقَلْتَهُ [1] عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ
بِمِنًى. قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ
بِالْأَبْطَحِ، افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ. وَقَدْ رُوِيَ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظَّهْرَ يَوْمَ
النَّفْرِ بِالْأَبْطَحِ وَهُوَ الْمُحَصَّبُ فاللَّه أعلم. قال
البخاري حدثنا عبد المتعال ابن طَالِبٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنَّهُ صلى الظهر والعصر والعشاء، ورقد رقدة في المحصب ثُمَّ رَكِبَ
إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ.
قُلْتُ- يَعْنِي طَوَافَ الْوَدَاعِ-. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثَنَا خَالِدُ بْنُ الحارث.
قال سئل عبد اللَّهِ عَنِ الْمُحَصَّبِ فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
عَنْ نَافِعٍ قَالَ: نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعمرو ابن عمرو عن نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
كَانَ يُصَلِّي بِهَا- يعنى المحصب- والظهر وَالْعَصْرَ أَحْسَبُهُ.
قَالَ وَالْمَغْرِبَ قَالَ: خَالِدٌ لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ ثُمَّ
يَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا نُوحُ بْنُ
مَيْمُونٍ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا
بَكْرٍ وَعُمْرَ وَعُثْمَانَ نَزَلُوا الْمُحَصَّبَ هَكَذَا رَأَيْتُهُ
فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا
الْحَدِيثَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابن عُمَرَ. قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي رَافِعٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الرَّازِيِّ
عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمْرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عمر: أنه كان ينزل المحصب [2] وَكَانَ
يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْحَصْبَةِ. قَالَ نَافِعٌ:
قَدْ حَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا
يُونُسُ ثَنَا حَمَّادٌ- يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ- عَنْ أَيُّوبَ
وَحُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ
وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْبَطْحَاءِ ثُمَّ هَجَعَ
هَجْعَةً، ثُمَّ دَخَلَ- يَعْنِي مَكَّةَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حُمَيْدٍ
عَنْ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَكَانَ
ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا الْحُمَيْدِيُّ
ثَنَا الْوَلِيدُ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيِّ عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ
بِمِنًى: نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ
تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ- يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبِ- الحديث.
ورواه مسلم عن زهير بن
__________
[1] هذا عن التيمورية، وفي الأصل: بشيء غفلته
[2] في التيمورية: أنه كان يرى المحصب سنّة.
(5/204)
حَرْبٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً. وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ
عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا- فِي حَجَّتِهِ-؟ قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ
لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا، ثُمَّ قَالَ: نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا إِنْ
شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ- يَعْنِي الْمُحَصَّبَ- حَيْثُ
قاسمت قريشا عَلَى الْكُفْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ
حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ ولا
يبايعوهم ولا يؤوهم- يعنى حتى يسلموا اليهم رسول الله. ثُمَّ قَالَ
عِنْدَ ذَلِكَ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ
الْمُسْلِمَ» قَالَ الزُّهْرِيُّ- وَالْخَيْفُ- الْوَادِي أَخْرَجَاهُ
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَهَذَانَ الحديثان فيهما دلالة على
أنه عليه السلام قَصَدَ النُّزُولَ فِي الْمُحَصَّبِ مُرَاغَمَةً لِمَا
كَانَ تمالئ عَلَيْهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ لَمَّا كَتَبُوا الصَّحِيفَةَ
فِي مُصَارَمَةِ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ حَتَّى يُسْلِمُوا
إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا
قَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. وَكَذَلِكَ نَزَلَهُ عَامَ
الْفَتْحِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ نُزُولُهُ سُنَّةً مُرَغَّبًا فِيهَا،
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ. وقد قال البخاري ثنا أبو نعيم
أنبأنا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلًا يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ-
يَعْنِي الْأَبْطَحَ-. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ
بِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ ابن حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ عن أبيه عن عائشة: إنما نزل رسول الله
الْمُحَصَّبَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ،
فَمَنْ شَاءَ نَزَلَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَنْزِلْهُ. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا
سُفْيَانُ. قَالَ قَالَ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ
سُفْيَانَ وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُسَدَّدٌ
الْمَعْنَى قَالُوا ثَنَا سُفْيَانُ ثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَمْ يَأْمُرْنِي
يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
أَنْزِلَهُ، ولكن ضربت [1] فيه فَنَزَلَهُ. قَالَ مُسَدَّدٌ وَكَانَ
عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ
عُثْمَانُ- يَعْنِي الْأَبْطَحِ-. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ
وَأَبِي بَكْرٍ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
بِهِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى
نُزُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْمُحَصَّبِ لَمَّا نَفَرَ مِنْ مِنًى، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمْ يَقْصِدْ نُزُولَهُ وَإِنَّمَا نَزَلَهُ
اتِّفَاقًا لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أشعر
كلامه بقصده عليه السلام نُزُولَهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ وَذَلِكَ
أَنَّهُ عَلَيْهِ السلام أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ
عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَنْصَرِفُونَ مِنْ
كُلِّ وَجْهٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأُمِرَ النَّاسُ أَنْ
يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ- يَعْنِي طَوَافَ الْوَدَاعِ-.
فأراد عليه السلام أَنْ يَطُوفَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَقَدْ نَفَرَ مِنْ
مِنًى قُرَيْبَ الزَّوَالِ فَلَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجِيءَ
الْبَيْتَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَيَطُوفَ بِهِ وَيَرْحَلَ إِلَى
ظَاهِرِ مَكَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّ ذلك قد
__________
[1] في التيمورية: ضربت قبته، والثقل: المتاع.
(5/205)
يَتَعَذَّرُ عَلَى هَذَا الْجَمِّ
الْغَفِيرِ، فَاحْتَاجَ أَنْ يَبِيتَ قِبَلَ مَكَّةَ وَلَمْ يَكُنْ
مَنْزِلٌ أَنْسَبَ لِمَبِيتِهِ مِنَ الْمُحَصَّبِ الَّذِي كَانَتْ
قُرَيْشٌ قَدْ عَاقَدَتْ بَنِي كِنَانَةَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي
الْمُطَّلِبِ فِيهِ فَلَمْ يُبْرِمِ اللَّهُ لِقُرَيْشٍ أَمْرًا بَلْ
كَبَتَهُمْ وَرَدَّهُمْ خَائِبِينَ، وَأَظْهَرَ اللَّهُ دِينَهُ ونصر
نبيه وأعلا كَلِمَتَهُ، وَأَتَمَّ لَهُ الدِّينَ الْقَوِيمَ،
وَأَوْضَحَ بِهِ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، فَحَجَّ بِالنَّاسِ
وَبَيَّنَ لَهُمْ شَرَائِعَ اللَّهِ وَشَعَائِرَهُ، وَقَدْ نَفَرَ
بَعْدَ إِكْمَالِ الْمَنَاسِكِ فَنَزَلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي
تَقَاسَمَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ عَلَى الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ
وَالْقَطِيعَةِ، فَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ
وَالْعِشَاءَ وَهَجَعَ هَجْعَةً، وَقَدْ كَانَ بَعَثَ عَائِشَةَ أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِيُعْمِرَهَا مِنَ
التَّنْعِيمِ فَإِذَا فَرَغَتْ أَتَتْهُ، فَلَمَّا قَضَتْ عُمْرَتَهَا
وَرَجَعَتْ أَذَّنَ فِي الْمُسْلِمِينَ بِالرَّحِيلِ إِلَى الْبَيْتِ
الْعَتِيقِ. كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ
بَقِيَّةَ ثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَفْلَحَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: أَحْرَمْتُ مِنَ التَّنْعِيمِ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلْتُ
فَقَضَيْتُ عُمْرَتِي وَانْتَظَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ حَتَّى فَرَغْتُ وَأُمِرَ النَّاسُ
بِالرَّحِيلِ. قَالَتْ:
وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ
فَطَافَ بِهِ ثُمَّ خَرَجَ. وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
حَدِيثِ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ- يَعْنِي الْحَنَفِيَّ-
ثَنَا أَفْلَحُ عَنِ الْقَاسِمِ [عَنْهَا]- يَعْنِي عَائِشَةَ-
قَالَتْ: خَرَجْتُ معه يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، النَّفْرَ الْآخِرَ وَنَزَلَ الْمُحَصَّبَ. قَالَ
أَبُو دَاوُدَ فذكر ابن بشار بعثها الى التنعيم قالت: ثم جئت سحرا،
فَأَذَّنَ فِي الصَّحَابَةِ بِالرَّحِيلِ فَارْتَحَلَ فَمَرَّ
بِالْبَيْتِ [1] قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَطَافَ بِهِ حِينَ خَرَجَ،
ثُمَّ انْصَرَفَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ. وَرَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ بِهِ.
قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أنه عليه السلام صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَئِذٍ
عِنْدَ الْكَعْبَةِ بِأَصْحَابِهِ وَقَرَأَ فِي صَلَاتِهِ تِلْكَ
بِسُورَةِ وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ
الْمَسْجُورِ 52: 1- 6 السُّورَةَ بِكَمَالِهَا. وَذَلِكَ لِمَا
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلّم.
قال: شكوت الى رسول الله أتى أَشْتَكِي، قَالَ طُوفِي مِنْ وَرَاءِ
النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي حِينَئِذٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ
وَهُوَ يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. وَأَخْرَجَهُ
بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إلا الترمذي من حديث مالك باسناد نَحْوَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أم سلمة أن رسول الله قَالَ: وَهُوَ
بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ
وَأَرَادَتِ الْخُرُوجَ فَقَالَ لَهَا: «إِذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ
الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ» فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ فَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ
بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَرَهَا أَنْ تُوَافِيَ مَعَهُ
صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ فهو اسناد كما
__________
[1] في التيمورية: فارتحلنا فنزلنا البيت قبل إلخ.
(5/206)
تَرَى عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَمْ
يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَعَلَّ
قَوْلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي أَوْ مِنَ النَّاسِخِ
وَإِنَّمَا هُوَ يَوْمُ النَّفْرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَقْصُودُ أنه عليه
السلام لَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ طَافَ بِالْبَيْتِ
سَبْعًا وَوَقَفَ فِي الْمُلْتَزَمِ بَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ
الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَبَيْنَ بَابِ الْكَعْبَةِ فَدَعَا الله عز وجل
والزق جسده بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ عَنِ
الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدِّهِ. قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلْزِقُ وَجْهَهُ وَصَدْرَهُ بِالْمُلْتَزَمِ.
المثنى ضعيف.
فصل
ثم خرج عليه السلام مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مَكَّةَ
مِنْ أَعْلَاهَا وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا. أَخْرَجَاهُ. وَقَالَ
ابْنُ عُمَرَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ
وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ دَخَلَ مِنْ كَدَاءٍ وَخَرَجَ مِنْ كُدًى.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ثَنَا
أَجْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
مَكَّةَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يَصِلْ حتى أتى سرف وَهِيَ
عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا،
وَأَجْلَحُ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ هَذَا في غير حجة الوداع فإنه عليه
السلام كَمَا قَدَّمْنَا طَافَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ
فَمَاذَا أَخَّرَهُ إِلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا،
اللَّهمّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَا ادَّعَاهُ ابن حزم صحيحا من أنه عليه
السلام رَجَعَ إِلَى الْمُحَصَّبِ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ طَوَافِهِ
بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ
إِلَّا قَوْلَ عَائِشَةَ حِينَ رَجَعَتْ مِنَ اعتمارها من التنعيم
فلقيته بصعدة، وهو مهبط عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ مُنْهَبِطَةً،
وَهُوَ مُصْعِدٌ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ
أَنَّهَا كَانَتْ مُصْعِدَةً مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ
لِأَنَّهَا تَقَدَّمَتْ إِلَى الْعُمْرَةِ وَانْتَظَرَهَا حَتَّى
جَاءَتْ، ثم نهض عليه السلام إِلَى طَوَافِ الْوَدَاعِ فَلَقِيَهَا
مُنْصَرِفَةً إِلَى الْمُحَصَّبِ مِنْ مَكَّةَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
بَابُ مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَلَ بَاتَ
بِذِي طُوًى حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ دَخَلَ، وَإِذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي
طُوًى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا مُعَلَّقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَقَدْ
أَسْنَدَهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ
لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَبِيتِ بِذِي طُوًى فِي الرَّجْعَةِ
فاللَّه أَعْلَمُ.
فَائِدَةٌ عَزِيزَةٌ. فِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَصْحَبَ مَعَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ شَيْئًا.
قَالَ: الْحَافِظُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو
كُرَيْبٍ ثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ ثَنَا زُهَيْرُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَتُخْبِرُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
يَحْمِلُهُ، ثُمَّ قَالَ
(5/207)
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا
نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ- هُوَ ابْنُ
الْمُبَارَكِ- ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَفَلَ من الغزو أو من الحج أو من
الْعُمْرَةِ، يَبْدَأُ فَيُكَبِّرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ
وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شيء قدير، آئبون تَائِبُونَ
عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ
وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ.
وَالْأَحَادِيثُ في هذا كثيرة وللَّه الحمد والمنة.
فَصْلٌ
فِي إِيرَادِ الْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام خَطَبَ
بِمَكَانٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَرْجِعَهُ مِنْ حَجَّةِ
الْوَدَاعِ قَرِيبٍ مِنَ الْجُحْفَةِ- يُقَالُ لَهُ غَدِيرُ خُمٍّ-
فَبَيَّنَ فِيهَا فَضْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَبَرَاءَةَ
عِرْضِهِ مِمَّا كَانَ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ
بِأَرْضِ الْيَمَنِ، بِسَبَبِ مَا كَانَ صَدَرَ مِنْهُ إِلَيْهِمْ مِنَ
الْمَعْدِلَةِ الَّتِي ظَنَّهَا بَعْضُهُمْ جَوْرًا وَتَضْيِيقًا
وَبُخْلًا، وَالصَّوَابُ كَانَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمَّا
تفرغ عليه السلام مِنْ بَيَانِ الْمَنَاسِكِ وَرَجَعَ إِلَى
الْمَدِينَةِ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَخَطَبَ
خُطْبَةً عَظِيمَةً فِي الْيَوْمِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي
الْحِجَّةِ عَامَئِذٍ وَكَانَ يَوْمَ الْأَحَدِ بِغَدِيرِ خُمٍّ تَحْتَ
شَجَرَةٍ هُنَاكَ، فَبَيَّنَ فِيهَا أَشْيَاءَ. وَذَكَرَ مِنْ فَضْلِ
عَلِيٍّ وَأَمَانَتِهِ وَعَدْلِهِ وَقُرْبِهِ إِلَيْهِ مَا أَزَاحَ
بِهِ مَا كَانَ فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِنْهُ. وَنَحْنُ
نُورِدُ عُيُونَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَنُبَيِّنُ
مَا فِيهَا مِنْ صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ
وَعَوْنِهِ، وَقَدِ اعْتَنَى بِأَمْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فَجَمَعَ فِيهِ
مُجَلَّدَيْنِ أَوْرَدَ فِيهِمَا طُرُقَهُ وَأَلْفَاظَهُ، وَسَاقَ
الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَالصَّحِيحَ وَالسَّقِيمَ، عَلَى مَا جَرَتْ
بِهِ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ يُورِدُونَ مَا وَقَعَ
لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْبَابِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ صَحِيحِهِ
وَضَعِيفِهِ. وَكَذَلِكَ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ
عَسَاكِرَ أَوْرَدَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ.
وَنَحْنُ نُورِدُ عُيُونَ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مَعَ إِعْلَامِنَا
أَنَّهُ لَا حَظَّ لِلشِّيعَةِ فِيهِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ وَلَا
دَلِيلَ لِمَا سَنُبَيِّنُهُ وَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ، فَنَقُولُ وباللَّه
الْمُسْتَعَانُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ- فِي سِيَاقِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ-
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي عَمْرَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ
رُكَانَةَ. قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ لِيَلْقَى
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، تعجل
الى رسول الله وَاسْتَخْلَفَ عَلَى جُنْدِهِ الَّذِينَ مَعَهُ رَجُلًا
مِنْ أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كُلَّ رَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ حُلَّةً
مِنَ الْبَزِّ الَّذِي كَانَ مَعَ عَلِيٍّ، فَلَمَّا دَنَا جَيْشُهُ
خَرَجَ لِيَلْقَاهُمْ فَإِذَا عَلَيْهِمُ الْحُلَلُ. قَالَ: وَيْلَكَ
مَا هَذَا؟ قَالَ: كَسَوْتُ الْقَوْمَ لِيَتَجَمَّلُوا بِهِ إِذَا
قَدِمُوا فِي النَّاسِ. قَالَ وَيْلَكَ:
(5/208)
انزع قبل أن ينتهى بِهِ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ فَانْتَزَعَ
الْحُلَلَ مِنَ النَّاسِ فَرَدَّهَا فِي الْبَزِّ، قَالَ وَأَظْهَرَ
الْجَيْشُ شَكْوَاهُ لِمَا صَنَعَ بِهِمْ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ
فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ
بْنِ حَزْمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ- وَكَانَتْ عِنْدَ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ: اشْتَكَى
النَّاسُ عَلِيًّا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِينَا خَطِيبًا، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ
لَا تشكوا عليا فو الله إِنَّهُ لَأَخْشَنُ فِي ذَاتِ اللَّهِ أَوْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ [مِنْ أَنْ يُشْكَى] وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ وَقَالَ إِنَّهُ
لَأَخْشَنُ فِي ذَاتِ اللَّهِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا ابْنُ
أَبِي غَنِيَّةَ؟ [1] عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ
الْيَمَنَ فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْتُ عَلِيًّا
فَتَنَقَّصْتُهُ فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ يَتَغَيَّرُ.
فَقَالَ: يَا بُرَيْدَةُ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ، قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «مَنْ كُنْتُ
مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ
أَبِي دَاوُدَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ
دُكَيْنٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ بِإِسْنَادِهِ
نَحْوَهُ وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ
ثِقَاتٌ. وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُثَنَّى عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي معاوية عَنِ
الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. قال: لما رجع رسول الله مِنْ حَجَّةِ
الْوَدَاعِ وَنَزَلَ غَدِيرَ خُمٍّ أَمَرَ بِدَوْحَاتٍ فَقُمِمْنَ [2]
ثُمَّ قَالَ: «كَأَنِّي قَدْ دُعِيتُ فأجبت، انى قد تركت فيكم الثقلين
كِتَابُ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ
تَخْلُفُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا
عَلَيَّ الْحَوْضَ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ مَوْلَايَ وَأَنَا وَلِيُّ
كُلِّ مُؤْمِنٍ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ
مَوْلَاهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ، اللَّهمّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ
مَنْ عَادَاهُ» فَقُلْتُ لِزَيْدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا كَانَ فِي الدَّوْحَاتِ
أَحَدٌ إِلَّا رَآهُ بِعَيْنَيْهِ وَسَمِعَهُ بِأُذُنَيْهِ تَفَرَّدَ
بِهِ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ شَيْخُنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ
مَاجَهْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ أنا أَبُو الْحُسَيْنِ
أَنْبَأَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بْنِ
جُدْعَانَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ.
قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في حجة الوداع التي حج فنزل في الطَّرِيقِ، فَأَمَرَ
الصَّلَاةُ جَامِعَةً فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فقال: «ألست بأولى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ قَالُوا بَلَى! قَالَ أَلَسْتُ
بأولى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، قَالُوا بَلَى! قَالَ فَهَذَا
وَلِيُّ مَنْ أَنَا مَوْلَاهُ، اللَّهمّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ
مَنْ عَادَاهُ» . وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٌ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ عَدِيٍّ عَنِ الْبَرَاءِ
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ
سُفْيَانَ ثَنَا هُدْبَةُ ثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي هَارُونَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ
الْبَرَاءِ. قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة
__________
[1] في التيمورية ابن أبى عتبة وفي الأصل عينة بالياء ثم النون
والتصحيح عن الخلاصة.
[2] كذا في الأصل: (فقممن) وبالتيمورية (فعممن) .
(5/209)
الوداع فلما أتينا على غدير خم كشح
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ
شَجَرَتَيْنِ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ الصَّلَاةُ جَامِعَةً، وَدَعَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَأَخَذَ
بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ: «أَلَسْتُ أولى بكل امرئ
من نفسه، قالوا بلى! قال فان هذا مولى مَنْ أَنَا مَوْلَاهُ، اللَّهمّ
وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ فَقَالَ هَنِيئًا لَكَ أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى
كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي
زُرْعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ- وَكِلَاهُمَا
ضَعِيفٌ- عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
بِهِ. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى
بْنِ عُثْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ- وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا- عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ
فاللَّه أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ثَنَا عَبْدُ
الْمَلِكِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ الْكِنْدِيِّ عَنْ زَاذَانَ
أَبِي عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا بِالرَّحْبَةِ وَهُوَ يَنْشُدُ
النَّاسَ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ وَهُوَ يَقُولُ مَا قَالَ؟ قَالَ
فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ:
«مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ
وَأَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ هَذَا لَا يُعْرَفُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بن الامام احمد في مسند أبيه حديث عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ
أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ
وَعَنْ زيد بن يثيغ قال نَشَدَ عَلِيٌّ النَّاسَ فِي الرَّحْبَةِ مَنْ
سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ [مَا قَالَ] إِلَّا قَامَ؟ قَالَ:
فَقَامَ مِنْ قِبَلِ سَعِيدٍ سِتَّةٌ وَمِنْ قِبَلِ زَيْدٍ سِتَّةٌ
فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ «أَلَيْسَ
اللَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ قَالُوا بَلَى!
قَالَ: اللَّهمّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهمّ
وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ أَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
عَنْ عَمْرٍو ذِي أمر مثل حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ يَعْنِي عَنْ
سَعِيدٍ وَزَيْدٍ وَزَادَ فِيهِ: «وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ
مَنْ خَذَلَهُ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ ثَنَا
شَرِيكٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ
خَصَائِصِ عَلِيٍّ حدثنا الحسين بن حرب ثَنَا الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى
عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ.
قَالَ قَالَ عَلِيٌّ فِي الرَّحْبَةِ أَنْشُدُ باللَّه رَجُلًا سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غدير خم
يقول: «ان الله وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ
فَهَذَا وَلِيُّهُ، اللَّهمّ وال من والاه، وعاد عَادَاهُ، وَانْصُرْ
مَنْ نَصَرَهُ» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ
حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ عمرو ذي أمر. قَالَ
نَشَدَ عَلِيٌّ النَّاسَ بِالرَّحْبَةِ فَقَامَ أُنَاسٌ فشهدوا أنهم
سمعوا رسول الله يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ
فَإِنَّ عَلِيًّا مَوْلَاهُ. اللَّهمّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ
مَنْ عَادَاهُ. وَأَحِبَّ مَنْ أَحَبَّهُ، وَأَبْغِضْ مَنْ أَبْغَضَهُ
وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ» وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ زيد بْنِ وَهْبٍ وَعَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ. وَقَدْ
رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ عن
(5/210)
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى وَهُوَ
شِيعِيٌّ ثِقَةٌ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن
زيد بن وهب وزيد بن يثيغ وعمرو ذي أمر: أن عليا أنشد الناس بالكوافة
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ ثَنَا يُونُسُ بْنُ
أَرْقَمَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي لَيْلَى شَهِدْتُ عَلِيًّا فِي الرَّحْبَةِ يَنْشُدُ
النَّاسَ فَقَالَ: أشهد اللَّهَ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ يَقُولُ «مَنْ كُنْتُ
مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» لَمَّا قَامَ فَشَهِدَ. قال عبد الرحمن
فقام اثنا عشر رجلا بَدْرِيًّا كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَحَدِهِمْ
فَقَالُوا نَشْهَدُ أنا سمعنا رسول الله يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ
«أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجِي
أُمَّهَاتُهُمْ، فَقُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ مَنْ
كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهمّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ،
وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بن احمد حدثنا احمد بن عمير الْوَكِيعِيُّ ثَنَا زَيْدُ بْنُ
الْحُبَابِ ثَنَا الْوَلِيدُ بن عقبة بن ضرار القيسي أنبأنا سماك عن
عبيد بن الوليد القيسي قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي لَيْلَى فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ شَهِدَ عَلِيًّا فِي الرَّحْبَةِ
قال: أَنْشُدُ باللَّه رَجُلًا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ إِلَّا قَامَ
وَلَا يَقُومُ إِلَّا مَنْ قَدْ رَآهُ فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا
فَقَالُوا قَدْ رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ حَيْثُ أَخَذَ بِيَدِهِ
يَقُولُ «اللَّهمّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ،
وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ» فَقَامَ إِلَّا
ثَلَاثَةً لَمْ يَقُومُوا فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَأَصَابَتْهُمْ
دَعْوَتُهُ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ
التغلبي وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى بِهِ
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ منصور ثنا أبو عامر العقدي
وروى ابن أبى عاصم عن سليمان الغلابي عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ
ثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَضَرَ
الشَّجَرَةَ بِخُمٍّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ. مَنْ كُنْتُ
مَوْلَاهُ فَإِنَّ عَلِيًّا مَوْلَاهُ. وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ
أَبِي عَامِرٍ عَنْ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ
عَنْ عَلِيٍّ مُنْقَطِعًا وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو
الْبَجَلِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ
مُصَرِّفٍ عَنْ عَمِيرَةَ ابن سَعْدٍ: أَنَّهُ شَهِدَ عَلِيًّا عَلَى
الْمِنْبَرِ يُنَاشِدُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ
أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَشَهِدُوا
أَنَّهُمْ سمعوا رسول الله يَقُولُ:
«مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهمّ وَالِ مَنْ
وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» وَقَدْ رواه عبيد الله بن موسى عن
هاني بْنِ أَيُّوبَ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ
الشَّاعِرِ ثَنَا شَبَابَةُ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنِي
أَبُو مَرْيَمَ وَرَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عَلِيٍّ عَنْ عَلَى. أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ
غَدِيرِ خُمٍّ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» . قَالَ
فَزَادَ النَّاسُ بَعْدُ- وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِهَذَا السند حديث المخرج. وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو نعيم المعنى.
قالا: ثنا قطن عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ. قَالَ جَمَعَ عَلِيٌّ النَّاسَ
فِي الرَّحْبَةِ- يَعْنِي رَحْبَةَ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ- فَقَالَ:
أَنْشُدُ اللَّهَ كُلَّ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ مَا سَمِعَ لما قام
فقام
(5/211)
نَاسٌ كَثِيرٌ فَشَهِدُوا حِينَ أَخَذَ
بِيَدِهِ فَقَالَ لِلنَّاسِ: «أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ قَالُوا نَعَمْ! يَا رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهمّ
وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» قَالَ فَخَرَجْتُ كَأَنَّ
فِي نَفْسِي شَيْئًا فَلَقِيتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ. فَقُلْتُ لَهُ
إِنِّي سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا. قَالَ فَمَا
تُنْكِرُ؟
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
ذَلِكَ لَهُ. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ
مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ
يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سُرَيْحَةَ- أَوْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ- شَكَّ
شعبة. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ كَامِلٍ أَبِي
الْعَلَاءِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ
جَعْدَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا عَفَّانُ ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ
أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ قَالَ
زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَأَنَا أَسْمَعُ نَزَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
مَنْزِلًا يُقَالُ لَهُ وَادِي خُمٍّ فَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ
فَصَلَّاهَا بهجير. قال فخطبنا وظلّ رسول الله بثوب على شجرة ستره مِنَ
الشَّمْسِ. فَقَالَ: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ- أَوْ أَلَسْتُمْ
تَشْهَدُونَ- أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ قَالُوا
بَلَى! قَالَ فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَإِنَّ عَلِيًّا مَوْلَاهُ،
اللَّهمّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» . ثُمَّ رَوَاهُ
أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إِلَى قَوْلِهِ مَنْ كُنْتُ
مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ. قَالَ مَيْمُونٌ حَدَّثَنِي بَعْضُ
الْقَوْمِ عَنْ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهمّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ
عَادَاهُ» . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَلَى شَرْطِ
السُّنَنِ. وَقَدْ صحح الترمذي بهذا السند حديثا في الريث.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا حَنَشُ
بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لَقِيطٍ الْأَشْجَعِيُّ عن رباح بْنِ الْحَارِثِ
قَالَ جَاءَ رَهْطٌ إِلَى عَلِيٍّ بِالرَّحْبَةِ فَقَالُوا السَّلَامُ
عَلَيْكَ يَا مَوْلَانَا قَالَ كَيْفَ أَكُونُ مَوْلَاكُمْ وَأَنْتُمْ
قَوْمٌ عَرَبٌ. قَالُوا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ
مَوْلَاهُ فهذا مولاه. قال رباح فَلَمَّا مَضَوْا تَبِعْتُهُمْ
فَسَأَلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ منهم
أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَنَا
حنش عن رباح بْنِ الْحَارِثِ. قَالَ رَأَيْتُ قَوْمًا مِنَ
الْأَنْصَارِ قَدِمُوا عَلَى عَلِيٍّ فِي الرَّحْبَةِ فَقَالَ: مَنِ
الْقَوْمُ؟
فَقَالُوا مَوَالِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ
هَذَا لَفْظُهُ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ ثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو الْجَوْزَاءِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ ثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ
وَهُوَ صَدُوقٌ حَدَّثَنِي مُهَاجِرُ بْنُ مِسْمَارٍ عَنْ عَائِشَةَ
بِنْتِ سَعْدٍ سَمِعَتْ أَبَاهَا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَوْمَ الْجُحْفَةِ وأخذ
بيد عليّ فخطب. ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي وَلِيُّكُمْ
قَالُوا صَدَقْتَ! فَرَفَعَ يَدَ عَلِيٍّ فَقَالَ هَذَا وَلِيِّي
وَالْمُؤَدِّي عَنِّي وَإِنَّ اللَّهَ مُوَالِي مَنْ وَالَاهُ،
وَمُعَادِي مَنْ عَادَاهُ» . قَالَ: شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ وَهَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرِ
بْنِ أَبِي كبير عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَأَنَّهُ
(5/212)
عليه السلام وَقَفَ حَتَّى لَحِقَهُ مَنْ
بَعْدَهُ وَأَمَرَ بِرَدِّ مَنْ كَانَ تَقَدَّمَ فَخَطَبَهُمْ
الْحَدِيثَ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي
الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ غَدِيرِ خُمٍّ- قَالَ: شَيْخُنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَةٍ
مَكْتُوبَةٍ عن ابن جرير- حدثنا محمود بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ ثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ موسى أنبأنا إسماعيل بن كشيط عَنْ جَمِيلِ بْنِ
عُمَارَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ ابْنُ
جَرِيرٍ أَحْسَبُهُ قَالَ عَنْ عُمَرَ وَلَيْسَ فِي كِتَابِي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ
بِيَدِ عَلِيٍّ «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ، اللَّهمّ
وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» . وَهَذَا حَدِيثٌ
غَرِيبٌ. بَلْ مُنْكَرٌ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي
جَمِيلِ بْنِ عُمَارَةَ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ
زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ سَمِعَ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كُنَّا بِالْجُحْفَةِ بِغَدِيرِ
خُمٍّ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ خِبَاءٍ أَوْ فُسْطَاطٍ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ.
فَقَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» . قَالَ:
شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ
لَهِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ.
قَالَا: ثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ
جُنَادَةَ. قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ حَجَّةَ
الْوَدَاعِ. قَالَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا
أَنَا أَوْ عَلِيٌّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ لَا يَقْضِي عَنِّي
دَيْنِي إِلَّا أَنَا أَوْ عَلِيٌّ. وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا
عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ إِسْرَائِيلَ قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَحَدَّثَنَاهُ الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ مِثْلَهُ. قَالَ
فَقُلْتُ: لِأَبِي إِسْحَاقَ أَيْنَ سَمِعْتَ منه؟ قال: وقف علينا على
فرس فِي مَجْلِسِنَا فِي جَبَّانَةِ السَّبِيعِ. وَكَذَا رَوَاهُ
أَحْمَدُ عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ
شَرِيكٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى عَنْ
شَرِيكٍ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ
وَسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى ثَلَاثَتُهُمْ
عَنْ شَرِيكٍ بِهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ
بْنُ قَرْمٍ- وَهُوَ مَتْرُوكٌ- عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن حبش بْنِ
جُنَادَةَ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ
مَوْلَاهُ، اللَّهمّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» .
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ
ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ عَنْ
أَبِي يَزِيدَ الْأَوْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: دَخَلَ أَبُو
هُرَيْرَةَ الْمَسْجِدَ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَقَامَ
إِلَيْهِ شَابٌّ. فَقَالَ أَنْشُدُكَ باللَّه أَسَمِعْتَ رَسُولَ
اللَّهِ يَقُولُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهمّ
وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» قَالَ نَعَمْ! وَرَوَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ شَاذَانَ عَنْ شَرِيكٍ بِهِ
تَابَعَهُ إِدْرِيسُ الْأَوْدِيُّ عَنْ أَخِيهِ أَبِي يَزِيدَ
وَاسْمُهُ دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ بِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا
مِنْ حَدِيثِ إِدْرِيسَ وَدَاوُدَ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ضَمْرَةُ
عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ شَهْرِ بْنِ
حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ لَمَّا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ
(5/213)
عَلِيٍّ قَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ
يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ مَنْ صَامَ يَوْمَ ثَمَانَ عَشْرَةَ مِنْ ذِي
الْحِجَّةِ كُتِبَ لَهُ صِيَامُ سِتِّينَ شَهْرًا. فَإِنَّهُ حَدِيثٌ
مُنْكَرٌ جِدًّا بَلْ كَذِبٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا ثَبَتَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَوْمَ
عَرَفَةَ. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاقِفٌ بِهَا كَمَا قَدَّمْنَا وَكَذَا قَوْلُهُ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ
الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ
يَعْدِلُ صِيَامَ سِتِّينَ شَهْرًا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ
مَا مَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ
بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ فَكَيْفَ يَكُونُ صِيَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ يَعْدِلُ
سِتِّينَ شَهْرًا هَذَا بَاطِلٌ. وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ بَعْدَ إِيرَادِهِ هَذَا الْحَدِيثَ
هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدًّا. وَرَوَاهُ حَبْشُونُ الْخَلَّالُ
وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ النِّيرِيُّ وَهُمَا
صَدُوقَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الرَّمْلِيِّ عَنْ ضَمْرَةَ.
قَالَ وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
وَأَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ بِأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ. قَالَ: وَصَدْرُ
الْحَدِيثِ مُتَوَاتِرٌ أَتَيَقَّنُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ وَأَمَّا اللَّهمّ وَالِ مَنْ
وَالَاهُ فَزِيَادَةٌ قَوِيَّةُ الْإِسْنَادِ وَأَمَّا هَذَا الصَّوْمُ
فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
إِلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ قَبْلَ غَدِيرِ خُمٍّ بِأَيَّامٍ وَاللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ. [وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
إِسْحَاقَ الْوَزِيرُ الأصبهاني حدثنا على بن محمد المقدمي حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ شبان بْنِ مَالِكِ بْنِ
مِسْمَعٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ حنيف بْنِ سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ أَخِي
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. قَالَ لَمَّا قَدِمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ
حَجَّةِ الْوَدَاعِ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى
عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ
يَسُؤْنِي قط، فاعرفوا ذلك له. أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي عَنْ أَبِي
بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ
رَاضٍ فَاعْرِفُوا ذَلِكَ لَهُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ احْفَظُونِي فِي
أصحابى وأصهارى وأحبابى لا يطلبكم اللَّهُ بِمَظْلِمَةِ أَحَدٍ
مِنْهُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ ارْفَعُوا أَلْسِنَتَكُمْ عَنِ
الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فقولوا فيه خيرا بسم
الله الرحمن الرحيم] . |