البداية والنهاية، ط. دار الفكر

كتاب دلائل النبوّة
وَهِيَ مَعْنَوِيَّةٌ وَحِسِّيَّةٌ: فَمِنَ الْمَعْنَوِيَّةِ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ، وَأَبْهَرُ الْآيَاتِ، وَأَبْيَنُ الْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ، لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّرْكِيبِ الْمُعْجِزِ الَّذِي تَحَدَّى بِهِ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ، مَعَ تَوَافُرِ دَوَاعِي أَعْدَائِهِ عَلَى مُعَارَضَتِهِ، وَفَصَاحَتِهِمْ وَبَلَاغَتِهِمْ، ثُمَّ تحداهم بعشر سور منه فَعَجَزُوا، ثُمَّ تَنَازَلَ إِلَى التَّحَدِّي بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، فَعَجَزُوا عَنْهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ عَجْزَهُمْ وَتَقْصِيرَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ هَذَا مَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَيْهِ أَبَدًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً» 17: 88 وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ وَقَالَ فِي سُورَةِ الطُّورِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ: «أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ» 52: 33- 34 أي إن كنتم صادقين في أنه قاله من عنده فهو بشر مثلكم فأتوا بمثل ما جاء به فإنكم مثله وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ- معيدا للتحدى-: «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ» . 2: 23- 24 وَقَالَ تَعَالَى: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ من دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَّا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» 11: 13- 14. وقال تعالى: «وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى من دُونِ الله وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ من رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ من قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ» 10: 37- 39 فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْخَلْقَ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَةِ هَذَا الْقُرْآنِ، بَلْ عَنْ عَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ، بَلْ عَنْ سُورَةٍ مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ أَبَدًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا» 2: 24 أَيْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فِي الْمَاضِي وَلَنْ تستطيعوا ذلك في المستقبل، وهذا تحدّثان وهو أنه لا يمكن معارضتهم له لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ وَمِثْلُ هَذَا التَّحَدِّي إِنَّمَا يَصْدُرُ عَنْ وَاثِقٍ بِأَنَّ ما جاء به لا يمكن للبشر مُعَارَضَتُهُ وَلَا الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ مُتَقَوِّلٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَخَافَ أَنْ يُعَارَضَ، فَيَفْتَضِحَ وَيَعُودَ عَلَيْهِ نَقِيضُ مَا قَصَدَهُ مِنْ مُتَابَعَةِ النَّاسِ لَهُ، وَمَعْلُومٌ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْقَلِ خَلْقِ اللَّهِ بَلْ أَعْقَلُهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَمَا كَانَ لِيُقْدِمَ على هذا الأمر إِلَّا وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ، وهكذا وقع، فإنه مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى زَمَانِنَا هَذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِنَظِيرِهِ وَلَا نَظِيرِ سُورَةٍ مِنْهُ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ أَبَدًا، فَإِنَّهُ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا في

(6/65)


أَفْعَالِهِ، فَأَنَّى يُشْبِهُ كَلَامُ الْمَخْلُوقِينَ كَلَامَ الْخَالِقِ؟ وَقَوْلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ الَّذِي حَكَاهُ تَعَالَى عَنْهُمْ في قوله:
«وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» 8: 31. كَذِبٌ مِنْهُمْ وَدَعْوَى بَاطِلَةٌ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ وَلَا بَيَانٍ، وَلَوْ كَانُوا صَادِقِينَ لَأَتَوْا بِمَا يُعَارِضُهُ، بَلْ هُمْ يَعْلَمُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ، كَمَا يَعْلَمُونَ كَذِبَ أَنْفُسِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ «أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» 25: 5 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً» 25: 6 أي أنزله عالم الخفيات، رب الأرض والسموات، الَّذِي يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي كَانَ لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَدْرِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْأَوَائِلِ وَأَخْبَارِ الْمَاضِينَ، فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ خَبَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاقِعِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ الَّذِي اخْتَلَفَتْ فِي إِيرَادِهِ جُمْلَةُ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: «تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ» 11: 49 وَقَالَ تَعَالَى: «كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا» 20: 99- 101 وقال تعالى: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» 5: 48 الآية وقال تعالى: «وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» 29: 48- 52 فبين تعالى أن نفس إنزال هذا الكتاب المشتمل على علم ما كان وما يكون وحكم ما هو كائن بين الناس على مثل هذا النبي الأمي وحده، كان من الدلالة على صدقه، وقال تعالى: «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قال الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ من تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلْ لَوْ شاءَ الله ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ به فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً من قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ» 10: 15- 17 يَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي لَا أُطِيقُ تَبْدِيلَ هَذَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، وَإِنَّمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَأَنَا مُبَلِّغٌ عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ، لِأَنِّي نَشَأْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ نَسَبِي وَصِدْقِي وَأَمَانَتِي، وَأَنِّي لَمْ أَكْذِبْ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فَكَيْفَ يَسَعُنِي أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَالِكِ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ، الَّذِي هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ؟

(6/66)


وَأَيُّ ذَنْبٍ عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَنِسْبَةِ مَا لَيْسَ مِنْهُ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَما مِنْكُمْ من أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» 69: 44- 47 أَيْ لَوْ كَذَبَ عَلَيْنَا لَانْتَقَمْنَا مِنْهُ أَشَدَّ الِانْتِقَامِ، وَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أن يحجزنا عنه ويمنعنا مِنْهُ، وَقَالَ تَعَالَى: «وَمن أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَمن قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ» 6: 93 وَقَالَ تَعَالَى: «قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمن بَلَغَ» 6: 19 وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ اللَّهَ شَهِيدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ الشُّهَدَاءِ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ عَنْهُ، وَتَتَضَمَّنُ قُوَّةُ الْكَلَامِ قَسَمًا بِهِ أَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَى الْخَلْقِ لِأُنْذِرَهُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَنْ بَلَغَهُ مِنْهُمْ فَهُوَ نَذِيرٌ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: «وَمن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ» 11: 17 فَفِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّادِقَةِ عَنِ الله وملائكته وعرشه ومخلوقاته العلوية والسفلية كالسموات وَالْأَرْضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا فِيهِنَّ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ كَثِيرَةٌ مُبَرْهَنَةٌ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الْمُرْشِدَةِ إِلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ الصَّحِيحِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: «وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً 17: 89 وَقَالَ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ» 29: 43 وَقَالَ تَعَالَى «وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» 39: 27- 28 وفي القرآن العظيم الأخبار عما مضى على الوجه الحق وبرهانه ما في كتب أهل الكتاب من ذلك شاه مع كونه نزل على رجل أمى لا يعرف الكتابة ولم يعان يوما من الدهر شيئا من علوم الأوائل، ولا أخبار الماضين، فلم يفجأ الناس إلا بوحي إليه عما كان من الأخبار النافعة، التي ينبغي أن تذكر للاعتبار بها من أخبار الأمم مع الأنبياء، وما كان منهم من أمورهم معهم، وكيف نجى الله المؤمنين وأهلك الكافرين، بعبارة لا يستطيع بشر أن يأتى بمثلها أبد الآبدين، ودهر الداهرين، ففي مكان تقص القصة موجزة في غاية البيان والفصاحة، وتارة تبسط، فلا أحلى ولا أجلى ولا أعلى من ذلك السياق حتى كأن التالي أو السامع مشاهد لما كان، حاضر له، معاين للخبر بنفسه كما قال تعالى: «وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً من رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» 28: 46 وَقَالَ تَعَالَى: «وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ» 3: 44 وَقَالَ تَعَالَى: فِي سُورَةِ يُوسُفَ: «ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ

(6/67)


مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ» 12: 102- 104 إِلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهَا «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» 12: 111 وَقَالَ تَعَالَى: «وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى» 20: 133 وَقَالَ تَعَالَى: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» 41: 52- 53 وعد تعالى أنه سيظهر الآيات: القرآن وصدقه وصدق من جاء به بما يخلقه في الآفاق من الآيات الدالة على صدق هذا الكتاب وفي نفس المنكرين له المكذبين ما فيه حجة عليهم وبرهان قاطع لشبههم، حتى يستيقنوا أنه منزل من عند الله على لسان الصادق، ثم أرشد إلى دليل مستقل بقوله «أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» 41: 53 أي في العلم بأن الله يطلع عَلَى هَذَا الْأَمْرِ كِفَايَةٌ فِي صِدْقِ هَذَا الْمُخْبِرِ عَنْهُ، إِذْ لَوْ كَانَ مُفْتَرِيًا عَلَيْهِ لَعَاجَلَهُ بِالْعُقُوبَةِ الْبَلِيغَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَفِي هَذَا الْقُرْآنِ إِخْبَارٌ عَمَّا وَقَعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ طِبْقَ مَا وَقَعَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ حَسَبَ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ وَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ الْمَلَاحِمِ وَالْفِتَنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ الله» 73: 20 وهذه السورة من أوائل ما انزل بِمَكَّةَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ اقْتَرَبَتْ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ» 54: 45- 46 وَقَعَ مِصْدَاقُ هَذِهِ الْهَزِيمَةِ يَوْمَ بَدْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَمْثَالِ هَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ، وَسَيَأْتِي فَصْلٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ الأمور التي وقعت بعده عليه السلام طِبْقَ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَفِي الْقُرْآنِ الْأَحْكَامُ الْعَادِلَةُ أَمْرًا وَنَهْيًا، الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْحِكَمِ الْبَالِغَةِ الَّتِي إِذَا تَأَمَّلَهَا ذُو الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ الصَّحِيحِ قَطَعَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ إِنَّمَا أَنْزَلَهَا الْعَالِمُ بِالْخَفِيَّاتِ، الرَّحِيمُ بِعِبَادِهِ، الَّذِي يُعَامِلُهُمْ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَإِحْسَانِهِ، قَالَ تَعَالَى «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا» 6: 115 أَيْ صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ وَعَدْلًا فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَقَالَ تَعَالَى «الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ من لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» 11: 1 أَيْ أُحْكِمَتْ أَلْفَاظُهُ وَفُصِّلَتْ مَعَانِيهِ، وَقَالَ تَعَالَى «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ» 9: 33 أَيِ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ: هُوَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ خَبَرُ مَا قَبْلَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَنَبَأُ مَا بَعْدَكُمْ وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا كُلِّهِ فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ (وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ) فَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مُعْجِزٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ: مِنْ فَصَاحَتِهِ، وَبَلَاغَتِهِ، وَنَظْمِهِ، وتراكيبه، وأساليبه، وما تضمنه من الأخبار الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ المحكمة الجلية، والتحدي بِبَلَاغَةِ أَلْفَاظِهِ يَخُصُّ فُصَحَاءَ الْعَرَبِ، وَالتَّحَدِّي بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الصَّحِيحَةِ الْكَامِلَةِ- وَهِيَ أَعْظَمُ فِي التَّحَدِّي عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَّاءِ- يَعُمُّ جَمِيعَ [أَهْلِ الْأَرْضِ] مِنَ

(6/68)


الملتين أهل الكتاب وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُقَلَاءِ الْيُونَانِ وَالْهِنْدِ وَالْفَرَسِ وَالْقِبْطِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ بَنِي آدَمَ فِي سَائِرِ الأقطار والأمصار وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْإِعْجَازَ إِنَّمَا هُوَ مَنْ صَرْفِ دَوَاعِي الْكَفَرَةِ عَنْ معارضته مع إنكار ذلك، أو هو سلب قدرتهم عَلَى ذَلِكَ، فَقَوْلٌ بَاطِلٌ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ الْأَجْرَامِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ مَخْلُوقٍ ومخلوق، وقولهم: هذا كفر وباطل وليس مطابقا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تَكَلَّمَ بِهِ كَمَا شَاءَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فالخلق كلهم عاجزون حقيقة وفي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ تَعَاضَدُوا وتناصروا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَا تَقْدِرُ الرُّسُلُ الَّذِينَ هم أفصح الخلق وأعظم الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ، أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِمِثْلِ كَلَامِ اللَّهِ وَهَذَا الْقُرْآنُ [الَّذِي] يُبَلِّغُهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عن الله، أسلوب كلامه لَا يُشْبِهُ أَسَالِيبَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وأساليب كلامه عليه السلام الْمَحْفُوظَةُ عَنْهُ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ إِلَيْهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ أَسَالِيبِهِ فِي فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ، فِيمَا يرويه من المعاني بألفاظه الشريفة، بل وأسلوب كلام الصحابة أَعْلَى مِنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ التَّابِعِينَ، وَهَلُمَّ جَرًّا إلى زماننا. [و] علماء السلف أفصح وأعلم، وأقل تكلفا، فيما يرونه مِنَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْخَلَفِ وَهَذَا يَشْهَدُهُ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ بِكَلَامِ النَّاسِ كَمَا يُدْرَكُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ أَشْعَارِ الْعَرَبِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَبَيْنَ أَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَائِلًا: [حَدَّثَنَا] حَجَّاجٌ، ثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحَيًّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ وَمَعْنَى هذا أن الأنبياء عليهم السلام كُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ أُوتِيَ مِنَ الْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَحُجَّةٌ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ سَوَاءٌ آمَنُوا بِهِ فَفَازُوا بِثَوَابِ إِيمَانِهِمْ أَوْ جَحَدُوا فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ، أَيْ جُلُّهُ وَأَعْظَمُهُ، الْوَحْيُ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، الْحَجَّةُ الْمُسْتَمِرَّةُ الدَّائِمَةُ الْقَائِمَةُ فِي زَمَانِهِ وَبَعْدَهُ، فَإِنَّ الْبَرَاهِينَ الَّتِي كَانَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَ زَمَانُهَا فِي حَيَاتِهِمْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا الْخَبَرُ عَنْهَا، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ حُجَّةٌ قَائِمَةٌ كَأَنَّمَا يَسْمَعُهُ السَّامِعُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُجَّةُ اللَّهِ قَائِمَةٌ بِهِ فِي حَيَّاتِهِ عليه السلام وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيْ لِاسْتِمْرَارِ مَا آتَانِيَ اللَّهُ مِنَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ وَالْبَرَاهِينِ الدَّامِغَةِ، فَلِهَذَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا

(6/69)


فصل
ومن الدلائل المعنوية أخلاقه عليه السلام الطَّاهِرَةُ، وَخُلُقُهُ الْكَامِلُ، وَشَجَاعَتُهُ وَحِلْمُهُ وَكَرَمُهُ وَزُهْدُهُ وَقَنَاعَتُهُ وَإِيثَارُهُ وَجَمِيلُ صُحْبَتِهِ، وَصِدْقُهُ وَأَمَانَتُهُ وَتَقْوَاهُ وعبادته وكرم أَصْلِهِ وَطِيبُ مَوْلِدِهِ وَمَنْشَئِهِ وَمُرَبَّاهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي مَوَاضِعِهِ، وَمَا أَحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي رَدَّ فِيهِ عَلَى فرق النصارى واليهود وما أَشْبَهَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ، وَسَلَكَ فِيهَا مَسَالِكَ حسنة صحيحة منتجة بِكَلَامٍ بَلِيغٍ يَخْضَعُ لَهُ كُلُّ مَنْ تَأَمَّلَهُ وفهمه. قال في آخر هَذَا الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ:
فَصْلٌ
وَسِيرَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْلَاقُهُ وَأَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ مِنْ آيَاتِهِ، أَيْ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ. قَالَ وَشَرِيعَتُهُ مِنْ آيَاتِهِ، وَأُمَّتُهُ مِنْ آيَاتِهِ، وَعِلْمُ أُمَّتِهِ مِنْ آيَاتِهِ، وَدِينُهُمْ مِنْ آيَاتِهِ، وَكَرَامَاتُ صَالِحِي أُمَّتِهِ مِنْ آيَاتِهِ، وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِتَدَبُّرِ سِيرَتِهِ مِنْ حِينَ وُلِدَ إِلَى أَنْ بُعِثَ، وَمِنْ حِينَ بُعِثَ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَتَدَبُّرِ نَسَبِهِ وَبَلَدِهِ وَأَصْلِهِ وَفَصْلِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَشْرَفِ أَهْلِ الْأَرْضِ نَسَبًا مِنْ صَمِيمِ سُلَالَةِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، فَلَمْ يَأْتِ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ نَبِيٌّ إِلَّا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ ابْنَيْنِ: إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، وَذَكَرَ فِي التَّوْرَاةِ هَذَا وَهَذَا، وَبَشَّرَ فِي التَّوْرَاةِ بِمَا يَكُونُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَمْ يكن من وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ مَنْ ظَهَرَ فِيهِ مَا بَشَّرَتْ بِهِ النُّبُوَّاتُ غَيْرُهُ، وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ لِذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بأن يبعث الله فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ. ثُمَّ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم من قريش صفوة بنى إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ صَفْوَةِ قُرَيْشٍ، وَمِنْ مَكَّةَ أُمِّ الْقُرَى وَبَلَدِ الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى حَجِّهِ، وَلَمْ يَزَلْ مَحْجُوجًا مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ، مَذْكُورًا فِي كتب الأنبياء بأحسن وصف وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكْمَلِ النَّاسِ تَرْبِيَةً وَنَشْأَةً، لَمْ يَزَلْ مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ وَالْبِرِّ [وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ] وَالْعَدْلِ وَتَرْكِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَكُلِّ وَصْفٍ مَذْمُومٍ، مَشْهُودًا لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ جَمِيعِ مَنْ يَعْرِفُهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَمَنْ آمَنَ بِهِ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ شَيْءٌ يُعَابُ بِهِ لَا فِي أَقْوَالِهِ وَلَا في أفعاله ولا في أخلاقه، ولا جرب عَلَيْهِ كِذْبَةٌ قَطُّ، وَلَا ظُلْمٌ وَلَا فَاحِشَةٌ، وقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْقُهُ وَصُورَتُهُ مِنْ أَحْسَنِ الصُّوَرِ وَأَتَمِّهَا وَأَجْمَعِهَا لِلْمَحَاسِنِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِهِ، وَكَانَ أُمِّيًّا مِنْ قَوْمٍ أُمِّيِّينَ لَا يعرف هُوَ وَلَا هُمْ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ [من] التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنْ عُلُومِ النَّاسِ، وَلَا جَالَسَ أَهْلَهَا، وَلَمْ يَدَّعِ نُبُوَّةً إِلَى أَنْ أَكْمَلَ [اللَّهُ] لَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَتَى بِأَمْرٍ هُوَ أَعْجَبُ الْأُمُورِ وَأَعْظَمُهَا، وَبِكَلَامٍ لَمْ يَسْمَعِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بِنَظِيرِهِ، وَأَخْبَرَ بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ وَقَوْمِهِ مَنْ يَعْرِفُ مِثْلَهُ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ

(6/70)


أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ وَهُمْ ضُعَفَاءُ النَّاسِ، وَكَذَّبَهُ أَهْلُ الرئاسة وَعَادَوْهُ، وَسَعَوْا فِي هَلَاكِهِ وَهَلَاكِ مَنِ اتَّبَعَهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ، كَمَا كَانَ الْكَفَّارُ يَفْعَلُونَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لَمْ يَتَّبِعُوهُ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ يُعْطِيهِمْ وَلَا جِهَاتٌ يُوَلِّيهِمْ إِيَّاهَا، وَلَا كَانَ لَهُ سيف، بل كان السيف والجاه والمال مَعَ أَعْدَائِهِ وَقَدْ آذَوْا أَتْبَاعَهُ بِأَنْوَاعِ الْأَذَى وَهُمْ صَابِرُونَ مُحْتَسِبُونَ لَا يَرْتَدُّونَ عَنْ دِينِهِمْ، لِمَا خَالَطَ قُلُوبَهُمْ مِنْ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَكَانَتْ مَكَّةُ يَحُجُّهَا الْعَرَبُ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ فَيَجْتَمِعُ فِي الْمَوْسِمِ قَبَائِلُ الْعَرَبِ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ يُبَلِّغُهُمُ الرِّسَالَةَ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ صَابِرًا عَلَى مَا يَلْقَاهُ مِنْ تَكْذِيبِ الْمُكَذِّبِ، وَجَفَاءِ الْجَافِي، وَإِعْرَاضِ الْمُعْرِضِ، إِلَى أَنِ اجْتَمَعَ بِأَهْلِ يَثْرِبَ وَكَانُوا جِيرَانَ الْيَهُودِ، وَقَدْ سَمِعُوا أَخْبَارَهُ مِنْهُمْ وَعَرَفُوهُ فَلَمَّا دَعَاهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ النَّبِيُّ الْمُنْتَظَرُ الّذي يخبرهم به اليهود، وكانوا سَمِعُوا مِنْ أَخْبَارِهِ أَيْضًا مَا عَرَفُوا بِهِ مَكَانَتَهُ فَإِنَّ أَمْرَهُ كَانَ قَدِ انْتَشَرَ وَظَهَرَ فِي بِضْعِ عَشْرَةَ سَنَةً، فَآمَنُوا بِهِ وَبَايَعُوهُ على هجرته وهجرته أَصْحَابِهِ إِلَى بَلَدِهِمْ، وَعَلَى الْجِهَادِ مَعَهُ، فَهَاجَرَ هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبِهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ آمَنَ بِرَغْبَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، وَلَا بِرَهْبَةٍ إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمُوا فِي الظَّاهِرِ ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُ بَعْضِهِمْ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُ فِي الْجِهَادِ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، وَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى أَكْمَلِ طَرِيقَةٍ وَأَتَمِّهَا، مِنَ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ وَالْوَفَاءِ لَا يُحْفَظُ لَهُ كِذْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا ظُلْمٌ لِأَحَدٍ، وَلَا غَدْرٌ بِأَحَدٍ، بَلْ كَانَ أَصْدَقَ النَّاسِ وأعدلهم وأوفاهم بالعهد مع اختلاف الأحوال، مِنْ حَرْبٍ وَسِلْمٍ، [وَأَمْنٍ] وَخَوْفٍ، وَغِنًى وَفَقْرٍ، وَقُدْرَةٍ وَعَجْزٍ، وَتَمَكُّنٍ وَضَعْفٍ، وَقِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ، وَظُهُورٍ عَلَى الْعَدُوِّ تَارَةً، وَظُهُورِ الْعَدُوِّ تَارَةً، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ لَازِمٌ لِأَكْمَلِ الطُّرُقِ وَأَتَمِّهَا، حَتَّى ظَهَرَتِ الدَّعْوَةُ فِي جَمِيعِ أَرْضِ الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ مَمْلُوءَةً مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَمِنْ أَخْبَارِ الْكُهَّانِ، وَطَاعَةِ الْمَخْلُوقِ فِي الْكُفْرِ بِالْخَالِقِ، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ الْمُحَرَّمَةِ، وَقَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ، لَا يَعْرِفُونَ آخِرَةً وَلَا مَعَادًا، فَصَارُوا أَعْلَمَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَأَدْيَنَهُمْ وَأَعْدَلَهُمْ وَأَفْضَلَهُمْ، حَتَّى إِنَّ النَّصَارَى لَمَّا رَأَوْهُمْ حِينَ قَدِمُوا الشَّامَ قَالُوا: مَا كَانَ الذين صحبوا المسيح أفضل مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَذِهِ آثَارُ عِلْمِهِمْ وَعَمَلِهِمْ فِي الأرض وآثار غيرهم تعرف الْعُقَلَاءُ فَرْقَ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ. وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ظُهُورِ أَمْرِهِ، وَطَاعَةِ الْخَلْقِ لَهُ، وَتَقْدِيمِهِمْ لَهُ عَلَى الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، مَاتَ وَلَمْ يَخْلُفْ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، إِلَّا بَغْلَتَهُ وَسِلَاحَهُ وَدِرْعَهُ مَرْهُونَةً عِنْدَ يَهُودِيٍّ عَلَى ثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ ابْتَاعَهَا لِأَهْلِهِ، وَكَانَ بِيَدِهِ عَقَارٌ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ، وَالْبَاقِي يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فَحَكَمَ بِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَلَا يَأْخُذُ وَرَثَتُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُظْهِرُ مِنْ عَجَائِبِ الْآيَاتِ وَفُنُونِ الْكَرَامَاتِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ، وَيَشْرَعُ الشَّرِيعَةَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، حَتَّى أَكْمَلَ اللَّهُ دِينَهُ الَّذِي بَعَثَهُ بِهِ، وَجَاءَتْ شَرِيعَتُهُ أَكْمَلَ شَرِيعَةٍ، لَمْ يَبْقَ مَعْرُوفٌ تَعْرِفُ الْعُقُولُ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ إِلَّا أَمَرَ بِهِ، وَلَا مُنْكَرٌ تَعْرِفُ الْعُقُولُ أَنَّهُ مُنْكَرٌ إِلَّا نَهَى عَنْهُ، لَمْ

(6/71)


يَأْمُرْ بِشَيْءٍ فَقِيلَ: لَيْتَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وَلَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ فَقِيلَ: لَيْتَهُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَأَحَلَّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ لَمْ يُحَرِّمْ منها شيئا كما حرم في شريعة غيره، وحرم والخبائث لم يحل منها شيئا كما استحل غَيْرُهُ، وَجَمَعَ مَحَاسِنَ مَا عَلَيْهِ الْأُمَمُ، فَلَا يُذْكَرُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ نَوْعٌ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ وَعَنِ الْمَلَائِكَةِ وَعَنِ الْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَّا وَقَدْ جَاءَ بِهِ عَلَى أَكْمَلِ وجه، وأخبر بأشياء ليست في الكتب وليس فِي الْكُتُبِ إِيجَابٌ لِعَدْلٍ وَقَضَاءٌ بِفَضْلٍ وَنَدْبٌ إِلَى الْفَضَائِلِ وَتَرْغِيبٌ فِي الْحَسَنَاتِ إِلَّا وَقَدْ جَاءَ بِهِ وَبِمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَإِذَا نَظَرَ اللَّبِيبُ فِي الْعَبَّادَاتِ الَّتِي شَرَعَهَا وَعِبَادَاتِ غيره من الأمم ظهر له فَضْلُهَا وَرُجْحَانُهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ، وَأُمَّتُهُ أَكْمَلُ الْأُمَمِ فِي كُلِّ فَضِيلَةٍ، وَإِذَا قِيسَ عِلْمُهُمْ بِعِلْمِ سَائِرِ الْأُمَمِ ظَهَرَ فَضْلُ عِلْمِهِمْ، وَإِنْ قِيسَ دِينُهُمْ وَعِبَادَتُهُمْ وَطَاعَتُهُمْ للَّه بِغَيْرِهِمْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ أَدْيَنُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِذَا قِيسَ شَجَاعَتُهُمْ وَجِهَادُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَصَبْرُهُمْ عَلَى الْمَكَارِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، ظَهَرَ أَنَّهُمْ أَعْظَمُ جِهَادًا وَأَشْجَعُ قُلُوبًا، وَإِذَا قِيسَ سخاؤهم وبرهم وَسَمَاحَةُ أَنْفُسِهِمْ بِغَيْرِهِمْ، ظَهَرَ أَنَّهُمْ أَسْخَى وَأَكْرَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهَذِهِ الْفَضَائِلُ بِهِ نَالُوهَا، وَمِنْهُ تَعَلَّمُوهَا، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهَا، لَمْ يَكُونُوا قَبْلَهُ مُتَّبِعِينَ لِكِتَابٍ جَاءَ هُوَ بِتَكْمِيلِهِ، كَمَا جاء المسيح بِتَكْمِيلِ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ، فَكَانَتْ فَضَائِلُ أَتْبَاعِ الْمَسِيحِ وَعُلُومُهُمْ بَعْضُهَا مِنَ التَّوْرَاةِ وَبَعْضُهَا مِنَ الزَّبُورِ وَبَعْضُهَا مِنَ النُّبُوَّاتِ وَبَعْضُهَا مِنَ الْمَسِيحِ وَبَعْضُهَا ممن بعده من الجواريين ومن بعض الْحَوَارِيِّينَ، وَقَدِ اسْتَعَانُوا بِكَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى أدخلوا- لما غيروا [من] دِينَ الْمَسِيحِ- فِي دِينِ الْمَسِيحِ أُمُورًا مِنْ أُمُورِ الْكُفَّارِ الْمُنَاقِضَةِ لِدِينِ الْمَسِيحِ. وَأَمَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُونُوا قبله يقرءون كِتَابًا، بَلْ عَامَّتُهُمْ مَا آمَنُوا بِمُوسَى وَعِيسَى وَدَاوُدَ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَيُقِرُّوا بِجَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ونهاهم عن أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الرُّسُلِ، فَقَالَ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» 2: 136- 137 وقال تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ من رُسُلِهِ، وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا، غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» 2: 285- 286 [لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ] 2: 286 [1] الآية وأمته عليه السلام لا يستحلون أن يوجدوا شَيْئًا مِنَ الدِّينِ غَيْرَ مَا جَاءَ بِهِ، وَلَا يَبْتَدِعُونَ بِدَعَةً مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا من سلطان، ولا يسرعون مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، لَكِنَّ مَا قَصَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ وأممهم، اعتبروا به، وما
__________
[1] جميع ما بين الأقواس المربعة في هذه الملزمة من زيادة التيمورية.

(6/72)


حدثهم أَهْلُ الْكِتَابِ مُوَافِقًا لِمَا عِنْدَهُمْ صَدَّقُوهُ، وَمَا لم يعلم صِدْقَهُ وَلَا كَذِبَهُ أَمْسَكُوا عَنْهُ، وَمَا عَرَفُوا بأنه بَاطِلٌ كَذَّبُوهُ، وَمَنْ أَدْخَلَ فِي الدِّينِ مَا ليس منه من أقوال متفلسفة الهند والفرس واليونان أَوْ غَيْرِهِمْ، كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَالِابْتِدَاعِ وَهَذَا هُوَ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعُونَ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الدِّينِ الَّذِينَ لَهُمْ فِي الْأُمَّةِ لِسَانُ صِدْقٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتُهُمْ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ مَذْمُومًا مَدْحُورًا عِنْدَ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السنة والجماعة، الظاهرين إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» وَقَدْ يَتَنَازَعُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ دِينُ الرُّسُلِ عُمُومًا، وَدِينُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُصُوصًا، وَمَنْ خَالَفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ كَانَ عِنْدَهُمْ مُلْحِدًا مَذْمُومًا، لَيْسُوا كَالنَّصَارَى الَّذِينَ ابتدعوا دينا ما قَامَ بِهِ أَكَابِرُ عُلَمَائِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ وَقَاتَلَ عَلَيْهِ مُلُوكُهُمْ، وَدَانَ بِهِ جُمْهُورُهُمْ، وَهُوَ دِينٌ مُبْتَدَعٌ لَيْسَ هُوَ دِينَ الْمَسِيحِ وَلَا دِينَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَمَنِ اتَّبَعَ الرُّسُلَ حَصَلَ لَهُ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْبِدَعِ مَنْ قَصَّرَ فِي اتِّبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، تَلَقَّى ذَلِكَ عنه المسلمون [من أُمَّتُهُ] ، فَكُلُّ عِلْمٍ نَافِعٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ عَلَيْهِ أمة محمد، أخذوه عن نبيهم كما ظهر لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنَّ أُمَّتَهُ أَكْمَلُ الْأُمَمِ فِي جَمِيعِ الْفَضَائِلِ، الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ فِي الْفَرْعِ الْمُتَعَلِّمِ هُوَ فِي الْأَصْلِ المعلّم، وهذا يقتضي أنه عليه السلام كَانَ أَكْمَلَ النَّاسِ عِلْمًا وَدِينًا وَهَذِهِ الْأُمُورُ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِأَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي قوله: «إني رسول الله إليكم جميعا» لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا مُفْتَرِيًا، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَقُولُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ وَأَكْمَلِهِمْ، إِنْ كَانَ صَادِقًا، أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ وَأَخْبَثِهِمْ إِنْ كَانَ كَاذِبًا، وَمَا ذُكِرَ مِنْ كَمَالِ عِلْمِهِ وَدِينِهِ يُنَاقِضُ الشَّرَّ وَالْخُبْثَ وَالْجَهْلَ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِغَايَةِ الْكَمَالِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ: «إِنِّي رَسُولُ الله إليكم جميعا» لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَكُنْ صَادِقًا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ أَوْ مُخْطِئًا وَالْأَوَّلُ يُوجِبُ أَنَّهُ كَانَ ظَالِمًا غَاوِيًا، وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان عِلْمِهِ يُنَافِي جَهْلَهُ، وَكَمَالُ دِينِهِ يُنَافِي تَعَمُّدَ الْكَذِبِ، فَالْعِلْمُ بِصِفَاتِهِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ لَمْ يكن يتعمد الكذب وَلَمْ يَكُنْ جَاهِلًا يَكْذِبُ بِلَا عِلْمٍ، وَإِذَا انْتَفَى هَذَا وَذَاكَ تَعَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا عَالِمًا بِأَنَّهُ صَادِقٌ وَلِهَذَا نَزَّهَهُ اللَّهُ عَنْ هَذَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى، مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى» 53: 1- 4 وقال تعالى عن الملك الّذي جاء به «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ» 81: 19- 21 ثُمَّ قَالَ عَنْهُ: «وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ، وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ، وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ، فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ» 81: 22- 27

(6/73)


وقال تعالى «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ، نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ من الْمُنْذِرِينَ، بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» 26: 192- 195 إِلَى قَوْلِهِ: «هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ، تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ» 26: 221- 223 بين سبحانه أن الشيطان إنما ينزل على من يناسبه ليحصل به غرضه، فان الشيطان يقصد الشر، وهو الكذب والفجور، ولا يقصد الصدق والعدل، فلا يقترن إلا بمن فيه كذب إما عمدا وإما خطأ وفجورا أيضا فان الخطأ في الدين هو من الشيطان أيضا كما قال ابن مسعود لما سئل عن مسألة: أقول فيها برأي فان يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه، فان رسول الله بريء من تنزل الشياطين عليه في العمد والخطأ، بخلاف غير الرسول فإنه قد يخطئ ويكون خطؤه من الشيطان، وإن كان خطؤه مغفورا له، فإذا لم يعرف له خبرا أخبر به كان فيه مخطئا، ولا أمرا أمر به كان فيه فاجرا علم أن الشيطان لم ينزل عليه وإنما ينزل عليه ملك كريم، ولهذا قال في الآية الأخرى عن النبي: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ، وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ، تَنْزِيلٌ من رَبِّ الْعالَمِينَ» 69: 40- 43 انتهى ما ذكره، وهذا عين ما أورده بحروفه.
باب
وأما دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ الْحِسِّيَّةُ أَعْنِي الْمُشَاهَدَةَ بِالْأَبْصَارِ فَسَمَاوِيَّةٌ وَأَرْضِيَّةٌ وَمِنْ أَعْظَمِ ذَلِكَ كُلِّهِ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ الْمُنِيرِ فِرْقَتَيْنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ، حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ» 54: 1- 5 وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَّاءُ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ الْأُمَّةِ.
رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً فَانْشَقَّ القمر بمكة فرقتين، فقال: «اقتربت الساعة وانشق القمر» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثَنَا سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ القمر شقين، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءَ بَيْنَهُمَا وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ، وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ.
رِوَايَةُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثنا سليمان بن بكير، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ،

(6/74)


ابن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً عَلَى هَذَا الْجَبَلِ وَفِرْقَةً عَلَى هَذَا الْجَبَلِ، فَقَالُوا: سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ، فَقَالُوا: إِنْ كَانَ سَحَرَنَا فَإِنَّهُ لَا يستطيع أن يسحر الناس تفرد به أحمد ورواية ابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ.
رِوَايَةُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ
قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ، أَنَا عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: نَزَلْنَا الْمَدَائِنَ فَكُنَّا مِنْهَا عَلَى فَرْسَخٍ فَجَاءَتِ الْجُمُعَةُ فَحَضَرَ أَبِي وَحَضَرْتُ مَعَهُ، فَخَطَبَنَا حُذَيْفَةُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» 54: 1 أَلَا وَإِنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، أَلَا وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِفِرَاقٍ، أَلَا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ وَغَدًا السِّبَاقُ. فَقُلْتُ لِأَبِي: أَتَسْتَبِقُ النَّاسُ غَدًا؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَجَاهِلٌ، إِنَّمَا هُوَ السباق بالأعمال، ثم جاءت الجمعة الأخرى فحضرها فَخَطَبَ حُذَيْفَةُ، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، 54: 1 ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، [وَرَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حُذَيْفَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَقَالَ: أَلَا وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [1] أَلَا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ وَغَدَا السِّبَاقُ، أَلَا وَإِنَّ الْغَايَةَ النَّارُ، وَالسَّابِقَ مَنْ سَبَقَ إِلَى الجنة.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا بَكْرٌ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ- قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ثَنَا ابْنُ مُثَنَّى، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ عَنْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، 54: 1 وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مستمر» قَالَ: قَدْ مَضَى ذَلِكَ، كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ انْشَقَّ الْقَمَرُ حَتَّى رَأَوْا شِقَّيْهِ وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوًا مِنْ هَذَا وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عمرو البزار، ثنا محمد بن يحيى القطيعي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَسَفَ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا:
سَحَرَ الْقَمَرَ، فَنَزَلَتْ: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ 54: 1 وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ»
__________
[1] جميع ما بين الأقواس المربعة زيادة من التيمورية.

(6/75)


وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ وَقَدْ يَكُونُ حَصَلَ لِلْقَمَرِ مَعَ انْشِقَاقِهِ كُسُوفٌ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ انْشِقَاقَهُ إِنَّمَا كَانَ فِي لَيَالِي إِبْدَارِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا:
ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ: ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ [عَنْ مُجَاهِدٍ] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ [بْنِ الْخَطَّابِ] فِي قَوْلِهِ: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» 54: 1.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْشَقَّ فِلْقَتَيْنِ فِلْقَةً مِنْ دُونِ الْجَبَلِ وَفِلْقَةً مِنْ خَلْفِ الْجَبَلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ اشْهَدْ، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مُسْلِمٌ كَرِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ الامام أحمد: ثنا سفيان عن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْهَدُوا وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِهِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِمَكَّةَ وَهَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ قَدْ أَسْنَدَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَذَا سِحْرُ ابْنِ أَبِي كبشة، قال: فقالوا: انظروا ما يأتينا بِهِ السُّفَّارُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ، قَالَ: فَجَاءَ السُّفَّارُ فَقَالُوا ذَلِكَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ ابن عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ هشام عَنْ مُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ حَتَّى صار فرقتين، فقالت كُفَّارُ قُرَيْشٍ أَهْلُ مَكَّةَ:
هَذَا سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ ابْنُ أَبِي كبشة، انظروا المسافرين فَإِنْ كَانُوا رَأَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَرَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ، قَالَ: فَسُئِلَ السُّفَّارُ- وَقَدِمُوا من كل وجه- فقالوا: رأيناه وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَزَادَ: فَأَنْزَلَ الله: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» 54: 1 وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ عَنْ إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ الْجَبَلَ بين فرقتي الْقَمَرِ وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يَعْقُوبَ الدُّورِيِّ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: لَقَدِ انْشَقَّ الْقَمَرُ، فَفِي صَحِيحِ البخاري عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الرُّومُ، وَاللِّزَامُ، وَالْبَطْشَةُ وَالدُّخَانُ

(6/76)


وَالْقَمَرُ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْهُ مَذْكُورٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الدُّخَانِ، [وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي الدَّلَائِلِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حدثنا الوليد، عن الأوزاعي عن ابن بكير قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَخَرَّ شِقَّتَيْنِ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: سَحَرَهُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ] فَهَذِهِ طُرُقٌ عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَشُهْرَةُ هَذَا الْأَمْرِ تُغْنِي عَنْ إِسْنَادِهِ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَمَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ الْقُصَّاصِ مِنْ أَنَّ الْقَمَرَ دَخَلَ فِي جَيْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مِنَ كُمِّهِ، وَنَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَالْقَمَرُ فِي حَالِ انْشِقَاقِهِ لَمْ يُزَايِلِ السَّمَاءَ بَلِ انْفَرَقَ بِاثْنَتَيْنِ وَسَارَتْ إِحْدَاهُمَا حَتَّى صَارَتْ وَرَاءَ جَبَلِ حِرَاءَ، وَالْأُخْرَى مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، وَصَارَ الْجَبَلُ بَيْنَهُمَا، وَكِلْتَا الْفِرْقَتَيْنِ فِي السَّمَاءِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَنْظُرُونَ إِلَى ذَلِكَ، وَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ جَهْلَتِهِمْ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ سُحِرَتْ بِهِ أَبْصَارُهُمْ، فَسَأَلُوا مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسَافِرِينَ فَأَخْبَرُوهُمْ بِنَظِيرِ مَا شَاهَدُوهُ، فَعَلِمُوا صِحَّةَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنُوهُ فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يُعْرَفْ هَذَا فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ؟ فَالْجَوَابُ وَمَنْ يَنْفِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ تَطَاوَلَ الْعَهْدُ وَالْكَفَرَةُ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَلَعَلَّهُمْ لَمَّا أُخْبِرُوا أَنَّ هَذَا كَانَ آيَةً لِهَذَا النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ، تَدَاعَتْ آرَاؤُهُمُ الْفَاسِدَةُ عَلَى كِتْمَانِهِ وَتَنَاسِيهِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسَافِرِينَ أَنَّهُمْ شَاهَدُوا هَيْكَلًا بِالْهِنْدِ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ إِنَّهُ بُنِيَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي انْشَقَّ الْقَمَرُ فِيهَا ثُمَّ لَمَّا كَانَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ لَيْلًا قَدْ يَخْفَى أَمْرُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ لِأُمُورٍ مَانِعَةٍ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، مِنْ غُيُومٍ مُتَرَاكِمَةٍ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بُلْدَانِهِمْ، وَلِنَوْمِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ حَيْثُ يَنَامُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ حَرَّرْنَا هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ فَأَمَّا حَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ بَعْدَ مَغِيبِهَا فَقَدْ أَنْبَأَنِي شَيْخُنَا الْمُسْنِدُ الرُّحْلَةُ بَهَاءُ الدِّينِ الْقَاسِمُ بن المظفر ابن تاج الأمناء بن عساكر [إذنا و] قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عساكر المشهور بالنسابة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَأَبُو القاسم المستملي قالا: ثنا أبو عثمان المحبر أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن؟ الدبايعانى [1] بِهَا، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْقُشَيْرِيِّ: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ ح، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ وَأَنَا أَبُو الْفَتْحِ الْمَاهَانِيُّ، أَنَا شُجَاعُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ، أَنَا عُثْمَانُ بن أحمد الننسى، أَنَا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ، زَادَ أَبُو أُمَيَّةَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ فَلَمْ يُصَلِّ العصر حتى غربت الشمس، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّيْتَ الْعَصْرَ؟ وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: صَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال أبو أمية:
__________
[1] كذا.

(6/77)


فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ نَبِيِّكَ، وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: رَسُولِكَ، فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ وَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ ابن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيِّ:
ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، ثَنَا فَضِيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَقَدِ اضْطَرَبَ الرُّوَاةُ فِيهِ فَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ عَنْ أَسْمَاءَ. وَهَذَا تَخْلِيطٌ فِي الرِّوَايَةِ. قَالَ: وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ قَالَ فِيهِ الْعُقَيْلِيُّ: كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ بِالْمَنَاكِيرِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. قَالَ: وَفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ وَيُخْطِئُ عن الثقات، وبه قال الحافظ بن عساكر قال: وأخبرنا أبو محمد عن طَاوُسٍ، أَنَا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَا أَبُو عمرو بْنُ مَهْدِيٍّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُشَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ فَرَأَيْتُ فِي عُنُقِهَا خَرَزَةً، وَرَأَيْتُ فِي يَدَيْهَا مَسَكَتَيْنِ غَلِيظَتَيْنِ- وَهِيَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ- فَقُلْتُ لَهَا: مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ:
إِنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ، ثُمَّ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ حَدَّثَتْهَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فَجَلَّلَهُ بِثَوْبِهِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَدْبَرَتِ الشمس يقول: غَابَتْ أَوْ كَادَتْ أَنْ تَغِيبَ، ثُمَّ إِنْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اللَّهمّ ردّ على عليّ الشمس، فرجعت حَتَّى بَلَغَتْ نِصْفَ الْمَسْجِدِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَقَالَ أَبِي حَدَّثَنِي مُوسَى الْجُهَنِيُّ نَحْوَهُ ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَفِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمَجَاهِيلِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ شَاهِينَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا بَاطِلٌ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ ابْنُ عُقْدَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا يُحَدِّثُ بِمَثَالِبِ الصَّحَابَةِ، قَالَ الْخَطِيبُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ بِجَامِعِ بَرَاثَا يُمْلِي مَثَالِبَ الصَّحَابَةِ أَوْ قَالَ: الشَّيْخَيْنِ فَتَرَكْتُهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ رَجُلَ سُوءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي غَالِبٍ يَقُولُ: ابْنُ عُقْدَةَ لَا يَتَدَيَّنُ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ شُيُوخًا بِالْكُوفَةِ عَلَى الْكَذِبِ فَيُسَوِّي لَهُمْ نُسَخًا وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَرْوُوهَا، وَقَدْ بيّنا كذبه من عند [1] شَيْخٍ بِالْكُوفَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ فِي كِتَابِهِ «الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ» : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا الْمُطَّلِبُ بن زياد عن إبراهيم بن حبان عن عبد الله بن حسن عن فاطمة بنت الحسين عن الحسين
__________
[1] كذا. ولعله «عن غير» .

(6/78)


قَالَ: كَانَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ وَهُوَ يُوحَى إِلَيْهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، إِبْرَاهِيمُ ابن حبان هَذَا تَرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْحَافِظُ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ، قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: وَصَدَقَ ابْنُ نَاصِرٍ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ رَوَاهُ ابن مردويه من طريق حديث داود بن واهح [1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ عَلِيٍّ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشمس فلما قام رسول الله دَعَا لَهُ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ حَتَّى صَلَّى ثُمَّ غَابَتْ ثَانِيَةً ثُمَّ قَالَ: وَدَاوُدُ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَمِنْ تَغْفِيلِ وَاضِعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى صُورَةِ فضله وَلِمَ يَتَلَمَّحْ عَدَمَ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ بِغَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ صَارَتْ قَضَاءً فَرُجُوعُ الشَّمْسِ لَا يُعِيدُهَا أَدَاءً، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا لِيُوشَعَ قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَمُنْكَرٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ فَلَا تَخْلُو وَاحِدَةٌ مِنْهَا عَنْ شِيعِيٍّ وَمَجْهُولِ الْحَالِ وَشِيعِيٍّ وَمَتْرُوكٍ وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرٌ وَاحِدٌ إِذَا اتَّصَلَ سَنَدُهُ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ بِالتَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى جَنَابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا رُدَّتْ لِيُوشَعَ بْنِ نون، وذلك يوم حاضر بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَاتَّفَقَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ يَوْمَ السَّبْتَ فَنَظَرَ إلى الشمس وقد تنصفت لِلْغُرُوبِ فَقَالَ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ. اللَّهمّ احْبِسْهَا عَلَيَّ، فَحَبَسَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحُوهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ جَاهًا وَأَجَلُّ مَنْصِبًا وَأَعْلَى قَدْرًا مِنْ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، بَلْ مِنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَكِنْ لَا نَقُولُ إِلَّا مَا صَحَّ عِنْدَنَا [عَنْهُ] وَلَا نُسْنِدُ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَوْ صَحَّ لَكُنَّا مِنْ أَوَّلِ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَالْمُعْتَقِدِينَ لَهُ وباللَّه الْمُسْتَعَانُ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ «إِثْبَاتِ إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنَ الرَّوَافِضِ: إِنَّ أَفْضَلَ فَضِيلَةٍ لِأَبِي الْحَسَنِ وَأَدَلَّ [دَلِيلٍ] عَلَى إِمَامَتِهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوحى إليه ورأسه في حجر علي بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غربت الشمس، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: صَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ رسول الله: اللَّهمّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ. قِيلَ له: كيف لنا لو صح هذا الحديث فنحتج عَلَى مُخَالِفِينَا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ جِدًّا لَا أَصْلَ لَهُ، وَهَذَا مِمَّا كَسَبَتْ أَيْدِي الرَّوَافِضِ، وَلَوْ رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ لَرَآهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَنَقَلُوا إِلَيْنَا أَنَّ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ. ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّوَافِضِ:
أَيَجُوزُ أَنْ تُرَدَّ الشَّمْسُ لِأَبِي الْحَسَنِ حِينَ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، ولا ترد لرسول الله ولجميع المهاجرين
__________
[1] كذا، وفي التيمورية برسم؟ «فرايح» .

(6/79)


وَالْأَنْصَارِ وَعَلِيٌّ فِيهِمْ حِينَ فَاتَتْهُمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ؟ قَالَ: وَأَيْضًا مَرَّةً أُخْرَى عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، فَذَكَرَ نَوْمَهُمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاتَهُمْ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَالَ: فَلَمْ يُرَدَّ الليل على رسول الله وَعَلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ هَذَا فَضْلًا أعطيه رسول الله وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَمْنَعَ رَسُولَهُ شَرَفًا وَفَضْلًا- يَعْنِي أُعْطِيَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- ثُمَّ قَالَ! وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَقُولُ:
رَجَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ؟ فَقَالَ: مَنْ قَالَ هذا فقد كذب. وقال إبراهيم ابن يَعْقُوبَ: سَأَلْتُ يَعْلَى بْنَ عُبَيْدٍ الطَنَافِسِيَّ قُلْتُ: إِنَّ نَاسًا عِنْدَنَا يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: كَذِبٌ هَذَا كُلُّهُ.
فَصْلٌ فِي إِيرَادِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ- وَقَدْ جَمَعَ فِيهِ أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ الله بن عبد الله ابن أَحْمَدَ الْحَسْكَانِيُّ جُزْءًا وَسَمَّاهُ مَسْأَلَةٌ فِي تَصْحِيحِ رَدِّ الشَّمْسِ وَتَرْغِيمِ النَّوَاصِبِ الشُّمْسِ
وَقَالَ: قَدْ رَوَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَنْطَاكِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ دَاوُدَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْفِطْرِيُّ الْمَدَنِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ أَيْضًا عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الظَّهْرَ بِالصَّهْبَاءِ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فِي حَاجَةٍ فَجَاءَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ الله العصر فوضع رأسه في حجر على ولم يحركه حتى غربت الشمس فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ إِنَّ عَبْدَكَ عَلِيًّا احْتَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى نَبِيِّهِ فَرُدَّ عَلَيْهِ شَرْقَهَا، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى رُفِعَتْ عَلَى الْجِبَالِ فَقَامَ عَلِيٌّ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ وَهَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ مَنْ يَجْهَلُ حَالَهُ فَإِنَّ عَوْنًا هَذَا وَأُمَّهُ لَا يُعْرَفُ أَمْرُهُمَا بِعَدَالَةٍ وَضَبْطٍ يُقْبَلُ بِسَبَبِهِمَا خَبَرُهُمَا فِيمَا هو دُونَ هَذَا الْمَقَامِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِخَبَرِهِمَا هَذَا الْأَمْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الصِّحَاحِ وَلَا السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ فاللَّه أَعْلَمُ وَلَا نَدْرِي أَسَمِعَتْ أُمُّ هَذَا مِنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَمْ لَا، ثم أورده هذا المص من طريق الحسين بْنِ الْحَسَنِ الْأَشْقَرِ وَهُوَ شِيعِيٌّ جَلْدٌ وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ إبراهيم بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ من طريق عبد اللَّهِ وَقَدْ قَدَّمَنَا رِوَايَتَنَا لَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مَسْعُودٍ

(6/80)


وَأَبِي أُمَيَّةَ الطَّرْسُوسِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَبْسِيِّ، وَهُوَ مِنَ الشِّيعَةِ. ثُمَّ أَوْرَدَهُ هذا المص مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ دَاوُدَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَطَرٍ عَنْ فضيل بن مرزوق والأغر الرقاشيّ ويقال الرواسي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَنِي عَنَزَةَ وَثَّقَهُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ مَرَّةً: صَالِحٌ وَلَكِنَّهُ شَدِيدُ التَّشَيُّعِ، وَقَالَ مَرَّةً: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ صَالِحُ الْحَدِيثِ يَهِمُ كَثِيرًا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ:
يُقَالُ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ:
مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جَدًّا كَانَ يُخْطِئُ عَلَى الثِّقَاتِ وَيَرْوِي عَنْ عَطِيَّةَ الْمَوْضُوعَاتِ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ. فَمَنْ هَذِهِ تَرْجَمَتُهُ لَا يُتَّهَمُ بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَتَسَاهَلُ وَلَا سِيَّمَا فِيمَا يُوَافِقُ مَذْهَبَهُ فَيَرْوِي عَمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ يُحْسِنُ بِهِ الظَّنَّ فَيُدَلِّسُ حَدِيثَهُ وَيُسْقِطُهُ وَيَذْكُرُ شَيْخَهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِيهِ وَتَوَقِّي الْكَذِبِ فِيهِ «عَنْ» بصيغة التدليس، ولم يأت بصيغة الحديث فَلَعَلَّ بَيْنَهُمَا مَنْ يَجْهَلُ أَمْرَهُ، عَلَى أَنَّ شيخه هذا- إبراهيم بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- ليس بذلك الْمَشْهُورِ فِي حَالِهِ وَلَمْ يَرْوِ لَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَا رَوَى عَنْهُ غير الفضيل ابن مَرْزُوقٍ هَذَا وَيَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيَّانِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِجَرْحٍ ولا تعديل.
وأما فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- وَهِيَ أُخْتُ زَيْنِ الْعَابِدِينَ- فَحَدِيثُهَا مَشْهُورٌ رَوَى لَهَا أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَكَانَتْ فِيمَنْ قُدِمَ بِهَا مَعَ أَهْلِ الْبَيْتِ بَعْدَ مَقْتَلِ أَبِيهَا إِلَى دِمَشْقَ، وَهِيَ مِنَ الثِّقَاتِ وَلَكِنْ لَا يُدْرَى أَسَمِعَتْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَسْمَاءَ أم لا؟ فاللَّه أعلم ثم رَوَاهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَفْصٍ الكناني: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْقَاضِي هُوَ الْجِعَابِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَسْكَرِيُّ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سُلَيْمٍ، ثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ [عن أشعث أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ فَاطِمَةَ- يَعْنِي بِنْتَ الْحُسَيْنِ-] عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لِعَلِيٍّ حَتَّى رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَشَيْخِهِ الثَّوْرِيِّ مَحْفُوظٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ لَا يَكَادُ يُتْرَكُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْمُهِمَّاتِ فَكَيْفَ لَمْ يَرْوِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ إِلَّا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ بِمَا قَبْلَهُ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُمْ فِي الضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ كَغَيْرِهِمْ؟ ثُمَّ إِنَّ أُمَّ أَشْعَثَ مَجْهُولَةٌ فاللَّه أَعْلَمُ. ثُمَّ ساقه هذا المص مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ: ثَنَا حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ- وَهُوَ شِيعِيٌّ وَضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ- عَنْ على بن هاشم بن الثريد- وَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَذَكَرَهُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا يَثْبُتُ. ثُمَّ أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

(6/81)


عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا قَدَّمْنَا إِيرَادَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الصوفي عن عبد الرحمن بن شريك عن عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ كَانَ وَاهِيَ الْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثقات و [قال] : رُبَّمَا أَخْطَأَ، وَأَرَّخَ ابْنُ عُقْدَةَ وَفَاتَهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْفَرَجِ بْنَ الْجَوْزِيِّ قَالَ: إِنَّمَا أَتَّهِمُ بِوَضْعِهِ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عُقْدَةَ، ثُمَّ أَوْرَدَ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِيهِ بِالطَّعْنِ وَالْجَرْحِ وَأَنَّهُ كَانَ يسوى النسخ للمشايخ فيرويهم إياها والله أَعْلَمُ. قُلْتُ: فِي سِيَاقِ هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ الشَّمْسَ رَجَعَتْ حَتَّى بَلَغَتْ نِصْفَ الْمَسْجِدِ، وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالصَّهْبَاءِ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، وَمِثْلُ هَذَا يُوجِبُ تَوْهِينَ الْحَدِيثِ وَضَعْفَهُ وَالْقَدْحَ فِيهِ ثُمَّ سَرَدَهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْقَاضِي الْجِعَابِيِّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الوليد، ثنا عبادة بن يعقوب الرواجى، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ صَبَّاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ- أَبِي جَعْفَرٍ- عَنْ حُسَيْنٍ الْمَقْتُولِ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ شُغِلَ عَلِيٌّ لِمَكَانِهِ مِنْ قَسْمِ الْمَغْنَمِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا صَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا، فَدَعَا الله فارتفعت الشمس حتى توسطت السماء فصلّى على، فلما غربت الشمس سمعت لها صريرا كصرير الميشار فِي الْحَدِيدِ وَهَذَا أَيْضًا سِيَاقٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مَعَ أَنَّ إِسْنَادَهُ مُظْلِمٌ جِدًّا فَإِنَّ صَبَّاحًا هَذَا لَا يُعْرَفُ وَكَيْفَ يَرْوِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَقْتُولُ شَهِيدًا عن واحد عَنْ وَاحِدٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ؟ هَذَا تخبيط إِسْنَادًا وَمَتْنًا، فَفِي هَذَا أَنَّ عَلِيًّا شُغِلَ بِمُجَرَّدِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَلَا ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ تَرْكِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ ذَاهِبٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَوَّزَ بَعْضُ الْعُلَمَّاءِ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لِعُذْرِ الْقِتَالِ كَمَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مالك في جماعة من أصحابه، وَاحْتَجَّ لَهُمُ الْبُخَارِيُّ بِقِصَّةِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الخندق وأمره عليه السلام أن لا يصلّى أَحَدٌ مِنْهُمُ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَّاءِ إِلَى أَنَّ هَذَا نُسِخَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَّاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ بِعُذْرِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ حَتَّى يُسْنَدَ هَذَا إِلَى صَنِيعِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ، فَإِنْ كَانَ [هَذَا] ثابتا على ما رواه هؤلاء الجماعة [1] وَكَانَ عَلِيٌّ مُتَعَمِّدًا لِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِعُذْرِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِعُ صَارَ هَذَا وَحْدَهُ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَيَكُونُ أَقْطَعَ فِي الْحُجَّةِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، لِأَنَّ هَذَا بَعْدَ مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَطْعًا، لِأَنَّهُ كَانَ بِخَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ، وَصَلَاةُ الْخَوْفِ شُرِعَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ نَاسِيًا حَتَّى تَرَكَ الصَّلَاةَ إِلَى الْغُرُوبِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى رَدِّ الشَّمْسِ بَلْ وَقْتُهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إِذَنْ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ وَاللَّهُ أعلم وهذا
__________
[1] في التيمورية «الجهلة» .

(6/82)


كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضِعْفِ هَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ إِنْ جَعَلْنَاهُ قَضِيَّةً أُخْرَى وَوَاقِعَةً غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ، فَقَدْ تَعَدَّدَ رَدُّ الشَّمْسِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعُلَمَّاءِ وَلَا رَوَاهُ أَهْلُ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَتَفَرَّدَ بِهَذِهِ الْفَائِدَةِ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةُ الَّذِينَ لَا يَخْلُو إِسْنَادٌ مِنْهَا عَنْ مَجْهُولٍ وَمَتْرُوكٍ وَمُتَّهَمٍ والله أعلم ثم أورد هذا المص مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عُقْدَةَ: حَدَّثَنَا يحيى بن زكريا، ثنا يعقوب بن سعيد، ثنا عمرو ابن ثَابِتٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنِ بن حسين بن على [بن أبى طالب] عَنْ حَدِيثِ رَدِّ الشَّمْسِ، عَلَى عَلِيِّ بْنِ أبى طالب: هل يثبت عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ لِي: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَعْظَمَ مِنْ رَدِّ الشَّمْسِ، قُلْتُ: صَدَقْتَ (جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ) وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي- الْحَسَنُ- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: أَقْبَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ انْصَرَفَ وَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَأَسْنَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ [فَلَمْ يَزَلْ مُسْنِدَهُ إِلَى صَدْرِهِ] حَتَّى أَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ الْعَصْرَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: جِئْتُ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْكَ فَلَمْ أَزَلْ مُسْنِدَكَ إِلَى صَدْرِي حَتَّى السَّاعَةِ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ- وَقَدْ غربت الشمس- وقال: اللَّهمّ إِنَّ عَلِيًّا كَانَ فِي طَاعَتِكَ فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَأَقْبَلَتِ الشَّمْسُ وَلَهَا صَرِيرٌ كَصَرِيرِ الرَّحَى حَتَّى كَانَتْ فِي مَوْضِعِهَا وَقْتَ الْعَصْرِ، فَقَامَ عَلِيٌّ مُتَمَكِّنًا فَصَلَّى، فَلَمَّا فَرَغَ رَجَعَتِ الشَّمْسُ وَلَهَا صَرِيرٌ كَصَرِيرِ الرَّحَى، فَلَمَّا غابت اخْتَلَطَ الظَّلَامُ وَبَدَتِ النُّجُومُ وَهَذَا مُنْكَرٌ أَيْضًا إِسْنَادًا وَمَتْنًا وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ السِّيَاقَاتِ، وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ هَذَا هُوَ الْمُتَّهَمُ بِوَضْعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ سَرِقَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ هُرْمُزَ الْبَكْرِيُّ الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَيُعْرَفُ بِعَمْرِو بن الْمِقْدَامِ الْحَدَّادِ، رَوَى عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَحَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ منصور وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيان، قال: تَرَكَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَقَالَ: لَا تُحَدِّثُوا عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ، وَلَمَّا مَرَّتْ بِهِ جِنَازَتُهُ تَوَارَى عَنْهَا، وَكَذَلِكَ تَرَكَهُ عبد الرحمن بن مهدي، وقال أبو مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ:
لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلَا مَأْمُونٍ وَلَا يَكْتُبُ حَدِيثَهُ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى هُوَ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ: كَانَ ضَعِيفًا، زَادَ أَبُو حَاتِمٍ: وَكَانَ رَدِيءَ الرَّأْيِ شَدِيدَ التَّشَيُّعِ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ مِنْ شَرَارِ النَّاسِ كان رافضيا خبيثا رجل سوء قال هنا: وَلَمَّا مَاتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَفَرَ النَّاسُ إِلَّا خَمْسَةً، وَجَعَلَ أَبُو دَاوُدَ يَذُمُّهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ:
يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ [عَنِ الْأَثْبَاتِ] وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَالضَّعْفُ عَلَى حَدِيثِهِ بَيِّنٌ، وَأَرَّخُوا وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَةَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ وَأَبُوهُ أَجَلَّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يُحَدِّثَا بِهَذَا الحديث قال هذا المصنّف الْمُنْصِفُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْبَرَنَا عُقَيْلُ بن الحسن العسكري، أنا أبو محمد صالح بن الفتح النسائي، ثنا أحمد بن عمير بن حوصاء، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ

(6/83)


سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ، ثَنَا دَاوُدُ بن فراهيج، وعن عمارة بن برد وعن أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ. وَقَالَ: اخْتَصَرْتُهُ مِنْ حَدِيثٍ طويل، وهذا إسناد مظلم ويحيى ابن يَزِيدَ وَأَبُوهُ وَشَيْخُهُ دَاوُدُ بْنُ فَرَاهِيجَ كُلُّهُمْ مُضَعَّفُونَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إِلَى أَنَّ ابْنَ مَرْدَوَيْهِ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ داود ابن فَرَاهِيجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَضَعَّفَ دَاوُدَ هَذَا شُعْبَةُ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مفتعل من بعض الرواة، أو قد دخل عَلَى أَحَدِهِمْ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ:
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُرْجَانِيُّ كِتَابَةً أَنَّ أَبَا طَاهِرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْوَاعِظَ أَخْبَرَهُمْ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُتَيَّمٍ، أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ على ابن أَبِي طَالِبٍ: [حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ عن أبيه عبد الله عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ قَالَ:] قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ وَقَدْ غَابَتِ الشَّمْسُ فَانْتَبَهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَصَلَّيْتَ الْعَصْرَ؟ قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتُ كَرِهْتُ أَنْ أَضَعَ رَأْسَكَ مِنْ حِجْرِي وَأَنْتَ وَجِعٌ، فَقَالَ رسول الله: يا على ادْعُ يَا عَلِيُّ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْكَ الشَّمْسُ، فَقَالَ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ أَنْتَ وأنا أؤمن، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ عَلِيًّا فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ نَبِيِّكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ، قَالَ أَبُو سعيد: فو الله لَقَدْ سَمِعْتُ لِلشَّمْسِ صَرِيرًا كَصَرِيرِ الْبَكْرَةِ حَتَّى رَجَعَتْ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً وَهَذَا إِسْنَادٌ مُظْلِمٌ أَيْضًا ومتنه مُنْكَرٌ، وَمُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ السِّيَاقَاتِ، وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ مَصْنُوعٌ مُفْتَعَلٌ يسرقه هؤلاء الرافضة بعضهم مِنْ بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ لَتَلَقَّاهُ عَنْهُ كِبَارُ أَصْحَابِهِ كَمَا أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِهِ حَدِيثَ قِتَالِ الْخَوَارِجِ، وَقِصَّةَ الْمُخْدَجِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ فَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْفَرْغَانِيُّ، أَنَا أَبُو الْفَضْلِ الشَّيْبَانِيُّ، ثَنَا رَجَاءُ بْنُ يَحْيَى السَّامَانِيُّ، ثنا هارون بن سعدان بسامراء سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْكُمَيْتِ عَنْ عَمِّهِ الْمُسْتَهَلِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ سَلْهَبٍ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ شَهْرٍ قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا جُوَيْرِيَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ مُظْلِمٌ وَأَكْثَرُ رِجَالِهِ لَا يُعْرَفُونَ وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مَصْنُوعٌ مِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِي الرَّوَافِضِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ وَلَعَنَ مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَجَّلَ لَهُ مَا تَوَعَّدَهُ الشَّارِعُ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ الصَّادِقُ فِي الْمَقَالِ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فليتبوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. وَكَيْفَ يَدْخُلُ فِي عَقْلِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ العلم أن يكون هذا الحديث يرويه عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لَهُ وَدِلَالَةٌ مُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَا يُرْوَى عَنْهُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ الْمُظْلِمِ الْمُرَكَّبِ عَلَى رِجَالٍ لَا يُعْرَفُونَ، وَهَلْ لَهُمْ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ أَمْ لَا؟
الظَّاهِرُ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) لَا، ثُمَّ هُوَ عَنِ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةِ الْعَيْنِ وَالْحَالِ فَأَيْنَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ الثِّقَاتُ كَعُبَيْدَةَ

(6/84)


السَّلَمَانِيِّ وشريحٍ الْقَاضِي وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَأَضْرَابِهِمْ، ثُمَّ في ترك الأئمة كما لك وَأَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَأَصْحَابِ الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ وَالصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِيدَاعَهُ فِي كُتُبِهِمْ أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ مُفْتَعَلٌ مَأْفُوكٌ بَعْدَهُمْ، وَهَذَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ قَدْ جَمَعَ كِتَابًا فِي خَصَائِصِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرْوِهِ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَكُلَاهُمَا يُنْسَبُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّشَيُّعِ وَلَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ مِنَ النَّاسِ الْمُعْتَبَرِينَ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَابِ وَالتَّعَجُّبِ، وَكَيْفَ يَقَعُ مِثْلُ هَذَا نَهَارًا جَهْرَةً وَهُوَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، ثُمَّ لَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ مُنْكَرَةٍ وَأَكْثَرُهَا مُرَكَّبَةٌ مَوْضُوعَةٌ وَأَجْوَدُ مَا فِيهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْفِطْرِيِّ عَنْ عَوْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ جَعْفَرٍ عَنْ أَسْمَاءَ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ التَّعْلِيلِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِيمَا سَلَفَ وَقَدِ اغْتَرَّ بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَالَ إِلَى صِحَّتِهِ، وَرَجَّحَ ثُبُوتَهُ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلِ الْحَدِيثِ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ سَبِيلُهُ الْعِلْمَ التَّخَلُّفَ عَنْ حِفْظِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ فِي رَدِّ الشَّمْسِ، لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ. وَهَكَذَا مَالَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا فِيمَا قِيلَ. وَنَقَلَ أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسْكَانِيُّ هَذَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ الْمُتَكَلِّمِ الْمُعْتَزِلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عَوْدُ الشَّمْسِ بَعْدَ مَغِيبِهَا آكَدُ حَالًا فِيمَا يَقْتَضِي نَقْلُهُ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فَضِيلَةً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فإنه من أعلام النبوة وهو مقارن لِغَيْرِهِ فِي فَضَائِلِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ. وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْقَلَ هَذَا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا، وَهَذَا حَقٌّ لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ صَحِيحًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ كَذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ: وَالْأَئِمَّةُ فِي كُلِّ عَصْرٍ يُنْكِرُونَ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَيَرُدُّونَهُ وَيُبَالِغُونَ فِي التَّشْنِيعِ عَلَى رُوَاتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، كَمُحَمَّدٍ ويعلى بن عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيَّيْنِ، وَكَإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيِّ خَطِيبِ دِمَشْقَ وَكَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ الْبُخَارِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ زَنْجَوَيْهِ، وَكَالْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عساكر والشيخ أبى الفرج ابن الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ وَالْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَةَ، وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ: قَرَأْتُ عَلَى قَاضِي الْقُضَاةِ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْهَاشِمِيِّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ [بْنِ] الْمَدِينِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: خَمْسَةُ أَحَادِيثَ يَرْوُونَهَا وَلَا أَصْلَ لَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ: لَوْ صَدَقَ السَّائِلُ مَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ، وَحَدِيثُ لَا وَجَعَ إِلَّا وَجَعُ الْعَيْنِ وَلَا غَمَّ، إِلَّا غَمُّ الدَّيْنِ، وَحَدِيثُ أَنَّ الشَّمْسَ رُدَّتْ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَحَدِيثُ أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَدَعَنِي تَحْتَ الْأَرْضِ مِائَتَيْ عَامٍ، وَحَدِيثُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ إِنَّهُمَا كَانَا يغتابان. والطحاوي رحمه الله وإن كَانَ قَدِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْكَارُهُ وَالتَّهَكُّمُ بِمَنْ رَوَاهُ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ: ثنا جعفر

(6/85)


ابن محمد بن عمير، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبَّادٍ، سَمِعْتُ بَشَّارَ بْنَ دِرَاعٍ قَالَ: لَقِيَ أَبُو حَنِيفَةَ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ فَقَالَ: عَمَّنْ رَوَيْتَ حَدِيثَ رَدِّ الشَّمْسِ؟ فَقَالَ: عَنْ غَيْرِ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْهُ: يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ، فَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ وَهُوَ كُوفِيٌّ لَا يُتَّهَمُ عَلَى حُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَتَفْضِيلِهِ بِمَا فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَهُوَ مع هذا ينكر عَلَى رَاوِيهِ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ لَهُ ليس بجواب بل مجرد معارضة بما لا يجدي، أَيْ أَنَا رَوَيْتُ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَبًا فَهُوَ فِي الْغَرَابَةِ نَظِيرَ مَا رَوَيْتَهُ أَنْتَ فِي فَضْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: يَا سَارِيَةُ الجبل وهذا ليس بصحيح من محمد ابن النعمان، فان هذا ليس كهذا إِسْنَادًا وَلَا مَتْنًا، وَأَيْنَ مُكَاشَفَةُ إِمَامٍ (قَدْ شهد الشارع له بأنه محدّث) بأمر خير مِنْ رَدِّ الشَّمْسِ طَالِعَةً بَعْدَ مَغِيبِهَا الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ؟ وَالَّذِي وَقَعَ لِيُوشِعَ بْنِ نُونٍ لَيْسَ رَدًّا لِلشَّمْسِ عَلَيْهِ، بَلْ حبست ساعة قبل غروبها بمعنى تَبَاطَأَتْ فِي سَيْرِهَا حَتَّى أَمْكَنَهُمُ الْفَتْحُ وَاللَّهُ تعالى أعلم وتقدم ما أورده هذا المص مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَقَدْ وَقَعَ فِي كِتَابِ أَبِي بِشْرٍ الدُّولَابِيِّ فِي الذرية الطاهرة من حديث الحسين بْنِ عَلِيٍّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الرَّافِضَةِ جَمَالُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُلَقَّبُ بِابْنِ الْمُطَهَّرِ الْحِلِّيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْإِمَامَةِ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْخُنَا [العلامة] أبو العباس ابن تَيْمِيَةَ قَالَ ابْنُ الْمُطَهَّرِ: التَّاسِعُ رُجُوعُ الشَّمْسِ مَرَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِيَةُ بَعْدَهُ، أَمَّا الْأُولَى فَرَوَى جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ يَوْمًا يناجيه من عنده اللَّهِ، فَلَمَّا تَغَشَّاهُ الْوَحْيُ تَوَسَّدَ فَخِذَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى عَلِيٌّ الْعَصْرَ بِالْإِيمَاءِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: سَلِ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ الشَّمْسَ فَتُصَلِّيَ قَائِمًا. فَدَعَا فَرُدَّتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الْعَصْرَ قَائِمًا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْبُرَ الْفُرَاتَ ببابل اشتغل كثير من الصحابة بدوابهم وَصَلَّى لِنَفْسِهِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الْعَصْرَ وَفَاتَ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ فَسَأَلَ اللَّهَ رَدَّ الشَّمْسِ فَرُدَّتْ قَالَ وَقَدْ نَظَّمَهُ الْحِمْيَرِيُّ فَقَالَ:
رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لَمَّا فَاتَهُ ... وَقْتُ الصَّلَاةِ وَقَدْ دَنَتْ لِلْمَغْرِبِ
حَتَّى تَبَلَّجَ نُورُهَا فِي وَقْتِهَا ... لِلْعَصْرِ ثُمَّ هَوَتْ هُوِيَّ الْكَوْكَبِ
وَعَلَيْهِ قَدْ رُدَّتْ بِبَابِلَ مَرَّةً ... أُخْرَى وما ردت لخلق مقرب
قال شيخنا أبو العباس [ابن تيمية] رحمه الله: فضل على وولايته وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومٌ وللَّه الْحَمْدُ بِطُرُقٍ ثَابِتَةٍ أَفَادَتْنَا الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى مَا لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ أَوْ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَحَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ قَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ كَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ

(6/86)


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، ثُمَّ أَوْرَدَ طُرُقَهُ وَاحِدَةً [وَاحِدَةً] كَمَا قَدَّمْنَا وَنَاقَشَ أَبَا الْقَاسِمِ الْحَسْكَانِيَّ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا كُلَّ ذَلِكَ وَزِدْنَا عَلَيْهِ وَنَقَصْنَا مِنْهُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَاعْتَذَرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ فِي تَصْحِيحِهِ [هَذَا الْحَدِيثَ] بِأَنَّهُ اغْتَرَّ بِسَنَدِهِ، وَعَنِ الطَّحَاوِيِّ بأنه لم يكن عنده نقل جيد للأسانيد كجهابذة الحفاظ، وقال في عيون كَلَامِهِ: وَالَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ كَذِبٌ مُفْتَعَلٌ. قُلْتُ: وَإِيرَادُ ابْنِ الْمُطَهَّرِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ غَرِيبٌ وَلَكِنْ لَمْ يُسْنِدْهُ وَفِي سِيَاقِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ عَلِيًّا [هُوَ الَّذِي] دَعَا بِرَدِّ الشَّمْسِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَأَمَّا إِيرَادُهُ لِقِصَّةِ بَابِلَ فَلَيْسَ لَهَا إِسْنَادٌ وَأَظُنُّهُ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) مِنْ وَضْعِ الزَّنَادِقَةِ مِنَ الشِّيعَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ قَدْ غَرَبَتُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ وَلَمْ يَكُونُوا صَلَّوُا الْعَصْرَ بَلْ قَامُوا إلى بطحان وهو واد هناك فتوضئوا وَصَلَّوُا الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ عَلِيٌّ أَيْضًا فِيهِمْ وَلَمْ تُرَدَّ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَاتَتْهُمُ الْعَصْرُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَلَمْ تُرَدَّ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ لَمَّا نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ صَلَّوْهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ وَلَمْ يُرَدَّ لَهُمُ اللَّيْلُ، فَمَا كان الله عز وجل ليعطي عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا مِنَ الْفَضَائِلِ لَمْ يُعْطِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ. وَأَمَّا نَظْمُ الْحِمْيَرِيِّ فَلَيْسَ [فِيهِ] حُجَّةٌ بَلْ هُوَ كَهَذَيَانِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ هَذَا لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ مِنَ النَّثْرِ وَهَذَا لَا يَدْرِي صِحَّةَ مَا يَنْظِمُ بَلْ كِلَاهُمَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنْ كُنْتُ أَدْرِي فَعَلَيَّ بَدَنَهْ ... مِنْ كَثْرَةِ التَّخْلِيطِ أَنِّي مَنْ أَنَهْ
وَالْمَشْهُورُ عَنْ عَلِيٍّ فِي أَرْضِ بَابِلَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَرَّ بِأَرْضِ بَابِلَ وَقَدْ حَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى جَاوَزَهَا، وَقَالَ: نَهَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُصَلِّيَ بِأَرْضِ بَابِلَ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ وَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ مُبْطِلًا لِرَدِّ الشَّمْسِ عَلَى عَلِيٍّ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ رَادًّا عَلَى مَنِ ادَّعَى بَاطِلًا مِنَ الْأَمْرِ فَقَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا لِفَاضِلٍ وَبَيْنَ دَعْوَى الرَّافِضَةِ رد الشمس على علي بن أبي طالب مَرَّتَيْنِ حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ حَبِيبَ بْنَ أَوْسٍ قَالَ:
فَرُدَّتْ عَلَيْنَا الشَّمْسُ وَاللَّيْلُ رَاغِمٌ ... بِشَمْسٍ لَهُمْ مِنْ جَانِبِ الْخِدْرِ تَطْلُعُ
نَضَا ضوءها صبغ الدجنة وانطوى ... لبهجتها نور السماء المرجّع
فو الله مَا أَدْرِي عَلِيٌّ بَدَا لَنَا فَرُدَّتْ ... لَهُ أَمْ كَانَ فِي الْقَوْمِ يُوشَعُ
هَكَذَا أَوْرَدَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ، وَهَذَا الشِّعْرُ تَظْهَرُ عَلَيْهِ الرَّكَّةُ وَالتَّرْكِيبُ وَأَنَّهُ مَصْنُوعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَاتِ السَّمَاوِيَّةِ فِي بَابِ دَلَائِلِ النبوة، استسقاؤه عليه السلام رَبَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] لِأُمَّتِهِ حِينَ تَأَخَّرَ الْمَطَرُ فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَالِهِ سَرِيعًا بِحَيْثُ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ إِلَّا وَالْمَطَرُ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ

(6/87)


عليه السلام وَكَذَلِكَ اسْتِصْحَاؤُهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ:
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَبُو عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ عن عمرو بْنِ حَمْزَةَ: ثَنَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ.
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وهذا الَّذِي عَلَّقَهُ قَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ فَرَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْأَزْهَرِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ البخاري: ثنا محمد- وهو ابْنُ سَلَامٍ- ثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، ثَنَا شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أنه سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ وُجَاهَ الْمِنْبَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهمّ اسْقِنَا، [اللَّهمّ اسْقِنَا] قَالَ أَنَسٌ: وَلَا (وَاللَّهِ) مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ ولا شيئا، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: والله ما رأينا الشمس ستا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، ادْعُ الله يُمْسِكَهَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهمّ عَلَى الْآكَامِ وَالْجِبَالِ [وَالظِّرَابِ] ومنابت الشَّجَرِ.
قَالَ: فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ، قال شريك: فسألت أنسا أهو الرجل الّذي سأل أولا؟
قَالَ: لَا أَدْرِي، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شَرِيكٍ بِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَدَعَا فَمُطِرْنَا فَمَا كِدْنَا أَنْ نَصِلَ إِلَى مَنَازِلِنَا فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، قَالَ: فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا وَشِمَالًا يُمْطَرُونَ وَلَا يُمْطَرُ [أَهْلُ] الْمَدِينَةِ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَكَتِ الْمَوَاشِي وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ، فَدَعَا فَمُطِرْنَا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي [فَادْعُ الله أن يمسكها] فقال: اللَّهمّ،

(6/88)


عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، ثَنَا إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةَ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ الله أَنْ يَسْقِيَنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وما [رأينا] في السماء قزعة فو الّذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار سَحَابٌ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ قَالَ: فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنَ الْغَدِ وَمِنْ بعد الغدو الّذي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أو قال غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهمّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، قَالَ: فَمَا جَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بيده إلى ناحية من السماء الا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجئ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجُودِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْجُمُعَةِ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ أَيُّوبُ ابن سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى [رَجُلٌ] أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الْجُمُعَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ، هَلَكَ الْعِيَالُ، هَلَكَ النَّاسُ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ يَدْعُو وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشِقَ الْمُسَافِرُ وَمُنِعَ الطَّرِيقُ قَالَ البخاري: وقال الأويسي- يعنى عَبْدِ اللَّهِ-: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ- هُوَ ابن كثير- عن يحيى ابن سَعِيدٍ وَشَرِيكٍ، سَمِعَا أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ. هَكَذَا عَلَّقَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَلَمْ يُسْنِدْهُمَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قال: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ، وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَقَالَ: اللَّهمّ اسْقِنَا مَرَّتَيْنِ، وَايْمُ اللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً من سحاب، فنشأت سحابة وأمطرت ونزل عن المنبر فصلّى فلما انصرف لم تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُهَا عَنَّا، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، فتكشطت المدينة فجعلت تمطر حولها ولا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الْإِكْلِيلِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ بِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ

(6/89)


قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟ فَقَالَ: قِيلَ لَهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ، وَأَجْدَبَتِ الْأَرْضُ، وَهَلَكَ الْمَالُ، قَالَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ فَاسْتَسْقَى، ولقد رفع يديه فَاسْتَسْقَى وَلَقَدْ رَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ سَحَابَةً فَمَا قَضَيْنَا الصَّلَاةَ حَتَّى إِنَّ الشاب قريب الدار لَيَهُمُّهُ الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِهِ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الَّتِي تَلِيهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تهدمت البيوت واحتبست الرُّكْبَانُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُرْعَةِ مَلَالَةِ ابْنِ آدَمَ وَقَالَ: اللَّهمّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، قَالَ: فَتَكَشَّطَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ ثُلَاثِيٌّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بن مالك، وعن يونس بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبينا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْكُرَاعُ، هَلَكَتِ الشاء، فادع الله يسقينا، فمد يده وَدَعَا. قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ، فهاجت ريح أنشأت سحابا، ثم اجتمع، ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حتى أتينا منازلنا فلم تزل تمطر إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتِ البيوت فادع الله يَحْبِسَهُ.
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَنَظَرْتُ إلى السحاب يَتَصَدَّعُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ، فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لأنها تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ إِلَى أَبِي معمر سعيد بن أبى خيثم الْهِلَالِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَقَدْ أَتَيْنَاكَ، وَمَا لَنَا بَعِيرٌ يبسط ولا صبي يصطبح وَأَنْشَدَ:
أَتَيْنَاكَ وَالْعَذْرَاءُ يَدْمَى لَبَانُهَا ... وَقَدْ شُغِلَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَنِ الطِّفْلِ
وَأَلْقَى بِكَفَّيْهِ الْفَتَى لاستكانة ... من الجوع ضعفا قائما وهو لا يخلى
وَلَا شَيْءَ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ عِنْدَنَا ... سِوَى الْحَنْظَلِ الْعَامِيِّ وَالْعِلْهِزِ الْفَسْلِ
وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا إِلَيْكَ فِرَارُنَا ... وَأَيْنَ فِرَارُ النَّاسِ إِلَّا إِلَى الرُّسْلِ
قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهمّ اسْقِنَا غَيْثًا مغيثا مريئا سَرِيعًا غَدَقًا طِبَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ تَمْلَأُ بِهِ الضَّرْعَ، وَتُنْبِتُ بِهِ الزَّرْعَ، وَتُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ [بَعْدَ مَوْتِهَا] وَكَذَلِكَ تخرجون. قال: فو الله ما رد يده إلى نحره حتى ألقت السماء بأوراقها، وجاء أهل البطانة يصيحون: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْغَرَقَ الْغَرَقَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهمّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَانْجَابَ السَّحَابُ عَنِ الْمَدِينَةِ حَتَّى أَحْدَقَ بِهَا كَالْإِكْلِيلِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: للَّه درّ أبى طالب لو كان حيا قرت عَيْنَاهُ مَنْ يُنْشِدُ قَوْلَهُ؟ فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ أردت قوله:

(6/90)


وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ
يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ الله يبري محمد ... وَلَمَّا نُقَاتِلْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
قَالَ: وَقَامَ رجل من بنى كِنَانَةَ فَقَالَ:
لَكَ الْحَمْدُ وَالْحَمْدُ مِمَّنْ شَكَرْ ... سُقِينَا بِوَجْهِ النَّبِيِّ الْمَطَرْ
دَعَا اللَّهَ خَالِقَهُ دَعْوَةً ... إِلَيْهِ وَأَشْخَصَ مِنْهُ الْبَصَرْ
فَلَمْ يَكُ إِلَّا كَلَفِّ الرِّدَاءِ ... وَأَسْرَعَ حَتَّى رَأَيْنَا الدِّرَرْ
رقاق العوالي عم البقاع ... أغاث به الله علينا مُضَرْ
وَكَانَ كَمَا قَالَهُ عَمُّهُ ... أَبُو طَالِبٍ أبيض ذو غرر
به الله يسقى بصوب الغمام ... وهذا العيان كذاك الخبر
فمن يشكر الله يلقى الْمَزِيدَ ... وَمِنْ يَكْفُرِ اللَّهَ يَلْقَى الْغِيَرْ
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ يَكُ شَاعِرٌ يُحْسِنُ فَقَدْ أَحْسَنْتَ وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ غَرَابَةٌ وَلَا يُشْبِهُ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ أَنَسٍ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا مَحْفُوظًا فَهُوَ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا أبو محمد بن حبان، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ، ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ، ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ عن أبى وجرة يزيد بن عبيد السلمي قَالَ: لَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَتَاهُ وَفْدُ بنى فزارة فيهم بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن الحصين، وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ- وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ- ابْنُ أَخِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، فَنَزَلُوا فِي دَارِ رَمَلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَدِمُوا عَلَى إِبِلٍ ضِعَافٍ عِجَافٍ وَهُمْ مُسْنِتُونَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ، فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ بلادهم قالوا: يا رسول الله، أسنتت بلادنا، وأجدبت أحياؤنا، وَعَرِيَتْ عِيَالُنَا، وَهَلَكَتْ مَوَاشِينَا، فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يُغِيثَنَا، وَتَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ وَيَشْفَعُ رَبُّكَ إِلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سبحان الله، ويلك هذا ما شَفَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ رَبُّنَا إِلَيْهِ؟ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسِعَ كرسيه السموات وَالْأَرْضَ وَهُوَ يَئِطُّ مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ كَمَا يئط الرجل الْجَدِيدُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِ اللَّهَ يَضْحَكُ مِنْ شَفَقَتِكُمْ وَأَزْلِكُمْ وَقُرْبِ غِيَاثِكُمْ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَيَضْحَكُ رَبُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَنْ نَعْدَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَرَفَعَ يَدَيْهِ- وَكَانَ

(6/91)


رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَّا في الاستسقاء- ورفع يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، وَكَانَ مِمَّا حُفِظَ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهمّ اسْقِ بَلَدَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ، اللَّهمّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا طَبَقًا وَاسِعًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللَّهمّ سُقْيَا رحمة ولا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ وَلَا مَحْقٍ، اللَّهمّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَانْصُرْنَا عَلَى الْأَعْدَاءِ، فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ التَّمْرَ فِي الْمَرَابِدِ، فقال رسول الله: اللَّهمّ اسْقِنَا، فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ التَّمْرُ فِي الْمَرَابِدِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ اسْقِنَا حَتَّى يَقُومَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا فَيَسُدَّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ، قَالَ: فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي السَّمَاءِ مِنْ قَزَعَةٍ وَلَا سَحَابٍ وَمَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَسَلْعٍ مِنْ بِنَاءٍ وَلَا دَارٍ، فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَاءِ سَلْعٍ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرُسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ وهم ينظرون ثم أمطرت، فو الله ما رأوا الشمس ستا، وَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بإزاره لئلا يخرج التمر منه، فقال رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فصعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَدَعَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهمّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، فَانْجَابَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْمَدِينَةِ كَانْجِيَابِ الثَّوْبِ وَهَذَا السِّيَاقُ يُشْبِهُ سِيَاقَ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ، وَلِبَعْضِهِ شَاهِدٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي رزين العقيلي شاهد لبعضه وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، أَنَا أَبُو أحمد محمد ابن مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حاتم، ثنا محمد بن حماد الظهراني، أنا سهل بن عبد الرحمن المعروف بالسدي بْنِ عَبْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جمعة وقال: اللَّهمّ اسْقِنَا، اللَّهمّ اسْقِنَا، فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ التَّمْرَ فِي المرابد، وما في السماء من سحاب نزاه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهمّ اسقنا، فقام أبو لبابة فقال أَبُو لُبَابَةَ يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ، فَاسْتَهَلَّتِ السَّمَاءُ وَمَطَرَتْ وَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى [القوم] أبا لُبَابَةَ يَقُولُونَ لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ، إِنَّ السَّمَاءَ وَاللَّهِ لَنْ تُقْلِعَ حَتَّى تَقُومَ عُرْيَانًا فَتَسُدَّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِكَ بِإِزَارِكَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ عُرْيَانًا يَسُدُّ ثَعْلَبَ مِرْبَدِهِ بِإِزَارِهِ فَأَقْلَعَتِ السَّمَاءُ وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحْمَدُ وَلَا أَهْلُ الْكُتُبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الِاسْتِسْقَاءِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: حَدِّثْنَا عَنْ شَأْنِ سَاعَةِ الْعُسْرَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: خَرَجْنَا إِلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا وَأَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا سَتَنْقَطِعُ، حَتَّى إِنْ كَانَ

(6/92)


أحدنا ليذهب فيلتمس الرحل فلا يجده حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ رَقَبَتَهُ سَتَنْقَطِعُ حَتَّى إِنَّ الرجل لينحر بعيره فيعصر فَرْثَهُ فَيَشْرَبُهُ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ عَلَى كَبِدِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَقَالَ: أو تحب ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ نَحْوَ السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثُمَّ سَكَبَتْ فَمَلَئُوا مَا مَعَهُمْ ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتِ الْعَسْكَرَ وَهَذَا إِسْنَادٌ جِيدٌ قَوِيٌّ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَقَدْ قال الواقدي كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَعِيرٍ وَمَثَلُهَا مِنَ الْخَيْلِ، وَكَانُوا ثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، قَالَ: وَنَزَلَ مِنَ الْمَطَرِ مَاءٌ أَغْدَقَ الْأَرْضَ حَتَّى صَارَتِ الْغُدْرَانُ تسكب بعضها في بعض وذلك في حمأة الْقَيْظِ أَيْ شِدَّةِ الْحَرِّ الْبَلِيغِ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عليه وكم له عليه السلام مِنْ مِثْلِ هَذَا فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ صَحِيحٍ وللَّه الْحَمْدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمَّا دَعَا عَلَى قُرَيْشٍ حِينَ اسْتَعْصَتْ أَنْ يُسَلِّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا سَبْعًا كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْكِلَابَ وَالْعِلْهِزَ، ثُمَّ أَتَى أَبُو سُفْيَانَ يَشْفَعُ عِنْدَهُ فِي أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُمْ، فَدَعَا لَهُمْ فَرُفِعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بن الخطاب كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ: اللَّهمّ إنا كنا نتوسل إليك بنينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك نعم نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ فَيُسْقَوْنَ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ
فَصْلٌ وَأَمَّا الْمُعْجِزَاتُ الْأَرْضِيَّةُ
فَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمَادَاتِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَيَوَانَاتِ: فَمِنَ الْمُتَعَلِّقِ بِالْجَمَادَاتِ تَكْثِيرُهُ الْمَاءَ فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ عَلَى صِفَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ سَنُورِدُهَا بِأَسَانِيدِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَدَأْنَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِإِتْبَاعِ مَا أَسْلَفْنَا ذِكْرَهُ مِنِ اسْتِسْقَائِهِ وَإِجَابَةِ اللَّهِ لَهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوُضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي ذلك الإناء فأمر الناس أن يتوضئوا مِنْهُ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ فتوضأ الناس حتى توضئوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَزْمٌ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ لِبَعْضِ مَخَارِجِهِ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ

(6/93)


فحضرت الصلاة فلم يجد القوم ما يتوضءون به فقالوا: يا رسول الله مَا نَجِدُ مَا نَتَوَضَّأُ بِهِ، وَرَأَى فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَ نبي الله فتوضأ منه، ثم مد أصابعه الأربع على القدح ثم قال: هلموا فتوضئوا، فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء، قَالَ الْحَسَنُ: سُئِلَ أَنَسٌ كَمْ بَلَغُوا؟ قَالَ: سبعين أو ثمانين وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ المبارك العنسيّ عن حزم بن مهران القطيعي بِهِ
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ وَيَزِيدَ قَالَ: أَنَا حُمَيْدٌ الْمَعْنَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: نُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ كُلُّ قَرِيبِ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَبَقِيَ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ نَائِيَ الدَّارِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فَصَغُرَ أَنْ يَبْسُطَ كَفَّهُ فِيهِ قَالَ فَضَمَّ أَصَابِعَهُ قَالَ فَتَوَضَّأَ بَقِيَّتُهُمْ، قَالَ حُمَيْدٌ:
وَسُئِلَ أَنَسٌ: كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: ثَمَانِينَ أَوْ زِيَادَةً وَقَدْ روى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيرٍ عَنْ يزيد ابن هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ وَبَقِيَ قَوْمٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ فَوَضَعَ كَفَّهُ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي الْمِخْضَبِ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ قَالَ:
كَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا سَعِيدٌ إِمْلَاءً عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالزَّوْرَاءِ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ لَا يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ فأمر أصحابه أن يتوضئوا فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّأَ الْقَوْمُ، قَالَ: فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟
قَالَ: كُنَّا ثَلَاثَمِائَةٍ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ بن أَبِي عَدِيٍّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ غُنْدَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَنْ شُعْبَةَ، وَالصَّحِيحُ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ وَهُوَ فِي الزَّوْرَاءِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، قَالَ قَتَادَةُ فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ
حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:
كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ أَوْ صَدَرَتْ رِكَابُنَا تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ إِسْنَادًا وَمَتْنًا

(6/94)


[حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَهَاشِمٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ- هُوَ ابْنُ عُبَيْدَةَ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ- عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَتَيْنَا عَلَى رَكِيٍّ ذِمَّةٍ يَعْنِي قَلِيلَةَ الْمَاءِ قَالَ: فَنَزَلَ فِيهَا سِتَّةُ أُنَاسٍ أَنَا سَادِسُهُمْ مَاحَةً فَأُدْلِيَتْ إِلَيْنَا دَلْوٌ قَالَ:
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شفتي الرَّكِيِّ فَجَعَلْنَا فِيهَا نِصْفَهَا أَوْ قُرَابَ ثُلْثَيْهَا فَرُفِعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَرَاءُ: فَكِدْتُ بِإِنَائِي هَلْ أَجِدُ شَيْئًا أَجْعَلُهُ فِي حَلْقِي؟ فَمَا وَجَدْتُ فَرَفَعْتُ الدَّلْوَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهَا فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَأُعِيدَتْ إِلَيْنَا الدَّلْوُ بِمَا فِيهَا، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَحَدَنَا أُخْرِجَ بِثَوْبٍ خَشْيَةَ الْغَرَقِ قَالَ؟ ثُمَّ سَاحَتْ- يَعْنِي جَرَتْ نَهْرًا- تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرَ يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ] . [1]
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ جَابِرٍ في ذلك
قال الامام أحمد: ثنا سنان بْنُ حَاتِمٍ، ثَنَا جَعْفَرٌ- يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ- ثَنَا الْجَعْدُ أَبُو عُثْمَانَ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: اشْتَكَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ الْعَطَشَ قَالَ فَدَعَا بِعُسٍّ فَصُبَّ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَهُ وقال: استقوا، فَاسْتَقَى النَّاسُ قَالَ: فَكُنْتُ أَرَى الْعُيُونَ تَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي حَرْزَةَ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ عُبَادَةَ بن الوليد ابن عُبَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فِيهِ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَاتَّبَعْتُهُ بادواة من ماء فنظر رسول الله فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، وَإِذَا بِشَجَرَتَيْنِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، فَقَالَ: انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الْأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: انْقَادِي عَلَيَّ [بِإِذْنِ اللَّهِ] فَانْقَادَتْ مَعَهُ [كَذَلِكَ] حتى إذا كان بالمنتصف مِمَّا بَيْنَهُمَا لَأَمَ بَيْنَهُمَا- يَعْنِي جَمَعَهُمَا- فَقَالَ: الْتَئِمَا عَلِيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَالْتَأَمَتَا، قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللَّهِ بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وَإِذَا بِالشَّجَرَتَيْنِ قَدِ افْتَرَقَتَا فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله وَقَفَ وَقْفَةً فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا: يَمِينًا وَشِمَالًا، ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَالَ: يَا جَابِرُ هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا فَأَقْبِلْ بِهِمَا حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يمينك وغصنا عن شمالك، قال جابر: فقمت فأخذت حجرا
__________
[1] زيادة من التيمورية.

(6/95)


فكسرته وحددته فاندلق لِي فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ منهما غصنا، ثم أقبلت حتى فمت مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي، ثُمَّ لَحِقْتُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَقُلْتُ: فَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِنِّي مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفع ذلك عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطِبَيْنِ، قَالَ: فَأَتَيْنَا الْعَسْكَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا جابر ناد الوضوء، فَقُلْتُ:
أَلَا وَضُوءَ أَلَا وَضُوءَ أَلَا وَضُوءَ؟ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ فِي الرَّكْبِ مِنْ قَطْرَةٍ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأنصار يبرّد لرسول الله فِي أَشِجَابٍ لَهُ عَلَى حِمَارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ قَالَ: فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى فُلَانٍ الْأَنْصَارِيِّ فانظر هل ترى فِي أَشْجَابِهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً في غر لا شجب منها [1] لو أنى أفرغته لشربه يابسه فأتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله لم أجد فيها إلا قطرة في غر لا شجب منها [1] لو أنى أفرغته لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ قَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهِ، فَأَتَيْتُهُ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي ما هو، وغمزني بيده ثُمَّ أَعْطَانِيهِ فَقَالَ: يَا جَابِرُ نَادِ بِجَفْنَةٍ، فَقُلْتُ: يَا جَفْنَةَ الرَّكْبِ، فَأُتِيتُ بِهَا تُحْمَلُ وضعتها بين يديه، فقال رسول الله بِيَدِهِ فِي الْجَفْنَةِ هَكَذَا فَبَسَطَهَا وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا فِي قَعْرِ الْجَفْنَةِ وَقَالَ: خُذْ يَا جَابِرُ فَصُبَّ عَلَيَّ وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ:
بِسْمِ اللَّهِ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ فَارَتِ الْجَفْنَةُ وَدَارَتْ حَتَّى امْتَلَأَتْ فَقَالَ: يَا جَابِرُ نَادِ من كانت لَهُ حَاجَةٌ بِمَاءٍ، قَالَ فَأَتَى النَّاسُ فَاسْتَقَوْا حتى رووا، فَقُلْتُ: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَهُ حَاجَةٌ؟ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ من الجفنة وهي ملأى. قال: وشكى النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ، فَقَالَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يُطْعِمَكُمْ، فأتينا سيف البحر فزجر زجرة فألقى دابة فأورينا على شقها النار فطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا، قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان وفلان حتى عدّ خمسة في محاجر عَيْنِهَا مَا يَرَانَا أَحَدٌ، حَتَّى خَرَجْنَا وَأَخَذْنَا ضلعا من أضلاعها فقوسناه ثم دعونا بأعظم جمل في الركب وأعظم حمل فِي الرَّكْبِ وَأَعْظَمَ كِفْلٍ فِي الرَّكْبِ فَدَخَلَ تحتها مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ يَتَوَضَّأُ فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ قَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا، قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَصِينٍ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الأعمش زاد مسلم وشعبة ثلاثتهم عن جابر بن سالم بن جَابِرٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ كُنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى [بْنُ حَمَّادٍ] ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قيس عن شقيق
__________
[1] كذا بالأصل.

(6/96)


العبديّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ غَزَوْنَا أَوْ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ بِضْعَ عَشْرَ وَمِائَتَانِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ فِي الْقَوْمِ مِنْ مَاءٍ؟ فَجَاءَهُ رَجُلٌ يَسْعَى بِإِدَاوَةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قَالَ فَصَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَدَحٍ، قَالَ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَرَكَ الْقَدَحَ فَرَكِبَ النَّاسُ الْقَدَحَ تمسحوا وتمسحوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمْ حِينَ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفه في الماء ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، قال جابر: فو الّذي هو ابْتَلَانِي بِبَصَرِي لَقَدْ رَأَيْتُ الْعُيُونَ عُيُونَ الْمَاءِ يَوْمَئِذٍ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَفَعَهَا حَتَّى توضئوا أَجْمَعُونَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَظَاهِرُهُ كَأَنَّهُ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ رَأْسًا لا يرويها فقعد رسول الله على شفا الرَّكِيَّةِ فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصَقَ فِيهَا قَالَ: فَجَاشَتْ فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ الطَّوِيلِ فَعَدَلَ عَنْهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يتبرّضه تَبَرُّضًا فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشَ فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أن يجعلوه فيه فو الله مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرَّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ بِالسَّهْمِ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ سَائِقُ الْبُدْنِ، قَالَ وَقِيلَ: الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ. ثُمَّ رَجَّحَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْأَوَّلَ
حديث آخر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ، ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنِ ابْنِ عباس: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: نعم، قال: فأتنى، قَالَ: فَأَتَاهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ فِي فَمِ الْإِنَاءِ وَفَتَحَ أَصَابِعَهُ، قَالَ فَانْفَجَرَتْ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ عُيُونٌ وَأَمَرَ بِلَالًا فَقَالَ: نَادِ فِي النَّاسِ الْوَضُوءَ الْمُبَارَكَ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
حَدِيثٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تُعِدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ: اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي

(6/97)


الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبِرْكَةُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عن بندار عن ابن أَحْمَدَ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أبو الوليد، ثنا مسلم بن زيد، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ عَرَّسُوا فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ لَا يُوقِظُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنَامِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ وَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ يَا فُلَانُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ فقلنا لها: أين الماء؟ قالت: إِنَّهُ لَا مَاءَ: فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللَّهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا غَيْرَ أنها حدثته أنها موتمة فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فَمَسَحَ فِي الْعَزْلَاوَيْنِ فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رَوِينَا وَمَلَأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا وهي تكاد تفضى مِنَ الْمِلْءِ، ثُمَّ قَالَ: هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ، فَجَمَعَ لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ حَتَّى أَتَتْ أهلها، قالت: أتيت أَسْحَرَ النَّاسِ أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا، فَهَدَى اللَّهُ ذَاكَ الصِّرْمِ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَلْمِ بن رزين، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ- وَاسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ تَيْمٍ- عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي بِهَذَا مَعَكِ لِعِيَالِكِ وَاعْلَمِي أَنَّا لَمْ نَرْزَأْكِ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ سَقَانَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْعَزْلَاوَيْنِ سَمَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
حَدِيثٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سَفَرٍ فَقَالَ: إِنَّكُمْ إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا، وَانْطَلَقَ سَرَعَانُ النَّاسِ يُرِيدُونَ الْمَاءَ، وَلَزِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَالَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاحِلَتُهُ فَنَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَمْتُهُ فَادَّعَمَ ثُمَّ مَالَ فَدَعَمْتُهُ فَادَّعَمَ، ثُمَّ مَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْجَفِلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَدَعَمْتُهُ فَانْتَبَهَ فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ: مُنْذُ كَمْ كَانَ مَسِيرُكَ؟ قُلْتُ: مُنْذُ اللَّيْلَةِ، قَالَ:

(6/98)


حَفِظَكَ اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَ رَسُولَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ عَرَّسْنَا، فَمَالَ إِلَى شَجَرَةٍ فَنَزَلَ فَقَالَ: انْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟
قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانَ رَاكِبَانِ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً، فَقَالَ: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا، فَنِمْنَا فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ فَانْتَبَهْنَا فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَ وَسِرْنَا هُنَيْهَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: أَمَعَكُمْ مَاءٌ؟ قَالَ:
قُلْتُ: نَعَمْ مَعِي مِيضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: ائْتِ بِهَا، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: مَسُّوا مِنْهَا مَسُّوا مِنْهَا، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ وَبَقِيَتْ جُرْعَةٌ فَقَالَ: ازْدَهِرْ بِهَا يَا أَبَا قَتَادَةَ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا نَبَّأٌ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ وَصَلَّوُا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلَّوُا الْفَجْرَ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَقُولُونَ؟ إِنْ كَانَ أَمْرَ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ، وَإِنْ كَانَ أَمْرَ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ، قُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، فَقَالَ لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوهَا وَمِنَ الْغَدِ وَقْتَهَا، ثُمَّ قَالَ: ظُنُّوا بِالْقَوْمِ، قَالُوا: إِنَّكَ قُلْتَ بِالْأَمْسِ: إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا، فالناس بالماء، قال: فلما أَصْبَحَ النَّاسُ وَقَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَاءِ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَقَالَا: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِيَسْبِقَكُمْ إِلَى الْمَاءِ وَيَخْلُفَكُمْ، وَإِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا، قَالَهَا ثَلَاثًا، فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الظَّهِيرَةُ رَفَعَ لَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطَشًا، تقطعت الأعناق، فقال: لأهلك عَلَيْكُمْ، ثُمَّ قَالَ:
يَا أَبَا قَتَادَةَ ائْتِ بِالْمِيضَأَةِ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: احْلُلْ لِي غُمْرِي- يَعْنِي قَدَحَهُ- فَحَلَلْتُهُ فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَجَعَلَ يَصُبُّ فِيهِ وَيَسْقِي النَّاسَ فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحْسِنُوا الْمَلْأَ فَكُلُّكُمْ سَيَصْدُرُ عَنْ رَيٍّ، فَشَرِبَ الْقَوْمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَبَّ لِي فَقَالَ اشْرَبْ يَا أَبَا قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ: اشْرَبْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ، فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ بَعْدِي وَبَقِيَ فِي الْمِيضَأَةِ نَحْوٌ مِمَّا كَانَ فِيهَا، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُمِائَةٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَمِعَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَنَا أُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: الْقَوْمُ أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِمْ، انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي أَحَدُ السَّبْعَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَحَدًا يَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرِي قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قتادة الموصلي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ وَزَادَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَرَّسَ وَعَلَيْهِ لَيْلٌ تَوَسَّدَ يَمِينَهُ، وَإِذَا عَرَّسَ الصُّبْحَ وَضَعَ رَأَسَهُ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ سَاعِدَهُ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٍ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رباح عن أبى قتادة الحرث بن ربعي الأنصاري بطوله وأخرج من حديث حماد ابن سَلَمَةَ بِسَنَدِهِ الْأَخِيرِ أَيْضًا.

(6/99)


حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَنَسٍ يُشْبِهُ هَذَا
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَافِظِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ: ثَنَا شَيْبَانُ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، ثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَّزَ جَيْشًا إِلَى المشركين فيهم أبو بكر فقال لهم: جدوا السَّيْرَ فَإِنَّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مَاءً إِنْ يَسْبِقِ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ شَقَّ عَلَى النَّاسِ وَعَطِشْتُمْ عَطَشًا شَدِيدًا أَنْتُمْ وَدَوَابُّكُمْ، قَالَ: وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانِيَةٍ أَنَا تَاسِعُهُمْ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ لَكَمَ أَنْ نُعَرِّسَ قَلِيلًا ثُمَّ نَلْحَقَ بِالنَّاسِ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَرَّسُوا فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَيْقَظَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ لَهُمْ: تَقَدَّمُوا وَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ، فَفَعَلُوا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ؟ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَعِي مِيضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: فَجِئْ بها: فجاء بها فأخذها نبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَهَا بِكَفَّيْهِ ودعا بالبركة فيها وقال لأصحابه:
تعالوا فتوضئوا، فَجَاءُوا وَجَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى توضئوا كُلُّهُمْ، فَأَذَّنَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَأَقَامَ فَصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ وقال لصاحب الميضأة ازدهر بميضأتك ازدهر بميضأتك فسيكون لها شأن، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النَّاسِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ النَّاسَ فَعَلُوا؟ فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ لَهُمْ: فيهم أبو بكر وعمرو سيرشد النَّاسُ، فَقَدِمَ النَّاسُ وَقَدْ سَبَقَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَعَطِشُوا عَطَشًا شَدِيدًا رِكَابُهُمْ وَدَوَابُّهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ صَاحِبُ الْمِيضَأَةِ؟ قالوا: هو هذا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ جِئْنِي بِمِيضَأَتِكَ، فَجَاءَ بِهَا وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَقَالَ لَهُمْ: تَعَالَوْا فَاشْرَبُوا، فَجَعَلَ يَصُبُّ لَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى شَرِبَ النَّاسُ كلهم وسقوا دوابهم وركابهم وملئوا مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ إِدَاوَةٍ وَقِرْبَةٍ وَمَزَادَةٍ، ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إلى المشركين، فبعث الله رِيحًا فَضَرَبَ وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ وأمكن من ديارهم فقتلوا مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَأَسَرُوا أُسَارَى كَثِيرَةً، وَاسْتَاقُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ وَافِرِينَ صَالِحِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ جَابِرٍ مَا يُشْبِهُ هَذَا وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَدَّمْنَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. فَذَكَرَ حَدِيثَ جَمْعِ الصَّلَاةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ- يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ ضُحَى النَّهَارِ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ، قَالَ: فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا رَجُلَانِ والعين مثل الشراك تبض بشيء، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟ قَالَا:
نَعَمْ، فَسَبَّهُمَا وَقَالَ لَهُمَا: مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ غَرَفُوا مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُعَاذُ يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قد مليء جنانا وَذَكَرْنَا فِي بَابِ الْوُفُودِ

(6/100)


مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ فِي قِصَّةِ وِفَادَتِهِ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ، ثُمَّ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَنَا بِئْرًا إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ وَسِعَنَا مَاؤُهَا وَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ قَلَّ مَاؤُهَا فَتَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهٍ حَوْلَنَا وَقَدْ أَسْلَمْنَا، وَكُلُّ مَنْ حَوْلَنَا عَدُوٌّ، فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها فنجتمع عليه ولا نتفرق، فدعا بسبع حصيات ففركهن بِيَدِهِ وَدَعَا فِيهِنَّ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْحَصَيَاتِ فَإِذَا أَتَيْتُمُ الْبِئْرَ فَأَلْقُوا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَفَعَلْنَا مَا قَالَ لَنَا، فَمَا اسْتَطَعْنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى قَعْرِهَا- يَعْنِي الْبِئْرَ- وَأَصَلُ هذا الحديث في المسند وسنن أبى داود والترمذي وابن مَاجَهْ وَأَمَّا الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فَفِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
بَابُ مَا ظَهَرَ فِي الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ بِقُبَاءٍ مِنْ بَرَكَتِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، ثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، أَنَا أحمد بن حفص بن عبد الله، نا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَاهُمْ بِقُبَاءٍ فَسَأَلَهُ عَنْ بِئْرٍ هُنَاكَ، قَالَ: فَدَلَلْتُهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ وإن الرجل لينضح على حماره فينزح فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِذَنُوبٍ فَسُقِيَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَوَضَّأَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَفَلَ فِيهِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُعِيدَ فِي الْبِئْرِ، قَالَ: فَمَا نُزِحَتْ بَعْدُ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ بَالَ ثُمَّ جَاءَ فتوضأ ومسح على جنبه ثُمَّ صَلَّى وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا الوليد بن عمرو بن مسكين، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُثَنَّى عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلْنَا فَسَقَيْنَاهُ مِنْ بِئْرٍ لَنَا فِي دَارِنَا كَانَتْ تُسَمَّى النَّزُورَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفَلَ فِيهَا فَكَانَتْ لَا تُنْزَحُ بَعْدُ ثُمَّ قَالَ لَا نَعْلَمُ هَذَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
بَابُ تكثيره عليه السلام الْأَطْعِمَةَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ كَمَا سَنُورِدُهُ مَبْسُوطًا
تَكْثِيرُهُ اللَّبَنَ فِي مَوَاطِنٍ أَيْضًا، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا رَوْحٌ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا ليستتبعنى فلم يفعل، فمر عمر رضى الله عنه فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيَسْتَتْبِعَنِي فَلَمْ يَفْعَلْ، فَمَرَّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ مَا فِي وَجْهِي وَمَا فِي نَفْسِي فَقَالَ: أَبَا هريرة، قلت لَهُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: الْحَقْ وَاسْتَأْذَنْتُ فَأَذِنَ لِي فَوَجَدْتُ لَبَنًا فِي قَدَحٍ قال:
مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا اللَّبَنُ؟ فَقَالُوا: أَهْدَاهُ لَنَا فُلَانٌ أَوْ آلُ فُلَانٍ، قَالَ أَبَا هِرٍّ، قَلْتُ: لَبَّيْكَ

(6/101)


يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي، قَالَ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإسلام لم يأووا إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ إِذَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةٌ أَصَابَ مِنْهَا وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مِنْهَا وَإِذَا جَاءَتْهُ الصَّدَقَةُ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يُصِبْ مِنْهَا- قَالَ: وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أُصِيبَ مِنَ اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا بَقِيَّةَ يَوْمِي وَلَيْلَتِي، وَقُلْتُ: أَنَا الرَّسُولُ، فَإِذَا جَاءَ الْقَوْمُ كُنْتُ أَنَا الَّذِي أُعْطِيهِمْ، وَقُلْتُ: مَا يَبْقَى لِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ بُدٌّ، فَانْطَلَقْتُ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ: أَبَا هِرٍّ خُذْ فَأَعْطِهِمْ، فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِمْ فَيَأْخُذُ الرَّجُلُ الْقَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ الْقَدَحَ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِمْ، وَدَفَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ وَبَقِيَ فِيهِ فَضْلَةٌ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَنَظَرَ إِلَيَّ وَتَبَسَّمَ وَقَالَ: أَبَا هِرٍّ، فَقُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ، فقلت: صدقت يا رسول الله قال: فاقعد فَاشْرَبْ، قَالَ: فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ ثُمَّ قَالَ لِي: اشْرَبْ، فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ لِي: اشْرَبْ فَأَشْرَبُ حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ فِيَّ مَسْلَكًا، قَالَ: نَاوِلْنِي الْقَدَحِ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ الْقَدَحَ فَشَرِبَ مِنَ الْفَضْلَةِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ. وأخرجه الترمذي عن عباد بن يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثنا أبو بكر بن عياش، حدثني عَنْ زِرٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا غُلَامُ هَلْ مِنْ لبن؟ قال: فقلت: نَعَمْ وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ، قَالَ: فَهَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ؟ فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا فَنَزَلَ لَبَنٌ فَحَلَبَهُ فِي إِنَاءٍ فَشَرِبَ وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ:
اقْلِصْ، فَقَلَصَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، قال: فمسح رأسي وقال: يا غلام يرحمك الله، فإنك عليم مُعَلَّمٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ عن عاصم عن أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ فِيهِ: فَأَتَيْتُهُ بِعَنَاقٍ جَذَعَةٍ فَاعْتَقَلَهَا ثُمَّ جعل يمسح ضرعها ويدعو، وأتاه أبو بكر بجفنة فَحَلَبَ فِيهَا وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ شَرِبَ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلِصْ فَقَلَصَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ، فَأَخَذْتُ عَنْهُ سَبْعِينَ سُورَةً مَا نَازَعَنِيهَا بِشَرٌ وَتَقَدَّمَ فِي الهجرة حديث أم معبد وحلبة عليه السلام شَاتَهَا، وَكَانَتْ عَجْفَاءَ لَا لَبَنَ لَهَا فَشَرِبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَغَادَرَ عِنْدَهَا إِنَاءً كَبِيرًا مِنْ لَبَنٍ حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا وَتَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ مَنْ كَانَ يَخْدُمُهُ مِنْ غَيْرِ مَوَالِيهِ عَلَيْهِ السلام الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ حِينَ شَرِبَ اللَّبَنَ الَّذِي كَانَ قَدْ جَاءَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ في اللَّيْلِ لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً فَوَجَدَ لَبَنًا كَثِيرًا فَحَلَبَ مَا مَلَأَ مِنْهُ إِنَاءً كَبِيرًا جِدًّا، الْحَدِيثَ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا زُهَيْرٌ عن أبى إسحاق عن ابنة حباب أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَاعْتَقَلَهَا وَحَلَبَهَا، فَقَالَ: ائْتِنِي بِأَعْظَمِ إِنَاءٍ لَكُمْ، فَأَتَيْنَاهُ بِجَفْنَةِ الْعَجِينِ، فَحَلَبَ فِيهَا حَتَّى مَلَأَهَا، ثُمَّ

(6/102)


قَالَ: اشْرَبُوا أَنْتُمْ وَجِيرَانُكُمْ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الأزرق، ثنا عصمة بن سليمان الخراز، ثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ عَنْ نَافِعٍ- وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَكُنَّا زُهَاءَ أَرْبَعِمِائَةٍ فَنَزَلْنَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَالُوا: رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ، قَالَ: فَجَاءَتْ شُوَيْهَةٌ لَهَا قَرْنَانِ فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَبَهَا فَشَرِبَ حَتَّى رَوَى وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا، ثُمَّ قَالَ:
يَا نَافِعُ امْلِكْهَا اللَّيْلَةَ وَمَا أُرَاكَ تَمْلِكُهَا، قَالَ: فَأَخَذْتُهَا فَوَتَدْتُ لَهَا وَتَدًا ثُمَّ رَبَطْتُهَا بِحَبْلٍ ثُمَّ قُمْتُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فَلَمْ أَرَ الشَّاةَ، وَرَأَيْتُ الْحَبْلَ مَطْرُوحًا، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ فأخبرته من قبل أن يسألنى وقال يَا نَافِعُ ذَهَبَ بِهَا الَّذِي جَاءَ بِهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَلَفِ بْنِ الْوَلِيدِ- أَبِي الْوَلِيدِ الْأَزْدِيِّ- عَنْ خلف بن خليفة عن أبان، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا إِسْنَادًا وَمَتْنًا ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنَا أبو أحمد بن عدي، أنا ابن الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، ثَنَا أَبُو حَفْصٍ الرِّيَاحِيُّ، ثَنَا عَامِرُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الخراز عن أبيه عن الحسن عن سَعْدٍ- يَعْنِي مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْلِبْ لي الْعَنْزَ، قَالَ: وَعَهْدِي بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا عَنْزَ فيه، قال: فأتيت فإذا العنز حَافِلٍ، قَالَ: فَاحْتَلَبْتُهَا وَاحْتَفَظْتُ بِالْعَنْزِ وَأَوْصَيْتُ بِهَا، قال:
فاشتغلنا بالرحلة ففقدت فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَقَدْتُ الْعَنْزَ، فَقَالَ: إِنَّ لَهَا رَبًّا، وَهَذَا أَيْضًا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا إِسْنَادًا وَمَتْنًا وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ الْغَزَالَةِ فِي قِسْمٍ مَا يَتَعَلَّقُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ بِالْحَيَوَانَاتِ.
تَكْثِيرُهُ عليه السلام السَّمْنَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حدثنا شيبان، ثنا محمد بن زيادة البرجمي عن أبى طلال عَنْ أَنَسٍ عَنْ أُمِّهِ قَالَ: كَانَتْ لَهَا شَاةٌ فَجَمَعَتْ مِنْ سَمْنِهَا فِي عُكَّةٍ فَمَلَأَتِ الْعُكَّةَ ثُمَّ بَعَثَتْ بِهَا مَعَ رَبِيبَةَ فَقَالَتْ:
يَا رَبِيبَةُ أَبْلِغِي هَذِهِ الْعُكَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَدِمُ بِهَا، فَانْطَلَقَتْ بِهَا رَبِيبَةُ حَتَّى أَتَتْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ [عُكَّةُ] سَمْنٍ بَعَثَتْ بِهَا إِلَيْكَ أُمُّ سليم، قال: أفرغوا لَهَا عُكَّتَهَا، فَفُرِّغَتِ الْعُكَّةُ فَدُفِعَتْ إِلَيْهَا فَانْطَلَقَتْ بِهَا وَجَاءَتْ وَأُمُّ سُلَيْمٍ لَيْسَتْ فِي الْبَيْتِ فَعَلَّقَتِ الْعُكَّةَ عَلَى وَتَدٍ، فَجَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فَرَأَتِ الْعُكَّةَ مُمْتَلِئَةً تَقْطُرُ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَبِيبَةُ أَلَيْسَ أَمَرْتُكِ أَنْ تَنْطَلِقِي بِهَا إلى رسول الله؟
فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ، فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقِينِي فَانْطَلِقِي فَسَلِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانطلقت وَمَعَهَا رَبِيبَةُ فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي بَعَثْتُ مَعَهَا إِلَيْكَ بِعُكَّةٍ فِيهَا سَمْنٌ، قَالَ: قد فعلت، قد جاءت، قَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ وَدِينِ الْحَقِّ إِنَّهَا لَمُمْتَلِئَةٌ تَقْطُرُ سَمْنًا، قَالَ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَتَعْجَبِينَ أَنْ كَانَ اللَّهُ أَطْعَمَكِ كَمَا أَطْعَمْتِ نَبِيَّهُ؟ كُلِي وَأَطْعِمِي، قَالَتْ: فَجِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَقَسَمْتُ فِي قَعْبٍ

(6/103)


لَنَا وَكَذَا وَكَذَا وَتَرَكْتُ فِيهَا مَا ائْتَدَمْنَا بِهِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، أَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ، ثنا خلف ابن خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أُمِّ أَوْسٍ الْبَهْزِيَّةِ قَالَتْ: سَلَيْتُ سَمْنًا لِي فجعلته في عكة فأهديته لرسول الله فقبله وترك في العكة قليلا ونفخ فيها وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ قَالَ: رُدُّوا عَلَيْهَا عُكَّتَهَا، فَرَدُّوهَا عَلَيْهَا وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ سَمْنًا، قَالَتْ: فَظَنَنْتُ أن رسول الله لَمْ يَقْبَلْهَا فَجَاءَتْ وَلَهَا صُرَاخٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا سَلَيْتُهُ لَكَ لِتَأْكُلَهُ، فَعَلِمَ أَنَّهُ قَدِ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَقَالَ:
اذْهَبُوا فَقُولُوا لَهَا فَلْتَأْكُلْ سَمْنَهَا وَتَدْعُو بِالْبَرَكَةِ، فَأَكَلَتْ بَقِيَّةَ عُمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوِلَايَةَ أبى بكر وولاية عمرو ولاية عُثْمَانَ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مَا كَانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الأعلى ابن المسور الْقُرَشِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ دَوْسٍ يُقَالُ لَهَا:
أُمُّ شَرِيكٍ، أَسْلَمَتْ فِي رَمَضَانَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي هِجْرَتِهَا وَصُحْبَةِ ذَلِكَ الْيَهُودِيِّ لَهَا، وَأَنَّهَا عَطِشَتْ فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا حَتَّى تَهَوَّدَ، فَنَامَتْ فَرَأَتْ فِي النَّوْمِ مَنْ يَسْقِيهَا فَاسْتَيْقَظَتْ وَهِيَ رَيَّانَةٌ، فَلَمَّا جَاءَتْ رَسُولَ الله قَصَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَخَطَبَهَا إِلَى نَفْسِهَا فَرَأَتْ نَفْسَهَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَتْ: بَلْ زَوِّجْنِي مَنْ شِئْتَ، فَزَوَّجَهَا زَيْدًا وَأَمَرَ لَهَا بِثَلَاثِينَ صَاعًا، وَقَالَ: كُلُوا وَلَا تَكِيلُوا، وَكَانَتْ مَعَهَا عكة سمن هدية لرسول الله، فَأَمَرَتْ جَارِيَتَهَا أَنْ تَحْمِلَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، ففرغت وأمرها رسول الله إِذَا رَدَّتْهَا أَنْ تُعَلِّقَهَا وَلَا تُوكِئَهَا، فَدَخَلَتْ أُمُّ شَرِيكٍ فَوَجَدَتْهَا مَلْأَى، فَقَالَتْ لِلْجَارِيَةِ: أَلَمْ آمُرْكِ أَنْ تَذْهَبِي بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُوكِئُوهَا فَلَمْ تَزَلْ حَتَّى أَوْكَتْهَا أُمُّ شَرِيكٍ ثُمَّ كَالُوا الشَّعِيرَ فَوَجَدُوهُ ثَلَاثِينَ صَاعًا لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حسن، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جابر أن أم مالك البهزية كَانَتْ تُهْدِي فِي عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا بَنُوهَا يَسْأَلُونَهَا الإدام وليس عندها شيء فعمدت إلى عكتها التي كانت تهدى فيها إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أعصرتيه؟ فقلت: نَعَمْ قَالَ: لَوْ تَرَكْتِيهِ مَا زَالَ ذَلِكَ مُقِيمًا ثُمَّ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفٌ لَهُمْ حَتَّى كَالُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ لم تكيلوه لأكلتم فيه وَلَقَامَ لَكُمْ وَقَدْ رَوَى هَذَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابر.

(6/104)


ذِكْرُ ضِيَافَةِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ظَهَرَ فِي ذلك اليوم من دلالات النبوة في تكثير الطعام النذر حَتَّى عَمَّ مَنْ هُنَالِكَ مِنَ الضِّيفَانِ وَأَهْلِ الْمَنْزِلِ وَالْجِيرَانِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ فقلت نعم: قال بطعام؟ قلت: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ معه، فقال رسول الله: هلم يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا عِنْدَكِ؟
فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فآدمته، ثم قال رسول الله فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ صَحِيحِهِ وَمُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن مالك.
طَرِيقٌ آخَرُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ، ثَنَا بكير وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاوِيًا فَجَاءَ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاوِيًا فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا نَحْوٌ مِنْ مُدِّ دَقِيقِ شَعِيرٍ قَالَ: فَاعْجِنِيهِ وَأَصْلِحِيهِ عَسَى أَنْ نَدْعُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلُ عِنْدَنَا، قال: فعجنته وخبزته فجاء قرصا فقال، يا أنس ادع رسول الله، فأتيت رسول الله ومعه أناس، قَالَ مُبَارَكٌ أَحْسَبُهُ قَالَ: بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبُو طَلْحَةَ يَدْعُوكَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَجِيبُوا أَبَا طَلْحَةَ، فَجِئْتُ جَزِعًا حَتَّى أَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِأَصْحَابِهِ قَالَ بكر فعدى قدمه وَقَالَ ثَابِتٌ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: رَسُولُ اللَّهِ أَعْلَمُ بِمَا فِي بَيْتِي مِنِّي، وَقَالَا جَمِيعًا عَنْ أَنَسٍ فَاسْتَقْبَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا قُرْصٌ، رَأَيْتُكَ طَاوِيًا فَأَمَرْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَجَعَلَتْ لَكَ قُرْصًا، قَالَ: فَدَعَا بِالْقُرْصِ وَدَعَا بِجَفْنَةٍ فَوَضَعَهُ فِيهَا وَقَالَ: هَلْ مِنْ سَمْنٍ؟ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ قَدْ كَانَ فِي الْعُكَّةِ شَيْءٌ، قَالَ: فجاء بها، قال: فجعل رسول الله وَأَبُو طَلْحَةَ يَعْصِرَانِهَا حَتَّى خَرَجَ شَيْءٌ

(6/105)


مسح رسول الله به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال: بِسْمِ اللَّهِ فَانْتَفَخَ الْقُرْصُ فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ كَذَلِكَ وَالْقُرْصُ يَنْتَفِخُ حَتَّى رَأَيْتُ الْقُرْصَ فِي الجفنة يميع، فَقَالَ: ادْعُ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِي، فَدَعَوْتُ لَهُ عَشَرَةً، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ وَسَطَ الْقُرْصِ وَقَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلُوا مِنْ حَوَالَيِ الْقُرْصِ حَتَّى شبعوا، ثم قال، ادع لي عشرة أخرى، فَدَعَوْتُ لَهُ عَشَرَةً أُخْرَى، فَقَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلُوا مِنْ حَوَالَيِ الْقُرْصِ حَتَّى شَبِعُوا، فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْقُرْصِ حَتَّى أَكَلَ مِنْهُ بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ مِنْ حَوَالَيِ الْقُرْصِ حَتَّى شَبِعُوا وَإِنَّ وَسَطَ الْقُرْصِ حَيْثُ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ كم هُوَ وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ عَلَى شَرْطِ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ فاللَّه أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، ثَنَا سَعْدٌ- يَعْنِي ابْنَ سَعِيدِ بْنِ قيس- أخبرنى أنس ابن مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَدْعُوَهُ وَقَدْ جعل له طعاما، فَأَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقُلْتُ: أَجِبْ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: قُومُوا، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا صَنَعْتُ شيئا لك قال: فمسها رسول الله وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ:
أَدْخِلْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِي عَشَرَةً، فَقَالَ: كُلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شبعوا وخرجوا، وقال: أدخل عشرة فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا فَمَا زَالَ يُدْخِلُ عَشَرَةً وَيُخْرِجُ عَشَرَةً حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ ثُمَّ هَيَّأَهَا فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمَوِيِّ عَنْ أَبِيهِ كِلَاهُمَا عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ.
طَرِيقٌ أُخْرَى
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَكِّيِّ [عَنْ حَاتِمٍ] عَنْ مُعَاوِيَةِ بْنِ أَبِي مردد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ فَذَكَرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى أَبُو طَلْحَةَ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ فَأَمَرَ بِهِ فَصُنِعَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَنَسُ انْطَلِقِ ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادْعُهُ وَقَدْ تَعْلَمُ مَا عِنْدَنَا، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ فَقُلْتُ:
إِنَّ أبا طلحة يدعوك إلى طعامه، فَقَامَ وَقَالَ لِلنَّاسِ: قُومُوا فَقَامُوا، فَجِئْتُ أَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى

(6/106)


أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَضَحْتَنَا، قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ، فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لهم: اقعدوا، ودخل عَاشِرَ عَشَرَةٍ فَلَمَّا دَخَلَ أُتِيَ بِالطَّعَامِ تَنَاوَلَ فَأَكَلَ وَأَكَلَ مَعَهُ الْقَوْمُ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: قُومُوا، وَلْيَدْخُلْ عَشَرَةٌ مَكَانَكُمْ، حَتَّى دَخَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَأَكَلُوا، قَالَ: قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: كَانُوا نَيِّفًا وَثَمَانِينَ، قَالَ: وَفَضَلَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ مَا أَشْبَعَهُمْ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّقِّيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَ: اصْنَعِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً طَعَامًا يَأْكُلُ مِنْهُ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
قَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ جَرِيرَ بن يزيد يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رأى أبو طلحة رسول الله فِي الْمَسْجِدِ مُضْطَجِعًا يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، فَأَتَى أم سليم فقال: رأيت رسول الله مضطجعا في المسجد يتقلب ظهرا لبطن، فَخَبَزَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قُرْصًا، ثُمَّ قَالَ لِي أبو طلحة: اذهب فادع رسول الله، فَأَتَيْتُهُ وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْعُوكَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقَامَ وَقَالَ: قُومُوا، قَالَ: فَجِئْتُ أَسْعَى إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ رسول الله قد كان تبعه أَصْحَابُهُ، فَتَلَقَّاهُ أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ قُرْصٌ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ سيبارك فيه، فدخل رسول الله وَجِيءَ بِالْقُرْصِ فِي قَصْعَةٍ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ سَمْنٍ؟ فَجِيءَ بِشَيْءٍ مِنْ سَمْنٍ فَغَوَّرَ الْقُرْصَ بِأُصْبُعِهِ هَكَذَا، وَرَفَعَهَا، ثُمَّ صَبَّ وَقَالَ: كُلُوا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِي، فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلْ عَلِيَّ عَشَرَةً، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ فَشَبِعُوا وَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ وَأُمُّ سُلَيْمٍ وَأَنَا حَتَّى شَبِعْنَا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ أهديت لِجِيرَانٍ لَنَا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ صحيحه عن حسن الحلواني وعن وهب بن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَمَّادٌ- يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ- عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ- يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ- عَنْ أَنَسٍ قَالَ حَمَّادٌ: وَالْجَعْدُ قَدْ ذَكَرَهُ، قَالَ: عَمَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى نِصْفِ مُدِّ شَعِيرٍ فَطَحَنَتْهُ ثُمَّ عَمَدَتْ إِلَى عُكَّةٍ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ سَمْنٍ فَاتَّخَذَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَقُلْتُ: إِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أَرْسَلَتْنِي إِلَيْكَ تَدْعُوكَ، فَقَالَ: أَنَا وَمَنْ مَعِي، قَالَ: فَجَاءَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، قَالَ: فَدَخَلْتُ فَقُلْتُ لِأَبِي طَلْحَةَ: قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن معه، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَمَشَى إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ خَطِيفَةٌ اتَّخَذَتْهَا أم سليم

(6/107)


مِنْ نِصْفِ مُدِّ شَعِيرٍ، قَالَ: فَدَخَلَ فَأَتَى بِهِ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلْ عَشَرَةً، قَالَ فَدَخَلَ عَشَرَةٌ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ دَخَلَ عَشَرَةٌ فَأَكَلُوا ثُمَّ عَشَرَةٌ فَأَكَلُوا حَتَّى أَكَلَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ كُلُّهُمْ أَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، قَالَ: وَبَقِيَتْ كَمَا هِيَ، قَالَ: فَأَكَلْنَا وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ سِنَانٍ بن ربيعة عن أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً وَعَمَدَتْ إِلَى عُكَّةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ سَمْنٍ فَعَصَرَتْهُ ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى رَسُولِ الله وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَرَوَاهُ أَبُو يعلى الموصلي: ثنا عمرو عن الضحاك، ثنا أبى، سمعت أشعث الحراني قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ بَلَغَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامٌ، فَذَهَبَ فَآجَرَ نَفْسَهُ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ فَعَمِلَ يَوْمَهُ ذَلِكَ فَجَاءَ بِهِ وَأَمَرَ أُمَّ سُلَيْمٍ أَنْ تَعْمَلَهُ خَطِيفَةً وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: اذْهَبْ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَغَدَّى عِنْدَنَا فَافْعَلْ، فَجِئْتُهُ فَبَلَّغْتُهُ، فَقَالَ: وَمَنْ عندي؟ قلت: نعم، قال: انهضوا، قال: فجئته فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَأَنَا لَدَهِشٌ لِمَنْ أَقْبَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا صَنَعْتَ يَا أَنَسُ؟ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكِ سَمْنٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ مِنْهُ عندي عكة فيها شيء من سمن، قال: فأت بها قَالَتْ: فَجِئْتُ بِهَا فَفَتَحَ رِبَاطَهَا ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهمّ أَعْظِمْ فِيهَا الْبَرَكَةَ، قَالَ فَقَالَ اقْلِبِيهَا، فَقَلَبْتُهَا فَعَصَرَهَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يسمى، فأخذت نقع قدر فَأَكَلَ مِنْهَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ فَدَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَ: كُلِي وَأَطْعِمِي جِيرَانَكِ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدراوَرْديّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يحيى ابن عُمَارَةَ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ سُلَيْمٍ صَنَعَتْ خَزِيرًا فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اذْهَبْ يَا بُنَيَّ فَادْعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجِئْتُهُ وَهُوَ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ النَّاسِ، فَقُلْتُ: إِنَّ أبى يدعوك، قال: فقام وَقَالَ لِلنَّاسِ: انْطَلِقُوا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَامَ بِالنَّاسِ تَقَدَّمْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَجِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فقلت: يا أبت قَدْ جَاءَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، قَالَ: فَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى الْبَابِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا، فَقَالَ: هَلُمَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ، فَجَاءَ بِهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ يده فيه، ودعا الله

(6/108)


بما شاء أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ قَالَ: أَدْخِلْ عَشَرَةً عَشَرَةً، فَجَاءَهُ مِنْهُمْ ثَمَانُونَ فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنِ القعنبي عن الدراوَرْديّ عن يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ [عَنْ أَبِيهِ] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ أَيْضًا عَنْ حَرْمَلَةَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي بَعْضِ حَدِيثِ هَؤُلَاءِ: ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَأَفْضَلُوا مَا بَلَغَ جِيرَانَهُمْ، فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ شَاهَدَ ذَلِكَ عَلَى مَا فِيهِ مِنِ اخْتِلَافٍ عَنْهُ فِي بَعْضِ حُرُوفِهِ، وَلَكِنْ أَصْلُ الْقِصَّةِ مُتَوَاتِرٌ لَا مَحَالَةَ كَمَا تَرَى، وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ وَثَابِتُ بْنُ أَسْلَمَ الْبُنَانِيُّ [وَالْجَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ] وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَسِنَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَالنَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ وَيَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي إِضَافَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَعَنَاقٍ، فَعَزَمَ عَلَيْهِ السلام عَلَى أَهْلِ الْخَنْدَقِ بِكَمَالِهِمْ، فَكَانُوا أَلْفًا أَوْ قَرِيبًا مِنْ أَلْفٍ، فَأَكَلُوا كُلُّهُمْ مِنْ تِلْكَ الْعَنَاقِ وَذَلِكَ الصَّاعِ حَتَّى شَبِعُوا وَتَرَكُوهُ كَمَا كَانَ، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَطُرُقِهِ وللَّه الحمد والمنة ومن العجب الْغَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن محمد بن المنذر الهروي- المعروف بشكر- فِي كِتَابِ الْعَجَائِبِ الْغَرِيبَةِ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ أَسْنَدَهُ وَسَاقَهُ بِطُولِهِ وَذَكَرَ فِي آخِرِهِ شَيْئًا غَرِيبًا فَقَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ طَرْخَانَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْرُورٍ، أَنَا هاشم ابن هَاشِمٍ وَيُكَنَّى بِأَبِي بَرْزَةَ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثَنَا أَبُو كَعْبٍ الْبَدَّاحُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ النَّاقِلَةِ الَّذِينَ نَقَلَهُمْ هَارُونُ إِلَى بَغْدَادَ، سَمِعْتُ مِنْهُ بِالْمِصِّيصَةِ عَنْ أَبِيهِ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى جَابِرُ بْنُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ فَذَكَرَ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَذَبَحَ دَاجِنًا كَانَتْ عِنْدَهُمْ وَطَبَخَهَا وَثَرَدَ تَحْتَهَا فِي جَفْنَةٍ وَحَمَلَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ الْأَنْصَارَ فَأَدْخَلَهُمْ عَلَيْهِ أَرْسَالًا فَأَكَلُوا كُلُّهُمْ وَبَقِيَ مِثْلُ مَا كَانَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَلَا يَكْسِرُوا عَظْمًا، ثُمَّ إِنَّهُ جَمَعَ الْعِظَامَ فِي وَسَطِ الْجَفْنَةِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَا أَسْمَعُهُ إِلَّا أَنِّي أَرَى شَفَتَيْهِ تَتَحَرَّكُ، فَإِذَا الشَّاةُ قَدْ قَامَتْ تَنْفُضُ أُذُنَيْهَا فَقَالَ: خُذْ شَاتَكَ يَا جَابِرُ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا، قَالَ: فَأَخَذْتُهَا وَمَضَيْتُ، وَإِنَّهَا لَتُنَازِعُنِي أُذُنَهَا حَتَّى أَتَيْتُ بِهَا الْبَيْتَ، فَقَالَتْ لِيَ الْمَرْأَةُ: مَا هَذَا يَا جَابِرُ؟ فَقُلْتُ: هَذِهِ وَاللَّهِ شَاتُنَا

(6/109)


التي ذبحناها لرسول الله، دعا الله فأحياها لنا، فقالت: أنا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَنَسٍ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ
قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَالْبَاغَنْدِيُّ: ثَنَا شَيْبَانُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بَصْرِيٌّ- وَهُوَ صَاحِبُ الطَّعَامِ- ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: يَا أَنَسُ أَخْبِرْنِي بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ، قَالَ: نَعَمْ يَا ثَابِتُ خَدَمَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سنين فلم يعب عَلَيَّ شَيْئًا أَسَأْتُ فِيهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ قَالَتْ لِي أُمِّي: يَا أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ عَرُوسًا وَلَا أَدْرِي أَصْبَحَ لَهُ غَدَاءٌ فَهَلُمَّ تِلْكَ الْعُكَّةَ، فَأَتَيْتُهَا بِالْعُكَّةِ وَبِتَمْرٍ فَجَعَلَتْ لَهُ حَيْسًا فَقَالَتْ: يَا أَنَسُ اذْهَبْ بِهَذَا إلى نبي الله وَامْرَأَتِهِ، فَلَمَّا أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ ذَلِكَ الحيس قال: دعه ناحية البيت وادع لي أبا بكر وعمرو عليا وَعُثْمَانَ وَنَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ ادْعُ لِيَ أَهْلَ الْمَسْجِدِ وَمَنْ رَأَيْتَ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَعَجَّبُ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ وَمِنْ كَثْرَةِ مَا يَأْمُرُنِي أَنْ أَدْعُوَ النَّاسَ وَكَرِهْتُ أَنْ أَعْصِيَهُ حَتَّى امْتَلَأَ الْبَيْتُ وَالْحُجْرَةُ، فَقَالَ: يَا أَنَسُ هَلْ تَرَى مَنْ أَحَدٍ؟ فَقُلْتُ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هَاتِ ذَلِكَ التَّوْرَ، فَجِئْتُ بِذَلِكَ التَّوْرِ فَوَضَعْتُهُ قُدَّامَهُ، فَغَمَسَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ فِي التَّوْرِ فَجَعَلَ التَّمْرُ يَرْبُو فَجَعَلُوا يتغذون وَيَخْرُجُونَ حَتَّى إِذَا فَرَغُوا أَجْمَعُونَ وَبَقِيَ فِي التور نحو ما جئت به، فقال: ضعه قدام زينب، فخرجت وأسقفت عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ جَرِيدٍ، قَالَ ثَابِتٌ: قُلْنَا: يَا أَبَا حَمْزَةَ كَمْ تَرَى كَانَ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنْ ذَلِكَ التَّوْرِ؟ فَقَالَ:
أَحْسَبُ وَاحِدًا وَسَبْعِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أُنَيْسِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْعُ لي أصحابك من أصحاب الصفة، فجعلت أنبههم رَجُلًا رَجُلًا فَجَمَعْتُهُمْ فَجِئْنَا بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَّا فَأَذِنَ لَنَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَوُضِعَتْ بَيْنَ أَيْدِينَا صَحْفَةٌ أَظُنُّ أَنَّ فِيهَا قَدْرَ مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ، قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا يده وقال: كلوا بسم الله، قل: فَأَكَلْنَا مَا شِئْنَا ثُمَّ رَفَعْنَا أَيْدِيَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين وُضِعَتِ الصَّحْفَةُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَمْسَى فِي آلِ مُحَمَّدٍ طَعَامٌ لَيْسَ تَرَوْنَهُ، قِيلَ لأبى هريرة:
قدركم كَانَتْ حِينَ فَرَغْتُمْ مِنْهَا؟ قَالَ: مِثْلَهَا حِينَ وُضِعَتْ إِلَّا أَنَّ فِيهَا أَثَرَ الْأَصَابِعِ وَهَذِهِ قِصَّةٌ غَيْرُ قِصَّةِ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي شُرْبِهِمُ اللَّبَنَ كَمَا قَدَّمْنَا
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ فِي ذَلِكَ
قَالَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ: ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي

(6/110)


الْوَرْدِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: صَنَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي بَكْرٍ طَعَامًا قَدْرَ مَا يَكْفِيهِمَا فَأَتَيْتُهُمَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، مَا عِنْدِي شَيْءٌ أَزِيدُهُ، قَالَ: فَكَأَنِّي تَثَاقَلْتُ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَجَاءُوا فَقَالَ: اطْعَمُوا، فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ بَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي سِتِّينَ مِنْ أَشْرَافِ الْأَنْصَارِ، قال أبو أيوب: فو الله لَأَنَا بِالسِّتِّينَ أَجْوَدُ مِنِّي بِالثَّلَاثِينَ، قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَبَّعُوا فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ رسول الله وَبَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا، قَالَ: فَاذْهَبْ فَادْعُ لِي تِسْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَلَأَنَا أَجُودُ بِالتِّسْعِينَ وَالسِّتِّينَ مِنِّي بِالثَّلَاثِينَ، قَالَ: فَدَعَوْتُهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى صَدَرُوا ثُمَّ شَهِدُوا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَبَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا، قَالَ: فَأَكَلَ مِنْ طَعَامِي ذَلِكَ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا إِسْنَادًا وَمَتْنًا. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بِهِ.
قِصَّةٌ أُخْرَى فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا سَهْلُ بن الحنظلية، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ أَيَّامًا لَمْ يُطْعَمْ طَعَامًا حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَطَافَ فِي مَنَازِلِ أَزْوَاجِهِ فَلَمْ يُصِبْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَيْئًا، فَأَتَى فَاطِمَةَ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ آكُلُهُ فَإِنِّي جَائِعٌ؟
فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ إِلَيْهَا جَارَّةٌ لَهَا بِرَغِيفَيْنِ وَقِطْعَةِ لَحْمٍ فَأَخَذَتْهُ مِنْهَا فَوَضَعَتْهُ فِي جَفْنَةٍ لَهَا وَغَطَّتْ عَلَيْهَا وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَأُوثِرَنَّ بِهَذَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِي وَمَنْ عِنْدِي، وَكَانُوا جَمِيعًا مُحْتَاجِينَ إِلَى شَبْعَةِ طَعَامٍ، فَبَعَثَتْ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَدْ أَتَى اللَّهُ بِشَيْءٍ فَخَبَّأْتُهُ لَكَ، قَالَ: هَلُمِّي يَا بُنَيَّةُ، فَكَشَفَتْ عَنِ الْجَفْنَةِ فَإِذَا هِيَ مَمْلُوءَةٌ خُبْزًا وَلَحْمًا، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهَا بُهِتَتْ وَعَرَفَتْ أَنَّهَا بَرَكَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَحَمِدَتِ اللَّهَ وَصَلَّتْ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وقدمته إلى رسول الله، فَلَمَّا رَآهُ حَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لك هذا يا بنية؟ قالت: يا أبت هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ:
الْحَمْدُ للَّه الَّذِي جَعَلَكِ يَا بُنَيَّةُ شَبِيهَةَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنَّهَا كَانَتْ إِذَا رَزَقَهَا اللَّهُ شَيْئًا فَسُئِلَتْ عَنْهُ قَالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيٍّ ثُمَّ أَكَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى وَفَاطِمَةُ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ، وَجَمِيعُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ جَمِيعًا حَتَّى شَبِعُوا، قَالَتْ: وَبَقِيَتِ الْجَفْنَةُ كَمَا هِيَ، فَأَوْسَعَتْ بَقِيَّتَهَا عَلَى جَمِيعِ جِيرَانِهَا، وَجَعَلَ اللَّهُ فِيهَا بِرْكَةً وَخَيْرًا كَثِيرًا وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَيْضًا إِسْنَادًا وَمَتْنًا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ البعثة حين

(6/111)


نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214 حديث ربيعة بن ماجد عن على في دعوته عليه السلام بَنِي هَاشِمٍ- وَكَانُوا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ- فَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ طَعَامًا مِنْ مُدٍّ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَتَرَكُوهُ كَمَا هُوَ» وَسَقَاهُمْ مِنْ عُسٍّ شَرَابًا حَتَّى رَوَوْا وَتَرَكُوهُ كَمَا هُوَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ متتابعة، ثم دعاهم إلى الله كَمَا تَقَدَّمَ.
قِصَّةٌ أُخْرَى فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ، قَالَ: فَأَكَلَ وَأَكَلَ الْقَوْمُ فَلَمْ يَزَالُوا يَتَدَاوَلُونَهَا إِلَى قَرِيبٍ مِنَ الظَّهْرِ، يَأْكُلُ قَوْمٌ ثُمَّ يَقُومُونَ وَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَتَعَاقَبُونَهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ كَانَتْ تُمَدُّ بِطَعَامٍ؟ قَالَ: أَمَّا مِنَ الْأَرْضِ فَلَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ كَانَتْ تُمَدُّ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رسول الله أُتِيَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ فَتُعَاقِبُوهَا إِلَى الظُّهْرِ مِنْ غَدْوَةٍ، يَقُومُ نَاسٌ وَيَقْعُدُ آخَرُونَ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ كَانَتْ تُمَدُّ؟ فَقَالَ لَهُ: فمن أين تَعْجَبُ مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَّا مِنْ هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ وَاسْمُهُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ بِهِ
قِصَّةُ قَصْعَةِ بَيْتِ الصِّدِّيقِ وَلَعَلَّهَا هِيَ الْقَصْعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ، ثَنَا أَبُو عُثْمَانَ أنه حدثه عبد الرحمن ابن أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّةً: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ أَوْ كَمَا قَالَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بِثَلَاثَةٍ قَالَ: فَهُوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي: وَلَا أَدْرِي هَلْ قَالَ امْرَأَتِي وخادمي من بَيْتِنَا وَبَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ أَوْ ضَيْفِكَ؟ قَالَ: أَوَ مَا عَشَّيْتِيهِمْ؟ قَالَتْ:
أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ فَقَالَ يَا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ وَقَالَ: كُلُوا [فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا هَنِيئًا] وَقَالَ: لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا، وَاللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلُ: فَنَظَرَ أبو بكر فإذا هي شيء أو أكثر فقال لامرأته [في رواية أخرى: ما هذا] يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ؟ قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عيني هي الْآنَ أَكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلَاثِ مِرَارٍ: فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ، إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ- يَعْنِي يَمِينَهُ- ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً ثُمَّ حملها إلى

(6/112)


النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَمَضَى الْأَجَلُ فعرفنا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ، قَالَ: فَأَكَلُوا مِنْهَا أجمعون أو كما قال وغيرهم يقول: فتفرّقنا هَذَا لَفْظُهُ وَقَدْ رَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ صَحِيحِهِ وَمُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَلٍّ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حازم، ثَنَا مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ فَعُجِنَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً؟ أَوْ قَالَ: أَمْ هَدِيَّةً؟ قَالَ: لَا، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً فَصُنِعَتْ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَوَادِ الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَى، قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ مَا مِنَ الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَةِ إِلَّا قَدْ حَزَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا، إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَّأَ لَهُ، قَالَ: وَجَعَلَ منها قصعتين، قال فأكلنا منهما أَجْمَعُونَ وَشَبِعْنَا وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ فَجَعَلْنَاهُ عَلَى الْبَعِيرِ، أَوْ كَمَا قَالَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ فِي السَّفَرِ
قَالَ الامام أحمد: حدثنا فزارة بن عمر، أَنَا فُلَيْحٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَأَرْمَلَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَاحْتَاجُوا إِلَى الطَّعَامِ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ الْإِبِلِ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِبِلُهُمْ تحملهم وتبلغهم عدوهم ينحرونها؟ ادْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِغُبَّرَاتِ الزَّادِ فَادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، قَالَ: أَجَلْ، فَدَعَا بِغُبَّرَاتِ الزَّادِ فَجَاءَ النَّاسُ بِمَا بَقِيَ مَعَهُمْ، فَجَمَعَهُ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ بِالْبَرَكَةِ وَدَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَمَلْأَهَا وَفَضَلَ فَضْلٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمَا غَيْرَ شَاكٍّ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ الْزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أبيه سُهَيْلٍ بِهِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ سَعِيدٍ، أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- شَكَّ الْأَعْمَشُ- قَالَ: لَمَّا كَانَتْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا؟
فَقَالَ: افْعَلُوا فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلُوا قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ثُمَّ ادْعُ

(6/113)


لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ في ذلك البركة، فأمر رسول الله بنطع فبسط ودعا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ التَّمْرِ وَالْآخِرُ بِالْكِسْرَةِ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطْعِ شيء من ذلك يسير، فدعا عليهم بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ قَالَ: خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ، فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وعاء إلا ملأه، وَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهَا عَبْدٌ غَيْرُ شَاكٍّ فتحتجب عنه الْجَنَّةِ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ سَهْلِ ابن عُثْمَانَ وَأَبِي كُرَيْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سعيد وأبى هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ- هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ- أَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، أَنَا الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَأَصَابَ النَّاسَ مَخْمَصَةٌ فَاسْتَأْذَنَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ بَعْضِ ظُهُورِهِمْ وَقَالُوا: يُبَلِّغُنَا اللَّهُ بِهِ، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ في بحر بَعْضِ ظُهُورِهِمْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِنَا إِذَا نَحْنُ لَقِينَا الْعَدُوَّ غَدًا جِيَاعًا رِجَالًا؟ وَلَكِنْ إِنْ رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَدْعُوَ لَنَا بِبَقَايَا أَزْوَادِهِمْ وَتَجْمَعَهَا ثُمَّ تَدْعُوَ اللَّهَ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُبَلِّغُنَا بدعوتك، أو سَيُبَارِكُ لَنَا فِي دَعْوَتِكَ، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَقَايَا أَزْوَادِهِمْ فَجَعَلَ النَّاسُ يجيئون بالحبة مِنَ الطَّعَامِ وَفَوْقَ ذَلِكَ، فَكَانَ أَعْلَاهُمْ مَنْ جَاءَ بِصَاعٍ مَنْ تَمْرٍ، فَجَمَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ فَدَعَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ ثُمَّ دَعَا الجيش بأوعيتهم وأمرهم أن يحتثوا، فَمَا بَقِيَ فِي الْجَيْشِ وِعَاءٌ إِلَّا مَلَئُوهُ، وَبَقِيَ مِثْلُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنِّي رسول الله، لا يلقى الله عبد يؤمن بِهِمَا إِلَّا حُجِبَتْ عَنْهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الْأَدَمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ- أَظُنُّهُ مَنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أبا حنيس الْغِفَارِيَّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تِهَامَةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بَعُسْفَانَ جَاءَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَهَدَنَا الْجُوعُ فَأْذَنْ لَنَا فِي الظَّهْرِ أَنْ نَأْكُلَهُ، قَالَ: نَعَمْ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ عمر بن الخطاب فجاء رسول الله فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا صَنَعْتَ؟ أَمَرْتَ النَّاسَ أَنْ يَنْحَرُوا الظَّهْرَ فَعَلَى مَا يَرْكَبُونَ؟ قال: فما ترى يا ابن الْخَطَّابِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَأْمُرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ فَتَجْمَعَهُ فِي ثَوْبٍ ثُمَّ تَدْعُوَ لهم،

(6/114)


فأمرهم فجمعوا فَضْلَ أَزْوَادِهِمْ فِي ثَوْبٍ ثُمَّ دَعَا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ: ائْتُوا بِأَوْعِيَتِكُمْ، فَمَلَأَ كُلُّ إِنْسَانٍ وِعَاءَهُ، ثُمَّ أَذِنَ بِالرَّحِيلِ، فَلَمَّا جَاوَزَ مُطِرُوا فَنَزَلَ وَنَزَلُوا مَعَهُ وَشَرِبُوا مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ فَجَاءَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَجَلَسَ اثْنَانِ مَعَ رَسُولِ الله وذهب الآخر معرضا، فقال رسول الله: أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أَمَّا وَاحِدٌ فاستحى من الله فاستحى اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَقْبَلَ تَائِبًا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْآَخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَى أَبُو حنيس إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَدْ رَوَاهُ البيهقي عن الْحُسَيْنِ بْنِ بِشْرَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ: ثنا إسحاق بن الحسن الخرزي، أنا أبو رَجَاءٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ إبراهيم ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ربيعة أنه سمع أبا حنيس الْغِفَارِيَّ فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يعلى: ثنا ابن هِشَامٍ- مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ-، ثَنَا ابْنُ فضل، ثَنَا يَزِيدُ- وَهُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ- عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزَاةٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْعَدُوَّ قد حضروهم شِبَاعٌ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: أَلَا نَنْحَرُ نَوَاضِحَنَا فَنُطْعِمَهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ طَعَامٍ فَلْيَجِئْ بِهِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْمُدِّ وَالصَّاعِ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، فَكَانَ جَمِيعُ مَا فِي الْجَيْشِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ صَاعًا، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِهِ فَدَعَا بِالْبَرَكَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا وَلَا تَنْتَهِبُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ فِي جِرَابِهِ وَفِي غِرَارَتِهِ، وَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى إِنِ الرَّجُلَ لَيَرْبِطُ كُمَّ قَمِيصِهِ فَيَمْلَؤُهُ، فَفَرَغُوا وَالطَّعَامُ كَمَا هُوَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ الله، لا يأتى بها عَبْدٌ مُحِقٌّ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ حَرَّ النَّارِ وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطَّالْقَانِيِّ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ فَذَكَرَهُ. وَمَا قَبْلَهُ شَاهِدٌ لَهُ بِالصِّحَّةِ كَمَا أَنَّهُ مُتَابِعٌ لِمَا قَبْلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الحضرميّ القاري، ثَنَا عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة خَيْبَرَ فَأَمَرَنَا أَنْ نَجْمَعَ مَا فِي أَزْوَادِنَا- يعنى من التمر- فبسط نطعا نشرنا عَلَيْهِ أَزْوَادَنَا قَالَ: فَتَمَطَّيْتُ فَتَطَاوَلْتُ فَنَظَرْتُ فَحَزَرْتُهُ كَرَبْضَةَ شَاةٍ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِائَةً قَالَ: فَأَكَلْنَا ثُمَّ تَطَاوَلْتُ فَنَظَرْتُ فَحَزَرْتُهُ كَرُبْضَةِ شَاةٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل من وضوء؟ قال: فجاء رجل بنقطة في إداوته، قَالَ: فَقَبَضَهَا فَجَعَلَهَا فِي قَدَحٍ، قَالَ: فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا نُدَغْفِقُهَا دَغْفَقَةً وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِائَةً قَالَ فَجَاءَ أُنَاسٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا وَضُوءَ؟ فَقَالَ: قَدْ فَرَغَ الْوَضُوءُ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ

(6/115)


السُّلَمِيِّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسٍ عَنْ أَبِيهِ سَلَمَةَ، وَقَالَ: فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا ثُمَّ حَشَوْنَا جُرُبَنَا وَتَقَدَّمَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ أَنَّهُ قَدْ حُدِّثَ أَنَّ ابْنَةً لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ- أُخْتِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ- قَالَتْ: دَعَتْنِي أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ فأعطتنى جفنة مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي ثُمَّ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ، اذْهَبِي إِلَى أَبِيكِ وَخَالِكِ عَبْدِ اللَّهِ بِغَدَائِهِمَا قَالَتْ: فَأَخَذْتُهَا فَانْطَلَقْتُ بِهَا فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي، فَقَالَ: تَعَالَيْ يَا بُنَيَّةُ، مَا هَذَا مَعَكِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا تَمْرٌ بَعَثَتْنِي بِهِ أُمِّي إِلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدَّيَانِهِ فَقَالَ: هَاتِيهِ، قَالَتْ: فَصَبَبْتُهُ فِي كَفَّيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا مَلَأَتْهُمَا ثُمَّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُسِطَ لَهُ ثم دعا بالتمر فنبذ فَوْقَ الثَّوْبِ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ عِنْدَهُ: اصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ أَنْ هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَجَعَلَ يَزِيدُ حَتَّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ وَإِنَّهُ لِيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ.
قِصَّةُ جَابِرٍ ودين أبيه وتكثيره عليه السلام التمر
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا زَكَرِيَّا، حَدَّثَنِي عَامِرٌ، حَدَّثَنِي جَابِرٌ أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ فَانْطَلِقْ مَعِيَ لِكَيْلَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ، فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ فَدَعَا ثُمَّ آخَرَ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ: انْزِعُوهُ فَأَوْفَاهُمُ الَّذِي لَهُمْ وَبَقِيَ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُمْ هَكَذَا رَوَاهُ هُنَا مُخْتَصَرًا. وَقَدْ أَسْنَدَهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ بِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ جَابِرٍ بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ بِبَرَكَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَائِهِ لَهُ وَمَشْيِهِ فِي حَائِطِهِ وَجُلُوسِهِ عَلَى تَمْرِهِ وَفَّى اللَّهُ دَيْنَ أَبِيهِ، وَكَانَ قَدْ قُتِلَ بِأَحَدٍ، وَجَابِرٌ كَانَ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَلَا مَا بَعْدَهُ، وَمَعَ هَذَا فَضَلَ لَهُ مِنَ التَّمْرِ أكثر فَوْقَ مَا كَانَ يُؤَمِّلُهُ وَيَرْجُوهُ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
قِصَّةُ سَلْمَانَ
[[1] فِي تَكْثِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم تلك الْقِطْعَةَ مِنَ الذَّهَبِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ فِي مُكَاتَبَتِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ- رَجُلٌ مَنْ عَبْدِ الْقَيْسِ- عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: لَمَّا قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِنَ الَّذِي عَلِيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلَّبَهَا عَلَى لِسَانِهِ ثُمَّ قَالَ: خُذْهَا فَأَوْفِهِمْ مِنْهَا، فَأَخَذْتُهَا فَأَوْفَيْتُهُمْ مِنْهَا حَقَّهُمْ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً] .
ذِكْرُ مِزْوَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَمْرِهِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ- يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ- عَنِ الْمُهَاجِرِ عن أبى العالية
__________
[1] كل ما بين الأقواس المربعة في هذه الملزمة زيادة من التيمورية.

(6/116)


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بتمرات فقال: ادْعُ اللَّهَ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ قَالَ:
فَصَفَّهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ دَعَا فَقَالَ لِي: اجْعَلْهُنَّ فِي مِزَوَدٍ وَأَدْخِلْ يَدَكَ وَلَا تَنْثُرْهُ قَالَ: فحملت منه كذا كذا وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَنَأْكُلُ وَنُطْعِمُ وَكَانَ لَا يُفَارِقُ حِقْوِي. فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْقَطَعَ عَنْ حِقْوِي فَسَقَطَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الْقَزَّازِ الْبَصْرِيِّ عن حماد بن زيد عن المهاجر عن أَبِي مَخْلَدٍ عَنْ رُفَيْعٍ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى ابن عباس القطان، ثنا حفص بن عمر، ثَنَا سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو زِيَادٍ، ثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَأَصَابَهُمْ عَوَزٌ مِنَ الطَّعَامِ فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: قُلْتُ شَيْءٌ مِنْ تَمْرٍ فِي مزود لي، قال: جيء بِهِ، قَالَ: فَجِئْتُ بِالْمِزْوَدِ، قَالَ: هَاتِ نِطْعًا، فَجِئْتُ بِالنِّطْعِ فَبَسَطْتُهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَبَضَ عَلَى التمر فإذا هو واحد وعشرون، فَجَعَلَ يَضَعُ كُلَّ تَمْرَةٍ وَيُسَمِّي حَتَّى أَتَى عَلَى التَّمْرِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَجَمَعَهُ، فَقَالَ: ادْعُ فَلَانًا وَأَصْحَابَهُ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَخَرَجُوا، ثم قال: ادْعُ فَلَانًا وَأَصْحَابَهُ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ فَلَانًا وَأَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَخَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ فَلَانًا وَأَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا وَخَرَجُوا، وَفَضَلَ، ثُمَّ قَالَ لِي:
اقْعُدْ، فَقَعَدْتُ فَأَكَلَ وَأَكَلْتُ، قَالَ: وَفَضَلَ تَمْرٌ فَأَدْخَلْتُهُ فِي الْمِزْوَدِ وَقَالَ لِي: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِذَا أَرَدْتَ شَيْئًا فَأَدْخِلْ يَدَكَ وَخُذْهُ وَلَا تكفى فيكفى عَلَيْكَ، قَالَ: فَمَا كُنْتُ أُرِيدُ تَمْرًا إِلَّا أَدْخَلْتُ يَدِي فَأَخَذْتُ مِنْهُ خَمْسِينَ وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: وَكَانَ مُعَلَّقًا خَلْفَ رَحْلِي فَوَقَعَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ فَذَهَبَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَسْلَمَ الْعَدَوِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُصِبْتُ بِثَلَاثِ مُصِيبَاتٍ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ أُصَبْ بِمِثْلِهِنَّ: مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ صُوَيْحِبَهُ، وَقَتْلِ عُثْمَانَ، وَالْمِزْوَدِ، قَالُوا: وَمَا الْمِزْوَدُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَمَعَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: قُلْتُ تمر في مزود، قال: جيء بِهِ، فَأَخْرَجْتُ تَمْرًا فَأَتَيْتُهُ بِهِ، قَالَ: فَمَسَّهُ وَدَعَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ: ادْعُ عَشَرَةً، فَدَعَوْتُ عَشَرَةً فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى أَكَلَ الْجَيْشُ كُلُّهُ وَبَقِيَ مِنْ تَمْرٍ مَعِي فِي الْمِزْوَدِ، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَأَدْخِلْ يَدَكَ فيه ولا تكفه قَالَ: فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ كُلَّهَا، وَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ عُمَرَ كُلَّهَا، وَأَكَلْتُ مِنْهُ حَيَاةَ عُثْمَانَ كُلَّهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْتُهِبَ مَا فِي يَدِي وَانْتُهِبَ الْمِزْوَدُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ كَمْ أَكَلْتُ مِنْهُ؟ أَكَلْتُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ وَسْقٍ

(6/117)


طَرِيقٌ أُخْرَى
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ- يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ- عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ تَمْرٍ فَجَعَلْتُهُ فِي مِكْتَلٍ فَعَلَّقْنَاهُ فِي سَقْفِ الْبَيْتِ فَلَمْ نَزَلْ نَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى كَانَ آخِرُهُ أَصَابَهُ أَهْلُ الشَّامِ حَيْثُ أَغَارُوا بالمدينة تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ
حَدِيثٌ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سارية في ذلك
رواه الحافظ بن عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ العرباض قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَرَأَيْنَا ليلة ونحن بتبوك أو ذهبنا لِحَاجَةٍ فَرَجَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَعَشَّى وَمَنْ عِنْدَهُ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، وَطَلَعَ جُعَالُ بن سراقة وعبد الله بن معقل الْمُزَنِيُّ، فَكُنَّا ثَلَاثَةً كُلُّنَا جَائِعٌ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ فَطَلَبَ شَيْئًا نَأْكُلُهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَنَادَى بلالا: هل من شيء؟ فأخذ الجرب ينقفها فَاجْتَمَعَ سَبْعُ تَمَرَاتٍ فَوَضَعَهَا فِي صَحْفَةٍ وَوَضَعَ عليهنّ يده وسمى الله وقال: كلوا باسم الله، فأكلنا، فأحصيت أربعا وخمسين تمرة، كلها أَعُدُّهَا وَنَوَاهَا فِي يَدِي الْأُخْرَى وَصَاحِبَايَ يَصْنَعَانِ مَا أَصْنَعُ، فَأَكَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسِينَ تَمْرَةً، كلها أَعُدُّهَا وَنَوَاهَا فِي يَدِي الْأُخْرَى وَصَاحِبَايَ يَصْنَعَانِ مَا أَصْنَعُ، فَأَكَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسِينَ تَمْرَةً، وَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا فَإِذَا التَّمَرَاتُ السَّبْعُ كَمَا هُنَّ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ ارْفَعْهُنَّ فِي جِرَابِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ وَضَعَهُنَّ فِي الصَّحْفَةِ وَقَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا وَإِنَّا لَعَشَرَةٌ ثُمَّ رَفَعْنَا أَيْدِيَنَا وَإِنَّهُنَّ كَمَا هُنَّ سَبْعٌ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لأكلت من هذه التمرات حتى نرد إلى الْمَدِينَةَ عَنْ آخِرِنَا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ طَلَعَ غُلَيِّمٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَدَفَعَهُنَّ إِلَى ذلك الغلام فانطلق يلوكهن]
حَدِيثٌ آخَرُ
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ:
لَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا في بيتي شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ.
حَدِيثٌ آخَرُ
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ مَعْقِلٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا حَتَّى كَالَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أُمَّ مَالِكٍ كَانَتْ تُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عُكَّتِهَا سَمْنًا فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ وَلَيْسَ عندها شيء فتعمد إلى التي كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا فَمَا زال

(6/118)


يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهَا، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَعَصَرْتِيهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَوْ تَرِكَتِيهَا مَا زالت قائمة وَقَدْ رَوَاهُمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُوسَى عَنِ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ،
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، ثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا يونس بن يزيد، ثنا ابن إسحاق عن سعيد بن الحرث بن عكرمة عن جده نوفل بن الحرث بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ اسْتَعَانَ رَسُولَ اللَّهِ فِي التَّزْوِيجِ فَأَنْكَحَهُ امْرَأَةً فَالْتَمَسَ شَيْئًا فَلَمْ يَجِدْهُ فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا رافع وأبا أيوب بدرعه فرهناها عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَدَفَعَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَطَعِمْنَا مِنْهُ نِصْفَ سَنَةٍ ثُمَّ كِلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَمَا أَدْخَلْنَاهُ، قَالَ نَوْفَلٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتَ مِنْهُ مَا عِشْتَ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْفَهَانِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامٍ- يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ- عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَهْلَهُ فَرَأَى مَا بِهِمْ مِنَ الْحَاجَةِ، فَخَرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اللَّهمّ ارْزُقْنَا مَا نَعْتَجِنُ وَنَخْتَبِزُ، قَالَ: فَإِذَا الْجَفْنَةُ مَلْأَى خَمِيرًا وَالرَّحَا تَطْحَنُ وَالتَّنُّورُ مَلْأَى خُبْزًا وَشِوَاءً، قَالَ: فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَالَ: عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ رِزْقُ اللَّهِ، فَرَفَعَ الرَّحَا فَكَنَسَ مَا حَوْلَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ تَرَكَهَا لَدَارَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بن عبيد الصفار، ثنا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، ثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ الله ابن صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ ذَا حَاجَةٍ فَخَرَجَ وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِهِ شَيْءٌ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: لو حَرَّكْتُ رَحَايَ وَجَعَلْتُ فِي تَنُّورِي سَعَفَاتٍ فَسَمِعَ جِيرَانِي صَوْتَ الرَّحَا وَرَأَوُا الدُّخَانَ فَظَنُّوا أَنَّ عِنْدَنَا طَعَامًا وَلَيْسَ بِنَا خَصَاصَةٌ؟
فَقَامَتْ إِلَى تَنُّورِهَا فَأَوْقَدَتْهُ وَقَعَدَتْ تُحَرِّكُ الرَّحَا، قَالَ: فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا وَسَمِعَ الرَّحَا فَقَامَتْ إِلَيْهِ لِتَفْتَحَ لَهُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَاذَا كُنْتِ تَطْحَنِينَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَخَلَا وَإِنَّ رَحَاهُمَا لَتَدُورُ وَتَصُبُّ دَقِيقًا، فَلَمْ يَبْقَ في البيت وعاء إلا مليء، ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى تَنُّورِهَا فَوَجَدَتْهُ مَمْلُوءًا خُبْزًا، فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَتِ الرَّحَا؟ قَالَ: رَفَعْتُهَا وَنَفَضْتُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ تَرَكْتُمُوهَا مَا زَالَتْ لَكُمْ حَيَاتِي، أَوْ قَالَ حَيَاتُكُمْ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ سَنَدًا وَمَتْنًا.
حَدِيثٌ آخَرُ
وَقَالَ: مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَافَهُ ضَيْفٌ

(6/119)


كَافِرٌ فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلَابَهَا حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ المسلم يشرب في معا وَاحِدٍ، وَالْكَافِرَ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنِي محمد ابن الفضل بن حاتم، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْأَوَّلِ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، ثَنَا الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ضَافَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ، قَالَ: فَطَلَبُ لَهُ شَيْئًا فَلَمْ يَجِدْ إِلَّا كِسْرَةً فِي كُوَّةٍ قَالَ: فَجَزَّأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْزَاءً وَدَعَا عَلَيْهَا وَقَالَ: كُلْ! قَالَ فأكل فأفضل. قَالَ فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ لَرَجُلٌ صَالِحٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْلِمْ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَرَجُلٌ صَالِحٌ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ وَفِيمَا ذَكَرَ عَبْدَانُ الْأَهْوَازِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْبُرْجُمِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أضاف النبي صلّى الله عليه وسلّم ضيف، فَأَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِهِ يَبْتَغِي عِنْدَهُنَّ طَعَامًا فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ: اللَّهمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا أَنْتَ، قَالَ: فَأُهْدِيَتْ لَهُ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ فَقَالَ: هَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَانَ الْأَهْوَازِيُّ عَنْهُ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ عَنْ زبيد مرسلا، حدثناه محمد ابن عبدان حدثنا أبى، ثنا الحسن بن الحرث الْأَهْوَازِيُّ، أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، ثَنَا أبو عمر بْنُ حَمْدَانَ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ بِشْرِ بْنِ السَّرْحِ، ثنا الوليد بن سليمان ابن أَبِي السَّائِبِ، ثَنَا وَاثِلَةُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: حَضَرَ رَمَضَانُ وَنَحْنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ فَصُمْنَا فَكُنَّا إِذَا أَفْطَرْنَا أَتَى كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْعَةِ فَانْطَلَقَ بِهِ فَعَشَّاهُ فَأَتَتْ عَلَيْنَا لَيْلَةً لَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ وَأَصْبَحْنَا صباحا، وَأَتَتْ عَلَيْنَا الْقَابِلَةُ فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِنَا، فَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ يَسْأَلُهَا هَلْ عِنْدَهَا

(6/120)


شَيْءٌ فَمَا بَقِيَتْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا أَرْسَلَتْ تُقْسِمُ مَا أَمْسَى فِي بَيْتِهَا مَا يَأْكُلُ ذُو كَبِدٍ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعُوا فَدَعَا وَقَالَ: اللَّهمّ إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنها بيدك لا يملكها أَحَدٌ غَيْرُكَ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا وَمُسْتَأْذِنٌ يَسْتَأْذِنُ فَإِذَا بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ وَرُغُفٍ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوُضِعَتْ بَيْنَ أَيْدِينَا فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَأَلَنَا اللَّهَ مَنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ فَهَذَا فَضْلُهُ وَقَدْ ادخر لَنَا عِنْدَهُ رَحْمَتَهُ.
حَدِيثُ الذِّرَاعِ
قَالَ الْإِمَامُ أحمد: حدثنا إسماعيل، ثنا يحيى بن إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي مَجْلِسِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي فَلَانٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِطَعَامٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَقَالَ: نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَنُووِلَ ذِرَاعًا قَالَ يَحْيَى: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا هَكَذَا، ثُمَّ قَالَ: نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ، فَنُووِلَ ذِرَاعًا فَأَكَلَهَا ثُمَّ قَالَ:
نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُمَا ذِرَاعَانِ، فَقَالَ وَأَبِيكَ لَوْ سَكَتَّ مَا زِلْتُ أُنَاوَلُ مِنْهَا ذِرَاعًا مَا دَعَوْتُ بِهِ، فَقَالَ سَالِمٌ: أَمَّا هَذِهِ فَلَا، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ هَكَذَا وَقَعَ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ عَنْ مُبْهَمٍ عَنْ مِثْلِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ- يَعْنِي الرَّازِيَّ- عَنْ شُرَحْبِيلَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أُهْدِيَتْ لَهُ شَاةٌ فَجَعَلَهَا فِي الْقِدْرِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أَبَا رَافِعٍ؟ قَالَ: شَاةٌ أُهْدِيَتْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَطَبَخْتُهَا فِي الْقِدْرِ، فَقَالَ: نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ يَا أَبَا رَافِعٍ، فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ، ثُمَّ قَالَ: نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الْآخَرَ فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ الْآخَرَ، ثُمَّ قَالَ:
نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ الْآخَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا لِلشَّاةِ ذِرَاعَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي ذِرَاعًا فَذِرَاعًا مَا سَكَتَّ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ فَاهً وَغَسَلَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمْ فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ لَحْمًا بَارِدًا فَأَكَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، ثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَمَّتِهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صُنِعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ فَأُتِيَ بِهَا فَقَالَ لِي: يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ، فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ لِلشَّاةِ إِلَّا ذِرَاعَانِ؟! فَقَالَ: لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي مِنْهَا مَا دَعَوْتُ بِهِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الذِّرَاعَ، قُلْتُ: وَلِهَذَا لَمَّا عَلِمَتِ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ لِعَائِنُ اللَّهِ بِخَيْبَرَ سَمُّوهُ فِي الذِّرَاعِ فِي تِلْكَ الشَّاةِ الَّتِي أَحْضَرَتْهَا زَيْنَبُ الْيَهُودِيَّةُ فَأَخْبَرَهُ الذِّرَاعُ بِمَا فِيهِ مِنَ السُّمِّ، لَمَّا نَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً، كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مَبْسُوطًا.

(6/121)


طَرِيقٌ أُخْرَى
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا زَيْدُ بن الحباب، حدثني قائد مولى عبيد الله بن أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بِشَاةٍ فِي مِكْتَلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِلشَّاةِ إِلَّا ذِرَاعَانِ؟ فَقَالَ: لَوْ سَكَتَّ سَاعَةً نَاوَلْتَنِيهِ مَا سألتك فيه انقطاع من هذا الوجه وقال أَبُو يَعْلَى أَيْضًا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا قائد مَوْلَى عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ أَنَّ جَدَّتَهُ سَلْمَى أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ بِشَاةٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِيمَا أَعْلَمُ، فَصَلَّاهَا أَبُو رَافِعٍ لَيْسَ مَعَهَا خُبْزٌ ثُمَّ انْطَلَقَ بِهَا، فلقيه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا مِنَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ ضَعِ الَّذِي مَعَكَ، فَوَضَعَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ:
يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ فَنَاوَلْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِلشَّاةِ غَيْرُ ذِرَاعَيْنِ؟ فَقَالَ: لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي مَا سَأَلْتُكَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
ثَنَا الضَّحَّاكُ، ثَنَا ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ شَاةً طُبِخَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْطِنِي الذِّرَاعَ، فَنَاوَلْتُهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: أَعْطِنِي الذِّرَاعَ فَنَاوَلْتُهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ: أَعْطِنِي الذِّرَاعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا لِلشَّاةِ ذِرَاعَانِ، قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوِ الْتَمَسْتَهَا لَوَجَدْتَهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْإِمَامُ أحمد: حدثنا وكيع عَنْ دُكَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ الْخَثْعَمِيِّ، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ وَأَرْبَعُمِائَةٍ نَسْأَلُهُ الطَّعَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: قُمْ فَأَعْطِهِمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا مَا يُقَيِّظُنِي وَالصِّبْيَةَ، قَالَ وَكِيعٌ: الْقَيْظُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، قَالَ: قُمْ فَأَعْطِهِمْ، قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمْعًا وَطَاعَةً، قَالَ: فَقَامَ عمرو قمنا مَعَهُ فَصَعِدَ بِنَا إِلَى غَرْفَةٍ لَهُ فَأَخْرَجَ الْمِفْتَاحَ مَنْ حُجْزَتِهِ فَفَتَحَ الْبَابَ، قَالَ دُكَيْنٌ: فَإِذَا فِي الْغُرْفَةِ مِنَ التَّمْرِ شَبِيهٌ بِالْفَصِيلِ الرَّابِضِ، قَالَ: شَأْنُكُمْ، قَالَ:
فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حَاجَتَهُ مَا شَاءَ ثُمَّ الْتَفَتَ وَإِنِّي لَمِنْ آخِرِهِمْ فَكَأَنَّا لَمْ نَرْزَأْ مِنْهُ تَمْرَةً ثم رواه أحمد عن محمد ويعلى أبى عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ- وَهُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ- عَنْ قَيْسٍ- وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ- عَنْ دُكَيْنٍ بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مُطَرِّفٍ الرُّوَاسِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، ثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا لبعض الأنصار فإذا هو بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ أَرْوَيْتُ حَائِطَكَ هَذَا؟ قَالَ: إِنِّي أَجْهَدُ أَنْ أُرْوِيَهُ فَمَا أَطِيقُ ذَلِكَ، فقال

(6/122)


لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَجْعَلُ لِي مِائَةَ تَمْرَةٍ أَخْتَارُهَا مِنْ تَمْرِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَرْبَ، فَمَا لَبِثَ أَنْ أَرَوَاهُ حَتَّى قَالَ الرَّجُلُ: غَرِقَتْ حَائِطِي، فَاخْتَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَمْرِهِ مِائَةَ تَمْرَةٍ، قَالَ:
فَأَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ مِائَةَ تَمْرَةٍ، كَمَا أَخَذَهَا هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ أَوَّلِ تَارِيخِهِ بسنده عن على بن عبد العزير الْبَغَوِيِّ، كَمَا أَوْرَدْنَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ إِسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّخِيلِ الَّتِي غَرَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ لِسَلْمَانَ فَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ، بَلْ أَنْجَبَ الْجَمِيعُ وَكُنَّ ثَلَاثَمِائَةٍ، وَمَا كَانَ مِنْ تَكْثِيرِهِ الذَّهَبَ حِينَ قَلَّبَهُ عَلَى لِسَانِهِ الشَّرِيفِ حَتَّى قَضَى مِنْهُ سَلْمَانُ ما كان عليه من نجوم كتابته وَعَتَقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
بَابُ انْقِيَادِ الشَّجَرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي حَرْزَةَ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، وَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي فَانْطَلَقَ إِلَى إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، وَقَالَ: انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا وَقَالَ: انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمُنْتَصِفِ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَأَمَ بَيْنَهُمَا- يَعْنِي جَمَعَهُمَا-، وَقَالَ: الْتَئِمَا عَلِيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَالْتَأَمَتَا، قَالَ جَابِرٌ:
فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ بِقُرْبِي فيبعد، فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَإِذَا أنا برسول الله مقبل وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا وَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله وَقَفَ وَقْفَةً وَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا يَمِينًا وَشِمَالًا وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي قِصَّةِ الْمَاءِ وَقِصَّةِ الْحُوتِ الَّذِي دَسَرَهُ الْبَحْرُ كَمَا تَقَدَّمَ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ- وَهُوَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ جَالِسٌ حزين قد خضب بالدماء من ضَرَبَهُ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: مالك؟ فَقَالَ: فَعَلَ بِيَ هَؤُلَاءِ وَفَعَلُوا، قَالَ: فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ أَتُحِبُّ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً؟ قَالَ: فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى شَجَرَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْوَادِي فَقَالَ: ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ، فَدَعَاهَا قَالَ: فَجَاءَتْ تَمَشِي حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ فَأَمَرَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبِي وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يَرَوِهِ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ

(6/123)


عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
حَدِيثٌ آخَرُ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عن أَبِي رَافِعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ عَلَى الْحَجُونِ كَئِيبًا لَمَّا آَذَاهُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ: اللَّهمّ أَرِنِي الْيَوْمَ آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا، قَالَ: فَأُمِرَ فَنَادَى شَجَرَةً من قبل عقبة الْمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ، قَالَ:
ثُمَّ أَمَرَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَوْضِعِهَا، قَالَ: فَقَالَ: مَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا مِنْ قَوْمِي ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَا: ثَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بكير عن مبارك ابن فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَعْضِ شِعَابِ مَكَّةَ وَقَدْ دَخَلَهُ مِنَ الْغَمِّ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ إِيَّاهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرِنِي مَا أَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ وَيُذْهِبُ عَنِّي هَذَا الْغَمَّ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: ادْعُ إِلَيْكَ أَيَّ أَغْصَانِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شِئْتَ، قَالَ: فَدَعَا غُصْنًا فَانْتُزِعَ مِنْ مَكَانِهِ ثُمَّ خَدَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ له رسول الله: ارجع إلى مكانك، فرجع فحمد الله رسول الله وطابت نفسه، وَكَانَ قَدْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: أَفْضَلْتَ أَبَاكَ وَأَجْدَادَكَ يا محمد، فأنزل الله: «أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ» 39: 64 الآيات قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا الْمُرْسَلُ يَشْهَدُ لَهُ مَا قَبْلَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ- وَهُوَ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدَبٍ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرِنِي الْخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْكَ فَإِنِّي مِنْ أَطَبِّ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُرِيكَ آيَةً؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى نَخْلَةٍ فَقَالَ: ادع ذلك العذق، فدعاه فجاء ينقز بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: يَا آلَ بَنِي عَامِرٍ، مَا رأيت كاليوم رجلا أسحر مِنْ هَذَا هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي طِبًّا وَعِلْمًا فَمَا تَشْتَكِي؟ هَلْ يُرِيبُكَ مِنْ نَفْسِكَ شيء إلى ما تَدْعُو؟ قَالَ: أَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَالْإِسْلَامِ، قَالَ: فَإِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلًا فَهَلْ لَكَ مِنْ آيَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ آيَةً، وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَجَرَةٌ، فَقَالَ لِغُصْنٍ مِنْهَا:
تَعَالَ يَا غُصْنُ، فَانْقَطَعَ الْغُصْنُ مِنَ الشَّجَرَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَنْقُزُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ فَرَجَعَ، فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: يَا آلَ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ لَا أَلُومُكَ عَلَى شَيْءٍ قلته أبدا [وهذا يقتضي أنه سالم الْأَمْرَ وَلَمْ يُجِبْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ] وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ، ثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ

(6/124)


أَبِي الْجَعْدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رسول الله فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي يَقُولُ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ:
وحول رسول الله أعذاق وشجر، قال: فقال رسول الله: هَلْ لَكَ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا عِذْقًا مِنْهَا فَأَقْبَلَ يَخُدُّ الْأَرْضَ حتى وقف بين يديه يَخُدُّ الْأَرْضَ وَيَسْجُدُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى وَقَفَ بين يديه ثم أمره فرجع، قال: الْعَامِرِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: يَا آلَ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَاللَّهِ لَا أُكَذِّبُهُ بِشَيْءٍ يَقُولُهُ أَبَدًا.
طَرِيقٌ أُخْرَى فِيهَا أَنَّ الْعَامِرِيَّ أَسْلَمَ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَنَا أبو على حامد بن محمد بن ألوفا، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، أَنَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بِمَا أَعْرِفُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَدَعَا الْعِذْقَ فَجَعَلَ العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الْأَرْضِ فَجَعَلَ يَنْقُزُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْجِعْ، فَرَجَعَ حَتَّى عَادَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَآمَنَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سعيد الأصبهاني، قلت: وَلَعَلَّهُ قَالَ أَوَّلًا أَنَّهُ سُحِرَ ثُمَّ تَبَصَّرَ لِنَفْسِهِ فَأَسْلَمَ وَآمَنَ لِمَا هَدَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله الوراق، أنا الحسين بْنُ سُفْيَانَ أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ الْجُعْفِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سَفَرٍ فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ له رسول الله: أَيْنَ تُرِيدُ؟
قَالَ: إِلَى أَهْلِي، قَالَ: هَلْ لَكَ إِلَى خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: هَلْ مَنْ شَاهِدٍ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّجَرَةُ، فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ عَلَى شَاطِئِ الْوَادِي فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ خَدًّا، فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلَاثًا فَشَهِدَتْ أَنَّهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ إِنَّهَا رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا وَرَجَعَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: إِنْ يَتَّبِعُونِي أَتَيْتُكَ بِهِمْ وَإِلَّا رَجَعْتُ إِلَيْكَ وَكُنْتُ مَعَكَ وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَلَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَاللَّهُ أعلم.
باب حنين الجذع شَوْقًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَقًا مِنْ فِرَاقِهِ
وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ وَفُرْسَانِ هَذَا الْمَيْدَانِ.
الحديث الأول عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ محمد، قال:

(6/125)


أَخْبَرَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى إلى جذع نخلة إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ أَنْ نَجْعَلَ لَكَ منبرا تقوم عليه يوم الجمعة فتسمع الناس خُطْبَتَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَنَعَ لَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ هُنَّ اللَّاتِي عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ ووضع مَوْضِعَهُ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَدَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُومَ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْبَرِ فَيَخْطُبَ عَلَيْهِ، فَمَرَّ إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاوَزَ ذَلِكَ الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَيْهِ خَارَ حَتَّى تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أخذ ذلك الجذع أبى بن كعب رضى الله تعالى عنه، فكان عنده حَتَّى بَلِيَ وَأَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ وَعَادَ رُفَاتًا وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ الطُّفَيْلِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَذَكَرَهُ.
وَعِنْدَهُ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ حَتَّى سَكَنَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَّى إِلَيْهِ، وَالْبَاقِي مِثْلُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ بِهِ.
الْحَدِيثُ الثاني عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ: ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، ثَنَا إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ يُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى جِذْعٍ منصوب في المسجد يخطب النَّاسَ، فَجَاءَهُ رُومِيٌّ فَقَالَ: أَلَا أَصْنَعُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَأَنَّكَ قَائِمٌ؟ فَصَنَعَ لَهُ منبرا دَرَجَتَانِ وَيَقْعُدُ عَلَى الثَّالِثَةِ، فَلَمَّا قَعَدَ نَبِيُّ الله على المنبر خار كَخُوَارِ الثَّوْرِ ارْتَجَّ لِخُوَارِهِ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ الله، فنزل إليه رسول الله مِنَ الْمِنْبَرِ فَالْتَزَمَهُ وَهُوَ يَخُورُ فَلَمَّا الْتَزَمَهُ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَلْتَزِمْهُ لَمَا زَالَ هَكَذَا حَتَّى يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُزْنًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُفِنَ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ بِهِ وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: ثَنَا هُدْبَةُ، ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ، فَحَنَّ فَجَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، وَقَالَ: لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ وَعَنْ حَمَّادٌ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ ابْنِ عباس بِهِ وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.

(6/126)


طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، ثَنَا الْمُبَارَكُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ يُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ: ابْنُوا لِي مِنْبَرًا- أَرَادَ أَنْ يُسْمِعَهُمْ- فَبَنَوْا لَهُ عَتَبَتَيْنِ، فَتَحَوَّلَ مِنَ الْخَشَبَةِ إِلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ: فَأَخْبَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْخَشَبَةَ تَحِنُّ حَنِينَ الْوَالِهِ، قَالَ: فَمَا زَالَتْ تَحِنُّ حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِنْبَرِ، فَمَشَى إِلَيْهَا فَاحْتَضَنَهَا فَسَكَنَتْ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ عَنْ مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَهُ وَزَادَ: فَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى ثُمَّ قَالَ: يَا عِبَادَ اللَّهِ الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ شَوْقًا إِلَيْهِ لِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى لِقَائِهِ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَيَّاطِ عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ، ثَنَا يَعْلَى بْنُ عَبَّادٍ، ثَنَا الْحَكَمِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب إلى جذع فَحَنَّ الْجِذْعُ فَاحْتَضَنَهُ وَقَالَ: لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب إلى جذع نخلة قال: فقالت امرأة من الأنصار- وكان لَهَا غُلَامٌ نَجَّارٌ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا أَفَآمُرُهُ أَنْ يَتَّخِذَ لَكَ مِنْبَرًا تَخْطُبُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَاتَّخَذَ لَهُ مِنْبَرًا، قَالَ:
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ: فَأَنَّ الْجِذْعُ الَّذِي كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ كَمَا يَئِنُّ الصَّبِيُّ، فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ مِنَ الذِّكْرِ هَكَذَا رَوَاهُ أحمد، وقد قال البخاري: ثنا عبد الواحد ابن أَيْمَنَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ، فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النبي صلّى الله عليه وسلّم فضمه إليه يئن أَنِينَ الصَّبِيِّ، الَّذِي يُسَكَّنُ: قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ أَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ الْمَكِّيُّ مَوْلَى ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ جَابِرٍ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي

(6/127)


حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فلما صنع له المنبر وكان عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا أَبُو الْمُسَاوِرِ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ- وَهُوَ ذَكْوَانُ- عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله وعن إِسْحَاقَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
كَانَتْ خَشَبَةٌ فِي الْمَسْجِدِ يَخْطُبُ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ مِثْلَ الْكُرْسِيِّ تَقُومُ عَلَيْهِ؟
فَفَعَلَ فَحَنَّتِ الْخَشَبَةُ كَمَا تَحِنُّ النَّاقَةُ الْحَلُوجُ، فَأَتَاهَا فَاحْتَضَنَهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: وأحسب أنا قَدْ حُدِّثْنَاهُ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرِ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ جَابِرٍ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو الْمُسَاوِرِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وحدثناه محمد ابن عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ، ثَنَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ وَالصَّوَابُ إِنَّمَا هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي كُرَيْبٍ، وَكُرَيْبٌ خَطَأٌ وَلَا يُعْلَمُ يَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبى كريب إلا أبا إِسْحَاقَ. قُلْتُ: وَلَمْ يُخْرِجُوهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ جَيِّدٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبى كريب عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى خشبة فلما جعل له مِنْبَرٌ حَنَّتْ حَنِينَ النَّاقَةِ فَأَتَاهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ قَبْلَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ الْمِنْبَرُ فَلَمَّا جُعِلَ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى سَمِعْنَا حَنِينَهُ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَسَكَنَ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ الْزُّهْرِيِّ إِلَّا سُلَيْمَانَ بْنَ كَثِيرٍ قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ جِيدٌ رِجَالُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ: وَرَوَاهُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عن جابر ثم أورده من طريق أبى عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ: ثَنَا أبو بكر بن خلاد، ثنا أحمد ابن عَلِيٍّ الْخَرَّازُ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ

(6/128)


عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ الله كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا بُنِيَ الْمِنْبَرُ حن الجذع فاحتضنه فَسَكَنَ، وَقَالَ: لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرِ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ جابر مثله.
طريق أخرى عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ وَرَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَسْتَنِدُ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صُنِعَ له منبره واستوى عليه فاضطربت تِلْكَ السَّارِيَةُ كَحَنِينِ النَّاقَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى نَزَلَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهَا فَسَكَنَتْ وَقَالَ رَوْحٌ: فَسَكَتَتْ وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ، أَوْ قَالَ: إِلَى جِذْعٍ، ثُمَّ اتَّخَذَ مِنْبَرًا قَالَ: فَحَنَّ الْجِذْعُ، قَالَ جَابِرٌ: حَتَّى سَمِعَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ لَمْ يَأْتِهِ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَذَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ولم يروه إلا ابن ماجة عن بكير بْنِ خَلَفٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قطفة العبديّ النضري عَنْ جَابِرٍ بِهِ
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَقَالُوا مِنْ أَيِّ شَيْءٍ مِنْبَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَنِدُ إِلَى جِذْعٍ فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي إِلَيْهِ إِذَا خَطَبَ، فَلَمَّا اتخذ المنبر فصعد حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوطنه حَتَّى سَكَنَ وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِهِمَا وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر عن ابن عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ ابن لهيعة عن عمارة بن عرفة عن ابن عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ وَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّ عَلَيْهِ فَأَتَاهُ فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، قَالَ: وَلَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَذَا الْإِسْنَادُ على شرط مسلم ولم

(6/129)


يَرْوِهِ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ، ثَنَا أَبُو حَفْصٍ وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلَاءِ- أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ- قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ:
أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ عَنْ عثمان بن عمرو ويحيى بن كثير عن أبى غسان العنبري كلاهن مُعَاذِ بْنِ الْعَلَاءِ بِهِ وَقَالَ:
حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي أَطْرَافِهِ: وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْخَلَّالُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ فِي آخَرِينَ عن عثمان بن عمر عن معاذ ابن الْعَلَاءِ قَالَ: وَعَبْدُ الْحَمِيدِ هَذَا- يَعْنِي الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ- يُقَالُ. إِنَّهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ قِيلَ إِنَّ قول البخاري: عن أبى حفص واسمه عمرو بن العلاء، وهم، والصواب معاذ ابن الْعَلَاءِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قُلْتُ: وَلَيْسَ هَذَا ثَابِتًا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَلَمْ أر في النسخ الَّتِي كَتَبْتُ مِنْهَا تَسْمِيَتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابن رَجَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ أَلَا نَتَّخِذُ لَكَ مِنْبَرًا. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حسين، ثنا خلف عن أبى خباب- وَهُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ جِذْعُ نَخْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ يُسْنِدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ أَوْ حَدَثَ أَمْرٌ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَ النَّاسَ، فَقَالُوا: أَلَا نَجْعَلُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْئًا كَقَدْرِ قِيَامِكَ؟ قَالَ: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا، فَصَنَعُوا لَهُ مِنْبَرًا ثلاث مراقى، قَالَ: فَجَلَسَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَخَارَ الْجِذْعُ كَمَا تَخُورُ الْبَقَرَةُ جَزَعًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْتَزَمَهُ وَمَسَحَهُ حَتَّى سَكَنَ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قال عبد بن حميد الليثي: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ كَثُرَ النَّاسُ- يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ- وَإِنَّهُمْ لَيُحِبُّونَ أَنْ يَرَوْكَ، فَلَوِ اتَّخَذْتَ مِنْبَرًا تَقُومُ عَلَيْهِ لِيَرَاكَ النَّاسُ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا الْمِنْبَرَ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أنا، قال: تجعله؟

(6/130)


قال: نعم، ولم يقل: إن شاء الله، قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فَلَانٌ، قَالَ: اقْعُدْ، فَقَعَدَ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا الْمِنْبَرَ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا، قال: تجعله، قال: نعم، ولم يقل: إن شَاءَ اللَّهُ، قَالَ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فَلَانٌ، قَالَ: اقْعُدْ، فَقَعَدَ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا الْمِنْبَرَ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: تَجْعَلُهُ، قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ يقل: إن شاء الله، قال: ما اسمك؟ قَالَ: فَلَانٌ، قَالَ اقْعُدْ فَقَعَدَ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: مَنْ يَجْعَلُ لَنَا هَذَا الْمِنْبَرَ، فَقَامَ إليه رجل فقام: أَنَا، قَالَ تَجْعَلُهُ، قَالَ: نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: اجْعَلْهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فاستوى عليه فاستقبل النَّاسَ وَحَنَّتِ النَّخْلَةُ حَتَّى أَسْمَعَتْنِي وَأَنَا فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَاعْتَنَقَهَا، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى سَكَنَتْ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ النَّخْلَةَ إِنَّمَا حَنَّتْ شَوْقًا إِلَى رَسُولِ الله، لما فارقها فو الله لَوْ لَمْ أَنْزِلْ إِلَيْهَا فَأَعْتَنِقْهَا لَمَا سَكَنَتْ إلى يوم القيامة وهذا إسناد عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَكِنْ فِي السِّيَاقِ غَرَابَةٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا مَسْرُوقُ بن المرزبان، ثنا زَكَرِيَّا عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ وَهُوَ جبر ابن نَوْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ إِلَى خَشَبَةٍ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا يَخْطُبُ كُلَّ جُمُعَةٍ حَتَّى أَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ جَعَلْتُ لَكَ شَيْئًا إِذَا قَعَدْتَ عَلَيْهِ كُنْتَ كَأَنَّكَ قَائِمٌ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَجَعَلَ لَهُ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا جَلَسَ عَلَيْهِ حَنَّتِ الْخَشَبَةُ حَنِينَ النَّاقَةِ عَلَى وَلَدِهَا، حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَأَيْتُهَا قَدْ حُوِّلَتْ، فَقُلْنَا: مَا هَذَا؟ قَالُوا: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ الْبَارِحَةَ فَحَوَّلُوهَا وَهَذَا غَرِيبٌ أَيْضًا.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها
رواه الحافظ من حديث على بن أحمد الحوار عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ حِبَّانَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ صالح بن حبان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَاخْتَارَ الْجِذْعُ الْآخِرَةَ وَغَارَ حَتَّى ذَهَبَ فَلَمْ يُعْرَفْ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ الْقَاضِي وَعَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ وَمُعَلَّى بن هلال ثلاثتهم عن عمار الذهبي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشَبَةٌ يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا إِذَا خَطَبَ، فَصُنِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ أَوْ مِنْبَرٌ فَلَمَّا فقدته خارت كما يخور الثور، حتى سمع أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَنَتْ. هَذَا لَفْظُ شَرِيكٍ، وَفِي رِوَايَةِ مُعَلَّى بْنِ هِلَالٍ: أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ دوم،

(6/131)


وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ، وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عمار الذهبي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوائم منبري في زاوية فِي الْجَنَّةِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَهَذِهِ الطُّرُقُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِوُقُوعِ ذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ، وكذا من تأملها وأنعم فِيهَا النَّظَرَ وَالتَّأَمُّلَ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِأَحْوَالِ الرِّجَالِ وباللَّه الْمُسْتَعَانُ وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ قَالَ: قَالَ أَبِي- يَعْنِي أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ- قَالَ عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مَا أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى الله عليه وسلّم، فقلت له: أَعْطَى عِيسَى إِحْيَاءَ الْمَوْتَى، فَقَالَ: أَعْطَى مُحَمَّدًا الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى هُيِّئَ لَهُ الْمِنْبَرُ، فَلَمَّا هُيِّئَ لَهُ الْمِنْبَرُ حن الجذع حتى سمع صوته، فهذا أكبر مِنْ ذَلِكَ.
بَابُ تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي كَفِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بن عبيد الصفار، ثَنَا الْكُدَيْمِيُّ، ثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، ثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الْزُّهْرِيِّ عَنْ رجل يقال له سويد ابن يَزِيدَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: لَا أَذْكُرُ عُثْمَانَ إِلَّا بِخَيْرٍ بَعْدَ شَيْءٍ رأيته، كنت رجلا أتبع خَلَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَوْمًا جَالِسًا وَحْدَهُ فَاغْتَنَمْتُ خَلْوَتَهُ فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ جاء عثمان فسلّم ثم جلس عَنْ يَمِينِ عُمَرَ، وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعُ حَصَيَاتٍ، أَوْ قَالَ:
تِسْعُ حَصَيَاتٍ، فَأَخَذَهُنَّ فِي كَفِّهِ فَسَبَّحْنَ حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي كف أَبِي بَكْرٍ فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كحنين النخل، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُمَرَ فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كحنين النخل، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كحنين النخل، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وكذلك رواه محمد بن يسار عن قريش ابن أَنَسٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، وَصَالِحٌ لم يكن حافظا، والمحفوظ عن أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الْزُّهْرِيِّ، قَالَ: ذَكَرَ الْوَلِيدُ بن سويد هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ هَكَذَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ فِي الْزُّهْرِيَّاتِ الَّتِي جَمَعَ فِيهَا أَحَادِيثَ الْزُّهْرِيِّ: حدثنا أبو اليمان، ثنا شعيب قال: ذكر الوليد ابن سُوَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَبِيرَ السِّنِّ كَانَ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ذَكَرَ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ قَاعِدٌ يَوْمًا

(6/132)


فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَأَبُو ذَرٍّ فِي الْمَجْلِسِ إِذْ ذُكِرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَقُولُ السُّلَمِيُّ: فَأَنَا أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ مَعْتَبَةً لِإِنْزَالِهِ إِيَّاهُ بِالرَّبَذَةِ، فَلَمَّا ذُكِرَ لَهُ عُثْمَانُ عَرَّضَ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ مَعْتَبَةً، فَلَمَّا ذَكَرَهُ قَالَ: لَا تَقُلْ فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا فَإِنِّي أَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُ مَنْظَرًا وَشَهِدْتُ مِنْهُ مَشْهَدًا لَا أَنْسَاهُ حَتَّى أَمُوتَ، كُنْتُ رَجُلًا أَلْتَمِسُ خَلَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَسْمَعَ مِنْهُ أَوْ لِآخُذَ عَنْهُ، فَهَجَّرْتُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ الْخَادِمَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ فِي بَيْتٍ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ جَالِسٌ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَأَنِّي حِينَئِذٍ أَرَى أَنَّهُ فِي وَحْيٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ فَقُلْتُ: جَاءَ بِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِسَ، فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، لَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ وَلَا يَذْكُرُهُ لِي، فَمَكَثْتُ غَيْرَ كَثِيرٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَمْشِي مُسْرِعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جَاءَ بِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنِ اجْلِسْ، فَجَلَسَ إِلَى رَبْوَةٍ مُقَابِلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا الطَّرِيقُ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَى أَبُو بَكْرٍ جَالِسًا فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي عَنْ يَمِينِي، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى تِلْكَ الرَّبْوَةِ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَسَلَّمَ فَرَدَّ السَّلَامَ وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جَاءَ بِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَقَعَدَ إِلَى الرَّبْوَةِ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ فَقَعَدَ إِلَى جَنْبِ عُمَرَ، فَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْقَهْ أَوَّلَهَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَلِيلٌ مَا يَبْقَيْنَ، ثُمَّ قَبَضَ عَلَى حَصَيَاتٍ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ، فَسَبَّحْنَ فِي يده حتى سمع لهن حنين كحنين النخل فِي كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ أَبَا بَكْرٍ وَجَاوَزَنِي فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّ أَبِي بَكْرٍ كَمَا سَبَّحْنَ فِي كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ مِنْهُ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَخَرِسْنَ فَصِرْنَ حَصًا، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُمَرَ فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ كَمَا سَبَّحْنَ فِي كَفِّ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ نَاوَلَهُنَّ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ فِي كَفِّهِ نَحْوَ مَا سَبَّحْنَ فِي كَفِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي الْأَرْضِ فَخَرِسْنَ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الْزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ سُوِيدُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ، وَقَوْلُ شُعَيْبٍ أَصَحُّ [وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: وَقَدْ رَوَى دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عبد الرحمن الحرشيّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ: وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ] ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ
رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو أُمِّي مَالِكُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ:

(6/133)


قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: يَا أَبَا الْفَضْلِ لَا تَرِمْ مَنْزِلَكَ غَدًا أَنْتَ وَبَنُوكَ حَتَّى آتِيَكُمْ فَإِنَّ لِي فِيكُمْ حَاجَةً، فَانْتَظَرُوهُ حَتَّى جَاءَ بَعْدَ مَا أَضْحَى، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: السلام عليكم، فقالوا:
وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ؟ قَالُوا: أَصْبَحْنَا بِخَيْرٍ نَحْمَدُ اللَّهَ، فَكَيْفَ أَصْبَحْتَ بِأَبِينَا وَأُمِّنَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ بِخَيْرٍ أَحْمَدُ اللَّهَ، فَقَالَ لَهُمْ: تَقَارَبُوا تَقَارَبُوا يَزْحَفُ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنُوهُ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمْ بِمُلَاءَتِهِ وَقَالَ: يَا رَبِّ هَذَا عَمِي وَصِنْوُ أَبِي، وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَسَتْرِي إِيَّاهُمْ بِمُلَاءَتِي هذه، وقال: فَأَمَّنَتْ أُسْكُفَّةُ الْبَابِ وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ فَقَالَتْ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مُخْتَصَرًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاتِمٍ الْهَرَوِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْوَقَّاصِيِّ الْزُّهْرِيِّ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا أَعْرِفُهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ يَرْوِي أَحَادِيثَ مُشَبَّهَةً.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إني لأعرفه الآن رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ بِهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الترمذ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُوفِيُّ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَا اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، وَقَالُوا: عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ مِنْهُمْ فَرْوَةُ بن أبى الفرا وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي عُمَارَةَ الحيواني عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ عَلَى شَجَرٍ وَلَا حَجَرٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَدَّمْنَا فِي الْمَبْعَثِ أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا رَجَعَ وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ جَعَلَ لَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ وَلَا مَدَرٍ وَلَا شَيْءٍ إِلَّا قَالَ لَهُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَذَكَرْنَا فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ وَوَقْعَةِ حنين رميه عليه السلام بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ مِنَ التُّرَابِ وَأَمَرَهُ أَصْحَابُهُ أَنْ يُتْبِعُوهَا بِالْحَمْلَةِ الصَّادِقَةِ فَيَكُونُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ وَالتَّأْيِيدُ عَقِبَ ذَلِكَ سَرِيعًا، أَمَّا فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سِيَاقِهَا فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى 8: 17 الآية وَأَمَّا فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ بِأَسَانِيدِهِ وَأَلْفَاظِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا وللَّه الْحَمْدُ والمنة.

(6/134)


حديث آخر
ذكرنا فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَوَجَدَ الْأَصْنَامَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً، 17: 81 قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ جَعَلَ لَا يُشِيرُ إِلَى صَنَمٍ مِنْهَا إِلَّا خَرَّ لِقَفَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَّا سَقَطَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى اللَّخْمِيُّ، قالا: ثنا بشر بن بكير، أَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بقرام فَهَتَكَهُ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ، قَالَ الأوزاعي: وقالت عائشة: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتُرْسٍ فِيهِ تِمْثَالُ عُقَابٍ فَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَهُ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بالحيوانات من دلائل النبوة قِصَّةُ الْبَعِيرِ النَّادِّ وَسُجُودِهِ لَهُ وَشَكْوَاهُ إِلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ، ثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ حَفْصٍ هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ عَمِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْنُونَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ اسْتَصْعَبَ عَلَيْهِمْ فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ وَأَنَّ الْأَنْصَارَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: إِنَّهُ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نَسْنِي عَلَيْهِ وَأَنَّهُ اسْتَصْعَبَ عَلَيْنَا وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ، وَقَدْ عَطِشَ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا، فَقَامُوا فَدَخَلَ الْحَائِطَ وَالْجَمَلُ فِي نَاحِيَتِهِ، فَمَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ الْكَلْبِ وَإِنَّا نخاف عليك صولته، فقال: لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ، فَلَمَّا نَظَّرَ الْجَمَلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلُ نَحْوَهُ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ، حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك، ونحن أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ، فَقَالَ:
لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبِشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رأسه قرحة تتفجر بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحِسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بعضه من حديث خلف ابن خَلِيفَةَ بِهِ.
رِوَايَةُ جَابِرُ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَامٍ سمعته من أبى مرتين، ثَنَا الْأَجْلَحُ عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ

(6/135)


حَرْمَلَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ حَتَّى إِذَا دَفَعْنَا إِلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ بَنِي النَّجَّارِ، إِذَا فِيهِ جَمَلٌ لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَ أَحَدٌ إِلَّا شَدَّ عَلَيْهِ قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ فَدَعَا الْبَعِيرَ فَجَاءَ وَاضِعًا مِشْفَرَهُ إِلَى الْأَرْضِ حتى برك بين يديه، قَالَ:
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَاتُوا خِطَامًا، فَخَطَمَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى صَاحِبِهِ، قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ:
إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَسَيَأْتِي عَنْ جَابِرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِسِيَاقٍ آخَرَ إِنْ شَاءَ الله وبه الثقة.
رواية ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ مهران أخو خالد الجيار، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَجْلَحِ عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: جاء قوم إلى رسول الله فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَنَا بَعِيرًا قَدْ نَدَّ فِي حَائِطٍ، فَجَاءَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تَعَالَ، فَجَاءَ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ حَتَّى خَطَمَهُ وَأَعْطَاهُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّكَ نَبِيٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَحَدٌ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي نَبِيُّ اللَّهِ إِلَّا كَفَرَةُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَهَذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَرِيبٌ جِدًّا، وَالْأَشْبَهُ رِوَايَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ، اللَّهمّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَجْلَحُ قَدْ رَوَاهُ عَنِ الذَّيَّالِ عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، ثَنَا أَبُو عَوْنٍ الزِّيَادِيُّ، ثَنَا أَبُو عَزَّةَ الدَّبَّاغُ عَنْ أَبِي يَزِيدٍ الْمَدِينِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ لَهُ فَحْلَانِ فَاغْتَلَمَا فَأَدْخَلَهُمَا حَائِطًا فَسَدَّ عَلَيْهِمَا الْبَابَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يدعو له، والنبي قاعد معه نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُ فِي حَاجَةٍ فَإِنَّ فَحْلَيْنِ لِي اغْتَلَمَا، وَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا حَائِطًا وَسَدَّدْتُ عَلَيْهِمَا الْبَابَ، فَأُحِبُّ أَنْ تَدْعُوَ لِي أَنْ يُسَخِّرَهُمَا اللَّهُ لِي، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا مَعَنَا، فَذَهَبَ حَتَّى أَتَى الْبَابَ فَقَالَ: افْتَحْ، فَأَشْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: افْتَحْ، ففتح الباب فإذا أحد الفحلين قريبا مِنَ الْبَابِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله: ائت بِشَيْءٍ أَشُدُّ رَأْسَهُ وَأُمَكِّنُكَ مِنْهُ، فَجَاءَ بِخِطَامٍ فَشَدَّ رَأَسَهُ وَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، ثُمَّ مَشَى إِلَى أَقْصَى الْحَائِطِ إِلَى الْفَحْلِ الْآخَرِ، فَلَمَّا رَآهُ وَقْعَ لَهُ سَاجِدًا، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: ائْتِنِي بِشَيْءٍ أَشُدُّ رَأْسَهُ، فَشَدَّ رَأْسَهُ وَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَإِنَّهُمَا لَا يَعْصِيَانَكَ، فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ قالوا: يا رسول الله هذان فحلان سَجَدَا لَكَ أَفَلَا نَسْجُدُ لَكَ؟ قَالَ لَا آمُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ وَلَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ وَمَتْنٌ غَرِيبٌ.

(6/136)


[وَرَوَاهُ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بن حمدان السحرى عن عمر بن محمد بن بجير البحتري عَنْ بِشْرِ بْنِ آدَمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ أَبِي عَوْنٍ الزِّيَادِيِّ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ قائد أَبِي الْوَرْقَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
رِوَايَةُ أبى هريرة
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْفَقِيهُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ، أَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: انْطَلَقْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ناحية فَأَشْرَفْنَا إِلَى حَائِطٍ فَإِذَا نَحْنُ بِنَاضِحٍ، فَلَمَّا أَقْبَلَ النَّاضِحُ رَفَعَ رَأْسَهُ فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ جِرَانَهُ عَلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْبَهِيمَةِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَدُوَنَ اللَّهِ؟ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ دُونَ اللَّهِ، وَلَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِشَيْءٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا]
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ح وَثَنَا بَهْزٌ وَعَفَّانُ قَالَا: ثَنَا مَهْدِيٌ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ- مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُخْبِرُ بِهِ أَحَدًا أَبَدًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ فِي حَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، فَدَخَلَ يَوْمًا حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ قَدْ أَتَاهُ فَجَرْجَرَ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ بَهْزٌ وَعَفَّانُ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ الله حنّ وذرفت عيناه، فمسح رسول الله سَرَاتَهُ وَذِفْرَاهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ: مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ في هذه البهيمة التي ملككها الله لك؟ إِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ به.
رِوَايَةُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي ذَلِكَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَعَفَّانُ قَالَا: ثَنَا حَمَّادٌ- هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ- عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَجَاءَ بَعِيرٌ فَسَجَدَ لَهُ فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَسْجُدُ لَكَ الْبَهَائِمُ وَالشَّجَرُ، فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ، فَقَالَ:
اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَأَكْرِمُوا أَخَاكُمْ، وَلَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَلَوْ أَمَرَهَا أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَصْفَرَ إِلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ وَمِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ إِلَى جَبَلٍ أَبْيَضَ كَانَ يَنْبَغِي

(6/137)


لَهَا أَنْ تَفْعَلَهُ وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ، وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادٍ بِهِ: لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا إِلَى آخره.
رواية يعلى بن مرة الثقفي، أَوْ هِيَ قِصَّةٌ أُخْرَى
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عن حسين عن أَبِي جَبِيرَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ سِيَابَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ لَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ فَأَمَرَ وَدِيَّتَيْنِ فَانْضَمَّتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ أَمَرَهُمَا فَرَجَعَتَا إِلَى مَنَابِتِهِمَا، وَجَاءَ بِعِيرٌ فَضَرَبَ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ جَرْجَرَ حَتَّى ابْتَلَّ مَا حَوْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ الْبَعِيرُ؟ إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ يُرِيدُ نَحْرَهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَوَاهِبُهُ أَنْتَ لِي؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِيَ مَالٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، فَقَالَ: اسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا، فَقَالَ: لَا جَرَمَ لَا أكرم ما لا لِي كَرَامَتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَأَتَى عَلَى قَبْرٍ يُعَذَّبُ صَاحِبُهُ فَقَالَ: إِنَّهُ يُعَذَّبُ فِي غَيْرِ كَبِيرٍ، فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ فَوُضِعَتْ عَلَى قَبْرِهِ، وَقَالَ: عَسَى أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ مَا دَامَتْ رَطْبَةً.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جعفر عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ رَأَيْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَهُ إِذْ مَرَرْنَا بِبَعِيرٍ يُسْنَى عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ جَرْجَرَ وَوَضَعَ جِرَانَهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ؟ فَجَاءَ، فَقَالَ: بِعْنِيهِ، فَقَالَ: لَا بَلْ أَهَبُهُ لَكَ، فَقَالَ: لَا بَلْ بِعْنِيهِ، قَالَ: لا بل نهبه لك إنه لِأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُهُ، قَالَ: أَمَا إِذْ ذَكَرَتْ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ شَكَى كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَقِلَّةَ الْعَلَفِ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تَشُقُّ الْأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذُكِرَتْ لَهُ، فَقَالَ: هِيَ شَجَرَةٌ اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهَا، قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا فَمَرَرْنَا بِمَاءٍ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا بِهِ جِنَّةٌ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْخَرِهِ فَقَالَ: اخْرُجْ إِنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ ثُمَّ سِرْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سَفَرِنَا مَرَرْنَا بذلك الماء فأتته امرأة بِجَزَرٍ [1] وَلَبَنٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرُدَّ الْجَزَرَ وَأَمْرَ أَصْحَابَهُ فَشَرِبُوا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَأَلَهَا عَنِ الصَّبِيِّ فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ رَيْبًا بَعْدَكَ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نمير، ثنا عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: لقد رأيت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا مَا رَآهَا أَحَدٌ قَبَلِي، وَلَا يَرَاهَا أحد
__________
[1] جمع جزرة بسكون الزاى وفتحها وهي الشاة التي تصلح للذبح.

(6/138)


بَعْدِي: لَقَدْ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ مَرَرْنَا بِامْرَأَةٍ جَالِسَةٍ مَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هذا صبي أَصَابَهُ بَلَاءٌ وَأَصَابَنَا مِنْهُ بَلَاءٌ، يُؤْخَذُ فِي الْيَوْمِ مَا أَدْرِي كَمْ مَرَّةً، قَالَ: نَاوِلِينِيهِ، فَرَفَعَتْهُ إِلَيْهِ فَجَعَلَتْهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ، ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثًا وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، اخْسَأْ عَدُوَّ اللَّهِ، ثُمَّ نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَقَالَ: الْقَيْنَا فِي الرَّجْعَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَأَخْبِرِينَا مَا فَعَلَ، قَالَ: فَذَهَبْنَا وَرَجَعْنَا فَوَجَدْنَاهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مَعَهَا شِيَاهٌ ثَلَاثٌ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ صَبِيُّكِ؟ فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا حَسِسْنَا مِنْهُ شيئا حتى الساعة، فاجترر هَذِهِ الْغَنَمَ، قَالَ: انْزِلْ فَخُذْ مِنْهَا وَاحِدَةً ورد البقية، قال: وخرجت ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الْجَبَّانَةِ حَتَّى إِذَا بَرَزْنَا قَالَ: وَيْحَكَ انْظُرْ هَلْ تَرَى مِنْ شَيْءٍ يُوَارِينِي؟
قُلْتُ: مَا أَرَى شَيْئًا يُوَارِيكَ إِلَّا شَجَرَةً مَا أَرَاهَا تُوَارِيكَ، قَالَ: فَمَا بِقُرْبِهَا؟ قُلْتُ: شَجَرَةٌ مِثْلُهَا أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا، قَالَ: فاذهب إليهما فقل: إن رسول الله يأمر كما أَنْ تَجْتَمِعَا بِإِذْنِ اللَّهِ، قَالَ: فَاجْتَمَعَتَا فَبَرَزَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِمَا فَقُلْ لهما: إن رسول الله يأمر كما أَنْ تَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا إِلَى مَكَانِهَا، فَرَجَعَتْ. قَالَ: وَكُنْتُ مَعَهُ جَالِسًا ذَاتَ يَوْمٍ إذ جاء جمل نجيب حتى صوى بِجِرَانِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ وَيْحَكَ انْظُرْ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ إِنَّ لَهُ لَشَأْنًا، قَالَ: فَخَرَجْتُ أَلْتَمِسُ صَاحِبَهُ فَوَجَدْتُهُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَدَعَوْتُهُ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا شَأْنُ جَمَلِكَ هَذَا؟ فَقَالَ وَمَا شَأْنُهُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ مَا شَأْنُهُ، عَمِلْنَا عَلَيْهِ وَنَضَحْنَا عَلَيْهِ حَتَّى عَجَزَ عَنِ السِّقَايَةِ فَائْتَمَرْنَا الْبَارِحَةَ أَنْ نَنْحَرَهُ وَنُقَسِّمَ لَحْمَهُ، قَالَ:
فَلَا تَفْعَلْ، هَبْهُ لِي أَوْ بِعْنِيهِ، فَقَالَ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَسَمَهُ بِسِمَةِ الصَّدَقَةِ ثُمَّ بَعَثَ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثنا وكيع، ثنا الأعمش بن المنهال عن عمرو عن يعلى بن مرة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أتته امرأة بابن لها قد أصابه لَمَمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ:
فَبَرَأَ، قَالَ: فَأَهْدَتْ إِلَيْهِ كَبْشَيْنِ وَشَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَشَيْئًا مِنْ سَمْنٍ، قَالَ: فَقَالَ رسول الله: خُذِ الْأَقِطَ وَالسَّمْنَ وَأَحَدَ الْكَبْشَيْنِ وَرُدَّ عَلَيْهَا الْآخَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الشَّجَرَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا أَسْوَدُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ يَعْلَى قَالَ: مَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ رَأَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا دُونَ مَا رَأَيْتُ فَذَكَرَ أَمْرَ الصَّبِيِّ وَالنَّخْلَتَيْنِ وَأَمْرَ الْبَعِيرِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَا لبعيرك يشكوك؟ زعم أنك سانيه حتى إذا كبر تريد تَنْحَرَهُ، قَالَ: صَدَقْتَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ قَدْ أَرَدْتُ ذَلِكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَفْعَلُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ عَنِ الْأَصَمِّ: ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدوري، ثنا حمدان بن الأصبهاني ثنا يزيد عن عمرو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: رَأَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(6/139)


ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ مَا رَآهَا أَحَدٌ قَبْلِي، كُنْتُ مَعَهُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ مَعَهَا ابْنٌ لَهَا بِهِ لَمَمٌ مَا رَأَيْتُ لَمَمًا أَشَدَّ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنِي هَذَا كَمَا تَرَى، فَقَالَ إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ لَهُ، فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ مَضَى فَمَرَّ عَلَى بعير نادّ جِرَانَهُ يَرْغُو، فَقَالَ: عَلَيَّ بِصَاحِبِ هَذَا الْبَعِيرِ، فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: هَذَا يَقُولُ: نُتِجْتُ عِنْدَهُمْ فَاسْتَعْمَلُونِي حَتَّى إِذَا كَبِرْتُ عِنْدَهُمْ أَرَادُوا أَنْ ينحرونى، قال: ثم مضى ورأى شَجَرَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَمُرْهُمَا فَلْيَجْتَمِعَا لِي، قَالَ: فَاجْتَمَعَتَا فَقَضَى حَاجَتَهُ، قَالَ: ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا انْصَرَفَ مَرَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ وَقَدْ ذَهَبَ مَا بِهِ وَهَيَّأَتْ أُمُّهُ أَكْبُشًا فَأَهْدَتْ لَهُ كَبْشَيْنِ، وَقَالَتْ: مَا عَادَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ اللَّمَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَيَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا كَفَرَةُ أَوْ فَسَقَةُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فَهَذِهِ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ أَوِ الْقَطْعِ عند المتبحرين أَنَّ يَعْلَى بْنَ مُرَّةَ حَدَّثَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهَذَا كُلِّهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ دُونَ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَلَمْ يَرْوِ أحد منهم شيئا سِوَى ابْنُ مَاجَهْ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سليم عن خيثم عن يونس ابن خَبَّابٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى الْغَائِطِ أَبْعَدَ. وَقَدِ اعْتَنَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ بِحَدِيثِ الْبَعِيرِ فِي كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَطُرُقِهِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ أَوْرَدَ حديث عبد الله بن قرط اليماني قَالَ: جِيءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتِّ زَوْدٍ فَجَعَلْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ، وَقَدْ قَدَّمْتُ الْحَدِيثَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. قُلْتُ: قَدْ أَسْلَفْنَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ قِصَّةِ الشَّجَرَتَيْنِ، وَذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ الْجَمَلِ لَكِنْ بِسِيَاقٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ [غَيْرَ] هَذَا فاللَّه أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ الصَّبِيِّ الَّذِي كان يصرع ودعاؤه عليه السلام لَهُ وَبُرْؤُهُ فِي الْحَالِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ تَبَاعَدَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ وَلَا شَجَرٌ، فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ خُذِ الْإِدَاوَةَ وَانْطَلِقْ بِنَا، فَمَلَأْتُ الْإِدَاوَةَ مَاءً وَانْطَلَقْنَا فَمَشَيْنَا حَتَّى لَا نَكَادُ نُرَى، فَإِذَا شَجَرَتَانِ بَيْنَهُمَا أَذْرُعٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَا جَابِرُ انْطَلِقْ فَقُلْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ: يَقُولُ لَكِ رسول الله: الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ خَلْفَكُمَا، فَفَعَلْتُ فَرَجَعَتْ فَلَحِقَتْ بِصَاحِبَتِهَا، فَجَلَسَ خَلْفَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا فَرَكِبْنَا رَوَاحِلَنَا فَسِرْنَا كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ تُظِلُّنَا، وَإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ قَدْ عَرَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا يَأْخُذُهُ الشَّيْطَانُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا يَدَعُهُ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَاوَلَهُ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَدِّمَةِ الرَّحْلِ فقال: اخْسَأْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَعَادَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا رجعنا وكنا بذلك الماء مرضت لَنَا تِلْكَ الْمَرْأَةُ وَمَعَهَا كَبْشَانِ تَقُودُهُمَا وَالصَّبِيُّ تَحْمِلُهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ

(6/140)


الله اقبل منى هديتي، فو الّذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا أَحَدَهُمَا وَرُدُّوا الْآخَرَ، قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا، فَجَاءَ جَمَلٌ نَادٌّ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ خَرَّ سَاجِدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْجَمَلِ؟ فَقَالَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ:
هُوَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَمَا شَأْنُهُ؟ قَالُوا: سَنَوْنَا عَلَيْهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلَمَّا كَبِرَتْ سِنُّهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ شُحَيْمَةٌ أَرَدْنَا نَحْرَهُ لِنُقَسِّمَهُ بَيْنَ غِلْمَتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِيعُونِيهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ لَكَ، قال: فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله، قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ وَهَذَا إِسْنَادٌ جِيدٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الصَّفْرَاءِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ الله كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ على بن زياد، ثنا أبو حمنة، ثنا أبو قرة عَنْ زِيَادٍ- هُوَ ابْنُ سَعْدٍ- عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ يُونُسَ بْنَ خَبَّابٍ الْكُوفِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ إِلَى مَكَّةَ فَذَهَبَ إِلَى الْغَائِطِ وَكَانَ يُبْعِدُ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ، قَالَ: فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَتَوَارَى بِهِ، فَبَصُرَ بِشَجَرَتَيْنِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الشَّجَرَتَيْنِ وَقِصَّةَ الْجَمَلِ بِنَحْوٍ مَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ، قَالَ: وَهَذِهِ الرواية ينفرد بها زمعة ابن صَالِحٍ عَنْ زِيَادٍ- أَظُنُّهُ ابْنَ سَعْدٍ- عَنْ أبى الزبير قلت: وقد يكون هذا أيضا محفوظا، وَلَا يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، بل يشهد لهما ويكون هذا الحديث عند أَبِي الزُّبَيْرِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرٍ. وَعَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ من حديث معاوية بن يحيى الصيرفي- وهو ضعيف- عن الزهري عن خارجة ابن زَيْدٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثًا طَوِيلًا نَحْوَ سِيَاقِ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَفِيهِ قِصَّةُ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ وَمَجِيءُ أُمِّهِ بِشَاةٍ مَشْوِيَّةٍ فَقَالَ: ناوليني الذراع فناولته، ثم قال: ناوليني الذراع فناولته، ثم قال: ناوليني الذِّرَاعَ، فَقُلْتُ كَمْ لِلشَّاةِ مِنْ ذِرَاعٍ؟ فَقَالَ: والّذي نفسي بيده لو سكت لناولتينى ما دعوت ثم ذكر قصة النخلات واجتماعهما وانتقال الحجارة معهما حَتَّى صَارَتِ الْحِجَارَةُ رَجْمًا خَلْفَ النَّخَلَاتِ. وَلَيْسَ في سياقه قصة البعير فلهذا لم يورده بلفظه وإسناده وباللَّه المستعان [وقد روى الحافظ ابن عساكر تَرْجَمَةِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةِ الثَّقَفِيِّ بِسَنَدِهِ إِلَى يعلى بْنِ مَنْصُورٍ الرَّازِيِّ عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْنَا عَجَبًا فَذَكَرَ قِصَّةَ الشجرتين وَاسْتِتَارِهِ بِهِمَا عِنْدَ الْخَلَاءِ، وَقِصَّةَ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ، وَقَوْلَهُ: بِسْمِ اللَّهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ فَعُوفِيَ ثُمَّ ذَكَّرَ قِصَّةَ الْبَعِيرَيْنِ النَّادَّيْنِ وَأَنَّهُمَا سَجَدَا لَهُ بِنَحْوِ ما

(6/141)


تَقَدَّمَ فِي الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ، فَلَعَلَّ هَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ] [1] .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ حَدِيثَ جَابِرٍ وَقِصَّةَ جَمَلِهِ الَّذِي كَانَ قَدْ أعيى، وَذَلِكَ مَرْجِعَهُمْ مِنْ تَبُوكَ وَتَأَخُّرَهُ فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، فَلَحِقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا لَهُ وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ حَتَّى جَعَلَ يَتَقَدَّمُ أَمَامَ النَّاسِ، وَذَكَرْنَا شراءه عليه السلام مِنْهُ وَفِي ثَمَنِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَقَعَ مِنَ الرُّوَاةِ لَا يَضُرُّ أَصْلَ الْقِصَّةِ كَمَا بَيَّنَاهُ وتقدم حديث أنس في ركوبه عليه السلام على فرس أبى طلحة حين سمع الناس صَوْتًا بِالْمَدِينَةِ فَرَكِبِ ذَلِكَ الْفَرَسَ، وَكَانَ يُبْطِئُ، وَرَكِبَ الْفُرْسَانُ نَحْوَ ذَلِكَ الصَّوْتِ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَعَ بَعْدَ مَا كَشَفَ ذَلِكَ الْأَمْرَ، فَلَمْ يَجِدْ لَهُ حَقِيقَةً، وَكَانَ قَدْ رَكِبَهُ عُرْيًا لَا شيء عليه وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفًا، فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ: لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا، مَا وَجَدْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا.
أَيْ لَسَابِقًا وَكَانَ ذَلِكَ الفرس يبطأ قَبْلَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُجَارَى وَلَا يُكْشَفُ لَهُ غُبَارٌ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِبِرْكَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
حَدِيثٌ آخَرُ غَرِيبٌ فِي قِصَّةِ الْبَعِيرِ
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْفَقِيهُ فِي كِتَابِهِ «دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ» وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ حَافِلٌ كَثِيرُ الْفَوَائِدِ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سعيد عن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ شَهْلَانَ الْقَوَّاسُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ الْبَصَرِيُّ، حَدَّثَنَا سلامة ابن سعيد بن زياد بن أبى هند الرازيّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، حَدَّثَنَا غنيم بن أوس- يعنى الرازيّ- قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ بَعِيرٌ يَعْدُو حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّهَا الْبَعِيرُ اسْكُنْ، فَإِنْ تَكُ صَادِقًا فَلَكَ صِدْقُكَ، وَإِنْ تَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْكَ كَذِبُكَ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَّنَ عَائِذَنَا، وَلَا يَخَافُ لَائِذُنَا، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَقُولُ هَذَا الْبَعِيرُ؟
قَالَ: هَذَا بَعِيرٌ هَمَّ أَهْلُهُ بِنَحْرِهِ فَهَرَبَ مِنْهُمْ فَاسْتَغَاثَ بِنَبِيِّكُمْ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلُ أَصْحَابُهُ يَتَعَادَوْنَ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الْبَعِيرُ عَادَ إِلَى هَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا بَعِيرُنَا هَرَبَ مِنَّا مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَمْ نَلْقَهُ إِلَّا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَشْكُو مُرَّ الشِّكَايَةِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَقُولُ؟
قَالَ: يَقُولُ إنه ربى في إبلكم جوارا وَكُنْتُمْ تَحْمِلُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ إِلَى مَوْضِعِ الْكَلَأِ فَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ رَحَلْتُمْ إِلَى مَوْضِعِ الدفء، فَقَالُوا: قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: مَا جَزَاءُ الْعَبْدِ الصَّالِحِ مِنْ مَوَالِيهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّا لَا نَبِيعُهُ وَلَا نَنْحَرُهُ، قَالَ: فَقَدِ اسْتَغَاثَ فَلَمْ تُغِيثُوهُ، وَأَنَا أَوْلَى بِالرَّحْمَةِ مِنْكُمْ، لَأَنَّ اللَّهَ نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ وَأَسْكَنَهَا فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا الْبَعِيرُ انْطَلِقْ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَرَغَا عَلَى هَامَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
__________
[1] ما بين الأقواس المربعة في هذه الملزمة زيادة من التيمورية.

(6/142)


رسول الله: آمِينَ ثُمَّ رَغَا الثَّانِيَةَ فَقَالَ آمِينَ، ثُمَّ رَغَا الثَّالِثَةَ فَقَالَ: آمِينَ، ثُمَّ رَغَا الرَّابِعَةَ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَقُولُ هَذَا الْبَعِيرُ؟ قَالَ: يَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ أَيُّهَا النَّبِيُّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ خَيْرًا، قُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: سَكَّنَ اللَّهُ رُعْبَ أُمَّتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا سَكَّنْتَ رُعْبِي قُلْتُ: آمِينَ قَالَ: حَقَنَ اللَّهُ دِمَاءَ أُمَّتِكَ مِنْ أَعْدَائِهَا كَمَا حَقَنْتَ دَمِي، قُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: لَا جَعَلَ اللَّهُ بِأَسَهَا بينها، فبكيت وقلت: هذه خصال سَأَلْتُ رَبِّي فَأَعْطَانِيهَا وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَنِ اللَّهِ أَنَّ فَنَاءَ أُمَّتِكَ بِالسَّيْفِ فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ جِدًّا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُصَنِّفِينَ فِي الدَّلَائِلِ أَوْرَدَهُ سِوَى هَذَا الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ أَيْضًا والله أعلم.
حَدِيثٌ فِي سُجُودِ الْغَنَمِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ أَيْضًا: قَالَ يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يُوسُفَ الْكِنْدِيُّ أَبُو عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم حائطا للأنصار ومعه أبو بكر وعمرو رجل مِنَ الْأَنْصَارِ، وَفِي الْحَائِطِ غَنَمُ فَسَجَدَتْ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِالسُّجُودِ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا غَرِيبٌ وفي إسناده من لا يعرف] .
قِصَّةُ الذِّئْبِ وَشَهَادَتُهُ بِالرِّسَالَةِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ فَقَالَ:
أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا ساقه الله إليّ؟ فقال: يا عجبي ذئب يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ! فَقَالَ الذِّئْبَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؟ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ، قَالَ: فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةً، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي: أَخْبِرْهُمْ، فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخْذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.
وَقَدْ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يَرِوِهِ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ مِنْ قَوْلِهِ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ إِلَى آخِرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَثَّقَهُ يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ.

(6/143)


طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنِي شَهْرٌ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَعْرَابِيٌّ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ فِي غَنَمٍ لَهُ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ فَأَدْرَكَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ وَهَجْهَجَهُ فَعَانَدَهُ الذِّئْبُ يَمْشِي ثُمَّ أَقْعَى مُسْتَذْفِرًا بِذَنَبِهِ يُخَاطِبُهُ فَقَالَ: أَخَذْتَ رِزْقًا رَزَقْنِيهِ الله، قال: وا عجبا من ذئب مُسْتَذْفِرٍ بِذَنَبِهِ يُخَاطِبُنِي! فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لِتَتْرُكُ أعجب من ذلك، قال: وما أعجب من ذَلِكَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النخلتين بين الحرتين يحدث الناس عن أنباء مَا قَدْ سَبَقَ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: فَنَعَقَ الْأَعْرَابِيُّ بِغَنَمِهِ حَتَّى أَلْجَأَهَا إِلَى بَعْضِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيْنَ الْأَعْرَابِيُّ صَاحِبُ الْغَنَمِ؟ فَقَامَ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَدِّثِ النَّاسَ بِمَا سَمِعْتَ وَبِمَا رَأَيْتَ، فَحَدَّثَ الْأَعْرَابِيُّ النَّاسَ بِمَا رَأَى مِنَ الذِّئْبِ وَمَا سَمِعَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ:
صَدَقَ، آيَاتٌ تَكُونُ قَبْلَ السَّاعَةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ أَحَدُكُمْ مِنْ أَهْلِهِ فَيُخْبِرُهُ نَعْلُهُ أَوْ سَوْطُهُ أَوْ عَصَاهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ وَهَذَا عَلَى شَرْطِ أَهْلِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ النُّفَيْلِيِّ قال: قرأت على معقل بن عبد الله بن شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ ثم رواه الحاكم وأبو سعيد بن عَمْرٍو عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الجيد بْنِ بَهْرَامٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنِ أَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الملك عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ ذِئْبٌ إِلَى رَاعِي غَنَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْهُ، قال:
فصعد الذئب على تل فأقعى فاستذفر وَقَالَ: عَمَدْتَ إِلَى رِزْقٍ رَزَقْنِيهِ اللَّهُ عَزَّ وجل انتزعته منى، فقال الرجل: للَّه إِنْ رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ ذِئْبًا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ هَذَا رَجُلٌ فِي النَّخَلَاتِ بَيْنَ الحرتين يخبركم بما مضى وما هُوَ كَائِنٌ بِعَدَكُمْ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَهُودِيًّا، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَخَبَّرَهُ فَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ رسول الله: إِنَّهَا أَمَارَةٌ مِنْ أَمَارَاتٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، قَدْ أَوْشَكَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ فَلَا يَرْجِعُ حتى تحدثه نعلاه وسوطه بما أحدثه أَهْلُهُ بَعْدَهُ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ، وَلَعَلَّ شَهْرَ بْنَ حَوْشَبٍ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهَ، ثَنَا

(6/144)


عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ، ثَنَا الْحُسَيْنُ الرَّفَّاءُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَنَسٍ ح، وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ- هُوَ الطَّبَرَانِيُّ-: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ اللُّؤْلُؤِيِّ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّفَّاءُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فشردت عَلَى غَنَمِي، فَجَاءَ الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَاشْتَدَّ الرِّعَاءُ خَلْفَهُ، فَقَالَ: طُعْمَةٌ أَطْعَمَنِيهَا اللَّهُ تَنْزِعُونَهَا مِنِّي؟ قَالَ:
فَبُهِتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا تَعْجَبُونَ مِنْ كَلَامِ الذِّئْبِ وَقَدْ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَمِنْ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: تَفَرَّدَ بِهِ حُسَيْنُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ. قُلْتُ: الْحُسَيْنُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرفّاء هذا يقال له الطلخى كُوفِيٌّ أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ أَحَادِيثَ ثُمَّ قَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا.
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي عِيسَى، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ حسن، أخبرنى أبو حسن، ثَنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ رَاعٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ الذِّئْبُ فَأَخَذَ شَاةً وَوَثَبَ الرَّاعِي حَتَّى انْتَزَعَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ أَنْ تَمْنَعَنِي طُعْمَةٌ أَطْعَمَنِيهَا اللَّهُ تَنْزِعُهَا مِنِّي؟ فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي: الْعَجَبُ من ذئب يتكلم، فقال الذِّئْبُ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ كَلَامِي؟ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي النَّخْلِ يُخْبِرُ النَّاسَ بِحَدِيثِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ أَعْجَبُ مِنْ كَلَامِي، فَانْطَلَقَ الرَّاعِي حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ وَأَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
حَدِّثْ به الناس قال الحافظ ابن عَدِيٍّ: قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَلَدُ هَذَا الرَّاعِي يُقَالُ لَهُمْ:
بَنُو مُكَلِّمِ الذِّئْبِ، وَلَهُمْ أَمْوَالٌ وَنَعَمٌ، وَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ، وَاسْمُ مُكَلِّمِ الذِّئْبِ أُهْبَانُ، قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ أَشْعَثَ الْخُزَاعِيُّ مِنْ وَلَدِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَدَلَّ عَلَى اشْتِهَارِ ذَلِكَ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي الْحَدِيثَ وَقَدْ رَوَى مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّارِيخِ، حَدَّثَنِي أَبُو طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيَّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنَ أوس، عن أنس بْنِ عَمْرٍو عَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ قَالَ:
كنت في غنم لي فكلمه الذئب وأسلّم، قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّلْمِيِّ، سَمِعِتُ الْحُسَيْنَ بْنَ أَحْمَدَ الرَّازِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ المقري يَقُولُ: خَرَجْتُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ عَلَى حِمَارٍ فَجَعَلَ الْحِمَارُ يَحِيدُ بِي عَنِ الطَّرِيقِ فَضَرَبْتُ رأسه ضربات فرفع رأسه إلى وقال لي: اضْرِبْ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ فَإِنَّمَا عَلَى دِمَاغِكَ هو ذا يضرب، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: كَلَّمَكَ كَلَامًا يُفْهَمُ! قَالَ:
كَمَا تُكَلِّمُنِي وَأُكَلِّمُكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الذِّئْبِ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ
وَقَدْ قال سعيد بن مسعود: ثَنَا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن عمير، عن أبى الأوس الحارثي

(6/145)


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ الذِّئْبُ فَأَقْعَى بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ يُبَصْبِصُ بِذَنَبِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا وَافِدُ الذِّئَابِ، جَاءَ ليسألكم أَنْ تَجْعَلُوا لَهُ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا، قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ، وَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ حَجَرًا فَرَمَاهُ فَأَدْبَرَ الذِّئْبُ وَلَهُ عُوَاءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذِّئْبُ، وَمَا الذِّئْبُ؟ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رجل بِهِ وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْأَوْبَرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا صَلَاةَ الْغَدَاةِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا الذِّئْبُ وَمَا الذِّئْبُ؟ جَاءَكُمْ يَسْأَلُكُمْ أَنْ تُعْطُوهُ أَوْ تُشْرِكُوهُ فِي أَمْوَالِكُمْ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِحَجَرٍ فَمَرَّ أَوْ وَلَّى وَلَهُ عُوَاءٌ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسِيدٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ بِالْبَقِيعِ فَإِذَا الذِّئْبُ مُفْتَرِشًا ذِرَاعَيْهِ عَلَى الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا جاء يستفرض فافرضوا له، قالوا: ترى رَأْيَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مِنْ كُلِّ سَائِمَةٍ شَاةٌ فِي كُلِّ عَامٍ، قَالُوا: كَثِيرٌ، قَالَ: فَأَشَارَ إِلَى الذِّئْبِ أَنَّ خَالِسْهُمْ، فَانْطَلَقَ الذِّئْبُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الْمَدِينَةِ إِذْ أَقْبَلَ ذِئْبٌ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فقال:
هَذَا وَافِدُ السِّبَاعِ إِلَيْكُمْ فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَفْرِضُوا لَهُ شَيْئًا لَا يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ وَاحْتَرَزْتُمْ مِنْهُ فَمَا أَخَذَ فَهُوَ رِزْقُهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَطِيبُ أَنْفُسُنَا لَهُ بشيء، فأومأ إليه بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ أَنَّ خَالِسَهُمْ، قَالَ: فَوَلَّى وَلَهُ عواء وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شِمْرِ بن عطية عن رجل من مزينة أن جُهَيْنَةَ قَالَ: أَتَتْ وُفُودُ الذِّئَابِ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةِ ذِئْبٍ حِينَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْعَيْنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
هَذِهِ وُفُودُ الذِّئَابِ، جِئْنَكُمْ يَسْأَلْنَكُمْ لِتَفْرِضُوا لَهُنَّ مِنْ قُوتِ طَعَامِكُمْ وَتَأْمَنُوا عَلَى مَا سِوَاهُ، فَشَكَوْا إِلَيْهِ الْحَاجَةَ، قَالَ: فَأَدْبِرُوهُمْ قَالَ: فَخَرَجْنَ وَلَهُنَّ عُوَاءٌ.
[وَقَدْ تكلم القاضي عياض على حديث الذئب فذكر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَنْ أُهْبَانَ ابن أَوْسٍ وَأَنَّهُ كَانَ يُقَالُ لَهُ: مُكَلِّمُ الذِّئْبِ، قَالَ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ جَرَى مِثْلُ هَذَا لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بن أمية، مع ذئب وجداه أخذ صبيا فدخل الصبى الْحَرَمَ فَانْصَرَفَ الذِّئْبُ فَعَجِبَا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَتَدْعُونَهُ إِلَى النار، فقال أبو سفيان: واللات والعزى لأن ذكرت هذا بمكة ليتركنها أهلوها] .

(6/146)


قِصَّةُ الْوَحْشِ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَحْتَرِمُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيُوَقِّرُهُ وَيُجِلُّهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا يُونُسُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
كَانَ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَشٌ، فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعِبَ وَاشْتَدَّ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا أَحَسَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَخَلَ رَبَضَ فَلَمْ يَتَرَمْرَمْ مَا دَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُؤْذِيَهُ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ وكيع وعن قَطَنٍ كِلَاهُمَا عَنْ يُونُسَ- وَهُوَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ-.
وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ. وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قِصَّةُ الْأَسَدِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ حِينَ انْكَسَرَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَرَكِبَ لَوْحًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ جَزِيرَةً فِي الْبَحْرِ فَوَجَدَ فيها الأسد، فقال له: يَا أَبَا الْحَارِثِ إِنِّي سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَضَرَبَ مَنْكَبِي وَجَعَلَ يُحَاذِينِي حَتَّى أَقَامَنِي عَلَى الطَّرِيقِ، ثم همهم ساعة فرأيت أنه يود عنى وقال عبد الرزاق: ثنا معمر عن الحجبي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ الْجَيْشَ بِأَرْضِ الرُّومِ، أَوْ أُسِرَ فِي أَرْضِ الرُّومِ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا يَلْتَمِسُ الْجَيْشَ، فَإِذَا هُوَ بِالْأَسَدِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَارِثِ إِنِّي مَوْلَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ مِنْ أَمْرِي كَيْتَ وَكَيْتَ، فَأَقْبَلَ الْأَسَدُ يُبَصْبِصُهُ حتى قام إلى جنبه، كلما سمع صوته أَهْوَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلُ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَبْلَغَهُ الْجَيْشَ، ثُمَّ رَجَعَ الْأَسَدُ عَنْهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
حَدِيثُ الْغَزَالَةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ- إِمْلَاءً- ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونٍ، ثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هِلَالٍ الْجُعْفِيُّ عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ قَدِ اصْطَادُوا ظَبْيَةً فَشَدُّوهَا عَلَى عَمُودِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُخِذْتُ وَلِي خَشْفَانِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي أُرْضِعُهُمَا وَأَعُودُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَيْنَ صَاحِبُ هَذِهِ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: نَحْنُ يَا رَسُولَ الله، قال:
خَلُّوا عَنْهَا حَتَّى تَأْتِيَ خَشْفَيْهَا تُرْضِعُهُمَا وَتَرْجِعُ إِلَيْكُمْ. فَقَالُوا: مَنْ لَنَا بِذَلِكَ؟ قَالَ أَنَا، فَأَطْلَقُوهَا فَذَهَبَتْ فَأَرْضَعَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَيْهِمْ فَأَوْثَقُوهَا، فَمَرَّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أين أصحاب هَذِهِ؟
فَقَالُوا: هُوَ ذَا نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ. تَبِيعُونِيهَا؟ فَقَالُوا: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: خَلُّوا عَنْهَا، فَأَطْلَقُوهَا فَذَهَبَتْ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ- مِنْ أَصْلِهِ-، ثَنَا أَحْمَدُ ابن مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ نَصْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيَرِينَ بِالْبَصْرَةِ، ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، ثَنَا حَبَّانُ بْنُ أَغْلَبَ بْنِ تَمِيمٍ، ثَنَا أَبِي، عَنْ هشام بن حبان عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ

(6/147)


أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قالت: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجر مِنَ الْأَرْضِ إِذَا هَاتِفُ يَهْتِفُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، قَالَ: فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَإِذَا الْهَاتِفُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قال: فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، وَإِذَا الْهَاتِفُ يَهْتِفُ بِي، فَاتَّبَعْتُ الصَّوْتَ وَهَجَمْتُ عَلَى ظَبْيَةٍ مَشْدُودَةٍ فِي وَثَاقٍ، وَإِذَا أَعْرَابِيٌّ مُنْجَدِلٌ فِي شَمْلَةٍ نَائِمٌ فِي الشَّمْسِ، فَقَالَتِ الظَّبْيَةُ: يَا رَسُولَ الله، إن هذا الأعرابي صادني قبل، وَلِي خَشْفَانِ فِي هَذَا الْجَبَلِ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُطْلِقَنِي حَتَّى أُرْضِعَهُمَا ثُمَّ أَعُودُ إِلَى وَثَاقِي؟ قَالَ: وَتَفْعَلِينَ؟ قَالَتْ: عَذَّبَنِي اللَّهُ عَذَابَ الْعِشَارِ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ، فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَمَضَتْ فَأَرْضَعَتِ الْخَشْفَيْنِ وجاءت، قَالَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوثِقُهَا إِذِ انْتَبَهَ الْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُهَا قُبَيْلًا. فَلَكَ فِيهَا مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هِيَ لَكَ، فَأَطْلَقَهَا فَخَرَجَتْ تَعْدُو فِي الصَّحْرَاءِ فَرَحًا وَهِيَ تَضْرِبُ بِرِجْلَيْهَا فِي الْأَرْضِ وَتَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَقَدْ رَوَاهُ آدم بن أبى إياس فقال: حدثني حبي الصدوق، نوح ابن الْهَيْثَمِ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ أَغْلَبَ، عَنْ أَبِيهِ، عن هشام بن حبان وَلَمْ يُجَاوِزْهُ بِهِ، [وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْفَقِيهُ فِي كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمِ بْنِ مَهْدِيٍّ عن ابن أَغْلَبَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ هِشَامِ بن حبان عن الحسن بن ضبة بن أبى سَلَمَةَ بِهِ] وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ:
أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ- إِجَازَةً- أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشيباني: ثنا أحمد بن حازم ابن أبى عروة الْغِفَارِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، ثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَبْيَةٍ مَرْبُوطَةٍ إِلَى خِبَاءٍ فَقَالَتْ: يا رسول الله خلنى حتى أذهب فأرضع خشفىّ ثم أرجع فتر بطني، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَيْدُ قَوْمٍ وَرَبِيطَةُ قَوْمٍ، قَالَ: فَأَخَذَ عَلَيْهَا فَحَلَفَتْ لَهُ، قَالَ: فَحَلَّهَا، فَمَا مَكَثَتْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَتْ وَقَدْ نَفَضَتْ مَا فِي ضَرْعِهَا، فَرَبَطَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَى خِبَاءَ أَصْحَابِهَا، فَاسْتَوْهَبَهَا مِنْهُمْ فَوَهَبُوهَا لَهُ فَحَلَّهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَعْلَمُ الْبَهَائِمُ مِنَ الْمَوْتِ مَا تَعْلَمُونَ، مَا أَكَلْتُمْ مِنْهَا سَمِينًا أَبَدًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا يَعْلَى بن إبراهيم الغزالي، ثنا الهيثم بن حماد عن أبى كثير عن يزيد بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ، قال: فمررنا بخباء أعرابى فإذا ظبية مَشْدُودَةٍ إِلَى الْخِبَاءِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ اصْطَادَنِي، وَإِنَّ لِي خَشْفَيْنِ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَقَدْ تَعَقَّدَ اللَّبَنُ فِي أَخَلَافِي، فَلَا هُوَ يَذْبَحُنِي فَأَسْتَرِيحَ، وَلَا هُوَ يَدَعُنِي فَأَرْجِعَ إِلَى خَشْفَيَّ فِي الْبَرِّيَّةِ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ تَرَكْتُكِ تَرْجِعِينَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَإِلَّا عَذَّبَنِيَ اللَّهُ عَذَابَ الْعِشَارِ، قَالَ: فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ جَاءَتْ تلمض، فَشَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخِبَاءِ، وَأَقْبَلَ الْأَعْرَابِيُّ

(6/148)


وَمَعَهُ قِرْبَةٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَبِيعُنِيهَا؟ قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: فأنا والله رأيتها تسبح فِي الْبَرِّيَّةِ. وَهِيَ تَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الحسن بن مطر، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى فَذَكَرَهُ قُلْتُ: وَفِي بَعْضِهِ نَكَارَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي باب تكثيره عليه السلام اللَّبَنَ حَدِيثَ تِلْكَ الشَّاةِ الَّتِي جَاءَتْ وَهِيَ فِي الْبَرِّيَّةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنُ بن سعيد مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَحْلُبَهَا فَحَلَبَهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فَذَهَبَتْ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَهَبَ بِهَا الَّذِي جَاءَ بِهَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ صَحَابِيَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثُ الضَّبِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ النَّكَارَةِ وَالْغَرَابَةِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّامَغَانِيُّ مِنْ سَاكِنِي قَرْيَةِ نَامِينَ مِنْ نَاحِيَةِ بَيْهَقَ- قِرَاءَةً عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ- ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ- فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ- ثنا محمد بْنِ الْوَلِيدِ السُّلَمِيِّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأعلى، ثنا معمر بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا كَهَمْسٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ بن عُمَرَ، عَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَحْفَلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَدْ صَادَ ضَبًّا وَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَيَشْوِيَهُ وَيَأْكُلَهُ، فَلَمَّا رَأَى الْجَمَاعَةَ قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الَّذِي يَذْكُرُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَجَاءَ فَشَقَّ الناس فقال: واللات والعزى ما شملت السماء عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلَا أَمْقُتُ مِنْكَ، وَلَوْلَا أَنْ يُسَمِّيَنِي قَوْمِي عَجُولًا لَعَجِلْتُ عَلَيْكَ فَقَتَلْتُكَ فَسَرَرْتُ بِقَتْلِكَ الْأَسْوَدَ وَالْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ وَغَيْرَهُمْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَأَقُومَ فَأَقْتُلَهُ. قَالَ: يَا عُمَرُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَلِيمَ كَادَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا؟ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْأَعْرَابِيِّ وَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَقُلْتَ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَمْ تُكْرِمْنِي فِي مَجْلِسِي؟
فَقَالَ: وَتُكَلِّمُنِي أَيْضًا؟ - اسْتِخْفَافًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا آمِنْتُ بك أويؤمن بِكَ هَذَا الضَّبُّ- وَأَخْرَجَ الضَّبَّ مِنْ كُمِّهِ وَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَا ضَبُّ، فَأَجَابَهُ الضَّبُّ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ يَسْمَعُهُ الْقَوْمُ جَمِيعًا: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا زَيْنُ مَنْ وَافَى الْقِيَامَةَ قَالَ: مَنْ تَعْبُدُ يَا ضَبُّ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ، وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانُهُ، وَفِي الْبَحْرِ سَبِيلُهُ، وَفِي الْجَنَّةِ رَحْمَتُهُ، وَفِي النَّارِ عِقَابُهُ، قَالَ: فَمَنْ أَنَا يَا ضَبُّ؟ فَقَالَ: رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ صَدَّقَكَ، وَقَدْ خَابَ مَنْ كَذَّبَكَ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ وَاللَّهُ لَا أَتَّبِعُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكَ وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَبْغَضُ إِلَيَّ منك، وإنك اليوم أحب إليّ من والدي وَمِنْ عَيْنِي وَمِنِّي، وَإِنِّي لَأُحِبُّكَ بِدَاخِلِي وَخَارِجِي، وَسِرِّي وَعَلَانِيَتِي، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: الحمد الله الَّذِي هَدَّاكَ بِي، إِنَّ هَذَا الدِّينَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى وَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِصَلَاةٍ، وَلَا تقبل

(6/149)


الصَّلَاةُ إِلَّا بِقُرْآنٍ، قَالَ: فَعَلِّمْنِي، فَعَلَّمَهُ قُلْ هو الله أحد، قَالَ: زِدْنِي فَمَا سَمِعْتُ فِي الْبَسِيطِ وَلَا فِي الْوَجِيزِ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، قَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ إِنَّ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ، لَيْسَ بِشِعْرٍ، إِنَّكَ إِنْ قَرَأْتَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مَرَّةً كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَ القرآن، وإن قرأتها مَرَّتَيْنِ كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَيِ الْقُرْآنِ، وَإِذَا قَرَأَتَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ لَكَ كَأَجْرِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نِعْمَ الْإِلَهُ إِلَهُنَا. يَقْبَلُ الْيَسِيرَ وَيُعْطِي الْجَزِيلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَكَ مَالٌ؟ فَقَالَ: مَا فِي بَنِي سُلَيْمٍ قَاطِبَةً رَجُلٌ هُوَ أَفْقَرُ مِنِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: أَعْطُوهُ، فَأَعْطَوْهُ حَتَّى أَبْطَرُوهُ، قَالَ: فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَهُ عِنْدِي نَاقَةً عُشَرَاءَ، دُونَ الْبُخْتِيَّةِ وَفَوْقَ الْأَعْرَى، تَلْحَقُ وَلَا تُلْحَقُ أُهْدِيَتْ إِلَيَّ يَوْمِ تَبُوكَ، أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَدْفَعُهَا إِلَى الْأَعْرَابِيِّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَصَفْتَ نَاقَتَكَ، فَأَصِفُ مَا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ نَاقَةٌ مِنْ دُرَّةٍ جَوْفَاءَ قَوَائِمُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ أَخْضَرَ وَعُنُقُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ أَصْفَرَ عَلَيْهَا هَوْدَجٌ، وَعَلَى الْهَوْدَجِ السُّنْدُسُ وَالْإِسْتَبْرَقُ، وَتَمُرُّ بِكَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ. يَغْبِطُكَ بِهَا كُلٌّ مَنْ رَآكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ رَضِيتُ. فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ فَلَقِيَهُ أَلْفُ أَعْرَابِيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى أَلْفِ دَابَّةٍ، مَعَهُمْ أَلْفُ سَيْفٍ وَأَلْفُ رُمْحٍ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نَذْهَبُ إِلَى هَذَا الَّذِي سَفَّهَ آلِهَتَنَا فَنَقْتُلُهُ. قَالَ: لَا تَفْعَلُوا، أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وحدثهم الحديث، فقالوا بأجمعهم: نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ دَخَلُوا، فَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ، فتلقاهم بلا رداء، ونزلوا عن ركبهم يقبلون حيث ولوا عنه وَهُمْ يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مُرْنَا بِأَمْرِكَ. قَالَ:
كُونُوا تَحْتَ رَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَلَمْ يُؤْمِنْ مِنَ الْعَرَبِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ أَلْفٌ غَيْرُهُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَدْ أَخْرَجَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فِي الْمُعْجِزَاتِ بِالْإجَازَةِ عَنْ أَبِي أَحْمَدِ بْنِ عَدِيٍّ الْحَافِظِ قُلْتُ، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدلائل عن أبى القاسم بْنِ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيِّ- إِمْلَاءً وَقِرَاءَةً-: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن على بن الوليد السلمي البصري أبو بكر بن كنانة. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ محمد ابن على بن الوليد السلمي. قال البيهقي: روى فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ أَمْثَلُ الْأَسَانِيدِ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى هَذَا السُّلَمِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[حَدِيثُ الْحِمَارِ
وَقَدْ أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ من الحفاظ الكبار فقال أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن حمدان السحركى، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ، حَدَّثَنَا أبو جعفر محمد بن يزيد- إِمْلَاءً-، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي مَنْظُورٍ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَصَابَهُ مِنْ سَهْمِهِ أربعة

(6/150)


أزواج بغال وَأَرْبَعَةُ أَزْوَاجِ خِفَافٍ، وَعَشْرُ أَوَاقِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَحِمَارٌ أَسْوَدُ، وَمِكْتَلٌ، قَالَ: فَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِمَارَ فَكَلَّمَهُ الْحِمَارُ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ، قَالَ: يَزِيدُ بْنُ شِهَابٍ، أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ نَسْلِ جَدِّي سِتِّينَ حِمَارًا كلهم لم يركبهم إلا نبي، لم يَبْقَ مِنْ نَسَلِ جَدِّي غَيْرِي، وَلَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُكَ، وَقَدْ كُنْتُ أَتَوَقَعُكَ أَنْ تَرْكَبَنِي، قَدْ كُنْتُ قَبْلَكَ لِرَجُلٍ يَهُودِيٍّ، وَكُنْتُ أُعْثِرُ بِهِ عَمْدًا، وَكَانَ يُجِيعُ بَطْنِي وَيَضْرِبُ ظَهْرِي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: سميتك يعفور، يا يعفور، قال: لبيك، قال: تشتهي الْإِنَاثَ؟
قَالَ: لَا، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُهُ لِحَاجَتِهِ، فَإِذَا نَزَلَ عَنْهُ بَعَثَ بِهِ إِلَى بَابِ الرَّجُلِ فَيَأْتِي الْبَابَ فَيَقْرَعُهُ بِرَأْسِهِ فَإِذَا خَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ أَجِبْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلّم جاء الى بئر كان لأبى الهيثم بن النبهان فَتَرَدَّى فِيهَا فَصَارَتْ قَبْرَهُ جَزَعًا مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [1]
حديث الحمرة وهو طَائِرٌ مَشْهُورٌ
قَالَ أَبُو دَاوُدِ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فدخل رجل غيطة فَأَخْرَجَ بَيْضَةَ حُمَّرَةٍ فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ تَرِفُّ عَلَى رسول الله وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ من القوم: أنا أخذت بيضتها، فقال: رده رده رحمة بها وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أبيه قال: كنا مع رسول الله فِي سَفَرٍ فَمَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ فِيهَا فَرْخَا حُمَّرَةٍ فَأَخَذْنَاهُمَا، قَالَ: فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي تفرّش، فَقَالَ: مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِفَرْخَيْهَا؟ قَالَ: فَقُلْنَا: نَحْنُ، قَالَ: رُدُّوهُمَا، فَرَدَدْنَاهُمَا إِلَى مَوْضِعِهِمَا فَلَمْ تَرْجِعْ
حَدِيثٌ آخَرَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ غَرَابَةٌ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ قَالَا: ثنا أبو العباس محمد ابن يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُتْبَةَ الْكِنْدِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، ثَنَا حبان، ثنا أبو سعيد الْبَقَّالُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ، قَالَ: فَذَهَبَ يَوْمًا فَقَعَدَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وَنَزَعَ خُفَّيْهِ، قَالَ: وَلَبِسَ أَحَدَهُمَا، فَجَاءَ طَيْرٌ فَأَخَذَ الْخُفَّ الْآخَرَ فَحَلَّقَ بِهِ فِي السَّمَاءِ. فَانْسَلَّتْ مِنْهُ أَسْوَدُ سَالِخٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِيَ اللَّهُ بِهَا، اللَّهمّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا مشى على رجليه، ومن شر ما يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مالك
__________
[1] جميع ما بين الأقواس المربعة زيادة من التيمورية.

(6/151)


أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم ومعهما مثل المصباحين بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ وَرَجُلًا آخر من الأنصاري تَحَدَّثَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ لَهُمَا حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ، وَهِيَ لَيْلَةٌ شَدِيدَةُ الظُّلْمَةِ حَتَّى خَرَجَا مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقَلِبَانِ، وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ فأضاءت عصى أَحَدِهِمَا لَهُمَا حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا، حَتَّى إِذَا افْتَرَقَتْ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِلْآخَرِ عَصَاهُ حتى مشى في ضوئها حتى أتى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْءِ عَصَاهُ حَتَّى بَلَغَ أَهْلَهُ وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ. فَقَالَ: وَقَالَ مَعْمَرٌ فَذَكَرَهُ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ: أن عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ وَأُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي بكر بن نافع عن بشر بْنِ أُسَيْدٍ، وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ ابن مِهْرَانَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنَا كَامِلُ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ وَكَانَ يُصَلِّي فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُمَا فَوَضَعَهُمَا وَضْعًا رَفِيقًا، فَإِذَا عَادَ عَادَا، فَلَمَّا صَلَّى جَعَلَ واحدا هاهنا وواحدا هاهنا، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَّا أَذْهَبُ بهما إلى أمهما؟ فَبَرَقَتْ بِرْقَةٌ فَقَالَ: الْحَقَا بِأُمِّكُمَا، فَمَا زَالَا يَمْشِيَانِ فِي ضَوْئِهَا حَتَّى دَخَلَا.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتفرقنا في ليلة ظلماء دحسة، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هَلَكَ مِنْهُمْ، وَإِنَّ أَصَابِعِي لَتُنِيرُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيِّ. عَنْ سفيان بن حمزة ورواه الطبراني من حديث إبراهيم ابن حمزة الزهري عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَمْزَةَ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الله المدني، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عَبْسٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، أَخْبَرَنِي مَيْمُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَبْسٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ أَبَا عَبْسٍ، كَانَ يُصَلِّي مَعَ

(6/152)


رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَنِي حَارِثَةَ، فَخَرَجَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مَطِيرَةٍ، فَنُوِّرَ لَهُ فِي عَصَاهُ حَتَّى دَخَلَ دَارَ بَنِي حَارِثَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَبُو عَبْسٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا. قُلْتُ: وَرَوَيْنَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ وَهُوَ مِنَ التَّابِعِيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ مِنْ جِسْرِيْنِ فَرُبَّمَا أَضَاءَتْ لَهُ إِبْهَامُ قَدَمِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي قِصَّةِ إِسْلَامِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ بِمَكَّةَ قبل الهجرة، وأنه سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً يَدْعُو قَوْمَهُ بِهَا، فَلَمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِمْ وَانْهَبَطَ مِنَ الثَّنِيَّةِ أَضَاءَ لَهُ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. فَقَالَ: اللَّهمّ [لَا] يَقُولُوا: هُوَ مُثْلَةٌ. فَحَوَّلَهُ اللَّهُ إِلَى طَرَفِ سَوْطِهِ حَتَّى جَعَلُوا يرونه مثل القنديل.
حَدِيثُ آخَرٌ فِيهِ كَرَامَةٌ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ
رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ معاوية ابن حَرْمَلٍ قَالَ: خَرَجَتْ نَارٌ بِالْحَرَّةِ فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فَقَالَ: قُمْ إِلَى هَذِهِ النَّارِ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ أَنَا وَمَا أَنَا؟ قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَامَ مَعَهُ، قَالَ: وَتَبِعْتُهُمَا، فَانْطَلَقَا إِلَى النَّارِ، فَجَعَلَ تَمِيمٌ يَحُوشُهَا بِيَدَيْهِ حَتَّى دَخَلَتِ الشِّعْبَ وَدَخَلَ تَمِيمٌ خَلْفَهَا، قَالَ: فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: لَيْسَ مَنْ رَأَى كَمَنْ لَمْ يَرَ، قَالَهَا ثلاثا.
حديث فيه كرامة لو لي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ
وَهِيَ مَعْدُودَةٌ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ لأن كل ما يثبت لو لي فهو معجزة لنبيه.
قال الحسن بن عروة: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي سَبْرَةَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: أَقْبَلُ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، نَفَقَ حِمَارَهُ فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ:
اللَّهمّ إِنِّي جِئْتُ من الدفينة مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، وَأَنَا أَشْهَدُ أنك تحيي الموتي وتبعث من في القبور، لَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ عَلَيَّ الْيَوْمَ مِنَّةً، أَطْلُبُ إِلَيْكَ الْيَوْمَ أَنْ تَبْعَثَ حِمَارِي، فَقَامَ الْحِمَارُ يَنْفُضُ أُذُنَيْهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ كَرَامَةً لِصَاحِبِ الشَّرِيعَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَكَأَنَّهُ عِنْدَ إسماعيل عنهما وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كتاب «من عاش بَعْدَ الْمَوْتِ» : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَأَحْمَدُ بْنُ بُجَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: ثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ قَوْمًا أَقْبَلُوا مِنَ الْيَمَنِ مُتَطَوِّعِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَنَفَقَ حِمَارُ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَأَرَادُوهُ أَنْ يَنْطَلِقَ مَعَهُمْ فَأَبَى، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ إِنِّي جِئْتُ مِنَ الدفينة مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أنك تحيي الموتي وتبعث من في القبور، لا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ عَلِيَّ مِنَّةً، فَإِنِّي أَطْلُبُ إِلَيْكَ أَنْ تَبْعَثَ لِي حِمَارِي ثُمَّ قَامَ

(6/153)


إلى الحمار فَقَامَ الْحِمَارُ يَنْفُضُ أُذُنَيْهِ فَأَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ، ثُمَّ رَكِبَهُ وَأَجْرَاهُ فَلَحِقَ بِأَصْحَابِهِ، فَقَالُوا لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: شَأْنِي أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ حِمَارِي قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَأَنَا رَأَيْتُ الْحِمَارَ بِيعَ أَوْ يُبَاعُ فِي الْكُنَاسَةِ- يَعْنِي بِالْكُوفَةِ- قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: وَأَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ النَّخَعِيِّ، أَنَّ صَاحِبَ الْحِمَارِ رَجُلٌ مِنَ النَّخَعِ، يُقَالُ لَهُ نُبَاتَةُ بْنُ يَزِيدَ، خَرَجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ غَازِيًا، حَتَّى إذا كان يلقى عميرة نفق حماره فذكر القصة، غير أنه قال: فباعه بعد بالكناسة فَقِيلَ لَهُ: تَبِيعُ حِمَارَكَ وَقَدْ أَحْيَاهُ اللَّهُ لَكَ؟ قَالَ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ رَهْطِهِ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ فَحَفِظْتُ هَذَا الْبَيْتَ:
وَمِنَّا الَّذِي أَحْيَا الْإِلَهُ حِمَارَهُ ... وَقَدْ مَاتَ مِنْهُ كُلُّ عُضْوٍ وَمَفْصِلِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ رِضَاعِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا كَانَ مِنْ حِمَارَةِ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ وَكَيْفَ كَانَتْ تَسْبِقُ الرَّكْبَ فِي رُجُوعِهَا لَمَّا رَكِبَ مَعَهَا عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَضِيعٌ، وقد كانت أدمت بِالرَّكْبِ فِي مَسِيرِهِمْ إِلَى مَكَّةَ. وَكَذَلِكَ ظَهَرَتْ بَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي شَارِفِهِمْ- وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي كانوا يحلبونها- وشياههم وسمنهم وَكَثْرَةِ أَلْبَانِهَا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
قِصَّةُ أُخْرَى مَعَ قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ خِدَاشِ بْنِ عَجْلَانَ الْمُهَلَّبَيِّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ بشار قالا:
ثنا صالح المزي عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: عُدْنَا شَابًّا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ مَاتَ فَأَغْمَضْنَاهُ وَمَدَدْنَا عَلَيْهِ الثَّوْبَ، وَقَالَ بَعْضُنَا لِأُمِّهِ: احْتَسِبِيهِ، قَالَتْ: وَقَدْ مات؟
قُلْنَا: نَعَمْ، فَمَدَّتْ يَدَيْهَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ: اللَّهمّ إِنِّي آمَنْتُ بِكَ، وَهَاجَرْتُ إِلَى رَسُولِكَ، فَإِذَا نَزَلَتْ بِي شِدَّةٌ دَعْوْتُكَ فَفَرَّجْتَهَا، فَأَسْأَلُكَ اللَّهمّ لا تَحْمِلَ عَلَيَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ، قَالَ: فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى أَكَلْنَا وَأَكَلَ مَعَنَا وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَالِينِيِّ عَنِ ابْنِ عدي عن محمد ابن طاهر بن أبى الدميل عن عبد اللَّهِ بْنِ عَائِشَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ بَشِيرٍ المزني- أَحَدِ زُهَّادِ الْبَصْرَةِ وَعُبَّادِهَا- مَعَ لِينٍ فِي حديثه عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهِ أَنَّ أُمَّ السَّائِبِ كَانَتْ عَجُوزًا عَمْيَاءَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلٍ- يَعْنِي فِيهِ انقطاع- عن ابن عدي وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا لَوْ كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَا تَقَاسَمَهَا الْأُمَمُ، قُلْنَا: مَا هِيَ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ: كُنَّا فِي الصُّفَّةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مُهَاجِرَةٌ وَمَعَهَا ابْنٌ لَهَا قَدْ بَلَغَ، فَأَضَافَ الْمَرْأَةَ إِلَى النِّسَاءِ وَأَضَافَ ابْنَهَا إِلَيْنَا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَصَابَهُ وَبَاءُ الْمَدِينَةِ فَمَرِضَ أَيَّامًا ثُمَّ قُبِضَ، فَغَمَّضَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِجِهَازِهِ، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نُغَسِّلَهُ قَالَ: يَا أَنَسُ ائْتِ أُمَّهُ فَأَعْلِمْهَا، فَأَعْلَمْتُهَا، قَالَ: فَجَاءَتْ حَتَّى جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ فأخذت بهما ثم

(6/154)


قالت: اللَّهمّ إني أسلمت لك طوعا، وخالفت الْأَوْثَانَ زُهْدًا، وَهَاجَرْتُ لَكَ رَغْبَةً، اللَّهمّ لَا تشمت بي عبدة الأوثان، ولا تحملني من هَذِهِ الْمُصِيبَةِ مَا لَا طَاقَةَ لِي بِحَمْلِهَا، قال: فو الله مَا انْقَضَى كَلَامُهَا حَتَّى حَرَّكَ قَدَمَيْهِ وَأَلْقَى الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَعَاشَ حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَتَّى هَلَكَتْ أُمُّهُ قَالَ: ثُمَّ جَهَّزَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جيشا واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي، قال أنس: وكنت في غزاته فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا آثار الماء، والحر شديد، فجهدنا الْعَطَشُ وَدَوَابَّنَا وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا مَالَتِ الشَّمْسُ لِغُرُوبِهَا صَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شيئا. قال: فو الله مَا حَطَّ يَدَهُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا وَأَنْشَأَ سَحَابًا وَأَفْرَغَتْ حَتَّى مَلَأَتِ الْغُدُرَ وَالشِّعَابَ، فَشَرِبْنَا وَسَقَيْنَا رِكَابَنَا وَاسْتَقَيْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا عَدُوَّنَا وَقَدْ جَاوَزُوا خَلِيجًا فِي الْبَحْرِ إِلَى جَزِيرَةٍ، فَوَقَفَ عَلَى الْخَلِيجِ وَقَالَ: يَا عَلِيُّ، يَا عَظِيمُ، يَا حَلِيمُ، يَا كَرِيمُ، ثُمَّ قَالَ: أَجِيزُوا بِسْمِ اللَّهِ، قَالَ: فَأَجَزْنَا مَا يَبُلُّ الْمَاءُ حَوَافِرَ دَوَابِّنَا، فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا فأصبنا العدو عليه فَقَتَلْنَا وَأَسَرْنَا وَسَبَيْنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا الْخَلِيجَ، فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَأَجَزْنَا مَا يَبُلُّ الْمَاءُ حَوَافِرَ دَوَابِّنَا، قَالَ: فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى رُمِيَ فِي جِنَازَتِهِ، قَالَ:
فَحَفَرْنَا لَهُ وَغَسَّلْنَاهُ وَدَفَنَّاهُ، فَأَتَى رَجُلٌ بَعْدَ فَرَاغِنَا مِنْ دَفْنِهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْنَا: هَذَا خَيْرُ الْبَشَرِ، هَذَا ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ تَلْفِظُ الْمَوْتَى، فَلَوْ نَقَلْتُمُوهُ إِلَى مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ، إِلَى أَرْضٍ تَقْبَلُ الْمَوْتَى، فَقُلْنَا: مَا جَزَاءُ صَاحِبِنَا أَنْ نُعَرِّضَهُ لِلسِّبَاعِ تَأْكُلُهُ، قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا عَلَى نَبْشِهِ، فَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى اللَّحْدِ إِذَا صَاحِبُنَا لَيْسَ فِيهِ، وَإِذَا اللَّحْدُ مَدَّ الْبَصَرِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، قَالَ: فَأَعَدْنَا التُّرَابَ إِلَى اللَّحْدِ ثُمَّ ارْتَحَلْنَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي اسْتِسْقَائِهِ وَمَشْيِهِمْ عَلَى الْمَاءِ دُونَ قِصَّةِ الْمَوْتِ بِنَحْوٍ مَنْ هَذَا وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ إِسْنَادًا آخَرَ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ مَطَرٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن سَهْمٍ عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ فِي الدُّعَاءِ: يَا عَلِيمُ، يَا حَلِيمُ، يَا عَلِيُّ، يَا عَظِيمُ، إِنَّا عَبِيدُكَ وَفِي سَبِيلِكَ نُقَاتِلُ عَدُوَّكَ، اسْقِنَا غَيْثًا نَشْرَبُ مِنْهُ وَنَتَوَضَّأُ، فَإِذَا تَرَكْنَاهُ فَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ نَصِيبًا غَيْرَنَا، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: اجْعَلْ لَنَا سَبِيلًا إِلَى عَدُوِّكَ، وَقَالَ فِي الْمَوْتِ: أَخْفِ جُثَّتِي وَلَا تُطْلِعْ عَلَى عَوْرَتِي أَحَدًا فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قِصَّةٌ أُخْرَى
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، ثَنَا الحسن بن على بن عثمان، ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: انْتَهَيْنَا إِلَى دِجْلَةَ وَهِيَ مَادَّةٌ وَالْأَعَاجِمُ خَلْفَهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اقْتَحَمَ بِفَرَسِهِ فَارْتَفَعَ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ النَّاسُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ اقْتَحَمُوا فَارْتَفَعُوا عَلَى الْمَاءِ فَنَظَرَ إِلَيْهِمُ الْأَعَاجِمُ وَقَالُوا: دِيوَانُ دِيوَانُ، ثُمَّ ذَهَبُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ قَالَ: فَمَا فقد

(6/155)


الناس إلا قدحا كان معلقا بعذبة سرج، فَلَمَّا خَرَجُوا أَصَابُوا الْغَنَائِمَ فَاقْتَسَمُوهَا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ:
مَنْ يُبَادِلُ صَفْرَاءَ بِبَيْضَاءَ؟.
قِصَّةٌ أُخْرَى
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أنا أبو عبد الله بن محمد السمري، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا: ثَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى دِجْلَةَ وَهِيَ ترمى بالخشب مِنْ مَدِّهَا، فَمَشَى عَلَى الْمَاءِ وَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ مَتَاعِكُمْ شَيْئًا فَنَدْعُوَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إسناد صحيح. قلت: وستأتي قصة مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ- وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثُوَبٍ- مَعَ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ حِينَ أَلْقَاهُ فِي النَّارِ فَكَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى الخليل إبراهيم عليه السلام.
قِصَّةُ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ وَكَلَامُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ
وَشَهَادَتُهُ بِالرِّسَالَةِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْخِلَافَةِ لِأَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ ثُمَّ لِعُمْرَ ثُمَّ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، أَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ القاضي، ثنا أبو على بن محمد بن عمرو بن كَشْمُرْدُ، أَنَا الْقُعْنَبِيُّ، أَنَا سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب أن زيد بن خارجة الأنصاري ثم مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ تُوُفِّيَ زَمَنَ عثمان ابن عَفَّانَ فَسُجِّيَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ سَمِعُوا جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ ثُمَّ تَكَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: أَحْمَدُ أَحْمَدُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ الضَّعِيفُ فِي نَفْسِهِ الْقَوِيُّ فِي أَمْرِ اللَّهِ، فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، صَدَقَ صَدَقَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى منهاجهم مضت أربع وبقيت ثنتان أتت بالفتن، وأكل الشديد الضعيف وقامت الساعة وسيأتيكم عن جَيْشِكُمْ خَبَرُ، بِئْرِ أَرِيسَ، وَمَا بِئْرُ أَرِيسَ قَالَ يَحْيَى: قَالَ سَعِيدُ: ثُمَّ هَلَكَ رَجُلٌ من بني خطمة فسجي بثوبه، فسمع جلجلة فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَخَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ صَدَقَ صَدَقَ ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ فَذَكَرَهُ وَقَالَ:
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَهُ شَوَاهِدٌ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ «مَنْ عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ» : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. قَالَ: جَاءَ يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ إِلَى حَلْقَةِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِكِتَابِ أبيه النعمان ابن بَشِيرٍ- يَعْنِي إِلَى أُمِّهِ- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ إِلَى أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ أَبِي هَاشِمٍ، سَلَامٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَإِنَّكِ كَتَبْتِ إِلَيَّ لِأَكْتُبَ إِلَيْكِ بِشَأْنِ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ أَخَذَهُ وَجَعٌ فِي حَلْقِهِ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَصَحِّ النَّاسِ أَوْ أَهْلِ

(6/156)


الْمَدِينَةِ- فَتُوُفِّيَ بَيْنَ صَلَاةِ الْأَوْلَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَأَضْجَعْنَاهُ لِظَهْرِهِ وَغَشَّيْنَاهُ بِبَرْدَيْنِ وَكِسَاءٍ، فَأَتَانِي آتٍ فِي مَقَامِي، وَأَنَا أُسَبِّحُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ: إِنَّ زَيْدًا قَدْ تَكَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ مُسْرِعًا، وَقَدْ حَضَرَهُ قَوْمٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ يَقُولُ أَوْ يُقَالُ عَلَى لِسَانِهِ: الْأَوْسَطُ أَجْلَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِي كَانَ لَا يُبَالِي فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، كَانَ لَا يَأْمُرُ النَّاسَ أَنْ يَأْكُلَ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهُمْ، عَبْدُ اللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَدَقَ صَدَقَ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ قَالَ: عُثْمَانُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ يُعَافِي النَّاسَ مِنْ ذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ، خَلَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَ أَرْبَعٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ وَأَكَلَ بَعْضُهُمْ بعضا فلا نظام وأنتجت الأكماء، ثم ارعوى المؤمنين [1] وقال: كِتَابُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، أَيُّهَا النَّاسُ: أَقْبِلُوا عَلَى أَمِيرِكُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَمَنْ تَوَلَّى فَلَا يَعْهَدَنَّ دَمًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا، اللَّهُ أَكْبَرُ هَذِهِ الْجَنَّةُ وَهَذِهِ النَّارُ، وَيَقُولُ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ هَلْ أَحْسَسْتَ لِي خَارِجَةَ لِأَبِيهِ وَسَعْدًا اللَّذَيْنِ قُتِلَا يَوْمَ أُحُدٍ؟ (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فأوعى) ثُمَّ خَفَتَ صَوْتُهُ، فَسَأَلْتُ الرَّهْطَ عَمَّا سَبَقَنِي مِنْ كَلَامِهِ، فَقَالُوا: سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: أَنْصِتُوا أَنْصِتُوا، فَنَظَرَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ فَإِذَا الصَّوْتُ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ، قَالَ: فَكَشَفْنَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ رَسُولُ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ الْأَمِينُ، خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ كَانَ ضَعِيفًا فِي جِسْمِهِ، قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ صَدَقَ صَدَقَ وَكَانَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي نَصْرِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أبى عمرو بن بجير عن على بن الحسين عَنِ الْمُعَافَى بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ فَذَكَرَهُ وقال: هذا إسناد صحيح [وقد روى هشام بن عمار في كتاب البعث عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: حدثني عمير بن هانئ، حدثني النعمان بن بشير قال: توفى رجل منا يقال له: خارجة بن زيد فسجينا عليه ثوبا، فذكر نحو ما تقدم] قَالَ:
الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَذَكَرَ بِئْرَ أَرِيسَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْأَمْرُ فِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا فَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمْرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى وَقَعَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ خِلَافَتِهِ سِتِّ سِنِينَ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغَيَّرَتْ عُمَّالُهُ، وَظَهَرَتْ أَسْبَابُ الْفِتَنِ كَمَا قِيلَ عَلَى لِسَانِ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ. قُلْتُ:
وَهِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْلِهِ مَضَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَ أَرْبَعٌ أَوْ مَضَتْ أَرْبَعٌ وَبَقِيَ اثْنَتَانِ، عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ: زَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ شَهِدَ بَدْرًا، تُوُفِّيَ زَمَنَ عُثْمَانَ وَهُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِىَ فِي التَّكَلُّمِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَنْ جَمَاعَةٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: ثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثَنَا خَالِدٌ الطَّحَّانُ عَنْ حصين
__________
[1] كذا بالأصول التي بأيدينا ولعلها «المؤمنون» .

(6/157)


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رجلا من بنى سلمة تكلم فقال: محمد رسول الله، أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ، عُثْمَانُ اللِّينُ الرَّحِيمُ، قَالَ: وَلَا أَدْرِي أَيْشُ قَالَ فِي عُمَرَ كَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِهِ، وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَنَا حُصِينُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:
بَيْنَمَا هُمْ يُثَوِّرُونَ الْقَتْلَى يَوْمَ صِفِّينَ أَوْ يَوْمَ الْجَمَلِ، إِذْ تَكَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ الْقَتْلَى، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ عُمَرُ الشَّهِيدُ عُثْمَانُ الرَّحِيمُ ثُمَّ سَكَتَ [وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ فِي كتاب البعث.
بَابٌ فِي كَلَامِ الْأَمْوَاتِ وَعَجَائِبِهِمْ
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بن هشام الثقفي، حدثنا عبد الحكم بن عمير عن ربعي بن خراش العبسيّ قال:
مرض أخى الربيع بن خراش فمرضته ثُمَّ مَاتَ فَذَهَبْنَا نُجَهِّزُهُ، فَلَمَّا جِئْنَا رَفْعَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ:
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، قلنا: وعليك السلام، قدمت، قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ لَقِيتُ بَعْدَكُمْ رَبِّي وَلَقِيَنِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، ثُمَّ كَسَانِي ثيابا من سندس أخضر، وإني سألته أن يأذن لي أن أبشركم فأذن لي، وإن الأمر كما ترون، فسددوا وقاربوا، وبشروا ولا تنفروا، فَلَمَّا قَالَهَا كَانَتْ كَحَصَاةٍ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ ثم أورد بأسانيد كَثِيرَةً فِي هَذَا الْبَابِ وَهِيَ آخِرُ كِتَابِهِ] . [1]
حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصِّفَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، ثنا شاصونة بن عبيد أبو محمد اليماني- وَانْصَرَفْنَا مِنْ عَدَنَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا الْحَرْدَةُ- حَدَّثَنِي مُعْرِضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعْرِضِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ الْيَمَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: حَجَجْتُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَدَخَلْتُ دَارًا بِمَكَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْهُهُ مِثْلُ دَارَةِ الْقَمَرِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ عَجَبًا، جَاءَهُ رَجُلٌ بِغُلَامٍ يَوْمَ وُلِدَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: صدقت، بارك الله فيك، ثم قال: إِنَّ الْغُلَامَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى شَبَّ، قَالَ أَبِي: فَكُنَّا نُسَمِّيهُ مُبَارَكُ الْيَمَامَةِ، قَالَ شَاصُونَةُ: وَقَدْ كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى مَعْمَرٍ فَلَا أَسْمَعُ مِنْهُ. قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تكلم الناس في محمد ابن يُونُسَ الْكُدَيْمِيِّ بِسَبَبِهِ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَاسْتَغْرَبُوا شَيْخَهُ هذا، وليس هذا مما ينكر عقلا وَلَا شَرْعًا، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ جُرَيْجٍ الْعَابِدِ أَنَّهُ اسْتَنْطَقَ ابْنَ تِلْكَ البغي، فقال له: يا أبا يونس، ابْنُ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: ابْنُ الرَّاعِي، فَعَلِمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَرَاءَةَ عِرْضِ جُرِيْجٍ مِمَّا كَانَ نسب إليه
__________
[1] ما بين الأقواس المربعة زيادة من التيمورية.

(6/158)


وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْكُدَيْمِيِّ إِلَّا أَنَّهُ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ أَيْضًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدُ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابن جُمَيْعٍ الْغَسَّانِيُّ- بِثَغْرِ صَيْدَا-، ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مَحْبُوبِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدٍ أَبُو الْفَضْلِ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا جَدِّي شَاصُونَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي مُعْرِضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. قَالَ: حَجَجْتُ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَدَخَلْتُ دَارًا بِمَكَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَهُ كَدَارَةِ الْقَمَرِ، فَسَمِعْتُ مِنْهُ عَجَبًا أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ بِغُلَامٍ يَوْمَ وُلِدَ وَقَدْ لَفَّهُ فِي خِرْقَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا غُلَامُ مَنْ أَنَا؟
قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، ثُمَّ إِنَّ الْغُلَامَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقِ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ أحمد بن خلف بن محمد المقري الْقَزْوِينِيِّ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاصُونَةِ بِهِ قَالَ الْحَاكِمُ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عُمَرَ الزَّاهِدِ قَالَ: لَمَّا دَخَلْتُ الْيَمَنَ دَخَلْتُ حَرْدَةَ. فَسَأَلْتُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَوَجَدْتُ فِيهَا لِشَاصُونَةَ عَقِبًا، وَحُمِلْتُ إِلَى قَبْرِهِ فَزُرْتُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلِهَذَا الْحَدِيثِ أَصِلٌ مِنْ حَدِيثِ الْكُوفِيِّينَ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ يُخَالِفُهُ فِي وَقْتِ الْكَلَامِ. ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِصَبِيٍّ قَدْ شَبَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ رَوَى عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا قَدْ تَحَرَّكَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ مُنْذُ وُلِدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْنِيهِ مِنِّي، فَأَدْنَتْهُ مِنْهُ، فَقَالَ: مَنْ أَنَا؟ فَقَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ.
قِصَّةُ الصَّبِيِّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ فَدَعَا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَبَرَأَ
قَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ مَعَ قِصَّةِ الْجَمَلِ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ فَرْقَدٍ السنجى عن سعيد بن جبير بن عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِوَلَدِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رسول الله إن به لمما وأنه يأخذه عِنْدَ طَعَامِنَا فَيُفْسِدُ عَلَيْنَا طَعَامَنَا، قَالَ: فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ وَدَعَا لَهُ فَثَعَّ ثَعَّةً فَخَرَجَ مِنْهُ مِثْلُ الجر والأسود يسعى، تفرد به أحمد. وفرقد السنجى رجل صالح ولكنه سيئ الْحِفْظِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ واحتمل حديثه ولما رواه هاهنا شاهد مما تقدم وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْقِصَّةُ هِيَ كما سَبَقَ إِيرَادُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُخْرَى غَيْرَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا صَدَقَةُ- يَعْنِي ابن موسى-

(6/159)


ثنا فرقد- يعنى السنجى- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْخَبِيثَ قَدْ غَلَبَنِي، فَقَالَ لَهَا: إِنْ تَصْبِرِي عَلَى مَا أَنْتَ عليه تجيئين يوم القيامة ليس عليك ذنوب ولا حساب، قَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَصْبِرَنَّ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ، قَالَتْ: إِنِّي أَخَافُ الْخَبِيثَ أَنْ يُجَرِّدَنِي، فَدَعَا لَهَا فَكَانَتْ إِذَا خَشِيَتْ أَنْ يَأْتِيَهَا تَأْتِي أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ فَتَعَلَّقُ بِهَا وَتَقُولُ لَهُ: اخْسَأْ، فَيَذْهَبُ عَنْهَا. قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَصَدَقَةُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَفَرْقَدٌ حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ واحتمل حديثه على سوء حفظه فيه.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ الْإِمَامُ أحمد: حدثنا يحيى بن عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ، ثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قَالَ: هَذِهِ السَّوْدَاءُ أَتَتْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إني أصرع وأنكشف فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكِ أن يعافيك، قالت: لا بل أصبر فادع الله ألا أنكشف ولا يَنْكَشِفُ عَنِّي، قَالَ:
فَدَعَا لَهَا وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى- وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ- وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْقَوَارِيرِيِّ عَنْ يحيى القطان وبشر بن الفضل كِلَاهُمَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ أَبِي بَكْرٍ الفقيه الْبَصْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حدثنا محمد، ثنا مَخْلَدٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ امْرَأَةٌ طَوِيلَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابن الأثير في الغاية أَنَّ أُمَّ زُفَرَ هَذِهِ كَانَتْ مَشَّاطَةَ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ قَدِيمًا، وَأَنَّهَا عُمِّرَتْ حَتَّى أَدْرَكَهَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فاللَّه أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ الضوى، ثَنَا إِيَاسُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَتِ الْحُمَّى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْعَثْنِي إِلَى أَحَبِّ قَوْمِكَ إِلَيْكَ أَوْ أَحَبِّ أَصْحَابِكَ إِلَيْكَ، شَكَّ قُرَّةٌ، فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَى الْأَنْصَارِ، فَذَهَبَتْ إِلَيْهِمْ فَصَرَعَتْهُمْ، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَتَتِ الْحُمَّى عَلَيْنَا فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِالشِّفَاءِ فَدَعَا لَهُمْ، فَكُشِفَتْ عَنْهُمْ، قَالَ: فَاتَّبَعَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي، فَإِنِّي لَمِنَ الْأَنْصَارِ فَادْعُ اللَّهَ لِي كَمَا دَعَوْتَ لَهُمْ، فَقَالَ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ أَنْ أَدْعُوَ لَكِ فَيَكْشِفُ عَنْكِ، أَوْ تَصْبِرِينَ وَتَجِبُ لَكِ الْجَنَّةُ؟ فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلْ أَصْبِرُ ثَلَاثًا وَلَا أَجْعَلُ وَاللَّهِ لِجَنَّتِهِ خَطَرًا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ ضَعِيفٌ وَقَدْ قال البيهقي: أنا على

(6/160)


ابن أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حنبل، ثنا أبى، ثنا هشام ابن لَاحِقٍ- سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ- ثَنَا عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدَيِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: اسْتَأْذَنَتِ الْحُمَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا الْحُمَّى، أَبْرِي اللَّحْمَ، وَأَمُصُّ الدَّمَ، قَالَ: اذْهَبِي إِلَى أَهْلِ قُبَاءٍ، فَأَتَتْهُمْ فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اصْفَرَّتْ وُجُوهُهُمْ، فَشَكَوْا إِلَيْهِ الْحُمَّى فَقَالَ لَهُمْ: مَا شِئْتُمْ؟ إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ فيكشف عَنْكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمُوهَا فَأَسْقَطَتْ ذُنُوبَكُمْ، قَالُوا: بَلْ نَدَعُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ ليس هو فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُذْهِبَ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ مَنْ أَوْبَأِ أَرْضِ اللَّهِ فَصَحَّحَهَا اللَّهُ بِبَرَكَةِ حُلُولِهِ بِهَا، وَدُعَائِهِ لِأَهْلِهَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا رَوْحٌ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ: أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِآخِرَتِكَ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ قَالَ: لَا، بَلِ ادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ ويصلّى رَكْعَتَيْنِ، وَأَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يا محمد إني أتوجه بك فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتُقْضَى وَتُشَفِّعُنِي فِيهِ وَتُشَفِّعُهُ فِيَّ. قَالَ: فَكَانَ يَقُولُ هَذَا مِرَارًا. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: أَحْسَبُ أَنَّ فِيهَا أَنْ تُشَفِّعَنِي فِيهِ، قَالَ:
فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرَأَ. وَقَدْ رَوَاهُ أحمد أيضا عن عثمان بن عمرو عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَالَ: اللَّهمّ شَفِّعْهُ فِيَّ، وَلَمْ يُقِلِ الْأُخْرَى، وَكَأَنَّهَا غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ سَيَّارٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عُثْمَانَ بن عمرو. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلا من حديث ابن جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ مؤمل بن حماد ابن سلمة بن أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ حِبَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ ثُمَّ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عَمِّهِ عثمان بن حنيف وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَعَلَّهُ عِنْدَ أبى جعفر الخطميّ من الوجهين والله عمه عثمان بن حنيف وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَعَلَّهُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ سعيد الحنطبى عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَهُ رَجُلٌ ضَرِيرٌ، فَشَكَا إِلَيْهِ ذهاب بصره،

(6/161)


فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صلّ ركعتين ثم قال: اللَّهمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إلى ربى فينجلي بَصَرِي، اللَّهمّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي. قال عثمان: فو الله مَا تَفَرَّقْنَا، وَلَا طَالَ الْحَدِيثُ بِنَا حَتَّى دخل الرجل كأنه لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ أَيْضًا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي رجل من بنى سلامان وبنى سعد عن أبيه عن خاله أو أن خاله أو خالها حبيب بن مريط حَدَّثَهَا أَنَّ أَبَاهُ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ مُبْيَضَّتَانِ لَا يُبْصِرُ بِهِمَا شَيْئًا أَصْلًا، فَسَأَلَهُ: مَا أَصَابَكَ؟ فقال كنت أرعى جملا لي فوقعت رجلي على بطن حية فأصبت ببصرى، قَالَ: فَنَفَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْنَيْهِ فَأَبْصَرَ، فَرَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَيُدْخِلُ الخيط في الإبرة وإنه لابن ثمانين سنة، وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَمُبْيَضَّتَانِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَذَا فِي كِتَابِهِ: وَغَيْرُهُ يَقُولُ، حَبِيبُ بْنُ مُدْرِكٍ، قَالَ: وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ فردها رسول الله إِلَى مَوْضِعِهَا، فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أُصِيبَتْ، قُلْتُ:
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَقْتَلِ أَبِي رَافِعٍ مَسْحَهُ بيده الكريمة على رجل جابر [1] بْنِ عَتِيكٍ- وَقَدِ انْكَسَرَ سَاقُهُ- فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ يَدَ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ- وَقَدِ احْتَرَقَتْ يَدُهُ بِالنَّارِ- فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ، وأنه عليه السلام نَفَثَ فِي كَفِّ شُرَحْبِيلَ الْجُعْفِيِّ فَذَهَبَتْ مِنْ كَفِّهِ سِلْعَةٌ كَانَتْ بِهِ قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرٍ تَفْلُهُ فِي عَيْنَيْ عَلِيٍّ وَهُوَ أَرْمَدُ فَبَرَأَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ حَدِيثَهُ في تعليمه عليه السَّلَامُ ذَلِكَ الدُّعَاءَ لِحِفْظِ الْقُرْآنِ فَحَفِظَهُ وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٍ: مَنْ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَنْسَى شَيْئًا مِنْ مَقَالَتِي، قَالَ: فَبَسَطْتُهُ فَلَمْ أَنْسَ شَيْئًا مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ، فَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ حِفْظًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِكُلِّ مَا سَمِعَهُ مِنْهُ في ذلك اليوم، وقيل: وَفِي غَيْرِهِ فاللَّه أَعْلَمُ وَدَعَا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَبَرَأَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ دَعَا لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَرْضَةٍ مَرِضَهَا وَطَلَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يدعو له ربه فدعا له فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا. وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرًا طَيِّبًا أَشَرْنَا إِلَى أَطْرَافٍ مِنْهُ وَتَرَكْنَا أَحَادِيثَ ضَعِيفَةَ الْإِسْنَادِ وَاكْتَفَيْنَا بِمَا أَوْرَدْنَا عَمَّا تَرَكْنَا وباللَّه الْمُسْتَعَانُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، زَادَ مُسْلِمٌ وَالْمُغِيرَةُ كِلَاهُمَا عَنْ شراحيل
__________
[1] في التيمورية «عبد الله» .

(6/162)


الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ قَدْ أَعْيَا. فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ، قَالَ: فَلَحِقَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهُ وَدَعَا لِي، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الْإِبِلِ قُدَّامَهَا حَتَّى كُنْتُ أَحْبِسُ خِطَامَهُ فَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى جَمَلَكَ؟ فَقُلْتُ: قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي مِقْدَارِ ثَمَنِهِ عَلَى رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَأَنَّهُ اسْتَثْنَى حُمْلَانَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ جَاءَهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَهُ ثَمَنَهُ وَزَادَهُ ثُمَّ أَطْلَقَ لَهُ الْجَمَلَ أَيْضًا، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَهُوَ في صحيح البخاري من حديث حسن بن محمد المروزي عن جرير ابن حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: فَزِعَ النَّاسُ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ، فَرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ:
لَنْ تُرَاعُوا إِنَّهُ لَبَحْرٌ، قال فو الله مَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، أَنَا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيِّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، ثَنَا رَافِعُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ زِيَادٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جُعَيْلٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ وَأَنَا عَلَى فَرَسٍ لِي عَجْفَاءُ ضَعِيفَةٌ، قَالَ: فَكُنْتُ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَلَحِقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ: سِرْ يَا صَاحِبَ الْفَرَسِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَجْفَاءُ ضَعِيفَةٌ، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِخْفَقَةً [1] مَعَهُ فَضَرَبَهَا بِهَا وَقَالَ: اللَّهمّ بارك له، قال: فلقد رأيتني أُمْسِكُ بِرَأْسِهَا أَنْ تَقْدُمَ النَّاسَ، وَلَقَدْ بِعْتُ مِنْ بَطْنِهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عن محمد ابن رَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ فَذَكَرَهُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ يَعِيشَ عَنْ زَيْدِ بن الخباب عَنْ رَافِعِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَشْجَعِيِّ فَذَكَرَهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ: وَقَالَ رَافِعُ بْنُ زِيَادِ بْنِ الْجَعْدِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ أَخِي سَالِمٍ عَنْ جُعَيْلٍ فَذَكَرَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، أَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا محمد ابن شَاذَانَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَقَالَ: هَلَّا نَظَرْتُ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا؟ قَالَ: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا، قَالَ: عَلَى كَمْ تزوجتها؟ فذكر شيئا، قال
__________
[1] المخفقة: الدرّة.

(6/163)


كَأَنَّهُمْ يَنْحِتُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذِهِ الْجِبَالِ، مَا عِنْدَنَا الْيَوْمَ شَيْءٌ نُعْطِيكَهُ، وَلَكِنْ سَأَبْعَثُكَ فِي وَجْهٍ تُصِيبُ فِيهِ، فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ وَبَعَثَ الرَّجُلَ فِيهِمْ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْيَتْنِي نَاقَتِي أَنْ تَنْبَعِثَ، قَالَ: فَنَاوَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ كَالْمُعْتَمِدِ عَلَيْهِ لِلْقِيَامِ، فَأَتَاهَا فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُهَا تَسْبِقُ بِهِ الْقَائِدَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعْينٍ عَنْ مَرْوَانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أبو زكريا بن أبى إسحاق المزني، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أنا أبو جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى بَعِيرًا فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ بَعِيرًا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي فِيهِ، فَقَالَ: اللَّهمّ بَارِكْ لَهُ فِيهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا أَنْ نَفَقَ، ثُمَّ اشْتَرَى بَعِيرًا آخر فَأَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ بَعِيرًا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي فِيهِ، فَقَالَ: اللَّهمّ بَارِكْ لَهُ فِيهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّى نَفَقَ، ثُمَّ اشْتَرَى بَعِيرًا آخَرَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِ اشْتَرَيْتُ بَعِيرَيْنِ فَدَعَوْتَ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي فِيهِمَا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَحْمِلَنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهمّ احْمِلْهُ عَلَيْهِ، فَمَكَثَ عِنْدَهُ عِشْرِينَ سَنَةً قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا مُرْسَلٌ وَدُعَاؤُهُ عَلَيْهِ السلام صَارَ إِلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الله الميكالى، ثنا على بن سعد العسكري، أنا أَبُو أُمَيَّةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا الْمُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ الرحمن بن حبيب بن أساف عن أبيه عن جده حبيب بْنِ إِسَافٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقُلْنَا: إِنَّا نَشْتَهِي أَنْ نَشْهَدَ مَعَكَ مَشْهَدًا، قَالَ: أَسْلَمْتُمْ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَأَسْلَمْنَا، وَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَتْنِي ضَرْبَةٌ عَلَى عَاتِقِي فَجَافَتْنِي، فَتَعَلَّقَتْ يَدِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَفَلَ فِيهَا وَأَلْزَقَهَا فَالْتَأَمَتْ وَبَرَأَتْ وَقَتَلْتُ الَّذِي ضَرَبَنِي، ثُمَّ تَزَوَّجْتُ ابْنَةَ الَّذِي قَتَلْتُهُ وَضَرَبَنِي، فَكَانَتْ تَقُولُ: لَا عَدِمْتَ رَجُلًا وَشَّحَكَ هَذَا الْوِشَاحَ، فَأَقُولُ: لَا عَدِمْتِ رَجُلًا أَعْجَلَ أَبَاكِ إِلَى النَّارِ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فَتَفَلَ فِيهَا فَبَرَأَتْ.
حَدِيثٌ آخَرُ
ثَبْتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ ورقاء بن عمر السكرى عن عبد الله بن يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَلَاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وضوءا فلما خرج قال:

(6/164)


من صنع هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: اللَّهمّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ عباس الدورقي عن الحسن بن موسى الأسيب عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بن خيثم عن سعيد ابن جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي- أَوْ قَالَ: مَنْكِبِي، شَكَّ سَعِيدٌ- ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ، وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الدَّعْوَةَ فِي ابْنِ عَمِّهِ، فَكَانَ إِمَامًا يُهْتَدَى بِهُدَاهُ وَيُقْتَدَى بِسَنَاهُ فِي عُلُومِ الشريعة، ولا سيما في علم التَّأْوِيلِ وَهُوَ التَّفْسِيرُ، فَإِنَّهُ انْتَهَتْ إِلَيْهِ عُلُومُ الصَّحَابَةِ قَبْلَهُ، وَمَا كَانَ عَقَلَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَدْرَكَ أَسْنَانَنَا ما عاشره أحد منا، وكان يقول لهم: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا وَقَدْ تَأَخَّرَتْ وَفَاةُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِبِضْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَمَا ظَنُّكَ بِمَا حَصَّلَهُ بَعْدَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ قَالَ: خَطَبَ النَّاسَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ فَفَسَّرَ لَهُمْ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، أَوْ قَالَ سُورَةً، ففسرها تفسيرا لو سمعه الرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ لَأَسْلَمُوا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
ثَبَتُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عليه السلام دَعَا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي خَلْدَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ: سَمِعَ أَنَسٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِينَ وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الْفَاكِهَةَ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ فِيهِ رَيْحَانٌ يَجِيءُ مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ وَقَدْ رُوِّينَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ وُلِدَ لَهُ لِصُلْبِهِ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةٍ أَوْ مَا يُنَيِّفُ عَلَيْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اللَّهمّ أَطِلْ عُمْرَهُ، فَعُمِّرَ مِائَةً، وَقَدْ دَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَلِأَبِي طَلْحَةَ فِي غَابِرِ لَيْلَتِهِمَا، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ، فَجَاءَ مِنْ صُلْبِهِ تِسْعَةٌ كُلُّهُمْ قَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَأَلَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَ لِأُمِّهِ فَيَهْدِيهَا اللَّهُ فَدَعَا لَهَا، فَذَهَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَوَجَدَ أُمَّهُ تَغْتَسِلُ خَلْفَ الْبَابِ فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، ثُمَّ ذَهَبَ فأعلم بذلك رسول الله، وَسَأَلَ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمَا أَنْ يُحَبِّبَهُمَا اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَدَعَا لَهُمَا، فَحَصَلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَيْسَ مُؤْمِنٌ وَلَا مُؤْمِنَةٌ إِلَّا وَهُوَ يُحِبُّنَا، وَقَدْ صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَمِنْ تَمَامِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَنَّ اللَّهَ شَهَرَ ذِكْرَهُ فِي أَيَّامِ الْجُمَعِ حَيْثُ يَذْكُرُهُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا مِنَ التَّقْيِيضِ الْقَدَرِيِّ وَالتَّقْدِيرِ الْمَعْنَوِيِّ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، دَعَا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ وَهُوَ مَرِيضٌ فَعُوفِيَ، وَدَعَا لَهُ أَنْ يَكُونَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ: اللَّهمّ أَجِبْ دَعْوَتَهُ، وَسَدِّدْ

(6/165)


رَمْيَتَهُ، فَكَانَ كَذَلِكَ، فَنِعْمَ أَمِيرُ السَّرَايَا وَالْجُيُوشِ كَانَ وَقَدْ دَعَا عَلَى أَبِي سَعْدَةَ أُسَامَةَ بْنِ قَتَادَةَ حِينَ شَهِدَ فِيهِ بِالزُّورِ بِطُولِ الْعُمْرِ وَكَثْرَةِ الْفَقْرِ وَالتَّعَرُّضِ لِلْفِتَنِ، فَكَانَ ذَلِكَ، فَكَانَ إِذَا سُئِلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لِلسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِهِ فَطَالَ عُمُرُهُ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعًا وَتِسْعِينَ سَنَةً وَهُوَ تَامُّ الْقَامَةِ مُعْتَدِلٌ، وَلَمْ يَشِبْ مِنْهُ مَوْضِعُ أَصَابَتْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُتِّعَ بِحَوَاسِّهِ وَقُوَاهُ وقال أحمد: ثنا جرير بن عمير، ثنا عروة بن ثابت، ثنا عليّ بن أحمد، حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْنُ منى، فمسح بيد عَلَى رَأْسِي ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ جَمِّلْهُ وَأَدِمْ جَمَالَهُ، قَالَ: فَبَلَغَ بِضْعًا وَمِائَةً- يَعْنِي سَنَةً- وما في لحيته بياض الا نبذة يَسِيرَةٌ، وَلَقَدْ كَانَ مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ لَمْ يَنْقَبِضْ وجهه حتى مات قال السهيليّ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْصُولٌ وَلَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ لِهَذَا نظائر كَثِيرَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى، تَشْفِي الْقُلُوبَ، وَتُحَصِّلُ الْمَطْلُوبَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ، ثَنَا مُعْتَمِرُ، وقال يحيى بن معين: ثنا عَبْدِ الْأَعْلَى، ثَنَا مُعْتَمِرٌ- هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ-. قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ فِي موضعه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ: فَمَرَّ رَجُلٌ فِي مُؤَخَّرِ الدَّارِ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ قَتَادَةَ، وقال:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد مسح وجهه، قال: وكنت قبل مَا رَأَيْتُهُ إِلَّا وَرَأَيْتُ كَأَنَّ عَلَى وَجْهِهِ الدهان وثبت في الصحيحين أنه عليه السلام دَعَا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِالْبَرَكَةِ حِينَ رأى عليه ذلك الدرع مِنَ الزَّعْفَرَانِ لِأَجْلِ الْعُرْسِ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَتَحَ لَهُ فِي الْمَتْجَرِ وَالْمَغَانِمِ حَتَّى حَصَلَ لَهُ مَالٌ جَزِيلٌ بِحَيْثُ إِنَّهُ لَمَّا مَاتَ صُولِحَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ عَنْ رُبُعِ الثُّمُنِ عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفًا وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ شَبِيبِ بن غرقد أَنَّهُ سَمِعَ الْحَيَّ يُخْبِرُونَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أبى الجعد المازني، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ وَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَأَتَاهُ بِشَاةٍ ودينار، فَقَالَ لَهُ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يمينك، وفي رواية: فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي الْبَيْعِ، فَكَانَ لَوِ اشترى التراب لربح فيه وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أنا ابْنُ وَهْبٍ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عُقَيْلٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَلْقَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عُمَرَ فَيَقُولَانِ: أَشْرِكْنَا فِي بَيْعِكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ فَيُشْرِكُهُمْ، فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فبعث بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَنَا ابْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا عَلِيُّ بن محمد بن سليمان الحليمي، ثنا محمد بن يزيد المستملي، ثنا سبابة بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ بِلَالٍ قَالَ: أَذَّنْتُ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم فلم ير في المسجد واحدا، فقال: أين الناس؟ فَقُلْتُ: مَنَعَهُمُ الْبَرْدُ، فَقَالَ: اللَّهمّ أَذْهِبِ عَنْهُمُ الْبَرْدَ، فَرَأَيْتُهُمْ يَتَرَوَّحُونَ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ، وَنَظِيرُهُ قَدْ مَضَى فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ

(6/166)


عَنْ حُذَيْفَةَ فِي قِصَّةِ الْخَنْدَقِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عبد العزيز بن عبد الله عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ- إِمْلَاءً- أَنَا أبو إسماعيل الترمذي عن مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيِّ، ثنا على ابن أبى على اللهبي عن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج وعمر بن الخطاب معه، فعرضت له امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ مُحْرِمَةٌ وَمَعِي زَوْجٌ لِي فِي بَيْتِي مِثْلُ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعِي لِي زَوْجَكِ، فَدَعَتْهُ وَكَانَ خَرَّازًا، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي امْرَأَتِكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مَا جَفَّ رَأْسِي مِنْهَا، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: جاء مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الشَّهْرِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُبْغِضِينَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْنِيَا رُءُوسَكُمَا، فَوَضَعَ جَبْهَتَهَا عَلَى جَبْهَةِ زَوْجِهَا ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ أَلِّفْ بَيْنَهُمَا وَحَبَّبَ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ النَّمَطِ وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَطَلَعَتِ الْمَرْأَةُ تَحْمِلُ أَدَمًا عَلَى رَأْسِهَا، فَلَمَّا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَحَتْهُ وَأَقْبَلَتْ فَقَبَّلَتْ رِجْلَيْهِ، فقال: كيف أنت وزوجك؟ فقالت:
رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرحته وأقبلت فقبلت رجليه، فقال: كَيْفَ أَنْتِ وَزَوْجُكِ؟ فَقَالَتْ:
وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مَا طارف ولا تالد أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ اللَّهَبِيُّ وَهُوَ كَثِيرُ الرِّوَايَةِ لِلْمَنَاكِيرِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَى يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- يعنى هَذِهِ الْقِصَّةِ- إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: ثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ رَجُلًا وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ فَأَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَأَخَذَ بِجَبْهَتِهِ فَنَبَتَتْ شَعْرَةٌ فِي جَبْهَتِهِ كَأَنَّهَا هُلْبَةُ فَرَسٍ، فَشَبَّ الْغُلَامُ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ الْخَوَارِجِ أَجَابَهُمْ فَسَقَطَتِ الشَّعْرَةُ عَنْ جَبْهَتِهِ. فَأَخْذَهُ أَبُوهُ فحبسه وقيده مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ، قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَوَعَظْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى بَرَكَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَتْ؟ فَلَمْ نَزَلْ بِهِ حَتَّى رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِمْ، قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ تِلْكَ الشَّعْرَةَ إِلَى جَبْهَتِهِ إِذْ تَابَ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أبى أسامة الكلبي عن سريج بن مسلّم عَنْ أَبِي يَحْيَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، حَدَّثَنِي سَيْفُ بْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ: فِرَاسُ بْنُ عَمْرٍو أَصَابَهُ صُدَاعٌ شَدِيدٌ فَذَهَبَ بِهِ أَبُوهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ بِجِلْدَةٍ بين عينيه فجذبها حتى تبعصت فَنَبَتَتْ فِي مَوْضِعِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَةٌ، وَذَهَبٌ عَنْهُ الصُّدَاعُ فَلَمْ يُصَدَّعْ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْقِصَّةِ فِي الشَّعْرَةِ كَنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.

(6/167)


حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا يَعْلَى بن الأشدق، سمعت عبد الله ابن حراد الْعُقَيْلِيَّ، حَدَّثَنِي النَّابِغَةُ- يَعْنِي الْجَعْدِيَّ- قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْشَدْتُهُ مِنْ قَوْلِي:
بَلَغْنَا السَّمَاءَ عِفَّةً وَتَكَرَّمًا ... وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
قَالَ: أَيْنَ الْمَظْهَرُ يا أبا ليلى؟ قال: قلت: أي الجنة، قال: أجل إن شاء الله، قَالَ: أَنْشَدَنِي، فَأَنْشَدْتُهُ مِنْ قَوْلِي:
وَلَا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا
وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الْأَمْرَ أَصْدَرَا
قَالَ: أَحْسَنْتَ لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ هَكَذَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَبُو بكر بن مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلُ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ السُّكَّرِيُّ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّابِغَةَ- نَابِغَةَ بَنِي جَعْدَةَ- يَقُولُ: أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الشعر، فأعجبه:
بلغنا السما مجدنا وتراثنا ... وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
فَقَالَ: أَيْنَ المظهر يا أبا ليلى؟ قلت: الْجَنَّةِ. قَالَ: كَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ:
وَلَا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا
وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الْأَمْرَ أَصْدَرَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَدْتَ لَا يُفْضَضُ الله فاك، قَالَ يَعْلَى: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَلَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ نَيِّفٌ وَمِائَةُ سَنَةٍ وَمَا ذَهَبَ لَهُ سِنٌّ قال البيهقي: وروى عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن حراد سَمِعْتُ نَابِغَةَ يَقُولُ: سَمِعَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُنْشِدُ مِنْ قَوْلِي:
بَلَغْنَا السَّمَاءَ عِفَّةً وَتَكَرَّمًا وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا ثُمَّ ذَكَرَ الْبَاقِي بِمَعْنَاهُ، قَالَ: فلقد رأيت سنه كأنها البرد والمنهل مَا سَقَطَ لَهُ سَنٌّ وَلَا انْفَلَتَ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ القاضي وأبو سعيد بن يوسف أَبِي عَمْرٍو، قَالَا: ثَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا هاشم بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مَعْمَرٌ، ثَنَا ثَابِتٌ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَظَرَ قِبَلَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ- لَا أَدْرِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ- ثُمَّ قَالَ:
اللَّهمّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ إِلَى طَاعَتِكَ وَحُطَّ مِنْ أوزارهم ثُمَّ رَوَاهُ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق الصنعاني عن على بن بحر بن سرى فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا عمران القطان

(6/168)


عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْيَمَنِ فَقَالَ: اللَّهمّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ، ثُمَّ نَظَرَ قِبَلَ الشَّامِ فَقَالَ: اللَّهمّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ، ثُمَّ نَظَرَ قِبَلَ الْعِرَاقِ فَقَالَ: اللَّهمّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ، وَبَارَكَ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا وَهَكَذَا وَقَعَ الْأَمْرُ، أَسْلَمَ أَهْلُ الْيَمَنِ قَبْلَ أَهْلِ الشَّامِ، ثُمَّ كَانَ الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ قِبَلَ الْعِرَاقِ، وَوَعَدَ أَهْلَ الشَّامِ بِالدَّوَامِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَالْقِيَامِ بِنُصْرَةِ الدِّينِ إِلَى آخِرِ الْأَمْرِ وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَحَوَّلَ خِيَارُ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ، وَيَتَحَوَّلُ شِرَارُ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى العراق.
فصل
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عِكْرِمَةَ بن عمار: حدثني إياس ابن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ لَهُ: كُلْ بِيَمِينِكَ، قَالَ: لَا أسْتَطِيعُ، قَالَ: لَا اسْتَطَعْتَ، مَا يمنعه إِلَّا الْكِبَرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ وقد رواه أبو داود الطَّيَالِسِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ إِيَاسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَبْصَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ بْنَ رَاعِي الْعِيرِ وَهُوَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ فَقَالَ: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا اسْتَطَعْتَ، قَالَ: فَمَا وَصَلَتْ يَدُهُ إِلَى فِيهِ بَعْدُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ، فجاءني فحطاني حطوة أو حطوتين وَأَرْسَلَنِي إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي حَاجَةٍ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَقُلْتُ: أَتَيْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَأَرْسَلَنِي الثَّانِيَةَ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَقُلْتُ: أَتَيْتُهُ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ: لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ وَقَدْ رَوَى البيهقي عن الحاكم عن على بن حماد عن هشام ابن عَلِيٍّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَإِذَا رَسُولُ الله قَدْ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا جَاءَ إِلَّا إِلَيَّ، فذهبت فاختبأت على باب، فجاء فحطاني خطوة وَقَالَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ- وَكَانَ يَكْتُبُ [1] الْوَحْيَ- قَالَ: فَذَهَبْتُ فَدَعَوْتُهُ لَهُ فَقِيلَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ، فَأَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَأْكُلُ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي، فَأَتَيْتُهُ الثَّانِيَةَ، فَقِيلَ إِنَّهُ يَأْكُلُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله فأخبرته فقال في الثانية: لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ [2] ، قَالَ: فَمَا شَبِعَ بَعْدَهَا، قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَشْبَعُ بَعْدَهَا، وَوَافَقَتْهُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ فِي أَيَّامِ إِمَارَتِهِ، فَيُقَالُ:
إِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ طَعَامًا بِلَحْمٍ، وَكَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَشْبَعُ وَإِنَّمَا أَعْيَى وَقَدَّمْنَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنَّهُ مَرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ غُلَامٌ فَدَعَا عَلَيْهِ فَأُقْعِدَ فَلَمْ يَقُمْ بَعْدَهَا وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ أَوْرَدَهَا الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ رَجُلًا حَاكَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَلَامٍ وَاخْتَلَجَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ كَذَلِكَ، فلم
__________
[1] في التيمورية «يثبت» .
[2] في التيمورية «لا أشبعه الله» .

(6/169)


يَزَلْ يَخْتَلِجُ وَيَرْتَعِشُ مُدَّةَ عُمُرِهِ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، أَبُو مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فاللَّه أَعْلَمُ وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي عَلَيْهِ ثَوْبَانِ قَدْ خَلِقَا، وله ثوبان في القنية، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلبسهما ثم ولى، فقال رسول الله: مَا لَهُ؟ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ:
فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ وَرَدَ مِنْ هذا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ وَرَدَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ تُفِيدُ الْقَطْعَ كَمَا سَنُورِدُهَا قَرِيبًا فِي بَابِ فَضَائِلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهمّ مَنْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَهْلًا فَاجْعَلْ ذَلِكَ قُرْبَةً لَهُ تُقَرِّبُهُ بِهَا عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَعْثَةِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ السَّبْعَةِ، الَّذِينَ أَحَدُهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأَصْحَابُهُ، حِينَ طَرَحُوا عَلَى ظَهْرِهِ عَلَيْهِ السلام سَلَا الْجَزُورِ، وَأَلْقَتْهُ عَنْهُ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: اللَّهمّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهمّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنِ عُتْبَةَ، ثُمَّ سمّى بقية السبعة، قال ابن مسعود: فو الّذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ الْحَدِيثَ. وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخر
قال الامام أحمد: حدثني هشام، ثَنَا سُلَيْمَانُ- يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ- عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وآل عِمْرَانَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَرَفَعُوهُ وَقَالُوا: هَذَا كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ، وَأُعْجِبُوا بِهِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللَّهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ، فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ وَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ محمد بن راضي عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم وكان قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عِمْرَانَ عَزَّ فِينَا- يَعْنِي عَظُمَ- فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْلِي عَلَيْهِ: غَفُورًا رَحِيمًا، فَيَكْتُبُ: عَلِيمًا حَكِيمًا، فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اكْتُبْ كَذَا وكذا فيقول: اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ، وَيُمْلِي عَلَيْهِ: عَلِيمًا حَكِيمًا، فيكتب: سَمِيعًا بَصِيرًا، فَيَقُولُ: اكْتُبْ كَيْفَ شِئْتَ، قَالَ فَارْتَدَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَنِ الْإِسْلَامِ فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، وقال: أنا أعلمكم بمحمد، وإني كنت لا أكتب إِلَّا مَا شِئْتُ، فَمَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ

(6/170)


الْأَرْضَ لَا تَقْبَلُهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَحَدَّثَنِي أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهُ أَتَى الْأَرْضَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ فَوَجَدَهُ مَنْبُوذًا، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: مَا شَأْنُ هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالُوا: قَدْ دَفَنَاهُ مِرَارًا فَلَمْ تَقْبَلْهُ الْأَرْضُ وَهَذَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وآل عِمْرَانَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم فعاد نصرانيا، وكان يقول:
لا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفِظَتْهُ الْأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ- لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نبشوا عن صاحبنا فألقوه-، فحفروا له فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبحوا وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الناس فألقوه
بَابُ
الْمَسَائِلِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لما يشهد بِهِ الْكُتُبُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْمَوْرُوثَةُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ
قَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبِعْثَةِ مَا تَعَنَّتَتْ بِهِ قُرَيْشٌ وَبَعَثَتْ إِلَى يَهُودِ الْمَدِينَةِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ يَسْأَلُونَ عَنْهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَعَنْ أَقْوَامٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ فَلَا يُدْرَىَ مَا صَنَعُوا، وَعَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ فِي الْأَرْضِ بَلَغَ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ، فَلَمَّا رَجَعُوا سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله عز وجل قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ من الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 17: 85 وأنزل سورة الكهف يشرح فيها خبر الفتية الذين فارقوا دين قومهم وآمنوا باللَّه العزيز الحميد، وأفردوه بالعبادة، واعتزلوا قومهم، ونزلوا غارا وهو الكهف، فناموا فيه، ثم أيقظهم الله بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين، وكان من أمرهم ما قصّ الله علينا في كتابه العزيز، ثم قصّ خبر الرجلين المؤمن والكافر، وما كان من أمرهما، ثم ذكر خبر موسى والخضر وما جرى لهما من الحكم والمواعظ، ثم قال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً 18: 83، ثم شرح، ثم ذكر خَبَرَهُ وَمَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَمَا عَمِلَ مِنَ الْمَصَالِحِ فِي الْعَالَمِ، وَهَذَا الإخبار هو الواقع في الْوَاقِعُ، وَإِنَّمَا يُوَافِقُهُ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ، مَا كَانَ مِنْهَا حَقًّا، وَأَمَّا مَا كَانَ مُحَرَّفًا مُبَدَّلًا فَذَاكَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الله بعث محمدا بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ، قَالَ اللَّهُ تعالى بعد ذكر التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ 5: 48 وَذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ قِصَّةَ إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَأَنَّهُ

(6/171)


قَالَ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَكُنْتُ فيمن انجفل، فلما رأيت وجهه قلت [1] : أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهٍ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٍ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ البخاري وغيره من حديث إسماعيل بن عطية وَغَيْرِهِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قِصَّةُ سُؤَالِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثَ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ، مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَإِلَى أُمِّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ إِلَى أَبِيهِ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَ الْوَلَدُ إِلَى أُمِّهِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسَ بن بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، فَذَكَرَ مُسَاءَلَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَسَأَلَهُ عَنِ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ، بَدَلَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ فَإِنَّهُمَا كَانَا شَمْسَيْنِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ 17: 12 فَالسَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتَ هُوَ الْمَحْوُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي مَعْنَاهُ
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، أَنَا أبو الحسن- أحمد بن محمد بن ابن عيدروس- ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، أَبُو تَوْبَةَ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ زيد ابن سَلَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَامٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أبو أسماء الرجبى أَنَّ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا، قَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ قَالَ: قُلْتُ: أَلَا تَقُولُ: يَا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّمَا سَمَّيْتُهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اسْمِيَ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي مُحَمَّدٌ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنِي، فَنَكَتَ بِعُودٍ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غير الأرض والسموات؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ، قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ الناس إجازة؟ فقال: فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: زِيَادَةُ كبد الحوت، قَالَ: وَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهِ؟ قَالَ: يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا، قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا، قَالَ:
صَدَقْتَ، قَالَ: وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ من الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ. قال:
__________
[1] في التيمورية «علمت» .

(6/172)


يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثَتْكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنِي، قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ، قَالَ: مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ أَنَّثَا بِإِذْنِ اللَّهِ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ وَإِنَّكَ لِنَبِيٌّ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: إنه سَأَلَنِي عَنْهُ وَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى أَتَانِي اللَّهُ بِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ عَنْ أَبِي تَوْبَةَ الربيع ابن نَافِعٍ بِهِ، وَهَذَا الرَّجُلُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ يَوْمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ، قَالَ: سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ إِنْ أنا حدثتكم بشيء تعرفونه صدقا لتتابعنى عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالُوا: لَكَ ذَلِكَ، قَالَ: سَلُوا عَمَّا شِئْتُمْ، قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ ثم نسألك، أَخْبِرْنَا عَنِ الطَّعَامِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ مَاءِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ ذَكَرًا، وَكَيْفَ تَكُونُ الْأُنْثَى حَتَّى تكون الأنثى، وأخبرنا عن هَذَا النَّبِيُّ فِي النَّوْمِ وَمَنْ وَلِيُّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: فَعَلَيْكُمْ عَهْدُ اللَّهِ لَئِنْ أَنَا حدثتكم لتتابعنى، فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدِ وَمِيثَاقٍ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ باللَّه الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ- يَعْقُوبَ- مَرِضَ مَرَضًا شديدا طال سَقَمُهُ فِيهِ، فَنَذَرَ للَّه نَذْرًا لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانَ الْإِبِلِ، وَأَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانَ الْإِبِلِ؟ قالوا: اللَّهمّ نعم، فقال رسول الله: اللَّهمّ اشهد عليهم، قال: فأنشدكم الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرجل أَبْيَضُ، وَأَنَّ مَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَأَيُّهُمَا عَلَا كَانَ لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنَّ عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنَّ عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ كَانَ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ؟ قَالُوا:
اللَّهمّ نعم، قال رسول الله: اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَأَنْشُدُكُمْ باللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ؟ قَالُوا، اللَّهمّ نَعَمْ، قَالَ: اللَّهمّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ، قَالُوا: أَنْتَ الْآنَ حَدِّثْنَا عَنْ وَلِيِّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ أَوْ نُفَارِقُكَ، قَالَ:
وَلِيِّي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وهو وليه، فقالوا: فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ، لَوْ كَانَ وَلِيُّكَ غَيْرَهُ مِنَ الملائكة لبايعناك وَصَدَّقْنَاكَ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُصَدِّقُوهُ؟ قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ الله 2: 97 الآية، ونزلت فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ 2: 90 الآية.

(6/173)


حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، ثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ، قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ حَتَّى نَسْأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ 17: 101 فقال: لا تقل له شيئا، فَإِنَّهُ لَوْ سَمِعَكَ لَصَارَتْ لَهُ أَرْبَعُ أَعْيُنٍ، فَسَأَلَاهُ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُشْرِكُوا باللَّه شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تَسْحَرُوا وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا ولا تمشوا ببريء إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، أَوْ قَالَ: لَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ- شُعْبَةُ الشَّاكُّ- وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنَّ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ، قَالَ: فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تَتَّبِعَانِي؟ قَالَا: إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا أَنْ لَا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخْشَى إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:
حَسَنٌ صَحِيحٌ قُلْتُ: وَفِي رِجَالِهِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوِي التِّسْعُ الْآيَاتِ بِالْعَشَرِ الْكَلِمَاتِ، وذلك أن الوصايا التي أوصاها الله إلى موسى وكلمه بها ليلة القدر بعد ما خَرَجُوا مِنْ دِيَارِ مِصْرَ وَشَعْبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حول الطور حضور، وهارون ومن معه وُقُوفٌ عَلَى الطُّورُ أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ كَلَّمَ اللَّهُ موسى تكليما آمِرًا لَهُ بِهَذِهِ الْعَشْرِ كَلِمَاتٍ، وَقَدْ فُسِّرَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا التِّسْعُ الْآيَاتِ فَتِلْكَ دَلَائِلُ وَخَوَارِقُ عَادَاتٍ أُيِّدَ بِهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ بِدِيَارِ مِصْرَ، وَهِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقَمْلُ وَالضَّفَادِعُ والدم والجدب ونقص الثمرات، وقد بسطت الْقَوْلَ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ الكفاية والله أعلم.
فصل
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّفْسِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَالله عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ 2: 94- 95 ومثلها في سورة الجمعة وهي قوله: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَالله عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ 62: 6- 7 وَذَكَرَنَا أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الصَّوَابَ أنه دعاهم إلى المباهلة وأن يَدْعُوَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْمُبْطِلِ مِنْهُمْ أَوِ الْمُسْلِمِينَ، فَنَكَلُوا عَنْ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِظُلْمِ أَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّ الدَّعْوَةَ تَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ، وَيَعُودُ وَبَالُهَا إِلَيْهِمْ، وَهَكَذَا دَعَا النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ حِينَ حَاجُّوهُ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، فَأَمْرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ فِي قَوْلِهِ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ

(6/174)


وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكاذِبِينَ 3: 61 وَهَكَذَا دَعَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَاهَلَةِ فِي قَوْلِهِ قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا 19: 75 وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وللَّه الحمد والمنة.
حَدِيثٌ آخَرُ يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَ الْيَهُودِ بِأَنَّهُ رَسُولُ الله وَيَتَضَمَّنُ تَحَاكُمَهُمْ إِلَيْهِ وَرُجُوعَهُمْ إِلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَكِنْ بِقَصْدٍ مِنْهُمْ مَذْمُومٍ
وَذَلِكَ أَنَّهُمُ ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إِنْ حَكَمَ بِمَا يُوَافِقُ هواهم اتبعوه، وَإِلَّا فَاحْذَرُوا ذَلِكَ، وَقَدْ ذَمَّهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: ثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعِنْدَ سَعِيدٍ رَجُلٌ وَهُوَ يُوَقِّرُهُ، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، كَانَ أَبُوهُ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ- وَقَدْ زَنَا رَجُلٌ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٌ- فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ بُعِثَ بِالتَّخْفِيفِ، فَإِنْ أَفْتَانَا حَدًّا دُونَ الرَّجْمِ فَعَلْنَاهُ وَاحْتَجَجْنَا عِنْدَ اللَّهِ حِينَ نَلْقَاهُ بِتَصْدِيقِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ، قَالَ مُرَّةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَإِنْ أَمَرَنَا بِالرَّجْمِ عَصَيْنَاهُ فَقَدْ عَصَيْنَا اللَّهَ فِيمَا كَتَبَ عَلَيْنَا مِنَ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مِنَّا زَنَا بَعْدَ مَا أُحَصِنَ؟ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، وَقَامَ مَعَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى أَتَوْا بَيْتَ مِدْرَاسِ الْيَهُودِ فَوَجَدُوهُمْ يَتَدَارَسُونَ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْشُدُكُمْ باللَّه الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ زَنَا إِذَا أُحْصِنَ؟ قَالُوا:
نُجَبِّيهِ، وَالتَّجْبِيَةُ أَنْ يَحْمِلُوا اثْنَيْنِ عَلَى حِمَارٍ فَيُوَلُّوا ظَهْرَ أَحَدِهِمَا ظَهْرَ الْآخَرِ، قَالَ: وَسَكَتَ حَبْرُهُمْ وَهُوَ فَتًى شَابٌّ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَةَ، فَقَالَ حَبْرُهُمْ: أَمَا إِذْ نَشَدْتَهُمْ فَإِنَّا نَجِدَ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ عَلَى مَنْ أُحْصِنَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا أَوَّلُ مَا تَرَخَّصْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ:
زَنَى رَجُلٌ مِنَّا ذُو قُرَابَةٍ بِمَلِكٍ من ملوكنا، فأخر عنه الرجم، فزنى بَعْدَهُ آخَرُ فِي أُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ ذَلِكَ الْمَلِكُ أَنْ يَرْجُمَهُ فَقَامَ قَوْمُهُ دُونَهُ، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَرْجُمُهُ حَتَّى يَرْجُمَ فُلَانًا ابْنَ عَمِّهِ، فَاصْطَلَحُوا بَيْنَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فانى أحكم بما حكم فِي التَّوْرَاةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا 5: 44 وله شاهد في الصحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا وَرَدَ فِي هَذَا السِّيَاقِ مِنَ الْأَحَادِيثِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمن الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ 5: 41 يعنى الجلد

(6/175)


والتحميم الّذي اصطلحوا عليه وابتدعوه من عند أنفسهم، يعنى إن حكم لكم محمد بهذا فخذوه، (وإن لم تؤتوه فاحذروا) ، يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ لَكُمْ بِذَلِكَ فَاحْذَرُوا قَبُولَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ 5: 41 إِلَى أَنْ قَالَ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ 5: 43 فذمهم الله تعالى على سوء ظنهم وقصدهم بِالنِّسْبَةِ إِلَى اعْتِقَادِهِمْ فِي كِتَابِهِمْ، وَإِنَّ فِيهِ حُكْمَ اللَّهِ بِالرَّجْمِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَعْلَمُونَ صِحَّتَهُ، ثُمَّ يَعْدِلُونَ عَنْهُ إِلَى مَا ابْتَدَعُوهُ من التحميم وَالتَّجْبِيَةِ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ فَذَكَرَهُ، وَعِنْدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ صُورِيَا: أَنْشُدُكَ باللَّه وَأُذَكِّرُكَ أَيَّامَهُ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَا بَعْدَ إِحْصَانِهِ بِالرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ؟
فَقَالَ: اللَّهمّ نَعَمْ، أَمَا وَاللَّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِمَا فرجما عند باب مسجده في بنى تميم عند مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، قَالَ: ثُمَّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ 5: 41 الْآيَاتِ وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صُورِيَا الْأَعْوَرِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَيْرٍ وَغَيْرِهِ بِرِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي التَّفْسِيرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: ثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَوَجَدَ أَبَاهُ عِنْدَ رَأْسِهِ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا يَهُودِيُّ، أَنْشُدُكَ باللَّه الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ نَعْتِي وَصِفَتِي وَمَخْرَجِي؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ الْفَتَى: بَلَى والله يا رسول الله، إنا نجد فِي التَّوْرَاةِ نَعْتَكَ وَصِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ الله، فقال النبي لأصحابه: أقيموا هذا من عند رأسه، ولوا أَخَاكُمْ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَفَّانَ، حَدَّثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ ابْتَعَثَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم لا لِإِدْخَالِ رَجُلٍ الْجَنَّةَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم كنيسة وَإِذَا يَهُودِيٌّ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى صِفَتِهِ أَمْسَكَ، قَالَ: وَفِي نَاحِيَتِهَا رَجُلٌ مَرِيضٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكُمْ أَمْسَكْتُمْ؟ فَقَالَ الْمَرِيضُ: إِنَّهُمْ أَتَوْا عَلَى صِفَةِ نَبِيٍّ فَأَمْسَكُوا، ثُمَّ جَاءَ الْمَرِيضُ يَحْبُو حَتَّى أَخَذَ التَّوْرَاةَ وَقَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَقَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَتِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ صِفَتُكَ وصفة أمتك،

(6/176)


أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لوا أَخَاكُمْ.
حَدِيثٌ آخَرُ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَفَ عَلَى مِدْرَاسِ الْيَهُودِ فَقَالَ: يا معشر يهود أسلموا، فو الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أبا القاسم، فقال: ذلك أريد.
فصل
فَالَّذِي يَقْطَعُ بِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رسوله، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَشَّرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، وَأَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يكتمون ذلك ويخفونه، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ، بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 7: 157- 158 وقال تعالى:
وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ من رَبِّكَ بِالْحَقِّ 6: 114 وَقَالَ تَعَالَى الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 2: 146 وَقَالَ تَعَالَى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ 3: 20 وَقَالَ تَعَالَى:
هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ 14: 52 وقال تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ به وَمن بَلَغَ 6: 19 وَقَالَ تَعَالَى: وَمن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ 11: 17 وَقَالَ تَعَالَى: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ 36: 70 فذكر تعالى بِعْثَتِهِ إِلَى الْأُمِّيِّينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ مِنْ عَرِبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ، فَكُلُّ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَهُوَ نَذِيرٌ لَهُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٍّ وَلَا نَصْرَانِيٍّ وَلَا يُؤْمِنُ بِي إِلَّا دَخَلَ النَّارَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ السماحة، [1] وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً. وَفِيهِمَا:
بُعِثْتُ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ، قِيلَ: إِلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، وَقِيلَ: إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَالصَّحِيحُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْبِشَارَاتِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْجُودَةٌ في الكتب الْمَوْرُوثَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ حَتَّى تَنَاهَتِ النُّبُوَّةُ إِلَى آخَرِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ عِيسَى بن مريم، وقد قام بهذه البشارة في بنى
__________
[1] في التيمورية «الشفاعة» .

(6/177)


إِسْرَائِيلَ، وَقَصَّ اللَّهُ خَبَرَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي من بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 61: 6 فَإِخْبَارُ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِأَنَّ ذِكْرَهُ مَوْجُودٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَفِيمَا وَرَدَ عَنْهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَعْقَلِ الْخَلْقِ بِاتِّفَاقِ الْمُوَافِقِ وَالْمُفَارِقِ، يَدُلُّ على صدقه في ذلك قطعا، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاثِقًا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ الْمُنَفِّرَاتِ عَنْهُ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَى ذَلِكَ عَاقِلٌ، وَالْغَرَضُ أَنَّهُ مِنْ أَعْقَلِ الْخَلْقِ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يُخَالِفُهُ، بَلْ هُوَ أَعْقَلُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ثُمَّ إِنَّهُ قَدِ انْتَشَرَتْ دَعْوَتُهُ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَعَمَّتَ دَوْلَةُ أُمَّتِهِ فِي أَقْطَارِ الْآفَاقِ عُمُومًا لَمْ يَحْصُلْ لِأُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا، لَكَانَ ضَرَرُهُ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَحَذَّرَ عَنْهُ الْأَنْبِيَاءُ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ، وَلَنَفَّرُوا أُمَمَهُمْ مِنْهُ أَشَدَّ التَّنْفِيرِ، فَإِنَّهُمْ جَمِيعَهُمْ قَدْ حَذَّرُوا مِنْ دُعَاةِ الضَّلَالَةِ فِي كُتُبِهِمْ، وَنَهَوْا أُمَمَهُمْ عَنِ اتِّبَاعِهِمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَنَصُّوا عَلَى الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، الْأَعْوَرِ الكذاب، حتى قد أنذر نوح- وَهُوَ أَوَّلُ الرُّسُلِ- قَوْمَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى التَّحْذِيرِ مَنْ محمد، وَلَا التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَلَا الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِشَيْءٍ خِلَافَ مَدْحِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَالْبِشَارَةِ بِوُجُودِهِ، وَالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ، وَالنَّهْيِ عَنْ مُخَالَفَتِهِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ، فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 3: 81- 82 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا أُخِذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقُ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لِيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلِيَنْصُرُنَّهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أُمَّتِهِ الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهْمُ أَحْيَاءٌ لِيُؤْمِنُنَّ به وَلَيَتَّبِعُنَّهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ وُجِدَتِ الْبِشَارَاتِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَحْصُرَ وَقَدْ قَدَّمْنَا قَبْلَ مَوْلِدِهِ عَلَيْهِ السلام طَرَفًا صَالِحًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَرَّرْنَا فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ عِنْدَ الْآيَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ آثَارًا كَثِيرَةً، ونحن نورد هاهنا شَيْئًا مِمَّا وُجِدَ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي يَعْتَرِفُونَ بِصِحَّتِهَا، وَيَتَدَيَّنُونَ بِتِلَاوَتِهَا، مِمَّا جَمَعَهُ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِمَّنْ آمَنَ مِنْهُمْ، وَاطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِمُ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ، فَفِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ مِنَ التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا مَضْمُونُهُ وَتَعْرِيبُهُ: أَنَّ الله أَوْحَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعْدَ مَا سلمه من نار النمروذ: أَنْ قُمْ فَاسْلُكِ الْأَرْضَ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا لِوَلَدِكَ، فَلَمَّا قَصَّ ذَلِكَ عَلَى سَارَّةَ طَمِعَتْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِوَلَدِهَا مِنْهُ، وَحَرَصَتْ عَلَى إِبْعَادِ هَاجَرَ وَوَلَدِهَا، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا الْخَلِيلُ إِلَى بَرِّيَّةِ الْحِجَازِ وَجِبَالِ فَارَانَ، وَظَنَّ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ هَذِهِ الْبِشَارَةَ تَكُونُ لِوَلَدِهِ إِسْحَاقَ، حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مَا مَضْمُونُهُ: أَمَّا وَلَدُكَ إِسْحَاقُ فَإِنَّهُ يُرْزَقُ ذُرِّيَّةً عَظِيمَةً، وَأَمَّا وَلَدُكَ إِسْمَاعِيلُ فَإِنِّي بَارَكْتُهُ وَعَظَّمْتُهُ،

(6/178)


وكثرت ذريته، وجعلت من ذريته ماذماذ، يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلْتُ في ذريته اثنا عَشَرَ إِمَامًا، وَتَكُونُ لَهُ أُمَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَكَذَلِكَ بُشِّرَتْ هَاجَرُ حِينَ وَضْعَهَا الْخَلِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ فَعَطِشَتْ وَحَزِنَتْ عَلَى وَلَدِهَا، وَجَاءَ الْمَلِكُ فَأَنْبَعَ زَمْزَمَ، وَأَمَرَهَا بِالِاحْتِفَاظِ بِهَذَا الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ مِنْهُ عَظِيمٌ، لَهُ ذُرِّيَّةٌ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ، بَلْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، أَعْظَمُ قَدْرًا وَلَا أَوْسَعُ جَاهًا، وَلَا أَعْلَى مَنْزِلَةً، وَلَا أَجَلُّ مَنْصِبًا، مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَوْلَتْ دَوْلَةُ أُمَّتِهِ عَلَى الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَحَكَمُوا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ وَهَكَذَا فِي قِصَّةِ إِسْمَاعِيلَ مِنَ السِّفْرِ الْأَوَّلِ: أَنَّ وَلَدَ إِسْمَاعِيلَ تَكُونُ يَدُهُ عَلَى كُلِّ الْأُمَمِ، وَكُلُّ الْأُمَمِ تَحْتَ يَدِهِ وَبِجَمِيعِ مَسَاكِنِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ يَصْدُقُ عَلَى الطَّائِفَةِ إِلَّا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا فِي السِّفْرِ الرَّابِعِ فِي قِصَّةِ مُوسَى، أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: سَأُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ أَقَارِبِهِمْ مِثْلَكَ يَا مُوسَى، وَأَجْعَلُ وَحْيِي بفيه وإياه تسمعون وَفِي السِّفْرِ الْخَامِسِ- وَهُوَ سَفَرُ الْمِيعَادِ- أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَطَبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ- وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ سِنِي التِّيهِ- وَذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَأَيَادِيهِ عليهم، فِي آخِرِ عُمُرِهِ- وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ سِنِي التِّيهِ- وَذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَأَيَادِيهِ عَلَيْهِمْ، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَيَبْعَثُ لَكُمْ نَبِيًّا مَنْ أَقَارِبِكُمْ مِثْلَ مَا أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ، يَأْمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتِ، وَيَحْرِمُ عَلَيْكُمُ الْخَبَائِثَ، فَمَنْ عَصَاهُ فَلَهُ الْخِزْيُ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ وَأَيْضًا فِي آخِرِ السِّفْرِ الْخَامِسِ وَهُوَ آخِرُ التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ: جَاءَ اللَّهُ مَنْ طُورِ سَيْنَاءَ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ، وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارانَ: وَظَهَرَ مِنْ رَبَوَاتِ قُدْسِهِ، عَنْ يَمِينِهِ نُورٌ، وَعَنْ شماله نار، عليه تَجْتَمِعُ الشُّعُوبُ. أَيْ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَشَرْعُهُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ- وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَهُ- وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ وَهِيَ جِبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ- الْمَحِلَّةُ الَّتِي كَانَ بِهَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَاسْتَعْلَنَ أَيْ ظَهَرَ وَعَلَا أَمْرُهُ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ، وَهِيَ جِبَالُ الْحِجَازِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْأَمَاكِنَ الثَّلَاثَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوُقُوعِيَّ، ذَكَرَ مَحِلَّةَ مُوسَى، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ بَلَدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمَّا أَقْسَمَ تَعَالَى بِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ ذَكَرَ الْفَاضِلَ أَوَّلًا، ثُمَّ الْأَفْضَلَ مِنْهُ، ثُمَّ الْأَفْضَلَ مِنْهُ، عَلَى قَاعِدَةِ الْقَسَمِ فَقَالَ تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ 95: 1 وَالْمُرَادُ بِهَا مَحِلَّةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ كَانَ عيسى عليه السلام وَطُورِ سِينِينَ 95: 2 وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ 95: 3 وهو البلد الّذي ابتعث مِنْهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ وَفِي زَبُورِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صِفَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْجِهَادِ وَالْعِبَادَةِ، وَفِيهِ مَثَلٌ ضَرْبَهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنَّهُ خِتَامُ الْقُبَّةِ الْمَبْنِيَّةِ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهَا وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟» وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي

(6/179)


قَوْلِهِ تَعَالَى وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ 33: 40 وَفِي الزَّبُورِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَتَنْبَسِطُ نُبُوَّتُهُ وَدَعْوَتُهُ وَتَنْفُذُ كَلِمَتُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَتَأْتِيهِ الْمُلُوكُ مِنْ سَائِرِ الْأَقْطَارِ طَائِعِينَ بِالْقَرَابِينِ وَالْهَدَايَا، وَأَنَّهُ يُخَلِّصُ الْمُضْطَرَّ، وَيَكْشِفُ الضُّرَّ عَنِ الْأُمَمِ، وَيُنْقِذُ الضَّعِيفَ الَّذِي لَا نَاصِرَ لَهُ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَيُبَارِكُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمَ، وَيَدُومُ ذِكْرُهُ إِلَى الْأَبَدِ. وَهَذَا إِنَّمَا يَنْطَبِقُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي صُحُفِ شَعِيَا فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ فِيهِ مُعَاتَبَةٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَفِيهِ فَإِنِّي أَبْعَثُ إِلَيْكُمْ وَإِلَى الْأُمَمِ نَبِيًّا أُمِّيًّا لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظِ الْقَلْبِ وَلَا سِخَابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، أُسَدِّدُهُ لِكُلِّ جَمِيلٍ، وَأَهَبَ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ، ثُمَّ أَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ، وَالْبَرَّ شِعَارَهُ، وَالتَّقْوَى فِي ضَمِيرَهُ، وَالْحِكْمَةَ مَعْقُولَهُ، وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ، وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ، وَالْهُدَى مِلَّتَهُ، وَالْإِسْلَامَ دِينَهُ، وَالْقُرْآنَ كِتَابَهُ، أَحْمَدُ اسْمُهُ، أَهْدِي بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَأَرْفَعُ بِهِ بَعْدَ الْخَمَالَةِ، وَأَجْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَأُؤَلِّفُ بِهِ بَيْنَ الْقُلُوبِ الْمُخْتَلِفَةِ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، قرا بينهم دماؤهم، أنا جيلهم فِي صُدُورِهِمْ، رُهْبَانًا بِاللَّيْلِ، لُيُوثًا بِالنَّهَارِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ 57: 21 وفي الفصل الخامس [1] مِنْ كَلَامِ شَعْيَا:
يَدُوسُ الْأُمَمَ كَدَوْسِ الْبَيَادِرِ، وَيُنْزِلُ الْبَلَاءَ بِمُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَيَنْهَزِمُونَ قُدَّامَهُ وَفِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ: لِيُفْرِحَ أَرْضَ الْبَادِيَةِ الْعَطْشَى، وَيُعْطَى أَحْمَدُ مَحَاسِنَ لُبْنَانَ، وَيَرَوْنَ جَلَالَ اللَّهِ بِمُهْجَتِهِ وَفِي صُحُفِ إِلْيَاسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ سَائِحًا، فَلَمَّا رَأَى الْعَرَبَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ قَالَ لِمَنْ مَعَهُ: انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ حُصُونَكُمُ الْعَظِيمَةَ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَا الَّذِي يَكُونُ مَعْبُودَهُمْ؟ فَقَالَ: يُعَظِّمُونَ رَبَّ الْعِزَّةِ فَوْقَ كُلِّ رَابِيَةٍ عَالِيَةٍ وَمِنْ صُحُفٍ حِزْقِيلَ: إِنَّ عَبْدَيْ خِيرَتِي أُنْزِلُ عَلَيْهِ وَحْيِي، يُظْهِرُ فِي الْأُمَمِ عَدْلِي، اخْتَرْتُهُ وَاصْطَفَيْتُهُ لِنَفْسِي، وَأَرْسَلْتُهُ إِلَى الْأُمَمِ بِأَحْكَامٍ صَادِقَةٍ وَمِنْ كِتَابِ النُّبُوَّاتِ: أَنَّ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَرَّ بِالْمَدِينَةِ فَأَضَافَهُ بَنُو قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، فَلَمَّا رَآهُمْ بَكَى، فَقَالُوا لَهُ: مَا الَّذِي يُبْكِيكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَبِيٌّ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مِنَ الْحَرَّةِ، يُخَرِّبُ دِيَارَكُمْ وَيَسْبِي حَرِيمَكُمْ، قَالَ: فَأَرَادَ الْيَهُودُ قَتْلَهُ فَهَرَبَ مِنْهُمْ وَمِنْ كَلَامِ حِزْقِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَقُولُ اللَّهُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ صَوَّرْتُكَ فِي الْأَحْشَاءِ قَدَّسْتُكَ وَجَعَلْتُكَ نَبِيًّا، وَأَرْسَلْتُكَ إِلَى سائر الأمم وفي صُحُفِ شَعْيَا أَيْضًا، مَثْلٌ مَضْرُوبٌ لِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ: افْرَحِي يَا عَاقِرُ بِهَذَا الْوَلَدِ الَّذِي يَهَبُهُ لَكِ رَبُّكِ، فَإِنَّ بِبَرَكَتِهِ تَتَّسِعُ لَكِ الْأَمَاكِنُ، وَتَثْبُتُ أَوْتَادُكِ فِي الْأَرْضِ وَتَعْلُو أَبْوَابُ مَسَاكِنِكَ، وَيَأْتِيكِ مُلُوكُ الْأَرْضِ عَنْ يَمِينِكِ وَشِمَالِكِ بِالْهَدَايَا وَالتَّقَادُمِ، وَوَلَدُكُ هَذَا يَرِثُ جَمِيعَ الْأُمَمِ، وَيَمْلِكُ سَائِرَ الْمُدُنِ وَالْأَقَالِيمِ، وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي فَمَا بَقِيَ يَلْحَقُكِ ضَيْمٌ مِنْ عَدْوٍ أَبَدًا، وَجَمِيعُ أَيَّامِ تَرَمُّلِكِ تَنْسِيهَا وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا حَصَلَ عَلَى يَدَيْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْعَاقِرِ مَكَّةُ، ثم صارت كما ذكر
__________
[1] في التيمورية «العاشر»

(6/180)


فِي هَذَا الْكَلَامِ لَا مَحَالَةَ وَمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يَصْرِفَ هَذَا وَيَتَأَوَّلَهُ على بيت المقدس وهذا [1] لا يناصبه مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي صُحُفِ أَرْمِيَا: كَوْكَبٌ ظَهَرَ مِنَ الْجَنُوبِ، أَشِعَّتُهُ صَوَاعِقُ، سِهَامُهُ خَوَارِقُ، دُكَّتْ لَهُ الْجِبَالُ. وَهَذَا الْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْإِنْجِيلِ يَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنِّي مُرْتَقٍ إِلَى جَنَّاتِ الْعُلَى، وَمُرْسِلٌ إِلَيْكُمُ الْفَارَقْلِيطَ رُوحَ الْحَقِّ يَعْلَمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَمْ يَقِلْ شَيْئًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْفَارَقْلِيطِ مُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عِيسَى أَنَّهُ قَالَ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 61: 6 وَهَذَا بَابٌ مُتَّسِعٌ، وَلَوْ تَقَصَّيْنَا جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ النَّاسُ لَطَالَ هَذَا الْفَصْلُ جَدًّا، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى نُبَذٍ مِنْ ذَلِكَ يَهْتَدِي بِهَا مَنْ نَوَّرِ اللَّهِ بَصِيرَتَهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ النُّصُوصِ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَتَكَاتَمُونَهَا وَيُخْفُونَهَا وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الطفيل قَالَا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي داود المنادي، ثنا يونس ابن مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، ثَنَا صَالِحُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا عاصم بن كليب عن أبيه عن الغليان [2] بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ شَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى رَجُلٍ فَدَعَاهُ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَنَعْلَانِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟
فَجَعَلَ لَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَيَقُولُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَيَأْبَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَالْإِنْجِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالْفُرْقَانَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ لَوْ شِئْتَ لَقَرَأْتُهُ، قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ والإنجيل وأنشأ خلقه بِهَا، تَجِدُنِي فِيهِمَا؟ قَالَ: نَجِدُ مِثْلَ نَعْتِكَ، يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِكَ، كُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِينَا، فَلَمَّا خَرَجْتَ رَأَيْنَا أَنَّكَ هُوَ، فَلَمَّا نَظَّرْنَا إِذَا أَنْتَ لَسْتَ بِهِ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: نَجْدُ مِنْ أُمَّتِكَ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ قَلِيلٌ، قَالَ: فَهَلَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرَ، وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّنِي لَأَنَا هُوَ، وَإِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَأَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَبْعِينَ وسبعين
حَدِيثٌ فِي جَوَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَأَلَ عَمَّا سَأَلَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِكْرَزٍ- وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ- قَالَ: حَدَّثَنِي جُلَسَاؤُهُ وَقَدْ رَأَيْتُهُ عَنْ وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ، وَقَالَ عَفَّانُ: ثَنَا غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَمْ يَقِلْ: حَدَّثَنِي جُلَسَاؤُهُ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالَإِثِمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَفْتُونَهُ، فَجَعَلْتُ أتخطاهم، فقالوا:
إليك وابصة عن رسول الله، فَقُلْتُ: دَعُونِي فَأَدْنُوَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إلى أن أدنو منه، قال:
__________
[1] كذا بالنسخ ولعلها «فهذا»
[2] كذا بالنسخ التي بأبدينا.

(6/181)


دَعُوا وَابِصَةَ، ادْنُ يَا وَابِصَةُ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:
يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ أَمْ تَسْأَلُنِي؟ فَقُلْتُ: لَا، بَلْ أَخْبِرْنِي: فَقَالَ، جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقُلْتُ:
نَعَمْ، فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) الْبَرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أفتاك الناس وأفتوك
بَابُ
مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده فَوَقَعَتْ طِبْقَ مَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ
وَهَذَا بَابٌ عَظِيمٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاءُ جَمِيعِ مَا فِيهِ لِكَثْرَتِهَا، وَلَكِنْ نَحْنُ نُشِيرُ إِلَى طرف منها وباللَّه الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللَّه الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. وَذَلِكَ مُنْتَزَعٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ- وَهِيَ مَنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلْ بِمَكَّةَ- عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 73: 20 وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجِهَادَ لَمْ يُشْرَعْ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ بعد الهجرة. وقال تعالى في سورة اقترب- وَهِيَ مَكِّيَّةٌ- أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ 54: 44- 45 وَوَقَعَ هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ تَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْعَرِيشِ وَرَمَاهُمْ بِقَبْضَةٍ مِنَ الْحَصْبَاءِ فَكَانَ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ، وَهَذَا مِصْدَاقُ ذَاكَ وَقَالَ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ من مَسَدٍ 111: 1- 5 فَأَخْبَرَ أَنَّ عَمَّهُ عَبْدَ الْعُزَّى بْنَ عَبْدِ الْمَطْلَبِ الْمُلَقَّبَ بِأَبِي لَهَبٍ سَيَدْخُلُ النَّارَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ، فَقَدَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمَا مَاتَا عَلَى شِرْكِهِمَا لَمْ يُسْلِمَا، حَتَّى وَلَا ظَاهِرًا، وَهَذَا مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ الْبَاهِرَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً 17: 88 وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا 2: 23- 24 الآية، فَأَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ الْخَلِيقَةِ لَوِ اجْتَمَعُوا وَتَعَاضَدُوا وَتَنَاصَرُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ فِي فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ، وَحَلَاوَتِهِ وَإِحْكَامِ أَحْكَامِهِ، وَبَيَانِ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ، لَمَا اسْتَطَاعُوا ذَلِكَ، وَلَمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى عَشْرِ سُوَرٍ مِنْهُ، بَلْ وَلَا سُورَةٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ أَبَدًا، ولن لِنَفْيِ التَّأْبِيدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِثْلُ هَذَا التَّحَدِّي، وَهَذَا الْقَطْعِ، وَهَذَا الْإِخْبَارِ الْجَازِمِ، لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ وَاثِقٍ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ، عَالِمٍ بما يقوله، قاطع أن أَحَدًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَارِضَهُ، وَلَا يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ تَعَالَى: وَعَدَ اللَّهُ

(6/182)


الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً 24: 55 الآية، وَهَكَذَا وَقَعَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، مَكَّنَ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ وَأَظْهَرَهُ، وَأَعْلَاهُ وَنَشَرَهُ فِي سَائِرِ الْآفَاقِ، وَأَنْفَذَهُ وَأَمْضَاهُ، وَقَدْ فَسَّرَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ هَذِهِ الْآيَةَ بِخِلَافَةِ الصِّدِّيقِ، وَلَا شَكَّ فِي دُخُولِهِ فِيهَا، وَلَكِنْ لَا تَخْتَصُّ بِهِ، بَلْ تَعُمُّهُ كَمَا تَعُمُّ غَيْرَهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بيده لننفقنّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، وَقَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 9: 33 وَهَكَذَا وَقَعَ وَعَمَّ هَذَا الدِّينُ، وَغَلَبَ وَعَلَا عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَعَلَتْ كَلِمَتُهُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعَدَهُمْ، وَذَلَّتْ لَهُمْ سَائِرُ الْبِلَادِ، وَدَانَ لَهُمْ جَمِيعُ أَهْلِهَا، عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ، وَصَارَ النَّاسُ إِمَّا مؤمن داخل في الدين، وإما مهادن باذل الطاعة والمال، وإما محارب خائف وجل مِنْ سَطْوَةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الحديث: إن الله زوى لي مشارق الأرض وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زَوَى لِي مِنْهَا. وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ 48: 16 الآية، وسواء كان هؤلاء هَوَازِنَ أَوْ أَصْحَابَ مُسَيْلِمَةَ، أَوِ الرُّومَ، فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ، وَقَالَ تَعَالَى وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً 48: 20- 21 وَسَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْأُخْرَى خَيْبَرَ أَوْ مَكَّةَ فَقَدْ فُتِحَتْ وَأُخِذَتْ كَمَا وَقَعَ بِهِ الْوَعْدُ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَقَالَ تَعَالَى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ من دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً 48: 27 فَكَانَ هَذَا الْوَعْدُ فِي سَنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ عَامَ سِتٍّ، وَوَقَعَ إِنْجَازُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تَكُنْ تُخْبِرُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ عَامَكَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قال فإنك تأتيه وتطوف بِهِ. وَقَالَ تَعَالَى:
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ 8: 7 وَهَذَا الْوَعْدُ كَانَ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ لِيَأْخُذَ عِيرَ قُرَيْشٍ، فَبَلَغَ قُرَيْشًا خُرُوجَهُ إِلَى عِيرِهِمْ، فَنَفَرُوا فِي قَرِيبٍ مِنْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَلَمَّا تَحَقَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قُدُومَهُمْ وَعْدَهُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنْ سَيُظْفِرُهُ بِهَا، إِمَّا الْعِيرُ وَإِمَّا النَّفِيرُ، فَوَدَّ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ- مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ- أَنْ يَكُونَ الْوَعْدُ لِلْعِيرِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَقِلَّةِ الرِّجَالِ، وَكَرِهُوا لِقَاءَ النَّفِيرِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ، فَخَارَ اللَّهُ لَهُمْ وَأَنْجَزَ لَهُمْ وَعْدَهُ فِي النَّفِيرِ فَأَوْقَعَ بِهِمْ بَأْسَهُ الَّذِي لَا يُرَدُّ، فَقُتِلَ مِنْ سَرَاتِهِمْ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ

(6/183)


وَفَادَوْا أَنْفُسَهُمْ بِأَمْوَالٍ جَزِيلَةٍ، فَجَمَعَ لَهُمْ بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ 8: 7 وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَقَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى [1] إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ 8: 70 وَهَكَذَا وَقَعَ فَإِنَّ اللَّهَ عَوَّضَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْعَبَّاسَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي، فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي، وَفَادَيْتُ عَقِيلًا، فَقَالَ لَهُ: خُذْ، فَأَخَذَ فِي ثَوْبٍ مِقْدَارًا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُقِلَّهُ، ثُمَّ وَضَعَ مِنْهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى أَمْكَنَهُ أَنْ يحمله عَلَى كَاهِلِهِ، وَانْطَلَقَ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ مَبْسُوطًا وَهَذَا مِنْ تَصْدِيقِ هَذِهِ الْأَيَّةِ الْكَرِيمَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ 9: 28 الآية، وهكذا وقع عوضهم الله عما كان يغدو إِلَيْهِمْ مَعَ حُجَّاجِ الْمُشْرِكِينَ، بِمَا شَرَعَهُ لَهُمْ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ، وَسَلْبِ أَمْوَالِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ عَلَى كُفْرِهِ، كَمَا وَقَعَ بِكُفَّارِ أَهْلِ الشَّامِ مِنَ الرُّومِ وَمَجُوسِ الْفُرْسِ، بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ الَّتِي انْتَشَرَ الْإِسْلَامُ عَلَى أَرْجَائِهَا، وَحَكَمَ عَلَى مَدَائِنِهَا وَفَيْفَائِهَا، قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 9: 33 وَقَالَ تَعَالَى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ 9: 95 الآية، وَهَكَذَا وَقَعَ، لَمَّا رَجَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ كَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ باللَّه لَقَدْ كَانُوا مَعْذُورِينَ فِي تَخَلُّفِهِمْ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ كَاذِبُونَ، فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يُجْرِيَ أَحْوَالَهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَا يَفْضَحَهُمْ عِنْدَ النَّاسِ، وَقَدْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى أَعْيَانِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مِمَّنْ يعرفهم بتعريفه إياه صلّى الله عليه وسلّم.
وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا 17: 76 وَهَكَذَا وَقَعَ، لَمَّا اشْتَوَرُوا عَلَيْهِ لِيُثْبِتُوهُ: أَوْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، ثُمَّ وَقَعَ الرَّأْيُ عَلَى الْقَتْلِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ الله رسوله بِالْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، فَخَرَجَ هُوَ وَصَدِيقُهُ أبو بكر، فَكَمِنَا فِي غَارِ ثَوْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ ارْتَحَلَا بَعْدَهَا كَمَا قَدَّمْنَا، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ 9: 40 وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَالله خَيْرُ الْماكِرِينَ 8: 30 وَلِهَذَا قَالَ: وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا 17: 76 وَقَدْ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ فَإِنَّ الْمَلَأَ الَّذِينَ اشْتَوَرُوا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَلْبَثُوا بِمَكَّةَ بَعْدَ هِجْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ريثما استقر ركابه الشريف بالمدينة
__________
[1] كذا في النسخ ولعلها قراءة سبعية.

(6/184)


وَتَابَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ فَقُتِلَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ، وَكُسِرَتْ تِلْكَ الرُّءُوسُ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ ذَلِكَ قَبْلَ كَوْنِهِ مِنْ إِخْبَارِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ:
أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا يَكْذِبُ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِي بَابِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أنه عليه السلام جَعَلَ يُشِيرُ لِأَصْحَابِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ إِلَى مَصَارِعِ الْقَتْلَى، فَمَا تَعَدَّى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَوْضِعَهُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ تَعَالَى:
الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 30: 1- 6 وَهَذَا الْوَعْدُ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا غَلَبَتْ فَارِسُ الرُّومَ فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ، وَاغْتَمَّ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ، لِأَنَّ النَّصَارَى أَقْرَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنَ الْمَجُوسِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ الْفُرْسَ بعد هذه المدة بسبع سِنِينَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ مُرَاهِنَةِ الصِّدِّيقِ رُءُوسَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سَيَقَعُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، مَا هُوَ مَشْهُورٌ كَمَا قَرَّرْنَا فِي كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ، غَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ بَعْدَ غَلَبَهِمْ غَلَبًا عظيما جدا، وقصتهم في ذلك يَطُولُ بَسْطُهَا، وَقَدْ شَرَحْنَاهَا فِي التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَقَالَ تَعَالَى سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 41: 53 وَكَذَلِكَ وَقَعَ، أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ وَدَلَائِلِهِ فِي أَنْفُسِ الْبَشَرِ وَفِي الْآفَاقِ بِمَا أَوْقَعَهُ مِنَ النَّاسِ بِأَعْدَاءِ النُّبُوَّةِ، وَمُخَالِفِي الشَّرْعِ مِمَّنْ كَذَّبَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَالْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ، مَا دَلَّ ذَوِي الْبَصَائِرِ وَالنُّهَى عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ عَنِ اللَّهِ صِدْقٌ، وَقَدْ أوقع لَهُ فِي صُدُورِ أَعْدَائِهِ وَقُلُوبِهِمْ رُعْبًا وَمَهَابَةً وَخَوْفًا، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَهَذَا مِنَ التَّأْيِيدِ وَالنَّصْرِ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ عَدُوُّهُ يَخَافُهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَقِيلَ:
كَانَ إِذَا عَزَمَ عَلَى غَزْوِ قَوْمٍ أُرْعِبُوا قَبْلَ مَجِيئِهِ إِلَيْهِمْ، وَوُرُودِهِ عَلَيْهِمْ بِشَهْرٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدين.
فصل
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى إِخْبَارِهِ بِمَا وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي قِصَّةِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي تَعَاقَدَتْ فِيهَا بُطُونُ قُرَيْشٍ، وَتَمَالَئُوا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمَطْلَبِ أَنْ لَا يُؤْوُوهُمْ، وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلَا يُبَايِعُوهُمْ، حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، بِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ شِعْبَ أَبِي طَالِبٍ أَنِفِينَ لِذَلِكَ مُمْتَنِعِينَ مِنْهُ أَبَدًا، مَا بَقُوا دَائِمًا، مَا تَنَاسَلُوا وَتَعَاقَبُوا، وَفِي ذَلِكَ عَمِلَ

(6/185)


أَبُو طَالِبٍ قَصِيدَتَهُ اللَّامِيَّةَ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نُبْزَى مُحَمَّدًا ... وَلَمَّا نُقَاتِلْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ لَا أَبَا لَكَ سَيِّدًا ... يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ
يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ
وَكَانَتْ قريش قد علقت صحيفة الزعامة فِي سَقْفِ الْكَعْبَةِ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْ مَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، لِئَلَّا يَجْتَمِعَ بِمَا فِيهَا مِنَ الظُّلْمِ وَالْفُجُورِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا أَكَلَتْ مَا فِيهَا إِلَّا أَسْمَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ، فَجَاءَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ أَخْبَرَنِي بِخَبَرٍ عَنْ صَحِيفَتِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ سَلَّطَ عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْهَا إِلَّا مَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، أَوْ كَمَا قَالَ: فَأَحْضَرُوهَا، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا أَسْلَمْتُهُ إِلَيْكُمْ، فَأَنْزَلُوهَا فَفَتَحُوهَا فَإِذَا الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَقَضُوا حُكْمَهَا وَدَخَلَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمَطْلَبِ مَكَّةَ، وَرَجَعُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا أَسْلَفْنَا ذِكْرَهُ وللَّه الْحَمْدُ وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، حِينَ جَاءَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ يَسْتَنْصِرُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يتوسد رِدَاءَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَيَدْعُو لَهُمْ لِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْإِهَانَةِ، فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ وَقَالَ: إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ وَمِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أبيه عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ فِيهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انطلقت فطفت، فبينا سعد يطوف فإذا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ

(6/186)


هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَتَلَاحَيَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي، ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ، قَالَ:
فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ، وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ، قَالَ: إِيَّايَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لي أخى اليثربي؟ قالت: وما قال لك؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قاتلي، قالت: فو الله مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الصَّرِيخُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ لَا يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي، فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ فَقَتَلَهُ اللَّهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَبْسَطِ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الَّذِي كَانَ يَعْلِفُ حِصَانًا لَهُ، فَإِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنِّي سَأَقْتُلُكَ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَتْلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ كَمَا قَدَّمْنَا بَسْطَهُ وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ عَنْ مَصَارِعِ الْقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ جَعَلَ يُشِيرُ قَبْلَ الْوَقْعَةِ إِلَى مَحَلِّهَا وَيَقُولُ: هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ، قال: فو الّذي بعثه بالحق ما حاد أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن ذَلِكَ قَوْلُهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ لَا يَتْرُكُ لِلْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَفَرَاهَا بِسَيْفِهِ، وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقِيلَ: خَيْبَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ، فَقَالَ النَّاسُ: مَا أَغْنَى أَحَدٌ الْيَوْمَ مَا أَغْنَى فلان، يقال: إنه قرمان، فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: أَنَا صَاحِبُهُ، فَاتَّبَعَهُ فَجُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ ذُبَابَ سَيْفِهِ فِي صَدْرِهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنْفَذَهُ، فَرَجَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كيت وكيت، فذكر الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ عَنْ فَتْحِ مَدَائِنِ كِسْرَى وَقُصُورِ الشَّامِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ يَوْمَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ، لَمَّا ضَرَبَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ تِلْكَ الصَّخْرَةَ فَبَرِقَتْ مِنْ ضَرْبِهِ، ثُمَّ أخرى، ثم أخرى كما قدمناه وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ الذِّرَاعِ أَنَّهُ مَسْمُومٌ، فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، اعْتَرَفَ الْيَهُودُ بِذَلِكَ، وَمَاتَ مِنْ أكل مَعَهُ- بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ- وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذات يوم: اللَّهمّ نج أَصْحَابَ السَّفِينَةِ، ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: قَدِ اسْتَمَرَّتْ وَالْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَكَانَتْ تِلْكَ السَّفِينَةُ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى الْغَرَقِ وَفِيهَا الْأَشْعَرِيُّونَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ بِخَيْبَرَ وَمِنْ ذَلِكَ إِخْبَارُهُ عَنْ قَبْرِ أَبِي رِغَالٍ، حِينَ مَرِّ عَلَيْهِ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى الطَّائِفِ وَأَنَّ مَعَهُ غُصْنًا مِنْ ذَهَبٍ، فَحَفَرُوهُ فَوَجَدُوهُ كَمَا أَخْبَرَ،

(6/187)


صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أمية عن بحر بن أبى بحر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِهِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْأَنْصَارِ، لَمَّا خَطَبَهُمْ تِلْكَ الْخُطْبَةَ مُسَلِّيًا لَهُمْ عَمَّا كَانَ وَقَعَ فِي نُفُوسِ بَعْضِهِمْ مِنَ الْإِيثَارِ عَلَيْهِمْ فِي الْقِسْمَةِ لَمَّا تَأَلَّفَ قُلُوبَ مَنْ تَأَلَّفَ مِنْ سَادَاتِ الْعَرَبِ، وَرُءُوسِ قُرَيْشٍ، وَغَيْرِهِمْ، فَقَالَ: أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ تَحُوزُونَهُ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ وَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ وَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الْأَنْصَارُ وَقَالَ لَهُمْ فِي الْخُطْبَةِ قَبْلَ هَذِهِ عَلَى الصَّفَا: بَلِ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ وَقَدْ وَقَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قال: وأخبرنى سعيد ابن الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ عَنْ أَبِي وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا قَبِيصَةُ، ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَفْعَهُ: إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَقَالَ:
لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جرير، وزاد البخاري وابن عَوَانَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مِصْدَاقُ ذَلِكَ بَعْدَهُ فِي أَيَّامِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، اسْتَوْثَقَتْ هَذِهِ الْمَمَالِكُ فَتْحًا عَلَى أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، وأنفقت أموال قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، وَكِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ للمسلمين، وهي أَنَّ مُلْكَ فَارِسَ قَدِ انْقَطَعَ فَلَا عَوْدَةَ لَهُ، وَمُلْكَ الرُّومِ لِلشَّامِ قَدْ زَالَ عَنْهَا، فلا يملكوها بَعْدَ ذَلِكَ، وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَالشَّهَادَةِ لَهُمْ بِالْعَدْلِ، حَيْثُ أُنْفِقَتِ الْأَمْوَالُ الْمَغْنُومَةُ فِي زَمَانِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْضِيِّ الْمَمْدُوحِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، ثَنَا النَّضْرُ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، ثَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، أَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَى إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَى إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ: فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ مَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طيِّئ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ؟ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى، قُلْتُ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ؟ قَالَ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مَلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وبينه ترجمان يترجم له فيقولن لَهُ: أَلَمْ أَبْعَثْ

(6/188)


إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَلَمْ أعطك مالا [وولدا] وأفضلت عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ، قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ فَلَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنِ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ ثم رواه البخاري عن عبيد اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ- هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ- عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ عَنْ سعد بْنِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي مُجَاهِدٍ- سَعْدٍ الطَّائِيِّ- عَنْ مُحِلٍّ عَنْهُ بِهِ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ مُحِلٍّ عَنْهُ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مغفل عَنْ عَدِيٍّ مَرْفُوعًا اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَدِيٍّ، وَفِيهَا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَدِيٍّ بِهِ وَهَذِهِ كُلُّهَا شَوَاهِدُ لِأَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ الْإِخْبَارُ بِفَتْحِ مَدَائِنِ كِسْرَى وَقُصُورِهِ وَقُصُورِ الشَّامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْبِلَادِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ مُتَوَسِّدًا بُرْدَةً لَهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لَنَا وَاسْتَنْصِرْهُ، قَالَ: فَاحْمَرَّ لَوْنُهُ أَوْ تَغَيَّرَ، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ تحفر له الحفيرة ويجاء بالميشار فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَشُقُّ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونُ عَظْمٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخْشَى إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، ثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الحسين عن عتبة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أَنَا فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، إِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِيَ الْآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ كَرِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْهُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ أَشْيَاءُ، مِنْهَا أَنَّهُ أَخْبَرَ الْحَاضِرِينَ أَنَّهُ فَرَطُهُمْ، أَيِ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَوْتِ، وَهَكَذَا وَقَعَ، فَإِنَّ هَذَا كَانَ فِي مرض موته عليه السلام، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ وَإِنْ تَقَدَّمَ وفاته

(6/189)


عَلَيْهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُعْطِيَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، أَيْ فُتِحَتْ لَهُ الْبِلَادُ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَفْتَحُونَهَا كَفْرًا كَفْرًا، أَيْ بَلَدًا بَلَدًا، وَأَخْبَرَ أَنَّ أَصْحَابَهُ لَا يُشْرِكُونَ بَعْدَهُ، وَهَكَذَا وَقَعَ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَلَكِنْ خَافَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنَافِسُوا فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا فِي زَمَانِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثم من بعدهما، وهلم جرا إلى وقتنا هَذَا ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَا ابْنُ عَوْنٍ، أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ؟ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فقال: ما شأنك؟ فقال: شرا كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ مُوسَى: فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ قُتِلَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ شَهِيدًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَهَكَذَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْبِشَارَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ وَأَجْمَلِهَا، وَكَانَ النَّاسُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ فِي حَيَاتِهِ لِإِخْبَارِ الصَّادِقِ عَنْهُ بِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ الْإِخْبَارُ عَنِ الْعَشَرَةِ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَلْ ثَبَتَ أَيْضًا الْإِخْبَارُ عَنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَقِيلَ: وَخَمْسَمِائَةٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَاشَ إِلَّا حَمِيدًا، وَلَا مَاتَ إِلَّا عَلَى السَّدَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَالتَّوْفِيقِ، وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَهَذَا مِنْ أعلام النبوات، ودلالات الرسالة.
فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ بِغُيُوبِ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانًا مَاتَ، فَقَالَ: لَمْ يَمُتْ، فَعَادَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا مَاتَ، فَقَالَ: لَمْ يَمُتْ، فَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا نَحَرَ نَفْسَهُ بِمِشْقَصٍ عِنْدَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَابَعَهُ زُهَيْرٌ عَنْ سِمَاكٍ وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا هُرَيْمٌ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ سنان بْنِ بِشْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عن قيس بن أَبِي شَهْمٍ قَالَ: مَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ بِالْمَدِينَةِ فَأَخَذْتُ بِكَشْحِهَا، قَالَ: وَأَصْبَحَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَلَمْ يُبَايِعْنِي، فَقَالَ: صَاحِبُ الْجُبَيْذَةِ؟
قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَعُودُ، قَالَ: فَبَايَعَنِي وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ محمد بن عبد الرحمن الحربي عن

(6/190)


أَسْوَدِ بْنِ عَامِرٍ بِهِ، ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُرَيْجٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سنان بن بشر عن قيس عن أبى هاشم فَذَكَرَهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَتَّقِي الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا شَيْءٌ، فلما توفى تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بن الحرث عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ أَحَدُنَا يَكُفُّ عَنِ الشَّيْءِ مَعَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ وَإِيَّاهَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ تَخَوُّفًا أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، ثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِي الْحَافِرَ: أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ، فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ وَوَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيهِمْ فَأَكَلُوا فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا، قَالَ فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يُشْتَرَى لِي شَاةٌ فَلَمْ تُوجَدْ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِي قَدِ اشْتَرَى شَاةً: أَنْ أَرْسِلْ بِهَا إِلَيَّ بِثَمَنِهَا فَلَمْ يُوجَدْ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أطعميه الأسارى.
فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَهُ عليه الصلاة والسلام
ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ:
قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا مَقَامًا مَا تَرَكَ فِيهِ شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، وَقَدْ كُنْتُ أَرَى الشَّيْءَ قَدْ كُنْتُ نَسِيتُهُ فَأَعْرِفُهُ كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إِذَا غَابَ عَنْهُ فَرَآهُ فَعَرَفَهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِيَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جاهلية وشرّ، فجاء اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ فَقَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بغير هديي يعرف منهم وينكر، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، ويكلمون بِأَلْسِنَتِنَا، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ

(6/191)


قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنَّ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المثنى عن الوليد عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر به قال البخاري، ثنا محمد بن مثنى، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ: وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْهَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حديث على بْنِ أَحْمَرَ عَنْ أَبِي يَزِيدَ- عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ- قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَعْلَمُنَا أَحَفَظُنَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ وَكَذَا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 9: 33 وَقَالَ تَعَالَى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الْأَرْضِ 24: 55 الآية وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمِسْوَرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَذَكَرَ قِصَّةَ بَعْثِ أبى عبيدة إلى البحرين قال: وَفِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أبشروا وأملوا ما يسركم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أَخْشَى أَنْ تَنْبَسِطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فتهلككم كما أهلكتهم وفي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَكَمَ مِنْ أَنْمَاطٍ؟ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَأَنَّى يَكُونُ لَنَا أَنْمَاطٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ، قَالَ: فَأَنَا أَقُولُ لِامْرَأَتِي: نَحِّي عَنِّي أَنْمَاطَكِ، فَتَقُولُ:
أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ: أَنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ؟ فَأَتْرُكُهَا وَفِي الصحيحين والمسانيد والسنن وَغَيْرِهَا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُفْتَحُ الْيَمَنُ فيأتى قوم يبثون فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ كَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ ابن عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وابن جريج وأبو معاوية ومالك بن سعد بن الحسن وأبو ضَمْرَةَ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَسَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ. عَنْ يُونُسَ عَنْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامٍ، ومن

(6/192)


حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ بِنَحْوِهِ ثُمَّ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ حصيفة أن بشر بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ فِي مَجْلِسِ المكيين يَذْكُرُونَ أَنَّ سُفْيَانَ أَخْبَرَهُمْ، فَذَكَرَ قِصَّةً وَفِيهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: ويوشك الشام أن يفتح فَيَأْتِيَهُ رِجَالٌ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ- يَعْنِي الْمَدِينَةَ- فيعجبهم ربعهم وَرَخَاؤُهُ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثم يفتح العراق فيأتى قوم يثبون فيحملون بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ إسماعيل، ورواه الحافظ ابن عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ، وَكَذَا حَدِيثُ ابن حوالة ويشهد لذلك: منعت الشام مدها وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ، وَكَذَا حَدِيثُ:
الْمَوَاقِيتِ لِأَهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ: إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ الساعة، فذكر موته عليه السلام، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان- وَهُوَ الْوَبَاءُ- ثُمَّ كَثْرَةَ الْمَالِ، ثُمَّ فِتْنَةً، ثُمَّ هُدْنَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّومِ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِيمَا بَعْدُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عبد الرحمن بن شماسة عن أبى زرّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا. قَالَ: فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا- يَعْنِي دِيَارَ مِصْرَ عَلَى يَدَيْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ كَمَا سيأتي وروى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذمة ورحما رواه البيهقي من حديث إسحاق بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ وَحَكَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَقَالَ:
مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ- هَاجَرَ- كَانَتْ قِبْطِيَّةً، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: أُمُّ إِبْرَاهِيمَ، قُلْتُ:
الصَّحِيحُ الَّذِي لَا شَكَّ فيه أنهما قبطيتان كما قدمنا ذَلِكَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ذِمَّةً، يَعْنِي بِذَلِكَ هَدِيَّةَ الْمُقَوْقِسِ إِلَيْهِ وَقَبُولَهُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَذَلِكَ نَوْعٌ ذِمَامٍ وَمُهَادَنَةٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَتَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي فَتْحِ كُنُوزِ كِسْرَى وَانْتِشَارِ الْأَمْنِ، وَفَيَضَانِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَتَقَبَّلَهُ أَحَدٌ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَدِيًّا شَهِدَ الْفَتْحَ وَرَأَى الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ إِلَى مَكَّةَ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، قَالَ: وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ كَثْرَةِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ قَالَ

(6/193)


الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَأَخِّرًا إِلَى زَمَنِ الْمَهْدِيِّ كَمَا جَاءَ فِي صِفَتِهِ، أَوْ إِلَى زَمَنِ نُزُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ قَتْلِهِ الدَّجَّالَ، فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَقْتُلُ الخنزير، ويكسر للصليب، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا مَا كَانَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ يُخْرِجُ كَذَّابُونَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، وَلَيَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَنْزَ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ، قَصْرَ كِسْرَى، وَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ وَتَقَدَّمَ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَخْرَجَاهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمُرَادُ زَوَالُ مُلْكِ قَيْصَرَ، عن الشام، ولا يبقى فيها مُلْكِهِ عَلَى الرُّومِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا عَظَّمَ كِتَابُهُ: ثُبِّتَ مُلْكُهُ، وَأَمَّا مُلْكُ فَارِسَ فزال بالكلية، لقوله: مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ يونس عن الحسن أن عمر بن الخطاب. وَرَوَيْنَا فِي طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا جِيءَ بِفَرْوَةِ كِسْرَى وَسَيْفِهِ وَمِنْطَقَتِهِ وَتَاجِهِ وَسِوَارَيْهِ، أَلْبَسَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، وَقَالَ: قُلِ الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَلْبَسَ ثِيَابَ كِسْرَى لِرَجُلٍ أَعْرَابِيٍّ مِنَ الْبَادِيَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا أَلْبَسَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسُرَاقَةَ- وَنَظَرَ إِلَى ذِرَاعَيْهِ-: كَأَنِّي بك وقد لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُثِّلَتْ لِيَ الْحِيرَةُ كَأَنْيَابِ الْكِلَابِ وَإِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَهَا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رسول الله هب لي ابنته نفيلة، قَالَ: هِيَ لَكَ، فَأَعْطَوْهُ إِيَّاهَا، فَجَاءَ أَبُوهَا فَقَالَ: أَتَبِيعَهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَبِكَمْ؟ احْكُمْ مَا شِئْتَ، قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا، فَقَالُوا لَهُ: لَوْ قُلْتَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا لَأَخَذَهَا، فَقَالَ: وَهَلْ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ؟ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ زُغْبٍ الْإِيَادِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ: نَزَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ فَقَالَ لِي: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَقْدَامِنَا لِنَغْنَمَ، فَرَجَعَنَا وَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا، وَعَرَفَ الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا، فَقَامَ فِينَا فَقَالَ: اللَّهمّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فأضعف، ولا تكلم إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: لَتُفْتَحَنَّ لَكُمُ الشَّامُ وَالرُّومُ وَفَارِسُ، أَوِ الرُّومُ وَفَارِسُ، وَحَتَّى يَكُونَ لِأَحَدِكُمْ مِنَ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنَ الْبَقَرِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنَ الْغَنَمِ كَذَا وَكَذَا، وَحَتَّى يُعْطَى أَحَدُكُمْ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي أَوْ عَلَى هَامَتِي فَقَالَ:
يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتِ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ والبلابل والأمور

(6/194)


الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَا: ثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي بُجَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي قيلة عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهُ خِيرَةُ اللَّهِ من أرضه يجيء إِلَيْهِ خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بيمنكم واسعوا مِنْ غُدُرِهِ. فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عن عصام بن خالد وعلى بن عباس كلاهما عن جرير بن عثمان عن سليمان بن سمير عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ، وَرَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ بِهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَلْقَمَةَ- نَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ- يروى الْحَدِيثَ إِلَى جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ العرى والفقر، وقلة الشيء، فقال: أبشروا فو الله لَأَنَا بِكَثْرَةِ الشَّيْءِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ، وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَرْضَ الشَّامِ، أَوْ قَالَ: أَرْضَ فَارِسَ وَأَرْضَ الرُّومِ وَأَرْضَ حِمْيَرَ، وَحَتَّى تكونوا أجنادا ثلاثة، جند بالشام، وجند بالعراق، وجند بِالْيَمَنِ، وَحَتَّى يُعْطَى الرِّجْلُ الْمِائَةَ فَيَسْخَطَهَا، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الشَّامَ وَبِهِ الرُّومُ ذَوَاتُ الْقُرُونِ؟ قَالَ: والله ليفتحها الله عليكم، وليستخلفنكم فيها حتى تطل العصابة البيض منهم، قمصهم الملحمية. أقباؤهم قياما على الرويحل، الْأَسْوَدِ مِنْكُمُ الْمَحْلُوقِ مَا أَمَرَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَعَلُوهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ أَبُو عَلْقَمَةَ: سَمِعْتُ عبد الرحمن بن مهدي يقول: فعرف أصحاب رسول الله نَعْتَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي جَزْءِ بْنِ سُهَيْلٍ السُّلَمِيِّ، وَكَانَ عَلَى الْأَعَاجِمِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا إِلَى الْمَسْجِدِ نَظَرُوا إِلَيْهِ وإليهم قياما حوله فيعجبون لِنَعْتِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَفِيهِمْ وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ لقيط النجيبى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ نَجَا، قَالُوا: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَوْتِي، وَمِنْ قتال خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ بِالْحَقِّ يُعْطِيهِ، وَالدَّجَّالِ وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظل دومة، وهو عنده كَاتِبٌ لَهُ يُمْلِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَّا نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ قُلْتُ: فِيمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَأَعْرَضَ عَنِّي وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَّا نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ، فَأَعْرَضَ

(6/195)


عَنِّي وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَّا نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ؟ فَأَعْرَضَ عَنِّي وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ، قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِي الْكِتَابِ عُمَرُ، فَقُلْتُ:
لا يكتب عمر إِلَّا فِي خَيْرٍ، ثُمَّ قَالَ: أَنَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: يَا ابْنَ حَوَالَةَ، كَيْفَ تَفْعَلُ فِي فِتْنَةٍ تَخْرُجُ فِي أطراف الأرض كأنها صياصي نفر؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَكَيْفَ تَفْعَلُ فِي أُخْرَى تَخْرُجُ بَعْدَهَا كَأَنَّ الْأُولَى مِنْهَا انْتِفَاجَةُ أَرْنَبٍ؟ قُلْتُ:
لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ، قال: ابتغوا هذا، قال: ورجل مقفى حِينَئِذٍ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَسَعَيْتُ وَأَخَذْتُ بِمَنْكِبِهِ فَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا هو عثمان ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُنِعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وقفيزها، ومنعت الشام مدها وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أبى هريرة ودمه وقال يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: هَذَا مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ حَيْثُ أَخْبَرَ عَمَّا ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالْقُفْزَانِ، وَعَمَّا ضَرَبَ مِنَ الْخَرَاجِ بِالشَّامِ وَمِصْرَ قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السلام: منعت العراق إلخ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسْلِمُونَ فَيَسْقُطُ عَنْهُمُ الْخَرَاجُ، وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنِ الطَّاعَةِ وَلَا يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ الْمَضْرُوبَ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، أَيْ رَجَعْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أبى نصرة قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يَجِيءَ إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ، قُلْنَا: مَنْ أَيْنَ ذلك؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّامِ أَنْ لَا يَجِيءَ إليهم دينار ولا مد، قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل الروم، يمنعون ذلك، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا، لَا يَعُدُّهُ عَدًّا، قَالَ الْجُرَيْرِيُّ: فَقُلْتُ لِأَبِي نصرة وَأَبِي الْعَلَاءِ: أَتَرَيَانِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَا: لَا وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نصرة المنذر بن مالك بن قطفة الْعَبْدِيِّ عَنْ جَابِرٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ الْبَيْهَقِيَّ احْتَجَّ بِهِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَفِيمَا سَلَكَهُ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ

(6/196)


ذَاتَ عِرْقٍ، فَهَذَا مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ، حَيْثُ أَخْبَرَ عَمَّا وَقَعَ مِنْ حَجِّ أَهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَأْتِينَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُقَالُ: نعم، فيفتح الله لهم، ثم يأتى على الناس زمان فيغزو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيُقَالُ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ من صاحبهم؟ فيقال:
نعم، فيفتح الله لَهُمْ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الجمعة وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ 62: 3 فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَقَالَ: لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهَكَذَا وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ عَلَيْهِ السلام وروى الحافظ البيهقي من حديث محمد ابن عبد الرحمن بن عوف عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُفْتَحَنَّ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ حَتَّى يَكْثُرَ الطَّعَامُ فَلَا يُذْكَرُ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَخِيهِ سَهْلٍ عن أبيه عبد الله بن بريدة بن الخصيب مَرْفُوعًا: سَتُبْعَثُ بُعُوثٌ فَكُنْ فِي بَعْثِ خُرَاسَانَ، ثُمَّ اسْكُنْ مَدِينَةَ مَرْوٍ، فَإِنَّهُ بَنَاهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ، وَقَالَ: لَا يُصِيبُ أَهْلَهَا سُوءٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعَدُّ مِنْ غَرَائِبِ الْمُسْنَدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْضُوعًا، فاللَّه أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ فِي قِتَالِ التُّرْكِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَسَيَقَعُ أَيْضًا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَإِنَّهُ سَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةَ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كَانَ نَبِيٌّ إِلَّا كَانَ لَهُ حواريون يهدون بهداه، وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ مَا يُنْكِرُونَ وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ من حديث عبد الله بن الحرث بن محمد بن حاطب الجمحيّ عن إسماعيل بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ خُلَفَاءُ يَعْمَلُونَ بكتاب الله، ويعدلون في عبادة اللَّهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِ الْخُلَفَاءِ مُلُوكٌ يَأْخُذُونَ بِالثَّأْرِ، وَيَقْتُلُونَ الرِّجَالَ، وَيَصْطَفُونَ الْأَمْوَالَ، فَمُغَيِّرٌ بيده، ومغير بلسانه، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ

(6/197)


لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ هَذَا الْأَمْرَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا خِلَافَةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا مُلْكًا عَضُوضًا، وَكَائِنًا عِزَّةً وَجَبْرِيَّةً وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ، يَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ وَالْخُمُورَ وَالْحَرِيرَ، وَيُنْصَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُرْزَقُونَ أَبَدًا حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا كُلُّهُ وَاقِعٌ وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ- وحسنه- والنسائي من حديث سعيد بن جهمان عن سفينة مولى رسول اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ، وَهَكَذَا وَقَعَ سَوَاءً، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ خِلَافَتُهُ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إِلَّا عَشْرَ لَيَالٍ، وَكَانَتْ خِلَافَةُ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةَ أيام، وخلافة عثمان اثنتا عشرة سنة إلا اثنا عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَتْ خِلَافَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ خَمْسَ سِنِينَ إِلَّا شَهْرَيْنِ، قُلْتُ: وَتَكْمِيلُ الثَّلَاثِينَ بِخِلَافَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ نَحْوًا مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، حَتَّى نَزَلَ عَنْهَا لِمُعَاوِيَةَ عَامَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، ثَنَا مُؤَمَّلٌ، ثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ ثَلَاثُونَ عَامًا ثُمَّ يؤتى الله ملكه مَنْ يَشَاءُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: رَضِينَا بِالْمُلْكِ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ رَدٌّ صَرِيحٌ عَلَى الرَّوَافِضِ الْمُنْكِرِينَ لِخِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى النَّوَاصِبِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فِي إِنْكَارِ خِلَافَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ سَفِينَةَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا مَا كَانَ فِي النَّاسِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ؟ فَالْجَوَابُ: إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الدِّينَ لَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى وَلِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، ثُمَّ وَقَعَ تَخْبِيطٌ بَعْدَهُمْ فِي زَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ بِشَارَةٌ بِوُجُودِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً عَادِلًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا عَلَى الْوَلَاءِ، وَإِنَّمَا اتَّفَقَ وُقُوعُ الْخِلَافَةِ الْمُتَتَابِعَةِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً، ثم كانت بعد ذلك خلفاء راشدون، فيهم عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ الْأُمَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى خِلَافَتِهِ وَعَدْلِهِ وَكَوْنِهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ حُجَّةً إِلَّا قَوْلَ عمر بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ مِنْ هؤلاء المهدي بِأَمْرِ اللَّهِ الْعَبَّاسِيَّ، وَالْمَهْدِيَّ الْمُبَشَّرَ بِوُجُودِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْهُمْ أَيْضًا بِالنَّصِّ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله، وليس بالمنتظر في سرداب سامرّا، فَإِنَّ ذَاكَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُهُ الْجَهَلَةُ مِنَ الرَّوَافِضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَدْعُوَ أَبَاكِ وَأَخَاكِ وَأَكْتُبَ كِتَابًا لِئَلَّا يَقُولَ قَائِلٌ، أَوْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا

(6/198)


أَبَا بَكْرٍ وَهَكَذَا وَقَعَ، فَإِنَّ اللَّهَ وَلَّاهُ وَبَايَعَهُ الْمُؤْمِنُونَ قَاطِبَةً كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ؟ - كَأَنَّهَا تُعَرِّضُ بالموت- فقال: إن لم تجديني فأت أَبَا بَكْرٍ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبِينَ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرْبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَقَوْلُهُ: وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، قِصَرُ مُدَّتِهِ، وَعَجَلَةُ مَوْتِهِ، وَاشْتِغَالُهُ بِحَرْبِ أَهْلِ الرِّدَّةِ عَنِ الْفَتْحِ الَّذِي نَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي طُولِ مُدَّتِهِ، قُلْتُ: وَهَذَا فِيهِ الْبِشَارَةُ بِوِلَايَتِهِمَا عَلَى النَّاسِ، فَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ سَوَاءً، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ أَحَمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ رِبْعِيِّ بن خراش عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وقال الترمذي: حسن، وأخرجه مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثُ تَسْبِيحِ الحصى في يد رسول الله، ثُمَّ يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عثمان، وقوله عليه السلام: هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا فَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْقُفِّ فَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ الْيَوْمَ بَوَّابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَتْ خَلْفَ الْبَابِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: افْتَحْ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: افْتَحْ لَهُ وَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ كَذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ أَنَسٍ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم برجله وقال:
اثبت، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنْ حِرَاءَ ارْتَجَّ وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اثْبُتْ مَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقُ وشهيدان، قال معمر: قد سمعت قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وقد روى مسلّم عن قتيبة عن الدراوَرْديّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وَعُثْمَانَ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ وَهَذَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ أَصَابُوا الشَّهَادَةَ، وَاخْتُصَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى مَرَاتِبِ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، وَاخْتُصَّ أَبُو بَكْرٍ بِأَعْلَى مَقَامَاتِ الصِّدِّيقِيَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ الشَّهَادَةُ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ بَلْ لِجَمِيعِ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانُوا ألفا وأربعمائة، وقيل:

(6/199)


وثلاثمائة، وقيل: وخمسمائة، وكلهم اسْتَمَرَّ عَلَى السَّدَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ حَتَّى مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْبِشَارَةُ لِعُكَّاشَةَ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ أَمْتَى سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ القمر ليلة البدر، فقام عكاشة ابن مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ يَجُرُّ نَمِرَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اللَّهمّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ:
سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ، وَسَنُورِدُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ، وَسَنَذْكُرُ في قتال أهل الردة أن طلحة الْأَسَدِيَّ قَتَلَ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ شَهِيدًا رَضِيَ الله عنه، ثم رجع طلحة الْأَسَدِيُّ عَمَّا كَانَ يَدَّعِيهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَتَابَ إلى الله، وقدم على أبى بكر الصديق واعتمر وحسن إسلامه وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ كَأَنَّهُ وُضِعَ فِي يدي سواران فقطعتهما، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ: أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فطارا، فأولتهما كذا بين يَخْرُجَانِ، صَاحِبُ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبُ الْيَمَامَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ في الوفود أنه قَالَ لِمُسَيْلِمَةَ حِينَ قَدِمَ مَعَ قَوْمِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ اتَّبَعْتُهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْعَسِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ وَهَكَذَا وَقَعَ، عَقَرَهُ اللَّهُ وَأَهَانَهُ وَكَسَرَهُ وَغَلَبَهُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، كَمَا قَتَلَ الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ بِصَنْعَاءَ، عَلَى مَا سَنُورِدُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَيْلِمَةَ فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهُ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمَنْتُ باللَّه وَبِرُسُلِهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن هذا رجل أُخِّرَ لِهَلَكَةِ قَوْمِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ كَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم، مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ أشركت في الأمر بعدك، فَلَكَ الْمَدَرُ وَلِيَ الْوَبَرُ، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَرْضَ للَّه يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْعَاقِبَةَ لِمُحَمَّدٍ وأصحابه، لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُتَّقُونَ وَهُمُ الْعَادِلُونَ الْمُؤْمِنُونَ، لَا مَنْ عَدَاهُمْ وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ مِنْ طَرْقٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الرِّدَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ فَقَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ بِالْجُنُودِ الْمُحَمَّدِيَّةُ حَتَّى رَجَعُوا إِلَى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَعَذُبَ مَاءُ الْإِيمَانِ كَمَا كَانَ بَعْدَ مَا صَارَ أُجَاجًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى

(6/200)


الْكافِرِينَ 5: 54 الآية، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ مُسَارَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ وَإِخْبَارِهِ إِيَّاهَا بِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَمَا أَرَى ذَلِكَ إِلَّا لِاقْتِرَابِ أَجَلِي، فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا فَأَخْبَرَهَا بِأَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ لحوقا به وكان كَمَا أَخْبَرَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي مُكْثِ فَاطِمَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ: شَهْرَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ، وَقِيلَ: سِتَّةٌ، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ، قَالَ: وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَكَثَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم ستة أشهر أخرجاه في الصحيحين.
وَمِنْ كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي بَابِ إِخْبَارِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنِ الْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ
فَمِنْ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي فعمر بن الخطاب وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ كُوفِيٌّ عَنِ الْوَلِيدِ بن العيزار عن عمر بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: مَا كُنَّا نُنْكِرُ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ السِّكِّينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ زر بن حبيش والشعبي عن على وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ:
ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سِيرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، مِنْ مُكَاشَفَاتِهِ وَمَا كَانَ يُخْبِرُ بِهِ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ كَقِصَّةِ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ، وَمَا شَاكَلَهَا وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْتَمَعْنَ عِنْدَهُ فَقُلْنَ يوما: يا رسول الله أيتنا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ فَقَالَ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا، وَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَنَا ذِرَاعًا، فَكَانَتْ أَسْرَعَنَا بِهِ لُحُوقًا هَكَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا سَوْدَةُ، وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُرْسَلًا وَقَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ عَلِمْنَ أَنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فِي الْخَيْرِ وَالصَّدَقَةِ، وَالَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ أَطْوَلَنَا يَدًا، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ أَوَّلَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاةً قَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قُلْتُ: وَأَمَّا سَوْدَةُ فَإِنَّهَا تُوُفِّيَتْ فِي آخِرِ إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضًا، قَالَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ

(6/201)


حديث أسيد بْنِ جَابِرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قصة أويس القرني، وإخباره عليه السلام عنه بأنه خبر التَّابِعِينَ وَأَنَّهُ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلَّا مَوْضِعًا قَدْرَ الدِّرْهَمِ مِنْ جَسَدِهِ، وَأَنَّهُ بَارٌّ بِأُمِّهِ وَأَمْرُهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الرَّجُلُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى الصِّفَةِ وَالنَّعْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ سَوَاءً وَقَدْ ذَكَرْتُ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَلْفَاظَهُ وَالْكَلَامَ عَلَيْهِ مُطَوَّلًا فِي الَّذِي جَمَعْتُهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وللَّه الْحَمْدِ وَالْمِنَّةُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جميع، حدثني جرير بن عبد الله وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَزَا بَدْرًا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ معك أمرض مرضاكم، لعل الله يرزقني بالشهادة، فَقَالَ لَهَا: قِرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ، فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةُ، وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْقُرْآنَ، فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أن تتخذ في بيتها مؤذنا يؤذن لَهَا، وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلَامًا لَهَا وَجَارِيَةً، فَقَامَا إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ فَغَمَّاهَا فِي قَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ وَذَهَبَا، فَأَصْبَحَ عُمَرُ فَقَامَ فِي النَّاسِ وَقَالَ: مَنْ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنَ عِلْمٌ أَوْ من رآهما فليجئ بهما، فَجِيءَ بِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا، وَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبَيْنِ بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نُعَيْمٍ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا وَيُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: انْطَلَقُوا بِنَا نَزُورُ الشَّهِيدَةَ وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ البخاري من حديث أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ عَنْهُ فِي الْآيَاتِ السِّتِّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِيهِ: ثُمَّ مُوتَانٌ بأحدكم كقصاص الغنم، وهذا قد وقع في أيام عشر، وَهُوَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَمَاتَ بِسَبَبِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَأَبُو جَنْدَلٍ سَهْلُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُوهُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمَطْلَبِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا النَّهَّاسُ بْنُ قَهْمٍ، ثَنَا شَدَّادُ أَبُو عَمَّارٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سِتٌّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، مَوْتِي، وَفَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَمَوْتٌ يَأْخُذُ في الناس كقصاص الغنم، وفتنة يدخل حريمها بَيْتَ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَأَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ أَلْفَ دينار فيسخطها، وأن يغزو الروم فيسيرون إليه بِثَمَانِينَ بَنْدًا تَحْتَ كُلِّ بَنْدٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عبد الله بن حبان أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَذْكُرُ أَنَّ الطَّاعُونَ وَقَعَ بِالنَّاسِ يَوْمَ جِسْرِ عَمُوسَةَ فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا هَذَا الْوَجَعُ رِجْسٌ فَتَنَحُّوا عَنْهُ، فَقَامَ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ صَاحِبِكُمْ،

(6/202)


وَإِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ أَسْلَمْتُ وَصَلَّيْتُ، وَإِنَّ عَمْرًا لَأَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَلَاءٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَاصْبِرُوا، فَقَامَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ صَاحِبَيْكُمْ هَذَيْنَ، وَإِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رَحْمَةٌ بِكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّكُمْ سَتَقْدَمُونَ الشَّامَ فَتَنْزِلُونَ أَرْضًا يُقَالُ لَهَا: أَرْضُ عَمُوسَةَ، فَيَخْرُجُ بِكُمْ فِيهَا خُرْجَانٌ لَهُ ذُبَابٌ كَذُبَابِ الدُّمَّلِ، يَسْتَشْهِدُ اللَّهُ بِهِ أَنْفُسَكُمْ وَذَرَارِيَّكُمْ وَيُزَكِّي بِهِ أَمْوَالَكُمْ، اللَّهمّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْزُقْ مُعَاذًا وَآلَ مُعَاذٍ مِنْهُ الْحَظَّ الْأَوْفَى وَلَا تُعَافِهِ مِنْهُ، قَالَ: فَطُعِنَ فِي السَّبَّابَةِ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَيَقُولُ: اللَّهمّ بَارِكْ فِيهَا، فَإِنَّكَ إِذَا بَارَكْتَ فِي الصَّغِيرِ كَانَ كَبِيرًا، ثُمَّ طُعِنَ ابْنُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ من الْمُمْتَرِينَ 2: 147 فَقَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ 37: 102 وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ وَجَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، قَالَ هَاتِ، إِنَّكَ لِجَرِيءٌ، فَقُلْتُ: ذَكَرَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا أَعْنِي إِنَّمَا أَعْنِي الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ، فَقُلْتُ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: ويحك، يفتح الله أَمْ يُكْسَرُ؟ قُلْتُ: بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا، قُلْتُ: أَجَلْ، فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: فَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وإني حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ، قَالَ: فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ مَنِ الْبَابُ، فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ فَسَأَلَهُ، فقال من بالباب؟ قال: عُمَرُ، وَهَكَذَا وَقَعَ مِنْ بَعْدِ مَقْتَلِ عُمَرَ، وَقَعَتِ الْفِتَنُ فِي النَّاسِ، وَتَأَكَّدَ ظُهُورُهَا بِمَقْتَلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ قَالَ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سفيان عن عروة بْنِ قَيْسٍ قَالَ خَطَبَنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ فَحِينَ أَلْقَى بَوَانِيَهُ بَثْنِيَّةً وَعَسَلًا أَرَادَ أَنْ يُؤْثِرَ بِهَا غَيْرِي وَيَبْعَثَنِي إِلَى الْهِنْدِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ تَحْتِهِ: اصْبِرْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، فَإِنَّ الْفِتَنَ قَدْ ظَهَرَتْ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَمَّا وَابْنُ الْخَطَّابِ حَيٌّ فَلَا، وَإِنَّمَا ذَاكَ بَعْدَهُ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَبْصَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ ثَوْبًا فَقَالَ:
أَجَدِيدٌ ثَوْبُكُ أَمْ غَسِيلٌ؟ قَالَ: بَلْ غَسِيلٌ، قَالَ: الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا، وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَيَرْزُقُكَ اللَّهُ قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، أَنْكَرَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلًا، قَالَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ الْحَافِظُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ غَيْرَ مَعْمَرٍ، وَمَا أَحْسَبُهُ بِالصَّحِيحِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ: رِجَالُ إِسْنَادِهِ وَاتِّصَالِهِ عَلَى شَرْطِ الصحيحين وقد قيل الشيخان، تفرد معمر عن الزهري في غير ما حَدِيثٍ، ثُمَّ قَدْ رَوَى الْبَزَّارُ هَذَا الْحَدِيثَ من

(6/203)


طَرِيقِ جَابِرِ الْجُعْفِيِّ- وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ [1] عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ سَوَاءً، وَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُتِلَ شَهِيدًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي الْفَجْرَ فِي مِحْرَابِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، عَلَى صَاحِبِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي تَسْبِيحِ الْحَصَا فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ، وَقَوْلُهُ عليه السلام: هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ:
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المبارك، أنا خرج بن نباتة عن سعيد بن جهمان عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: لَمَّا بَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هؤلاء يكونون خلفاء بَعْدِي وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ مَنْ نَجَا مِنْهُنَّ فَقَدْ نَجَا، مَوْتِي، وقتل خليفة مضطهد، وَالدَّجَّالُ، وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ، الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ عُثْمَانَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتْنَةِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حديث سليمان بن بلال عن شريك ابن أَبِي نُمَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: تَوَضَّأْتُ فِي بَيْتِي، ثُمَّ خَرَجْتُ فَقُلْتُ:
لَأَكُونُنَّ الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا: خَرَجَ وَتَوَجَّهَ هَاهُنَا، فَخَرَجْتُ فِي أثره حتى جئت بئر أريس- وما بها مِنْ جَرِيدٍ- فَمَكَثْتُ عِنْدَ بَابِهَا حَتَّى عَلِمْتُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَضَى حَاجَتَهُ وَجَلَسَ، فَجِئْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ جَلَسَ عَلَى قُفِّ بِئْرِ أَرِيسَ فَتَوَسَّطَهُ ثُمَّ دَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى الْبَابِ وَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ دَقَّ الْبَابُ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، وَذَهَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مُسْرِعًا حَتَّى قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ، قَالَ:
فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُفِّ عَلَى يَمِينِهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ كُنْتُ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَقَدْ كَانَ قَالَ لِي: أَنَا عَلَى إِثْرِكَ، فَقُلْتُ:
إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَحْرِيكَ الْبَابِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عُمَرُ، قُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، قَالَ: وَجِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: فَجِئْتُ وَأَذِنْتُ لَهُ وَقُلْتُ لَهُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُكَ بالجنة، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: فَجِئْتُ وَأَذِنْتُ لَهُ وَقُلْتُ لَهُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، يُرِيدُ أَخَاهُ، فَإِذَا تَحْرِيكُ الْبَابِ، فَقُلْتُ:
مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، قُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، وَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ الله فقلت: هذا عثمان
__________
[1] هو عبد الرحمن بن سابط القرشي الجمحيّ المكيّ. وفي احدى النسختين عبد الرحمن بن سليطه التصحيح من التيمورية.

(6/204)


يستأذن، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تصيبه، قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْذَنُ لَكَ وَيُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى أَوْ بَلَاءٍ يُصِيبُكَ، فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، فَلَمْ يَجِدْ فِي الْقُفِّ مَجْلِسًا فَجَلَسَ وُجَاهَهُمْ مِنْ شِقِّ الْبِئْرِ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ، كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمُ، اجْتَمَعَتْ وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَبِي الْمُسَاوِرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: انْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ أَبَا بَكْرٍ فَتَجِدَهُ فِي دَارِهِ جَالِسًا مُحْتَبِيًا فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ انْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ الثَّنِيَّةَ فَتَلْقَى عُمَرَ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ تَلُوحُ صَلْعَتُهُ، فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ انْصَرِفْ حَتَّى تَأْتِيَ عُثْمَانَ فَتَجِدَهُ فِي السُّوقِ يَبِيعُ وَيَبْتَاعُ، فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ. وَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ بَعْدَ بَلَاءٍ شَدِيدٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي ذَهَابِهِ إِلَيْهِمْ فَوَجَدَ كُلًّا مِنْهُمْ كَمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُلًّا مِنْهُمْ يَقُولُ: أَيْنَ رسول الله؟ فَيَقُولُ: فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَيَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَأَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا رَجَعَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّ بَلَاءٍ يُصِيبُنِي؟ وَالَّذِي بَعْثَكَ بِالْحَقِّ مَا تَغَيَّبْتُ وَلَا تَمَنَّيْتُ وَلَا مَسِسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينِي مُنْذُ بَايَعَتُكَ فَأَيُّ بَلَاءٍ يُصِيبُنِي؟ فَقَالَ: هُوَ ذَاكَ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبْدُ الْأَعْلَى ضَعِيفٌ، فَإِنْ كَانَ حَفِظَ هَذَا الْحَدِيثَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إليهم زيد بن أرقم فجاء وأبو موسى الأشعري جَالِسٌ عَلَى الْبَابِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا الْبَلَاءُ الَّذِي أَصَابَهُ هُوَ مَا اتَّفَقَ وُقُوعُهُ عَلَى يَدَيْ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنْ رِعَاعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ بِلَا عِلْمٍ، فَوَقَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي دَوْلَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ حَصْرِهِمْ إِيَّاهُ فِي دَارِهِ حَتَّى آلَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى اضْطِهَادِهِ وَقَتْلِهِ وَإِلْقَائِهِ عَلَى الطَّرِيقِ أَيَّامًا، لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، حَتَّى غُسِّلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ بحش كوكب- بسنان في طريق الْبَقِيعِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُوا لِي بَعْضَ أَصْحَابِي، قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ:
لَا، قُلْتُ: عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: عُثْمَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا جَاءَ عُثْمَانُ قَالَ: تَنَحَّى، فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، قَالَ أَبُو سهلة: فلما كان يوم الدار وحضر فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟ قَالَ: لَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، ثُمَّ قَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِهِ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ: حَدَّثَنَا عَتَّابُ بن

(6/205)


بَشِيرٍ [1] عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُثْمَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ يُنَاجِيهِ، فَلَمْ أُدْرِكْ مِنْ مَقَالَتِهِ شَيْئًا إلا قول عثمان: ظلما وَعُدْوَانًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَمَا دَرَيْتُ مَا هُوَ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا عَنَى قَتْلَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا أَحْبَبْتُ أَنْ يَصِلَ إِلَى عُثْمَانَ شَيْءٌ إِلَّا وَصَلَ إِلَيَّ مِثْلُهُ غيره إن شاء اللَّهَ عَلِمَ أَنِّي لَمْ أُحِبَّ قَتْلَهُ، وَلَوْ أَحْبَبْتُ قَتْلَهُ لَقُتِلْتُ، وَذَلِكَ لَمَّا رُمِيَ هَوْدَجُهَا مِنَ النَّبْلِ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْقُنْفُذِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ وَتَجْتَلِدُوا بِأَسْيَافِكُمْ، وَيَرِثُ دُنْيَاكُمْ شِرَارُكُمْ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ جَلَسَ يَوْمًا مَعَ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيَكُونُ فِيكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، لَا يَلْبَثُ خلفي إلا قليلا، وصاحب رَحَى الْعَرَبِ يَعِيشُ حَمِيدًا وَيَمُوتُ شَهِيدًا، فَقَالَ رَجُلٌ: وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: وَأَنْتَ يَسْأَلُكَ النَّاسُ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصًا كَسَاكَهُ اللَّهُ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَئِنْ خَلَعْتَهُ لَا تَدْخُلِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: حَدَّثَنِي جَدِّي أَبُو أُمِّي، أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فِيهَا، وَأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَسْتَأْذِنُ عُثْمَانَ فِي الْكَلَامِ فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي فِتْنَةً وَاخْتِلَافًا، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ: فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَوْ مَا تَأْمُرُنَا؟ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ شَاهِدَانِ لَهُ بِالصِّحَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ- هُوَ ابْنِ مَسْعُودٍ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، أَوْ سَبْعٍ وثلاثين، فان هلكوا فَسَبِيلُ مِنْ قَدْ هَلَكَ، وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا، قَالَ:
قُلْتُ: أمما مضى أو مما بَقِيَ؟ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سليمان الأنباري عن عبد الرحمن [2] ابن مَهْدِيٍّ بِهِ، ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْحَاقَ، وَحَجَّاجٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ الْكَاهِلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رحى
__________
[1] هو عتاب بن بشير الأموي مولاهم أبو سهل الجزري. وفي احدى النسختين عتاب بن بشير والتصحيح من التيمورية.
[2] في التيمورية «عن محمد بن مهدي» .

(6/206)


الإسلام ستزول لخمس وَثَلَاثِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ تَهْلِكْ فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ، وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يقم لهم سَبْعِينَ عَامًا، قَالَ. قَالَ: عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبِمَا مَضَى أَوْ بِمَا بَقِيَ؟ قَالَ: بَلْ بِمَا بَقِيَ وَهَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ تَابَعَ إِسْرَائِيلَ الْأَعْمَشُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ فِي هَذَا إِشَارَةً إِلَى الْفِتْنَةِ الَّتِي كَانَ منها قَتْلُ عُثْمَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ إِلَى الْفِتَنِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ، وَأَرَادَ بِالسَّبْعِينَ مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّهُ بَقِيَ بَيْنَ ما اسْتَقَرَّ لَهُمُ الْمَلِكُ إِلَى أَنْ ظَهَرَتِ الدُّعَاةُ بِخُرَاسَانَ وَضَعُفَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ وَدَخَلَ الْوَهْنُ فيه، نحوا من سبعين سنة قلت: ثم انطوت هذه الحروب أيام صفين، وقاتل عليّ الخوارج في أثناء ذلك، كما تقدم الحديث المتفق على صحته، في الأخبار بذلك، وفي صفتهم وصفة الرجل المخدج فيهم
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ ذَرٍّ قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا ذَرٍّ الْوَفَاةُ بكيت فقال: ما يبكيك؟ فقلت: وما لي لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَمُوتُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا يَدَ لِي بِدَفْنِكَ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ فَأُكَفِّنَكَ فِيهِ، قَالَ فَلَا تَبْكِي وَأَبْشِرِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النَّفَرِ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ، وَإِنِّي أَنَا الَّذِي أَمُوتُ بالفلاة، والله ما كذب وَلَا كُذِبْتُ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ بِهِ مُطَوَّلًا، وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ فِي مَوْتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالرَّبَذَةِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَكَانَ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ [وَهُوَ] فِي السِّيَاقِ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ بِهَا عَشْرَ لَيَالٍ وَمَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، أَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: لَيَرْتَدَّنَ أَقْوَامٌ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، قَالَ: أَجَلْ، وَلَسْتَ مِنْهُمْ. قَالَ:
فَتُوُفِّيَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ عُثْمَانُ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا صَفْوَانُ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ شَيْخٍ مِنَ السَّلَفِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَنْتَظِرُ مَنْ يَرُدُّ عَلَيَّ مِنْكُمْ، فلا

(6/207)


أُلْفَيَنَّ أُنَازِعُ أَحَدَكُمْ، فَأَقُولُ: إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: هَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؟ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:
فَتَخَوَّفْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ، فَأَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ، قَالَ فَتُوُفِّيَ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ عُثْمَانُ، وَقَبْلَ أَنْ تَقَعَ الْفِتَنُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَابَعَهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ الله مسلم بن يشكر عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِلَى قَوْلِهِ: لَسْتَ مِنْهُمْ، قُلْتُ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تُوُفِّيَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: تُوَفِّي سنة ثنتين وثلاثين، رضى الله عنه.
ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَفِي خِلَافَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَمَا ذَاكَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا أَسَرَّهُ إِلَيَّ لَمْ يَكُنْ حَدَّثَ بِهِ غَيْرِي، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: - وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ- سُئِلَ عَنِ الْفِتَنِ وَهُوَ يَعُدُّ الفتن فيهنّ ثلاث لا تذوق شَيْئًا مِنْهُنَّ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ، قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ كُلُّهُمْ غَيْرِي، وَهَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَاتَ حذيفة بعد الفتنة الأولى بقتل عثمان، وقيل الْفِتْنَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ، قُلْتُ: قَالَ الْعِجْلِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ: كَانَتْ وَفَاةُ حُذَيْفَةَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: لَوْ كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ هُدًى لَاحْتَلَبَتْ بِهِ الْأُمَّةُ لَبَنًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ ضَلَالَةً فَاحْتَلَبَتْ بِهِ الْأُمَّةُ دَمًا، وَقَالَ: لَوْ أَنَّ أَحَدًا ارْتَقَصَ لِمَا صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ جَدِيرًا أَنْ يَرْقُصَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن عروة عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ حَبِيبَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سُفْيَانُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَوْمِهِ وَهُوَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ- وَحَلَّقَ بِأُصْبُعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا- قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وسعد بن عمرو والأشعثي وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَابْنِ أَبِي عُمَرَ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ سَوَاءً وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ: كُلِّهِمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ،

(6/208)


وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ: حَفِظْتُ مِنَ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ، قُلْتُ:
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ إسماعيل ومسلم عن عمرو الناقد عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَلَمْ يذكروا حَبِيبَةَ فِي الْإِسْنَادِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ شُعَيْبٌ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَعَقِيلٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ فَلَمْ يَذْكُرُوا عَنْهُ فِي الْإِسْنَادِ حَبِيبَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَعَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمَنْ تَابَعَهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، يَكُونُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ تَابِعِيَّانِ، وَهَمَا الزُّهْرِيُّ وعروة بن الزبير، وأربع صحابيات وبنتان وَزَوْجَتَانِ وَهَذَا عَزِيزٌ جِدًّا ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ بعد رواية الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ: عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَذَكَرَهُ إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَعَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهُ مَاذَا أُنْزِلَ مِنِ الْخَزَائِنِ؟! وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟! وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ:
حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ صَهْبَانَ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ قَالَا: سَمِعْنَا الزُّبَيْرَ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً 8: 25 قال: لقد تلوت هذه الآية زمنا وَمَا أَرَانِي مِنْ أَهْلِهَا، فَأَصْبَحْنَا مِنْ أَهْلِهَا وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا جرير قال: سمعت أنسا قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً 8: 25 فَجَعَلْنَا نَقُولُ: مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ؟ وَمَا نَشْعُرُ أَنَّهَا تَقَعُ حَيْثُ وَقَعَتْ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَهْدِيٍّ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ بِهِ، وَقَدْ قُتِلَ الزُّبَيْرُ بِوَادِي السِّبَاعِ مَرْجِعَهُ مِنْ قِتَالِ يَوْمِ الْجَمَلِ عَلَى مَا سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ فِي سُنَنِهِ:
ثنا مسدد، ثنا أبو الأحوص- سلام بن سَلِيمٍ- عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ فِتْنَةً وعظم أَمْرُهَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَئِنْ أَدْرَكَتْنَا هَذِهِ لَتُهْلِكَنَّا فَقَالَ: كَلَّا إِنَّ بِحَسْبِكُمُ الْقَتْلَ، قَالَ سَعِيدٌ: فَرَأَيْتُ إِخْوَانِي قُتِلُوا تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا يَزِيدُ، أَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. قَالَ قَالَ حُذَيْفَةُ: مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ تُدْرِكُهُ الْفِتْنَةُ إِلَّا أَنَا أَخَافُهَا عَلَيْهِ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لَا تَضُرُّكَ الْفِتْنَةُ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أبى أشعث سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أبى ضُبَيْعَةَ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: إِنِّي لَأَعْرِفَ رَجُلًا لَا تَضُرُّهُ الْفِتْنَةُ، فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا فُسْطَاطٌ مَضْرُوبٌ، وَإِذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَا أَسْتَقِرُّ بِمِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِهِمْ حَتَّى تَنْجَلِيَ هَذِهِ الْفِتْنَةُ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ- يَعْنِي

(6/209)


السِّجِسْتَانِيَّ- عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أبى بردة عن ضبيعة بن حصين الثعلبي عَنْ حُذَيْفَةَ بِمَعْنَاهُ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ:
هَذَا عِنْدِي أَوْلَى وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا فُسْطَاطٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ إِنَّكَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ بِمَكَانٍ، فَلَوْ خَرَجْتَ إِلَى النَّاسِ فَأَمَرْتَ وَنَهَيْتَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنها سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وَفُرْقَةٌ وَاخْتِلَافٌ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأْتِ بِسَيْفِكَ أُحُدًا فَاضْرِبْ بِهِ عُرْضَهُ، وَكَسِّرْ نَبْلَكَ، وَاقْطَعْ وَتَرَكَ، وَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ أَوْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ، فَقَدْ كَانَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ، ثُمَّ اسْتَنْزَلَ سَيْفًا كَانَ مُعَلِّقًا بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ وَاخْتَرَطَهُ فَإِذَا سَيْفٌ مِنْ خَشَبٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ وَاتَّخَذْتُ هَذَا أُرْهِبُ بِهِ النَّاسَ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الحاكم، ثنا على بن عيسى المدني، أنا أحمد بن بحرة الْقُرَشِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا سَالِمُ بْنُ صَالِحِ بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رسول الله كيف أصنع إذا اختلف المضلون؟ قَالَ: اخْرُجْ بِسَيْفِكَ إِلَى الْحَرَّةِ فَتَضْرِبُهَا بِهِ ثُمَّ تَدْخُلُ بَيْتَكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ أَوْ يَدٌ خَاطِئَةٌ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا زِيَادُ بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو عُمَرَ، ثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: بَعَثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ دَخَلْتُ عَلَى فُلَانٍ- نَسِيَ زِيَادٌ اسْمَهُ- فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي أَبُو القاسم إِنْ أَدْرَكْتُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْفِتَنِ فَاعْمَدْ إِلَى أُحُدٍ فَاكْسِرْ بِهِ حَدَّ سَيْفِكَ ثُمَّ اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ الْبَيْتَ فَقُمْ إِلَى الْمَخْدَعِ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْكَ المخدع فاجثو عَلَى رُكْبَتَيْكَ وَقُلْ: بُؤْ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ، فَقَدْ كَسَرْتُ سَيْفِي وَقَعَدْتُ فِي بَيْتِي هَكَذَا وَقَعَ إِيرَادُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْنَدِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلَكِنْ وَقَعَ إِبْهَامُ اسْمِهِ، وَلَيْسَ هُوَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ بَلْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا خِلَافَ عِنْدِ أَهْلِ التَّارِيخِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِيمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الْخَمْسِينَ، فَقِيلَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَقِيلَ: ثَلَاثٍ، وَقِيلَ: سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَلَمْ يُدْرِكْ أَيَّامَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِلَا خِلَافٍ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ آخَرُ خَبَرُهُ كَخَبَرِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، ثَنَا أَبُو عَمْرٍو السلمي عَنْ بِنْتِ أُهْبَانَ الْغِفَارِيِّ أَنَّ عَلِيًّا أَتَى أُهْبَانَ فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَتَّبِعَنَا؟ فَقَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي وَابْنُ عَمِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ سَتَكُونُ فُرْقَةٌ وَفِتْنَةٌ وَاخْتِلَافٌ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَاكْسِرْ سَيْفَكَ وَاقْعُدْ فِي بَيْتِكَ وَاتَّخِذْ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ وَأَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ وَمُؤَمَّلٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ، وَزَادَ

(6/210)


مُؤَمَّلٌ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَاتَّخِذْ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ وَاقْعُدْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ أَوْ مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عُدَيْسَةَ بِنْتِ أُهْبَانَ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِيهَا بِهِ،
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ، كَذَا قَالَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أو معاذا فليعذبه وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن مطيع بن الأسود عن نوفل ابن مُعَاوِيَةَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِإِسْنَادِ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ، ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ:
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، ثَنَا عثمان الشحام، ثنا سلمة بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه قال: إنها ستكون فتنة ثم تكون فتنة، أَلَا فَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ فِيهَا، أَلَا وَالْمُضْطَجَعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، أَلَا وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ، أَلَا وَمَنْ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاكَ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ وَلَا إِبِلٌ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: لِيَأْخُذْ سَيْفَهُ ثُمَّ لْيَعْمِدْ بِهِ إِلَى صَخْرَةِ، ثُمَّ لْيَدُقَّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لْيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النِّجَاءَ، اللَّهمّ هَلْ بَلَّغْتُ، إذ قال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاكَ، أَرَأَيْتَ إِنْ أُخِذَ بِيَدِي مُكْرَهًا حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ؟
- شَكَّ عُثْمَانُ- فَيَحْذِفُنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ فَيَقْتُلُنِي، مَاذَا يَكُونُ مِنْ شَأْنِي؟ قَالَ: يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ بِنَحْوِهِ، وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ إِقْبَالِ الْفِتَنِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي مَعْنَى هَذَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يحيى بن إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا قَيْسٌ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ- يَعْنِي فِي مَسِيرِهَا إِلَى وَقْعَةِ الْجَمَلِ- وَبَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي عَامِرٍ لَيْلًا، نَبَحَتِ الْكِلَابُ فَقَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا: مَاءُ الْحَوْأَبِ، فَقَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا:
بَلْ تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ فَيُصْلِحُ اللَّهُ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ ورواه أبو نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي الْمَلَاحِمِ

(6/211)


عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ بِهِ ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ عَائِشَةَ لَمَّا أَتَتْ عَلَى الْحَوْأَبِ فَسَمِعَتْ نُبَاحَ الْكِلَابِ فَقَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا:
أَيَّتُكُنَّ يَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ، فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: تَرْجِعِينَ؟ عَسَى اللَّهُ أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عِصَامِ بْنِ قُدَامَةَ الْبَجَلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْتَ شِعْرِي أيتكن صاحبة الجمل الأديب تَسِيرُ حَتَّى تُنْبِحَهَا كِلَابُ الْحُوْأَبِ، يُقْتَلُ عَنْ يمينها وعن يسارها خلق كَثِيرٌ ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ، ثَنَا نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ عَنِ الْأَجْلَحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابن الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَصْحَابَ عَلِيٍّ، حِينَ سَارُوا إِلَى الْبَصْرَةِ، أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَدِ اجْتَمَعُوا لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، شَقَّ عَلَيْهِمْ، وَوَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ: وَالَّذِي لا إله غيره ليظهرنه عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَلَيُقْتَلَنَّ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَلَيَخْرُجَنَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الْكُوفَةِ سِتَّةُ آلَافِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، أَوْ خَمْسَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، شَكَّ الْأَجْلَحُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، فَلَمَّا أَتَى الْكُوفَةَ خَرَجْتُ فَقُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ، فَإِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُ فَهُوَ أَمْرٌ سَمِعَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ خَدِيعَةُ الْحَرْبِ، فَلَقِيتُ رَجُلًا من الجيش فسألته، فو الله مَا عَتَّمَ أَنْ قَالَ مَا قَالَ عَلِيٌّ، قال ابن عباس: وهو مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ، ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الورد عن عمار الذهبي عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُرُوجَ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لَهَا: انْظُرِي يَا حُمَيْرَاءُ أَنْ لَا تَكُونِي أَنْتِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ وَقَالَ: يَا عَلِيُّ إِنْ وَلِيتَ مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا فَارْفُقْ بِهَا وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق الصنعاني عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ العباس الشامي عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الهجيع عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قِيلَ لَهُ مَا يمنعك أن لا تكون قاتلت على نصرتك يَوْمَ الْجَمَلِ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
يَخْرُجُ قَوْمٌ هَلْكَى لَا يُفْلِحُونَ، قَائِدُهُمُ امْرَأَةٌ، قَائِدُهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَهَذَا مُنْكَرٌ جِدًّا وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَلَغَهُ أَنَّ فَارِسَ مَلَّكُوا عَلَيْهِمُ امْرَأَةَ كِسْرَى- فَقَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ

(6/212)


إِلَى الْكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ، خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ غُنْدُرٍ، وَهَذَا كُلُّهُ وَقَعَ فِي أَيَّامِ الْجَمَلِ، وَقَدْ نَدِمَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ خُرُوجِهَا، عَلَى مَا سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَلِكَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ أَيْضًا، تَذَكَّرَ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَعْرَكَةِ أَنَّ قِتَالَهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ لَيْسَ بِصَوَابٍ، فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لما لَمَّا وَلَّى الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ بَلَغَ عَلِيًّا، فَقَالَ: لَوْ كَانَ ابْنُ صَفِيَّةَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ مَا وَلَّى، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُمَا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ: أَتُحِبُّهُ يَا زُبَيْرُ؟
فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي؟ قَالَ: فَكَيْفَ بِكَ إِذَا قَاتَلْتَهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ؟ قَالَ: فَيَرَوْنَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَلَّى لِذَلِكَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: أَنَا أَبُو بَكْرٍ- أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي- ثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ الْهَاشِمِيُّ الكوفي، ثنا منجاب بن الحرث، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَجْلَحِ، ثَنَا أَبِي عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ فَضْلَ بْنَ فَضَالَةَ يُحَدِّثُ أَبِي عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدقلى عَنْ أَبِيهِ، دَخَلَ حَدِيثَ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ صَاحِبِهِ، قَالَ: لَمَّا دَنَا عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَدَنَتِ الصُّفُوفُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، خَرَجَ عَلِيٌّ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَادَى: ادْعُوا لِيَ الزبير بن العوام، فأتى عَلِيٌّ، فَدُعِيَ لَهُ الزُّبَيْرُ فَأَقْبَلَ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ دَوَابِّهِمَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا زُبَيْرُ نَاشَدْتُكَ باللَّه أَتَذْكُرُ يَوْمَ مَرَّ بِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: يَا زُبَيْرُ تُحِبُّ عَلِيًّا؟ فَقُلْتَ: أَلَا أُحِبُّ ابْنَ خَالِي وَابْنَ عَمِّي وَعَلَى دِينِي؟ فَقَالَ: يَا عَلِيٌّ أَتَحِبُّهُ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أُحِبُّ ابْنَ عَمَّتِي وَعَلَى دِينِي؟ فَقَالَ:
يَا زُبَيْرُ، أَمَا وَاللَّهِ لَتُقَاتِلَنَّهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: بَلَى، وَاللَّهِ لَقَدْ نَسِيتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرْتُهُ الْآنَ، وَاللَّهِ لَا أُقَاتِلُكَ، فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ عَلَى دَابَّتِهِ يَشُقُّ الصُّفُوفَ، فَعَرَضَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الله ابن الزُّبَيْرِ فَقَالَ: مَالَكَ؟ فَقَالَ: ذَكَّرَنِي عَلِيٌّ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ:
لَتُقَاتِلَنَّهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ له، فلا أقاتلنه، فَقَالَ وَلِلْقِتَالِ جِئْتَ؟ إِنَّمَا جِئْتَ تُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيُصْلِحُ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ، قَالَ: قَدْ حَلَفْتُ أَنْ لَا أُقَاتِلَهُ، قَالَ: فَأَعْتِقَ غُلَامَكَ خير وَقِفْ حَتَّى تُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَعْتَقَ غُلَامَهُ وَوَقَفَ، فَلَمَّا اخْتَلَفَ أَمْرُ النَّاسِ ذَهَبَ عَلَى فَرَسِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ، ثَنَا الْحَسَنُ بن سفيان، ثَنَا قَطَنُ بْنُ بَشِيرٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، ثَنَا جَدِّي- وَهُوَ عَبْدُ الملك بن مسلّم- عن أبى وجرة الْمَازِنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَعَلِيٌّ يَقُولُ لَهُ: نَاشَدْتُكَ اللَّهَ يَا زُبَيْرُ، أَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
إِنَّكَ تُقَاتِلُنِي وَأَنْتَ لِي ظَالِمٌ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي نَسِيتُ وَهَذَا غَرِيبٌ كَالسِّيَاقِ الَّذِي قَبِلَهُ، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْهُذَيِلِ بْنِ بِلَالٍ- وَفِيهِ ضَعْفٌ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ

(6/213)


قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ يَسْبِقُهُ بَعْضُ أَعْضَائِهِ إِلَى الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، قُلْتُ: قُتِلَ زَيْدٌ هَذَا فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ مِنْ نَاحِيَةِ عَلِيٍّ وَثَبَتَ في الصحيحين من حديث همام بن منية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ دَعَوَاهُمَا وَاحِدَةٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَاتَانِ الْفِئَتَانِ هُمَا أَصْحَابُ الْجَمَلِ، وَأَصْحَابُ صِفِّينَ، فَإِنَّهُمَا جَمِيعًا يَدْعُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَتَنَازَعُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُلْكِ، وَمُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ الْعَائِدِ نَفْعُهَا عَلَى الْأُمَّةِ وَالرَّعَايَا، وَكَانَ تَرْكُ الْقِتَالِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ:
ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشَّامِ سِتِّينَ أَلْفًا، فَقُتِلَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَكَانَ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِائَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، فَقُتِلَ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ أَلْفًا، وَلَكِنْ كَانَ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ، وَأَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ كَانُوا بَاغِينَ عَلَيْهِمْ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي- يَعْنِي أَبَا قَتَادَةَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ: تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِطُرُقِهِ عِنْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَمَا يَزِيدُهُ بَعْضُ الرَّافِضَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قولهم بعد: لَا أَنَالَهَا اللَّهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ مِنَ اخْتِلَاقِ الرَّوَافِضِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ مَوْلَاةٍ لِعَمَّارٍ قَالَتْ: اشْتَكَى عَمَّارٌ شَكْوَى أَرِقَ مِنْهَا، فَغُشِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ وَنَحْنُ نَبْكِي حَوْلَهُ، فَقَالَ: مَا تَبْكُونَ؟ أَتَخْشَوْنَ أَنْ أَمُوتَ عَلَى فِرَاشِي؟ أَخْبَرَنِي حَبِيبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَقْتُلُنِي الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، وَأَنَّ آخِرَ زَادِي مِنَ الدُّنْيَا مَذْقَةٌ لَبَنٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنِي وَكِيعٌ، ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّينَ: ائْتُونِي بِشَرْبَةِ لَبَنٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: آخَرُ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا مِنَ الدُّنْيَا شَرْبَةُ لَبَنٍ، فَشَرِبَهَا ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقُتِلَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أُتِيَ بِشَرْبَةِ لَبَنٍ فَضَحِكَ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: آخَرُ شَرَابٍ أَشْرَبُهُ لَبَنٌ حِينَ أَمُوتُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ الذهبي عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ كَانَ ابْنُ سُمَيَّةَ مَعَ الْحَقِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَمَّارًا كَانَ فِي جَيْشِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ، وَقَتَلَهُ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى قتله رجل يقال له أبو الفادية، رَجُلٌ مِنْ أَفْنَادِ النَّاسِ، وَقِيلَ:

(6/214)


إنه صحابى وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وغيره في أسماء الصحابة وهو أبو الفادية مُسْلِمٌ، وَقِيلَ:
يَسَارُ بْنُ أُزَيْهِرٍ الْجُهَنِيُّ مِنْ قُضَاعَةَ، وَقِيلَ: مُزَنِيٌّ، وَقِيلَ: هُمَا اثْنَانِ، سَكَنَ الشَّامَ ثُمَّ صَارَ إِلَى وَاسِطٍ، رَوَى لَهُ أَحْمَدُ حَدِيثًا وَلَهُ عِنْدُ غَيْرِهِ آخَرُ، قَالُوا: وَهُوَ قَاتِلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَكَانَ يَذْكُرُ صِفَةَ قَتْلِهِ لِعَمَّارٍ لَا يَتَحَاشَى مِنْ ذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ تَرْجَمَتَهُ عِنْدَ قَتْلِهِ لِعَمَّارٍ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ فِي وَقْعَةِ صِفِّينَ، وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ: كَانَ بَدْرِيًّا وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا الْعَوَّامُ، حَدَّثَنِي ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْعَنْزِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ، يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لِيَطِبْ به أحدكما لصاحبه نفسا فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَلَا نحّ عَنَّا مَجْنُونَكَ يَا عَمْرُو، فَمَا بَالُكَ مَعَنَا، قَالَ: إِنَّ أَبِي شَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَطِعْ أَبَاكَ مَا دَامَ حَيًّا وَلَا تَعْصِهِ، فَأَنَا مَعَكُمْ وَلَسْتُ أُقَاتِلُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الحرث بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: إِنِّي لَأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ صِفِّينَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو:
يَا أبة، أَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَمَّارٍ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ؟ قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لا يزال يأتينا نهيه، أو نحن قتلناه؟ إنما قتله من جَاءُوا بِهِ ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. فَقَوْلُ مُعَاوِيَةَ: إِنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ قَدَّمَهُ إِلَى سُيُوفِنَا، تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ جِدًّا، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ أَمِيرُ الْجَيْشِ هُوَ الْقَاتِلُ لِلَّذِينِ يُقْتَلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَيْثُ قَدَّمَهُمْ إِلَى سُيُوفِ الْأَعْدَاءِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عن المسور بن مخرمة قال عمرو لعبد الرحمن ابن عَوْفٍ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نَقْرَأُ (وَجاهِدُوا في الله حَقَّ جِهادِهِ) 22: 78 فِي آخِرِ الزَّمَانِ، كَمَا جَاهَدْتُمْ فِي أَوَّلِهِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ عَوْفٍ] : وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ الْأُمَرَاءَ وَبَنُو الْمُغِيرَةِ الْوُزَرَاءَ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ هاهنا، وَكَأَنَّهُ يَسْتَشْهِدُ بِهِ عَلَى مَا عَقَدَ لَهُ الْبَابَ بَعْدَهُ مِنْ ذِكْرِ الْحَكَمَيْنِ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمَا، فَقَالَ:
بَابُ مَا جَاءَ فِي إخباره عَنِ الْحَكَمَيْنِ اللَّذَيْنِ بُعِثَا فِي زَمَنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الفضل، ثنا قتيبة ابن سَعِيدٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَحَبِيبِ بْنِ بشار عَنْ سُوِيدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: إِنِّي لَأَمْشِي مَعَ عَلَيٍّ بِشَطِّ الْفُرَاتِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اخْتَلَفُوا فَلَمْ يَزَلِ اخْتِلَافُهُمْ بَيْنَهُمْ حَتَّى بعثوا حكمين فضلا وأضلّا من اتبعهما، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَخْتَلِفُ فَلَا يَزَالُ اخْتِلَافُهُمْ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَبْعَثُوا حَكَمَيْنِ ضَلَّا وَأَضَلَّا مَنِ اتَّبَعَهُمَا هَكَذَا أَوْرَدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِنْ

(6/215)


أَمْرِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدًّا، وَآفَتُهُ مِنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى هَذَا- وَهُوَ الْكِنْدِيُّ الْحِمْيَرِيُّ الْأَعْمَى- قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالْحَكَمَانِ كَانَا مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَهُمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ السَّهْمِيُّ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الشَّامِ، وَالثَّانِي أَبُو مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ، مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَإِنَّمَا نُصِبَا لِيُصْلِحَا بَيْنَ النَّاسِ وَيَتَّفِقَا عَلَى أَمْرٍ فِيهِ رِفْقٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَحَقْنٌ لِدِمَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ وَلَمْ يَضِلَّ بِسَبَبِهِمَا إِلَّا فِرْقَةُ الْخَوَارِجِ حَيْثُ أَنْكَرُوا عَلَى الْأَمِيرَيْنِ التَّحْكِيمَ، وَخَرَجُوا عَلَيْهِمَا وَكَفَّرُوهُمَا، حَتَّى قَاتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَنَاظَرَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ شِرْذِمَةٌ إِلَى الْحَقِّ، وَاسْتَمَرَّ بَقِيَّتُهُمْ حَتَّى قُتِلَ أَكْثَرُهُمْ بِالنَّهْرَوَانِ وَغَيْرُهُ مِنَ المواقف المرذولة عليهم كما سنذكره.
ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وقتالهم وعلامتهم بالرجل المخدج ذي الثديين فَوُجِدَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، ثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُقْسِمُ قَسَمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ- وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: وَيْلَكَ، وَمَنْ يعدل؟ قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلى نضبه وَهُوَ قِدْحُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ ينظر إلى قذذه فلم يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبِضْعَةِ تَدَرْدُرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالضَّحَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَمُسْلِمٍ عَنْ هَنَّادٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عبد الرحمن بن يعمر عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِهِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ وَقَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَمْرُقُ مارقة عند فرقة الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ الضَّحَّاكِ الْمِشْرَقِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ مُسْهِرٍ عن الشيباني عن بشير بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ

(6/216)


حُنَيْفٍ، هَلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ- وَفِي رِوَايَةٍ نَحْوَ الْعِرَاقِ- يَخْرُجُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، مُحَلِّقَةٌ رُءُوسِهِمْ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ الله ابن الصامت عن أبى ذر نحوه وقال: سيماهم التحليق، شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ، شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوِيدِ بْنِ غَفَلَةَ عَنْ عَلِيٍّ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِّيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ إلى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عن حماد عن أيوب عن محمد بن عبيدة عن على في خبر مؤذن الليل وَهُوَ ذُو الثُّدَيَّةِ وَأَسْنَدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَفِيهِ: أَنَّهُ حَلَّفَ عَلِيًّا عَلَى ذَلِكَ فَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَلِيٍّ بِالْقِصَّةِ مُطَوَّلَةً وَفِيهِ قِصَّةُ ذِي الثُّدَيَّةِ وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيد عن حميد بن مرة عن أبى العرضى والسحيمى عَنْ عَلِيٍّ فِي قِصَّةِ ذِي الثُّدَيَّةِ وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى- رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ- عَنْ عَلِيٍّ بِالْقِصَّةِ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ:
ثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الطُّفَيْلِ يُحَدِّثُ عَنْ بَكْرِ بْنِ قرقاش عن سعيد بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الثُّدَيَّةِ فَقَالَ: شيطان الردهة كراعى الخيل يحذره رَجُلٌ مِنْ بَجِيلَةَ يُقَالُ لَهُ: الْأَشْهَبُ، أَوِ ابْنُ الْأَشْهَبِ عَلَامَةٌ فِي قَوْمٍ ظَلَمَةٍ، قَالَ سفيان: فأخبرني عمار الذهبي أَنَّهُ جَاءَ بِهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: الْأَشْهَبُ، أَوِ ابْنُ الْأَشْهَبِ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ:
وَحَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَامِدٍ الْهَمْدَانِيِّ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَيْطَانَ الرَّدْهَةِ- يَعْنِي الْمُخْدَجَ- يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَتَلَهُ أَصْحَابُ عَلِيٍّ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ حَبِيبٍ عن سلمة قال: لَقَدْ عَلِمَتْ عَائِشَةُ أَنَّ جَيْشَ الْمَرْوَةِ وَأَهْلَ النَّهْرَوَانِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَيْشُ الْمَرْوَةِ قَتَلَهُ عُثْمَانُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، أَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ- يَعْنِي عَلِيًّا- وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ

(6/217)


سُفْيَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عمران بن جرير عَنْ لَاحِقٍ قَالَ: كَانَ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بِالنَّهْرَوَانِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِي الْحَدِيدِ، فَرَكِبَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَقَتَلُوهُمْ وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا تِسْعَةَ رَهْطٍ، وَإِنْ شِئْتَ فَاذْهَبْ إِلَى أَبِي برزة فإنه يشهد بذلك قُلْتُ: الْأَخْبَارُ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، وَوُقُوعُ ذَلِكَ فِي زَمَانِ عَلِيٍّ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً لِأَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ خُرُوجِهِمْ وَسَبَبُهُ وَمُنَاظَرَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَرُجُوعُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَيْهِ، فَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
إِخْبَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقْتَلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي زيد بن محمد بن خيثم المحاربي عن محمد بن كعب بن خيثم عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ- حِينَ ولى غزوة العثيرة-: يَا أَبَا تُرَابٍ- لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ- أَلَا أُحَدِّثُكَ بِأَشْقَى النَّاسِ رَجُلَيْنِ؟
قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، وَالَّذِي يَضْرِبُكَ يَا عَلِيُّ عَلَى هَذِهِ- يَعْنِي قَرْنَهُ- حَتَّى يَبُلَّ هَذِهِ- يَعْنِي لِحْيَتَهُ- وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُكْرَمٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ- وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ- قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَائِدًا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَرَضٍ أَصَابَهُ فقتل منه، قال:
فقال أَبِي مَا يُقِيمُكَ بِمَنْزِلِكَ هَذَا؟ فَلَوْ أَصَابَكَ أجلك لم يكن إلا أعراب جهينة، تحملك إِلَى الْمَدِينَةِ، فَإِنْ أَصَابَكَ أَجْلُكَ وَلِيَكَ أَصْحَابُكَ وَصَلَّوْا عَلَيْكَ، فَقَالَ عَلَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لا أموت حتى تُخْضَبَ هَذِهِ- يَعْنِي لِحْيَتَهُ- مِنْ دَمٍ هَذِهِ- يَعْنِي هَامَتَهُ- فَقُتِلَ وَقُتِلَ أَبُو فَضَالَةَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: جَاءَ رَأْسُ الْخَوَارِجِ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، فَقَالَ: لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، وَلَكِنْ مَقْتُولٌ مِنْ ضَرْبَةٍ عَلَى هَذِهِ تُخْضِبَ هَذِهِ- وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى لِحَيَّتِهِ- عَهْدٌ مَعْهُودٌ، وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أبى سنان المدركي عَنْ عَلِيٍّ فِي إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم بقتله، وروى من حديث هيثم عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْأَزْدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِنَّ مِمَّا عَهِدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدُرُ بِكَ بِعَدِي، ثُمَّ سَاقَهُ من طريق قطر بْنِ خَلِيفَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سِيَاهٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ يزيد الحمامي قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأمي إِلَيَّ، إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدُرُ بِكَ بِعَدِي قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَعْلَبَةُ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ هَذَا، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ مُحَمَّدِ بن إسحاق الصنعاني عن أبى الأجوب الأحوص بن خباب عَنْ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ

(6/218)


ثَعْلَبَةَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَتُخْضَبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، لِلِحْيَتِهِ مِنْ رَأْسِهِ، فَمَا يَحْبِسُ أَشْقَاهَا، فقال عبد الله بن سبيع: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ رَجُلًّا فعل ذلك لأثرنا عَشِيرَتَهُ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ باللَّه أَنْ لَا تَقْتُلَ بِي غَيْرَ قَاتِلِي، قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ألا تستخلف؟ قال:
وَلَكِنْ أَتْرُكُكُمْ كَمَا تَرَكَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: فَمَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا تَرَكْتَنَا هَمَلًا؟ قَالَ: أَقُولُ:
اللَّهمّ اسْتَخْلَفْتَنِي فِيهِمْ مَا بَدَا لَكَ، ثُمَّ قَبَضْتَنِي وَتَرَكْتُكُ فِيهِمْ، فَإِنْ شِئْتَ أَصْلَحْتَهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَفْسَدْتَهُمْ وَهَكَذَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا، وَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، ثُمَّ الْمَشْهُورُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ الْخَارِجِيُّ وَهُوَ خَارِجٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ عِنْدَ السُّدَّةِ، فَبَقِيَ عَلِيٌّ يَوْمَيْنِ مِنْ طَعْنَتِهِ، وَحُبِسَ ابْنُ مُلْجِمٍ، وَأَوْصَى عَلِيٌّ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَأَمْرُهُ أَنْ يَرْكَبَ فِي الْجُنُودِ وَقَالَ لَهُ: لا يجر على كما تجر الْجَارِيَةُ، فَلَمَّا مَاتَ قُتِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ قَوَدًا، وَقِيلَ: حَدًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ رَكِبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي الْجُنُودِ وَسَارَ إِلَى مُعَاوِيَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَسِيَادَةِ وَلَدِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ
فِي تَرْكِهِ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ وَإِعْطَائِهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ مُعَاوِيَةَ وَتَقْلِيدِهِ إِيَّاهُ مَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ وَيَقُومُ بِأَعْبَائِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: أَخْرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ: وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلَّى حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا، فَقَالَ له معاوية، فكان وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ: أَيْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، مِنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ؟ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ؟ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ:
اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ وَقُولَا. لَهُ وَاطْلُبَا إِلَيْهِ، فَأَتَيَاهُ فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا وَقَالَا لَهُ، وَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمَطْلَبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا، قَالَا: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ، قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالَا:
نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:

(6/219)


قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّمَا ثبت لنا سماع الحسن بن أبى بكرة بهذا الحديث: إنما ثبت لنا سماع الحسن بن أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي فَضْلِ الْحَسَنِ وَفِي كِتَابِ الْفِتَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَهُوَ إِسْرَائِيلُ بْنُ موسى بن أبى إسحاق- وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ، وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ كُلُّهُمْ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ، وَلَهُ طُرُقٌ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، وَعَنِ الْحَسَنِ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهِ، وَهَكَذَا وَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءً، فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ لَمَّا صَارَ إِلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ أَبِيهِ وَرَكِبَ فِي جُيُوشِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَسَارَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ، فَتَصَافَّا بِصِفِّينِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، فَمَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى الصُّلْحِ، وَخَطَبَ النَّاسَ وَخَلَعَ نَفْسَهُ مِنَ الْأَمْرِ وَسَلَّمَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، فَبَايَعَهُ الْأُمَرَاءُ مِنَ الْجَيْشَيْنِ، وَاسْتَقَلَّ بِأَعْبَاءِ الْأُمَّةِ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ الْجَمَاعَةِ، لِاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ فِيهِ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَسَنُورِدُ ذَلِكَ مُفُصَّلًا فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ شَهِدَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ لِلْفِرْقَتَيْنِ بِالْإِسْلَامِ، فَمَنْ كَفَّرَهُمْ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ لِمُجَرَّدِ مَا وَقَعَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَخَالَفَ النَّصَّ النَّبَوِيَّ الْمُحَمَّدِيَّ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، وَقَدْ تُكَمَّلُ بِهَذِهِ السَّنَةِ الْمُدَّةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا مُدَّةُ الْخِلَافَةِ الْمُتَتَابِعَةِ بَعْدَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ مَوْلَاهُ أَنَّهُ قَالَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا، وَفِي رِوَايَةٍ عَضُوضًا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ: رَضِينَا بِهَا مُلْكًا، وَقَدْ قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِهِ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنِ السَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَامِرٍ الشعبي عن سفيان بن عيينة قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يَجْتَمِعَ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَجُلٍ واسع القدم، ضخم البلغم، يأكل ولا يشبع وهو عرى، وهكذا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: لَا تَذْهَبُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى تَجْتَمِعَ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ- وَهُوَ ضعيف- عن عبد الملك بن عمار قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللَّهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى الْخِلَافَةِ إِلَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِي: يَا مُعَاوِيَةُ إِنْ مَلَكْتَ فَأَحْسِنْ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَهُ شَوَاهِدُ، مِنْ ذلك حديث عمرو بن يحيى عن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ جَدِّهِ سَعِيدٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَخَذَ الْإِدَاوَةَ فَتَبِعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ إِنْ وُلِّيتَ أَمْرًا فَاتَّقِ اللَّهَ وَاعْدِلْ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا زِلْتُ أَظُنُّ أَنِّي مُبْتَلًى بِعَمَلٍ لِقَوْلِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا حَدِيثُ الثَّوْرِيِّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ الدَّارِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدَتْهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عن سليمان

(6/220)


ابن أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْخِلَافَةُ بِالْمَدِينَةِ وَالْمُلْكُ بِالشَّامِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي بشر بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إذ رأيت عمود الكتاب رفع احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَّا وَإِنَّ الْإِيمَانَ- حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ- بِالشَّامِ هاهنا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ يَحْيَى بن حمزه السلمي بِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي رَأَيْتُ أَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فنظرت فإذا نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا إِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ ثُمَّ أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، قَالَ: وَإِنِّي أَوَّلْتُ أَنَّ الْفِتَنَ إِذَا وَقَعَتْ، أن الايمان بالشام قال الوليد:
حدثني عنبر بن معدان أنه سمع سليمان بْنَ عَامِرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ذَلِكَ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحِمْصِيُّ، ثَنَا أَبِي أَبُو ضَمْرَةَ- مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ السُّلَمِيُّ- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَيْسٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ عَمُودًا مِنْ نُورٍ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي سَاطِعًا حَتَّى اسْتَقَرَّ بِالشَّامِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الْزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَوْمَ صِفِّينَ: اللَّهمّ الْعَنْ أَهْلَ الشَّامِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ:
لَا تَسُبَّ أَهْلَ الشَّامِ جَمًّا غَفِيرًا، فَإِنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ، فَإِنَّ بِهَا الْأَبْدَالَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، ثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنِي شُرَيْحٌ- يَعْنِي ابْنَ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيَّ- قَالَ: ذُكِرَ أَهْلُ الشَّامِ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ بِالْعِرَاقِ فَقَالُوا: الْعَنْهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: لَا، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْأَبْدَالُ يَكُونُونَ بِالشَّامِ، وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ رَجُلًا، يستسقى بِهِمُ الْغَيْثُ، وَيُنْتَصَرُ بِهِمْ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَيُصْرَفُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ بِهِمُ الْعَذَابُ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، فَقَدْ نَصَّ أَبُو حَاتِمٍ الرازيّ على أن شريح ابن عُبَيْدٍ هَذَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ ولا من أبى مالك الأشعري وأنه رواية عَنْهُمَا مُرْسَلَةٌ، فَمَا ظَنُّكَ بِرِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ أَقْدَمُ وَفَاةً مِنْهُمَا.

(6/221)


إخباره عليه السلام عن غزاة البحر إلى قبرص الَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ، مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ، أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ، شَكَّ إِسْحَاقُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: قُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ، قَالَ: فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيَةً أَوَّلَ مَا رَكِبُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ، أَوْ أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزَاتِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّامَ، فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسَحْاقَ الْفَزَارِيِّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ أبى حوالة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عن أخت أم سليم وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
بَابُ مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّومِ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصامت وهو نازل إلى ساحل حِمْصَ، وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ، وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ، قَالَ عُمَيْرٌ: فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا، قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: أَنْتِ فِيهِمْ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ، قُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي

(6/222)


الدَّلَائِلِ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ الْخَطِيبِ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ الْقَاضِي بِهِ وَهُوَ يُشْبِهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثٌ إِحْدَاهَا الْإِخْبَارُ عَنِ الْغَزْوَةِ الْأُولَى فِي الْبَحْرِ وَقَدْ كَانَتْ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ غَزَا قُبْرُصَ وَهُوَ نَائِبُ الشَّامِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَكَانَتْ مَعَهُمْ أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ هَذِهِ صُحْبَةَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَحَدِ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العقبة، فتوفيت مرجعهم من الغزو قتل بِالشَّامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وقال ابن زيد: تُوُفِّيَتْ بِقُبْرُصَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَالْغَزْوَةُ الثَّانِيَةُ غَزْوَةُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ مَعَ أَوَّلِ جَيْشٍ غَزَاهَا، وَكَانَ أَمِيرُهَا يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وذلك في سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَكَانَ مَعَهُمْ أَبُو أَيُّوبَ، خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَمَاتَ هُنَالِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مَعَهُمْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْغَزْوَةِ الْأُولَى فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ، الْإِخْبَارُ عَنِ الْغَزْوَتَيْنِ، وَالْإِخْبَارُ عَنِ الْمَرْأَةِ بِأَنَّهَا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَلَيْسَتْ من الآخرين، وكذلك وقع صلوات الله وسلامه عليه.
الْإِخْبَارُ عَنْ غَزْوَةِ الْهِنْدِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدثنا هشيم عن سيار بن حسين بْنِ عَبِيدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَعَدَنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْهِنْدِ فَإِنِ اسْتُشْهِدْتُ كُنْتُ مِنْ خَيْرِ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرَّرُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ وَزَيْدِ بْنِ أُنَيْسَةَ عن يسار عَنْ جَبْرٍ، وَيُقَالُ: جُبَيْرٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَعَدَنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الهند فذكره، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا الْبَرَاءُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حدثني خليلي الصادق المصدوق، رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْثٌ إِلَى السِّنْدِ وَالْهِنْدِ، فَإِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُ فَاسْتُشْهِدْتُ فَذَاكَ، وإن أنا وَإِنْ أَنَا فَذَكَرَ كَلِمَةً رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هريرة المحدث قَدْ أَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَقَدْ غَزَا الْمُسْلِمُونَ الْهِنْدَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَكَانَتْ هُنَالِكَ أُمُورٌ سَيَأْتِي بَسْطُهَا فِي مَوْضِعِهَا، وَقَدْ غَزَا الْمَلِكُ الْكَبِيرُ الْجَلِيلُ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ، صَاحِبُ غَزْنَةَ، فِي حدود أربعمائة، بلاد الهند فدخل فِيهَا وَقَتَلَ وَأَسَرَ وَسَبَى وَغَنِمَ وَدَخَلَ السُّومَنَاتَ وكسر الند الأعظم الّذي يعبدونه، واستلب سيوفه وقلائده، ثم رجع سالما مؤيدا منصورا
فَصْلٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ قِتَالِ التُّرْكِ كَمَا سنبينه إن شاء الله وبه الثقة
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، ثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشعر، وحتى تقاتل التُّرْكَ صِغَارَ الْأَعْيُنِ

(6/223)


حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الْأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الْأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ، وَالنَّاسُ مَعَادِنُ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ:
ثَنَا يَحْيَى، ثَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكِرْمَانَ مِنَ الْأَعَاجِمِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، فُطْسَ الْأُنُوفِ، صِغَارَ الْأَعْيُنِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ تَابَعَهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ ذَكَرَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: أَخْطَأَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي قَوْلِهِ: خُوزًا، بالخاء، وإنما هو بالجيم جوزا وكرمان، هما بَلَدَانِ مَعْرُوفَانِ بِالشَّرْقِ، فاللَّه أَعْلَمُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فبلغ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ وَقَدْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنِي قَيْسٌ قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ لَمْ أَكُنْ فِي سِنِّي أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ الْحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَهُمْ أَهْلُ البارز، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَوَكِيعٍ كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لا تقوم القيامة حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، حُمْرُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْأَعْيُنِ قُلْتُ: وأما قول سفيان بن عيينة: إنهم هم أهل البارز فَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ تَقْدِيمُ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ، ولعله تصحيف اشتبه على القائل البارز وَهُوَ السُّوقُ بِلُغَتِهِمْ، فاللَّه أَعْلَمُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سمعت الحسن قال:
ثنا عمرو بن ثعلب قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ، أَوْ يَنْتَعِلُونَ الشَّعْرَ، وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَأَبِي النُّعْمَانِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ بِهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قِتَالَ التُّرْكِ وَقَعَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الصَّحَابَةِ، قَاتَلُوا الْقَانَ الْأَعْظَمَ، فَكَسَرُوهُ كَسْرَةً عَظِيمَةً عَلَى مَا سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِذَا انْتَهَيْنَا [إِلَيْهِ] بِحَوَلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَحُسْنِ توفيقه.
خبر آخر عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، ثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ بشر بْنِ عُبَادٍ قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَجَاءَ رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرُ خُشُوعٍ فَدَخَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَوْجَزَ فِيهِمَا، فَقَالَ الْقَوْمُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا خَرَجَ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَدَخَلْتُ مَعَهُ فَحَدَّثْتُهُ،

(6/224)


فَلَمَّا اسْتَأْنَسَ قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا دخلت الْمَسْجِدَ قَالُوا كَذَا وَكَذَا، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ أَنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ- قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَذَكَرَ مِنْ خُضْرَتِهَا وَسِعَتِهَا- وَسَطُهَا عَمُودُ حَدِيدٍ أَسْفَلُهُ فِي الْأَرْضِ وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: اصعد عليه، فقلت: لا أستطيع، فجاء بنصيف- قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَهُوَ الْوَصِيفُ- فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي فَقَالَ: اصْعَدْ عَلَيْهِ، فَصَعِدْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَالَ: اسْتَمْسِكْ بِالْعُرْوَةِ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَمَّا الرَّوْضَةُ فَرَوْضَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْعَمُودُ فَعَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْعُرْوَةُ فَهِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، أَنْتَ عَلَى الْإِسْلَامِ تَمُوتَ، قَالَ: وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ورواه البخاري من حديث عَوْنٍ. ثُمَّ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بهدلة عن المسيب بن رافع عن حرشة بْنِ الْحُرِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، فَذَكَرَهُ مُطَوَّلًا، وَفِيهِ قَالَ: حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى جبل زلق فأخذ بيدي ودحانى، فَإِذَا أَنَا عَلَى ذِرْوَتِهِ، فَلَمْ أَتَقَارَّ وَلَمْ أتماسك، وإذا عمود حديد في يدي ذروته حلقة ذهب، فأخذ بيدي ودحانى حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ سليمان بن مسهر عن حرشة بْنِ الْحُرِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فَذَكَرَهُ وَقَالَ: حَتَّى أَتَى بِي جَبَلًا فَقَالَ لِيَ: اصْعَدْ، فَجَعَلْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَصْعَدَ خررت على رأسي، حَتَّى فَعَلْتُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهُ حِينَ ذَكَرَ رُؤْيَاهُ: وَأَمَّا الْجَبَلُ فَهُوَ مَنْزِلُ الشُّهَدَاءِ، وَلَنْ تَنَالَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذِهِ مُعْجِزَةٌ ثَانِيَةٌ، حَيْثُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَنَالُ الشَّهَادَةَ وَهَكَذَا وَقَعَ، فَإِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بن سلام وغيره.
الأخبار عن بيت مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بِسَرِفَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التاريخ: أنا مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ قَالَ: ثَقُلَتْ مَيْمُونَةُ بِمَكَّةَ وَلَيْسَ عِنْدَهَا مِنْ بَنِي أختها أَحَدٌ، فَقَالَتْ: أَخْرَجُونِي مِنْ مَكَّةَ فَإِنِّي لَا أَمُوتُ بِهَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي أَنِّي لَا أَمُوتُ بِمَكَّةَ، فحملوها حتى أتوا بها إلى سرف، الشَّجَرَةِ الَّتِي بَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَهَا فِي مَوْضِعِ الْقُبَّةِ، فَمَاتَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قُلْتُ: وَكَانَ مَوْتُهَا سنة إحدى وخمسين على الصحيح.
ما روى في إخباره عَنْ مَقْتَلِ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا ابن لهيعة، حدثني الحارث عن يزيد عن عبد الله بن رزين الْغَافِقِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، سَيُقْتَلُ مِنْكُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ بِعَذْرَاءَ، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ فَقُتِلَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: قَالَ أَبُو

(6/225)


نُعَيْمٍ: ذَكَرَ زِيَادُ بْنُ سُمَيَّةَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَبَضَ حُجْرٌ عَلَى الْحَصْبَاءِ ثُمَّ أَرْسَلَهَا وَحَصَبَ مَنْ حَوْلَهُ زِيَادًا فَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: إِنَّ حُجْرًا حَصَبَنِي وَأَنَا عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنْ يحمل حُجْرًا، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ دِمَشْقَ بَعَثَ مَنْ يَتَلَقَّاهُمْ، فَالْتَقَى مَعَهُمْ بِعَذْرَاءَ فَقَتَلَهُمْ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لا يقول على مثل هذا إلا أنه يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: مَا حَمَلَكَ عَلَى قَتْلِ أَهْلِ عذراء حجرا وَأَصْحَابِهِ؟ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي رَأَيْتُ قتلهم إصلاحا للأمة، وأن بقاءهم فسادا، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيُقْتَلُ بِعَذْرَاءَ نَاسٌ يَغْضَبُ اللَّهُ لَهُمْ وَأَهْلُ السَّمَاءِ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عن سعيد ابن الْمُسَيَّبِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: يَا مُعَاوِيَةُ قَتَلْتَ حُجْرًا وَأَصْحَابَهُ وَفَعَلْتَ الَّذِي فَعَلْتَ، أَمَّا خَشِيتَ أَنْ أخبأ لَكَ رَجُلًا فَيَقْتُلَكَ؟
قَالَ: لَا، إِنِّي فِي بَيْتِ أَمَانٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ لَا يفتك، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ أَنَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ حَاجَاتِكَ؟ قَالَتْ: صَالِحٌ، قَالَ: فَدَعِينِي وَحُجْرًا حَتَّى نَلْتَقِيَ عِنْدَ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال لِعَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ، فِيهِمْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: فَكَانَ سَمُرَةَ آخِرُهُمْ مَوْتًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا نَضْرَةَ الْعَبْدِيَّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمَاعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: كُنْتُ أَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ فَأَلْقَى أَبَا هُرَيْرَةَ فَلَا يَبْدَأُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ، فَلَوْ أَخْبَرْتُهُ بِحَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ فَرِحَ وَقَالَ: إِنَّا كُنَّا عَشَرَةً فِي بَيْتٍ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَامَ عَلَيْنَا وَنَظَرَ فِي وُجُوهِنَا وَأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ وَقَالَ: آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ، فَقَدْ مَاتَ مِنَّا ثَمَانِيَةٌ وَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ قَدْ ذُقْتُ الْمَوْتَ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَقَالَ يَعْقُوبُ ابن سُفْيَانَ: ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، ثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عن أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كُنْتُ إِذَا قَدِمْتُ عَلَى أَبِي مَحْذُورَةَ سَأَلَنِي عَنْ سَمُرَةَ، وَإِذَا قَدِمْتُ عَلَى سَمُرَةَ سَأَلَنِي عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، فَقُلْتُ لِأَبِي مَحْذُورَةَ: مَالَكَ إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكَ تَسْأَلُنِي عَنْ سَمُرَةَ، وَإِذَا قَدِمْتُ عَلَى سَمُرَةَ سَأَلَنِي عَنْكَ؟
فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَنَا وَسَمُرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي بَيْتٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ قَالَ:
فَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ مَاتَ أَبُو مَحْذُورَةَ ثُمَّ مَاتَ سَمُرَةَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُسٍ

(6/226)


وَغَيْرَهُ يَقُولُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي هريرة وسمرة بْنِ جُنْدُبٍ وَلِرَجُلٍ آخَرَ: آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ، فَمَاتَ الرَّجُلُ قَبْلَهُمَا وَبَقِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَسَمُرَةُ، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغِيظَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَاتَ سَمُرَةَ، فَإِذَا سَمِعَهُ غَشِيَ عَلَيْهِ وَصُعِقَ، ثُمَّ مَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ قبل سمرة وقتل سَمُرَةُ بَشَرًا كَثِيرًا وَقَدْ ضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ عَامَّةَ هذه الروايات لِانْقِطَاعِ بَعْضِهَا وَإِرْسَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ سَمُرَةَ مَاتَ فِي الْحَرِيقِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُورَدَ النَّارَ بِذُنُوبِهِ ثُمَّ يَنْجُو مِنْهَا بِإِيمَانِهِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْ طَرِيقِ هِلَالِ بْنِ الْعَلَاءِ الرَّقِّيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَهُمْ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ أَنَّ سَمُرَةَ اسْتَجْمَرَ فَغَفَلَ عَنْ نَفْسِهِ وَغَفَلَ أَهْلُهُ عَنْهُ حَتَّى أَخَذْتُهُ النَّارُ، قُلْتُ:
وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ رَضِيَ الله عنه أصابه كرار شديد، وكان يوقد له على قدر مملوءة ماء حَارًّا فَيَجْلِسُ فَوْقَهَا لِيَتَدَفَّأَ بِبُخَارِهَا فَسَقَطَ يَوْمًا فِيهَا فَمَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ مَوْتُهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ بَعْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَنَةٍ، وَقَدْ كَانَ يَنُوبُ عَنْ زِيَادِ بْنِ سُمَيَّةَ فِي الْبَصْرَةِ إِذَا سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَفِي الْكُوفَةِ إِذَا سَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَكَانَ يُقِيمُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ مِنَ السَّنَةِ، وكان شديدا على الخوارج، مكثرا للقتل فِيهِمْ، وَيَقُولُ: هُمْ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عُلَمَاءِ الْبَصْرَةِ يُثْنُونَ عَلَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
خَبَرُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجِ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عن عمرو بن مرزوق الواضحى، ثنا يحيى بن عبد الحميد ابن رَافِعٍ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ رمى- قال عمر: لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا قَالَ- يَوْمَ أُحُدٍ أَوْ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِسَهْمٍ فِي ثَنْدُوَتِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْزِعْ لِيَ السَّهْمَ، فَقَالَ لَهُ: يا رافع إن شئت نزعت السهم والقبضة جميعا، وإن شئت نزعت السهم وتركت القبضة وَشَهِدْتُ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّكَ شَهِيدٌ، فَقَالَ: يا رسول الله، انزع السهم واترك القبضة وَاشْهَدْ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنِّي شَهِيدٌ، قَالَ: فعاش حتى كانت خِلَافَةُ مُعَاوِيَةَ انْتَقَضَ الْجُرْحُ فَمَاتَ بَعْدَ الْعَصْرِ هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ مَاتَ فِي إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُ واحد أنه مات سَنَةِ ثَلَاثٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، وَمُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ سِتِّينَ بلا خلاف، والله أعلم.
ذكر إخباره عليه السلام لما وقع من الفتن بعد موته مِنْ أُغَيْلِمَةِ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟
قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أنا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ

(6/227)


أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ مَحْمُودٌ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ مَرْوَانُ: غِلْمَةٌ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ أسميهم فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا رَوْحٌ، ثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَخْبَرَنِي جَدِّي سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ، قَالَ مروان: وهم مَعَنَا فِي الْحَلْقَةِ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ شَيْئًا، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ لَفَعَلْتُ، قَالَ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ أَبِي وَجَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ- بَعْدَ مَا مَلَكُوا- فَإِذَا هُمْ يُبَايِعُونَ الصِّبْيَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُبَايَعُ لَهُ وَهُوَ فِي خِرْقَةٍ، قَالَ لنا: عَسَى أَصْحَابُكُمْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا الَّذِي سَمِعْتُ أبا هريرة يذكران هَذِهِ الْمُلُوكَ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ظَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ فَسَادَ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ سُفَهَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ ثم رواه أحمد عن زيد بن الخباب عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ سِمَاكِ عَنْ مَالِكِ بْنِ ظَالِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ فَذَكَرَهُ، ثم روى غندر وروح بن عبادة عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ ظَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، زَادَ رَوْحٌ: يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يقول: هلاك أمتى على يد غِلْمَةٍ أُمَرَاءَ سُفَهَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْخَوْلَانِيُّ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسٍ التُّجِيبِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَكُونُ خَلْفٌ مِنْ بَعْدِ السِّتِّينَ سَنَةً (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ، وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) ثُمَّ يَكُونُ خَلْفٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يَعْدُو تَرَاقِيَهُمْ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةٌ مُؤْمِنٌ، وَمُنَافِقٌ، وَفَاجِرٌ، وَقَالَ بَشِيرٌ: فَقُلْتُ لِلْوَلِيدِ: مَا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ؟ قَالَ: الْمُنَافِقُ كَافِرٌ بِهِ، وَالْفَاجِرُ يَتَأَكَّلُ بِهِ، وَالْمُؤْمِنُ يُؤْمِنُ بِهِ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ عَلِيٌّ مِنْ صِفِّينَ قال: أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَكْرَهُوا إِمَارَةَ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ لَوْ فَقَدْتُمُوهُ لَقَدْ رَأَيْتُمُ الرُّءُوسَ تَنْزُو مِنْ كَوَاهِلِهَا كَالْحَنْظَلِ ثُمَّ رَوَى عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ عن الأصم عن العباس ابن الوليد بن زيد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَمْشِي فِي

(6/228)


سُوقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهمّ لَا تُدْرِكُنِي سَنَةُ السِّتِّينَ، وَيْحَكُمْ تَمَسَّكُوا بِصُدْغَيْ مُعَاوِيَةَ، اللَّهمّ لَا تُدْرِكُنِي إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَعَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا يَقُولَانِ: هَذَا الشَّيْءَ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْحِزَامِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عن أبى تميم البعلبكي عن هشام بن الغار عن ابن مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ مُعْتَدِلًا قَائِمًا بِالْقِسْطِ حَتَّى يَثْلَمَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ أَبِي خَلْدَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: إن أَوَّلَ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي ذَرٍّ وَقَدْ رَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ الْمُتَقَدِّمِ، قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنَّ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ هو يزيد بن معاوية ابن أَبِي سُفْيَانَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ قُلْتُ: النَّاسُ فِي يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَقْسَامٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يُحِبُّهُ وَيَتَوَلَّاهُ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، مِنَ النواصب، وأما الروافض فيشنعون عليه وَيَفْتَرُونَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَيْسَتْ فِيهِ وَيَتَّهِمُهُ كثير منهم بِالزَّنْدَقَةِ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى لَا يُحِبُّونَهُ وَلَا يَسُبُّونَهُ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زِنْدِيقًا كَمَا تَقَوَّلَهُ الرَّافِضَةُ، وَلِمَا وَقَعَ فِي زَمَانِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ الْفَظِيعَةِ، وَالْأُمُورِ المستنكرة البشعة الشَّنِيعَةِ، فَمِنْ أَنْكَرِهَا قَتْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِكَرْبَلَاءَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَلَمْ يَسُؤْهُ، وذلك من الأمور المنكرة جدا، ووقعة الحرة كانت مِنَ الْأُمُورِ الْقَبِيحَةِ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى مَا سَنُورِدُهُ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ فِي التَّارِيخِ إِنْ شاء الله تعالى.
الْإِخْبَارُ بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسَّانَ، ثَنَا عُمَارَةُ- يَعْنِي ابْنَ زَاذَانَ- عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَطَرِ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: احْفَظِي عَلَيْنَا الباب لا يدخل علينا أَحَدٌ، فَجَاءَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَوَثَبَ حَتَّى دَخَلَ، فَجَعَلَ يَصْعَدُ عَلَى مَنْكِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ أُمَّتَكَ تَقْتُلُهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَرَاهُ تُرَابًا أَحْمَرَ، فَأَخَذَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ذَلِكَ التُّرَابَ فَصَرَّتْهُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهَا، قَالَ: فَكُنَّا نَسْمَعُ يُقْتَلُ بِكَرْبَلَاءَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ عمارة، فذكره، ثم قال: وكذلك رواه سفيان بْنُ فُرُّوخٍ عَنْ عُمَارَةَ، وَعُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ هَذَا هُوَ الصَّيْدَلَانِيُّ أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لَيْسَ بِالْمَتِينِ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ مَرَّةً وَوَثَّقَهُ أُخْرَى، وَحَدِيثُهُ هَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَرَوَاهُ الحافظ البيهقي من طريق عمارة بن عرفة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نَحْوَ هَذَا وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ فِي آخَرِينَ، قالوا: أنا الأصم، أنا عباس

(6/229)


الدوري، ثنا محمد بن خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عن هاشم بن هاشم عن عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَاصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ، أَخْبَرَتْنِي أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر دُونَ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، ثُمَّ اضْطَجَعَ وَاسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يُقَلِّبُهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ التُّرْبَةُ يَا رسول الله؟ فقال: أخبرنى جبريل أن هذا مقتل بِأَرْضِ الْعِرَاقِ لِلْحُسَيْنِ، قُلْتُ لَهُ: يَا جِبْرِيلُ أَرِنِي تُرْبَةَ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، فَهَذِهِ تربتها ثم قال البيهقي: تابعه أبو موسى الجهنيّ عن صالح بن يزيد النَّخَعِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَبَانٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الصَّيْرَفِيُّ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْحُسَيْنُ جَالِسًا فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَتَحِبُّهُ؟ فَقَالَ: وَكَيْفَ لَا أُحِبُّهُ وَهُوَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي؟ فَقَالَ: أَمَّا إِنَّ أَمَتَّكَ سَتَقْتُلُهُ، أَلَا أُرِيكَ مِنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ؟ فَقَبَضَ قَبْضَةً فَإِذَا تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى قَدْ حَدَّثَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ بِأَحَادِيثَ لَا نَعْلَمُهَا عِنْدَ غَيْرِهِ.
قُلْتُ: هُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى بْنِ مُسْلِمٍ الْحَنَفِيُّ أَبُو عبد الرحمن الكوفي أخو سليم القاري، قال الْبُخَارِيُّ:
مَجْهُولٌ- يَعْنِي مَجْهُولَ الْحَالِ- وَإِلَّا فَقَدَ روى عنه سبعة نَفَرٍ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أبو حاتم: ليس بالقوى، روى عن الحكم بْنِ أَبَانٍ أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَلِيلُ الْحَدِيثِ، وَعَامَّةُ حَدِيثِهِ غَرَائِبُ، وَفِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ الْمُنْكَرَاتُ وروى البيهقي عن الحكم وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ الْقَاضِي: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ شَدَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّهَا دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ حُلْمًا مُنْكَرًا اللَّيْلَةَ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ قِطْعَةً مِنْ جَسَدِكَ قُطِعَتْ وَوُضِعَتْ في حجري، قال: رأيت خيرا، تلك فاطمة إن شاء الله تلد غُلَامًا فَيَكُونُ فِي حِجْرِكِ، فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ الْحُسَيْنَ، فَكَانَ فِي حِجْرِي كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضعته في حجره ثُمَّ حَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ فَإِذَا عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُهَرِيقَانِ الدُّمُوعَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وأمى، مالك؟ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي سَتَقْتُلُ ابْنِي هَذَا، فَقُلْتُ:
هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَتَانِي بِتُرْبَةٍ مِنْ تُرْبَتِهِ حَمْرَاءَ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُ فِي مَنَامِي أَنَّ فِي بَيْتِي أَوْ حِجْرِي عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِكَ، قَالَ: تَلِدُ فَاطِمَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غُلَامًا فَتَكْفُلِينَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ فَاطِمَةُ حُسَيْنًا، فَدَفَعَتْهُ إِلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ قُثَمَ، فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَزُورُهُ، فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ عَلَى صَدْرِهِ فَبَالَ فَأَصَابَ الْبَوْلُ إِزَارَهُ، فَزَخَخْتُ بِيَدِي عَلَى كَتِفَيْهِ،

(6/230)


فَقَالَ: أَوْجَعْتِ ابْنِي أَصْلَحَكِ اللَّهُ، أَوْ قَالَ: رَحِمَكِ اللَّهُ، فَقُلْتُ: أَعْطِنِي إِزَارَكُ أَغْسِلْهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا يُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَيُصَبُّ عَلَى بَوْلِ الْغُلَامِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً، وَلَيْسَ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِقَتْلِهِ فاللَّه أَعْلَمُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادٌ، أنا عمار بن أبى عمارة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ بِنِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ قَائِلٌ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، بِيَدِهِ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هذا؟ قال: دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، لَمْ أَزَلْ أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ، قَالَ: فَأَحْصَيْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَوَجَدُوهُ قُتِلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَتَادَةُ: قُتِلَ الْحُسَيْنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَنِصْفُ شَهْرٍ وَهَكَذَا قَالَ اللَّيْثُ وأبو بكر بن عياش الواقدي والخليفة بْنُ خَيَّاطٍ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّهُ قتل يوم عاشوراء عام إحدى وَسِتِّينَ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي مَقْتَلِهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً أَنَّهَا وَقَعَتْ مِنْ كُسُوفِ الشَّمْسِ يَوْمَئِذٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَتَغْيِيرُ آفَاقِ السَّمَاءِ، وَلَمْ يَنْقَلِبْ حَجَرٌ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ ذَلِكَ بِحِجَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَنَّ الْوَرْسَ اسْتَحَالَ رَمَادًا، وَأَنَّ اللَّحْمَ صَارَ مِثْلَ الْعَلْقَمِ وَكَانَ فِيهِ النَّارُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي بَعْضِهَا نَكَارَةٌ، وَفِي بَعْضِهَا احْتِمَالٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَكَذَلِكَ الصِّدِّيقُ بَعْدَهُ، مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، وَكَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قُتِلَ شَهِيدًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَحُصِرَ عُثْمَانُ فِي دَارِهِ وَقُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيدًا، وَقُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب شهيدا بعد صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عمارة عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَمِعَتِ الْجِنَّ تَنُوحُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهَذَا صَحِيحٌ، وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: كُنَّا عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ فَجَاءَهَا الْخَبَرُ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ أهل العراق يطلبون منه أن يقدم إليهم لِيُبَايِعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، وَكَثُرَ تَوَاتُرُ الْكُتُبِ عَلَيْهِ مِنَ الْعَامَّةِ وَمِنَ ابْنِ عَمِّهِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ، فَلَمَّا ظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زياد نائب العراق ليزيد بن معاوية، فبعث إلى مسلّم بن عقيل يضرب عُنُقَهُ وَرَمَاهُ مِنَ الْقَصْرِ إِلَى الْعَامَّةِ، فَتَفَرَّقَ مَلَؤُهُمْ وَتَبَدَّدَتْ كَلِمَتُهُمْ، هَذَا وَقَدْ تَجَهَّزَ الْحُسَيْنُ مِنَ الْحِجَازِ إِلَى الْعِرَاقِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِمَا وَقَعَ، فَتَحَمَّلَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ أَطَاعَهُ وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَقَدْ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ أَبُو سَعِيدٍ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، فَلَمْ يُطِعْهُمْ، وَمَا أَحْسَنَ مَا نَهَاهُ ابْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ مَا يُرِيدُهُ فَلَمْ يَقْبَلْ، فَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَالِمٍ الْأَسَدِيِّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأُخْبِرَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ

(6/231)


عَلِيٍّ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، قال: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ الْعِرَاقَ وَمَعَهُ طَوَامِيرُ وَكُتُبٌ، فَقَالَ: لَا تَأْتِهِمْ، فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ وَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا، وَإِنَّكُمْ بَضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهِ لَا يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ أَبَدًا، وَمَا صَرَفَهَا عَنْكُمْ إلى الّذي هو خير منكم، فَارْجِعُوا، فَأَبَى وَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُمْ وَبَيْعَتُهُمْ، قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ، وَقَدْ وَقَعَ مَا فَهِمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءً، مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَلِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْخِلَافَةَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ وَيَتِمَّ لَهُ الْأَمْرُ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ لَا يَلِي أَحَدٌ مِنْ أهل البيت أبدا ورواه عنهما أبو صالح الخليل بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى بْنِ الشَّيْخِ فِي كِتَابِهِ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ. قُلْتُ: وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ الْفَاطِمِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُمْ أَدْعِيَاءُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ليس مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ الْأَمْرُ كَمَا كَانَ لِلْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ، وَلَا اتَّسَعَتْ يَدُهُ فِي الْبِلَادِ كُلِّهَا، ثُمَّ تَنَكَّدَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ، وَأَمَّا ابْنُهُ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ فِي جُيُوشِهِ وَتَصَافَى هُوَ وَأَهْلُ الشَّامِ، وَرَأَى أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِ الْخِلَافَةِ، تَرَكَهَا للَّه عَزَّ وَجَلَّ، وصيانة لدماء المسلمين، أثابه الله ورضى الله عَنْهُ، وَأَمَّا الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ ابْنُ عُمَرَ لَمَّا أَشَارَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الذَّهَابِ إِلَى الْعِرَاقِ وَخَالَفَهُ، اعْتَنَقَهُ مُوَدِّعًا وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ، وَقَدْ وَقَعَ مَا تَفَرَّسَهُ ابْنُ عُمَرَ، فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَقَلَّ ذَاهِبًا بَعَثَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِكَتِيبَةٍ فِيهَا أربعة آلاف يتقدمهم عمرو بن سعد ابن أَبِي وَقَاصٍّ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا اسْتَعْفَاهُ فَلَمْ يُعْفِهِ، فَالْتَقَوْا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ كَرْبَلَاءُ بِالطَّفِّ، فالتجأ الحسين ابن عَلِيٍّ وَأَصْحَابُهُ إِلَى مَقْصَبَةٍ هُنَالِكَ، وَجَعَلُوهَا مِنْهُمْ بِظَهْرٍ، وَوَاجَهُوا أُولَئِكَ، وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْحُسَيْنُ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَدَعُوهُ يَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ، وَإِمَّا أَنْ يَذْهَبَ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ فَيُقَاتِلَ فِيهِ، أَوْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ. فَيَحْكُمَ فِيهِ بِمَا شَاءَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، وَقَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ قُدُومِكَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَيَرَى فِيكَ رَأْيَهُ، فَأَبِي أَنْ يَقَدَمَ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَقَاتَلَهُمْ دُونَ ذَلِكَ، فَقَتَلُوهُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَهَبُوا بِرَأْسِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَوَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ عَلَى ثَنَايَاهُ، وَعِنْدَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ جَالِسٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، ارْفَعْ قَضِيبَكَ، قَدْ طَالَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقْبَلُ هَذِهِ الثَّنَايَا، ثُمَّ أَمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَنْ يُسَارَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ، إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ بِالرَّأْسِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ يَزِيدَ فَأَنْشَدَ حِينَئِذٍ قَوْلَ بَعْضِهِمْ:
نُفَلِّقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ ... عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا
ثُمَّ أَمَرَ بِتَجْهِيزِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَلَمَّا دَخَلُوهَا تَلَقَّتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ناشرة

(6/232)


شَعْرَهَا، وَاضِعَةً كَفَّهَا عَلَى رَأْسِهَا تَبْكِي وَهِيَ تَقُولُ:
مَاذَا تَقُولُونَ إِنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ ... مَاذَا فَعَلْتُمْ وَأَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ
بِعِتْرَتِي وَبِأَهْلِي بَعْدَ مُفْتَقَدِي ... مِنْهُمْ أُسَارَى وَقَتْلَى ضُرِّجُوا بِدَمِ
مَا كَانَ هَذَا جَزَائِي إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ ... أَنْ تَخْلُفُونِي بِشَرٍّ فِي ذَوِي رَحِمِي
وَسَنُورِدُ هَذَا مُفَصَّلًا فِي مَوْضِعِهِ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَقَدْ رَثَاهُ النَّاسُ بِمَرَاثٍ كَثِيرَةٍ وَمِنْ أَحْسَنِ ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ وَكَانَ فِيهِ تَشَيُّعٌ:
جَاءُوا بِرَأْسِكَ يَا ابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ ... مُتَزَمِّلًا بِدِمَائِهِ تَزْمِيلَا
فَكَأَنَّمَا بِكَ يَا ابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ ... قَتَلُوا جِهَارًا عَامِدِينَ رَسُولَا
قَتَلُوكَ عَطْشَانًا وَلَمْ يَتَرَقَّبُوا ... فِي قَتْلِكَ التَّنْزِيلَ وَالتَّأْوِيلَا
وَيُكَبِّرُونَ بِأَنْ قُتِلْتَ وَإِنَّمَا ... قَتَلُوا بِكَ التَّكْبِيرَ والتهليلا
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِ يَزِيدَ أَيْضًا
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنِي ابْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرحمن عن أيوب بن بشير المعافري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي سَفَرٍ مِنْ أَسْفَارِهِ، فَلَمَّا مَرَّ بِحَرَّةِ زُهْرَةَ وَقَفَ فَاسْتَرْجَعَ، فَسَاءَ ذَلِكَ مَنْ مَعَهُ، وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ سَفَرِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ سَفَرِكُمْ هَذَا، قَالُوا: فَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يُقْتَلُ بِهَذِهِ الْحَرَّةِ خِيَارُ أُمَّتِي بَعْدَ أَصْحَابِي هَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: قَالَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: قَالَتْ جُوَيْرِيَةُ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها 33: 14 قَالَ: لَأَعْطَوْهَا، يَعْنِي إِدْخَالَ بَنِي حَارِثَةَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، ثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ أَرَأَيْتَ إِنِ النَّاسُ قُتِلُوا حَتَّى تَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ مِنَ الدِّمَاءِ، كَيْفَ أَنْتِ صَانِعٌ؟ قَالَ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: تَدْخُلُ بَيْتَكَ، قال قلت: فان أتى عليّ؟ قال: يأتى مَنْ أَنْتَ مِنْهُ، قَالَ قُلْتُ: وَأَحْمِلُ السِّلَاحَ؟ قَالَ: إِذًا تُشْرَكَ مَعَهُمْ، قَالَ قُلْتُ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنْ خِفْتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فَأَلْقِ طَائِفَةً مِنْ رِدَائِكَ عَلَى وَجْهِكَ يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مَرْحُومٍ- هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ- عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، فَذَكَرَهُ مُطَوَّلًا قُلْتُ: وَكَانَ سَبَبُ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ أَنَّ وَفْدًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَدِمُوا عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِدِمَشْقَ فَأَكْرَمَهُمْ

(6/233)


وَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُمْ، وَأَطْلَقَ لِأَمِيرِهِمْ- وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ- قَرِيبًا مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا لِأَهْلِيهِمْ عَنْ يَزِيدَ مَا كَانَ يَقَعُ مِنْهُ مِنَ الْقَبَائِحِ فِي شُرْبِهِ الْخَمْرَ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَاحِشِ الَّتِي مِنْ أَكْبَرِهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا، بِسَبَبِ السُّكْرِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى خَلْعِهِ، فَخَلَعُوهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ النَّبَوِيِّ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ سَرِيَّةً، يَقْدُمُهَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ، وَإِنَّمَا يُسَمِّيهِ السَّلَفُ: مُسْرِفَ بْنَ عُقْبَةَ، فَلَمَّا وَرَدَ الْمَدِينَةَ اسْتَبَاحَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فقتل في غضون هَذِهِ الْأَيَّامَ بَشَرًا كَثِيرًا حَتَّى كَادَ لَا يَفْلِتُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا، وَزَعَمَ بَعْضُ عُلَمَاءِ السلف أنه قتل في غضون ذَلِكَ أَلْفَ بِكْرٍ فاللَّه أَعْلَمُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ: قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ، حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَكَانَ فِيهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وذلك في خلافة يزيد وقال يعقوب ابن سُفْيَانَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ عَبْدُ اللَّهِ بن يزيد المازني ومعقل بن سليمان الأشجعي، ومعاذ بن الحارث القاري، وَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ قَالَ يَعْقُوبُ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الليث قال: كانت وَقْعَةُ الْحَرَّةِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، ثُمَّ انْبَعَثَ مُسْرِفُ بْنُ عُقْبَةَ إِلَى مَكَّةَ قَاصِدًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ لِيَقْتُلَهُ بِهَا، لِأَنَّهُ فَرَّ مِنْ بَيْعَةِ يَزِيدَ، فَمَاتَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي غضون ذَلِكَ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْخِلَافَةِ بِالْحِجَازِ، ثُمَّ أَخَذَ الْعِرَاقَ وَمِصْرَ، وَبُويِعَ بَعْدَ يَزِيدَ لِابْنِهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، فَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ، مَكَثَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ عِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَوَثَبَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ عَلَى الشَّامِ فَأَخْذَهَا، فَبَقِيَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَاتَ، وقام بعده ابنه عبد الملك، فَنَازَعَهُ فِيهَا عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَشْدَقِ وَكَانَ نَائِبًا عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَأَيَّامِ يَزِيدَ وَمَرْوَانَ، فَلَمَّا هَلَكَ مَرْوَانُ زَعَمَ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ ابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَضَاقَ بِهِ ذَرْعًا، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَخَذَهُ بَعْدَ مَا اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ بِدِمَشْقَ فَقَتَلَهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ، وَيُقَالُ: فِي سَنَةِ سَبْعِينَ، وَاسْتَمَرَّتْ أَيَّامُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَتَّى ظَفِرَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَمْرِهِ بِمَكَّةَ، بَعْدَ مُحَاصَرَةٍ طَوِيلَةٍ اقْتَضَتْ أَنْ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى الْكَعْبَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ عَهِدَ فِي الْأَمْرِ إِلَى بنيه الأربعة بَعْدِهِ الْوَلِيدِ، ثُمَّ سُلَيْمَانَ، ثُمَّ يَزِيدَ، ثُمَّ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ وهو مولى ضباعة المؤذن واسمه مينا- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَعَوَّذُوا باللَّه مِنْ رَأْسِ السَّبْعِينَ، وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ، وَقَالَ: لَا تذهب الدنيا حتى يظهر اللكع ابْنِ لُكَعٍ، وَقَالَ الْأَسْوَدُ: يَعْنِي اللَّئِيمَ ابْنَ اللئيم وقد روى الترمذي من حديث أبى كَامِلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عمر أمتى من ستين سنة إِلَى سَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ

(6/234)


وَعَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يقول: لينعقن (وقال عبد الصمد في روايته ليزعقن) جَبَّارٌ مِنْ جَبَابِرَةِ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِي هذا، زاد عبد الصمد حتى يَسِيلُ رُعَافُهُ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ رَأَى عَمْرَو بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ:
يرعف عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَالَ رُعَافُهُ، قلت: على بن يزيد بْنِ جُدْعَانَ فِي رِوَايَتِهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ وَفِيهِ تَشَيُّعٌ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ هَذَا، يُقَالُ لَهُ: الأشدق، كان من سادات المسلمين وأشرافهم، [في الدنيا لا في الدين] [1] وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ فِي صحيح مسلّم عن عثمان في فصل الطَّهُورِ، وَكَانَ نَائِبًا عَلَى الْمَدِينَةِ لِمُعَاوِيَةَ وَلِابْنِهِ يَزِيدَ بَعْدَهُ، ثُمَّ اسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ حَتَّى كَانَ يُصَاوِلُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، ثُمَّ خَدَعَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ حَتَّى ظَفِرَ بِهِ فَقَتَلَهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ، أَوْ سَنَةِ سَبْعِينَ، فاللَّه أَعْلَمُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْمَكَارِمِ أَشْيَاءُ كثيرة من أحسنها أنه لما حضرته الوفاة قال لبنيه، وكانوا ثلاثة، عمر وهذا، وَأُمَيَّةُ، وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ يَتَحَمَّلُ مَا عَلَيَّ؟ فَبَدَرَ ابْنُهُ عَمْرٌو هَذَا وَقَالَ: أَنَا يَا أَبَهْ، وَمَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ وَأَخَوَاتُكَ لَا تُزَوِّجْهُنَّ إِلَّا بِالْأَكْفَاءِ وَلَوْ أَكَلْنَ خُبْزَ الشَّعِيرِ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَأَصْحَابِي مِنْ بَعْدِي، إِنْ فَقَدُوا وَجْهِي فَلَا يَفْقِدُوا مَعْرُوفِي، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا لَئِنْ، قُلْتَ ذَلِكَ، فَلَقَدْ كُنْتُ أَعْرِفُهُ مِنْ حَمَالِيقِ وَجْهِكَ وَأَنْتَ فِي مَهْدِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ- كَاتِبِ اللَّيْثِ- عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ عن أبيه عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الثقفي، قال: اصطحب قيس ابن حرشة وَكَعْبٌ حَتَّى إِذَا بَلَغَا صِفِّينَ، وَقَفَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ فَذَكَرَ كَلَامَهُ فِيمَا يَقَعُ هُنَاكَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ يَجِدُ ذَلِكَ فِي التوراة، وذكر عن قيس بن حرشة أَنَّهُ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن يقول الحق، وقال: يا قيس بن حرشة عسى إن عذبك الدهر حتى يكبك بَعْدِي مَنْ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُولَ بِالْحَقِّ مَعَهُمْ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُبَايِعُكَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا وَفَّيْتُ لَكَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا لَا يَضُرُّكَ بَشَرٌ، فَبَلَغَ قَيْسٌ إِلَى أَيَّامِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَنِقَمَ عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ فِي شَيْءٍ فَأَحْضَرَهُ فَقَالَ: أنت الّذي زعم أَنَّهُ لَا يَضُرُّكَ بَشَرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَتَعْلَمَنَّ الْيَوْمَ أَنَّكَ قَدْ كَذَبْتَ، ائْتُونِي بِصَاحِبِ الْعَذَابِ، قَالَ: فَمَالَ قَيْسٌ عِنْدَ ذَلِكَ فَمَاتَ.
مُعْجِزَةٌ أُخْرَى
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الدراوَرْديّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ: أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ سَايَرَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمَطْلَبِ أَنَّهُ بَعَثَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلًا فَرَجَعَ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ مِنْ أَجْلِ مَكَانِ الرَّجُلِ، فَلَقِيَ العباس رسول
__________
[1] من التيمورية.

(6/235)


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: وَرَآهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَدْرِي مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ؟ ذَاكَ جِبْرِيلُ، وَلَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُهُ وَيُؤْتَى عِلْمًا، وَقَدْ مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ بَعْدَ مَا عَمِيَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ المعتمر بن سليمان، حدثتنا سيابة بنت يزيد عن خمارة عَنْ أُنَيْسَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ أَبِيهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى زَيْدٍ يَعُودُهُ فِي مَرَضٍ كَانَ بِهِ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْ مَرَضِكَ بَأْسٌ، وَلَكِنْ كَيْفَ بِكَ إِذَا عُمِّرْتَ بَعْدِي فَعَمِيتَ؟ قَالَ: إِذًا أَحْتَسِبَ وَأَصْبِرَ، قَالَ: إِذًا تَدْخُلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، قَالَ: فَعَمِيَ بَعْدَ ما مات رسول الله، ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ، ثُمَّ مَاتَ.
فصل
وثبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا دَجَّالًا، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْمَالِينِيِّ عن أبى عَدِيٍّ عَنْ أَبِي يَعْلَى الْمُوصِلِيِّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ، ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا، مِنْهُمْ مُسَيْلِمَةُ، وَالْعَنْسِيُّ، وَالْمُخْتَارُ. وَشَرُّ قَبَائِلِ الْعَرَبِ بَنُو أُمَيَّةَ وَبَنُو حَنِيفَةَ وَثَقِيفٌ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَهُ إِفْرَادَاتٌ، وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الثقات، ولم أر بتحديثه بَأْسًا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِحَدِيثِهِ فِي الْمُخْتَارِ شَوَاهِدُ صَحِيحَةٌ ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ عَنْ أَبِي عَقْرَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِلْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ:
أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكُ إِلَّا إِيَّاهُ قَالَ: وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ، وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ أَسْمَاءَ وَأَلْفَاظٌ سَيَأْتِي إِيرَادُهَا فِي مَوْضِعِهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ وَأَبُو سَعِيدٍ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ عَبَّاسٍ الدراوَرْديّ عن عبيد اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عيينة عن أبى المحيا عن أمه قالت: لَمَّا قَتَلَ الْحَجَّاجُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ دَخَلَ الْحَجَّاجُ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أُمَّهْ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصَانِي بِكِ، فَهَلْ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ؟ فَقَالَتْ: لَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ، وَلَكِنِّي أُمُّ الْمَصْلُوبِ عَلَى رَأْسِ الثَّنِيَّةِ، وَمَا لِي مِنْ حَاجَةٍ، وَلَكِنِ انْتَظَرَ حتى أحدثك مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَأَنْتَ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: مُبِيرُ الْمُنَافِقِينَ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي عَلْوَانَ- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. إِنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، وَقَدْ تَوَاتَرَ خَبَرُ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الْكَذَّابِ

(6/236)


الَّذِي كَانَ نَائِبًا عَلَى الْعِرَاقِ وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْوَحْيِ، وَقَدْ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ وَكَانَ زَوْجَ أُخْتِ المختار وصفيه، إن المختار يزعم أن الوحي يأتيه. قال: صَدَقَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ 6: 121 وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رَفَاعَةَ بْنِ شداد، قال: كنت ألصق شَيْءٍ بِالْمُخْتَارِ الْكَذَّابِ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ:
دَخَلْتَ وَقَدْ قَامَ جِبْرِيلُ قَبْلُ مِنْ هَذَا الْكُرْسِيِّ، قَالَ: فَأَهْوَيْتُ إِلَى قَائِمِ السيف لِأَضْرِبَهُ حَتَّى ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدِّثْنِيهِ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا أَمَّنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ رُفِعَ لَهُ لِوَاءُ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَكَفَفْتُ عَنْهُ وَقَدْ رَوَاهُ أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ وَزَائِدَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السدي عن رفاعة بن شداد القباني فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: فَأَخَّرْتُ أَهْلَ الْبَصْرَةِ فَغَلَبْتُهُمْ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَالْأَحْنَفُ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، فَلَمَّا رَآنِي غَلَبْتُهُمْ أَرْسَلَ غُلَامًا لَهُ فَجَاءَ بِكِتَابٍ فَقَالَ: هَاكَ اقْرَأْ: فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فيه: من المختار للَّه يذكر أنه نبي، يَقُولُ الْأَحْنَفُ: أَنَّى فِينَا مِثْلُ هَذَا، وَأَمَّا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ الْغُلَامُ الْمُبِيرُ الثَّقَفِيُّ، وَسَنَذْكُرُ تَرْجَمَتَهُ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَى أَيَّامِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ نَائِبًا عَلَى الْعِرَاقِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، ثُمَّ لِابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ مِنْ جَبَابِرَةِ الْمُلُوكِ، عَلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْكَرَمِ وَالْفَصَاحَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ثَنَا الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ الْفَقِيهِ، ثَنَا عُثْمَانَ بن سعيد الدارميّ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ حَدَّثَهُ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَذَبَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ قَدْ حَصَبُوا أَمِيرَهُمْ، فَخَرَجَ غَضْبَانَ فَصَلَّى لَنَا الصَّلَاةَ فَسَهَا فِيهَا حَتَّى جَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: مَنْ هَاهُنَا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ ثُمَّ قَامَ آخَرُ، ثُمَّ قُمْتُ أَنَا ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ اسْتَعِدُّوا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ بَاضَ فِيهِمْ وَفَرَّخَ، اللَّهمّ إِنَّهُمْ قَدْ لَبَسُوا على فألبس عَلَيْهِمْ بِالْغُلَامِ الثَّقَفِيِّ يَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَقْبَلُ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِهِمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ لهيعة بمثله، قال: وولد الْحَجَّاجُ يَوْمَئِذٍ وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [1] بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي عَذَبَةَ الْحِمْصِيِّ عَنْ عُمَرَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ، قَالَ أَبُو الْيَمَانِ: عَلِمَ عُمَرُ أَنَّ الْحَجَّاجَ خَارِجٌ لَا مَحَالَةَ، فَلَمَّا أَغْضَبُوهُ اسْتَعْجَلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ هَذَا نَقَلَهُ عُمَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ تَحْدِيثٍ، فَكَرَامَةُ الْوَلِيِّ مُعْجِزَةٌ لِنَبِيِّهِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا جَعْفَرٌ- يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ- عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ: اللَّهمّ كَمَا ائْتَمَنْتُهُمْ فَخَانُونِي، وَنَصَحْتُ لَهُمْ فَغَشُّونِي، فَسَلِّطْ عَلَيْهِمْ فَتَى
__________
[1] في التيمورية «عبد الملك»

(6/237)


ثَقِيفٍ الذَّيَّالَ الْمَيَّالَ، يَأْكُلُ خَضِرَتَهَا، وَيَلْبَسُ فَرْوَتَهَا، ويحكم فيهم بحكم الجاهلية، قال: فتوفى الحسن وما خلق الله الْحَجَّاجُ يَوْمَئِذٍ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: الشَّابُّ الذَّيَّالُ أَمِيرُ الْمِصْرَيْنِ، يَلْبَسُ فَرْوَتَهَا، وَيَأْكُلُ خَضِرَتَهَا، وَيَقْتُلُ أَشْرَافَ أَهْلِهَا، يَشْتَدُّ منه العرق، وَيَكْثُرُ مِنْهُ الْأَرَقُ، وَيُسَلِّطُهُ اللَّهُ عَلَى شِيعَتِهِ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: أَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثابت قال: قال على: لَا مِتَّ حَتَّى تُدْرِكَ فَتَى ثَقِيفٍ، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا فَتَى ثَقِيفٍ؟ فَقَالَ: لَيُقَالَنَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اكْفِنَا زَاوِيَةً مِنْ زَوَايَا جَهَنَّمَ رَجُلٌ يَمْلِكُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، لَا يَدْعُ للَّه مَعْصِيَةً إِلَّا ارْتَكَبَهَا، حَتَّى لَوْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَعْصِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بَابٌ مُغْلِقٌ لكسره حتى يرتكبها، يفتن بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ وَهَذَا مُعْضَلٌ، وَفِي صِحَّتِهِ عَنْ عَلِيٍّ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ عَنْ عبد الله بن يوسف الثنينى، ثَنَا هِشَامُ بْنُ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَوْ جَاءَتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِخَبِيثِهَا، وَجِئْنَاهُمْ بِالْحَجَّاجِ لَغَلَبْنَاهُمْ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمٍ عن أبى عن أَبِي النَّجُودِ: مَا بَقِيَتْ للَّه حُرْمَةٌ إِلَّا وَقَدِ ارْتَكَبَهَا الْحَجَّاجُ وَقَالَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ أَنَّ أَبَاهُ لَمَّا تَحَقَّقَ مَوْتُ الْحَجَّاجِ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 6: 45 قُلْتُ: وَقَدْ تُوُفِّيَ الْحَجَّاجُ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ.
ذِكْرُ الْإِشَارَةِ النَّبَوِيَّةِ إِلَى دَوْلَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، تَاجِ بَنِي أُمَيَّةَ
قَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بغير هديي، يعرف منهم وينكر، الحديث، فحمل البيهقي وغيره هذا الخير الثَّانِي عَلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرَوَى عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الوليد بن مرثد عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ حِينَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ الرِّدَّةُ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي مَسْأَلَةِ حُذَيْفَةَ، فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ، قَالَ الأوزاعي: فالخير الجماعة، وفي ولاتهم من يعرف سيرته، وفيهم من ينكر سِيرَتَهُ، قَالَ: فَلَمْ يَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِتَالِهِمْ مَا صَلَّوُا الصَّلَاةَ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ دَاوُدَ الْوَاسِطِيِّ، وَكَانَ ثِقَةً، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عن نعمان بن سالم عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ فِي النُّبُوَّةِ مَا شاء الله أن يكون، ثم يرفعها لكم إذا شاء أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، قَالَ: فَقَدِمَ

(6/238)


عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعَهُ يَزِيدُ بْنُ النعمان، فكتبت إليه أذكره الحديث وكتبته إِلَيْهِ أَقُولُ: إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ أَمِيرَ المؤمنين بعد الخيرية، قَالَ: فَأَخَذَ يَزِيدُ الْكِتَابَ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُمَرَ فَسُرَّ بِهِ وَأَعْجَبَهُ وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده عمر وعثمان وعلى، فقال لي: ادن، فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ سَتَلِي أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَسَتَعْدِلُ عَلَيْهِمْ وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا، وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِنَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَإِنَّهُ تولى سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ المقري، ثَنَا أَبُو عِيسَى، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عبد الحميد ابن لَاحِقٍ عَنْ جُوَيْرِيَّةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عن ابن عمر قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَلَدِي رَجُلًا بِوَجْهِهِ شَيْنٌ يَلِي فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا، قَالَ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ: وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَدْ رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ عُثْمَانَ بن عبد الحميد به، وَلِهَذَا طَرُقٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْتَ شِعْرِي، مَنْ هَذَا الَّذِي مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي وَجْهِهِ عَلَامَةٌ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا؟ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ نَحْوًا مِنْ هَذَا، وَقَدْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مَشْهُورًا قَبْلَ وِلَايَتِهِ وَمِيلَادِهِ بِالْكُلِّيَّةِ أَنَّهُ يَلِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يُقَالُ لَهُ: أَشُجُّ بَنِي مَرْوَانَ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَرْوَى بِنْتَ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ أَبُوهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مَرْوَانَ نَائِبًا لِأَخِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى مِصْرَ، وَكَانَ يُكْرِمُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَيَبْعَثُ إِلَيْهِ بِالتُّحَفِ وَالْهَدَايَا وَالْجَوَائِزِ فَيَقْبَلُهَا، وَبَعَثَ إِلَيْهِ مَرَّةً بِأَلْفِ دِينَارٍ فَأَخَذَهَا، وَقَدْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَوْمًا إلى اصطبل أبيه وهو صعير، فَرَمَحَهُ فَرَسٌ فَشَجَّهُ فِي جَبِينِهِ، فَجَعَلَ أَبُوهُ يَسْلُتُ عَنْهُ الدَّمَ وَيَقُولُ: أَمَّا لَئِنْ كُنْتَ أَشَجَّ بَنِي مَرْوَانَ، إِنَّكَ إِذًا لَسَعِيدٌ، وَكَانَ الناس يقولون: الأشج والناقص أعدلا بَنِي مَرْوَانَ، فَالْأَشَجُّ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالنَّاقِصُ هُوَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّاعِرَ:
رَأَيْتُ الْيَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ مُبَارَكًا ... شَدِيدًا بِأَعْبَاءِ الْخِلَافَةِ كَاهِلُهْ
قُلْتُ: وَقَدْ وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَتَيْنِ وَنِصْفًا، فَمَلَأَ الْأَرْضَ عَدْلًا، وَفَاضَ الْمَالُ حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَهُمُّهُ لِمَنْ يُعْطِي صَدَقَتَهُ، وَقَدْ حَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعِنْدِي فِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ: حدثني أبو معن الأنصاري، ثنا أسيد قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَمْشِي إِلَى مَكَّةَ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ إِذْ رَأَى حَيَّةً مَيِّتَةً فَقَالَ: عَلَيَّ بِمِحْفَارٍ، فَقَالُوا: نَكْفِيكَ أصلحك الله، قال: لا، ثم أخذه ثُمَّ لَفَّهُ فِي خِرْقَةٍ وَدَفَنَهُ، فَإِذَا هَاتِفٌ يهتف: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ يَا سُرَّقُ،

(6/239)


فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ وَهَذَا سُرَّقٌ، وَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، وَأَشْهَدَ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَمُوتُ يَا سُرَّقُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَيَدْفِنُكَ خَيْرُ أُمَّتِي وَقَدْ رَوَى هَذَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَفِيهِ: أَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَةً بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَلَّفَهُ، فَلَمَّا حَلَفَ بَكَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَدْ رَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ، فاللَّه أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ فِي ذِكْرِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ بِالْمَدْحِ، وَذِكْرُ غَيْلَانَ بِالذَّمِّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وغيره عن الوليد بن أسلّم [1] عن مروان بن سالم اليرقانى عَنِ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي أُمَّتَيْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: وَهْبٌ، يَهَبُ اللَّهُ لَهُ الْحِكْمَةَ، وَرَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: غَيْلَانُ، هُوَ أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيسَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ مَرْوَانَ بْنَ سَالِمٍ هَذَا مَتْرُوكٌ، وَبِهِ إِلَى الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَنْعِقُ الشَّيْطَانُ بِالشَّامِ نَعَقَةً يُكَذِّبُ ثُلُثَاهُمْ بِالْقَدَرِ قال البيهقي: وفي هذا وأمثاله إِشَارَةٌ إِلَى غَيْلَانَ وَمَا ظَهَرَ بِالشَّامِ بِسَبَبِهِ من التكذيب بالقدر حتى قتل.
الْإِشَارَةُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَعِلْمِهِ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَحِفْظِهِ
قَالَ حَرْمَلَةُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مغيث عن أَبِي بُرْدَةَ الظَّفَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ فِي أَحَدِ الْكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ قد درس الْقُرْآنَ دِرَاسَةً لَا يَدْرُسُهَا أَحَدٌ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي، ثَنَا أَبُو ثَابِتٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ فِي أَحَدِ الْكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ يَدْرُسُ الْقُرْآنَ دراسة لا يدرسها أحد غَيْرُهُ، قَالَ: فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، قَالَ أَبُو ثَابِتٍ: الْكَاهِنَانِ، قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ وَقَدْ رَوَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلٍ: يَخْرُجُ مِنَ الْكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ أَعْلَمُ النَّاسِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ.
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِانْخِرَامِ قَرْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ من ليلة إخباره وكان كَمَا أَخْبَرَ
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بن أبى خيثمة عن عبد الله
__________
[1] في التيمورية «ابن مسلم» .

(6/240)


ابن عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ لَيْلَةً فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ، قَالَ عمر: فوهل الناس من مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث من مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْخِرَامَ قَرْنِهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ: يسألون عَنِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَأُقْسِمُ باللَّه مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ، يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ ذَهَبٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى أَنَّ الْخَضِرَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ الْآنَ، كَمَا قَدَّمْنَا ذلك في ترجمته في قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَهُوَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَحْيَاءِ فِي الْأَرْضِ يَمُوتُونَ إِلَى تمام مائة سنة من إخباره عليه السلام، وكذا وقع سواء، فما نعلم تأخر أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى مَا يُجَاوِزُ هَذِهِ الْمُدَّةَ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ النَّاسِ ثُمَّ قَدْ طَرَدَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحُكْمَ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِهَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن محمد بن زياد الألهاني عن أبيه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، قَالَ: وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي وَقَالَ: هَذَا الْغُلَامُ يَعِيشُ قَرْنًا، قَالَ: فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ عَنْ أَبِي حَيْوَةَ شُرَيْحِ بْنِ يَزِيدَ بِهِ فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَزَادَ غَيْرُهُ: وَكَانَ في وجهه ثالول، فقال: ولا يموت حتى يذهب الثالول من وجهه، فلم يمت حتى ذهب الثالول مِنْ وَجْهِهِ وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ السُّنَنِ، وَلَمْ يُخْرِجُوهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى عن الفضل بن محرز الشَّعْرَانِيِّ، ثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن محمد بن زياد الألهاني عن أبيه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: يَعِيشُ هَذَا الْغُلَامُ قَرْنًا، فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ بِحِمْصٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ عَنْ أربع وتسعين، وهو آخر من بقي من الصحابة بالشام.
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْوَلِيدِ بِمَا فِيهِ لَهُ مِنِ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ لَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بَانِي الْجَامِعِ السَّعِيدِ
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْعَبَّاسِ السَّكْسَكِيُّ، حدثني الوليد بن مسلم، حدثني أبو عمر الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: وُلِدَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ [1] غُلَامٌ فَسَمَّوْهُ الْوَلِيدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ جَعَلْتُمْ تُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ فَرَاعِنَتِكُمْ، إنه سيكون في هذه
__________
[1] في التيمورية «أم سليم» .

(6/241)


الْأُمَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْوَلِيدُ، هُوَ أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ فِرْعَوْنَ عَلَى قَوْمِهِ قَالَ أبو عمر الْأَوْزَاعِيُّ: فَكَانَ النَّاسُ يُرُونَ أَنَّهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ رَأَيْنَا أَنَّهُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ، لِفِتْنَةِ النَّاسِ بِهِ، حَتَّى خَرَجُوا عَلَيْهِ فقتلوه، وانفتحت على الأمة الفتنة وَالْهَرْجُ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، وَغَيْرِهِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ التَّنُوخِيِّ عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ وَقَدْ رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ، وَعِنْدَهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنِ اسْتُخْلِفَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ، فَهُوَ هُوَ، وَإِلَّا فَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حماد: ثنا هشيم عن أبى حمزة عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيَكُونُ رَجُلٌ اسْمُهُ الْوَلِيدُ، يسد به ركن من أركان جهنم وزاوية مِنْ زَوَايَاهَا وَهَذَا مُرْسَلٌ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، اتَّخَذُوا دِينَ اللَّهِ دَغَلًا، وَعِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا، وَمَالَ اللَّهِ دُوَلًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ، وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبْدُ الْقُدُّوسِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا بَلَغَتْ بَنُو أُمَيَّةَ أَرْبَعِينَ، اتَّخَذُوا عِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا، وَمَالَ اللَّهِ نُحْلًا، وَكِتَابَ اللَّهِ دَغَلًا وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ وَبَيْنَ أَبِي ذَرٍّ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: أَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا اتَّخَذُوا دِينَ اللَّهِ دَغَلًا، وَمَالَ اللَّهِ دُوَلًا، وَعِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ بِهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثَنَا بسام- وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ-، ثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ أن ابن وهب أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ فَكَلَّمَهُ فِي حَاجَتِهِ فقال: اقض حاجتي يا أمير المؤمنين، فو الله إِنَّ مُؤْنَتِي لَعَظِيمَةٌ، وَإِنِّي لَأَبُو عَشَرَةٍ، وَعَمُّ عَشَرَةٍ، وَأَخُو عَشَرَةٍ، فَلَمَّا أَدَبَرَ مَرْوَانُ- وَابْنُ عَبَّاسٍ جَالِسٌ مَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى السَّرِيرِ- قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنْشُدُكَ باللَّه يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا بَلَغَ بَنُو الْحَكَمِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا اتَّخَذُوا مَالَ اللَّهِ بَيْنَهُمْ دُوَلًا، وَعِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا، وَكِتَابَ اللَّهِ دَغَلًا؟ فَإِذَا بَلَغُوا سَبْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعَمِائَةٍ، كَانَ هَلَاكُهُمْ أَسْرَعَ مِنْ لَوْكِ ثمرة؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّهمّ نَعَمْ، قَالَ: وَذَكَرَ مَرْوَانُ حَاجَةً لَهُ فَرَدَّ مَرْوَانُ عَبْدَ الْمَلِكِ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَكَلَّمَهُ فِيهَا، فَلَمَّا أَدْبَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ مُعَاوِيَةُ:
أَنْشُدُكَ باللَّه يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ هَذَا فَقَالَ: أَبُو الْجَبَابِرَةِ الْأَرْبَعَةِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّهمّ نَعَمْ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ، وَابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ وَقَدْ قَالَ

(6/242)


أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ: ثَنَا مسلم بن إبراهيم، ثنا سعد بْنُ زَيْدٍ، أَخُو حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: جَاءَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ يَسْتَأْذِنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَفَ كَلَامَهُ فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ، حَيَّةٌ، أَوْ وَلَدُ حَيَّةٍ، عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَعَلَى مَنْ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ إلا المؤمنين، وقليل ما هم، ليترفون في الدنيا ويوضعون في الآخرة، ذو ومكر وخديعة، يعطون فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ قَالَ الدَّارِمِيِّ: أَبُو الْحَسَنِ هَذَا حِمْصِيٌّ، وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْوَانَ الْمَرْوَانِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ لَمَّا وُلِدَ دَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَدْعُوَ لَهُ، فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ ثُمَّ قَالَ: ابْنُ الزَّرْقَاءِ، هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْهِ وَيَدِي ذُرِّيَّتِهِ وَهَذَا حَدِيثٌ مرسل.
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ جُمْلَةً مِنْ جُمْلَةٍ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى مُدَّةِ دَوْلَتِهِمْ
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أبو محمد الزرقيّ، ثَنَا الزَّنْجِيُّ- يَعْنِي مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ- عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَنِي الْحَكَمِ- أَوْ بَنِي أَبِي الْعَاصِ- يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِي كَمَا تَنْزُو الْقِرَدَةُ، قَالَ: فَمَا رآني رسول الله مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى تُوُفِّيَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنى أمية على منابرهم فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ: إِنَّمَا هِيَ دُنْيَا أُعْطُوهَا، فَقَرَّتْ به عَيْنُهُ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ 17: 60 يَعْنِي بَلَاءً لِلنَّاسِ. عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ضَعِيفٌ، وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ- هُوَ الحدائى- ثَنَا يُوسُفُ بْنُ مَازِنٍ الرَّاسِبِيُّ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ مَا بَايَعَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تُؤَنِّبْنِي رَحِمَكَ اللَّهَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بَنِي أُمَيَّةَ يَخْطُبُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ رَجُلًا رَجُلًا، فساءه ذلك فنزلت إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 108: 1- يَعْنِي نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ- وَنَزَلَتْ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ 97: 1- 3 يملكه بَنُو أُمَيَّةَ قَالَ الْقَاسِمُ: فَحَسْبُنَا ذَلِكَ فَإِذَا هُوَ أَلْفُ شَهْرٍ لَا يَزِيدُ يَوْمًا وَلَا ينقص يوما وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرِكِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، كُلُّهُمْ من حديث القاسم بن الفضل الحذاء، وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ، وَيُقَالُ: يُوسُفُ بْنُ مَازِنٍ الرَّاسِبِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جَرِيرٍ عِيسَى بْنُ مَازِنٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهُوَ رَجُلٌ مجهول، وهذا الحديث لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَقَوْلُهُ: إِنَّ يُوسُفَ هَذَا مَجْهُولٌ، مُشْكِلٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مَجْهُولُ الْحَالِ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هُوَ مَشْهُورٌ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: هُوَ ثِقَةٌ، فَارْتَفَعَتِ الْجَهَالَةُ عَنْهُ مُطْلَقًا،

(6/243)


قلت: ولكن في شهوده قصة الْحَسَنِ وَمُعَاوِيَةَ نَظَرٌ، وَقَدْ يَكُونُ أَرْسَلَهَا عَمَّنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ سَأَلْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّهُ حَسَبَ دَوْلَةَ بَنِي أُمَيَّةَ فَوَجَدَهَا أَلِفَ شَهْرٍ، لَا تَزِيدُ يَوْمًا وَلَا تَنْقُصُهُ، فَهُوَ غريب جدا، وفيه نظر، وكذلك لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِدْخَالُ دَوْلَةِ عُثْمَانَ بْنِ عفان رضى الله عنه، وكانت ثنتا عَشْرَةَ سَنَةً، فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، لَا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّهَا مَمْدُوحَةٌ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ الَّذِينَ قَضَوْا بِالْحَقِّ وَبِهِ كَانُوا يَعْدِلُونَ وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا سِيقَ لِذَمِّ دَوْلَتِهِمْ، وَفِي دَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الذَّمِّ نَظَرٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرِ الَّتِي هِيَ دَوْلَتُهُمْ، وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ خَيِّرَةٌ، عَظِيمَةُ الْمِقْدَارِ وَالْبَرَكَةِ، كَمَا وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَمَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْضِيلِهَا عَلَى دَوْلَتِهِمْ ذَمُّ دَوْلَتِهِمْ، فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ دَقِيقٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا سِيقَ لِذَمِّ أَيَّامِهِمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنَّ ابْتِدَاءَ دَوْلَتِهِمْ مُنْذُ وَلِيَ مُعَاوِيَةُ حِينَ تَسَلَّمَهَا مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، أَوْ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ عَامُ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ هَذَا فِي هَذَا الْعَامِ، وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ فِي أَيْدِي بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ إِلَى سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، حَتَّى انْتَقَلَ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ ثَنَتَانِ وَتِسْعُونَ سَنَةً، وَهَذَا لَا يُطَابِقُ أَلْفَ شَهْرٍ، لِأَنَّ مُعَدَّلَ أَلْفِ شَهْرٍ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُخْرِجُ مِنْهَا وِلَايَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَكَانَتْ تِسْعَ سِنِينَ، فَحِينَئِذٍ يَبْقَى ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ خَرَجَتْ وِلَايَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَا بَقِيَ مُطَابِقًا لِأَلْفِ شَهْرٍ تَحْدِيدًا، بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ يَوْمًا وَلَا يَزِيدُهُ، كَمَا قَالَهُ، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ تَقْرِيبًا، هَذَا وَجْهٌ، الثَّانِي أَنَّ وِلَايَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ كَانَتْ بِالْحِجَازِ وَالْأَهْوَازِ وَالْعِرَاقِ في بعض أيامه، وفي مصرفى قَوْلٍ، وَلَمْ تَنْسَلِبْ يَدُ بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الشَّامِ أَصْلًا، وَلَا زَالَتْ دَوْلَتُهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ فِي ذَلِكَ الْحِينِ، الثَّالِثُ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي دُخُولَ دَوْلَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي حِسَابِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ أَنْ تَكُونَ دَوْلَتُهُ مَذْمُومَةً، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةٍ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، حَتَّى قَرَنُوا أَيَّامَهُ تَابِعَةً لِأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ، وحتى اختلفوا في أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ هُوَ أَوْ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَحَدِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا أَرَى قَوْلَ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ حُجَّةً إِلَّا قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَإِذَا عُلِمَ هَذَا، فَإِنْ أَخْرَجَ أَيَّامَهُ مِنْ حِسَابِهِ انْخَرَمَ حِسَابُهُ، وَإِنْ أَدْخَلَهَا فِيهِ مَذْمُومَةً، خَالَفَ الْأَئِمَّةَ، وَهَذَا مَا لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَكَارَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا

(6/244)


سُفْيَانُ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ، سَمِعَ أَبَا الطُّفَيْلِ، سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ مَا لَمْ يَخْتَلِفُوا بَيْنَهُمْ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ حَرْمَلَةَ بن عمران عن سعد بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: الْأَمْرُ لَهُمْ حَتَّى يَقْتُلُوا قَتِيلَهُمْ، وَيَتَنَافَسُوا بَيْنَهُمْ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ عليهم أقواما من المشرق يقتلوهم بددا ويحصروهم عَدَدًا، وَاللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ سَنَةً إِلَّا مَلَكْنَا سَنَتَيْنِ، وَلَا يَمْلِكُونَ سَنَتَيْنِ إِلَّا مَلَكْنَا أَرْبَعًا وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مسلم عن حصين بن الوليد عن الزهري بن الوليد سمعت أم الدرداء سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: إِذَا قُتِلَ الْخَلِيفَةُ الشَّابُّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ مظلوما، ما لَمْ تَزَلْ طَاعَةٌ يُسْتَخَفُّ بِهَا، وَدَمٌ مُسْفُوكٌ بغير حق- يعنى الوليد ابن يَزِيدَ- وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِنَّمَا تُقَالُ عَنْ توقيف.
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَكَانَ ظُهُورُهُمْ مِنْ خُرَاسَانَ بِالرَّايَاتِ السُّودِ، فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ الْمُعَيْطِيِّ عَنْ أَبَانِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيطٍ قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَأَنَا حَاضِرٌ، فَأَجَازَهُ فَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ هَلْ لَكُمْ دَوْلَةٌ؟ فَقَالَ: أَعْفِنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: لَتُخْبِرَنِّي، قَالَ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: فَمَنْ أَنْصَارُكُمْ؟ قَالَ: أَهْلُ خُرَاسَانَ، وَلِبَنِي أُمَيَّةَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ بطحات رواه البيهقي، وقال ابن عدي: سمعت ابن حماد، أنا محمد بن عبده ابن حَرْبٍ، ثَنَا سُوِيدُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَا حَجَّاجُ بْنُ تَمِيمٍ عَنْ مَيْمُونٍ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا مَعَهُ جِبْرِيلُ، وَأَنَا أَظُنُّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ، فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَوَسِخُ الثِّيَابِ وَسَيَلْبَسُ وَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ السَّوَادَ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي ذَهَابِ بَصَرِهِ، ثُمَّ عَوْدِهِ إِلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ حَجَّاجُ بْنُ تَمِيمٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا الْحَاكِمُ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ بالونة فِي آخَرِينَ قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثنا عبيد الله ابن أبى قرة، ثنا الليث بن سعيد عن أبى فضيل عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ مَوْلَى الْعَبَّاسِ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: انْظُرْ هَلْ تَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مَا تَرَى؟ قُلْتُ: الثُّرَيَّا، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَيَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِعَدَدِهَا مِنْ صُلْبِكَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: عُبَيْدُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ بَغْدَادِيٌّ سَمِعَ اللَّيْثَ، لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ فِي قِصَّةِ الْعَبَّاسِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَامِرِيِّ- وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال لِلْعَبَّاسِ: فِيكُمُ النُّبُوَّةُ وَفِيكُمُ الْمَلِكُ وَقَالَ أَبُو بكر بن خَيْثَمَةَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثَنَا سُفْيَانُ عن عمرو ابن دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَمَا فَتَحَ اللَّهُ بِأَوَّلِنَا فَأَرْجُو أَنْ يَخْتِمَهُ بِنَا هَذَا إِسْنَادٌ

(6/245)


جَيِّدٌ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ كَلَامِهِ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَيُّوبَ، ثَنَا الْوَلِيدُ، ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بن حميد عن أبى عتبة عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَنَحْنُ نَقُولُ: اثنا عشر أميرا واثنا عشر، ثُمَّ هِيَ السَّاعَةُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَحْمَقَكُمْ؟! إِنَّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ، المنصور، والسفاح، والمهدي، يرفعها إِلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَهَذَا أَيْضًا مَوْقُوفٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: مِنَّا السَّفَّاحُ، وَالْمَنْصُورُ، وَالْمَهْدَيُّ. وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، وَالضَّحَّاكُ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا عَلَى الصَّحِيحِ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ بن أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُقْتُلُ عِنْدَ كيركم هَذِهِ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ وَلَدُ خَلِيفَةٍ، لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تُقْبَلُ الرَّايَاتُ السُّودُ من خراسان فيقتلونهم مَقْتَلَةً لَمْ يَرَوْا مِثْلَهَا، ثُمَّ يَجِيءُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ فَأْتُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ السُّلَمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أسماء مَوْقُوفًا ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، ثَنَا كَثِيرُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَقْبَلَتِ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ عَقِبِ خُرَاسَانَ فَأْتُوهَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاهِرٍ الرَّازِيُّ، ثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إبراهيم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِتْيَةً من بنى هاشم، فاغر ورقت عَيْنَاهُ، وَذَكَرَ الرَّايَاتِ، قَالَ: فَمَنْ أَدْرَكَهَا فَلْيَأْتِهَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ الْحَكَمِ إِلَّا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَلَا نَعْلَمُ يُرْوَى إِلَّا مِنْ حَدِيثِ دَاهِرِ بْنِ يَحْيَى، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَبُو هِشَامٍ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رِفَاعَةَ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ ابن عَيَّاشٍ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ- هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ- قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَجِيءُ رَايَاتٌ سُودٌ مِنْ قبل المشرق، تخوض الخيل الدم إلى أن يظهروا الْعَدْلَ وَيَطْلُبُونَ الْعَدْلَ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، فَيَظْهَرُونَ فَيُطْلَبُ مِنْهُمُ الْعَدْلُ فَلَا يُعْطُونَهُ وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: ثنا رشد بْنُ سَعْدٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ- هُوَ ابْنُ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيُّ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ لَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ حَتَّى تنصب

(6/246)


بإيليا وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله ابن مسعود عن رشد بن سعد، وقال البيهقي: تفرد به رشد بْنُ سَعْدٍ، وَقَدْ رُوِيَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَلَعَلَّهُ أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ: حدثنا محمد عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: تَظْهَرُ رَايَاتٌ سُودٌ لِبَنِي الْعَبَّاسِ حَتَّى يَنْزِلُوا بِالشَّامِ، وَيَقْتُلُ اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ كُلَّ جَبَّارٍ وَكُلَّ عَدُوٍّ لَهُمْ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ عِنْدَ انْقِطَاعٍ مِنَ الزَّمَانِ، وَظُهُورٍ مِنَ الْفِتَنِ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ السفاح، فيكون إعطاؤه المال حثوا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَحْمَدَ بن عبد الصمد عن أبى عوانة عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقَالُ لَهُ السَّفَّاحُ، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ أَهْلِ السُّنَنِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ فِي خُرُوجِ الرَّايَاتِ السُّودِ مِنْ خُرَاسَانَ وَفِي وِلَايَةِ السَّفَّاحِ وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمَطْلَبِ، وَقَدْ وَقَعَتْ وِلَايَتُهُ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ بِأَعْوَانِهِ وَمَعَهُمُ الرَّايَاتُ السُّودُ، وَشِعَارُهُمُ السَّوَادُ، كَمَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ وَفَوْقَهُ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، ثُمَّ بَعَثَ عَمَّهُ عَبْدَ اللَّهِ لِقِتَالِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَكَسَرَهُمْ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَهَرَبَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ آخِرُ خُلَفَائِهِمْ، وَهُوَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ وَيُلَقَّبُ بِمَرْوَانَ الْحِمَارِ، وَيُقَالُ لَهُ مَرْوَانُ الْجَعْدِيُّ، لِاشْتِغَالِهِ عَلَى الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ فِيمَا قِيلَ، وَدَخَلَ عَمُّهُ دِمَشْقَ وَاسْتَحْوَذَ عَلَى مَا كَانَ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الْمُلِكِ وَالْأَمْلَاكِ وَالْأَمْوَالِ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ كَثِيرَةٌ سَنُورِدُهَا مُفَصَّلَةً فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ وَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ فِي ذِكْرِ الرَّايَاتِ السُّودِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَقَدِ اسْتَقْصَى ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِهِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ أَمْرُهَا بَعْدُ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، كَمَا سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ الدُّنْيَا لِلُكَعِ بْنِ لَكْعِ، قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: هُوَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ- يَعْنِي الَّذِي أَقَامَ دَوْلَةَ بَنِي الْعَبَّاسِ- وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ تَحَوَّلَتِ الدَّوْلَةُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ أَوَّلَ قَائِمٍ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّفَّاحُ، ثُمَّ أَخُوهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ الْمَنْصُورُ بَانِي مدينة السلام، ثم من بعده ابْنُهُ الْمَهْدِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ ابْنُهُ الْهَادِي، ثُمَّ ابْنُهُ الْآخَرُ هَارُونُ الرَّشِيدُ، ثُمَّ انْتَشَرَتِ الْخِلَافَةُ فِي ذُرِّيَّتِهِ عَلَى مَا سَنُفَصِّلُهُ إِذَا وَصَلْنَا إِلَى تِلْكَ الْأَيَّامَ وَقَدْ نَطَقَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا آنِفًا بِالسَّفَّاحِ وَالْمَنْصُورِ وَالْمَهْدِيِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَهْدِيَّ الَّذِي هُوَ ابْنُ الْمَنْصُورِ ثَالِثُ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، لَيْسَ هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي وَرَدَتِ الأحاديث المستفيضة

(6/247)


بِذِكْرِهِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، وَقَدْ أَفْرَدْنَا لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ جُزْءًا عَلَى حِدَةٍ، كَمَا أَفْرَدَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ كِتَابًا فِي سُنَنِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ آنِفًا أَنَّهُ يُسَلِّمُ الْخِلَافَةَ إِلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ إِذَا نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا السَّفَّاحُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي بُويِعَ أَوَّلَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ فَقَدْ يَكُونُ خَلِيفَةً آخَرَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو المعافري من قدوم الحميري سمع نفيع بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: يَعِيشُ السَّفَّاحُ أَرْبَعِينَ سَنَةً اسْمُهُ فِي التَّوْرَاةِ طَائِرُ السَّمَاءِ قُلْتُ: وَقَدْ تَكُونُ صِفَةً لِلْمَهْدِيِّ الَّذِي يَظْهَرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لِكَثْرَةِ مَا يَسْفَحُ أَيْ يُرِيقُ مِنَ الدماء لإقامة العدل، ونشر القمط، وَتَكُونُ الرَّايَاتُ السُّودُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِنْ صَحَّتْ هِيَ الَّتِي تَكُونُ مَعَ الْمَهْدِيِّ، وَيَكُونُ أَوَّلُ ظُهُورِ بَيْعَتِهِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ تَكُونُ أَنْصَارُهُ مِنْ خُرَاسَانَ، كَمَا وَقَعَ قَدِيمًا لِلسَّفَّاحِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَإِلَّا فَلَا يَخْلُو سَنَدٌ مِنْهَا عَنْ كَلَامٍ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بالصواب.
ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ
وَلَيْسُوا بِالِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إِمَامَتَهُمُ الرَّافِضَةُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ لَمْ يَلِ أُمُورَ النَّاسِ مِنْهُمْ إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُهُ الْحَسَنُ، وَآخِرُهُمْ فِي زعمهم المهدي المنتظر في زعمهم بسرداب سامرا وَلَيْسَ لَهُ وُجُودٌ، وَلَا عَيْنٌ، وَلَا أَثَرٌ، بَلْ هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ، الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَفْسِيرِ الِاثْنَيْ عَشَرَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ إِيرَادِ الْحَدِيثِ.
ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ شعبة، ومسلم مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أسْمَعْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وقال أبو نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ الله ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكُونُ بَعْدِي مِنَ الْخُلَفَاءِ عِدَّةُ أَصْحَابِ مُوسَى وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بن معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يزال هذا الأمر قائما حتى يكون عليهم اثنى عشر خليفة أو أميرا كلهم يجتمع عَلَيْهِمُ الْأُمَّةُ، وَسَمِعْتُ كَلَامًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا يَقُولُ: قَالَ: يَقُولُ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ

(6/248)


مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مُسْتَقِيمًا أَمْرُهَا، ظَاهِرَةً على عدوها، حتى يمضى اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بَيَانُ الْعَدَدِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالْعَدَدِ، وَفِي الثَّالِثَةِ بَيَانُ وُقُوعِ الْهَرْجِ وَهُوَ الْقَتْلُ بَعْدَهُمْ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْعَدَدُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَى وَقْتِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ وَقَعَ الْهَرْجُ وَالْفِتْنَةُ الْعَظِيمَةُ كَمَا أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ مُلْكُ الْعَبَّاسِيَّةِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا يَزِيدُونَ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ، إِذَا تُرِكَتِ الصفة المذكورة فيه أو عد منهم مَنْ كَانَ بَعْدَ الْهَرْجِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ. ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: إن الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَيْ أَقَامُوا مَعَالِمَهُ وَإِنْ قَصَّرُوا هُمْ فِي أَعْمَالِ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَاقَ أَحَادِيثَ بقية مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا الَّذِي سَلَكَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلَفَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُمُ الْمُتَتَابِعُونَ إِلَى زَمَنِ الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق الَّذِي قَدَّمْنَا الْحَدِيثَ فِيهِ بِالذَّمِّ وَالْوَعِيدِ فَإِنَّهُ مَسْلَكٌ فِيهِ نَظَرٌ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ إلى زمن الوليد بن اليزيد هَذَا أَكْثَرُ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ عَلَى كُلِّ تقدير، وَبُرْهَانُهُ أَنَّ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيُّ، خِلَافَتُهُمْ مُحَقَّقَةٌ بِنَصِّ حَدِيثِ سَفِينَةَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ بَعْدَهُمُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ كَمَا وَقَعَ، لِأَنَّ عَلِيًّا أَوْصَى إِلَيْهِ، وَبَايَعَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَرَكِبَ وَرَكِبُوا مَعَهُ لِقِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ حَتَّى اصْطَلَحَ هُوَ وَمُعَاوِيَةُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ ابْنُهُ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ ابْنُهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ، ثُمَّ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، ثُمَّ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، ثُمَّ ابْنُهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلَكِ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلَكِ، ثُمَّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلَكِ، فَهَؤُلَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَإِنِ اعْتَبَرْنَا وِلَايَةَ الزُّبَيْرِ قَبْلَ عَبْدِ الْمَلِكِ صَارُوا سِتَّةَ عَشَرَ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُمُ اثْنَا عَشَرَ قَبْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَهَذَا الَّذِي سَلَكَهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُدْخِلُ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَيُخْرِجُ مِنْهُمْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، الَّذِي أَطْبَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى شُكْرِهِ وَعَلَى مَدْحِهِ، وَعَدُّوهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَأَجْمَعَ النَّاسُ قَاطِبَةً عَلَى عَدْلِهِ، وَأَنَّ أَيَّامَهُ كَانَتْ من أعدل الأيام حتى الرَّافِضَةَ يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا لَا أعتبر إِلَّا مَنِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ لَا يَعُدَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَلَا ابْنَهُ، لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يجتمعوا عليهما،

(6/249)


وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ بِكَمَالِهِمْ لَمْ يُبَايِعُوهُمَا، وعد حبيب مُعَاوِيَةَ وَابْنَهُ يَزِيدَ وَابْنَ ابْنِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ يزيد ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير، كأن الْأُمَّةَ لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَعَلَى هَذَا نَقُولُ فِي مَسْلَكِهِ هَذَا عَادًّا لِلْخُلَفَاءِ أبى بكر وعمر وعثمان ثم معاوية ثم يزيد بن معاوية ثم عبد الملك ثم الوليد بن سُلَيْمَانُ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثُمَّ يزيد ثم هشام فهؤلاء عشرة، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْفَاسِقُ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْلَكَ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إِخْرَاجُ عَلِيٍّ وَابْنِهِ الْحَسَنِ مِنْ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ بَلْ وَالشِّيعَةِ، ثُمَّ هُوَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ نَصًّا حَدِيثُ سَفِينَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا وَقَدْ ذَكَرَ سَفِينَةُ تَفْصِيلُ هَذِهِ الثَّلَاثِينَ سَنَةً فَجَمَعَهَا مِنْ خِلَافَةِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا دُخُولَ خِلَافَةِ الْحَسَنِ وَكَانَتْ نَحْوًا مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِيهَا أَيْضًا، ثُمَّ صَارَ الْمُلْكُ إِلَى مُعَاوِيَةَ لَمَّا سَلَّمَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ تَسْمِيَةِ مُعَاوِيَةَ خَلِيفَةً، وَبَيَانُ أَنَّ الْخِلَافَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ سَنَةً لَا مُطْلَقًا، بَلِ انْقَطَعَ تَتَابُعُهَا، وَلَا يَنْفِي وُجُودَ خُلَفَاءَ رَاشِدِينَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَقَالَ نعيم بن حماد:
حدثنا راشد بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: يَكُونُ بَعْدَ عُثْمَانَ اثْنَا عَشَرَ مَلِكًا مَنْ بَنِي أُمَيَّةَ، قِيلَ لَهُ: خُلَفَاءُ؟ قَالَ: لَا بَلْ مُلُوكٌ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حديث حاتم بن صفرة عَنْ أَبِي بَحْرٍ قَالَ: كَانَ أَبُو الْجَلْدِ جَارًا لِي، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَنْ تَهْلِكَ حَتَّى يَكُونَ فِيهَا اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ يَعْمَلُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، مِنْهُمْ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، أَحَدُهُمَا يَعِيشُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَالْآخِرُ ثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ شَرَعَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رَدِّ مَا قَالَهُ أَبُو الْجَلْدِ بِمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ الرَّدُّ، وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ، وَقَدْ وَافَقَ أَبَا الْجَلْدِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ أَرْجَحُ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ كَانَ يَنْظُرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفِي التَّوْرَاةِ الَّتِي بِأَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْمَاعِيلَ، وَأَنَّهُ يُنَمِّيهِ وَيُكَثِّرُهُ وَيَجْعَلُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ اثَّنَى عَشَرَ عَظِيمًا قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَبُو العباس بن تيمية: وهؤلاء الْمُبَشَّرُ بِهِمْ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَقَرَّرَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مُفَرَّقِينَ فِي الْأُمَّةِ، وَلَا تقوم الساعة حتى يوجدوا، وَغَلِطَ كَثِيرٌ مِمَّنْ تَشَرَّفَ بِالْإِسْلَامِ مِنَ الْيَهُودِ فَظَنُّوا أَنَّهُمُ الَّذِينَ تَدْعُو إِلَيْهِمْ فِرْقَةُ الرَّافِضَةِ فَاتَّبَعُوهُمْ وَقَدْ قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عن أبى زياد عن كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَهَبَ لِإِسْمَاعِيلَ مِنْ صلبه اثنى عشر قيما، أفضلهم أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَقَالَ نُعَيْمٌ: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ:
لَيْسَ مِنَ الْخُلَفَاءِ مَنْ لم يملك المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى.