فتوح الشام
ذكر فتح الرستن
قال الواقدي: وسار الأمير أبو عبيدة بالعسكر حتى نزل على الرستن فرآها
حصنا منيعا وماؤها غزير وهي مشحونة بالرجال والعدد العديد فبعث إليهم
رسولا يأمرهم أن يكونوا في ذمته فأبوا ذلك وقالوا: لا نفعل حتى نرى ما
يكون من أمركم مع الملك هرقل وبعد ذلك يكون ما شاء الله تعالى فقال
الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه فانا متوجهون إلى قتال الملك هرقل ومعنا
رجال وامتعة وقد أثقلتنا واشتهينا أن نودعها عندكم إلى وقت رجوعنا قال
فأتى أهل الرستن إلى بطريقهم وكان اسمه نقيطاس وشاوروه في ذلك فقال: يا
قوم ما زالت الملوك والعساكر يودع بعضهم بعضا وما يضرنا ذلك.
(1/137)
ثم بعث إلى
الأمير أبي عبيدة يقول له: مهما كان لك من حاجة فنحن نقضيها ونريد منكم
المراعاة لاهل سوادنا حتى نرى ما يكون من امركم مع الملك هرقل فقال
الأمير أبو عبيدة ونحن نفعل أن شاء الله تعالى.
قال الواقدي: عن ثابت بن قيس بن علقمة قال كنت ممن حضر عند ابي عبيدة
رضي الله عنه فعند ذلك دعا أهل الرأي والمشورة من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال لهم: أن هذا حصن شديد منيع ليس لنا إلى فتحه سبيل
إلا بالحيلة والخديعة وأريد أن أجعل منكم عشرين رجلا في عشرين صندوقا
وتكون الأقفال عندهم من باطنها فإذا صاروا في المدينة فثوروا على اسم
الله تعالى فانكم تنصرون على من فيها من المشركين فقال خالد بن الوليد:
فإذا عزمت على ذلك فلتكن الأقفال ظاهرة ويكون اسفل الصناديق انثى في
ذكر من غير شيء يمسكها فإذا حل أصحابنا في حصن من هؤلاء القوم يخرجون
جملة واحدة ويكبرون فإن النصر مقرون بالتكبير فأجابه أبو عبيدة إلى ذلك
وأخذ صناديق الطعام المنتخبة عند الروم ففض أسافلها وجعلها ذكرا في
انثى فأول من دخل في الصناديق ضرار بن الأزور والمسيب أبن نجيبة وذو
الكلاع الحميري وعمرو بن معد يكرب الزبيدي والمرقال وهاشم بن نجعة وقيس
بن هبيرة وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ومالك بن الاشتر وعوف بن سالم
وصابر بن كلكل ومازن بن عامر والأصيد بن سلمة وربيعة بن عامر وعكرمة بن
أبي جهل وعتبة بن العاص ودارم بن فياض العبسي وسلمة بن حبيب والفازع بن
حرملة ونوفل بن جرعل وجندب بن سيف وعبد الله بن جعفر الطيار وجعله
أميرا عليهم وسلموا الصناديق إلى الروم فلما حطت الصناديق في الرستن
القاها نقيطاس في قصر امارته وارتحل الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه
وسار حتى نزل في قرية يقال لها: السودية فلما أظلم الليل بعث خالد بن
الوليد رضي الله عنه بجيش الزحف إلى الرستن ينظر ما يكون من أصحابه وما
فعلت الصحابة رضي الله عنه فسار خالد بن الوليد برجاله حتى وصل القنطرة
وإذا بالصياح قد علا والتهليل والتكبير من داخل مدينة الرستن.
قال الواقدي: كان من أمر الصحابة إنه لما تركهم نقيطاس في دار امارته
ركب إلى البيعة مع بطارقته وأهل مدينته ليصلوا صلاة الشكر لاجل رحيل
المسلمين عنهم وارتفعت اصواتهم بقراءة الإنجيل وسمع اصواتهم أصحاب رسول
الله صلى الله عليهم وسلم فخرجوا من الصناديق وشدوا على أنفسهم وشهروا
سلاحهم وقبضوا على امرأة نقيطاس وحريمه وقالوا: نريد مفاتيح الأبواب
فسلمتها إليهم فلما حصلت المفاتيح في أيديهم رفعوا أصواتهم بالتهليل
والتكبير والصلاة والسلام على البشير النذير وكبس القوم على أبواب
مدينتهم فلم يجسروا عليهم لانهم بدون عدة وسلاح وبعث عبد الله بن جعفر
الطيار
(1/138)
ربيعة بن عامر
والأصيد بن سلمة وعكرمة ابن ابي جهل وعتبة بن العاص والفارع بن حرملة
وسلم إليهم المفاتيح وقال افتحوا الأبواب وارفعوا أصواتكم بالتهليل
اخوانكم المسلمين من حول المدينة كاملون فتبادر الخمسة إلى الباب
القبلي وهو باب حمص وفتحوه ورفعوا اصواتهم بالتهليل والتكبير ودخلوا
المدينة وإذا هم بعسكر الزحف وعلى المقدمة خالد بن الوليد رضي الله عنه
فأجابوهم بالتهليل والتكبير ودخلوا المدينة وسمع أهل الرستن أصوات
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلموا إنهم في قبضتهم وأن مدينتهم
قد أخذت من ايديهم فاستسلموا جميعا وخرجوا إليهم وقالوا: لهم أنا لا
نقاتلكم ونحن الآن اسرى لكم فاعدلوا فينا فأنتم أحب إلينا من قومنا.
قال فعرض خالد بن الوليد رضي الله عنه الإسلام عليهم فأسلم منهم كثير
وبقي الأكثر يؤدون الجزية واما أميرهم نقيطاس فإنه قال: لا أريد بديني
بدلا فقال له خالد بن الوليد: الآن فاخرج باهلك عنا وحدث قومك بعدلنا
فأخرجوه من الرستن فتوجه بأهله وأمواله إلى حمص وأعلم أهلها بفتح
الرستن فصعب ذلك على أهل حمص وعلموا أن العرب تصبحهم أو تمسيهم بالغارة
وبعث عبد الله بن جعفر الطيار إلى أبي عبيدة يخبره بالفتح والنصر فسجد
لله شكرا وبعث إليهم ألف رجل من اليمن ووصاهم بحفظ الرستن وأمر عليهم
هلال بن مرة اليشكري فلما استقروا بالرستن رحل خالد بن الوليد رضي الله
عنه وعبد الله بن جعفر وأهلهم وعساكرهم وتوجهوا إلى حماة وكان أهل حماة
في صلح المسلمين كما ذكرنا وكذلك أهل شيزر إلا أن بطريق أهل شيزر مات
وبعث إليهم الملك هرقل بطريقا عاتيا جبارا اسمه نكس ففسخ الصلح وأذاق
أهل شيزر ضرا وشرا وكان يصادرهم ويأخذ أموالهم ويحتجب عنهم لاهيا في
أكله وشربه فلما بلغ الخبر الأمير أبا عبيدة بعث خيلا جريدة إلى شيزر
فغارت الخيل على بلدهم ووقعت الضجة بشيزر وسمع البطريق نكس الضجة فنزل
إليهم من قلعته واظهر لهم بعض حجابه وجلس في بيعتهم المعظمة عندهم وجمع
الرؤساء منهم وقال لهم: يا أهل شيزر أنتم تعلمون أن الملك هرقل قد
استخلفني عليكم أحفظ مدينتكم وامنع عن حريمكم وأموالكم ثم فتح خزانة
السلاح وفرق عليهم العدد وامرهم بالحرب والقتال فبينما القوم كذلك إذ
أشرف عليهم خالد بن الوليد في أصحابه ومعه جيش الزحف فنزلوا بأزائهم
واشرف بعده يزيد بن أبي سفيان بأصحابه فنزل عليهم واشرف بعد الأمير أبو
عبيدة في عساكره جميعهم فلما نظر أهل شيزر تلاحق العساكر بهم هالهم ذلك
وعظم عليهم وحارت أبصارهم.
قال الواقدي: فلما نظر أبو عبيدة رضي الله عنه كتب إلى أهل شيزر كتابا
يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا أهل شيزر فإن حصنكم ليس
بأمنع من حصن
(1/139)
بعلبك ولا من
الرستن ولا رجالكم أشجع فإذا قرأتم كتابي هذا فادخلوا في طاعتي ولا
تخالفوني فيكون وبالا عليكم وقد بلغكم عدلنا وحسن سيرتنا فكونوا مثل
سائر من صالحنا ودخل في طاعتنا من سائر بلاد الشام والسلام وطوى الكتاب
وسلمه إلى رجل من المعاهدين وبعثه إليهم فلما وصل الكتاب إليهم أعطوه
بطريقهم نكس فقرىء عليه فلما فهم ما فيه قال: ما تقولون يا أهل شيزر
فيما ذكرت العرب فقالوا: صدقت العرب أيها البطريق الكبير فإن حصننا ليس
بأمنع من الرستن ولا بعلبك ولا دمشق ولا بصرى وأنت اعلم شدة أهل حمص
وحدة شجاعتهم وقد صالحوا العرب وكذلك أهل فلسطين ومدنها والأردن وحصنها
فكيف تمنع عنهم شيزر وهي حصن لطيف فإن عصيت هؤلاء العرب فانك معول على
هلاكنا وخراب مدينتنا.
قال الواقدي: وكثر فيهم الخطاب وعلا الكلام واقبل البطريق نكس بسبب أهل
شيزر وامر غلمانه بضربهم فلما نظر أهل شيزر ذلك غضبوا واظهروا سلاحهم
عليه وعلى غلمانه ووقع القتال بين الفريقين فعرف المسلمون ذلك وقالوا:
اللهم اهلكهم ببأسهم ولم يزل أهل شيزر في القتال حتى نصروا على البطريق
وعلى غلمانه وقتلوهم عن آخرهم ثم اخرجوا إلى الأمير أبي عبيدة رضي الله
عنه رجالا إلى لقائه بغير سلاح فلما وقفوا بين يدي الأمير أبي عبيدة
سلموا عليه وقالوا: أيها الأمير أنا قتلنا بطريقنا في محبتكم قال: يا
أهل شيزر بيض الله وجوهكم وادر رزقكم فقد كفيتمونا الحرب والقتال ثم
قال للمسلمين إلا ترون إلى حسن طاعة هؤلاء الروم وفعالهم ببطريقهم في
محبتكم والدخول في طاعتكم وقد رأيت من الرأي أن أحسن إلى القوم وانعم
عليهم فقال المسلمون: نعم ما رأيت حتى يصل ما تصنع إلى غيرهم ويفتح
الله علينا البلاد أن شاء الله تعالى.
قال الواقدي: فأقبل على أهل شيزر وقال أبشروا فاني لست اكره أحدا منكم
فمن أحب منكم الدخول في ديننا فله ما لنا وعليه ما علينا والخراج موضوع
عنكم سنتين ومن اقام على دينه فعليه الجزية وقد وضعنا عنه الخراج سنة
كاملة ففرح الروم بذلك وقالوا: أيها الأمير سمعنا واطعنا وهذا قصر
بطريقنا فأنت أحق بما فيه وهو هدية منا إليك فدونك وإياه وما فيه من
الرجال والآنية والأموال فأخرج أبو عبيدة رضي الله عنه منها الخمس وقسم
الباقي على المسلمين بالسوية ونادى أبو عبيدة رضي الله عنه يا معاشر
المسلمين قد فتح الله على ايديكم هذه المدينة ايسر فتح واهونه وقد خرج
أهل حمص من ذمتكم ووفيتم لهم ما عاهدوكم عليه فارجعوا بنا عليهم رحمكم
الله تعالى قال الواقدي: فركب المسلمون ظهور خيولهم وهموا بالمسير واذ
قد لاح لهم غبرة مرتفعة من وراء النهر المقلوب وهي منقلبة من طريق
انطاكية وقد أخذت عرضا فاسرعت
(1/140)
خيل المسلمين
إليها فإذا معها قسيس كبير من قسوس الروم ومعه مائة برذون موسوقة
بالأحمال ومن حولها مائة علج من علوج الروم يحفظونها.
قال الواقدي: ولم يكن للقسيس خبر بنزول المسلمين على شيزر فصاح بهم
خالد بن الوليد رضي الله عنه وكبر المسلمون معه واحدقوا بهم من كل جانب
وأخذوا العلوج اسرى وأخذوا البراذين واقبل خالد على القسيس وقال له: يا
ويلك من اين اقبلت بهذه الأحمال قال فرطن القسيس بالرومية فلم يدر خالد
ما يقول: هذا القسيس الميشوم فبدا إليه رجل من أهل شيزر وقال: يا أيها
الأمير إنه يذكر إنه من القسوس المعظمة عند الملك هرقل وقد بعثه وبعث
معه إلى هربيس هذه الأحمال فيها ديباج أحمر منسوج بقضبان الذهب وعشرة
أحمال مملوءة دنانير وباقي الأحمال مملوءة من الثياب والدنانير فأخذوها
واخرجوا منها مالا عظيما وغنم المسلمون غنيمة غظيمة لم يغنموا مثلها
وساق خالد بن الوليد الأحمال إلى الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه فوجده
على النهر المقلوب مما يلي شيزر وتحته عباءة قطوانية وعلى رأسه مثلها
تظله من حر الشمس فأقبل خالد بن الوليد رضي الله عنه بالقسيس فأوقفه
بين يديه فقال أبو عبيدة: ما هذا يا أبا سليمان فقال خالد: إنهم قوم من
انطاكية ومعهم هدية لهربيس صاحب حمص من ملك الروم هرقل.
قال الواقدي: وعرض عليه الغنيمة ففرح الأمير أبو عبيدة بها فرحا شديدا
وقال: يا أبا سليمان لقد كان فتح شيزر علينا مباركا ثم دعا بترجمان كان
معه لا يفارقه وقال اسال هؤلاء عن ملك الروم الطاغية هرقل هل هو في جمع
كثير أم لا فكلم الترجمان القسيس ساعة فقال القسيس قل للامير: أن الملك
هرقل قد بلغه إنكم فتحتم دمشق وبعلبك وجوسية وأنكم لم تنزلوا على حمص
فبعث معي هذه الهدية إلى هربيس البطريق وكتب إليه يأمره بقتالكم ويعده
بالنجدة وقدوم العساكر إليه لأن الملك هرقل قد استنجد عليكم كل من يعبد
الصليب ويقرأ الإنجيل فأجابته الرومية والصقالبة والافرنج والأرمن
والدقس والمغليط والكرج واليونان والعلف والغزنة وأهل رومية وكل من
يحمل صليبا والعساكر قد وصلت إلى الملك هرقل من كل جانب ومكان قال فحدث
الترجمان الأمير أبا عبيدة رضي الله عنه بكل ما أعلمه القسيس به فعظم
ذلك على الأمير أبي عبيدة وعرض على القسيس الإسلام فقال القسيس
للترجمان قل للامير: أبي عبيدة إني البارحة رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم في المنام وقد أسلمت على يديه ففرح الأمير أبو عبيدة بذلك
وعرض على الأعلاج الإسلام فأبوا ذلك فضربت رقابهم ورحل أبو عبيدة رضي
الله عنه متوجها إلى حمص وقد سير الخيل جريدة في مقدمته فما يشعر أهل
حمص إلا والخيل قد أغارت عليهم فرجع القوم إلى المدينة وقد غلقوا
الأبواب وقالوا: غدرت
(1/141)
العرب وحق
المسيح قال: ونزل المسلمون حول حمص وداروا بها من كل جانب ومكان وقد
نفذ الزاد من المدينة واكثر اهلها قد خرجوا إلى تجارتهم وفي طلب الميرة
وقد تفرقوا في البلاد فلما نزل الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه على حمص
دعا بالعبيد والموالي وأمرهم أن يتفرقوا على الطرقات والمحارس وقال
لهم: كل من وجدتموه قد رجع إلى حمص بزاد أو تجارة فاتوني به ففعل
العبيد ذلك وصعب على هربيس صاحب حمص وكتب إلى الأمير أبي عبيدة كتابا
يقول فيه: أما بعد يا معاشر العرب فانا لم نخبر عنكم بالغدر ولا بنقض
العهد ألستم صالحتمونا على الميرة فمرناكم فطلبتم منا البيع فابتعناكم
فلم نقضتم ما عاهدناكم عليه فكتب الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه يقول:
أريد أن ترسل إلى القسوس والرهبان الذين أرسلتهم الي حتى أوقفهم على ما
عاهدتهم عليه ليعلموك أننا لم نغدر ولا مثلنا من يفعل ذلك أن شاء الله
تعلى فلما قرأ هربيس الكتاب أحضر القسوس والرهبان وبعث بهم إلى الأمير
أبي عبيدة فخرجوا إليه وفتح لهم باب حمص وساروا إلى أن وصلوا للأمير
ابي عبيدة فسلموا عليه وجلسوا بين يديه فقال لهم أبو عبيدة رضي الله
عنه: ألم تعلموا إني عاهدتكم وحلفت لكم إني منصرف عنكم حتى افتح مدينة
من مدائن الشام سهلا كان أو جبلا ثم يكون الرأي لي أن شئت رجعت إليكم
او سرت إلى غيركم فقالوا: بلى وحق المسيح فقال لهم: أن الله تعالى قد
فتح علينا شيزر والرستن في اهون وقت وقد غنمنا الله مال بطريقهم نكس
وغيره مما لم نؤمله في هذه المدة اليسيرة والآن فلا عهد لكم عندنا ولا
صلح إلا أن تصالحونا على فتح المدينة وتكونوا في ذمتنا وأمانتنا فقال
القسوس والرهبان لقد صدقت أيها الأمير ليس عليكم لوم وقد وفيتم بذمتكم
وقد بلغنا فتحكم شيزر والرستن والخطا كان منا إذ نستوثق لأنفسنا والآن
الأمر بيد بطريقنا ونحن نرجع إليه ونعلمه بذلك ثم رجعوا إلى مدينتهم
ودعا الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه بالرجال والأبطال وأهل الحرب وقال
خذوا أهبتكم فإن القوم بلا زاد ولا مدد يأتي إليهم من عند طاغيتهم ولا
نجدة فاستعينوا بالله وتوكلوا على الله.
فلبس المسلمون السلاح والعدد ورجعوا إلى الأبواب والاسوار واجتمع أهل
أحمص ببطريقهم هربيس وقالوا: ما عندك من الرأي في أمر هؤلاء العرب فقال
الأمر عندي أن نقاتلهم ولا نريهم منا ضعفا قالوا: فإن الزاد قد نفد من
مدينتنا وقد أخذه القوم منا وما سمعنا بمثل هذه الحيلة فقال هربيس ما
لكم تعجزون عن حرب عدوكم وما قتل منكم قتيل ولا جرح منكم جريح ولم
تصبكم شدة ولا جوع وإنما اصابوا منكم على غرة ولو دخلوا المدينة لما
قدروا عليكم وأقل الرجال على السور يكفيكم إياهم وعندي من الزاد في
قصري ما يعم كثيركم المدة الطويلة وما أحسب أن الملك هرقل يغفل وسيبلغه
خبركم ويوجه العساكر.
(1/142)
قال الواقدي:
وكان عند البطريق هربيس في قصره جب عظيم مملوء طعاما ففتحه وفرق الطعام
على أهل حمص فسكنت بذلك نفوسهم وجعل البطريق يفرق على كبيرهم وصغيرهم
بقية يولمهم ذلك وقد انحصر أهل حمص جميعهم فنفذ ذلك اليوم نصف ما في
الجب وقال لهم: اقنعوا بما أعطيتكم ثلاثة ايام وابرزوا إلى حرب عدوكم
ثم أخذوا أهبة الحرب وعرض عسكره وانتخب منهم خمسة آلاف فارس من أولاد
الزراوزة والعمالقة لا يساويهم غيرهم فيهم ألف مدبجة ملكية وفتح خزانة
جده جرجيس وفرق عليهم الدروع والجواشن والبيض والمغافر والقسى والنشاب
والحراب واقبل يحرضهم على القتال ويوعدهم بالمدد والنجدة من الملك هرقل
ثم دعا بالقسوس والرهبان وقال لهم: خذوا أهبتكم وادعوا المسيح أن
ينصرنا على العرب فإن دعاءكم لا يحجب ولا يرد قال فدخلوا كنيستهم
المعظمة عندهم وهي كنيسة جرجيس وهي الجامع اليوم ونشروا المزأمير وضجوا
بالتهمير واقبلوا يبتهلون بكلمة الكفر وباتوا بقية ليلتهم على مثل ذلك
فلما كان الصباح دخل هربيس إلى البيعة وتقرب وصلوا عليه صلاة الموتى
فدخل قصره وقدم له خنوص مشوي فاكله حتى أتى على آخره وقدم بين يديه
باطية الذهب والفضة فشرب حتى انقلبت عيناه في أم رأسه ثم لبس ديباجا
محشوا بالفرو والزرد الصغار المضعف العدد ولبس فوقها درعا من الذهب
الأحمر وعلق في عنقه صليبا من الياقوت وتقلد بسيف من صنعة الهند وقدم
له مهر كالطود العظيم فاستوى على ظهره وخرج من قصره طالبا باب الرستن
فأحاطت به بطارقته من الروم من كل جانب ومكان وفتحت أبواب حمص وخرجت
الروم من كل جانب ومكان في عددهم وعديدهم وراياتهم وصلبانهم وبين يدي
هربيس خمسة آلاف فارس من علوج الروم وهم بالعدد العديد والزرد النضيد
فصفهم هربيس أمام المدينة كأنهم سد من حديد او قطع الجلمود وقد وطنوا
نفوسهم على الموت دون أموالهم وذراريهم فتبادر المسلمون إليهم مثل
الجراد المنتشر وحملوا عليهم حملة عظيمة والعلوج كأنهم حجارة ثابتة
ماولوا عن مواضعهم ولا فكروا فيما نزل بهم فعندها صاح البطريق هربيس
على رجاله وزجرهم فتبادرت الروم وصاح بعضهم ببعض وركب المسلمون وحملوا
عليهم ورشقوا الرجال بالسهام واشتبكت الحرب واختلط الفريقان واقتتلوا
قتالا شديدا ما عليه من مزيد إلا أن المسلمين رجعوا القهقري وقد فشا
فيهم القتال والجراح.
فلما نظر الأمير أبو عبيدة إلى ذلك من هزيمة المسلمين عظم عليه وكبر
لديه وصاح فيهم بصوته يا بني القرآن الرجعة الرجعة بارك الله فيكم فهذا
يوم من ايام الله تعالى فاحملوا معي بارك الله فيكم فتراجع الناس
وحملوا على أهل حمص حملة عظيمة وشدوا عليهم الحملة وحمل خالد بن الوليد
رضي الله عنه في جمع كثير من بني.
(1/143)
مخزوم وجعلوا
يضربون فيهم بسيوفهم ويطعنون برماحهم حتى طحنوهم طحن الحصيد ووضع
المسلمون فيهم السيف وحمل ابن مسروق العبسي في طائفة من قومه من بني
عبس وقد رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير وصدموا الروم صدمة عظيمة
فتراجعت الروم إلى الاسوار وقد فشا فيهم القتل فبربرت الروم بلغاتها
وتراجعت على المسلمين واحاطوا بهم من كل جانب ومكان ورشقت العلوج
بالنشاب وطعنوا في المسلمين بالحراب وقد استتروا بالدرق والطوارق قال
فلما نظر خالد بن الوليد إلى ذلك برز باللواء وكان هو صاحب اللواء يوم
حمص وصاح خالد بأصحابه وقال شدوا عليهم بالحملة بارك الله فيكم فإنها
والله غنيمة الدنيا والآخرة قال فبينما خالد بن الوليد يحرض أصحابه على
القتال إذ حمل عليه بطريق من عظماء الروم وعليه لامة مانعة وهو يهدر
كالاسد فحمل خالد بن الوليد عليه وضربه على رأسه فوقع سيفه على البيضة
فطار السيف من يد خالد بن الوليد وبقيت قبضته في يده فطمع العلج فيه
وحمل عليه ولاصقه حتى حك ركابه بركاب خالد وتعانقا جميعا بالسواعد
والمناكب فضم خالد العلج إلى صدره واحتضنه بيده وشد عليه بقوته فطحن
أضلاعه وأدخل بعضها في بعض فارداه قتيلا وأخذ خالد سيف العلج وهزه في
يده حتى طار منه الشرر ووضع رأسه في قربوس سرجه وحمل وصاح في بني مخزوم
فحملوا حملة عظيمة وهاجوا في أوساطهم وخالد بن الوليد رضي الله عنه
يفرقهم يمينا وشمالا وهو ينادي برفيع صوته.
أنا الفارس الصنديد أنا خالد بن الوليد صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولم يزالوا في القتال الشديد الذي ما عليه من مزيد حتى توسطت
الشمس في كبد السماء وحمى الدرع على خالد بن الوليد رضي الله عنه فخرج
من المعركة وبنو مخزوم يتقاطرون من خلفه والدم يسيل ملء درعهم وسواعدهم
كأنها شقائق الأرجوان وخالد بن الوليد رضي الله عنه في أوائلهم وهو
يقول:
ويل لجمع الروم من يوم شغب
...
إني رأيت الحرب فيه تلتهب
وكم لقوا منا مواقع النصب
...
وكم تركت الروم في حال العطب
قال فناداه الأمير أبو عبيدة لله درك يا أبا سليمان لله ربك لقد جاهدت
في الله حق جهاده فلما نظر المرقال بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى
غفلة الروم صاح في بني زهرة وحملوا في ميمنة الروم وحمل ميسرة بن مسروق
العبسي في قومه وحمل عكرمة بن أبي جهل وحوله جمع كثير من بني مخزوم
وحمل المسلمون بأجمعهم وقد اطلعوا على الشهادة وأيقنوا بالعناية.
(1/144)
معركة حمص
قال الواقدي: فلم يكن يوم حمص أشد حربا ولا اقوى جلدا من بني مخزوم غير
أن عكرمة بن ابي جهل كان أشدهم بأسا واقداما وهو يقصد الاسنة بنفسه
فقيل له اتق الله وارفق بنفسك فقال: يا قوم أنا كنت اقاتل عن الأصنام
فكيف اليوم وأنا أقاتل في طاعة الملك العلام وإني أرى الحور متشوقات
الي ولو بدت واحدة منهن لاهل الدنيا لاغنتهم عن الشمس والقمر ولقد
صدقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وعدنا ثم سل سيفه وغاص في
الروم ولم يزدد إلا اقداما وقد عجبت الروم من حسن صبره وقتاله فبينما
هو كذلك إذ حمل عليه البطريق هربيس صاحب حمص وبيده حربة عظيمة تضيء
وتلتهب وهزها في كفه وضربه بها فوقعت في قلبه ومرقت من ظهره فانجدل
صريعا وعجل الله تعالى بروحه إلى الجنة فلما نظر خالد بن الوليد إلى
ابن عمه وقد وقع صريعا اقبل حتى وقف عليه وبكى وقال: يا ليت عمر بن
الخطاب نظر إلى ابن عمي صريعا حتى يعلم أنا إذا لاقينا العدو ركبنا
الاسنة ركوبا قال ولم يزالوا في الأهوال الشديدة حتى هجم الليل عليهم
وتراجعت الروم إلى مدينتهم وغلقوا الأبواب وطلعوا على الاسوار ورجعت
المسلمون إلى رحالهم وخيامهم وباتوا ليلتهم يتحارسون فلما اصبح الصباح
قال الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه يا معاشر المسلمين ما بالكم قد صدكم
هؤلاء القوم وبعد الطمع فيهم ما بالكم هزمتم وجزعتم منهم والله ألبسكم
عافية مجللة وسلامة سابغة وأظفركم على بطارقة الروم وفتح لكم الحصون
والقلاع فما هذا التقصير والله تعالى مطلع عليكم.
فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: هؤلاء فرسان الروم اشد الرجال ليس
فيهم سوقة ولا جبان وقد تعلم إنهم يكونون اشد في الحرب لانهم يمنعون عن
الذراري والنسوان فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه فما الرأي عندك يا أبا
سليمان يرحمك الله فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: أيها الأمير قد
رأيت من الرأي اننا ننكشف للقوم غدا وندع لهم سوائمنا وابلنا فإذا
تباعدنا عن مدينتهم وتبعتنا خيلهم وتباعدوا عن مدينتهم وصاروا معنا
عطفنا عليهم ومزقناهم بالاسنة ونقطع ظهورهم لبعدهم عن مدينتهم فقال أبو
عبيدة: نعم الرأي ما رأيت يا أبا سليمان ولقد اشرت واحسنت قال وتواعد
المسلمون على أن ينكشفوا بين أيدي الروم وأن يتركوا لهم سوائمهم فلما
اصبح الصباح فتحت أبواب حمص وخرجت الروم من جميع الأبواب وزحفوا يريدون
القتال فسألهم العرب كفوا القتال واروهم التقصير والخوف واطمعوهم في
أنفسهم وجعلوا ينحرفون عن قتالهم حتى تضاحى النهار وانبسطت الشمس وطاب
الحرب وطمعت الروم في المسلمين لما بان لهم من تقصيرهم فشد الروم
بالحملة عليهم فانهزمت العرب من بين أيديهم وتركوا سوائمها.
(1/145)
قال نوفل بن
عامر حدثنا عرفجة بن ماجد النميمي عن سراقة النخعي وكان ممن حضر يوم
حمص قال لما انهزمت العرب أمام الروم وتبعنا هربيس البطريق في خمسة
آلاف اشهب وكانوا اشد الروم قال سراقة بن عامر وانهزمنا أمام القوم
كاننا نطلب الزراعة وجوسية وأدركتنا البطارقة وبعضهم مال إلى السواد
طمعا في الزاد والطعام.
قال الواقدي: وكان بحمص قسيس كبير السن عظيم القدر عند الروم قد حنكته
التجارب وعرف أبواب الحيل والخداع وكان عالما من علماء الروم وقد قرأ
التوراة والإنجيل والزبور والمزأمير وصحف شيث وابراهيم وأدرك حواري
عيسى ابن مريم عليه السلام فلما أشرف ذلك القسيس ونظر إلى العرب وقد
ملك الروم سوادهم جعل يصيح ويقول وهو ينادي: وحق المسيح أن هذه خديعة
ومكر ومكيدة من مكايد العرب وأن العرب لا تسلم اولادها وابلها ولو
قتلوا عن آخرهم قال وجعل القسيس يصيح وأهل حمص قد وقعوا في النهب وليس
يغنيهم سوى الزاد والطعام والبطريق هربيس قد الح في طلب المسلمين في
خمسة آلاف فارس فلما أبعدوا عن المدينة صاح الأمير أبو عبيدة رضي الله
عنه برفيع صوته اعطفوا على الروم كالسباع الضارية والعقبان الكاسرة
فردوا عليهم كردوسا واحدا حتى أحاطوا بالبطريق وأصحابه من كل جانب
وداروا بهم مثل الحلقة المستديرة واحدقوا بهم كاحداق البياض بسواد
العين وبقيت الروم في اوساطهم كالشامة السوداء في الثور الأبيض فعند
ذلك نصبت العلوج نشابها على العرب والمسلمون يكرون عليهم مثل الأسود
الضارية ويحومون عليهم كما تحوم النسور ويضربونهم بالسيوف ويصرعونهم
يمينا وشمالا حتى إنكسر أكثرهم.
قال عطية بن فهر الزبيدي فلما نظرت الروم إلى فعلنا بهم تكالبت علينا
فلما حميت الحرب ابتدر خالد بن الوليد رضي الله عنه من وسط العسكر وهو
على جواد اشقر وعليه جوشن مذهب كان لصاحب بعلبك اهداه له يوم فتح بعلبك
وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه قد عمم نفسه بعمامة حمراء وكانت تلك
العمامة عمامته في الحرب وجعل يهدر كالاسد الحردان وقد انتضى سيفه من
غمده وهزه حتى طار منه الشرر ونادى برفيع صوته رحم الله رجلا جرد سيفه
وقوى عزمه وقاتل أعداءه فعندها انتضب المسلمون سيوفهم وصدموا الروم
صدمة عظيمة ونادى الأمير أبو عبيدة يا بني العرب قاتلوا عن حريمكم
ودينكم واموالكم فإن الله مطلع عليكم وناصركم على عدوكم قال وكان معاذ
بن جبل قد انفرد في خمسمائة فارس إلى السواد والأموال وانقض على الروم
فما شعرت الروح والعلوج ممن انغمس في الغارة وحمل الزاد والرحال
والأمتعة إلا والطعن قد أخذهم بأسنة الرماح من كل جانب كأنها ألسنة
النار المضرمة ونادى مناد يا فتيان العرب اطلبوا الباب لئلا ينجوا أحد
من الروم برحالنا
(1/146)
وأولادنا فجعل
المسلمون يطلبون الأبواب وكانت علوج الروم قد غرقت في رحال المسلمين
فلما نظروا إلى معاذ وقد حمل عليهم في رحاله عادت وقد رمت الرحال وطلبت
الهرب فانفلت منهم ما انفلت وقتل من قتل قال صهيب بن سيف الفزاري
فوالله ما انفلت من الخمسة آلاف الذين كانوا مع هربيس صاحب حمص إلا ما
ينوف عن مائة فارس قال واتبعنا القوم إلى الأبواب فكان اعظم المصيبة
قتلنا إياهم على الأبواب لأن أكثر الرجال من العواصم وغيرهم كانوا في
المدينة قال سعيد بن زيد شهدت يوم حمص وكنت ممن أولع بعدد القتلى فعددت
خمسة آلاف وستة غير أسير وجريح فدنوت من الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه
وقلت البشارة: أيها الأمير فاني عددت خمسة آلاف وستة غير اسير وجريح
فقال الأمير أبو عبيدة بشرت بخير يا سعيد يا ابن زيد فهل ترى قتل
بطريقهم هربيس فقال سعيد بن زيد أيها الأمير إذا كان قتل بطريقهم هربيس
فما قتله غيري فقال الأمير أبو عبيدة وكيف علمت إنه قتيلك يا سعيد فقال
سعيد بن زيد أيها الأمير إني رأيت فارسا عظيم الخلقة طويلا ضخما أحمر
اللون وبيده سيف وعليه لامة حربه صفتهما كذا وكذا وهو في وسط الروم
كأنه البعير الهائج فحملت عليه وقلت في حملتي: اللهم إني اقدم قدرتك
على قدرتي وغلبتك على غلبتي اللهم اجعل قتله على يدي وارزقني اجره فقال
له أبو عبيدة: إما أخذت سلبه يا سعيد قال: لا ولكن علامتي فيه نبلة من
كنانتي أثبتها في قلبه فخر يهوي عن جواده ونفرت عنه أصحابه فلحقته
فضربته بسيفي ضربة فصرمت حقوته ونبلتي في قلبه قال أبو عبيدة رضي الله
عنه: أدركوه رحمكم الله وسلموا سلبه إلى سعيد ففعلوا ذلك.
قال الواقدي: فلما أخذت الحرب اوزارها أخذ المسلمون الإسلاب والدروع
والشهابي ومثلوا الجميع أمام الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه فأخرج منها
الخمس لبيت مال المسلمين وقسم الباقي على المجاهدين قال ووقع الصياح
والبكاء في حمص على من قتل منهم من فرسان الكفار ورجالهم قال واجتمع
مشايخ حمص ورؤساؤهم إلى بيعتهم وتحدثوا مع القسوس والرهبان على أن
يسلموا حمص إلى المسلمين وخرج علماء دينهم ورؤساؤهم إلى أبي عبيدة رضي
الله عنه وصالحوه على تسليم المدينة إليه وأن يكونوا تحت ذمامه وأمانة
فصالحهم أبو عبيدة رضي الله عنه وقال لست أدخل مدينتكم حتى نرى ما يكون
بيننا وبين الملك هرقل وأراد أهل حمص أن يكرموا المسلمين بالإقامة
والعلوقة فنهاهم الأمير أبو عبيدة عن ذلك ولم يدخل أحد من المسلمين إلى
حمص إلا بعد وقعة اليرموك كل ذلك ليتقرب المسلمون إلى الروم بالعدل
وحسن الصحبة.
(1/147)
قال جرير بن
عوف حدثنا حميد الطويل قال حدثني سنان بن راشد اليربوعي قال حدثنا سملة
بن جريج قال حدثنا النجار وكان ممن يعرف فتوح الشام قال لما صالحنا أهل
حمص بعد قتل هربيس خرج أهل حمص ودفنوا قتلاهم فافتقدنا القتلى الذين
استشهدوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا من استشهد من
المسلمين مائتين وخمسة وثلاثين فارسا كلهم من حمير وهمدان إلا ثلاثين
رجلا من أهل مكة وهم عكرمة بن أبي جهل وصابر بن جرىء والريس بن عقيل
ومروان بن عامر والمنهال بن عامر السلمي ابن عم العباس رضي الله عنه
وجمح بن قادم وجابر بن خويلد الربعي فهؤلاء من المسلمين الذين استشهدوا
يوم حمص والباقون من اليمن وهمدان ومن اخلاط الناس.
(1/148)
|