فتوح الشام
ذكر فتح طنز ويمهرد وأسعرد
قال فعول على العبور إلى جانب أسعرد ويمهرد إذ قدم عليه أهل حصن طنز
للصلح وإن يكونوا طوعا للمسلمين فقال خالد: من أسلم منكم قبلناه وكان
له ما لنا وعليه ما علينا ومن بقى على دينه كانت عليه الجزية من العام
القابل فأجابوه إلى ذلك فكتب لهم عهدا وعبر إلى طنز ويمهرد واسعرد
والمعدن وأرزن وقرروا صلحا ورضوا به قال: وانقضت عدة صاحبة الحصن وهي
جانوسة وتزوجها يوقنا ولحق خالد بعياض فوجده على سوقاريا وهي مدينة
جالوت فلما وصل خالد إليه اسلم الناس بعضهم على بعض واقاموا هناك خمسة
ايام وعولوا أن يسيروا إلى بدليس وأخلاط وإذ قد جاءهم الخبر أن طاريون
ابنة الملك وهي زوجة الغلام يرغون الذي فتح كفرتوتا وكان من أمرها ما
ذكرناه قد هربت إلى أبيها ورجعت إلى دينها قال فصعب ذلك عليهم.
قال الواقدي: حدثني محمد بن يونس قال: حدثني اسمعيل عن قيس قال أن
طاريون لم تتنصر ولا عادت عن الإسلام وإنما مضت إلى ابيها لتدبر عليه
حيلة وتسلم البلد للمسلمين لأنها ارادت أن تصنع كما صنع زوجها يرغون
بكفرتوتا فاتفق رايها ورأى زوجها على ذلك فقال يرغون أما أنا فلا أتبعك
لانني أفزع من أبيك أن يقبض علي فقالت له: الزم مكانك ولبست ثيابها
وعولت على المسير وجعلت غلمانها في محل خلوة وقالت لهم اعلموا أني قد
عزمت على أمر أفعله وأنا ابوح به اليكم قالوا: ايتها الملكة ما على
العبد إلا الطاعة لمولاه فأوقفينا على سرك قالت لهم اعلموا إني كرهت
المقام بين هؤلاء العرب وايضا قد اشتقت إلى وطني وعولت على أن أخرج بكم
إلى الصيد في الجبل فإذا جن الليل طلبنا أرضنا فلما سمعوا قولها فرحوا
وقالوا: نعم الرأي فقالت إني لست أكرهكم فمن كان له رغبة أن يلبث ههنا
وهو مائل إلى هذا الدين فليقم غير ملوم ومن أراد الرجوع إلى وطنه
فليعزم معي فإني أمضي في هذه الليلة وحق ما أسير إليه لئن بلغني أن
أحدا منكم افشى سري إلى يرغون أو غيره من الناس لاضربن عنقه فمن كان
عازما على صحبتي فليتبعني فأجابوها إلى ذلك فلما جن الليل ودعت يرغون
وخرجت ومعها اثنا عشر نفرا كانوا لا يرتدون الإسلام وكان لها بكفر توتا
اثنا عشر غلاما قد رسخ الإسلام في قلوبهم وأحبوا المسلمين قال: وسارت
نحو الجبل ومضت إلى أن تركت أرزن خلف ظهرها واشرفت على بدليس فنزل
صاحبها اليها وقدم لها اقامة وعلوفة وأقامت هناك بقية يومها.
(2/160)
ذكر فتوح بدليس وارزن وأعمالها
وكان من قضاء الله السابق وقدره أن عياضا لما نزل على سوقاريا ولحق به
خالد.
(2/160)
ومن معه ولحقهم
يوقنا فرح المسلمون بسلامتهم وحدثه بما جرى فسجد لله شكرا ثم بعث يوقنا
رسولا إلى صاحب بدليس وكانت أرزن وبدليس وقف وأنظر وغيرها من القلاع
لبطريق اسمه سروند بن بولص والجارية طاريون نازلة هناك وسروند عندها
فلما علموا بقدوم يوقنا رهبوا إلى لقياه واختلت به طاريون وقالت له: يا
عم لا تظن إني هاربة ولا إلى الروم طالبة وإنما أريد أن أنصح لله
ولرسوله وللمسلمين وأريد أن أغدر بأبي وأقتله واسلم معاقله للمسلمين
لكن يا عم أشر علي بما أصنع فأنت تعلم أن هذا الدرب لبدليس وأخلاط
وعليه قلعة قف وأنظر وإذا أرادت العرب العبور فليس لهم قدرة فما الذي
تراه وأخاف أن حصلت عند أبي أن لا أقدر على الرجوع إلى بعلي والى
المسلمين فقال لها يوقنا اعلمي إنك إذا سرت بهذه النية فإن الله جل
وعلا يفتح عليك أبواب الخير وأمضى على ما أنت عليه وأنا لا بد لي أن
أمضي برسالة الأمير عياض إلى أبيك وها أنا ابكر فإذا حصلنا هناك كان
لنا من التدبير ما يريده الله ونصل أن شاء الله إلى ما نريد وعلمها ما
تصنع وودعته وعادت فقالت أن هذا العديم العقل يلح علي ويعذلني لأجل أن
ارجع وأعود عما عزمت عليه من الرجوع إلى دين المسيح ولولا أنني أخاف
ممن معه ومن صاحب هذا الحصن أن يعينه علينا لكنت قبضت عليه ثم إنها
ركبت وسارت تجد السير وأرسلت بعض غلمانها يبشر اباها بقدومها فلما وصل
البشير ارتجت المدينة وركب ابوها والبطارقة وأهل البلد لملتقاها فلقوها
عند خضريا فلما رأت أباها ترجلت وترجل ابوها والعسكر جميعه وصقعوا بين
يديها وضمها أبوها إلى صدره وقال لها يا بنتي كيف كان أمرك.
قالت أن يرغون نصب علي ووصل بي إلى عسكر المسلمين وأسلم فلم يمكنني إلا
أن أطاوعه خيفة منهم إلى أن دخلوا ديار بكر فهربت اليك فصلب أبوها على
وجهه وهنأها بالسلامة وركب وساروا والمواكب حولهم إلى أن دخلت البلد
ودخلت دار المملكة فتلقاها الجواري والخدم وصقعوا لها وبكوا وبكت
وأخرجت الصدقات والنذور للبيع والكنائس وباتت تحدثهم بما جرى لها وحديث
شهرياض وكيف أخذت رأس العين فقال أبوها يا بنية كيف رأيتيهم في دينهم
قالت أيها الملك القوم يتظاهرون بالدين وانهم يطلبون الدين والعدل حتى
يرجع الناس إليهم وليس والله دين أفضل من دين المسيح وقد نذرت نذرا متى
خلصت من يد العرب أن لا أقرب قربانا ولا أشرب خمرا ولا آكل لحم خنزير
ولا أنغمس في ماء المعمودية حتى أتعبد في بيعة يوحنا شهرين كاملين فإذا
أنا تطهرت من دينهم أقرب القربان وأقبل الصلبان ففرح أبوها بذلك فلما
كان الغد مضت إلى البيعة وأخلت لها موضعا وجعلت تتصدق على الفقراء
وتظهر النسك والعبادة وأقامت تنتظر ما وعدها به يوقنا من القدوم
بالرسالة إلى أبيها.
(2/161)
قال الواقدي:
حدثنا ابو محمد قال: حدثني من أثق به عن قيس ابن هبيرة قال كنت من
أصحاب يوقنا حين سار بالرسالة إلى بدليس وتحدث مع طاريون وأنفذ صاحب
بدليس إليه وكان لما بلغه قدوم يوقنا صعد إلى حصنه فاستحضره وأنا معه
فوجدناه على سرير مملكته فسلمنا عليه فقال يوقنا أن أمير جيوش المسلمين
بأرض ربيعة وهو عياض ابن غنم قد أرسلنا اليك ندعوك إلى توحيد الله
ورسالة نبيه ولكم ما لنا وعليكم ما علينا واعتبر بمن تقدم من الملوك
وأصحاب الأقاليم والعز فقد أصبحوا هالكين فما جوابك فقال: أيها السيد
إني قد كنت أردت أن أرسل رسولا إلى أميركم في طلب الصلح وأعطيه شيئا
وإن أبقى على ديني ومن أراد من أهل بلدي أن يرجع إلى دين القوم فلست
أمنعه فقال يوقنا بكم يطيب قلبك أن تدفع في صلحك على بدليس وأرزن وما
تحت يدك من البلاد فإني إذا أمضيت لك الصلح فقد رضيت به العرب فقال:
أيها السيد اعطيهم مائة ألف دينار وخمسمائة زردية وألف قوس وإن لا يولي
على مملكتي غيري حتى أموت وإن لا يبقى من قبلهم إلا رجل أو رجلان حتى
يعلموا من أسلم شرائع الإسلام وإن يكون أمري نافذا في مملكتي ومن أسلم
يكون أمره لمن يكون عندنا من قبلكم وما يكون لي عليهم حكم فقال يوقنا
قد أمضينا صلحك وأتممنا عهدك وانا أعطيناك عهد الله ورسوله على ما
ذكرته قال: وأعطاه عهد الله ورسوله وهادنه على الهيئة التي هادن رسول
الله صلى الله عليه وسلم هرقل ملك الروم وحلف له عن المسلمين كلهم قال:
وإن قيسا ذهب إلى عياض فاعلمه بما استقر بينهم فلما وصل كتاب يوقنا إلى
عياض رحل من مكانه إلى أن نزل على بدليس فوجد البطريق قد أخرج ما وقع
عليه الصلح فلما قدم عياض نزل إليه البطريق وتلقاهم وحياهم بأحسن تحية
وأنزلهم في أحسن منزل وقدم لهم الاموال وكتبوا بذلك عهدا.
قال: ونظر المسلمون من أهل اليمن وبادية العرب إلى البنات وحسنهن فمالت
أنفسهم اليهن وشرب أكثرهم الخمر فلما راى عياض ذلك صعب عليه فأمر أن
يؤتوه بمن فعل ذلك فأقام عليهم الحد وأخذ منهم حق الله وقال لهم: أكفر
بعد إيمان أبهذا أمرتم أم لهذه خلقتم أما سمعتم ما قال من أمره بين
الكاف والنون قال فتابوا بأجمعهم فلما جن الليل اجتمع يوقنا بعياض
وحدثه بأمر طاريون وما واققته عليه وإنها قد وهبت نفسها لله تعالى ومضت
تدبر كيف تعمل في تسليم البلد للمسلمين وإني وعدتها أن أسير اليها
وأعينها على ذلك فقال عياض إذا كان الامر كذلك فيجب علينا أن نطلع عليه
خالدا وأصحابه فقال يوقنا افعل ما فيه الصواب فأرسل إلى خالد ومعاذ
وقيس والمسيب بن نجيبة وعمرو بن معديكرب وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق
رضي الله عنه وحدثهم بالحديث وقال لهم: ما ترون من الرأي.
(2/162)
|