الأخبار الطوال
زاب بن بودكان
فلما تم لملك فراسياب تسع سنين ظهر زاب بن بودكان بن منوشهر بن ايرج بن
نمروذ بأرض فارس، فخلع فراسياب، ودعا لنفسه، فمال اليه جميع ولد سام بن
نوح للجهد الذى نالهم في ملك فراسياب، فسار الى فراسياب حتى نفاه عن
__________
[1] اتلف عيون الماء
[2] طم: جف
(1/10)
مملكته، وعمد الى المدن والحصون التي هدمها
فراسياب، فاعاد بناءها، وحفر الانهار والقنى التي كان طمها، واصلح كل
ما كان فراسياب افسده، وكرى بالعراق أنهارا عظيمه سماها الزوابي، اشتق
اسمها من اسمه، وهي الزابي الأعلى، والزابي الأوسط، والزابي الأسفل،
وابتنى المدينة العتيقة، وسماها طيسفون، [1] . ثم سار في اثر فراسياب،
وقد اقام بخراسان في جموعه، وعساكره، فزحف اليه فراسياب فاقتتلوا،
واقبل ارسناس الذى كان منوشهر امره بتعليم الناس الرمى بالنشاب، وقد
وتر قوسه وفوق [2] . فيها نشابه، فاقبل حتى دنا من فراسياب، فلما تمكن
رماه رميه خالطت فؤاده، وخر ميتا، وانصرف ولد يافث حين قتل ملكهم حتى
لحقوا بأرضهم، وكان زاب قد اصابته جراحات كثيره، فمات منها بعد مهلك
فراسياب بشهر. وفي ذلك العام مات حمير بن سبا.
قالوا: كان ملك الوليد بن مصعب فرعون موسى ع [3] . على جميع ارض ولد
حام، وهي المملكة التي تعرف بملك مصر بن حام.
وقالوا: ولما توفى يوسف بن يعقوب واخوته بأرض مصر بقي اعقابهم بها،
وكثروا فيها، وكانوا في زمان موسى ع ستمائه الف رجل، وكان ملك اليمن في
زمن موسى الملطاط بن عمرو بن حمير بن سبا.
كيقباذ بن زاب
وكان ملك ارض بابل كيقباذ بن زاب، وكان الملطاط يلقب بالرائش، لأنه راش
قومه واغناهم، وكانت ملوك الارض كلها قد دانوا لكيقباذ، واتقوه
بالاتاوه، [4] .،
__________
[1] يذكرها الجغرافيون العرب باسم طيسفون او طيسفونج او طوسفون،
والاوربيون باسم، وكانت مدينه بها قصر لكسرى وتبعد من بغداد مقدار
ثلاثة فراسخ
[2] فوق النشابة: وضعها في وتر القوس
[3] عليه السلام: عم، والمعروف بعد الكشوف الفرعونيه ان فرعون موسى هو
منفتاح بن رعمسيس الثانى، احد ملوك الأسرة التاسعه عشره
[4] الاتاوه: كل ما أخذ بالإكراه من رشوه او خراج
(1/11)
وكان له ثلاثة بنين: قابوس، وهو الذى ملك
من بعده، وكيابنه، وهو جد لهراسف الذى ملك بعد سليمان بن داود ع،
وقيوس، وهو جد الاشغانيين الذين كانوا ملوك الجبل في زمان الطوائف.
وفي عصره خرج موسى بن عمران من مصر هاربا من فرعون حتى اتى ارض مدين
[1] .، ونزل على شعيب، فاجره نفسه ثماني حجج، كما ذكر الله جل ثناؤه في
الكتاب الناطق [2] ، ثم خرج من عند شعيب لما قضى الأجل، وسار باهله،
فكان من امره واكرام الله اياه بتكليمه ورسالته ما قد قصه علينا في
كتابه، وانصرف الى شعيب، ورد اهله اليه، ومضى حتى بلغ رساله ربه، وفي
هذا العصر بعث شعيب الى قومه، فكان منهم ما حكاه الله في كتابه [3] .
أبرهة
قالوا: ثم ملك ارض اليمن أبرهة بن الملطاط، وهو أبرهة ذو المنار، سمى
بذلك، لأنه امر بعمل المنار والايقاد عليها بالليل، ليهتدى بها جنوده،
وتوفى موسى بن عمران ع، وتولى امر إسرائيل من بعده يوشع بن نون، فخرج
ببني إسرائيل من ارض مصر الى ارض الشام، فأسكنهم بفلسطين.
قالوا: وان أبرهة تجهز وسار في بشر كثير يؤم ارض المغرب، واستخلف على
ملكه ابنه افريقيس، فاوغل في ارض السودان، فأعطوه الطاعة، فجاز ارضهم،
وسار حتى انتهى الى أمه من الناس، اعينهم وأفواههم في صدورهم، ويقال
انهم أمه من ولد نوح ع، غضب الله عليهم، فبدل خلقهم، فأعطوه الطاعة،
وانصرف راجعا، فمر بامه من الناس، يقال لهم النسناس، للرجل والمرأة
منهم نصف راس، ونصف وجه، وعين واحده، ونصف بدن، ويد واحده،
__________
[1] قريه النبي شعيب
[2] الآيات 23، 24، 25، 26، 27 من سوره القصص
[3] الآيات من رقم 176 الى 190 من سوره الشعراء
(1/12)
ورجل واحده، يقفزون قفزا في اسرع من حضر
[1] . الفرس الجواد، وهم يهيمون في الغياض التي على شاطئ البحر، خلف
رمل عالج [2] .، يعنى رمل بلاد اليمن، فسال عنهم، فاخبر انهم أمه من
ولد وبار بن ارم بن سام بن نوح.
كيكاوس بن كيقباذ
قالوا: وكان ملك العجم في عصر أبرهة بن الملطاط كيكاوس بن كيقباذ، وكان
متشددا على الأقوياء [3] .، رحيما بالضعفاء، وكان منصورا محمودا الى ان
خطرت منه خطره ضلال، فيما كان هم به من الصعود الى السماء، فهو صاحب
التابوت والنسور، وكان قد وجد على ابنه سياوش، ولم يكن له ولد غيره،
فاراد قتله، فهرب منه، فلحق بملك الترك، فحل منه محلا لطيفا لما بلاه
واختبره، وراى عقله وآدابه وبأسه ونجدته، ففوض اليه امره، فلما راى ذلك
اهل بيت الملك حسدوه، وخافوا ان يبزهم الأمر، فدسوا اليه الغوائل [4] .
عند الملك حتى اقدم عليه، فقتله، وقد كان زوجه ابنته، وحملت منه، فاراد
ان يبقر بطنها عن جنينها، فناشده برايان الوزير فيها، وفي ولدها الا
يقتلها من غير جرم، فقال له: دونك، فخذها إليك، فإذا ولدت فاقتل ولدها.
فكانت عنده حتى ولدت غلاما، وهو كيخسرو والذى ملك بعده، فاخرجه من
المصر، واسترضع له في سكان الجبال من الأكراد، فنشأ عندهم، وقال للملك:
انها ولدت جاريه وقد قتلتها فصدقه.
ملك كيخسرو
وان اهل فارس شنئوا كيكاوس لما اظهر من الجبروت والعتو والجرأة على
الله،
__________
[1] الحضر بضم الحاء وسكون الضاد ارتفاع الفرس في عدوه
[2] عالج: موضع بالبادية به رمل
[3] الأقوياء في الأصل: الأقرباء
[4] الغوائل جمع غائله وهي الداهيه والمصيبة
(1/13)
وتأمروا على خلعه، وفشا ذلك حتى بلغ أم
الغلام، وقد اتى له سبع عشره سنه، فدست رسولا الى اهل فارس، تعلمهم
مقتل سياوش، وامر الغلام، فاختاروا رجلا من افاضلهم، يسمى زو، فوجهوه
الى ابريان الوزير في الاقبال بالغلام، فقدم عليه، واعلمه ما اجمعت
عليه اهل فارس، فسلم اليه الغلام، وحمله على فرس ابيه سياوش الذى قدم
عليه من العراق، فسار به زو، يكمن النهار، ويسير الليل، حتى ورد يم
جيحون [1] .، وهو نهر بلخ مما يلى خوارزم، فعبره سباحه على فرسه، واقبل
به، حتى اورده دار الملك، فخلعوا كيكاوس، وملكوا الغلام، وسموه كيخسرو،
ومنحوه الطاعة، فامر بجده فحبس، فلم يزل محبوسا حتى هلك.
افريقيس واليمن
قالوا: وكان ملك كيخسرو وملك افريقيس بن أبرهة في عصر واحد، وان
افريقيس تجهز يريد المغرب، حتى اوغل في ارض طنجه والاندلس، فراى بلادا
واسعه، فابتنى هناك مدينه، وسماها إفريقية اشتق اسمها من اسمه، ونقل
إليها سكانا، وهي المدينة التي ينزلها اليوم سلطان ذلك البلد وعظماؤها،
ثم انصرف الى وطنه، وفي ذلك العصر نشا معد بن عدنان، وفيه انقرض ولد
ارم من جميع ارض العرب الا بقايا من طسم وجديس، غبروا بعمان والبحرين
واليمامه.
ملك ابن افريقيس وهلاك طسم وجديس
ولما مات افريقيس بن أبرهة ملك ابنه ذو جيشان بن افريقيس، فتجهز لغزو
كيخسرو ملك فارس، وجمع جنوده، وسار حتى نزل بنجران [2] .، وكان بعمان
__________
[1] جيحون: نهر من اكبر انهار آسيا ينبع من جبال بامير ويجرى نحو الغرب
حتى يصب في بحيره اورال، وفيضانه بين شهرى مايو واكتوبر، وهو الان حد
فاصل بين افغانستان وجمهوريات آسيا السوفياتيه، ويطلق المؤرخون العرب
على البلاد الواقعه شمال جيحون بلاد ما وراء النهر
[2] نجران: موضع بالبحرين
(1/14)
والبحرين واليمامه بشر كثير من ولد طسم،
وجديس، ابنى ارم بن سام، وكانوا من العرب العاربة، وكان ملكهم رجلا من
طسم، يسمى عمليقا، وكان جائرا ظلوما، وبلغ من عتوه ان امر الا تزف
امراه من جديس الى زوجها الا بدؤوه بها، فمكثوا بذلك دهرا طويلا.
وان رجلا من جديس تزوج عفيره بنت غفار اخت الأسود بن غفار عظيم جديس
وسيدها، فلما أرادوا اهداءها ادخلت على الملك، فافترعها، ثم خلى
سبيلها، فخرجت الى قومها في دمائها رافعه ثوبها عن عورتها، وهي تقول:
ايصلح ما يؤتى الى فتياتكم ... وأنتم رجال ثوره عدد النمل
فلو اننا كنا رجالا وكنتم ... نساء لكنا لا نقر على الذل
فبعدا لبعل ليس فيه حميه ... ويختال يمشى مشيه الرجل الفحل
فحميت من ذلك جديس، فاغتالوا عمليقا، فقتلوه على غره، وامامهم الأسود
بن غفار يرتجز، ويقول:
يا ليله ما ليله ... جاءت تمشى بدم جميس [1]
يا طسم ما لاقيت من جديس ... احدى لياليك فهيس هيس [2] .
فابادوا طسما، فلم يفلت منهم الا رجل يقال له، رياح بن مره، فانه مضى
على وجهه حتى اتى ذا جيشان، وهو معسكر في جنوده بنجران، فمثل بين يديه،
ثم قال:
انك لم تسمع بيوم ولا ترى ... كيوم اباد الحى طسما به المكر
أتيناهم في ازرنا ونعالنا ... علينا الملاء الحمر والحلل الخضر
فصرنا لحوما بالعراء وطعمة ... تنازعها ذيب الوشيمه والنمر
[3] .
__________
[1] الدم الجميس: هو الدم المتجمد
[2] هيس هيس: كلمتان تقالان للحض عند امكان الأمر والإغراء به
[3] الوشيمه: الشر والعداوة والضراوة
(1/15)
فدونك قوما ليس لله فيهم ... ولا لهم منه
حجاب ولا ستر
فقال الملك: كم بيننا وبينهم؟، قال: ثلاث. فقال من حضره: كذب، ايها
الملك، بينك وبين القوم عشرون ليله، فامر جنوده بالمسير نحو اليمامه،
ففي مسيرهم، وقصه الزرقاء [1] . يقول الأعشى بعد ذلك بدهر طويل:
قالت ارى رجلا في كفه كتف ... او يخصف النعل، لهفي ايه صنعا
فكذبوها بما قالت، فصبحهم ... ذو آل جيشان، يزجى الموت والشرعا
فاستنزلوا اهل جو من مساكنهم ... وهدموا مشرف البنيان، فاتضعا
فام جديسا، واستاصلهم، ثم رحل نحو العراق يريد كيخسرو، وزحف اليه
كيخسرو، فالتقوا، فقتل ذو جيشان، وانفضت جموعه.
ملك الفند ذي الاذعار
فملكت اليمن ابنه الفند ذا الاذعار، وانما لقب ذا الاذعار لرعب الناس
منه، فلم تكن له همه الا الطلب بثار ابيه.
هجره ربيعه الى اليمامه والبحرين
قال: وبقيت اليمامه والبحرين بعد قتل جديس ليس بها احد الى ان كثرت
ربيعه، وانتشرت، وتفرقت في البلاد، فسارت عتره [2] اسد بن ربيعه، تتبع
مواقع الغيث، وتقدمها عبد العزى بن عمرو العنزي حتى هجم على اليمامه،
فراى بلادا واسعه، ونخلا وقصورا، وإذا هو بشيخ قاعد تحت نخله سحوق [3]
، يرتجز، ويقول:
تقاصرى، اجن جناك قاعدا ... انى ارى حملك ينمى [4] صاعدا
__________
[1] امراه من قبيله جديس كانت تبصر الشيء من مسيره ثلاثة ايام، وقد
حذرت قومها من هجوم حمير فلم يصدقوها حتى صبحهم حسان فاجتاحهم وأخذ
الزرقاء فشق عينيها
[2] العترة بالكسر: نسل الرجل ورهطه وعشيرته الأدنون.
[3] النخله الطويله الجرداء التي بعد ثمرها على المجتنى.
[4] ينمى: يرتفع.
(1/16)
فقال له عبد العزى: من أنت ايها الشيخ؟ قال: انا من هزان، الضراغمه
الاقران، غزانا ذو جيشان، الملك القرم [1] اليمان، فاعمل فيها المران
[2] .، فلم يبق بهذا المكان غيرى، وانى لفان. فقال عبد العزى: ومن
هزان؟ قال: هزان بن طسم أخو النهى والحزم، وابن الشجاع القرم.
فأقام عبد العزى أياما، ثم تبرم بمكانه، فمضى سائرا حتى سقط الى
البحرين، فراى بلادا اوسع من اليمامه، وبها من وقع إليها من ولد كهلان،
حين هربوا من سيل العرم [3] .، فأقام معهم، وسارت بنو حنيفه على ذلك
السمت، يتبعون مواقع الغيث، وتقدمهم عبيد بن يربوع، وكان سيد هم، فنزل
قريبا منها، فمضى غلام له ذات يوم حتى هجم على اليمامه، فراى نخلا
وريفا، وإذا هو بشيء من تمر قد تناثر تحت النخل، فأخذه، واتى به عبيدا،
فأكل منه، فقال: وابيك ان هذا الطعام طيب. فارتفع حتى اتى اليمامه،
فدفع فرسه، فخط على ثلاثين دارا وثلاثين حديقة، فسمى ذلك المكان حجرا،
فهو اليوم قصبه اليمامه، وموضع ولاتها، وسوقها، وتسامعت بنو حنيفه بما
أصاب عبيد بن يربوع، فاقبلوا حتى أتوا اليمامه، فقطنوها، فعقبهم بها
الى اليوم. قال: وكان داود النبي ع في عصر ذي الاذعار، وكان ملك العجم
كيخسرو بن سياوش. |