الأخبار الطوال

يزيد بن عبد الملك
وافضى الأمر الى يزيد بن عبد الملك في أول سنه مائه واحدى.
فولى المصرين أخاه مسلمه بن عبد الملك.
وكان مسلمه ذا عقل كامل وادب فاضل، فاستعمل مسلمه على خراسان سعيد ابن عبد العزيز بن الحكم بن ابى العاص بن اميه.

ظهور الدعوة الى العباسيين
قالوا: وفي ذلك العام [1] توافدت الشيعة على الامام محمد بن على بن عبد الله ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، وكان مستقره بأرض الشام، بمكان يسمى الحميمه وكان أول من قدم من الشيعة ميسره العبدى، وابو عكرمه السراج، ومحمد بن خنيس، وحيان العطار.
فقدم هؤلاء عليه، فارادوه على البيعه، وقالوا له:
ابسط يدك لنبايعك على طلب هذا السلطان، لعل الله ان يحيى بك العدل، ويميت بك الجور، فان هذا وقت ذلك، وأوانه، والذى وجدناه مأثورا عن علمائكم.
فقال لهم محمد بن على: هذا أوان ما نامل ونرجو من ذلك، لانقضاء مائه من التاريخ، فانه لم تنقض مائه سنه على أمه قط الا اظهر الله حق المحقين، وابطل باطل المبطلين، لقول الله جل اسمه أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها، قالَ، أَنَّى يُحْيِي هذِهِ [2] اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ، ثُمَّ بَعَثَهُ [3] فانطلقوا ايها النفر، فادعوا الناس في رفق وستر، فانى أرجو ان يتمم الله امركم، ويظهر دعوتكم، ولا قوه الا بالله.
__________
[1] في سنه 720 م.
[2] في الأصل اثر رطوبة مكان ما بين الحاصرتين.
[3] الآية رقم 259 من سوره البقره.

(1/332)


ثم وجه ميسره العبدى، ومحمد بن خنيس الى ارض العراق، ووجه أبا عكرمه، وحيان العطار الى خراسان، وعلى خراسان يومئذ سعيد بن عبد العزيز بن الحكم ابن ابى العاص.
فجعلا يسيران في ارض خراسان من كوره الى اخرى، فيدعوان الناس الى بيعه محمد بن على، ويزهدانهم في سلطان بنى اميه لخبث سيرتهم، وعظيم جورهم، فاستجاب لهما بخراسان اناس كثير، وفشا بعض امرهم وعلن.
فبلغ امرهما سعيدا، فأرسل اليهم، فاتى بهم، فقال:
من أنتم؟
قالوا: نحن قوم تجار.
قال: فما هذا الذى يذكر عنكم؟
قالوا: وما هو؟
قال: أخبرنا انكم جئتم دعاه لبنى العباس.
قالوا: ايها الأمير، لنا في أنفسنا وتجارتنا شغل عن مثل هذا.
فأطلقهما.
فخرجا من عنده، يدوران كور خراسان ورساتيقها في عداد التجار، فيدعوان الناس الى الامام محمد بن على، فمكثا بذلك عامين.
ثم قدما على الامام محمد بن على بأرض الشام، فأخبراه انهما قد غرسا بخراسان غرسا يرجوان ان يثمر في أوانه، والفياه قد ولد له ابو العباس ابنه.
فامر باخراجه اليهم، وقال: هذا صاحبكم.
فقبلوا اطرافه كلها.
وكان مع الجنيد بن عبد الرحمن عامل السند رجل من الشيعة، يسمى بكير ابن ماهان، فانصرف الى موطنه من الكوفه، وقد أصاب بأرض السند مالا كثيرا، فلقيه ميسره العبدى وابن خنيس، واخبراه بامرهما، وسألاه ان يدخل في الأمر معهما، فأجابهما اليه، وقام معهما، وانفق جميع ما استفاد بأرض السند من الأموال بذلك السبب.

(1/333)


ومات ميسره بأرض العراق.
وكتب الامام محمد بن على الى بكير بن ماهان، ان يقوم مقام ميسره، وكان بكير يكنى بابى هاشم، وبها كان يعرف في الناس.
وكان رجلا مفوها، فقام بالدعاء، وتولى الدعوة بالعراقين، وكانت كتب الامام تأتيه، فيغسلها بالماء ويعجن بغسالتها الدقيق، ويأمر، فيختبز منه قرص، فلا يبقى احد من اهله وولده الا اطعمه منه.
ثم انه مرض مرضه الذى مات فيه، فاوصى الى ابى سلمه الخلال، وكان أيضا من كبار الشيعة.
وكتب الى [1] يعلمه ذلك.
فكتب محمد بن على الى ابى سلمه، فولاه الأمر، وامره بالقيام بما كان يقوم به ابو هاشم.
ثم كتب الى ابى عكرمه وحيان، وكانا صاحبي الأمر بخراسان، يأمرهما ان يكاتبا أبا سلمه، فدعاهما الى الدخول معه في امره، فاجاباه، ودخلا معه، وكانفاه.
ثم ان يزيد بن عبد الملك عزل أخاه مسلمه عن العراق وخراسان، واستعمل مكانه خالد بن عبد الله القسرى، واستعمل خالد اسد بن عبد الله على خراسان، فانتهى خبر ابى عكرمه، وحيان الى اسد بن عبد الله، فامر بطلبهما، فأخذا، واتى بهما، فضربت أعناقهما، وصلبا.
وبلغ ذلك محمد بن على، فقال: الحمد لله الذى صحح هذه العلامة، وقد بقي من شيعتي رجال سوف يفوزون بالشهادة.
فلما تم لملك يزيد بن عبد الملك اربع سنين واشهر توفى بالبلقاء من ارض دمشق.
وكانت وفاته سنه خمس ومائه، وله يوم مات ثمان وثلاثون سنه.
__________
[1] الامام

(1/334)