البدء والتاريخ
المجلد الأول
بسم الله الرحمن الرحيم وبه الحول والقوة [1] تسلّق الزائغون عن
المحجّة في التلبيس على الضعفاء وتعلّق المنحرفون عن نهج الحقّ في
إفساد عقيدة الأغبياء من طريق مبادي الخلق ومبانيه وما اليه معاده
ومآله تعلقا به ينبّهون غرّة الغافل ويحيرون فطنة العاقل وذلك من أنكى
مكايدهم للدين واثخن لبلوغهم في انتقاض الموحّدين وَيَأْبَى الله
إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [1] 9: 32 ويعلى كلمته ويفلج حجّته وَلَوْ
كَرِهَ الْكافِرُونَ 9: 32 [1] وانّ من عظيم الآفة على عوامّ الأمّة
تصدّيهم لمناظرة من ناظرهم بما تخيّل في اوهامهم وانتصب في نفوسهم من
غير ارتياض بطرق العلم ولا معرفة بأوضاع
__________
Qor. ,sour.IX ,V.32. [1]
(1/1)
القول ولا تحكّك بأدب الجدل ولا بصيرة
بحقائق الكلام ثم إلقاؤهم بأيديهم عند أوّل صاكّة تصكّ أفهامهم وقارعة
تقرع أسماعهم ضرعين خاشعين مستجدين مستقلّين الى ما لاح لهم بلا اجالة
رويّة ولا تتعير (؟) عن خبيئة وعلى أهل الطرف والشرف منهم التخصيص
بالنادر الغريب والرغبة عن الظاهر المستفيض والإيجاب بغوامض الألفاظ
الرائقة والكلم الرائعة وان كانت ناحلة المعاني نحيفة المغاني ضعيفة
الضمائر واهية القواعد فقصارى نظرهم الاستخفاف بالشرائع والأديان التي
هي وثاق الله تعالى في سياسة خلقه وملاك امره ونظام الألفة بين عباده
وقوام معاشهم والمنبّه على معادهم الرادع لهم عن التباغي والتظالم
والمهيب بهم الى التعاطف والتواصل والباعث لهم على اعتقاد الذخائر من
مشكور صنائع العاجل ومحمود ثواب الآجل فتعرّض الى ما هو منهيّ عنه في
حكمة العقل التعرض له من الاستهداف بقدح القادح واستدعاء مقت الماقت
والسعي في إفساد ذات البين والاستشراف للفتنة وتلبيس الحق على الضعفة
وأكثر ما يعترى هذه البليّة طبقة أهل اللسان والبيان يظنون ظنونا كاذبة
ويسمّون بهم قاصرة
(1/2)
الى حيث يحجم همه البارز النقّاب عن
التطلّع الى أدناه ويحقّ ما ذكره العتبى في كتابه وان كان دخيلا في
صناعته متكلّفا ما ليس من بزّته حيث قال في صفة هذه الطبقة قد رضى من
الله ومن عباده عوضا ان يقال فلان دقيق وفلان لطيف يذهب إلى انّ لطف
النظر قد أخرجه عن جملة الناس وبلغ به علم ما جهلوه فهو يدعوهم الرعاع
والغثاء والغثر وهو لعمر الله بهذه الصفات أولى وهي به أليق في أخوات
لهذه كثيرة ويا لها من فضيحة إذا أخذت الحجة يكظم أحدهم واسبل الحقّ
جناحه عليه بقي مبهوتا منقطعا قد خانته معرفته وكذّبته أمنيته وبدت
عورته وظهرت حيرته وصار ضحكة للناظرين ومثلا سائرا في السامعين بعد أن
كان يظنّ ضحكة لفضل علم أو بيان وكفى ذلّا وحزنا ودناءة ونقصا لراض
بهذه المنزلة ومعترّ بتفريط السفلة مقبلا على لحمه وعظمه مضيّعا أيّام
أدبه وعلمه ومن كانت هذه حاله فحقّ له النكال والنكير في العاجل مع ما
يبوء به من ناهض الإثم وعظيم الإصر في الآجل ومن أعظم ذلك على أرباب
القلانس وأصحاب المجالس الذين طلبهم العلم لا للَّه ولا لأنفسهم ولكن
(1/3)
للتصدّر والتقدّم فهم يأخذونه من غير
مظانّه ويترشحون له [Fo 2 Ro]
بلاد واعية مقدّماته مستحلبين أفئدة العامّة بإطراء مذاهبهم مفسدين
عليهم أذهانهم بما يقصّون من غرائب العجائب الّتي رووها مستأكلة
القصّاص عن أحدوثة في العقل مردودة واعجوبة عن الفهم محجوبة حتى شحنوا
صدورهم بترّهات الأباطيل وضيّعوا نفوسهم بالأسمار والأساطير فهم الى
كلّ ناعق سراع وعن كلّ ذي حقّ بطاء وللمتّبع متعرضون وعن الواجب معرضون
المحق فيهم مبطل والمدقّ ملحد والمخالف لهم ومقهور والناظر مهجور
والحديث لهم عن جمل طار أشهى اليهم من الحديث عن جمل سار ورؤيا مريّة
آثر عندهم من رواية مرويّة فهذه الخطّة كانت سبب حرمان العلم وتهجين
اهله وفوت الحظ واستحقاق الخذلان والتوسيع للطاعن في اللين وتسهيل
القادحين بالصخب والشغب والشنعة وردّ العيان وجحد البرهان ويأبى العلم
ان يضع كنفه أو يخفض جناحه أو يسفر عن وجه إلّا لمتجرّد له بكلّيته
ومتوفّر عليه بأينيته [1] معان بالقريحة الثاقبة [2] والرويّة الصافية
مقترنا
__________
[1] . بأمنيتهMS.
[2] . الباقبه MS.
(1/4)
به التأييد والتسديد قد شمّر ذيله واسهر
ليله حليف النصب ضجيع التعب يأخذ مأخذه متدرّجا ويتلقّاه متطرّفا لا
يظلم العلم بالتعسّف والاقتحام ولا يخبط فيه خبط العشواء في الظلام ومع
هجران عادة الشرّ والنزوع عن نزاع الطبع ومجانبة الإلف ونبذ المحاكلة
واللجاجة واجالة الراعي عن غموض الحقّ والتأتّي [1] بلطيف المأتى
وتوفيقه النظر حقّه من التمييز بين المشتبه والمتّضح والتفريق بين
التمويه والتحقيق والوقوف عند مبلغ العقول فعند ذلك إصابة [2] المراد
ومصادفة المرتاد وباللَّه التوفيق والرشاد، ولمّا نظر فلان أطال الله
في طاعته بقاه وبلغ من العلوم مناه الى أحوال هذه الطبقة وما قد يقسمهم
من الهمم وتوزّعهم من أنواع النحل وتصفّح مذاهبهم اشتاقت [3] نفسه الى
تحصيل الأصحّ من مقالاتهم وتمييز الأصوب من اشاداتهم فأمرنى لا زال
أمره عاليا وجدّه صاعدا أن أجمع له كتابا في هذا الباب منحطّا عن درجة
العلو خارجا عن حدّ التقصير مهذبا من شوائب التزيّد مصفّى عن سقاط
الغسالات [4]
__________
[1] . التاليMS.
[2] . أصابهMS.
[3] . واشتاقتMS.
[4] . العسالات MS.
(1/5)
وخرافات العجائز وتزاوير القصّاص وموضوعات
المتّهمين من المحدّثين رغبة منه في الحبر الّذي طبعه الله عليه
وامتعاضا للحق ومناضلة [1] عن الدين واحتياطا له وذبّا عن بيضة الإسلام
وردا لكيد مناويه وإرغاما لأنف فاشخيه [2] وتحرّزا عن أن يصيب الحنق
الموتور يلدغ ناره أو يجلد الطاعن مطعنا فتسارعت الى امتثال ما مثّل
وارتسام ما رسم وتتبّعت صحاح الأسانيد ومتضمّنات التصانيف وجمعت ما
وجدت في ذكر مبتدإ الخلق ومنتهاه ثم ما يتبعه من قصص الأنبياء عليهم
السلام وأخبار الأمم والأجيال وتواريخ الملوك ذوى الاخطار من العرب
والعجم وما روى من امر الخلفاء من لدن قيام الساعة الى زماننا هذا وهو
سنة ثلاثمائة وخمس وخمسين من هجرة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم وما
حكى أنه واقع بعد من الكوائن والفتن والعجائب بين يدي الساعة على نحو
ما بيّن وفصّل في الكتب المتقدّمة [Fo 2 vo]
والاخبار المورّخة من الخلق والخلائق وأديان أصناف الأمم ومعاملتهم
ورسومهم وذكر العمران من الأرض
__________
[1] . مناصلةMS.
[2] . فاشحيه -MS.
(1/6)
وكيفية صفات الأقاليم والممالك ثم ما جرى
في الإسلام من المغازي والفتوح وغير ذلك ممّا يمرّ بك في تفصيل الفصول
وانّما نبهنا على ما أردنا قول الحكماء أوّل العمل آخر التفكر وذاك
انّا لما جمعنا جمع ابتداء الخلق ثم لم نجد بدّا من تصحيح الحجاج في
إيجاب ابتدائه ولم يصحّ لنا تثبيت [1] ذلك الّا بإثبات مبديه سابقا
بخلقه ولا أمكن إثباته الّا بعد بيان طرق التوصّل اليه فابتدأنا بذكر
ذرو من حدود النظر والجدل ثم إيجاب إثبات القديم المبدئ المعيد ثمّ
ابتداء الخلق ثمّ ما يتلو ذلك فصلا فصلا وبابا بابا حتّى أتينا على آخر
ما كان الغرض والمقصود به، ولم يزل أهل الفضل والتحصيل من العلماء
والعظماء والملوك في قديم الزمان وحديثه يرغبون في تخليد ذكرهم
ويتنافسون في إبقاء رسمهم ويحرصون ان يورثوا من بعدهم ما يؤثر عنهم من
منقبة حميدة وحكمة بليغة ترغّبا في اقتناء الفضل واعتقاد الذخائر
توخّيا منهم لعموم نفع الخير وتحرّيا لشمول الصلاح والرشد وذلك ثمرة
الانسانيّة وغاية ما يؤمّله العقل وتطمح اليه النفس حتّى أن فيهم من
__________
[1] مثبت Ms.
(1/7)
اقتحم الممالك آنفا لذكر شجاعته ومنهم من
خرق بمضنون النفائس ومنهم من تكلّف لطائف النوادر بالأثارة [1]
والاستنباط ومنهم من رفع منارا أو بنى بناء أو انبط ماء كلّ يجرى على
قدر الهمم والإرادات لم يوجد واحد منهم خاليا عن خصلة من الخصال وان
عميت الأبناء دونها ل الّذي دعا فلانا ادام الله تمكينه الى الاقتداء
بهم والارتياح الى الأخذ بأخذهم والتأسي باسوتهم لما خصّه الله به من
كريم الطبع وشرف الهمّة وبعد الغور وبغية الصلاح وحبّ الخير ثم ما
يرجوه من حسن الثواب وكريم المآب بما عسى الله ان يبصّر به مستبصرا أو
يرشد مسترشدا ويهدى ضالّا ويردّ غاويا وقد وسمت هذا الكتاب بكتاب البدء
والتاريخ وهو مشتمل على اثنين وعشرين فصلا يجمع كلّ فصل أبوابا واذكارا
من جنس ما يدلّ عليه، الفصل الأوّل في تثبيت النظر وتهذيب الجدل، وهو
يجمع القول في معنى العلم والجهل والقول على كمية العلوم ومراتبها
وأقسامها والقول في العقل والمعقول والقول في الحسّ والمحسوس
__________
[1] . بالاثاره Ms.
(1/8)
والقول في درجات المعلومات والقول في الحد
والدليل والعلّة والمعارضة والقياس والنظر والاجتهاد والقول في الفرق
بين الدليل والعلّة والقول في الحدود والقول في الاضداد والقول في حدث
الاعراض والقول على أهل العنود [1] ومبطلى النظر والقول في مراتب النظر
وحدوده والقول في علامات الانقطاع [FO 3 RO]
الفصل الثاني في إثبات الباري وتوحيد الصانع، وهو يجمع الدلائل
البرهانيّة والحجج الاضطراريّة والقول في جواب من يقول ما هو ومن هو
وكيف هو والقول بأن الباري واحد وفرد لا غير والقول بإبطال التشبيه،
الفصل الثالث في صفات الباري وأسمائه، وهو يجمع القول في الصفات والقول
في الأسامي وما يجوز أن يوصف به وما لا يجوز واختلاف الناس فيه، الفصل
الرابع في تثبيت الرسالة وإيجاب النبوّة، وهو يجمع اختلاف الناس فيه
وإيجابه بحجّة العقل والقول في كيفيّة الوحي والرسالة على ما جاء في
الأخبار،
__________
[1] . المعهود Ms.
(1/9)
الفصل الخامس في ذكر ابتداء الخلق، وهو
يجمع إيجاب حدث الخلق وإيجاب ابتدائه بالدلائل والحجج وقول القدماء في
إيجاب الخلق وابتدائه وذكر حكايات أهل الإسلام عنهم وذكر مقالات
الثنوية والحرّانية والمجوس وذكر مقالات أهل الكتاب فيه وذكر قول أهل
الإسلام في المبادي وذكر ترجيح أصوب المذاهب وذكر ما خلق في العالم
العلوي من الروحانيّات وأول ما خلق في العالم السفلي من الجسمانيّات
وسؤال السائل ممّ خلق الخلق وفيم خلق وكيف خلق ومتى خلق ولم خلق، الفصل
السادس في ذكر اللوح والقلم والعرش والكرسيّ وحملة العرش والملائكة
وصفاتها واختلاف الناس فيها والقول في الملائكة أمكلّفون هم أم مجبورون
وانهم أفضل من صالح وذكر ما جاء في الحجب وما جاء في سدرة المنتهى وذكر
الجنّة والنار وذكر صفة النار وذكر اختلاف الناس في الجنة والنار وذكر
صفة أهل النار وذكر اختلاف الناس في بقاء الجنّة [والنار] وفنائهما
وذكر اختلاف الناس في هذا الفصل وذكر الصراط والميزان والحوض والصور
(1/10)
[fo 3 vo]
والأعراف وغيرها، الفصل السابع في خلق السماء والأرض، وهو يجمع صفة
السموات وصفة الفلك وصفة ما فوق الفلك وصفة ما في الأفلاك والسموات كما
جاء في الخبر وصفة الكواكب والنجوم وصفة صورة الشمس والقمر والنجوم وما
بينهما واختلاف الناس في أجرامها وأشكالها وذكر طلوع الشمس والقمر
وغروبهما وكسوفهما وانقضاض الكواكب وغير ذلك ممّا يعرض في السماء وذكر
الرياح والسحاب والأنداء والرعد والبرق وغير ذلك ممّا يحدث في الجوّ
وذكر مقالة الشمس والقمر والكواكب والشهبان وقوس قزح والزوبعة والزلازل
وذكر الليل والنهار وذكر الأرض وما فيها واختلافهم في البحار والمياه
والأنهار والمدّ والجزر والجبال واختلافهم فيما تحت الأرض وذكر قوله
تعالى الله الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما في
سِتَّةِ أَيَّامٍ 32: 4 [1] وذكر ما حكى في المدّة قبل خلق الخلق وذكر
مدّة الدنيا [قبل آدم عليه] السلام وذكر خلق الجنّ والشياطين وذكر ما
وصفوا من عدد العوالم،
__________
Qor. ,passim [1]
(1/11)
الفصل الثامن في ظهور آدم وانتشار ولده،
وهو يجمع اختلاف الفلاسفة في تأليف الحيوانات واختلاف المنجّمين وسائر
الناس في ذلك وذكر خلق آدم وذكر اختلاف أين خلق آدم وذكر قولهم كيف نفخ
الروح في آدم وذكر سجود الملائكة لآدم وذكر قوله عزّ وجلّ وَعَلَّمَ
آدَمَ الْأَسْماءَ 2: 31 [1] وذكر دخول آدم الجنّة وخروجه منها وذكر
أخذ الذرّية من ظهر آدم وذكر اختلاف الناس في آدم وقصّته وذكر صورة آدم
وخبر وفاته وذكر الروح والنفس والحياة واختلاف الناس فيها وفي الحواسّ
من القدماء وأهل الكتاب وما جاء في القرآن من ذكرها وفي الاخبار
ومناظرات الناس فيها، الفصل التاسع في ذكر الفتن والكوائن الى قيام
الساعة وما ذكر من امر الآخرة، وهو يجمع القول بوجوب فناء العالم
وانتهائه وذكر قول من قال من القدماء بفناء العالم وذكر قول أهل الكتاب
في هذا الباب وذكر ما جاء في مدة الدنيا وكم مضى منها وكم بقي منها
وذكر التأريخ من لدن آدم إلى يومنا هذا على ما وجدناه في كتب أهل
الأخبار وذكر ما بقي
__________
QOR. ,Sour.II ,v.29. [1]
(1/12)
من العالم وكم مدّة [أمّة] محمّد صلى الله
عليه وسلم [في] ما رواه أهل الأخبار وذكر ما جاء في أشراط الساعة
وعلاماتها وذكر الفتن [fo 4 ro]
والكوائن الى آخر الزمان وخروج الترك والهدّة في رمضان والهاشمي الّذي
يخرج من خراسان مع الرايات السود وخروج السفيانىّ وخروج القحطانى وخروج
المهدي وفتح قسطنطينيّة وخروج الدجّال ونزول عيسى بن مريم عليه السلم
وطلوع الشمس من مغربها وخروج دابّة الأرض وذكر الدخان وخروج يأجوج
ومأجوج وخروج الحبشة وذكر فقدان الكعبة وذكر الريح التي تقبض أرواح أهل
الإيمان وذكر ارتفاع القرآن وذكر النار التي تخرج من قعر عدن تسوق
الناس الى المحشر وذكر نفخات الصور الثلاث وذكر صفة الصور واختلاف أهل
الكتاب في صفة ملك الموت وذكر ما بين النفختين وذكر اختلافهم في قوله
تعالى إِلَّا ما شاءَ الله 6: 128 [1] وذكر المطرة التي تنبت أجساد
الموتى وذكر الحشر وذكر اختلاف الناس في كيفيّة الحشر وذكر الموقف وذكر
تبديل الأرض وذكر طىّ السماء وذكر يوم
__________
QOR. ,Sour.VI ,v.128. [1]
(1/13)
القيامة وذكر ما قيل ممّا هو كائن بعد ذلك
وذكر ما حكى عن القدماء في خراب العالم وذكر ما يجب على المرء اعتقاده
في هذا الباب الفصل العاشر في ذكر الأنبياء والرسل عليهم السلم ومدة
أعمارهم وقصص أممهم وأخبارهم على نهاية الإيجاز والاختصار، الفصل
الحادي عشر في ذكر ملوك العجم وما كان من مشهور أيّامهم الى مبعث
نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم، الفصل الثاني عشر في ذكر أديان أهل
الأرض ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم من أهل الكتاب وغيرهم وهو يجمع ذكر [1]
المعطّلة وذكر أصناف الهند وشرائعهم ومللهم وأهوائهم وذكر أهل الصين
وذكر ما حكى من شرائع الترك وذكر شرائع الحرانيّين وذكر أديان الثنويّة
وذكر عبدة الأوثان وذكر مذاهب المجوس وذكر مذاهب الخرميّة وذكر شرائع
أهل الجاهليّة وذكر شرائع اليهود والنصارى، الفصل الثالث عشر في ذكر
أقسام الأرض ومبلغ أقاليمها، وهو يجمع ذكر الأقاليم السبعة وذكر
المعروف من البحار
__________
[1] (؟) البير Lems.intercaleici
(1/14)
والأودية والأنهار وذكر الممالك المعروفة
من الهند وتبت ويأجوج ومأجوج والترك والروم وبربر والحبشة [fo
4 vo] وذكر بلاد الإسلام من الحجاز والشام
واليمن والمغرب والعراق والجزيرة والسواد وآذربيجان وارمينية والأهواز
وفارس وكرمان وسجستان ومكران والجبل وخراسان وما وراء النهر وذكر
المساجد والبقاع الفاضلة مثل مكّة والعراق وذكر الثغور والرباطات وذكر
ما حكى من عجائب الأرض وعجائب أصناف الناس وذكر ما بلغنا من المدن
والقرى ومن بناها وأنشاها وذكر ما جاء في خراب البلدان، الفصل الرابع
عشر في أنساب العرب وأيّامها المشهورة، الفصل الخامس عشر في مولد
النبيّ ومنشاه ومبعثه الى هجرته صلى الله عليه وسلم، الفصل السادس عشر
في ذكر مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وعدد سراياه
وغزواته الى يوم وفاته، الفصل السابع عشر في صفة خلق رسول الله صلى
الله عليه وسلم وخلقه وسيرته وخصائصه وشرائعه ومدة عمره وذكر أزواجه
وأولاده وقراباته وخبر وفاته وذكر معجزاته،
(1/15)
الفصل الثامن عشر في ذكر أفاضل الصحابة
وأولى الأمر منهم، من المهاجرين والأنصار وذكر حلاهم ومدة أعمارهم
وابتداء إسلامهم وذكر أولادهم ومن أعقب منهم ومن لم بعقب، الفصل التاسع
عشر في اختلاف مقالات أهل الإسلام، وهو يجمع ذكر فرق الشيعة وفرق
الخوارج وفرق المشبّهة وفرق المعتزلة وفرق المرجيّة وفرق الصوفيّة وفرق
أصحاب الحديث رضي الله عنهم، الفصل العشرون في مدة خلافة الصحابة وما
جرى فيها من الفتوح والحوادث الى زمن بنى أميّة وهو يجمع خلافة ابى بكر
رضي الله عنه وما كان في أيّامه من الردّة والتنبّي والفتوح وخلافة عمر
رضي الله عنه وما كان في أيّامه من الفتوح وخلافة عثمان وما كان في
أيّامه من الفتوح والفتن وخلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وما كان
في أيّامه من الفتن وذكر الجمل وصفّين والنهروان [5] وخروج الخوارج
عليه وذكر الحكمين وخلافة الحسن بن على رضي الله عنهما إلى أن غلب
معاوية على الأمر، الفصل الحادي والعشرون في ذكر ولاية بنى أميّة على
الإيجاز والاختصار وما كان منها من الفتن من فتن ابن الزبير
(1/16)
والمختار بن ابى عبيد وهو يجمع قصّة زياد
وموت المغيرة وعمرو ابن العاص ووفاة الحسن بن على رضي الله عنهما وأخذ
معاوية البيعة ليزيد وولاية يزيد بن معاوية عليهما اللعنة ومقتل الحسين
ابن على رضي الله عنهما وقصّة عبد الله بن الزبير وذكر وقعة الحرّة
وموت يزيد بن معاوية وولاية معاوية بن يزيد وذكر فتنة ابن الزبير الى
ان قتله الحجّاج في ولاية عبد الملك ابن مروان الى آخر أيّامهم، الفصل
الثاني والعشرون في عدد خلفاء بنى العبّاس من سنة اثنتين وثلاثين ومائة
الى سنة خمسين وثلاثمائة، فالناظر في هذا الكتاب كالمشرف المطّلع على
العالم مشاهدا حركاته وعجيب أفعاله والسابق له قبل تركيبه وحدوثه
الباقي بعد انجلائه ودثوره وفيه لطرق العلم توطئة ولأهل الدين قوّة
وللمبتدي رياضة وللمستأنس به سلوة وللمتفكّر فيه تبصرة وعبرة وهو الى
مكارم الأخلاق داع وعن الدناءة ناه والله نسأل أن ينفعنا ومن نظر فيه
بما ضمّن وأودع وان ينبّهنا عن سنة الغفلة ويوفّقنا توفيقا بحسن
الإصابة إنّه سميع قريب [1]
__________
Qor. ,s.XI ,v.64. [1]
(1/17)
الفصل الأوّل في تثبيت النظر وتهذيب الجدل
أقول وباللَّه التوفيق وَمَن عندَهُ العصمة والتسديد إن معرفة هذا
الفصل من أعوان الأسباب على درك الحقّ والتمييز بينه وبين ما يضادّه لا
غناء بأحدٍ عن مطالعته والإشراف عليه ليعرف الصدق من نفسه ومن غيره إذْ
قد يعترض من الفكر والتخايل والأوهام الفاسدة والخطرات الردئة ما يلتبس
معها الحقّ ويتغلّب عندها الظنّ والشكّ وليس ما يميّز بينها ويدلّ على
صّحة الصحيح وبُطلان الباطل منها إلاَّ النظر وبه يعترف السؤال الساقط
من السؤال اللازم والجواب الجائز من الجواب العادل فلنذكر الآن منه
لمعاً لهام ما نحن قاصدوه يكون عُدّة للناظر وقوّة للمناظر ثّم من بعد
يستقصيه إن [شاء] الله في
(1/18)
كتاب استسناه على هذا النوع وسمّيناه كتاب
العلم والتعليم ومن عند الله العصمة والتوفيق،،، أقول أنّ العلمَ
اعتقادُ الشيء على ما هو به إن كان محسوساً فبالحسّ وإن كان معقولاً
فبالعقل والحسّ والعقل أصل ما تردّ إليه العلوم كلّها فما قضَيَا
بإثباته ثبت وما قضيا بنَفْيه انتفى هذا إذا كانا سليمّيْن من الآفات
برئَيْنِ من العاهات وعوارض النقص غسيلين من عشق عادة الألف والنشو [5]
لا يكاد يقع حينئذ في محسوسه ومعقوله اختلاف إلا من مخالف أو من معاند
لأنهما على ضرورة لا يعترض للحاسّ شكٌّ في هيئّة المحسوس وصورته ولا
يقدر المضطّر ببديهة عقله أن لا يعلم ما يعلمه ويتيقنه ولا يُصدّق مّنْ
يدّعي خلافه ولو كان مضطّر إلى دعواه كما اضطّر في حواسّه لما ظهر من
أحد خلاٌف ولا احتيج إلى كسر قوله والكشف عن عُوار كلامه ألا ترى أنّه
يستحيل ان تجد الحاسّة النار باردّة والثلج حارًّا في الظاهر كما
يستحيل إن يكون المعلوم متحرّكاً ويعلم ساكناً أو يكون في نفسه أبيض
ويقع العلم بأنّه أسود ولو جاز هذا لبطلت العلوم كلّها رأساً وفسدت
الاعتقادات فساغ لكل قائل ما أراد من
(1/19)
ادّعاء السمع البصر والبصر السمع والحيّ
ميتاً والميّت حياً وهذا محال لأن العلم إذا كان إدراك الشيء على ما هو
به من حدٍ وحقّه ثم لم يُدرك ذاته كما هو لم يكن معلوماً وكذلك الحسّ
إذا لم يدرك طبعه طبع ما يقع تحته لم يكن محسوساً وهذا لا خلاف فيه بين
المتميّزين العاقلين قاطبةً إلاّ رجلّيْن اثنَيْن أحدهما العامي الذي
لا نظر له لإغفاله آخذاً له استعماله ومتى لاح له الحقّ اتبعه وانقطع
خلافه لأن قوله ذاك عن حَدْس وظنّ وسماع وتقليد فإذا قرع سمعه ما يشهد
بتصديقه قلبه مال إليه وقبله والثاني الجاحد المعاند الذي يسمّيه
القدماءُ السوفسطاني وسنذكر فساد مذهبهم في موضعه إن شاء الله تعالى،
وضدّ العلم الجهل ومعناه اعتقاد الشيء على خلاف ما هو به وليس كلّ من
لا يعلم جاهلاً بالإطلاق ولكنّ الجاهل في الحقيقة التارك طلب حدّ الشيء
وحقّه المعتقد له على غير ما هو به ولولا ذاك لما استحق اللائمة
والمذمّة على جهله،،،
القول في كمية العلوم ومراتبها،
أقول أنّ اسم العلم قد يطلق في الجملة على الفهم والوهم والذهن والفطنة
واليقين والخطرة
(1/20)
والمعرفة وكلّ ما يحصل منه إدراك شيء
ظاهراً أو باطناً ببديهة عقل أو مباشرة حاسّة أو استعمال آلة
كالاستدلال والفكرة والبحث والتمييز والقياس والاجتهاد لأنّ هذه الخصال
كلّها آلات ادراك العلم وطُرُق التوصّل إليه وممّا يصاب من هذه الجهة
فروع بالإضافة إلى علم البدائه والحواسّ [أ] لا ترى أن الإنسان العاقل
المميّز مضطرّ إلى شواهد عقله وحسّه غير مضطّر إلى استدلاله وبحثه أو
لا ترى أن لا سبيل إلى البحث والاستدلال لمن عرى من عقله أو أصيب بحسه
فأوّل العلم الخطرة الصادقة وهو كالبديهة مثلا بل بقوة البديهة وآخره
اليقين وهو استقرار الحقّ وانتفاء الشك والشبهة عنه وإنما اشترطنا في
الخطرة الصدق لأنه قد يخطر النفس والهوى والطبع والعادة بما لا حقيقة
له فلا يجوز أن يعدّ من آخر العلم اليقين الذي يُحيط بالأشياء على
وجهها ويدركها بكنهها والمعرفة ادراك أينية [1] الشيء وذاته فمن قائل
انّها ضرورة وآخر أنّها [6] مكتسبة والفرق بينها وبين العلم إن العلم
الإحاطة بذات الشيء عينه وحده والمعرفة ادراك ذاته
__________
[1] . أبنية MS.
(1/21)
وثباته وإن لم يدرك حدّه وحقيقته فالعلم
اعمّ وابلغ لأن كلّ معلوم معروف وليس كلّ معروف معلوماً ألا ترى أنّ
الموحّدين يعرفون ربّهم ولا يعلمونه إلا بالإثبات لأنَّ الكيفيّة
والكميّة عنه منفيتانِ، والوّهْم اعتقاد صورة شيء محسوس أو مظنون وان
كان منفياً وجودُه في الظاهر لأنَّ قوة الوهم في انبساطها تضعُف فلذلك
[ترى] ما لا تراه العيون وكذلك العين إذا امتدت قوّة بصرها وبعدت مسافة
المرئيّ عنها رأته على خلاف ما هو به من الصغَر والعظم والصورة واللون
وغير ذلك من الهيئات وما خلا عن الهيئات والصفات والحدود كلّها فلا
يمسّها الوهم ولا يتصوّر في النفس والفهم هو المعرفة وقوّة الذهن قريبة
من قوّة العقل غير أنّ الذهن والفهم تطبّع والفطنة قريبة المعنى من
الذهن وانّما احتجنا إلى هذا لأن كثيراً من الناس يولعون بالبحث عن هذه
الأسامي ويستفرقون بينها وأما الأسباب التي يتوصّل بها إلى ما خفى من
العلم فالفكرة وهي البحث عن علّة الشيء وحدّه الرأي والرويّة
والاستنباط انتزاع ما في طي المعقول والمحسوس والاستدلال والاجتهاد وقد
عدّ قومٌ ميل العادة والطبع إلا ما يميلان إليه
(1/22)
أو ينفران منه علماً فهذه جملة أصول العلم
وطُرقها ومحصولها راجع إلى ثلاثة أصناف إلى المعقول بديهةً والمحسوس
ضرورة لأن ما يدرك بهما يدرك بلا واسطة ومقدّمات والثالث المستدلّ عليه
المستنبط بالبحث والإمارة فهذه يقع فيها الاختلاف والإضطراب لخروجه عن
حيّز الحاسة والبديهة وتفاوت قُوى المستدلّين والناظرين وتفاوت أرائهم
وعقولهم.
وهذا يكثر حدّاً وفيه صُنفت الكتب ودُونت الدواوين من علمي الحكمة
والملّة مُذ قامت الدنيا على ساقها ولا يزال كذلك إلى انقضاء الدهور
وتخرُّم الأيام وكثير من الناس أبوا أن يسمّوا علم البديهة والحسّ
علماً على الحقيقة لاشتراك الناس كلّهم فيه واستواء درجاتهم في ذلك ثم
هو غير مستفاد ولا مكتسب بل أوجبه الطبع العزيزة وقوّة التمييز
والخلقة،
القول في العقل والمعقول،
أقول أنّ العقل قوّة إلهية ممّيزة بين الحقّ والباطل والحسن والقبيح
وأمّ العلوم وباعث الخطرات الفاضلة وقابل اليقين وقد قيل إنما سمّى
عقلاً لأنه عقال للمرء عن التخطّى إلى ما خُطر عليه وقد أكثرت الفلاسفة
الاختلاف في ذكره ووصفه قال ارسطاطاليس في كتاب
(1/23)
البرهان أن العقل هو القوة التي بها يقدّر
الإنسان على الفكرة والتمييز وبها يلتقط المقدّمات من الأشياء الجزئيّة
يؤلف منها القياسات وقال في كتاب الأخلاق أن العقل هو ما يحصل في
الإنسان بطريق الاعتياد من أنواع الفضائل حتّى يصير له ذلك خُلقاً
وملكة متمكنة في الناس وقال في كتاب النفس بخلاف هذا وقسّمه إلى ثلاثة
أقسام إلى العقل الهيولاني والعقل الفعّال والعقل المستفاد وفسّره
لاسكندر [1] فقال إن العقل الهيولاني هو ما يوجد في شخص الإنسان من
إمكان التهيؤ لتأثير العقل الفعّال وان العقل المستفاد [6] هو المصوَّر
والعقل الهيولاني بمنزلة العنصر وان العقل الفعّال هو المخرج للعقل
المستفاد على الوجوه بالفعل وزعم بعضهم أن العقل هو النفس وبعضهم يقول
هو البارئ جلّ جلاله مع تخليط كثير منهم في هذا الباب وممّا توارثناه
عن الأسلاف قولهم العقل مولود والأدب مستفاد وإنما سمّاه بعضهم باسم
أفعاله فلا يضايقه بعد أن أتى المعنى المطلوب منه ألا ترى انه يقال
لكتب المتّصفين أخبار الأوائل والأشعار أنها عقولهم والمعنى نتائج
__________
[1] . الإسكندر Ms.
(1/24)
عقولهم وأذهانهم وقيل ظن الرجل قطعة من
عقله فكل هذا على التمثيل والاستعارة ولا يختلف قول القدماء في أن
العقل الهيولاني أصفى جوهر النفس وحسّه فوق حسّ النفس ورتبته على رتب
الجواهر ودون رتبة البارئ جل جلاله وهو أقرب الأشياء منه المسلمون لا
يعلمون من العقل إلا ما هو مركب في الإنسان خاصّةً دون سائر الحيوان في
العالم السُفلي فأما ما يحكى عن غيرهم فموقوف على الجواز ما لم يردّه
العقل أو كتاب الشريعة وقد ذهب قوم أن حجّة الطبع فيما يوجبه ويسلبه
أولى من حجّة العقل وادعوا ذلك من جهة اشتياق إلى ما وافقه ويلائمه
وإنقباضه عمّا يعافه وينافره وان الله عزّ وجلّ خلقه إذ خلقه كذلك ولا
يجوز ان يخلق شيئاً عبثاً أو لغير حكمة وفائدة والعقل مستحسن وهو
يستحسن الشيء ثم يستقبحه ويستصوبه ثمّ يستحطئه والطبع لا يستحلى مُراً
ولا يستمر حلواً ولا يجد الشيء عن خلاف ما هو به فأجابهم مخالفوهم أن
الطباع لا تعرف إلا ما يحسّ وتباشر وقد تغيرها العادات والعوارض عن أصل
جبلّتها فتميل في بعض الأوقات إلى ما كانت تنفر عنه وينفر عمّا كانت
تميل إليه وليس من قوّتها التمييز بين
(1/25)
الحسن والقبيح بالاستدلال كما في قوّة
العقل وقد صحّت طبائع البهائم وسلمت أخلاطها ثم لم يحسن خطابها وامتناع
الطبع عن استحسان الحسن واستقباح القبيح غير محلى له من الحكمة ولا
موجب العبث في خلقه كما أنّ الموات لا تحسّ بشيء من الأعراض ثمّ لم
يخلُ من الحكمة بل دلالته وما تحويه من المنافع والمضار الذي خصّ به
جنسه فائدته وحكمته فدلّنا ان موجب العقل هو المعوّل عليه في الاعتبار
والاستدلال لإسقاط التكليف ووضع الامتحان على البهائم التي سلمت طباعها
وأخلاطها فإن قيل بمّ عرفتم العقل قيل بنفس العقل لأنه الأصل والبديهة
وأمّ علوم الاستدلال كما عرفنا الحسّ نفس الحسّ لأنه الطبع ولو كنَّا
عرفنا العقل بعقل لأفضى الأمر إلى ما لا نهاية له ولمّا كان العقل أصل
العلوم ورأسه فإن قيل فَبِمَ يفرقون بين دلالة العقل ودلالة الهوى
والعادة قيل بالرد إلى الأصل لأن الفرع يشاكل الأصل ولو لم يشاكله لم
يكن فرعاَ له ومن الدليل على وجوب حجّة الطبع تعظيم الناس كلّهم العقل
وتبجيلهم إيّاه وتفضيلهم مراتب العقلاء ورفعهم أقدارهم واستنامتهم إلى
(1/26)
آرائهم واعتمادهم على إشارتهم وتمنّيهم
درجاتهم والاستخفاف بمن ذلّ عقله وبدا سخفه ولم يفعلوا [7] ذلك بمن
استقامت طباعه وكملت أخلاطه فعلمنا أنه معنى غير معنى الطبع وهو العقل
القول في الحسّ والمحسوس،
أقول أنّ الحواس طُرُق وآلات مهيّأة لقبول التأثيرات كما وضعها الله
عزّ وجلّ عليه فإذا باشرت الحاسّة المحسوس أثرت فيه بقدر قبوله وقبلت
منه بقدر تأثيره فبدرت به النفس وأدّته إلى القلب واستقر فيه ثم
تنازعته أنواع العلم من الفهم والوهم والظن والمعرفة وبحث عنه العقل
وميزه فما حققه صار يقيناً وما نفاه صار باطلا والحواسّ الخمس أولا
يوجد شيء لا يمكن وجوده بشيء من الحواس فيحتاج إلى حاسّة سادسة ويزعم
قومٌ أنها أربع ويجعلون الذوق ضرباً من اللمس وبعض يقول ستّ ويعدون فعل
القلب حاسّةً سادسةً وهذا سهل واسع بعد أن اقروا بصحة وجود فعل الحواس
لأن من الناس من ينكر حقيقة فعلها تتغير أحوالها ويحتج برؤية من يرى
وجهه في السيف طويلاً وقامته في الماء الذي لا يكون مساحة عمقه كمساحة
قامته منكسة ويرى الصغير كبيراً والكبير
(1/27)
صغيراً والواقف سائراً وهذا من رأى
المعاندين والمموّهين إذ لا توجد هذه التغيرات في غير حاسّة البصر وذلك
للعلل العارضة من بُعد المسافة وتكاثف الهواء فيقع الغلط من جهة
الكيفية والكمية لأن الحاسّة لا تضبط الهئاة إذا بُعدت فأمّا الاينية
فلا يقع فيها غلط ما لم يفرط بُعدها فلا تحصر شخصها الحاسّة وأما سائر
الحواسّ التي فعلها بالمضامّة والمباشرة فلا يقع فيها اختلاف ما صحّت
وسلمت وأهون ما يقابل به صاحب الرأي إنكار الحواسّ نفسها عروضّا لإنكار
فعل الحواسّ وما أعلم أنا عقلاً [1] يشتغل بردّ هذا الرأي وإنكاره
ولظهور فساده وفُحش خطابه
القول في درجات العلوم [2]
أقول أنّ الأشياء كلّها في العقول على ثلاثة أضرُب واجبٌ وسالبٌ ومُمكن
فالواجب في العقل بنفس العقل واستدلاله كعلمنا بأن البناء يقتضي بانياً
والكتابة يقتضي كاتبا ولا بدّ لكلّ صنعةٍ من صانع وأن الواحد والواحد
اثنان وأن الشيخ كان شباباً والصغير كان رضيعا وما أشبه ذلك والسالب
الممتنع المستحيل في العقل بنفس العقل واستدلاله
__________
[1] . أنا عقلMs.
[2] . المعلومات Ms.
(1/28)
وهو أن يوجد كتاب بغير كاتب وصنعة من غير
صانع فإن هذا لا يوجبه العقل ولا يتصوره الوّهمْ ولا يستقرّ عليه الطبع
والممكن الجائز الموهوم في العقل بنفس العقل كما حكى عن القرون السالفة
والبُلدان النائية وما يذكر أنه سيكون بعدُ فإن ذلك ممّا يجوز في العقل
أنّه كذلك ويجوز أنه ليس كذلك لأنه لا يدل خاطر على تحقيق شيء من ذلك
ألا ويجوز أن يدلّ خاطر على إبطاله لدخوله في حدّ الجواز والإمكان
فلمّا تكافأت الأدلّة به قصر على حدّ الوقوف فلا شيء ألا وهو معقول
معلوم أو معروف أو موهوم أو محسوس
في الحدّ والدليل [7] والمعارضة والقياس والاجتهاد والنظر وغير ذلك،
أقول أنّ الحدّ ما دلّ على عين الشيء وغرضه باحاطة وإيجاز كحدود الدار
والأرضين التي تميز حصّة كل مالك من حصّة صاحبة فيعرف به داره فأرضه
والزيادة في الحدّ نقصان والنقصان منه زيادة يبطل الحدّ المطلوب كقولك
الإنسان حىّ ميّت ناطق هذا حدّه فإن زيد فيه شيءٌ أو نقص انتقض لأن
الاعتبار صحّة الحدود في الاطّراد بالعكس
(1/29)
والقلب فمتى لم ينعكس لم يستقِم هذا الذي
اختاره في الحدود وإن كان للناس فيه أقوال ومذاهب لأن من رأى بعضهم أن
حدّ الشيء وصفه له في ذاته كالعلّة وعند بعضهم حدّ الشيء من ذاته واسمه
واعتبر بعضهم طرده من جانبين كما قُلنا وبعضهم اقتصر في جانب واحد إذا
[صحّ] الطرد وهذا لا يستقيم إلا في باب الشرع والإلزام التي حجب عن
الناس عللها الموجبة كقول من زعم مثلاً أنّ حدّ الصلاة أنّها طاعة ثم
يقول وليس كلّ طاعة صلاةً فالأولى في هذا أنْ نسميه صفةً لا حداً لأنه
لو كان حداً لسلم في الطرفين كما قال أن حدّ الإنسان أن يكون حياً
ميتاً ناطقاً فكل حي ميت ناطق إنسان وكل إنسان حي ميت ناطقٌ وقد قيل
الحدّ جامع لما يفرّقه التفصيل وأقول أن الدليل ما دّل على المطلوب
ونبّه على المقصود كائناً ما كان من جميع المعاني. التي تتوصّل بها إلى
المدلول عليه وقد يدلّ الدليل على فساد الشيء كما يدل على صحته فإذا دل
على صحة شيء فهو دليل على فساد شيء والدليل على فساد الشيء فهو دليل
على صحّة ضدّه ويدّل الدلائل الكثيرة المختلفة على العين الواحدة
كالطُرُق المؤدية إلى مكان
(1/30)
واحد وكلّ ما هدى إلى شيء فهو دليل عليه
فالبارئ سبحانه وتعالى دليل خلقه والرسول عليه السلم دليل أمّته
والكتاب دليل والخبر دليل والأثر دليل والحركة والصواب دليل وما أشبه
ذلك هذا الذي اختاره في الدليل الذي يستدلّ أهل النظر به وقد زعم بعض
الناس أن الدليل هو المستدلّ نفسه فناقضه مخالفة بأنّه لو كان كذلك
لجاز للمدّعى إذا طُولب بالدليل أن يقول أنا الدليل وهذا سهل قريب
التفاوت لمن تأمّل أن اللغة لا تمنع أن يكون الدليل فاعل الدلالة
كالشريب والسمير وأن يكون عين الدلالة والمدلول عليه كالصريع والقتيل
يقول المدّعى أنا الدليل إذا أراد فاعل الدلالة غير خطاءٍ وإنما يستحيل
إذا أراد به عين الدلالة على ما يطالب به وقد يكون عينه دليلاً على
الصانع إذا سُئل لأنه ما من مدلول عليه إلا وهو دليل على شيء آخر وإن
لم يكن دليلاً على نفسه وأقول أن العلّة السبب الموجب وهي ضربان عقليّة
وشرعيّة فالعقلية الموجبة بذاتها غير سابقة لمعلولاتها كحركة المتحرك
وسكون الساكن فالشرعية التي تطرى على الشيء فتغير حكمه ويكون مقدّماً
لها معلولاً بعلة قبلها
(1/31)
وشرط صحة العلة جريانها في معلولها فمتى ما
تقاعست عن الإطراد تهافت ذلك كوجود عين أو حكم لعلة من العلل ثم وجود
تلك العين والحكم مع زوال تلك العلّة أو زوال العين [8] والحكم مع بقاء
العلّة وصحّة العلّة كصحّة الحدّ سواء مع أنّ كثيراً من الناس يسمّون
العلّة الحدّ وليس ببعيد لاتفاق المعنى وقيل أن العلة ذات وصف واحد
وذات وصفين وذات أوصاف كثيرة ولا يصح الحكم بها إلا بإجتماع أوصافها
كقولنا في الإنسان أنه حي ميّت ناطق لو اختزلت صفة من هذه الصفات لبطلت
أن تكون حدّاً للإنسان وعلّة له وأقول أن المعارضة تصحيح ما رام خصمك
إفساده من مذهبك بمثل مذهبه ومعنى المعارضة والمقابلة على السواء
والمماثلة فإذا وقعت على خلاف ما يذهب الخصم إليه فهي ساقطة فاسدة وقد
أنكر قوم هذا الباب وأبطلوه وزعموا أنه خارج عن حدّ الجواب والسؤال
فأجابهم مخالفوهم بأنه ضربٌ من السؤال أو زيادة فيه واستدلّوا بأنّ
المعارض مجيب أو مرئى مناقصه ولو جاز ان تمسك المعارض له عن جواب ما
عورض فيه لجاز ان تمسك
(1/32)
المسئول عن جواب [1] ما سئل إذا السائل
مستجير والمعارض مجير ثم نزل المعارضة من صححها أربع منازل يصحّ منها
ثلاث [2] ويبطل واحدة وهي معارضة السؤال بالسؤال كسائل رجلاً ما قولك
في كذا فيكُرُّ عليه وما قولك أنت في كذا فهذا لأنه ليس فيه شيء من
جواب ما سئل والثانية معارضة الدعوى بالدعوى كقائل إن العالم قديم
فيقول له الخصم ما الفرق بينك وبين من يدّعى أنه مُحدث فيلزم مدّعى
القدم إقامة البرهان والتفريق بين المدعوين ومتى بطل قول من ادّعى أنه
محدث صحت له دعواه في القدم لأنّ في صحّة الشيء فساد غيره والثالثة
معارضة العلّة بالعلّة كقول الموحّد للمجسّم إذا قلت أنّ البارئ جسم
لأنك لا تعقل فاعلاً إلا جسماً فَلِمَ لم تقل مركّب مؤلف لأنك لم تَرَ
إلا جسماً مركباً مؤلفاً والرابعة معارضة الدليل بالدليل فهو أن يقال
إذا كان دليلك كيت وكيت فما الفرق بينك وبين من يزعم أن الدليل شيءٌ
آخر غير ذلك فالجواب أنك لا تقابل علّة بعلّة ومطالبتك بالفرق مطالبة
بتصحيح الدليل وأقول أن
__________
Ms.repetedeuxfois. [1]
Ms.repetedeuxfois. [2]
(1/33)
القياس ردّ الشيء إلى نظيره بالعلّة
المشاركة ويقال القياس معرفة المجهول بالمعروف وقيل كلّ ما عُلم
بالاستدلال من غير بديهة ولا حاسة فهو قياس وقيل القياس التقدير واحتج
قائلوه بقول الفرزدق [وافر]
ونحن إلى زفوف مغوّراتٍ ... نقيس على الحصا نطقاً يقينا
وهذه الأقوال قريبة المعاني كأنها في مشكاةٍ واحدةٍ وقد أجاز بعض
القائسين القياس على الإسم كما أجازوه على المعنى والقياس الصحيح الذي
يوافق المقيس عليه من جميع معانيه أو أكثرها وتسمَّى القياس البرهاني
لدخوله في حيّز علوم الإمكان وقد أنكر بعض الناس القياس فلزمه أن ينكر
ما فات حواسه وبدائهه ويقر بصحة كل ما جاء من حق وباطل وقضية العقول
توجب أن تكون كل مشتبهين واحداً من حيث اشتبها وإلا فلا معنى للاشتباه
ألا ترى أنه مستحيل أن توجد نار حارة ونار باردة لاشتراك النيران في
طبع الحرارة وهو المعنى الموجب لهما في القضية وأقول أن الاجتهاد هو
إمعان الفكرة والاستقصاء [8] في البحث عن وجه الحق
(1/34)
الذي لا يصاب بالبديهة ولا بالحس لكن
بالطلب والاستدلال وهو مقدّمة القياس وكان القياس القضاء بالشيء على
التمثيل والاجتهاد طلب وجه ذلك القضاء من أصح وجوهه والتحرز من وقوع
الغلط فيه لأن القياس من غير اجتهاد كالقول بالظن من غير استدلال وأقول
أن النظر فعل الناظر بقلبه ليرى ما خفي عليه فكما أن العين قد تقع على
الشيء ولا يتبينه إلا بعد النظر والتفكر فكذلك القلب قد تعرض له الخطرة
فلا يثبتها إلا بعد النظر والتفكر والمناظرة المفاعلة منه وقد تكون من
تشبيه النظير بالنظير فيكون معناه القياس المحض،
القول في الفرق بين الدليل والعلّة،
أقول أن الدليل ما هدى إلى الشيء وأشار إليه والعلة ما أوجبه وأوجده
ويوصل إلى الشيء بدليله لا بعلته لأن علته أيضاً مما يوصل إليها وتعلم
بدليل لأن الذي يدل على العالم وقد يزول الدليل ولا يزول عينه ومتى
زالت العلة زالت العين وتختلف الأدلّة على العين الواحدة ولا تختلف
العلة ومحال وجود ما يفوت الحواسّ والبدائه بغير دليل وغير محال وجود
ما لا علة له،
(1/35)
القول في الدليل،
أقول أن من الدليل ما يوافق المدلول عليه بوجه أو وجوه كثيرة كرؤيتنا
بعض الجسم والبعض يدل على الكل متصلاً كان أو منفصلاً ومنها ما لا
يوافق المدلول عليه بوجه من الوجوه وسبب من الأسباب كالصوت يدل على
المصوت ولا يشبهه والفعل يدلّ على الفاعل ولا يشبهه والدخان يدل على
النار ولا يشبهها ويلزم من يزعم أنّ الدليل لا بدّ أن يوافق المدلول
عليه بجهة من جهاته وإن خالفه في أكثرها فإما إذا لم يكن بينهما مناسبة
وارتفع الاشتباه ارتفع التعلق وإذا سقط تعلق الدليل بالمدلول عليه بطل
أن يكون دليلاً إلا أن لا شيء في الغائب إلا جسم أو عرض لأنه لا يرى في
الشاهد غير حدث وإن ينكر ما في العالم الأعلى لأن ما في العالم الأسفل
مخالف له فلا يكون دليلاً عليه فإن زعم زاعم أنه كذلك لا شيء في جسم أو
عرض أو حدث غير أنه مخالف لما في الشاهد طولب بالفرق لأن المخالفة تقطع
التعلق والاشتباه والزم معارضه من عارضه بأن لا شيء في الغائب إلا وهو
حادث ولا في الشاهد إلا غير حادث
(1/36)
القول في الحدود،
أقول أن الشيء اسم عام يطلق على الجوهر والعرض وما يدرك بالبديهة
والحاسة والاستدلال من جميع ما مضى وانقضى وما هو ثابت في الحال وما
سيكون فيما بعد وحدّ الشيء ما يصح أن يعلم أو يذكر أو يوجد أو يخبر عنه
فإذا كان هذا حد الشيء فقد ثبت أن المعدوم شيء لأنه يصح الخبر عنه
وأنكر قوم أن يكون المعدوم شيئاً وجعلوا حد الشيء أن يكون مثبتاً
موجوداً لأن الموجود والمثبت يعمان الأشياء كما يعم الشيء ولا نقيض
لهما قالوا فلو كان حدّ الشيء المعلوم لوجد له [9] نقيض وهو المجهول
وزعم بعضهم أن حد الشيء المثبت لا غير ولا شيء منفي والمعدوم غير مثبت
واحتج بعضهم بكتاب الله عز وجل أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا
خَلَقْناهُ من قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً 19: 67 [1] فنفى أن يكون
الإنسان قبل ان يخلق شيئا وبقوة تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ
حِينٌ من الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً 76: 1 [2] والشيء
يذكر قبل الوجود ولو لم يكن شيئا غير المثبت الموجود
__________
(sic) . [1] أو لم يرQor.
,s.XIX ,v.68.Ms.
Qor. ,ch.LXXVI ,v.1. [2]
(1/37)
أوجب أن يكون ما يخبر عنه من أخبار العالم
والقرون مذ قامت الدنيا باطلاً هذراً فإن قيل أن ذلك قد خرج مرة إلى
الوجود قيل وما يدريك أن ما هو كائن بعد غير خارج إلى الوجود وقيل إذا
خرج إلى الوجود فهو شيء قيل فما خرج عن الوجود فلا شيء فإن قيل محال
تقدم الاسم على المسمى قيل ذلك في الخواصّ فامّا العامّ فغير ممتنع
لأنا نقول سيكون في الدنيا أمور وأسباب وحيوان فتقدم أسماءها قبل وجود
شخصها وقد كان أبو الهذيل يغايظهم بقوله في المعدوم أنه جسم خياط على
رأسه قلنسوة يرقص ونقيض الموجود المعدوم ونقيض المثبت المنفي وليس نقيض
الشيء لا شيء لأن المنفي والمعدوم شيئان قد نفى وعدم ولا شيء لا يوصف
بالعدم والنفي فإن قيل فجسم هو أم عرض أم حركة أم سكون قيل هو شيء
معلوم مقدور عليه لا غير وحد الجسم أن يكون طويلاً عريضاً عميقاً
مؤلفاً مركباً من أجزاء وأبعاض شاغلاً للمكان حاملاً للأعراض ولا يوجد
بتة خالياً منها أو من بعضها فإن أنكر منكر أن يكون الموصوف بهذه
الصفات جسماً سلم له وسوهل في التسمية بما شاء وطولب بالفرق
(1/38)
بينه وبين ما لا يوجد بهذه الصفات وكان
هشام بن الحكم يزعم في حد الجسم أنه ما قام بنفسه لأنه كان يقول البارئ
جل وعز عن قوله جسم فالجسم في اللغة ما غلظ وكثف وكذلك يقولون للجثة
العظيمة جسيمة وإنما أطلق هذا الاسم على ما الموصوف به معناه فإن غير
اسمه لم يتغير معناه وإنما يتبين الفرق عند تفصيل الأسماء والأشخاص وحد
العرض أن لا يقوم بنفسه ولا يوجد إلا في جسم فإن أنكره منكر قوبل بما
يقابل به منكر الجسم وطولب بالفرق بينه وبين غيره ثم كلم على ما أشار
إليه من المعنى وقد زعم قوم أن لا عرض في العالم وأن الأشياء كلها
أعراض مجتمعة متفرقة وحد الجوهر حد بعينه لأنه جسم ولأن ما خلا عن حدود
الجسم والعرض والجزء لم يضبطه الوهم ولا يتصور في الظن الذي هو اضعف
أجزاء العلوم ودخل في خبر الامتناع وقد يسمى الجوهر الطينة والمادة
والهيولى والجزء والعنصر والاسطقس واختلف الناس في الجزء الذي لا يتجزأ
من الأجسام فقال كثير من الناس أنه لا يزال مجزأ حتى يصير في الصغر الى
حيث
(1/39)
لا يجوز أن يتجزأ ولا يكون له ثلث ولا ربع
ولا نصف قالوا ولولا ذلك لما كان للأجسام تناه ولما كان شيء أكبر من
شيء ولا أصغر منه ولما جاز لقائل أن يقول أن الله قادر على أن يرفع من
الجسم كل اجتماع خلقه فيه فأقلّ الاجتماع بين جزءين قال ابن بشار
النظام وهشام بن الحكم انه يتجزّأ تجزّؤا بلا نهاية ولم يتهيأ بالفعل
فأنه موهوم واحتجوا بأنه كما لا يجوز أن يخلق الله شيئاً لا شيء أكبر
منه فكذلك لا يجوز [9] أن يخلق شيئاً لا شيء أصغر منه وقالوا لو كان
قول من قال أن الجزء لا يتجزأ صحيحاً كان في نفسه لا طول له ولا عرض
فإذا حدث له ثان حدث لهما طول فلن يعدوا الطول أن يكون لأحدهما دون
الآخر أو لهما معاً فلما ثبت أنه لهما [1] علم أنه يتجزأ وقال الحسين
النجار الجزء يتجزأ حتى يعود إلى جزء لا يقبله الوهم فيبطل حينئذ وقال
قوم لا ندرى كيف القول فيه واختلفوا في جواز الرؤية عليه وحلول الأعراض
فيه من اللون والحركة والسكون وغير ذلك فأجازه
__________
[1] . و Ms.ajoute
(1/40)
قوم ونفاه آخرون والقدماء مختلفون في هذا
الفصل على خلاف قول أهل الإسلام فيزعم بعضهم أنه يرى قبل الاسطقسات
الأربعة اسطقسات آخر صاغر الأجزاء غير متجزئة في غاية الصغر منها تركيب
الاسطقسات التي منها تركيب العالم وأما ارسطاطاليس يقول أما التجزئة
بالقوة فإنها [1] بلا نهاية وأما بالفعل فلها نهاية وقال بعضهم لا
يتجزأ لا يقبل الانفعال مع اختلاف كثير بينهم، وحد الزمان حركة الفلك
ومدى ما بين الأفعال هذا قول المسلمين وحكى عن افلاطن أنه يرى الزمان
كوناً في الوهم وحكى ارسطاطاليس في كتاب السماع الطبيعي أن جميع
القدماء كانوا يقولون بسرمدية الزمان ألا رجلاً واحداً يعنى افلاطن
وروى عنه افلوطرخس [2] أنه قال جوهر الزمان هو حركة السماء هذا وفاق
قول المسلمين وبعضهم يقول أن الزمان ليس بشيء مع اختلاف كثير بينهم
وإنما ذكر ما ذكر من مذاهبهم لتطمئن نفس الناظر إلى خلاف القائلين
بالعقل والتمييز وليستفيد يقينا بما
__________
[1] . فإنهMS.
[2] . افلوطوخس MS.
(1/41)
يعضده من وفاق قولهم لأن في الإجماع قوة
وهو من أوكد أسباب الاستظهار [1] عليهم، وحدّ المكان ما اعتمد عليه
الجسم أو أحاط به أو حله العرض وهذا أراده ارسطاطاليس حيث قال المكان
نهاية المحتوى الذي يماس ما يحتوي عليه واختلفوا في الخلاء والفضاء
فقال قوم العالم لا خلاء فيه وإن الهواء جسم منتشر بسيط ويمتحن بالآلة
التي هي على هيئة [2] الرطل في أسفلها نقب فإذا شدّ اعلاها لم يخرج
الماء من أسفلها وإذا فتح سال فعقل أن الماء دفعة دافع وهو الهواء
الداخل في الكوز وقال آخرون لا يخلو الأجسام من خلاء وهو الفرج بين
الأجزاء واستدلوا بالماء الذي يصب على الأرض فيغوص فيها وفرق قوم بين
الفضاء والخلاء فقالوا الخلاء هو الفراغ من الجسم والفضاء هو المحتوى
على الخلاء بلا نهاية ويزعم قوم أن الخلاء والفضاء شيء واحد ويقول
آخرون أنه ليس بشيء وحد المتغايرين ما جاز وجود أحدهما مع عدم الآخر
وقال بعضهم حدهما ما اختلف أوصافهما وحدّ
__________
[1] . الاستطهارMS.
[2] . هيأة MS.
(1/42)
الضدين ما لا يجوز وجود أحدهما إلا مع عدم
الآخر وحد الموجود ما ثبت علما أو حسّا أو وهما وهو معنى الشيء وحدّ
الاسم ما دلّ على المسمّى بالتمييز من جنسه والصفة كالاسم في بعض
الأحوال إلا أن خاصية حدها الأخبار عما في الشيء كالعلم في العالم وقد
يفرق قوم بين الوصف والصفة فيجعلون الصفة ما هو ملازم للموصوف والوصف
قول الواصف ذلك وحد الإرادة ما يضطمره الإنسان [10] في قلبه من فعل أو
قول أو حركة وحد القول ما يبديه القائل بلسانه وقد يقال للإشارة قول
على المجاز وحد المعنى عقد القلب على ما أبدى بلفظه فزعم ابن كلاب أن
معنى القول نفس القول ولو كان كذلك ما سأل السامع القائل ما معنى قولك
وحد الحركة زوال وانتقال وهي على ضروب فمنها الحركة الذاتية والمكانية
وقد قيل الحركة اختلاف وتغيير وحد السكون لبث واستقرار وزعم بعضهم أن
السكون ليس بشيء وحد الجنس ما يجمع أشياء مختلفة الصور كالحيوان
والنبات وقد قيل الجنس ما استوعب الأنواع وحد النوع تخصيص النظائر من
الجنس والشخص تمييز الذات من النوع والشخص تحت النوع
(1/43)
والنوع تحت الجنس وهذا المقدار من هذا
الباب لإغناء بأحد عن مطالعته فانّه كالمادّة للنظر والآلة للجدل،
القول في الأضداد،
أقول أن قول من يزعم أن الشيء لا يعرف إلا بضده محال لأن معرفة الشيء
بحدوده ودلائله بل شكله ونظيره أسكن [1] من معرفته بضده ونديده لأن
الشيء يدل على جنسه ونوعه ما لا يدل على ضده ولكن الضدين لا يجتمعان
وعند صحة الشيء فساد ضده ولا يقع التضاد إلا بين الموجودات فبطل قول
القائل أن ضد الجسم لا جسم وضد العرض لا عرض وضد الزمان لا زمان وضد
المكان لا مكان وضد الشيء لا شيء لأن الأضداد أشياء متنافية وقول
القائل لا جسم ولا عرض لا شيء في الحقيقة فكيف يضاد الشيء بلا شيء ولكن
الأجسام والأعراض أشياء مضادة كالأسود ضد الأبيض والقديم ضد المحدث لأن
القديم الموجود لا إلى أول والحادث ما يوجد بعد أن لم يكن [2]
القول في حدث الأعراض،
أقول أنّ معرفة حدث الأعراض
__________
[1] . اسكنMS.
[2] . لم يمكن MS.
(1/44)
من أوائل العلوم القائمة في النفس البديهة
وما المنكر لها إلا بمنزلة المنكر للظاهر المحسوس لمعاينتنا تعاقب
الألوان المتضادة على الأجسام كالسواد بعد البياض والبياض بعد السواد
وكذلك الروائح المتضادّة [1] كالكريهة والطيّبة وسائر الحالات الّتي لا
يخلوا الجواهر منها كالحر والبرد والرطوبة واليبوسة واللين والخشونة
والحركة والسكون والاجتماع والاقتران والافتراق والطعوم الملاذّ
والمكاره وما نجده من أنفسنا من الحب والبغض والإرادة والكراهية والشوق
والملامة والجبن والشجاعة والقوة والضعف والشبيبة والمشيب والنوم
واليقظة والجوع والشبع وما نراه من حال القيام والقعود والقرب والبعد
والحياة والموت والفرح والحزن والرضا والغضب وسائر العوارض التي تطرأ
على الأجسام وبعد أن لم يكن وتزول [2] بعد أن كانت وهذا باب يستكمل
جميع أوصاف العالم وما فيه لو تكلفه متكلف لأنه الدليل على الحدث
والكون وقليل الشيء يدل على كثيره فإن زعم زاعم أن هذه الأعراض
__________
[1] . التضادهMS.
[2] . نزول MS.
(1/45)
أجسام طولب بالفصل بين الحامل والمحمول ولا
بدّ من التفصيل بينهما ثم من الدليل على أن العرض غير الجسم جواز
الاختلاف عليه وعين الجسم باقية كالبسرة الخضراء مثلاً تراها تصفر [f
10 v] فتبطل خضرتها ثم تحمر بعد صفرتها وعينها
قائمة وكالراضي يغضب فيختلف حاله وعينه لا تختلف والشاب يشيب والحي
يموت فلما لم يجز أن يقال لمن قد شاب أنه ليس بذاك الشاب ولمن مات أنه
ليس بذاك الحي مع ورود حال وارتفاع حال أخرى عقل أن العرض ليس بجسم ولا
بعض الجسم لأنه لو كان كذلك لتغير الجسم كما تغير الأعراض الحادثة فإذا
ثبت أن الأعراض غير الأجسام وجب إن ننظر أحادثة هي أم قديمة فلما
رأيناها كائنة بعد أن لم تكن وزائلة بعد أن كانت دلنا ذلك على حدوثها
وكونها كوجودنا الجواهر متفرقة بعد أن كانت مجتمعة ومجتمعة بعد أن كانت
متفرقة ولن يخلو أن [تكون] مجتمعة بأنفسها أو باجتماع فيها فإن كانت
مجتمعة بأنفسها لم يجز وجودها متفرقة ما دامت أنفسها قائمة فعلمنا أنها
مجتمعة باجتماع ثم نظرنا أذلك الاجتماع جوهر أو عرض فدلنا أنه لو كان
(1/46)
جوهراً لكان مجتمعاً باجتماع آخر ثم كذلك
إلى ما لا نهاية فلما بطل ما قلنا علمنا أنه مجتمع باجتماع هو عرض لا
جوهر وكذلك القول في الحركة والسكون فإن قيل أن الأعراض كانت كامنة في
الجسم ثم ظهرت بعد ظهورها حادث أم غير حادث مع استحالة أن يكون
الاجتماع والافتراق والحركة والسكون كامنة في الجسم فيكون الجسم في حال
واحدة ووقت واحد ساكناً متحرّكا ومجتمعا متفرّقا فإن التجئوا إلى مذهب
من يقول بالهيولى وأنه كان جوهراً قديماً لم يزل خالياً من الأعراض ثم
حدثت فيه الأعراض فحدث فيه هذا العالم بما فيه قيل لا يخلو حدوث
الأعراض فيه من أن يكون كانت كامنة فظهرت أو كانت في جوهر آخر فانتقلت
أو لم تكن بتة فأحدثت فلما استحال كمون الأعراض في الجوهر الذي يزعمونه
خالياً من الأعراض أن يكون مثل أجسام العالم أو دونها أو أعظم منها أو
يكون جزءاً لا يتجزأ أو كيف ما كان فإن الصغر والكبر والمثل أعراض لم
ينفك منها ولم ينفك من الحوادث فحادث، واعلم أن أحكام هذا الفصل من
الفرض الواجب والحق اللازم وخاصة معرفة حدث الأعراض وإن
(1/47)
الجوهر لا ينفك منها لأنها الدليل الظاهر
على الحدث والحادث والاختراع ونسأل الله التوفيق والتسديد وأن يعصمنا
برحمته ويزيدنا بصيرة في طاعته،
القول على أهل العنود ومبطلي النظر،
أقول أن طائفة من الجاحدين سماهم السوفسطانية معنى هذه اللفظة عندهم
المموّهون الممخرقون وقد سماهم ارسطاطاليس الملحدين أبطلوا العلوم كلها
رأساً وزعموا أن لا حقيقة لشيء من العلوم والمعلومات فأنكروا موجود
الحواس ومعقول البدائه ومستنبطات الاستدلال وزعموا أن الأشياء على
الخيلولة والحسبان وكما يراه النائم في المنام وقد أعرض كثير من الناس
عن مناظرتهم وعيت على من اشتغل بالرد عليهم لأن ما أنكروه ضرورة
المشاعر والبدائه التي يستغنى فيها عن الدليل لأنها أصل العلوم ومتى
ذهب ذاهب يدل على صحته فقد أوجب الدليل لما لا يحتاج فيه حتى يقوده ذلك
الى ما لا نهاية له وناقضهم من ناقضهم مرئي [1] العامة فساد مذهبهم
فقال الحس أوجدكم [11] ما تدعون أم النظر
__________
Sic ,ms. [1]
(1/48)
قادكم إلى ما تزعمون فإن ادعوا الحس كذبهم
العيان وإن ادعوا النظر قالوا لعلكم غالطون في نظر عقولكم ولعل نظر
مخالفيكم يدل على خلاف نظركم فإن سلموا الأمر لزمهم أن لا يناظروا
مخالفاً ولا يخطؤا مخطئا ولا يحمدوا محسناً ولا يذموا مسيئاً وهذا خلف
من القول ووهن في الرأي وإن ادعوا ترجيح نظرهم فقد اثبتوا النظر ونقضوا
الأصل الذي بنوا عليه مذهبهم وقد احتبس هذا الرأي صنفان من هذه الأمة
مقلد مبطل النظر ومدعي أن لا دليل على النافي فلزمهما من ذلك ما لزم
أصحاب العنود وقيل لهم أبنظر وحجّة أفسدتم نظر العقول وحججها أم بغير
حجة فإن قالوا بنظر فكيف يبطلون النظر وهم يثبتونه وإن زعموا بغير نظر
فالسؤال والجواب من النظر ولا يلقى به من ليس من أهل النظر وكل كلام من
غير نظر فجحود أو عنود أو سهو أو غلط أو عبث وبمثله يقابل الزاعم أن لا
دليل على النافي ثم نفيت الدليل مع أنك مع نفيك ما نفيته أحد المدعيين
إذ أنت لو عارضك خصمك بمثل قولك وابطل دعواك ثم إذا طالبته بتصحيح
مذهبه أحال على مذهبك فهل غير إثبات الدعويين
(1/49)
أو إسقاطهما ولنظار أهل الإسلام وفقهائهم
حجاج كثيرة في هذا الباب وليس هذا من غرض هذا الكتاب ومما يستدل به على
وجوب النظر أنه لما لم تكن الأشياء كلها موجودة حقاً ولا كلها باطلة
حقاً ولكن حقاً وباطلاً ثم وجد الاختلاف فيها شائعاً على النظار إما من
عالم معاند أو جاهل عاجز ولم يكن الأخذ به على اختلافه وجب عليه بالنظر
الذي يميز بين الحق والباطل وأيضاً لما لم تكن الأشياء كلها ظاهرة
لأنها لو ظهرت لما جهل شيء ولا كانت خفية لأنها لو خفيت كلها لما علم
شيء وكان منها ظاهر جلي وباطن خفي وجب طلب علم ما خفي منها ولا يوجد
ذلك إلا بالنظر،
القول في مراتب النظر وحدوده،
أقول أن العلماء الذين وطّئوا للنظار سبيل النظر ومهدوا لهم سبيل الجدل
أضربوا في ذلك حد من تعداه أو قصر دونه تبين تنكبه [1] وتعسفه وخلل
مذهبه وفساد بينته فجعلوا السؤال أربعة أقسام لا يقع فيها صدق ولا كذب
لأنها استخبار عن مائيّة [2] المذهب
__________
[1] . تبتن نكبهMS.
[2] . مابنة MS.
(1/50)
أولاً ثم عن الدليل ثم عن العلة ثم عن
تصحيح العلة وذلك نهاية فصول النظر واستقرار صحة الدعوى وفسادها
وقابلوا أقسام السؤال بعددها من الجواب وكلها أخبار تحتمل الصدق والكذب
لأنّ الصدق الإخبار عن الشيء بما فيه والكذب الإخبار عنه بما ليس فيه
والسؤال ليس بإخبار فيحتمل الصدق والكذب وانّما يوجب السؤال أحد
الشيئين إما الجهل به وإما إمتحان المسئول عنه والجواب يوجب القبول
والتسليم والرد والإنكار بمعارضة أو مطالبة بالدليل والدليل يوجب العلة
والعلة تحقق الجواب إذا طردت صحت وحيثما انتهى الخصم وسلم انتهى
الكلام،
[11] القول في علامات الانقطاع،
أقول المناقضة والانتقال والعجز عن بلوغ الغاية وجحد الضرورة ودفع
المشاهدة والاستعانة بالغير والسكوت للعجز كلها من دلائل الانقطاع وكل
سائل مخير في سؤاله متفقهاً كان [أو] متعنتاً أحق في سؤاله أو أحال
وليست كذلك حال المجيب بل عليه القصد للحق وتعريف السائل وجه سؤال من
إصابة وإحالة ولا عليه أن يجيبه عن مسألة هي فرع
(1/51)
لمسألة يخالفه فيها حتى يقرره بإيجابها
وتأخذ ميثاقه على القول بها لأن الخلاف إذا كان واقعاً في الأصل لم
يطرد القياس في الفرع وذلك في التمثيل كسائل عن الرسالة منكر للتوحيد
وإنما تصح النبوة بصحة التوحيد لأنه الموجب لها وكل سؤال يرجع إلى
السائل بمثل ما يريد أن يلزمه المسئول فغير لازم لأنّ المعارضة فيه
قائمة فطلب الدليل على الدليل والعلة على العلة إلى ما لا نهاية له
فاسد لأن محصول الظواهر المحسوس ومحصول البواطن المعقول وما لا نهاية
له غير موجود ولا معلوم ولا موهوم وقد يستحسن لابن الهذيل قوله إن صحة
الصحيح وانتقاض المنقوض في جميع ما اختلف فيه المختلفون يعلم في ثلاثة
أوجه أحدهما إجراء [1] العلة في المعلول والثاني نقض العلة بالتفسير
والثالث جحد الاضطرار فأما ترك إجراء 1 العلة في المعلول فكقول الرجل
فرسي هذا جواد فيقال ولم قلت ذلك قال لأني أجريته كذا فرسخاً فيقال له
أكل فرس جرى في اليوم كذا فرسخاً فهو جواد فإن قال نعم أجرى علّته وان
__________
[1] . أجزاء بن Ms.lesdeuxfois
(1/52)
قال لا فقد نقضها وهو يحتاج إلى علة أخرى
وأما نقض الجملة بالتفسير فكقول القائل إذا اشتد حر الصيفة اشتد [1]
برد الشتوة التي تليها وإذا اشتد برد الشتوة اشتد حر الصيفة التي تليها
ثم يقول وقد يشتد حر الصيف ولا يشتد برد الشتاء الذي يليه فيكون قد نقض
بهذا التفسير الجملة التي تقدمت لأنها لو صحت لم يشتد حر الصيف إلا
باشتداد برد الشتاء أبداً وأما جحد الاضطرار ففي البدائه والحواس وذلك
كسؤالنا الدهرية عن شيخ رأيناه على كرسي في هيئته وخضابه أيزعمون أنه
لم يزل هكذا قاعداً في مكانه بحالة التي هو عليها من الكسوة والخضاب
فإن قالوا نعم جحدوا الاضطرار بشهادة العقول بإبطالهم، وأعلم أن السكوت
بعد استقرار الحق أبلغ من الكلام في الذبّ عنه وزيادة البياني هجنه
وربما أورثت فرصة لأن الإفراط نقص وعلم بفلج [2] الحجة ودحوصها [3]
أبلغ من إفصاحك
__________
[1] . واشتدMs.
[2] . بفلجMs.
[3] . ودحوضها Ms.
(1/53)
بها لأن الشاهد شاهد القلب لا شاهد اللسان
وليس كل من لزمه قول مناظره أو عجز عن جوابه في الوقت وجب عليه المصير
إلى مذهب خصمه ولكن بعد التبين والتثبيت واستبراء الحال والرجوع إلى
الأصول الموطودة والأعلام المنصوبة فإذا انكشف الغطاء عن وجهه وصرح
المحض عن زبده وأومض الحق سيره فلا يسع حينئذ غير الإقرار والانقياد له
وليس من الحق تكليف الخصم إظهار ما هو خفي في نفسه لأنه غير ممكن كما
يمكنه إخفاء ما هو ظاهر في نفسه ولأن ذلك [12] إزالة الشيء عن وجهه
فهذه مقدمات قدمناها نظراً للناظر في كتابنا ونصحاً لمن احتاط لدينه
وتحرز من تمويه الملحدين وتلبيس الممخرقين وخطرات المجان ووساوس
الخلعاء الذين أفسد الفراغ فكرهم وأخمدت الكفاية قرائحهم وحلت عن
الدقائق عقولهم وعاشت بصنوف الشهوات نفوسهم وملكهم الهزل وركبهم الجهل
واسترقهم الباطل وهجرتهم الفكر وعميت عليهم مواقع النظر فاحتالوا في
إسقاط التكليف عنهم ليمرحوا في ميادين الشهوات وليركبوا ما يهوونه من
اللذات بإنكار علوم الأصول من البديهة
(1/54)
والحواس والله المستعان وهو خير معين، وبعد
فإنّ لأهل الإسلام أصولا من الكتاب والسنة والإجماع والقياس عليها ما
يقوم لهم الحجة بها بينهم ويقنعون بشهادتها ودلائلها وكذلك أهل كل ملة
ودين وكتاب غير أن ذلك لتصحيح فروع دينهم وشرائع ملتهم فلذلك أضربنا عن
ذكره صفحا
(1/55)
|