التدوين في أخبار قزوين

المجلد الأول
مقدمة
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَبِهِ الاسْتِعَاذَةُ وَالتَّوْفِيقُ رَبِّ يَسِّرْ وَأَتْمِمْ بِالْخَيْرِ
سبحان اللَّه مقلب الليل والنهار عبرة لأولي الأبصار والحمد لله الذي رفع بنعمته الأقدار ووضع برحمته الأغلال والآصار ولا إله إلا اللَّه المنزه عن أن يغيره تعاقب الأدوار أو يبله تناسخ الأعصار والله أكبر من أن يقاوم أن بدا منه اقتهار أو أن ينحل بمكله إمهال وإقصار.
والصلاة على رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وسلم مُحَمَّد المختار وعلى آله وصحبه المهاجرين والأنصار وبعد فقد كان يدور في خلدي أن أجمع ما حضرني من تاريخ بلدي ووقع في ألسنة الناس قبل شروعي فبما أني مشغول بضم قوادمه إلى خوافيه.
فطمعت في أن تكون الأراجيف مقدمات الكون واستعنت بالله ونعم العون وشارعت إلى تحقيق ظنون الطالبين وسعيت في إقرار عيونهم ونقلت ما ظفرت في الأصول والتعاليق المتفرقة والأوراق

(1/1)


المسودة إلى هذا البياض متحريا في ألفاظه الاختصار وفي معانيه الاكتثار مبينا لك أو مذكرا أن كتب التاريخ ضربان:
ضرب تقع العناية فيه بذكر الملوك والسادات والحروب والغزوات ونبأ البلدان وفتوحها والحوادث العامة كالأسعار والأمطار والصواعق والبوائق والنوازل والزلازل والانتقال الدول وتبدل الملل والنحل وأحوال أكابر الناس والمواليد والأملاكات والتهاني والتعازي وما يجري مجراها.
ضرب يكون المقصد فيه بيان أحوال أهل العلم والقضاة وفضلاء الرؤساء والولاة وأهل المقامات الشريفة والسير المحمودة من أوقات ولادتهم ووفاتهم وطرف من مقالاتهم ورواياتهم ومشائخهم ورواتهم وبهذا الضرب اهتمام علماء الحديث.
للكتب المصنفة فيه تنقسم إلى عامة كالتاريخ عن ابن نمير وأحمد ابن حنبل ويحيى بْن معين وعلي بْن المديني وتاريخ مُحَمَّد بْن إسماعيل البخاري وابن أبي خيثمة وأبي زرعة الدمشقي وأبي عَبْد اللَّه بْن منده وكالجرح والتعديل لابن أبي حاتم وابن عدي رحمهم اللَّه وإلى خاصة إما بإقليم كتاريخ الشام.
إما ببلدة كتواريخ بغداد للحافظ أبي بكر الخطيب وغيره وتاريخ مصر لأبي سعد بْن يونس وواسط لأسلم ابن سهل واصبهان لأبي بكر ابن مردويه وابن منده وأبي نعيم وهمدان لصالح بْن أَحْمَدَ الحافظ ثم لكياشيرويه ونيسابور للحاكم وهراة لأبي إسحاق بْن معين وبلخ لأبي

(1/2)


إسحاق المستملي وغيره ومرو للعباس بْن مصعب ولأحمد بْن سيار وغيرهما وبخارا لأبي عَبْد اللَّه غنجار وسمرقند لأبي سعد الإدريسي
لم أر من هذا الضرب تاريخا لقزوين إلا المختصر الذي ألفه الحافظ الخليل بْن عَبْد اللَّه رحمه اللَّه وإنه غير واف بذكر من تقدمه وقد خلت من عصره "أمم" ونشأ في كل قرن ناشئة ولم يقم إلى الآن أحد بتعريفهم في تأليف يشرح أحوالهم وكان الإمام هبة اللَّه بْن زاذان رحمه اللَّه على عزم أن يجمع فيه شيئا فقد رأيت بخطه في خلال كلام في أحوال البلدة.
إني معتزم قديما وحديثا أن أجمع في أخبارها وأخبار ساكنيها والصاد عن ذاك قلة الرغبات في أمور عددها ولم يساعده القدر فيما أظن وهذا كتاب إن يسره اللَّه تعالى وفي بذكر أكثر المشهورين والخاملين من الآخرين والأولين من أرباب العلوم وطالبيها وأصحاب المقامات المرضية وسالكيها من الذين نشأوا بقزوين ونواحيها أو سكنوها أو طرقوها أذكرهم وأورد أحوالهم فيه بحسب ما سمعته من الشيوخ والعلماء أو وجدته في التعاليق والأجزاء وأودعه مما نقل من سيرهم وكلماتهم ومقولاتهم ورواياتهم ما أراه أحسن وأتم فائدة.
سميته "كتاب التدوين في ذكر أهل العلم بقزوين" ورأيت أن أصدره بأربعة فصول أحدها في فضائل البلدة وخصائصها وثانيها في اسمها وثالثها في كيفية بنائها وفتحها ورابعها في نواحيها وأوديتها

(1/3)


وقنيها ومساجدها ومقابرها ثم أتبع هذه الفصول بذكر من وردها من الصحابة والتابعين رضي اللَّه عنهم أجمعين ثم أندفع في تسمية من بعدهم والله الموفق.

(1/4)