التيجَان في مُلوك حِمْيَرْ
ربيعة بن نصر بن مالك متوج باليمن بين
أضعاف التبابعة
قال أبو محمد: حدثني زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق قال: كان ربيعة
بن نصر بن مالك بين أضعاف التبابعة، فرأى رؤيا هالته فجمع كل من كان في
اليمن من منجم وكاهن وساحر فقال لهم: قد رأيت رؤيا هالتني وفزعت منها
فاخبروني بها وبتأويلها، فقالوا له: أيها الملك اقصصها علينا نخبرك
بتأويلها، قال لهم: ان أخبرتكم بها لا أصدقكم في تأويلها وإن انتم
أخبرتموني بها صدقتكم؟ فقال له رجل منهم: فإن كنت تريد هذا فابعث إلى
سطيح وشق فانه ليس أحد أعلم منهما. فبعث إليهما فاقبل إليه سطيح قبل شق
فقال له: اني رأيت رؤيا هالتني وفزعت منها فاخبرني بها وبتأويلها وإن
أنت أصبتها أصبت تأويلها فقال له: افعل أيها الملك، رأيت أيها الملك
حممة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل ذات جمجمة، فقال
الملك: ما أخطأت منها شيئاً يا سطيح - فما عندك في تأويلها - فقال:
احلف بما بين الحرتين من حنش ليملكن أرضكم الحبش وليملكن ما بين أبين
إلى جرش. فقال له الملك: وأبيك يا سطيح
(1/303)
إن هذا لغائط لنا موجع، فمتى هو كائن أفي
زمامنا هذا أم بعده؟ فقال: بعده يحين أكثر من ستين إلى سبعين - قال:
فيدوم ذلك من ملكهم أو ينقطع؟ قال: بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين
ويخرجون منها هاربين. فقال: ومن يلي ذلك من إخراجهم؟ قال: يليه ارم
ذو يزن يخرج عليهم من عدن فلا يترك أحداً منهم باليمن. قال: فيدوم ذلك
من ملكه أو ينقطع؟ قال: بل ينقطع. قال: ومن يقطعه؟ قال: نبي زكي يأتيه
الوحي من قبل العلي. قال: ومن هو هذا النبي؟ قال: هو من ولد غالب بن
فهر بن مالك بن النضر يكون ملكه إلى آخر الدهر. قال: وهل للدهر من آخر؟
قال: نعم يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين ويسعد فيه المحسنون ويشقى
فيه المسيئون. قال: أحق ما تخبرني؟ قال: أي والشفق والغسق والفلق إذا
اتسق إن ما نبأتك به لحق. قال: ثم قدم شق وقال له مثل قوله لسطيح وكتمه
ما قال سطيح لينظر هل يتفقان أم يختلفان فقال له شق: رأيت في منامك
أيها الملك حممة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة فأكلت منها كل ذات
نسمة. فقال له الملك: ما أخطأت منها شيئاً فما عندك في تأويلها؟ قال:
اخلف بما بين الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان وليملكن كل طفلة
البنان وليغلبن على ما بين أبين إلى نجران. قال له: يا شق إن هذا لغائط
لنا موجع فمتى يكون في زماننا هذا أم بعده؟ قال: لا بل بعده بزمان. ثم
يستفزهم ملك عظيم الشأن ويدفعهم بأشد الهوان. قال: ومن هو العظيم
الشأن؟ قال: غلام ليس بدني ولا مزن يخرج من بيت ذي يزن. قال: أفيدوم
سلطانه أم ينقطع؟ قال: بل بقطع برسول مرسل يأمر بالحق والعدل بين أهل
الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل. قال له: وما يوم
الفصل؟
(1/304)
يوم تجزى فيه الولاة ويدعى فيه من السماء
بدعوات يسمعها الأحياء والأموات ويجمع فيه الناس للميقات يكون فيه لمن
اتقى الفوز والخيرات قال: أحق ما تقول. قال: أي ورب السماء والأرض وما
بينهما من رفع وخفض. قال فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا فجهز بنيه
وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وتب كتاباً إلى سابور بن يزن خرزاد
فأسكنهم الحيرة فمن بقية ولد ربيعة بن نصر هو النعمان بن المنذر. فلما
هلك ربيعة ابن نصر رجع ملك اليمن إلى تبان
أسعد أبي كرب.
تبان أسعد أبو كرب ملك متوج باليمن
قال ابن هشام ويقال له - الرائش بن عدي بن صيفي بن سبأ الأصغر ابن كعب
كهف الظلم - وتبان أسعد أبو كرب هو الذي قدم المدينة وساق الحبرين من
اليهود وكسا البيت الحرام وكان ملكه قبل ربيعة ابن نصر وهو الذي يقال
له:
ليت حظي من أبي كرب ... أن يسد خيره خبله
وكان جعل طريقه حين قفل من المشرق إلى المدينة، وكان قد مر بها في
بداية أمره، فلم يهج أهلها وخاف بين أظهرهم ابناً له فقتل غيله - قتله
عمرو بن طلة الأنصاري من بني عدي بن النجار فزاد ذلك تبعاً حتنقاً
عليهم فقاتلهم فتزعم الأنصار أنهم كانوا يقاتلونه نهاراً ويقرونه ليلاً
ويعجبه ذلك منهم، ويقول: إن قومنا لكرام فبينما تبع ذلك من حربهم إذ
جاءه حبران من أحبار اليهود من قريظة آتياً إليه حين سمعا إنه يريد
خراب
(1/305)
المدينة وهلاك أهلها فقالا له: أيها الملك
لا تفعل فإن كان أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبين ما تريد ولم تأمن من
العقوبة، قال لهما: ولم ذلك فقالا له: لأنه حرم مهاجرة نبي يخرج من هذا
الحرم من قريش في آخر الزمان يكون داره وقراره فأعجبه ما سمع منهما
ورأى أن لهما علماً فبنى المدينة وانصرف عنها واتبعهما، وهذا الحي من
الأنصار يزعمون إنما كان حنق تبع على اليهود وإنما كان مراد تبع هلاك
اليهود فمنعه الحبران من ذلك وكان أصحابه أصحاب أوثان يعبدونها. فتوجه
إلى مكة وطريقه إلى اليمن حتى إذا كان بين عسفان وأمج آتاه نفر من هذيل
فقالوا له: أيها الملك ندلك على بيت مال دائر فيه اللؤلؤ واذهب والفضة،
قال لهم: بلى. قالوا له: هو بيت بمكة يعبده أهله ويصلون عنده وإنما
أراد الهذليون بهذا هلاكه لما عرفوا من هلاك كل من أراد مكة من الملوك
بسوء فأرسل إلى الحبرين فسألهما عن ذلك؟ فقالا: ما أراد القوم
إلا هلاكك وهلاك جندك، أوما علمت أن لله تعالى بيتاً في الأرض اتخذه
لنفسه ولئن أنت فعلت ما أمروك به لتهلكن وليهلكن جميع من معك. قال: فما
تريان؟ إني اصنع قالا له: اصنع عنده ما يصنع أهله وتطوف به وتعظمه
وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتتذلل له حتى تخرج من عنده. قال: فما يمنعكما
أنتما من ذلك؟ فقالا له: أما إنه لبيت أبينا إبراهيم الخليل وأنه لكما
أخبرناك به وإن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله
والدماء التي يهرقون عنده فعرف صدق حديثهما وقرن النفر الهذليين وقطع
أيديهم وأرجلهم، ثم ثم مضى حتى قدم مكة فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق
رأسه وأقام بمكة سبعة أيام ينحر للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل. ورأى
في المنام أن يكسو البيت فكساه الحصف وهو حصير من السعف. ثم رأى
(1/306)
أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والأدوية والحرير فإن تبع أول من
كسا البيت وأوصى به ولأنه من جرهم وأمر بتطهيره وإن لا يقربوه بدم ولا
ميتة وجعل له باباً ومفتاحاً وانصرف إلى اليمن. |