المغرب في حلى المغرب
وَفِي سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
عصى مُوسَى بن مُوسَى صَاحب تطيلة وَاسْتولى على الثغر الْأَعْلَى وَله
وقائع مَشْهُورَة فِي الْعَدو وَالْإِسْلَام وغزاه عبد الرَّحْمَن
غزوات متتابعة إِلَى أَن صَالحه
وَفِي سنة تسع وَعشْرين
ظَهرت مراكب الأردمانين الْمَجُوس بسواحل غرب الأندلس وَيَوْم
الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع عشرَة خلت من محرم سنة ثَلَاثِينَ
وَمِائَتَيْنِ حلت على اشبيلة وَهِي عَورَة فدخولها واستباحوها سَبْعَة
أَيَّام إِلَى أَن جَاءَ نصر الْخصي وَهزمَ عَنْهَا النَّصَارَى
المعروفين بالمجوس وعاث فِي مراكبهم وَفِي ذَلِك يَقُول عُثْمَان بن
الْمثنى ... يَقُولُونَ ان الاردمانين أَقبلُوا ... فَقلت إِذا جَاءُوا
بعثنَا لَهُم نصرا ...
وَبعد هَذَا بنى سور إشبيلية بِإِشَارَة عبد الْملك بن حبيب
وَفِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
جهز عبد الرَّحْمَن أسطولاً من ثَلَاثمِائَة مركب الى جزيرتي ميورقة
ومتورقة لاضرار اهلهما بِمن يمر بهما من مراكب الْإِسْلَام ففتحوهما
وَفِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
كَاد نصر الْخصي مَوْلَاهُ عبد الرَّحْمَن بِشَربَة فِيهَا سم نبه
الامر عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ اشربها أَنْت فَشربهَا وَخرج فَأَشَارَ
عَلَيْهِ طبيبه بلين الْمعز فَلم يُوجب حَتَّى هلك
(1/49)
وَفِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
ادّعى بالثغر الْأَعْلَى النُّبُوَّة معلم فَقتل وَهُوَ يَقُول على
جذعه أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله وَكَانَ ينْهَى عَن قصّ
الْأَظْفَار وَالشعر وَيَقُول لَا تَغْيِير لخلق الله
واحتجب عبد الرَّحْمَن قبل مَوته مُدَّة ثَلَاث سِنِين لعِلَّة أضعفت
قواه
حجب لَهُ عبد الْكَرِيم حَاجِب وَالِده إِلَى أَن توفّي فولى بعده
سُفْيَان بن عبد ربه ثمَّ عِيسَى بن شَهِيد وعزله بِعَبْد الرَّحْمَن
بن رستم ثمَّ أَعَادَهُ إِلَى وَفَاته وَقَالَ ابْن الْقُوطِيَّة لم
يخْتَلف أحد من شُيُوخ الأندلس أَنه مَا خدم بني أُميَّة فِي الْحجاب
أكْرم من عِيسَى بن شَهِيد وَمن كِتَابه مُحَمَّد بن سعيد الزجالي
التاكرني وَسَيَأْتِي ذكر قصاته فِي تراجمهم على نسق وَفِي مدَّته
مَاتَ عِيسَى بن دِينَار الطليطلي الَّذِي قيل إِنَّه أفقه من يحيى بن
يحيى وَكَانَ لَهُ رحْلَة إِلَى الْمشرق وَصَحب ابْن الْقَاسِم ودارت
عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمَات يحيى بن يحيى فِي رَجَب سنة أَربع
وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَذكر الحجاري أَن جواد بني أُميَّة بالأندلس عبد الرَّحْمَن وبخيلهم
عبد الله وَأَطْنَبَ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وَذكر أَنه كتب يَوْمًا
إِلَى نديمه ومنجمه عبد الله بن الشمر ... ماتراه فِي اصطباح ... وعقود
الْقطر تنثر
ونسيم الرَّوْض يختا ... ل على مسك وَعَنْبَر
كلما حاول سبقاً ... فَهُوَ فِي الريحان يعثر ...
(1/50)
.. لَا تكن مهمالة واسبق ... فَمَا فِي
البطء تعذر ...
فجاوبه بِمَا تَأَخّر فِيهِ عَن طبقته وَله فِي الْكَرم حكايات مِنْهَا
أَن زرياب غناهُ يَوْمًا فأطربه فَأعْطَاهُ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار
فاحتوشه جواريه وَولده فنثرها عَلَيْهِم وَكتب أحد السَّعَادَة
إِلَيْهِ بِأَن زرياب لم يعظم فِي عَيْنَيْهِ ذَلِك المَال وَأَعْطَاهُ
فِي سَاعَة وَاحِدَة فَوَقع نبهت على شئ كُنَّا نحتاج التَّنْبِيه
عَلَيْهِ وَإِنَّمَا رزقه نطق على لسَانك وَقد رَأينَا أَنه لم يفعل
ذَلِك إِلَّا ليحببنا لأهل دَاره ويغمرهم بنعمنا وَقد شكرناه وأمرنا
لَهُ بِمثل المَال الْمُتَقَدّم ليمسكه لنَفسِهِ فَإِن كَانَ عنْدك فِي
حَقه مضرَّة أُخْرَى فارفعها إِلَيْنَا
وَرفع لَهُ أحد المستغلين بتثمير الْخراج أَن القنطرة الَّتِي بناها
جده على نهر قرطبة لَو رسم على الدَّوَابّ والأحمال الَّتِى تعبر
عَلَيْهَا رسم لَا جتمع من ذَلِك مَال عَظِيم فَوَقع نَحن أحْوج إِلَى
أَن نُحدث من أَفعَال الْبر أَمْثَال هَذِه القنطرة لَا أَن نمحو مَا
خلده آبَاؤُنَا باختراع هَذَا المكس الْقَبِيح فَتكون عائدته قَليلَة
لنا وَتبقى تَبعته وَذكره السوء علينا وهلا كنت نبهتنا على إصْلَاح
الْمَسْجِد المجاور لَك الَّذِي قد تداعى جِدَاره واختل سقفه وَفصل
الْمَطَر مُسْتَقْبل لَكِن يَأْبَى الله أَن تكون هَذِه المكرمة فِي
صحيفتك وَقد جعلنَا عُقُوبَتك بِأَن تصلح الْمَسْجِد الْمَذْكُور من
مَالك على رغم أَنْفك فَيكون مَا تنْفق فِيهِ مِنْك وأجره لنا إِن
شَاءَ الله
3 - ابْنه أَبُو عبد الله مُحَمَّد
كَانَ أَخُوهُ عبد اله بن طروب قد وشحه أَبوهُ للولاية بعده وَكَانَ
نصر الخصى يعضده ويخدم أمه طروب الحظية عِنْد عبد الرَّحْمَن
الْأَوْسَط إِلَّا
(1/51)
أَن عبد الله كَانَ مستهتراً منهمكاً فِي
اللَّذَّات فَكَانَ أولو الْعقل يميلون إِلَى أَخِيه مُحَمَّد فَلَمَّا
مَاتَ أَبوهُمَا وَكَانَ ذَلِك بِاللَّيْلِ اتّفق رُءُوس الخدم أَن
يعدلُوا بِالْولَايَةِ عَن عبد الله إِلَى مُحَمَّد فَمر أحدهم إِلَى
منزله وَجَاء بِهِ على بغلة فِي زِيّ صبية كَأَنَّهُ بنته تزور قصر
جدها فَلَمَّا مر على دَار أَخِيه عبد الله وَسمع ضجة المنادمين
وَلَيْسَ عِنْده خبر من موت أَبِيه أنْشد ... فهنيئاً لَهُ الَّذِي
هُوَ فِيهِ ... وَالَّذِي نَحن فِيهِ أَيْضا هنانا ...
وَلما دخل الْقصر بعد تمنع من البواب وَتمّ لَهُ الْأَمر تَلقاهُ بحزم
وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ أحد من جلة أَقَاربه
قَالَ صَاحب الجذوة كَانَ مُحَمَّد محباً للعلوم مؤثراً لأهل الحَدِيث
عَارِفًا حسن السِّيرَة وَلما دخل الأندلس أَبُو عبد الرَّحْمَن بَقِي
بن مخلد بِكِتَاب أبي بكر بن أبي شيبَة وَقُرِئَ عَلَيْهِ أنكر جمَاعَة
من أهل الرَّأْي مَا فِيهِ من الْخلاف واستشنعوه وبسطوا الْعَامَّة
عَلَيْهِ وَمنعُوا من قِرَاءَته إِلَى أَن اتَّصل ذَلِك بالأمير
مُحَمَّد فاستحضروه وإياهم واستحضر الْكتاب كُله وَجعل يتصفحه جُزْءا
جُزْءا إِلَى أَن أَتَى على آخِره وَقد ظنُّوا أَنه مواقفهم على
الْإِنْكَار عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لخازن الْكتب هَذَا كتاب لَا
تَسْتَغْنِي خزانتنا عَنهُ فَانْظُر فِي نسخه لنا ثمَّ قَالَ لبقي بن
مخلد انشر علمك وارو مَا عنْدك من الحَدِيث واجلس للنَّاس حَتَّى
ينتفعوا بك فنهاهم أَن يتَعَرَّضُوا لَهُ
وَكَانَ مُحَمَّد قد فوض أُمُور دولته لهاشم بن عبد الْعَزِيز أعظم
وزرائه
(1/52)
واشتمل عَلَيْهِ اشتمالاً كثيرا وَكَانَ
هَاشم تياهاً معجباً حقوداً لجوجاً فأفسد الدولة وَكَانَ يقدمهُ على
العساكر فَخرج مرّة إِلَى غرب الأندلس ليقمع مَا هُنَالك من الثَّوَاب
فأساء السِّيرَة فِي الْحَرَكَة وَالنُّزُول والمعاملة مَعَ الْجند
فأسلموه وَأخذ أَسِيرًا ثمَّ افتدى بأموال عَظِيمَة وأنهضه مرّة مَعَ
ابْنه الْمُنْذر إِلَى ثغر سرقسطة فأساء الْأَدَب مَعَه حَتَّى أحقده
وأتلف محبته لما صَارَت السلطنة إِلَيْهِ وثارت الثوار فِي الأندلس
بِسَبَبِهِ وَمَا مَاتَ مُحَمَّد حَتَّى خرقت الهيبة وَزَالَ ستر
الْحُرْمَة واستقبل ابْنه الْمُنْذر ثمَّ عبد الله نيران الْفِتْنَة
فأصلتهما مُدَّة حياتهما إِلَى أَن خمدت بالناصر عبد الرَّحْمَن
وَكَانَت وَفَاة السُّلْطَان مُحَمَّد فِي آخر صفر سنة ثَلَاث وَسبعين
وَمِائَتَيْنِ
4 - ابْنه أَبُو الحكم الْمُنْذر بن مُحَمَّد
ولي بعد أَبِيه فَلم تكن لَهُ همة أعظم من خداع وَزِير أَبِيه هَاشم بن
عبد الْعَزِيز الى ان وَثَبت عَلَيْهِ وسجنه وأثقله بالحديد وَذكره مَا
أسلفه من ذنُوبه الموبقة ثمَّ أخرجه وأتى بِهِ إِلَى دَار عَظِيمَة
كَانَ قد شيدها وَقصر عَلَيْهَا جَمِيع أمانيه وَضرب عُنُقه فِيهَا
وفتك فِي أَوْلَاده ومخلفيه أَشد الفتك وشفى غيظه الكامن ثمَّ أَخذ فِي
التَّجْهِيز إِلَى قتال عمر بن حفصون الثائر الشَّديد فِي الثوار
وَكَانَ قِيَامه وامتنانعه فِي قلعة ببشتر بَين رندة ومالقة وَقد وقفت
عَلَيْهَا وَهِي خراب وَكَانَت من أمنع قلاع الأندلس لَا ترام وَلَا
يخْشَى من فِيهَا إِلَّا من الْأَجَل فحصره فِيهَا فَيُقَال ان أَخَاهُ
(1/53)
عبد الله الَّذِي ولى بعده وَكَانَ حَاضرا
مَعَه دس إِلَى الفاصد مَالا على أَن يسم المبضع فَفعل ذَلِك فَمَاتَ
الْمُنْذر وبادر فِي الْحِين عبد الله بِحمْلِهِ إِلَى قرطبة وحصلت
لَهُ السلطنة وَكَانَ الْمُنْذر قد ترشح فِي مُدَّة أَبِيه لقود
العساكر وَعظم أمره وَاشْتَدَّ صولته وَكَانَ شكس الْأَخْلَاق مر
الْعقَاب وَلم تطل مدَّته
وَذكر صَاحب الجذوة أَنه كَانَ مولده فِي سنة تسع وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ فاتصلت ولَايَته سنتَيْن غير خَمْسَة عشر يَوْمًا وَمَات
فِي سنة خمس وَسبعين وَمِائَتَيْنِ قَالَ الْحميدِي وَقد انقرض عقب
الْمُنْذر
5 - المستكفي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عَبِيدِي الله ابْن عبد
الرَّحْمَن النَّاصِر
قَالَ ابْن حَيَّان بُويِعَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الناصري يَوْم
قتل عبد الرَّحْمَن المستظهر يَوْم السبت لثلاث خلون من ذِي الْقعدَة
سنة أَربع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة فتسمى بالمستكفي بِاللَّه اسْما ذكر
لَهُ فاختاره لنَفسِهِ وَحكم بِهِ سوء الِاتِّفَاق عَلَيْهِ لمشاكلته
لعبد الله المستكفي العباسي أول من تسمى بِهِ فِي أفنه ووهنه وتخلفه
وَضَعفه بل كَانَ هَذَا زَائِدا عَلَيْهِ فِي ذَلِك مقصرا
(1/54)
عَن خلال ملوكية كَانَت فِي المستكفي سميه
لم يحسنها مُحَمَّد هَذَا لفرط نخلفه على اشتباهما فِي سَائِر ذَلِك
كُله من توثبهما فِي الْفِتْنَة واستظهارهما بالفسقة واعتداء كل وَاحِد
مِنْهُمَا على ابْن عَمه وتولع كل وَاحِد مِنْهُمَا شَأْنه بِامْرَأَة
خبيثة فَلذَلِك حسناء الشيرازية وَلِهَذَا بنت سكرى المورورية وكل
وَاحِد مِنْهُمَا خلع وَتَركه أَبوهُ صَغِيرا قَالَ وَلم يكن من
الْأَمر فِي ورد وَلَا صدر وَإِنَّمَا أرْسلهُ الله على الْأمة محنة
بلغت بِهِ الْحَال قبل تملكه إِلَى أَن كَانَ يستجدي الفلاحين وَلم
يجلس فِي الْإِمَارَة فِي تِلْكَ الْفِتْنَة أسقط مِنْهُ خنق ابْن عَمه
ابْن الْعِرَاقِيّ وسجن ابْن حزم وَابْن عَمه أَبَا الْمُغيرَة
واستؤصلت فِي مدَّته بالهدم قُصُور النَّاصِر وهرب بَين النِّسَاء
لتخنيثه وَلم يتَمَيَّز مِنْهُنَّ
6 - المعتد بِاللَّه أَبُو بكر هِشَام بن مُحَمَّد بن عبد الْملك ابْن
النَّاصِر المرواني
من الجذوة أَن أهل قرطبة اتَّفقُوا بعد ذهَاب الدولة الحمودية بعد طول
مُدَّة عَلَيْهِ وَكَانَ مُقيما بالبونت عِنْد صَاحبهَا مُحَمَّد بن
عبد الله بن الْقَاسِم فَبَايعُوهُ فِي ربيع الأول سنة ثَمَان عشرَة
وَأَرْبَعمِائَة فَبَقيَ متردداً فِي الثغور ثَلَاثَة أَعْوَام غير
شَهْرَيْن إِلَى أَن سَار إِلَى قرطبة وَلم يبْق إِلَّا يَسِيرا حَتَّى
خلع وانقطعت الدولة المروانية من يَوْمئِذٍ فِي سنة عشْرين
وَأَرْبَعمِائَة
(1/55)
وَمن = كتاب السلوك فِي حلى الْمُلُوك
7 - أَبُو الحزم جهور بن مُحَمَّد بن جهور بن عبيد الله ابْن مُحَمَّد
بن الْغمر بن يحيى بن عبد الغافر ابْن أبي عَبدة الْكَلْبِيّ مولى بني
أُميَّة
كَانَ من وزراء الدولة العامرية قديم الرِّئَاسَة مَوْصُوفا بالدهاء
والسياسة وَلم يُغير أمرا توجبه المملكة حَتَّى إِنَّه بَقِي يُؤذن على
بَاب مَسْجده وَلم يتَحَوَّل عَن دَاره وَأحسن تَرْتِيب الْجند فتمشت
دولته وَكَانَ حرما يلجأ إِلَيْهِ كل خَائِف ومخلوع عَن ملكه إِلَى أَن
مَاتَ فِي صفر سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة فولى بعده |