المغرب في حلى المغرب

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب السَّادِس من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا كتاب مملكة المرية وَهُوَ كتاب الْبَهْجَة فِي حلي مَدِينَة برجة
الْبسَاط
كَانَ وَالِدي متولعاً بالفرجة فِيهَا لما خصها الله بِهِ من حسن المنظر أَخْبرنِي أَن الجنات محدقة بهَا وَهِي على نهر بهيج يعرف بوادي عذراء وفيهَا الْفَوَاكِه الجليلة وَبهَا مَعْدن الرصاص
الْعِصَابَة
تَارَة يتَكَرَّر عَلَيْهَا الْوُلَاة من المرية وَتارَة من غرناطة وَلَكِن الْأَغْلَب ولَايَة المرية فَلذَلِك أثبتناها فِي مملكتها

(2/228)


السلك
القواد
506 - الْقَائِد أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن سوار
أَخْبرنِي وَالِدي أَنه من بَيت رياسة وإمارة وَكَانَ أَبُو مُحَمَّد مَعَ سلوك طَرِيق آبَائِهِ فِي الجندية مزاحماً لأهل الْفضل وَمن شعره قَوْله ... أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ رَقَّ وَرَاقَنِي ... وَكَانَ كَعَرْفٍ قَدْ تُنُشِّقَ عَنْ زَهْرِ
كَأَنَّ مَعَانِيهِ وَأَلْفَاظَ نَثْرِهِ ... كُؤُوسٌ وَقَدْ نَمَّتْ بِصَافِيَةِ الخَمْرِ ...

وَقَوله ... لَقَدْ طَالَ عَتْبِي لِلْزَمَانِ لأَنَّهُ ... يُقَصِّرُ عَمَّا يَقْتَضِيهِ نِصَابِي
وَإِنِّي لأَخْشَى أَنْ يُكَلِّفَنِي النَّوَى ... فَتَتْعَبَ فِي نَيْلِ العَلاَءِ ركابي ...

وَمن الْكتاب
507 - أَبُو يكر بن عمار كَاتب المتَوَكل بن هود سُلْطَان الأندلس
اجْتمعت بِهِ فِي غرناطة وَكَانَ لَهُ حَظّ من الْأَدَب واشتهر قَوْله ... قُلْ لِمَنْ يَشْهَدُ حَرْبَاً ... تَحْتَ رَايَاتِ ابْنِ هُوُدِ
ثُمَّ لَا يُقْدِمُ فِيهَا ... مِثْلَ إِقْدَامِ الأُسُودِ
حُرِمَ الْحَظ من الدُّنْيَا ... وَمِنْ دَارِ الخُلُودِ ...

(2/229)


وَمن الْعلمَاء
508 - أَبُو الْفضل جَعْفَر بن أبي عبد الله بن شرف
وَالِده أَبُو عبد الله أديب القيروان ذكر الحجاري أَنه ولد لَهُ فِي برجة وَقد قيل إِنَّه دخل بِهِ الأندلس صَغِيرا
وَمن الذَّخِيرَة ذُو مرّة لَا تنَاقض وعارضة لَا تعَارض وَذكر أَنه حيٌ فِي عصره بالمرية واشتهر بمدح المعتصم بن صمادح الْغَرَض مِمَّا أنْشدهُ من نظمه قَوْله من قصيدة فِيهِ ... مَطَلَ اللَّيْلُ بِوَعْدِ الفَلَقِ ... وَتَشَكَّى النَّجْمُ طُولَ الأَرَقِ
وَأَلاحَ الفَجْرُ خَدَاً خَجِلاً ... جَالَ مِنْ رَشْحِ النَّدَى فِي عَرَقِ
جَاوَزَ اللَّيْلَ إِلَى أَنْجُمِهِ ... فَتَسَاقَطْنَ سُقُوطَ الوَرَقِ
وَاسْتَفَاضَ الصُّبْحُ فِيهَا فَيْضَةً ... أَيْقَنَ النَّجْمُ لَهَا بِالغَرَقِ ...
وَقَوله ... رَأَى الحُسْنُ مَا فِي خَدّه من بَدَائِع ... فأعجبه مَا ضَمَّ مِنْهُ وَطَرَّفَا ...

(2/230)


.. وَقَالَ لقد ألفيت فِيهِ نوادرا ... فَقلت لَهُ لَا بَلْ غَرِيبَاً مُصَنَّفَا ...
وَقَوله ... أَلا فاسقنيها والصباح كَأَنَّهُ ... على الأُفُقِ الشَّرْقِيِّ ثَوْبُ مُمَزَّقُ ...

وَمن القلائد النَّاظِم الناثر الْكثير الْمَعَالِي والمآثر إِن نثر رَأَيْت بحراً يزخر وَإِن نظم قلد الأجياد درا تباهي بِهِ وتفخر وَوَصفه بِمَعْرِِفَة علم الْأَوَائِل وَله تصانيف وَمن حكمه الْعَالم مَعَ الْعلم كالناظر للبحر يستعظم مَا يرى وَالْغَائِب عَنهُ أَكثر الْفَاضِل فِي الزَّمَان السوء كالمصباح فِي البراح قد كَانَ يضئ لَوْلَا الرِّيَاح لتكن بِالْحَال المتزايدة أغبط مِنْك بِالْحَال المتناهية فالقمر آخر إبداره أول إدباره لتكن بقليلك أغبظ مِنْك بِكَثِير غَيْرك فَإِن الْحَيّ برجليه أقوى من الْمَيِّت على أَقْدَام الحملة وَهِي ثَمَان المتلبس بِمَال السُّلْطَان كالسفينة فِي الْبَحْر إِن أدخلت بعضه فِي جوفها أَدخل جَمِيعهَا فِي جَوْفه لَيْسَ المحروم من سَأَلَ فَلم يُعْط وَإِنَّمَا المحروم من أعطي فَلم يَأْخُذ وَأحسن مَا أثر لَهُ قَوْله ... تَقَلَّدَتْنِي اللَّيَالِي وَهِيَ مُدْبِرَةٌ ... كَأَنَّنِي صَارِمٌ فِي كَفِّ مُنْهَزِمِ ...
وَمِنْهَا ... وَإِنَّ أَحْمَدَ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ عَظُمَتْ ... لَوَاحِدٌ مُفْرَدٌ فِي عَالَمٍ أُمَمِ
تُهْدَى المُلُوكُ بِهِ من بعد مَا نكصت ... كَمَا تَرَاجَعَ فَلُّ الجَّيْشِ بِالعَلَمِ
مِنَ المُلُوكِ الأُلَى اعتادت اوائلهم ... سحب البُرُودِ وَمَشْجَ المِسْكِ بِاللَّمَمِ
زَادَتْ مُرُورُ اللَّيَالِي بَينهم شرفا ... كالسيف يَزْدَادُ إِرْهَافَاً عَلَى القِدَمِ ...

(2/231)


.. تسنموا نكبات الدَّهْر واختلطوا ... مَعَ الخُطُوبِ اخْتِلاَطَ البُرْءِ بِالسُّقَمِ ...

وَأَطْنَبَ الحجاري فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وعظمه فِي الشّعْر بقوله فِي ابْن صمادح ... لَمْ يَبْقَ لِلْجُورِ فِي ايامكم اثر ... إِلَّا الَّذِي فِي عُيُونِ الغِيدِ مِنْ حَوَرِ ...

وَهُوَ من شعراء الْمِائَة السَّادِسَة
509 - ابْنه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْفضل
أَخْبرنِي وَالِدي أَنه كَانَ فيلسوفاً أديباً وَمن السمط ذُو السّلف والشرف والنخب والطرف وَذكر أَنه اعتبط شَابًّا وَأنْشد لَهُ ... مَلاَمَكُمَا ظُلْمٌ عَلَيَّ وَعُدْوَانُ ... فَكُفَّا وَلَوْ أَنَّ المَلاَمَةَ إِحْسَانُ
تَقُولانِ مَنْ أَضْنَاكَ شوقا ولوعة ... اولئك أَحْبَابِي يَكُونُونَ مَنْ كَانُوا ... هُمُ زَهْرَةُ الدُّنْيَا على اتهمَ جفوا ... وهم مَوْضِعُ اللُّقْيَا وَلَوْ أَنَّهُمْ بَانُوا ...

وَمِنْهَا ... حَوْلِي مِنَ الأَعْدَاءِ وَاشٍ وَكَاشِحٌ ... وَغَيْرَانُ مَرْهُوبُ اللِّقَاءَةِ شَيْحَانُ ... وَصَفْرَاءُ مِرْنَانُ لِفِرْقَةِ إِلْفِهَا ... وَأَبْيَضُ مَكْسُوٌّ وَأَسْمَرُ عُرْيَانُ ...

الْأَهْدَاب
موشحة لأبي عبد الله الْمَذْكُور ... يَا رَبَّةَ العِقْدِ ... مَتَى تَقَلَّدْ
بِالأَنْجُمِ الزُّهْرِ ... ذَاكَ المُقَلَّدْ ...

(2/232)


.. مَنْ أَطْلَعَ البَدْرَا ... عَلَى جَبِينِكَ
وَأَوْدَعَ السِّحْرَا ... بَيْنَ جُفُونِكَ
وَرَوَّعَ السُّمْرَا ... بِفَرْطِ لِينِكَ
يَا لَكَ مِنْ قَدِّ ... مَهْمَا تَأَوَّدْ
أَهْدَى إِلَى الزَّهْرِ ... خَداً مُوَّرَّدْ
قُمْ فَاقْتَدِحِ زَنْدَا ... مِنَ العُقَارِ
قَدْ قُلِّدَتْ عِقْدَا ... مِنَ الدَّرَارِي
وَأُلْبِسَتْ بُرْدَا ... مِنَ النُّضَارِ
وَاشْرَبْ عَلَى وَرْدِ ... عَلْيَا مُحَمَّدْ
نَاهِيكَ مِنْ سِرِّ ... وَطِيبِ مَوْرِدْ
النَّصْرُ يَلْتَاحُ ... عَلَى عُلاهُ
الزَّهْرُ يَرْتَاحُ ... إِلَى نَدَاهُ
مَا الصُّبْحُ وَضَّاحُ ... لَوْلا سُرَاهُ ... فَالْبِسْ مِنَ المَجْدِ ... بُرْدَاً مُعَضَّدْ
وَانْظُمْ مِنَ الشِّعْرِ ... دُرَّا مُنَضَّدْ
للهِ مَا أَعْلَى ... فِي كُلِّ حَالِ
ملك قد اسْتَوْلَى ... عَلَى الكَمَالِ
مَقَلَّدَاً نَصْلا ... مِنَ الجَّلالِ ...

(2/233)


.. يَهُزُّ لِلْمَجْدِ ... نَصْلاً مُهَنَّدْ
يَهُبُّ بِالنَّصْرِ ... فِي كُلِّ مَشْهَدْ
أَنْعَمُ مِنَ الحُسْنَا ... بِكُلِّ حُسْنِ
فِي الشّرف الاسنى ... وَظِلِّ أَمْنِ
يَا صِدْقَ مَنْ غَنَّى ... وَأَنْتَ تُغَنِّي
مَا كَوْكَبُ المَجْدِ ... إِلاَّ مُحَمَّدْ
فَرَايَةُ الأَمْرِ ... عَلَيْهِ تُعْقَدْ ...

(2/234)