المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

ذكر الأنهار والعيون [1]
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التميمي، قال:
أخبرنا أحمد بْن جَعْفَر، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بن أحمد، قال: أخبرنا الدّراوردي، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَعْينَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، قَالا: حَدَّثَنَا هَمَّامُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ صَعْصَعَةَ حَدَّثَهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثِ الْمِعْرَاجِ، قَالَ: «ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ الْيَزِيدِ، قُلْتُ لَهُ: حَدَّثَكُمْ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِدْرِيسَ الأَوِدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «نهروان مِنَ الْجَنَّةُ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ» . أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا أبو الفتح ابن أَبِي الْفَوَارِسِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي
__________
[1] نخبة الدهر 88- 120، ومرآة الزمان 1/ 107.
[2] الحديث أخرجه البخاري في الصحيح 5/ 68، ومسلم، الإيمان 264، ومسند أحمد 4/ 208، 209.

(1/157)


هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فُجِّرَتْ أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ: النِّيلُ، وَالْفُرَاتُ، وَسَيْحَانُ وَجَيْحَانُ» [1] .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قَالَ: «يَنْزِلُ فِي الْفُرَاتِ كُلَّ يَوْمٍ مَثَاقِيلُ مِنْ بَرَكَةِ الْجَنَّةِ» [2] .
وَرَوَى أَبُو عميس، عَن القاسم، قَالَ: مد الفرات فجاء برهانه مثل البصير وكانوا يتحدثون أَنَّهَا من الْجَنَّة.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَبُو بَكْر بْن ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الواعظ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الصفار، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن إدريس الشَّعْرَانِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا موسى بْن إِبْرَاهِيمَ الأَنْصَارِي، عَن إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر المدني، عن عثمان بن عَطَاء، عَن أَبِيهِ، قَالَ: أوصى اللَّه تَعَالَى إِلَى دانيال أَن احفر لي سيبين نهرين بالعراق، قَالَ دانيال: إلهي بأي مكاتل وبأي مساحي، وبأي رجال وبأي قوة أحفر لَكَ هذين النهرين، فأوحى اللَّه إِلَيْهِ أَن أعد سكة من حديد واجعلها فِي خشبة والقها خلف ظهرك فإنّي باعث إليك الملائكة يعينونك عَلَى حفر هذين السيبين. فحفر، وَكَانَ إِذَا انتهى إلى أرض أرملة أو يتيم حاد عَنْهَا حَتَّى حفر دجلة والفرات [3] .
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن مُحَمَّد بْن عَلِي بْن يعقوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف بْنِ خَلادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيد بْن شُرَحْبِيل، عَن ليث، عَن يَزِيد بْن أَبِي حبيب، عَن أَبِي الخير، قَالَ: قَالَ كعب: نهر النيل نهر العسل فِي الْجَنَّة، ونهر دجلة نهر اللبن فِي الْجَنَّة، ونهر الفرات نهر الخمر فِي الْجَنَّة، ونهر سيحان نهر الماء فِي الْجَنَّة، قَالَ: قَالَ اللَّه: نورهن ليصيرهن إِلَى الْجَنَّة.
__________
[1] الحديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند 2/ 240، 261 و 289، والخطيب في تاريخ بغداد 1/ 54، 8/ 185.
[2] الحديث أورده في كنز العمال 35339 باللفظ المذكور، وأورده المصنف في العلل بلفظ: «ما من يوم إلا تنزل ... » . وقال: هذا حديث لا يصلح.
[3] تاريخ بغداد 1/ 56، مرآة الزمان 1/ 112.

(1/158)


أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السَّلَمَيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بْنُ سَابِقٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُقَابِلُ بْنُ حِبَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ خَمْسَةَ أَنْهَارٍ: سَيْحُونَ وَهُوَ نَهْرُ الْهِنْدِ، وَجَيْحُونَ وَهُوَ نَهْرُ بَلْخَ، وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ وَهُمَا نَهْرَا الْعِرَاقِ، وَالنِّيلَ، وَهُوَ نَهْرُ مِصْرَ. أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ وَاحِدَةٍ مِنْ عُيُونِ الْجَنَّةِ مِنْ أَسْفَلِ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِهَا عَلَى جَنَاحَيِّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَاسْتَوْدَعَهَا الْجِبَالُ وَأَجْرَاهَا فِي الأَرْضِ، وَجَعَلَ فِيهَا منَافِعَ لِلنَّاسِ فِي أَصْنَافِ مَعَايِشِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ في الْأَرْضِ 23: 18 [1] .
فَإِذَا كَانَ عِنْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ فَرَفَعَ مِنَ الأَرْضِ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ كُلَّهُ وَالْحَجَرَ مِنْ رُكْنِ الْبَيْتِ وَمَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَتَابُوتَ مُوسَى بِمَا فِيهِ. وَهَذِهِ الأَنْهَارَ الخمسة، فرفع كُلَّ ذَلِكَ إِلَى السَّمَاءَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ به لَقادِرُونَ 23: 18 [2] .
فَإِذَا رُفِعَتْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ مِنَ الأَرْضِ فُقِدَ خَيْرُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آَخَرَ: «نَهْرَانِ مُؤْمِنَانِ وَنَهْرَانِ كَافِرَانِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَأَمَّا الْكَافِرَانُ فَدِجْلَةُ وَنَهْرُ بَلْخَ» . قَالَ ابْن قُتَيْبَةَ: قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ لأَنَّ النِّيلَ وَالْفُرَاتَ يُعْرَضَانِ عَلَى الأَرْضِ وَيَسْقِيَانِ بِلا تَعَبٍ وَلا مَئُونَةٍ، وَدِجْلَةُ وَنَهْرُ بلخ لا يسقيان إلا قليلا بتعب مئونة، فَهَذَانِ فِي قِلَّةِ النَّفْعِ كَالْكَافِرِينَ، وَهَذَانِ فِي كثرة/ النفع كالمؤمنين.
__________
[1] سورة: المؤمنون، الآية: 18. والحديث: أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 1/ 57، وابن حبان في المجروحين 3/ 323، والسيوطي في الدر المنثور 5/ 8، والقرطبي في التفسير 12/ 113.
[2] سورة: المؤمنون، الآية: 18.

(1/159)


مخارج الأنهار
قَالَ أَبُو العالية: كُل ماء عذب فِي الأَرْض من أصل الصخرة الَّتِي فِي بَيْت المقدس يهبط من السماء ثُمَّ يتصرف فِي الأَرْض.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن المنادي: مخرج نهر بلخ، واسمه جيحون [1] من جبال التبت، ثم يمر ببلخ والترمذ وخوارزم حَتَّى يصب فِي بحر جرجان.
ومخرج مهران، وَهُوَ نهر السند من جبال سندان [2] ثُمَّ يمر بالبصرة، ويصب فِي بحر الشرقي الكبير بَعْد أَن يحمل منه أنهار بلاد الهند.
ومخرج الفرات [3] من قاليقلا حَتَّى يمر بأرض الروم ويستمد من عيون حَتَّى يخرج عَلَى ميلين من ملطية، ثُمَّ يبلغ إِلَى شمشاط [4] فتحمل من هناك السفن ثُمَّ تبلغ إِلَى الكوفة من فَوْقَ دقما وإلى حلة من هناك أَيْضًا وتصب فِي دجلة.
ومخرج دجلة [5] من جبال آمد، ثُمَّ يستمد من عيون كثيرة من نواحي أرمينية ثُمَّ يمر ببلد ومن هناك تحمل السفن وتستمد من الزاب الأعلى والزاب الأسفل، وتصب فِي البطائح، ثُمَّ يصب البطائح فِي البحر الشرقي.
وَفِي بَعْض الكتب السالفة أَن الشياطين حفرت دجيل لسليمان بْن دَاوُد، واحتفر هُوَ فِي نهر الْمَلِك، فَإِن الشياطين لما حفرت دجيل ألقت ترابه بَيْنَ خانقين وقصر شيرين.
ومخرج الراسي نهر أرمينية من قاليقلا، ومنتهاه بحر جرجان.
ومخرج الزابين من جبال أرمينية، ثُمَّ يصبان فِي دجلة، يصب الكبير بالحديثة، والصغير بالسن.
__________
[1] نخبة الدهر 94، والروض المعطار 185، وابن رستة 91، وكنز الدرر 1/ 176.
[2] في الروض المعطار 562: «يخرج من جبال شقنان» .
[3] مروج الذهب 1/ 117، ونخبة الدهر 92، وابن رستة 93، وكنز الدرر 173.
[4] كذا في الأصل، وفي مرآة الزمان 1/ 111: صميصات، وتكتب أيضا سميساط، وفي كنز الدرر:
شميصات. وفي معجم البلدان: «سميساط» .
[5] مروج الذهب 1/ 122، ونخبة الدهر 95، وابن رستة 94، وكنز الدرر 1/ 175، ومرآة الزمان 1/ 112، والصحاح 4/ 1695.

(1/160)


ومخرج النهروان من جبال أرمينية ثُمَّ يمر بباب الصلولي [ويسمى] هناك تامرا ويستمد من القواضل فَإِذَا مر بباب كسرى سمي النهروان، ثُمَّ يصب فِي دجلة أسفل جبل.
ومخرج الخابور من رأس عين، ويستمد من الهرماس ثُمَّ يصب في الفرات بقرقيسياء.
ومخرج نيل مصر [1] من جبال القمر ثُمَّ يصب خلف بحرين خلف خط الاستواء، ويطيف بأرض النوبة، ويجيء إِلَى مصر فيصير بعضه بدمياط فِي البحر الرومي، ويسقي باقيه القسطنطينية حَتَّى يصب أَيْضًا في البحر الرومي.
ومخرج الهيدميذ من جبال سجستان، وَلَهُ من ورائها مفيض عظيم إِلَى صراة فِي فضاء من الأَرْض وحول ذَلِكَ البساتين والمزارع يسير عَلَى سمت مستقيم ثُمَّ يعوج حَتَّى يحاذي مجاذب تؤديه إِلَى البحر الشرقي.
ويخرج سيحان نهر أذنه من بلاد الروم، ثُمَّ يمر عَلَى موضع من بلاد أرمينية ثُمَّ يمتد إِلَى أذنه، وهناك يدعى سيحان، ثُمَّ يسير حَتَّى يصب فِي البحر الشامي.
ومخرج جيحان نهر المصيصة من بلاد الروم عَلَى مراحل منها، ثُمَّ يصب فِي البحر اللبناني ويستمد من وادي الزنج ثُمَّ يصب فِي البحر الشامي.
ومخرج الأرند نهر أنطاكية من أرض دمشق مِمَّا يلي طريق البربر، وَهُوَ يجري مَعَ الجنوب، ولذلك يدعى المقلوب، ثُمَّ يصير فِي البحر الرومي.
ومخرج نهر دمشق من ذَلِكَ الموضع، ويسقي الغوطة ثُمَّ يصب فِي بحيرة دمشق.
ومخرج قويق نهر حلب من قرية تدعى سبتات عَلَى سبعة أميال من دابق، ثُمَّ يمر إِلَى حلب ثمانية عشر ميلا، ثُمَّ إِلَى مدينة قنسرين اثني عشر ميلا، ثُمَّ يفيض فِي الأجمة هذه المشتهرة بالذكر، وَقَدْ تذكر كثيرا مِمَّا لَمْ يشتهر ذكره.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: ذكر
__________
[1] مروج الذهب 1/ 112، ومرآة الزمان 1/ 108، وكنز الدرر 1/ 167، والصحاح 5/ 1838.

(1/161)


بعض من تقدم من الْعُلَمَاء بأخبار الأوائل أَن ملك الأردوان وَهُمْ النبط كَانَ فِي السواد، قبل ملك فارس، وأن النبط هُمُ الَّذِينَ استنبطوا الأَرْض وعمروا السواد، وحفروا الأنهار العظام، ويقال لَهُمْ ملوك الطوائف، قَالَ: وحكى الهيثم بْن عدي، عَن عَبْد اللَّهِ بْن عياش، قَالَ: ملك النبط سواد العراق ألف سَنَة، وَكَانَ حد ملك النبط الأنبار إِلَى عانات كسكر إِلَى مَا والاها من كور دجلة إِلَى جوخي. وكانت سرة الدنيا فِي أيد النبط، واعتبر ذلك أن الفرات ودجلة ينصبان من الشام والجزيرة، ولا ينتفع بهما حَتَّى يأتيا بلادهم، فيفجرونها فِي كُل موضع، ثُمَّ يسوقون بقيتهما إِلَى البحر، وَكَانَ ملكهم ألف سَنَة، وإنما سموا نبطا، لأنهم انبطوا الأَرْض وحفروا الأنهار العظام، منها الصراة العظمى.
ونهر آبا، ونهر سورا ونهر الْمَلِك، وحفروا الصراة العظمى فيروز حشش، وحفر نهر آبا أبا ابْن الصامغان، وحفر نهر الْمَلِك أفقورشة، وَكَانَ آخر ملوك النبط ملك مائتي سَنَة، ثُمَّ وليت ملك فارس فحفروا أنهار كوثى والصراة الصغرى الَّتِي عَلَيْهَا ابْن هبيرة وكل سيب بالعراق. ثُمَّ حفروا النهروان. [1] وَقَالَ غيره: حفر الصراة العظمى أفريدُونَ، وحفر أقفور بْن بلاش نهر الْمَلِك، وحفر آبا ابْن الصمغان نهر الأنبار، وبنى قناطر هَذَا النهر قباد بن فيرون، وحفرت خماني بنت بهمن أردشير تامرا، وَهُوَ القاطول الأَوَّل، وشقت منه أنهارا، وحفر أردشير دجيل، وحفر الزاب زو بْن الطهماسب، وحفر برازالروز رجل من فارس اسمه بران، وحفر الْحَجَّاج النيل، وحفر خالد بن عبد الله القسري نهر الصلح، ونهر الْمُبَارَك، وحفر الرشيد قاطول نهر السَّلام، وَهُوَ عمود نهرين، واستخرج منه الخالص.
فصل
وذكر الْقَاضِي أَبُو العباس أَحْمَد بْن بختيار، قَالَ: أول العيون عين تخرج من جبل القمر وراء خط الاستواء، ثُمَّ ينبعث منها عشرة أنهار، ويخرج منها بحر هُوَ نيل مصر حَتَّى يمر بمدينة النوبة، ويقطع الإقليم الأَوَّل حَتَّى يجاوره إِلَى الإقليم الثَّانِي، ثُمَّ يمد إِلَى مصر ثُمَّ ينقسم النيل سبعة أقسام يمر الغربي منها إِلَى الإسكندرية. ومسير النيل من ابتدائه إِلَى انتهائه ألفا ميل، ونيفا.
__________
[1] تاريخ بغداد 1/ 57.

(1/162)


وعين أُخْرَى مركزها تَحْتَ خط الاستواء يخرج منها نهر يمر إِلَى النيل حَتَّى يصب فيه عند مدينة النوبة.
وعين أُخْرَى فِي جزيرة الفضة الَّتِي فِي بحر الصين يخرج منها ثلاثة أنهار تصب فِي البحر.
وعين أُخْرَى من وراء خط الاستواء يخرج منها نهران يصبان فِي البحر.
قَالَ: وَفِي الإقليم الأَوَّل من الأنهار والعيون ثلاثة وعشرون كلها جارية إلا عينا واحدة.
وَفِي الإقليم الثَّانِي من الأنهار والعيون أربعة وعشرون، والبحيرة المعروفة بطبرية وهي مدورة مقدارها ثلاثة وثلاثون ميلا، ويخرج منها نهر يمر عَلَى قرب أنطاكية حَتَّى يصب فِي البحر.
وَفِي الإقليم الرابع أنهار وعيون لَمْ يذكر عددها.
وَفِي الإقليم الخامس خمسة وعشرون نهرا منها دجلة تخرج من بَيْنَ جبلين عِنْدَ مدينة آمل، وتصير إِلَى بلد، ثُمَّ الموصل، ثُمَّ المدينة، ويصب إِلَى بغداد ثُمَّ إِلَى واسط ثُمَّ البطائح، ثُمَّ يفترق فرقتين، فرقة تمر إِلَى البصرة، وفرقة إِلَى المدار، ويصب الجميع إِلَى بحر فارس ومسافتها ثمانمائة ميل ونصف.
وَفِي الإقليم السادس ستة وعشرون نهرا منها الفرات أولها من عين فِي بلد الروم وطولها عِنْدَ طلوعها فِي بلد الإسلام سبعمائة وخمسة وثلاثون ميلا.
وَفِي الإقليم السابع ثمانية وعشرون نهرا منها جيحان يصب فِي بحر الشامي، وطوله سبعمائة ونيف وثلاثون ميلا، وفيه نهر بلخ.
أَخْبَرَنَا ابن الحصين، قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الصُّبَاحِ بْنِ أَشْرَسَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْمَدِّ وَالْجَزْرِ، فَقَالَ: إِنْ مَلَكًا مُوَكَّلٌ بِقَامُوسِ الْبَحْرِ، فَإِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فَاضَتِ وَإِذَا رفعها غاضت [1] .
__________
[1] راجع مروج الذهب 1/ 131، وكنز الدرر 1/ 158، ومرآة الزمان 1/ 106.

(1/163)