المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

بَاب ذكر سكان الأَرْض
رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تعالى خلق ألف أمة، ستمائة منها في البحر وأربعمائة فِي الْبَرِّ» [1] .
وَقَدْ روينا نحوَ هَذَا عَن يَحْيَى بْن أَبِي كثير موقوفا. وَقَالَ وهب بْن منبه: إِن للَّه تَعَالَى ثمانية عشر ألف عالم الدنيا من ذَلِكَ واحد.
وَقَالَ أَبُو العالية: الجن عالم والإنس عالم، وَسِوَى ذَلِكَ ثمانية عشر ألف عالم من الْمَلائِكَة عَلَى الأَرْض، وَالأَرْض أربع زوايا كُل زاوية منها أربعة آلاف وخمسمائة عالم خلقهم اللَّه لعبادته.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أحمد، قال: أخبرنا عاصم بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بشران، قال: حدثنا أَبُو صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ حَاتِمٌ الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أبي دهرس، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ بِهَذَا الْمَغْرِبِ أَرْضًا بَيْضَاءَ مَسِيرَةً لِلشَّمْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ بِهَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَمْ يَعْصُوا اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ» ، قَالُوا: فَأَيْنَ الشَّيْطَانُ عَنْهُمْ؟ قَالَ:
«مَا تَدْرُونَ خُلِقَ الشَّيْطَانُ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ» ، قَالُوا: وَمِنْ وَرَاءِ آَدَمَ هُمْ؟ قَالَ: «وَمَا تَدْرُونَ خُلِقَ آدم أم لم يخلق» [2] .
__________
[1] الحديث في تفسير القرطبي 7/ 279، والكامل لابن عدي 6/ 2249، وشكاه المصابيح 5463، والدر المنثور 1/ 13، والمطالب العالية 2339، ومجمع الزوائد 7/ 322، وتفسير ابن كثير 1/ 39، 3/ 249، والبداية والنهاية 1/ 29، وتاريخ بغداد 11/ 218، وتنزيه الشريعة 1/ 190، والموضوعات 3/ 14.
[2] الحديث أخرجه أبو الشيخ في كتاب العظمة من حديث بن هريرة، بلفظ: «إن للَّه تعالى أرضا من وراء أرضكم هذه، بيضاء نورها مسيرة شمسكم هذه أربعين يوما فيها عباد للَّه ... » . وقال السخاوي بعد ذكر ألفاظ هذا الحديث: «وهذه الأخبار أسانيدها ضعيفة لكن باجتماعها يكسب قوة» . انظر الحديث في: تفسير ابن كثير 8/ 184 وكنز العمال 29843.

(1/170)


بَاب ذكر من ملك الأَرْض كلها [1]
قَدْ روينا فِي الْحَدِيث عَن مجاهد أَنَّهُ قَالَ: ملك الأَرْض أربعة أنفس: مؤمنان وكافران، فأما المؤمنان فسليمان بْن دَاوُد، وذُو الْقَرْنَيْنِ، وَأَمَّا الكافران فبخت نصر، ونمرود [2] .
وَقَدْ حكى أَبُو الْحُسَيْن بْن جَعْفَر المنادي، أَن هِشَام بْن مُحَمَّد، والشرقي بْن قطامي، قَالا: ملك الدُّنْيَا كلها من الجن والإنس ثمانية: فثلاثة مِنْهُم من ولد جان:
جيومرث، وبعضهم يَقُول جيومرب بالباء [3] ، ثُمَّ ملكها بعده طهمورث، ثُمَّ ملكها من بعده ابنه أوشنج، فخلق اللَّه تَعَالَى آدَم عَلَى عهد أوشنج [4] ، وَكَانَ أول من ملك الدنيا من أولاد آدَم جمشاد بْن بونجهان من ولد قابيل، وكان يقطع الدنيا كُل يَوْم كَمَا تقطعها الشمس، يضحي بالمشرق ويمسي بالمغرب، ملكها بَيْنَ آدَم ونوح. وَالثَّانِي: نمرود بْن كنعان بْن حام بن نوح. والثالث: بوارسب [5] ، وهو الضحاك بن الآهبوب [6] . والرابع سُلَيْمَان. والخامس ذو الْقَرْنَيْنِ.
قُلْت: وإذا أضيف نصر صاروا ستة إلا أَن هَذَا القول لا أراه ثابتا. وسنذكر جيومرث، وطهمورث في أولاد آدم.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 125، وكنز الدرر 1/ 206.
[2] بقية الخبر كما في المرآة: «وسيملكها خامس من أهل بيتي» .
[3] في المرآة: «كيومرت» .
[4] كذا في الأصول المخطوطة والمختصر، وفي المرآة «أوشهبخ» .
[5] في المرآة 1/ 126: «بيوراسف» .
[6] هكذا في الأصل، وفي المختصر: «الضحاك» فقط. وورد في المرآة 1/ 250: «الضحاك بن الأهيوب» ، وفي موضع آخر: «الأهيوب» . 1/ 235 مرآة الزمان.

(1/171)


بَاب ذكر مَا تَحْتَ الأَرْض
اعلم أَن الأَرْض كَانَ طبقا واحدا، فشقها سبحانه سبعا، وَكَذَلِكَ السماء.
قَالَ كعب: هذه الأَرْض عَلَى صخرة خضراء فِي كف ملك، وَذَلِكَ الْمَلِك قائم على ظهر الحوت، وذلك الحوت منطو بالسماوات السبع من تَحْتَ الأَرْض.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الصخرة عَلَى منكبي ملك والملك عَلَى الثور والثور عَلَى الماء، والماء متن الريح.
وَقَالَ وهب: اسم الحوت بهموت
.

(1/172)


بَاب ذكر سكان الأرضين السبع [1]
رَوَى عَطَاء بْن يسار أَنَّهُ سأل كعب الأحبار، فَقَالَ لَهُ: من ساكن الأَرْض الثَّانِيَة؟
فَقَالَ: الريح العقيم، لما أراد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هلك قوم عاد أوحى إِلَى خزنتها أَن افتحوا منها بابا، قَالُوا: يا ربنا مثل منخر الثور، قَالَ: إذن تتلف الأَرْض بمن عَلَيْهَا، فاستأذنوا ربهم فضيق ذلك حَتَّى جعله مثل حلقة الخاتم، قَالَ: فَقُلْتُ: من ساكن الأَرْض الثالثة؟ قَالَ حجارة جهنم، قال: قلت: فمن ساكن الرابعة؟ قَالَ: كبريت جهنم، قُلْت: فمن ساكن الأَرْض الخامسة؟ قَالَ: حيات جهنم، قال: قُلْت: وإن لَهَا لحيات؟ قَالَ: نعم، والذي نفسي بيده كأمثال الأودية، قُلْت: فمن ساكن السادسة؟ فَقَالَ: عقارب جهنم كأمثال البغال، وَلَهَا أذناب كالرماح يلقى إحداهن الكافر فيلسعه اللسعة فيتناثر لحمه عَلَى قدمه، قُلْت: فمن ساكن السابعة؟ قَالَ: تلك سجين، وفيها إِبْلِيس موثق يد أمامه ويد خلفه، ورجل أمامه ورجل خلفه، فيأتيه جنوده بالأجنان فِي مكانه ذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَى الضَّحَّاك، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي كُل أرض آدَم كآدمكم، ونوح كنوحكم [2] .
ومعنى هَذَا أَن لكل الأَرْض سادة يقوم كبيرهم ومتقدمهم مقام آدَم ونوح فينا.
__________
[1] مرآة الزمان 1/ 126، وكنز الدرر 1/ 240.
[2] مرآة الزمان 1/ 126.

(1/173)