المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

. [ذكر خبر غزو نصر للعرب] [3]
إن نصر إِنَّمَا حارب بَنِي إسرائيل لقتلهم يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا، وليس بصحيح عَلَى مَا سيأتي بيانه، ثُمَّ حارب العرب فِي زمن معد بْن عدنان، فجمع من فِي بلاده من تجار العرب فبنى لَهُمْ حيرا عَلَى النجف وضمهم فِيهِ، ووكل بهم من يحفظهم، ثُمَّ تأهب للخروج إِلَى قتال العرب، فأقبلت طوائف مِنْهُم مسالمين، فأنزلهم عَلَى شاطئ الفرات، فابتنوا موضع معسكرهم فسموه الأنبار وخلى عَنْ أَهْل الحيرة، فاتخذوها منزلا في حياة نصر.
__________
[1] في الأصل: «وصار» .
[2] ما بين المعقوفتين: من الطبري 1/ 538.
[3] تاريخ الطبري 1/ 558. وما بين المعقوفتين مكانه بياض في الأصل. وما أوردناه من الطبري.

(1/407)


فلما مَات انضموا إِلَى أَهْل الأنبار وبقي ذلك الحير خرابا [1] .
وقال قوم: خرج نصر فالتقى هو وعدنان، ورجع نصر بالسبايا فألقاهم بالأنبار، فَقِيلَ: أنبار العرب، ثُمَّ مَات عدنان وبقيت بلاد العرب خرابا. فلما مات نصر خرج معد بن عدنان ومعه أنبياء بَنِي إسرائيل حَتَّى أتى مَكَّة، فأقام أعلامها وحج، وحج مَعَهُ الأنبياء وأفنى أَكْثَر جرهم، وتزوج معانة بنت جوشم، فولدت لَهُ نزار بْن معد، وولد لنزار مضر وربيعة وأياد وأنمار، فقسم ماله بينهم [2] .
وَأَنْبَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو جعفر بن المسلمة، قال:
أخبرنا أبو طاهر المخلص، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سليمان الطوسي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عقبة الْمُكْرَمُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
«لا تَسُبُّوا مُضَرَ وَرَبِيعَةَ فَإِنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ» [3] .
أنبأنا مُحَمَّد بْن عبد الباقي البزاز، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ شَجَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ محمد بن موسى بن حمار الْبَرْبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أبي السري، قال: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُمَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ وَلَدِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ، قَالَ:
«هُمْ أَرْبَعَةٌ: مُضَرُ، وَرَبِيعَةُ، وِإِيَادٌ، وَأَنْمَارُ، بَنُو نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، فَكَثُرَ أَوْلادُ مَعَدٍّ وَنَمَوا وَتَلاحَقَوا، وَمَنَازِلُهُمْ مَكَّةُ وَمَا وَالاهَا مِنْ تِهَامَةَ، فَانْتَشَرُوا وَتَنَافَسُوا فِي الْمَنَازِلِ وَالْمَحَالِ، وَأَرْضُ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ خَاوِيَةٌ لَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ أَحَدٍ إِلا خراب نَصْرَ وَإِيَّاهَا، وَأَجْلَى أَهْلَهَا إِلا مَنْ كَانَ اعْتَصَمَ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ وَلَجَأَ إِلَى أَوْدِيَتِهَا وَشِعَابِهَا، ولحق بالمواضع التي لا يقدر عَلَيْهِ فِيهَا مُتَنَكَّبًا [4] لِمَسَالِكِ جُنْدِهِ، فَاقْتَسَمُوا الْغَوْرَ، غَوْرَ تِهَامَةَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ لِمَنَازِلِهِمْ وَمَسَارِحَ أَنْعَامِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِلادُ الْعَرَبِ الْجَزِيرَةَ
__________
[1] الخبر في تاريخ الطبري 1/ 559، وفي معجم البلدان 3/ 377- 380، عن هشام.
[2] تاريخ الطبري 1/ 560.
[3] الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/ 1/ 30.
[4] في الأصل منتكبا، وهذا تصحيف.

(1/408)


لإِحَاطَةِ الْبَحْرِ وَالأَنْهَارِ بِهَا، فَصَارُوا فِي مِثْلِ الْجَزِيرَةِ مِنَ جَزَائِرِ الْبَحْرِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْفُرَاتَ أَقْبَلَ مِنْ بِلادِ الرُّومِ، فَظَهَرَ بِنَاحِيَةِ قِنّسْرِينَ، ثُمَّ انْحَطَّ عَلَى الْجَزِيرَةِ وَسَوَادِ الْعِرَاقَ حَتَّى وَقَعَ فِي الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَصْرَةِ وَالأَيْلَةِ، فَامْتَدَّ الْبَحْرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مُطيفًا بِبِلادِ الْعَرَبِ، فَأَتَى مِنْهَا عَلَى صَفْوَانَ وَكَاظِمَةَ، وَنَفَذَ إِلَى الْقطيفِ وَهَجَرَ وَعُمَانَ وَالشَّحَرِ، وَمَالَ مِنْهُ عُنُقٌ إِلَى حَضْرَمَوْتَ وَنَاحِيَةِ أَبْيَنَ وَعَدَنَ، وَاسْتَطَالَ ذلك العنق فطعن في تهائم الْيَمَنِ، وَمَضَى إِلَى سَاحِلِ جِدَّةَ.
وَأَقْبَلَ النِّيلُ فِي غَرْبِيِّ هَذَا الْعُنُقِ مِنْ أَعْلَى بِلادِ السودان مستطيلا معارضا للبحر معه حتى وقع فِي بَحْرِ مِصْرَ وَالشَّامِ.
ثُمَّ أقبلَ ذَلِكَ الْبَحْرُ مِنْ مِصْرَ حَتَّى بَلَغَ بِلادَ فِلَسْطِينَ، فَمَرَّ بِعَسْقَلانَ وَسَوَاحِلِهَا، وَأَتَى عَلَى بَيْرُوتَ وَنَفَذَ إلى سواحل حمص و/ قنسرين حَتَّى خَالَط النَّاحِيةَ الَّتِي أَقْبَلَ مِنْهَا الْفُرَاتُ فَخَطَا عَلَى أَطْرَافَ قِنّسْرِينَ وَالْجَزِيرَةِ إِلَى سَوَادِ الْعِرَاقِ.
وَأَقْبَلَ جَبَلُ الصَّرَاةِ مِنْ قَعْرِ الْيَمَنِ حَتَّى بَلَغَ أَطْرَافَ الشَّامِ، فَسَمَّتْهُ الْعَرَبُ حِجَازًا، لأنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ الْغَوْرِ وَنَجْدٍ، فَصَارَ مَا خَلْفَ ذَلِكَ الْجَبَلِ فِي غَرْبِيِّهِ الْغَوْرُ وَمَا دُونَهُ فِي شَرْقِيِّهِ النَّجْدُ.
فَصَارَ لِعَمْرُو بْنُ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَهُوَ قُضَاعَةُ جِدَّةَ وَمَا دُونَهَا إِلَى مُنْتَهَى ذَاتِ عرقٍ إِلَى حَيِّزِ الْحَرَمِ، فَانْتَشَرُوا فِيهَا، وَكَانَ لِجَنَادَةَ بْنِ مَعَدٍّ الْغَمْرَ.
وَصَارَ لِمُضَرَ بْنِ نِزَارٍ حَيِّزُ الْحَرَمِ إِلَى السروَاتِ.
وَصَارَ لِرَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ مَهْبِطُ الْجَبلِ مِنْ غَمْرِ ذِي كِنْدَةَ وَبَطْنِ ذَاتِ عرقٍ إِلَى عمرةَ وَمَا صَاقَبَهَا مِنْ بِلادِ نَجْدِ الْغَوْرِ مِنْ تِهَامَةِ.
وَصَارَ لإِيَادٍ وَأَنْمَارٍ مَا بَيْنَ حَذَّاءِ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَرْضِ نَجْرَانَ وَمَا قَارَبَهَا.
وَصَارَ لِبَاقِي وَلَدِ مَعَدٍّ أَرْضُ مَكَّةَ وَأَوْدِيَتُهَا وِشِعَابُهَا وَجِبَالُهَا وَبطَاحُهَا وَمَا صَاقَبَهَا مِنَ الْبِلادِ، فَأَقَامُوا بِهَا مَعَ مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ مِنْ جُرْهُمٍ. وَسَنَذكر أَحْوَالَ بني نزار في نسب نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَنَزَلَ بَعْضُهُمْ أَرْضَ الْحِجَازِ بيثرب، ووادي القرى وغيرهما.

(1/409)


ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَرْمِيَا: أَنِّي عَامِرُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَأخْرُجْ إِلَيْهَا فَانْزِلْهَا، فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَهَا وَهِيَ خَرَابٌ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: مَتَى تُعْمَرُ هَذِهِ. فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ، وَقِيلَ هُوَ عُزَيْرُ عَلَيْهِ السَّلامُ.