المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
. ذكر الحوادث فِي سنة ثمان عشرة من مولده
صلى الله عليه وسلم
[5] وصول أبرويز بْن هرمز إِلَى ملك الروم مستغيثا، فقبله وزوجه ابنته،
وكان هرمز حينئذ مخلوعا مسمول العينين [6]
. ومن الحوادث فِي سنة تسع عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم [7]
هلاك هرمز بْن كسرى، فإنهم قتلوه بعد خلعه، وكانت ولايته إحدى عشرة سنة
وسبعة أشهر، وعشرة أيام [8] .
وَقَالَ هشام بْن مُحَمَّد: كانت ولايته اثنتي عشرة [سنة] [9] .
وفيها: ولي ابنه أبرويز وكان يسمى كسرى أيضا، وكان من أشدّ ملوكهم بطشا
__________
[1] سمل عينه: فقأهما بحديدة محماة.
[2] في الأصل: «مسابقة» .
[3] في ت: «حروب شديدة حتى عمد» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 174- 175.
[5] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث فِي سنة ثمان عشرة من مولده صلى الله
عليه وسلم» .
[6] تاريخ الطبري 2/ 175- 176.
[7] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث فِي سنة تسع عشرة من مولده صلى الله
عليه وسلم» .
[8] تاريخ الطبري 2/ 176.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/303)
[وأنفذهم رأيا] [1] وأبعدهم غورا، وبلغ من
النجدة والظفر، وجمع الأموال ما لم يتهيأ لملك أكثر منه، ولذلك سمي
أبرويز، وتفسيره بالعربية: «المظفر» .
واجتمع له تسعمائة وخمسون [2] فيلا واتري الذكورة عَلَى الإناث، ووضعت
عنده فيلة وهي لا تتلاقح بالعراق، فكان أحد الناس قامة وأبرعهم جمالا
لا يحمله إلا فيل، وكان قد استوحش من أبيه هرمز، وخاف [3] فهرب إِلَى
أذربيجان، فبايعه جماعة ممن كان هناك، ثم وثب قوم على أبيه هرمز
فسملوه، فقدم أبرويز، فتولى وتوج بتاج الملك وجلس عَلَى سريره وَقَالَ:
إن ملتنا إيثار [4] البر، ومن رأينا أن نعمل بالخير [5] ، وأن جدنا
كسرى بْن قباذ كان لكم بمنزلة الوالد، وأن هرمز أبانا [6] كان قاضيا
عادلا، فعليكم [7] بلزوم السمع والطاعة.
فلما كان فِي اليوم الثالث أتى أباه فسجد له، وَقَالَ: عمرك اللَّه
أيها الملك! إنك تعلم أني بريء مما أتى إليك [8] المنافقون، وأني إنما
تواريت ولحقت بأذربيجان خوفا من إقدامك عَلَى قتلي. فصدقه هرمز،
وَقَالَ له: إن لي [إليك] [9] يا بني حاجتين:
إحداهما: أن تنتقم لي ممن عاون عَلَى خلعي والسمل لعيني، ولا تأخذك
فيهم رأفة، والأخرى: أن تؤنسني كل يوم بثلاثة نفر لهم إصابة رأي،
[وتأذن لهم] [10] فِي الدخول علي [11] فتواضع له أبرويز وقال: عمّرك
الله أيها الملك، إن المارق بهرام قد أظلنا ومعه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في ت: «وعشرون» .
[3] «وخاف» سقطت من ت.
[4] في ت: «إن ملتنا إتيان البر» .
[5] في ت: «أن العمل بالحسنى» .
وفي الطبري: «أن العمل بالخير» .
[6] في ت: «وأن أبا هرمز» .
[7] «فعليكم» سقطت من ت.
[8] «بريء مما أتى» سقط من ت.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] في ت: «عليك» .
(2/304)
النّجدة، ولسنا نقدر أن نمد يدا إِلَى من
آتى إليك بما آتى [1] فإن أدالني اللَّه عَلَى المنافق، فأنا خليفتك،
وطوع يدك.
ثم أقبل بهرام نحو المدائن، فخرج إليه أبرويز فالتقيا، فَقَالَ له
أبرويز: إنك يا بهرام ركن لمملكتنا وسناد لرعيتنا، وقد رأينا أن نختار
لك [2] يوما صالحا لنوليك فيه أصبهبذة بلاد الفرس جميعا. فَقَالَ له
بهرام: لكني أختار لك يوما أصلبك فيه.
فاغتاظ أبرويز، ولم يظهر عَلَيْهِ أثر ذلك، وتفرقا عَلَى الاستجاشة، ثم
خاف من بهرام فأحرز نساءه، وشخص إِلَى ملك الروم، فلما خرج بأصحابه من
المدائن [3] خافوا من بهرام أن يرد هرمز إِلَى الملك ويكتب إِلَى ملك
[الروم] [4] عنه فِي ردهم فيتلفوا، فأعلموا أبرويز وسألوه الإذن [5]
فِي إتلاف هرمز فلم يحر جوابا [فانصرفوا] [6] فأتلفوه خنقا، ثم رجعوا
إِلَى أبرويز وَقَالُوا: سر عَلَى خير طائر. فساروا ولحقهم خيل [7]
بهرام عند دير، فقال رجل مع أبرويز: أعطني بزتك وأخرج بمن معك، فلبسها
واطلع من فوق الدير يوهمهم أنه أبرويز، وَقَالَ: أنظرونا إِلَى غد
ليصير فِي أيديكم سلما. فأمسكوا وسار أبرويز حَتَّى أتى أنطاكية، وكاتب
موريق ملك الروم [8] وسأله نصرته، فأجابه وبعث إليه أخاه فِي ستين ألف
مُقَاتِل.
فأما بهرام فإنه دخل دور الملك بالمدائن، وقعد عَلَى سرير الملك وتتوج،
وانقاد له الناس [9] خوفا منه.
__________
[1] في ت تكررت العبارة التالية: «المنافقون، وإنما تواريت ولحقت
بأذربيجان خوفا من إقدامك عَلَى» وقد سبقت.
[2] «لك» سقطت من ت.
[3] «من المدائن» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت، والطبري: «واستأذنوه» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] في الأصل: «ولحقهم خير بهرام» .
[8] في الأصل: «وكانت أصل دار ملك الروم» .
[9] في ت: «الأمم» .
(2/305)
وأما أبرويز فإنه اجتمع إليه خلق كثير فسار
بهم وخرج إليه بهرام، وجرت بينهم حروب شديدة وتبارزوا، فأخذ أبرويز رمح
بهرام من يده، وضرب به رأسه حَتَّى انقصف، فاضطرب عَلَى بهرام أمره
ورحل نحو الترك، وصار أبرويز إِلَى المدائن، ففرق فِي جنود الروم عشرين
ألف ألف وصرفهم إِلَى ملكهم، وأقام بهرام فِي الترك مكرما عند ملكهم
حَتَّى احتال له أبرويز بتوجيه رجل يقال له هرمز ووجهه بجوهر نفيس
وغيره، فاحتال لخاتون امرأة الملك ولاطفها بذلك الجوهر وغيره، حَتَّى
دست لبهرام من قتله، فعلم الملك فطلق زوجته [1] .
ذكر قصة شيرين [2]
وذكر أهل العلم بالسير: أن شيرين ولدت بالمدائن، وكانت يتيمة فِي منزل
رجل من الأشراف، وكان أبرويز صغيرا يدخل منزل هَذَا الرجل فيلاعب شيرين
ويمازحها وتمازحه، فأخذت فِي قلبه موضعا ونهاها [3] الذي هي فِي منزله
عَنِ التعرض لأبرويز، ثم رآها [يوما] [4] قد أخذت من أبرويز خاتما كان
[5] فِي إصبعه، فَقَالَ: ألم آمرك بترك التعرض لهذا الصبي [6] ، ولا
تعرضينا للهلكة. ثم أمر بعض من يثق به أن يحملها إِلَى شاطئ الفرات
ويغرقها، فحملها إِلَى شاطئ الفرات ليغرقها فقالت له: ما الذي ينفعك من
غرقي؟ فَقَالَ لها: إني قد [7] حلفت لمولاي ولا بد فقالت: فما عليك أن
تأتي موضعا من الفرات فيه ماء رقيق فتقذف بي فيه، وتتركني وتمضي، فإن
نجوت لم أظهر ما دمت باقية لم يكن عليك شَيْء. قَالَ: أفعل ذلك. فأتى
موضعا فيه الماء إِلَى الركبة، فزجها فيه وتركها تضطرب، ثم ولى [عنها]
[8] لا يلتفت. ثم وافى مولاه فأخبره، وحلف له أنه
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 176- 181.
[2] في ت بياض مكان: «ذكر قصة شيرين» .
[3] في ت: «موضعا منها فيها الّذي هي ... » .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] «كان» سقطت من ت.
[6] في الأصل: «التعرض فإن لا تعرضينا» .
[7] «قد» سقطت من ت.
[8] في الأصل: «ثم ولى لا يلتفت» .
(2/306)
غرقها ثم أنها خلصت [1] من الماء، فأتت بعض
الديارات التي عَلَى شاطئ الفرات، فآوت إليه، وأعلمت الرهبان أنها قد
وهبت نفسها للَّه تعالى، فأحسنوا إليها، فلما استقر الملك لأبرويز بعد
أبيه هرمز وجه برسله إِلَى قيصر، فاجتاز الرسل بالدير، فسألت شيرين
عَنْ ذلك، فأعلمت أن القوم [2] رسل أبرويز الملك، ومعهم هدايا إِلَى
قيصر، وأخبروها بملكه وما آل إليه أمره، فوجهت إِلَى رئيس الرسل متنصحة
له [3] تخبره أنها أمة الملك أبرويز، وسألته إيفاد رسول إليه تخبره
بمكانها، ووجهت [معه] [4] بذلك الخاتم فأنفذ الرجل رسوله قاصدا إِلَى
الملك يخبره [5] خبر شيرين ومكانها والخاتم، فلما ورد الرسول عَلَى
أبرويز أمر للرسول بمال عظيم، وجعل له رتبة جليلة [6] ببشارته، ووجه
معه بخدم ومراكب وهوادج وكساء وحلي وطيب ووصائف، حَتَّى أتوه بشيرين،
فورد عَلَيْهِ من الفرح ما لم يفرح بشَيْء مثله، وكانت من أكمل النساء
كمالا وجمالا وبراعة، وذكر أبرويز أنه ما جامعها قط إلا وجدها
كالعذراء، وكان قد شرط عَلَى نفسه أن لا يأتي حرة ولا أمة مرة واحدة
إلا أتاها قبل [ذلك] [7] ، وعهد كل واحد لصاحبه أن لا يجتمع مع أحد
لباضعه، فلما هلك أبرويز أرادها شيرويه فأبت، وعرفته العهود [8] فرماها
بكل معضلة [9] من الفجور، وبعث الشعراء عَلَى ذمها، فلما لج، ولم يجد
عنه محيدا بعد أن غصبها جميع مالها وضياعها، فقالت: افعل ما سألت بعد
أن تقضي لي ثلاث حوائج: تردّ عليّ أموالي وضياعي، وتسلم لي قتلة زوجي،
وتدعو العظماء والأشراف فترقى المنبر فتبرئني مما قذفت [10] به من
الفجور.
__________
[1] في ت: «تخلصت» .
[2] في ت: «أنهم» .
[3] في الأصل: «شخصة له» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «يعرفه» .
[6] في ت: «عظيمة» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] في ت: «العهد» .
[9] في ت: «بكل معضد» .
[10] في ت: «مما رميتني به» .
(2/307)
ففعل ذلك، فقتلت قتلة زوجها فأفحش قتل [ووقفت ضياعها، وفرقت مالها فِي
أهل الحاجة] [1] فَقَالَ لَهَا: هل بقيت لك حاجة؟ فقالت: نعم، إن الملك
أودعني وديعة وجعلها أمانة فِي عنقي إن أنا تزوجت أن أردها إليه، فتأمر
بفتح الناووس حَتَّى أدفعها [2] إليه. ففتح لها الناووس، فدخلت وقلعت
فص خاتم فِي يدها تحته سم ساعة فمصته، ثم اعتنقت أبرويز ولفّت عليه
يديها ورجليها حَتَّى ماتت، فلما أبطأت عَلَى الحواضن والخدم صاحوا بها
فلم تجب، فدخلوا فوجدوها ميتة معانقة لأبرويز فأخبروا شيرويه فندم
ندامة لا توصف، وجعل يأكل أصابعه على صنيعها |