النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة

ذكر ولاية المغيرة بن عبيد الله على مصر
هو المغيرة بن عبيد الله بن المغيرة بن عبيد الله بن سعد «2» بن حكم «3» [بن مالك «4» ] بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن [عدي «5» ] بن فزارة الفزاري.
وقال صاحب «البغية» : المغيرة بن عبيد الله بن مسعدة خالف فى الجدّ. اهـ.
ولاه الخليفة مروان الحمار على مصر «6» بعد عزل حوثرة وتوجهه إلى العراق نجدةً لابن هبيرة، فقدم المغيرة إلى مصر في سادس عشر من شهر رجب سنة إحدى وثلاثين ومائة على الصلاة. وقال صاحب «البغية» : ولاه مروان بن محمد على الصلاة فقدم يوم الأربعاء لست بقين من رجب سنة إحدى وثلاثين ومائة فجعل على شرطته ابنه عبد الله وكان ليناً محبباً للناس.
وقال غيره: ولما دخل مصر أقام بها مدة يسيرة وخرج إلى الإسكندرية واستخلف على صلاة مصر أبا الجراح الحرشي «7» ، ثم عاد بعد مدة ولم تطل مدته،

(1/314)


وتوفي يوم السبت ثاني عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين ومائة واستخلف ابنه الوليد بن المغيرة على إمرة مصر وصلاتها فلم يقره الخليفة مروان الحمار على ذلك، وولي مصر عبد الملك بن مروان بن موسى، فكانت ولاية المغيرة على مصر عشرة أشهر إلا أياماً ثلاثة «1» .
وقال صاحب «البغية» : وتوفي يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى وذكر السنة، فكانت ولايته عشرة أشهر، فأجمع الجمع على أن يولوا عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج على الشرطة إلى أن يأتي أمر مروان ابن محمد، وانصرف الوليد للنصف من جمادى الآخرة، وكان المغيرة ديناً فاضلاً عدلاً محبباً للرعية، وهو أجل أمراء بني أمية وولي لهم الأعمال الجليلة، وحضر وقعة شهرزور، لما وجه قحطبة أبا عون عبد الملك بن يزيد الخراساني ومالك بن طريف «2» الخراشي فى أربعة آلاف الى شهرزور وبها عثمان بن سفيان، والمغيرة هذا على مقدمة عبد الله بن مروان بن محمد فنزلوا «3» على فرسخين من شهرزور وقاتلوا عثمان وانهزم عثمان وقتل، وقام أبو عون ببلاد الموصل، وقيل إن عثمان لم يقتل وهرب هو والمغيرة هذا إلى عبد الله بن مروان وغنم أبو عون عسكره وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، ثم سير خطبة العساكر إلى أبي عون فاجتمع معه ثلاثون ألفاً، ولما بلغ مروان الخليفة خبر أبي عون سار بنفسه بجميع عساكر ممالكه وأقبل نحو أبي عون فوقع له حروب وأمور يطول شرحها.

(1/315)


ذكر ولاية عبد الملك بن مروان على مصر
هو عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير اللخمي أمير مصر، ولاه الخليفة مروان بن محمد بن مروان المعروف بالحمار على الصلاة والخراج معاً بعد موت المغيرة ابن عبيد الله الفزاري، وكان عبد الملك هذا قد ولي خراج مصر قبل أن يلي الإمرة والصلاة، فلما مات المغيرة جمع له مروان الخراج والصلاة، وذلك في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ولما تم أمره جعل أخاه معاوية على الشرطة، ثم ولى عكرمة بن عبد الله الخولاني، ثم إن عبد الملك المذكور أمر باتخاذ المنابر في الجوامع ولم يكن قبل ذلك منبر، وإنما كانت ولاة مصر يخطبون على العصي إلى جانب القبلة، ثم خرج عليه قبط مصر بعد ذلك واجتمعوا «1» على قتاله فحاربهم وقتل كثيراً منهم وانهزم من بقي [منهم «2» ] ثم خالف بعد ذلك في أيامه عمرو بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان على مروان الحمار ودعا لنفسه واجتمع عليه جمع من قيس في الحوف الشرقي من أعمال مصر، فبعث إليهم عبد الملك هذا [بجيش «3» ] فلم تقع بينهم حرب، وبينما هم في ذلك إذ قدم عليهم الخليفة مروان الحمار من أرض الشام وقد انهزم من أبي مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس في يوم الثلاثاء لثمانٍ بقين من شوال، وقيل لثلاث بقين من شوال سنة اثنتين وثلاثين ومائة. ولما دخل مروان مصر وجد أهل الحوف الشرقي من بلاد مصر وأهل الإسكندرية [والصعيد «4» ] قد صاروا مسودة- أعني صاروا من أعوان بني العباس ولبسوا السواد- فعزم مروان الحمار على تعدية النيل فعدى إلى الجيزة وأحرق الجسرين والدار المذهبة «5» وبعث بجيش إلى الاسكندرية

(1/316)


فاقتتلوا مع من كان بها بالكريون «1» ، وبينما هو في ذلك خالفت القبط، فبعث إليهم مروان من قاتلهم أيضاً وهزمهم، ثم بعث جيشاً إلى الصعيد، وبينما هو في ذلك قدم صالح بن علي بن عبد الله بن عباس في طلب مروان ومع صالح أبو عون عبد الملك بن يزيد، وكان قدوم عبد الملك إلى الديار المصرية في يوم الثلاثاء النصف من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة المذكورة فلم يثبت مروان الحمار لصالح المذكور، وتوجه إلى بوصير بالجيزة ومعه عبد الملك صاحب مصر وغيره من حواشيه وأمرائه وأقار به من بني أمية، فلحقه صالح بها فالتقاه مروان الحمار بمن معه وقاتله حتى انهزم وقتل في يوم الجمعة لتسع بقين من ذي الحجة، ثم عاد صالح بن علي المذكور ودخل الفسطاط في يوم الأحد لثمان خلون من المحرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وبعث برأس مروان إلى الشام والعراق وزالت دولة بني أمية.
وأما عبد الملك بن مروان أمير مصر صاحب الترجمة فإنه كان لما ولي مصر أحسن السيرة ولم يفحش في حق بني العباس فأمنه صالح وأمن أخاه معاوية وعفا عنهما، ثم قتل حوثرة بن سهيل وحسان بن عتاهية اللذين كانا كل منهما ولي على مصر قبل عبد الملك، وعبد الملك هذا هو آخر أمير ولي مصر من قبل بني أمية وزالت في هذه السنة بقتل مروان الحمار دولة بني أمية، وبويع السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة، وهو أول خلفاء بني العباس، ولا بد من ذكر كيفية انفصال دولة بني أمية وابتداء دولة بني العباس في هذه الترجمة فإن ذلك من أعظم ما يذكر من الوقائع وإن كان ذلك غير ما نحن فيه من شرط هذا الكتاب فنذكره على سبيل الاستطراد في ترجمة عبد الملك أمير مصر فإنه آخر من ولى من أمراء بنى أميّة.

(1/317)