النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة

*** [ما وقع من الحوادث سنة 255]
السنة الأولى من ولاية أحمد بن طولون على مصر وهى سنة خمس وخمسين ومائتين- فيها كان ابتداء خروج الزّنج، وخرج قائدهم «4» بالبصرة، فلما خرج انتسب

(3/21)


إلى زيد بن علىّ، وزعم أنّه علىّ بن محمد بن أحمد بن علىّ بن عيسى بن زيد بن علىّ [بن «1» الحسين بن علىّ بن أبى طالب] ؛ وهذا نسب غير صحيح. وانضمّ عليه معظم أهل البصرة، وعظم أمره وفعل بالمسلمين الأفاعيل، وهزم جيوش الخليفة، وامتدّت أيّامه الى أن قتل فى سنة سبعين ومائتين بعد أن واقعه الموفّق أخو الخليفة غير مرّة.
وفيها كان بين يعقوب بن الليث وطوق بن المغلّس «2» وقعة كبيرة. وفيها عظم أمر ابن وصيف، وقبض على حواشى المعتزّ بالله الخليفة؛ فسأله المعتزّ فى إطلاق واحد منهم فلم يفعل. ولا زال أمره يعظم إلى أن خلع المعتزّ بالله من الخلافة فى رجب «3» ، ثم قتل بعد خلعه بأيّام. واختفت أمّ المعتزّ قبيحة، ثم ظهرت فصادرها صالح بن وصيف المذكور وأخذ منها أموالا عظيمة، ثم نفاها إلى مكّة؛ وكان مما أخذ منها ابن وصيف ألف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار، وأخذ منها من الجواهر ما قيمته ألفا ألف دينار. وكان الجند سألوا المعتزّ فى خمسين ألف دينار ويصطلحون معه؛ فسألها المعتزّ فى ذلك؛ فقالت: ما عندى شىء. فلمّا رأى ابن وصيف هذا المال قال: قبّح الله قبيحة، عرّضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار وعندها هذا كلّه. وفيها بويع المهتدى بالله محمد، وكنيته أبو إسحاق، وقيل: أبو عبد الله، ابن الخليفة الواثق بالله هارون بالخلافة بعد خلع المعتزّ بالله فى ثانى «4» شعبان. وفيها توفّى عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد الصمد الحافظ أبو محمد التّميمىّ الدارمىّ السمرقندى الإمام المحدّث صاحب المسند؛ ومولده سنة مات عبد الله

(3/22)


ابن المبارك سنة اثنتين وثمانين ومائة، وكان من الأئمة الأعلام، وقد روينا مسنده المذكور عن الشيخ زين الدين رجب بن يوسف الخيرىّ «1» ومحمد بن أبى الشائب «2» الأنصارىّ حدّثانا أخبرنا أبو إسحاق التّنوخىّ، حدّثنا أبو العباس الحجّار وإسماعيل ابن مكتوم وعيسى المطعّم «3» إجازة، قالوا: أخبرنا ابن اللّيثىّ، حدّثنا أبو الوقت عبد الأوّل ابن [أبى عبد الله «4» ] عيسى [بن شعيب بن إسحاق السجزى «5» ] ، أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن ابن محمد الدّاودىّ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمّويه السّرخسىّ، أخبرنا أبو عمران عيسى بن عمر السمرقندىّ، حدّثنا الدارمىّ. وفيها توفى المعتزّ بالله أمير المؤمنين أبو عبد الله محمد، وقيل: إن اسمه الزبير، ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد هارون ابن الخليفة محمد المهدىّ ابن الخليفة أبى جعفر المنصور بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ؛ ومولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ولم يل الخلافة قبله أحد أصغر منه، وأمّه أمّ ولد رومية تسمى قبيحة لجمال صورتها من أسماء الأضداد، لم يقع لخليفة ما وقع عليه من الإهانة، لأن الأتراك أمسكوه وضربوه وجرّوا برجله وأقاموه فى الشمس «6» فى يوم صائف وهم يلطمون وجهه، ويقولون

(3/23)


له: اخلع نفسك؛ ثم أحضروا القاضى ابن أبى الشوارب والشهود، حتى خلع نفسه؛ ثم أخذه الأتراك بعد خمس ليال من خلعه وأدخلوه الحمام فعطش فمنعوه الماء حتى مات «1» فى شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وله أربع وعشرون سنة. وكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر وأربعة «2» عشر يوما. وفيها توفى الحافظ أبو يحيى صاعقة، واسمه محمد بن عبد الرحيم، وله سبعون سنة. وفيها توفى محمد بن كرّام «3» السّجستانىّ.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع واثنتا عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وست أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 256]
السنة الثانية من ولاية أحمد بن طولون على مصر وهى سنة ست وخمسين ومائتين- فيها وثب موسى بن بغا بالأتراك على صالح بن وصيف وطالبوه بقتل المعتز وبمال أمّه قبيحة، ووقع بينهم حروب قتل فيها صالح بن وصيف المذكور؛ ثم خلعوا الخليفة المهتدى، فقاتلهم حتى ظفروا به وقتلوه، وبايعوا المعتمد بالخلافة.
وفيها استعمل الخليفة أخاه الموفّق طلحة على المشرق، وصيّر ابنه جعفرا ولىّ عهده وولّاه مصر والمغرب، ولقّبه المفوّض إلى الله. وانهمك المعتمد فى اللهو واللذات.
واشتغل عن الرعيّة، فكرهه الناس وأحبّوا أخاه الموفّق طلحة، فغلب على الأمر حتى صار المعتمد معه كالمحجور عليه، على ما سيأتى ذكره. وفيها توفّى الحسن بن علىّ

(3/24)


الإمام العابد الزاهد أبو علىّ التّنوخىّ البغدادىّ أوحد زمانه فى علوم الحقائق، وهو من كبار أصحاب سرىّ السّقطىّ، وهو أوّل من عقدت له الحلقة ببغداد. وفيها توفى الزّبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوّام، أبو عبد الله الأسدىّ الإمام العلامة صاحب كتاب النسب «1» ، كان عالما بالأنساب وأيام الناس، ولى قضاء مكة، وقدم بغداد وحدّث بها. وفيها كان قتل صالح بن وصيف التركى أحد قوّاد المتوكّل، كان قد استطال على الخلفاء وقتل المعتزّ وصادر أمّه قبيحة حسبما تقدّم ذكره. وفيها توفّى الإمام الحافظ الحجة أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة [بن الأحنف «2» ] بن بردزبه «3» البخارىّ الجعفىّ مولاهم؛ وكان المغيرة مجوسيّا فأسلم على يد يمان البخارىّ الجعفىّ. والبخارىّ الجعفىّ مولاهم؛ وكان المغيرة مجوسيّا فأسلم على يد يمان البخارىّ الجعفىّ. والبخارىّ هذا هو صاحب الصحيح، مولده يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوّال سنة أربع وتسعين ومائة ومات ليلة عيد الفطر بقرية خرتنك «4» بالقرب من بخارى، وقد سمعت صحيحه بفوت «5» على سيدنا شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن البلقينيّ الشافعىّ رضي الله عنه؛ أنبأنا والدى شيخ الاسلام، أنبأنا جمال الدين عبد الرحيم بن شاهد الجيش، أنبأنا إسماعيل بن عبد القوىّ بن عزّون وأحمد بن علىّ بن يوسف وعثمان بن عبد الرحمن بن

(3/25)


رشيق سماعا عليهم عن هبة الله بن علىّ البوصيرىّ ومحمد بن أحمد «1» بن حامد الأرتاحىّ، الأوّل عن محمد بن بركات، والثانى عن علىّ بن [الحسين بن «2» ] عمر الفرّاء عن كريمة بنت أحمد المروزيّة عن محمد بن مكّى الكشميهنىّ «3» عن محمد بن يوسف الفربرىّ عن الامام البخارىّ، وأخبرنى به الشيخ الأوحد أبو عبد الله محمد بن عبد الكافى السّويفىّ سماعا عليه لجميعه، أنبأنا شمس الدين محمد بن على بن الخشّاب سماعا عليه لجميعه، أنبأنا شيخان أبو العباس أحمد بن أبى طالب بن الشّحنة الحجّار وأم محمد وزيرة بنت عمر التّنوخيّة، قالا أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدىّ، أنبأنا أبو الوقت عبد الأوّل بن [أبى عبد الله] عيسى السّجزىّ، أنبأنا أبو الحسن عبد الرحمن ابن محمد الدّاودىّ، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن أحمد السّرخسىّ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربرىّ، أنبأنا الامام البخارىّ رضى الله عنه. وفيها توفى أمير المؤمنين المهتدى بالله محمد ابن الخليفة هارون الواثق ابن الخليفة محمد المعتصم ابن الخليفة الرشيد هارون الهاشمىّ العباسىّ، وكان صالحا عابدا يسرد «4» الصوم متقشّفا، لم يل الخلافة بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أصلح منه، غير أنه لم يجد من ينصره، وحاربته الأتراك وخلعوه وداسوا خصيتيه وصفعوه حتى مات فى منتصف «5» شهر رجب؛ فكانت خلافته سنة إلا خمسة عشر يوما؛ وأمّه أمّ ولد رومية تسمّى

(3/26)


قرب. قال الخطيب أبو بكر: لم يزل صائما منذ ولى الخلافة الى أن قتل وله نحو أربعين سنة. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهرىّ. وفيها توفّى على بن المنذر الطّريقىّ «1» . وفيها توفّى محمد بن أبى عبد الرحمن.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع واثنتان وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وعشرون إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 257]
السنة الثالثة- من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة سبع وخمسين ومائتين- فيها دخل الزّنج البصرة وأباحوها وبذلوا فيها السيف، فحاربهم سعيد الحاجب واستخلص منهم كثيرا مما كانوا أسروه. وفيها عقد الخليفة المعتمد لأخيه أبى أحمد الموفّق على الكوفة والحجاز والحرمين واليمن وبغداد وواسط والبصرة والأهواز وفارس وما وراء النهر. وفيها قتل ميخائيل بن توفيل «2» ملك الروم، قتله بسيل «3» الصّقلبىّ وكان ميخائيل قد ملك أربعا وعشرين سنة. وفيها حجّ بالناس الفضل ابن إسحاق بن الحسن بن سهل «4» بن العباس العباسىّ. وفيها توفى الحسن بن عبد العزيز الحافظ أبو علىّ الجذامىّ المصرىّ، قدم بغداد وحدّث بها؛ قال الدّار قطنىّ لم أر مثله فضلا وزهدا ودينا وورعا وثقة وصدق عبارة. وفيها توفى سليمان بن معبد أبو داود النحوىّ المروزىّ، رحل فى طلب العلم إلى العراق والحجاز واليمن والشأم ومصر، وقدم بغداد وذاكر الجاحظ، ومات بها فى ذى الحجّة. وفيها توفى شهيدا بأيدى الزّنج العبّاس بن الفرج أبو الفضل الرّياشىّ النحوىّ البصرىّ مولى محمد بن

(3/27)


سليمان العباسىّ، رحل فى طلب العلم، وكان من النحو واللغة والفقه والأدب والفضل بالمحلّ الأعلى، وكان من الثّقات الحفّاظ، وقرأ كتاب سيبويه على المازنىّ، فكان المازنىّ يقول: يقرأ علىّ كتاب سيبويه وهو أعلم به منّى. وفيها توفّيت فضل الشاعرة، كانت من مولّدات اليمامة «1» ، وكذا أمها، وبها ولدت؛ فربّاها بعض الفضلاء وباعها، فاشتراها محمد بن الفرج الرّخجىّ وأهداها إلى المتوكّل، ولم يكن فى زمانها أفصح منها ولا أشعر. وفيها توفى شهيدا بأيدى الزّنج زيد بن أخزم- بمعجمتين- الطائىّ الحافظ.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وستّ عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 258]
السنة الرابعة- من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة ثمان وخمسين ومائتين- فيها عقد المعتمد على الله لأخيه الموفّق طلحة على حرب الزّنج، فندب إليهم الموفّق منصورا، فكانت وقعة بين منصور بن جعفر بن دينار وبين يحيى «2» ، فانهزم عن منصور عسكره، وساق وراءه يحيى فضرب عنقه، واستباحت الزّنج عسكره؛ فلما وصل الموفّق إلى نهر «3» معقل انهزم جيش الخبيث رأس الزّنج، ثم تراجعوا وقاتلوا جيش الموفّق حتى هزموه؛ وانحاز الموفّق وهمّ بالهروب، ثم تراجع

(3/28)


وواقعهم حتى انتصر عليهم. وأسر طاغيتهم يحيى المذكور، وقتل عامّة أصحابه، وبعث بيحيى إلى المعتمد، فضربه ثم طوّف به ثم ذبحه. وفيها وقع الوباء العظيم بالعراق، ومات خلق لا يحصون. حتى مات غالب عسكر الموفّق؛ فلما وقع ذلك كتر الزّنج على الموفّق وواقعوه ثانيا أشدّ من الأوّل. ثم هزمهم الله ثانيا. وفيها كانت زلازل هائلة سقطت منها المنازل ومات خلق كثير تحت الرّدم. وفيها كانت واقعة ثالثة بين الزّنج والموفّق كانوا فيها متكافئين. وفيها توفّى أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود»
الرازى الأصبهانىّ. كان أحد الأئمة الثّقات. ذكره أبو نعيم فى الطبقة السابعة وأثنى عليه. وفيها توفّى أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطّان البصرىّ الحافظ، سكن بغداد وحدّث بها عن جدّه وغيره، وروى عنه المخاملىّ وغيره. وفيها توفى جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علىّ بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ، كان يقال له قاضى الثغور، وولى القضاء بسرّمن رأى، وحدّث عن أبى عاصم النبيل وغيره؛ قال أبو زرعة الرازىّ: كنت اذا رأيته هبته وأقول: هذا يصلح للخلافة. وفيها توفّى محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس أبو عبد الله النّيسابورىّ الذّهلىّ مولاهم، كان حافظّ عصره وإمام الحديث بنيسابور وصاحب الواقعة «2» مع البخارىّ صاحب الصحيح. كان أحد الأئمة الحفّاظ المتقنين؛ كان الامام أحمد بن حنبل يثنى عليه وينشر فضله ويقول: هو إمام السنة بنيسابور.
وفيها توفّى معاوية بن صالح أبو عمرو الحضرمىّ الحمصىّ قاضى الأندلس؛ أصله من

(3/29)


أهل مصر؛ كان إماما عالما فاضلا محدّثا كبير الشأن. وفيها توفّى يحيى بن معاذ ابن جعفر أبو زكريا الرّازى الواعظ أحد الزهّاد أوحد وقته فى علوم الحقائق؛ وكانوا ثلاثة إخوة: يحيى وإسماعيل وإبراهيم؛ كان إسماعيل أكبرهم، ويحيى الأوسط. وفيها توفى يحيى الجلّاء، كان من الزهّاد، وصحب بشرا الحافى ومعروفا الكرخىّ وسريّا السّقطىّ. قال أحمد بن حنبل: قلت لذى النّون: لم سمّى بابن الجلّاء؟
فقال: سميناه بذلك لأنه اذا تكلّم جلا قلوبنا.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وخمس أصابع ونصف. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وخمس أصابع ونصف.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 259]
السنة الخامسة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة تسع وخمسين ومائتين- فيها كان أيضا بين الموفّق وبين الزّنج مقتلة عظيمة، ثم كان بين موسى ابن بغا وبين الزّنج أيضا مقتلة عظيمة، وقتل فيها خلق من الطائفتين. وفيها كانت وقعة بين الروم وبين أحمد بن محمد القابوسىّ على ملطية وشمشاط «1» ، ونصر الله المسلمين.
وفيها ولد عبيد الله الملقّب بالمهدىّ والد الخلفاء الفاطميّين. وفيها توفّى الحسين بن عبد السلام أبو عبد الله المصرىّ المعروف بالجمل، الشاعر المشهور، كان يصحب الشافعىّ رضى الله عنه. وفيها توفى محمد بن عمرو بن يونس أبو جعفر الثّعلبىّ،

(3/30)


ويعرف أيضا بالسّوسىّ، الزاهد العابد، مات وقد بلغ من العمر مائة سنة. وفيها توفى محمد بن إبراهيم بن محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع أبو الحسن القرشىّ الدمشقىّ الحافظ العالم المحدّث مصنف كتاب الطبقات. وفيها توفى الإمام أبو إسحاق إبراهيم ابن يعقوب السّعدىّ الجرجانىّ العالم المشهور. وفيها توفى أيضا أحمد بن إسماعيل السّهمىّ.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وخمس أصابع ونصف.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 260]
السنة السادسة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة ستين ومائتين- فيها كان الغلاء المفرط بالحجاز والعراق حتى بلغ الكرّ «1» من الحنطة ببغداد مائة وخمسين دينارا. وفيها أغارت الأعراب على حمص، فخرج أميرهم منجور «2» النركى لحربهم فقتلوه، وتولى بعده حمص بكتمر التركىّ المعتمدىّ. وفيها أخذت الروم لؤلؤة «3» .
وفيها أيضا كانت وقعات عديدة بين عساكر الموفّق وبين الزّنج، وقتلت الزّنج علىّ ابن يزيد العلوىّ صاحب الكوفة. وفيها توفى إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الحافظ أبو إسحاق الجرجانىّ- المقدّم ذكره فى الماضية- على الصحيح فى هذه السنة؛ كان يسكن دمشق، ويحدّث على المنبر، وكان من الأئمة الحفّاظ، إلا أنه كان منحرفا عن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه. وفيها توفّى أيّوب بن إسحاق بن

(3/31)


إبراهيم بن مسافر، كان يسكن الرّملة، وحدّث بها وبمصر ودمشق، وكان زعر «1» الخلق. وفيها توفى الحسن بن على [بن محمد بن علىّ «2» ] بن موسى بن جعفر بن الحسين ابن على بن أبى طالب، ويقال له العسكرىّ، كنيته أبو محمد؛ وهو أحد الأئمة الاثنى عشر المعدود [ين] عند الرافضة. ومولده سنة إحدى وثلاثين ومائتين بسرّمن رأى، وأمّه أمّ ولد. وفيها توفى الحسن الفلّاس العابد الزاهد، كان يتقوّت من قمام المزابل، صحبه بشر الحافى وسرىّ السّقطىّ ومعروف الكرخىّ، وانتفع به بشر الحافى. وفيها توفّى الحسن بن محمد بن الصبّاح أبو على الزعفرانىّ، أصله من قرية بالعراق يقال لها الزعفرانية، وهو صاحب الإمام الشافعى الذي قرأ عليه كتاب الأم «3» ، وروى عنه أقواله القديمة. وفيها توفّى مالك بن طوق بن غياث «4» التّغلبىّ صاحب الرّحبة «5» ؛ كان أحد الأجواد، ولى إمرة دمشق والأردنّ. وفيها توفّى موسى «6» ابن مسلم بن عبد الرحمن أبو بكر القنطرىّ، كان ينزل قنطرة البردان ببغداد «7» فنسب إليها، وكان يشبّه فى الزهد والورع ببشر الحافى.

(3/32)


أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع أصابع ونصف.
مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 261]
السنة السابعة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة إحدى وستين ومائتين- فيها ولّى الخليفة المعتمد أبا السّاج إمرة الأهواز وحرب صاحب الزّنج، فكان بينه وبين الزنج حروب. وفيها بايع المعتمد بولاية العهد بعده لابنه المفوّض جعفر المذكور قبل تاريخه أيضا وولّاه المغرب والشأم والجزيرة وأرمينية، وضمّ إليه موسى بن بغا، وولّى أخاه الموفّق العهد بعد ابنه المفوّض، وولّاه المشرق والعراق وبغداد والحجاز واليمن وفارس وأصبهان والرّىّ وخراسان وطبرستان وسجستان والسّند [وضمّ «1» اليه مسرورا البلخىّ] ، وعقد لكل واحد منهما لواءين:
أبيض وأسود، وشرط إن حدث به حدث [الموت «2» ] أن الأمر يكون لأخيه الموفق «3» إن لم يكن ابنه المفوّض جعفر قد بلغ؛ وكتب العهد وأرسله مع قاضى القضاة الحسن بن أبى الشّوارب ليعلقه فى الكعبة. وفيها توفى الحافظ مسلم بن الحجّاج بن مسلم الإمام الحافظ الحجّة أبو الحسين النّيسابورىّ صاحب الصحيح، ولد سنة أربع ومائتين. قال الحسين «4» بن محمد الماسرجسىّ: سمعت أبى يقول سمعت مسلما يقول: صنّفت هذا المسند الصحيح من ثلثمائة ألف حديث مسموعة.
وقال أحمد بن سلمة: كنت مع مسلم فى تأليف صحيحه اثنتى عشرة سنة؛ قال:
وهو اثنا عشر ألف حديث، يعنى بالمكرّر. قلت: مات يوم الأحد ودفن

(3/33)


يوم الاثنين لخمس بقين من شهر رجب. وقد روينا صحيحه عن أبى ذرّ «1» الحنبلىّ أنبأنا محمد بن إبراهيم البيانىّ سماعا أنبأنا أبو الفداء إسماعيل وعلىّ بن مسعود بن نفيس، قالا أنبأنا إبراهيم بن عمر بن مضر وأحمد بن عبد الدائم، قال ابن مضر أنبأنا منصور «2» ، وقال ابن عبد الدائم أنبأنا محمد بن على بن صدقة الحرّانىّ أنبأنا صدر «3» الدّين البكرىّ، قال البكرىّ أنبأنا المؤيّد [بن «4» محمد بن على] الطّوسىّ قال ابن عساكر إجازة قال الفراوىّ، «5» وهو فقيه الحرم، قال أنبأنا الفارسىّ «6» أنبأنا الجلودىّ «7» أنبأنا ابن سفيان «8» أنبأنا مسلم.
وفيها توفى الحسن بن محمد بن عبد الملك أبو محمد القاضى الأموىّ، ويعرف بابن أبى الشوارب، كان فقيها عالما فاضلا جوادا ذا مروءة «9» ، ولى القضاء سنين عديدة.

(3/34)


وفيها توفى الشيخ الإمام المعتقد أبو يزيد البسطامىّ «1» ، واسمه طيفور بن عيسى بن شروسان، وكان شروسان «2» مجوسيّا، وكان لعيسى ثلاثة أولاد: آدم وهو أكبرهم، وطيفور هذا وهو أوسطهم [وعلىّ «3» ] ، وكان الثلاثة زهّادا عبّادا، وكان طيفور أفضل [أهل] زمانه وأجلّهم محلّا، كان له لسان فى المعارف والتدقيق، وكان صاحب أحوال وكرامات، وقد شاع ذكره شرقا وغربا. وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن يزداد «4» أبو صالح الكاتب المروزىّ، وزر أبوه للمأمون ووزر هو للمستعين والمهتدى، وكان أديبا شاعرا فاضلا جوادا ممدّحا.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثلاث عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع ونصف.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 262]
السنة الثامنة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة اثنتين وستين ومائتين- فيها ولى قضاء سرّ من رأى علىّ بن الحسن بن أبى الشوارب عوضا عن أبيه. وولى قضاء بغداد إسماعيل بن إسحاق القاضى. وفيها اشتغل المعتمد بقتال يعقوب بن الليث الصّفّار؛ فبعث كبير الزّنج عسكره إلى البطيحة «5» فنهبها

(3/35)


وأفسد العسكر بها وأسروا وقتلوا. وفيها تعرّض رجل لامرأة ببغداد وغصبها بمكان وهى تصيح: اتّق الله وهو لا «1» يلتفت؛ فقالت: قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ ...
الآية ثم رفعت رأسها إلى السماء وقالت: اللهمّ إنّه قد ظلمنى فخذه اليك؛ فوقع الرجل ميتا.
قال ابن عون «2» الفرائضىّ: فأنا والله رأيت الرجل ميّتا، فحمل على نعش والناس يهلّلون ويكبّرون. وفيها غلب يعقوب بن الليث الصفّار على فارس، وهرب عامل المعتمد إلى الأهواز. وفيها توفّى خالد بن يزيد أبو الهيثم التّميمىّ الحراسانىّ الكاتب، أحد كتّاب الجيش ببغداد، كان فاضلا شاعرا. وفيها توفّى سعد بن يزيد أبو محمد البزّاز، كان إماما فاضلا شاعرا حافظا، روى عنه يزيد بن هارون وطبقته؛ ومات ببغداد في شهر رجب. وفيها توفى عبد الله بن الفقير «3» .
المروزىّ «4» المعتقد، كان من الأبدال «5» ، كان مقيما بقزوين، فاذا كان يوم الجمعة

(3/36)


قد سلك «1» مسافة بعيدة، وكان يمشى على الماء ويقف له بحر جيحون، وكان يتقوّت بالمباحات «2» . وفيها توفى يعقوب بن شيبة «3» بن الصّلت بن عصفور أبو «4» يوسف الحافظ السّدوسىّ البصرىّ، كان إماما حافظا فقيها عالما، صنّف المسند معلّلا إلا أنه لم يتمّه، وكان يتفقّه على مذهب مالك، وسمع منه يزيد بن هارون وغيره، وكان ثقة، إلا أنه كان يقول بالوقف في القرآن، فهجره الناس.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثلاث عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 263]
السنة التاسعة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة ثلاث وستين ومائتين- فيها سار يعقوب بن الليث الصّفّار إلى الأهواز، وأسر الأمير ابن واصل «5» ، واستولى على الأهواز. وفيها استوزر الخليفة المعتمد الحسن بن مخلد بعد موت عبيد الله «6» بن يحيى بن خاقان؛ فلما قدم موسى بن بغا إلى سامرّا هرب الحسن المذكور، فاستوزر مكانه سليمان بن وهب في ذى الحجّة. وفيها حجّ بالناس الفضل ابن إسحاق الذي حجّ بهم في الماضية. وفيها توفّى الوزير عبيد الله «7» بن يحيى بن خاقان

(3/37)


ابن عرطوج أبو الحسين «1» التركىّ الوزير. وسبب موته أنه دخل ميدانا في داره يوم الجمعة لعشر خلون من ذى القعدة ليضرب الصّوالجة «2» ، وركب ولعث «3» ، فصدمه خادمه رشيق، فسقط عن دابته ميتا. وفيها توفى محمد بن محمد بن عيسى أبو الحسن البغدادىّ، ويعرف بابن أبى الورد «4» ، كان من الزهّاد الورعين. وفيها توفى الامام الحافظ محمد بن على بن ميمون الرّقّىّ العطّار إمام أهل الجزيرة؛ وفي التهذيب: توفى سنة ثمان وستين.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشرون إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 264]
السنة العاشرة من ولاية أحمد بن طولون على مصر، وهى سنة أربع وستين ومائتين- فيها في المحرّم خرج أبو أحمد الموفّق طلحة ومعه موسى بن بغا إلى قتال الزّنج، فلما نزلا بغداد مات موسى بن بغا، فحمل إلى سامرّا ودفن بها. وفيها فى شهر ربيع الأوّل توفّيت قبيحة أمّ الخليفة المعتزّ بسامرّاء؛ وكان الخليفة المعتمد قد أعادها من مكّة إلى سامرّا وأكرمها، وكانت أمّ ولد للمتوكّل روميّة، وكانت فائقة في الجمال، فسمّيت قبيحة من أسماء الأضداد؛ وقد تقدّم ذكر مصادرتها من قبل صالح بن وصيف وما أخذ منها من الذهب والجواهر. وفيها توفى عبيد الله ابن عبد الكريم بن يزيد بن فرّوخ الحافظ أبو زرعة الرازىّ مولى عيّاش بن مطرّف القرشىّ، ولد سنة مائتين بالرّىّ؛ وكان إماما حافظا ثقة صدوقا، وهو أحد الأئمة

(3/38)


المشهورين الرحّالين لطلب الحديث، قدم بغداد وحدّث بها غير مرّة، وجالس الإمام أحمد بن حنبل وكان يحبّه ويثنى عليه. وفيها توفّى إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل ابن عمرو بن مسلم الفقيه أبو إبراهيم المزنىّ المصرىّ صاحب الشافعى، روى عنه وعن غيره، وروى عنه أبو بكر بن خزيمة والطحاوىّ «1» وغيرهما، وهو أحد الأئمة المشهورين، وتفقّه به جماعة، وصنّف التصانيف، منها: الجامع الكبير، والجامع الصغير، ومختصر المختصر؛ ولمّا قدم القاضى بكّار بن قتيبة على قضاء مصر وهو حنفىّ، اجتمع به المزنىّ، فسأله رجل من أصحاب بكّار وقال «2» : قد جاء في الأحاديث تحريم النبيذ وتحليله، فلم قدّمتم التحريم على التحليل؟ فقال المزنىّ: لم يذهب أحد إلى تحريم النهيذ في الجاهلية ثم حلّل لنا، ووقع الاتفاق على أنه كان حلالا فحرّم، فهذا يعضد أحاديث التحريم. فاستحسن القاضى بكار ذلك منه.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع واثنتا عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا واثنتان وعشرون إصبعا.

(3/39)