تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ت
تدمري
[المجلد الحادي والأربعون (سنة 581- 590)
]
بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً 2:
250
الطبقة التاسعة والخمسون
ذكر الوقائع الكائنة سنة إحدى وثمانين
وخمسمائة
[وقوع البَرَد]
فِي المحرَّم وقع بناحية نهر الملك بَرَدٌ أهلك الزَّرْع وقتل المواشي،
وُزِنت منه بَرَدة فكانت رِطْلين بالعراقيّ.
[تدريس النظامية]
وَفِي صَفَر انفصل رَضِيُّ الدّين أَبُو الخير القزْوينيّ عَنْ تدريس
النّظاميّة، وولي أَبُو طَالِب الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك الكرْخيّ،
وخُلع عليه منَ الدّيوان الْعَزِيز بطراحة [1] .
[منع الوعّاظ]
وَفِي رجب أمر الخليفة منع الوعّاظ كلّهم إلّا ابن الجوزيّ.
[مولود بأذن واحدة]
ووُلِد بالعراق ولدٌ طول جبهته شبر وأربعة أصابع، وله أُذُنٌ واحدة.
[خطبة الملثّم للناصر لدين اللَّه]
وفيها وردت الأخبار بأنّ عليّ بْن إِسْحَاق الملثَّم خطب للنّاصر لدين
اللَّه بمعظم بلاد المغرب، وخالف بني عبد المؤمن [2] .
__________
[1] الكامل 11/ 552.
[2] العبر 4/ 424.
(41/5)
[مسير السلطان إِلَى الموصل]
وفيها سار السّلطان الملك النّاصر قاصدا المَوْصِل، فَلَمَّا قاربَ
حلبَ تلقّاه صاحبها الملك العادل أخوه، ثُمَّ عَدِيّ الفرات إلى حرّان،
وكانت إذ ذاك لمظفّر الدّين ابن صاحب إربل، وَقَدْ بَذَل خطّه بخمسين
ألف دينار يوم وصول السّلطان إلى حَرّان برسم النَّفَقَة، فأقام
السّلطان أيّاما لَمْ يَرَ للمال أثرا، فغضب عَلَى مظفّر الدّين
واعتقله، ثُمَّ عفا عَنْهُ، وكتب لَهُ تشريفا بعد أن تسلَّمَ منه
حَرّان، والرُّها، ثُمَّ أعادهما إِلَيْهِ فِي آخر العام. وسار إلى
المَوْصِل فحاصرها وضايقها، وبذلت العامَّةُ نفوسهم فِي القتال بكلّ
ممكنٍ لكون بِنْت السلطان نور الدّين، وهي زَوْجَة صاحب المَوْصِل عزّ
الدّين سارت إلى صلاح الدّين قبل أن ينازل البلد، وخضعت لَهُ تطلب
الصُّلْح والإحسان، فردّها خائبة، ثُمَّ إنَّه ندِم، ورأى أَنَّهُ عاجز
عَنْ أخْذ البلد عَنْوةٍ، فأتت الأخبار بوفاة شاه أرمن صاحب خِلاط،
وبوفاة نور الدّين مُحَمَّد صاحب حصن كيفا وآمِد، فتقسّم فِكْرُه،
واختلفت آراء أمرائه، فلم يلبث أن جاءته رُسُل أمراء خِلاط بتعجيل
المسير إليهم، فأسرع إليهم، وَجَعَل عَلَى مقدِّمته ابنَ عمّه ناصر
الدّين مُحَمَّد بْن شِيرَكُوه ومظفَّر الدّين كوكبوري ابن صاحب إربل
إلى خِلاط، فوجد الأمير بكتمر مملوك شاه أرمن قَدْ تملَّك، فنزلا
بقربها.
ووصل الملك شمس الدّين البهلوان مُحَمَّد بْن ألْدِكِز بجيش
أَذَرْبَيْجان ليأخذ خِلاط فنزل أيضا بقربها. وكان الوزير بها مجد
الدّين عَبْد اللَّه بْن الموفَّق بْن رشيق، فكاتب صلاح الدّين مرَّة،
وصلاح الدّين أخرى [1] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 511- 514، زبدة الحلب 3/ 82، مفرّج الكروب
2/ 168، تاريخ الزمان 203، تاريخ مختصر الدول 219، 220، النوادر
السلطانية 67- 69، المختصر في أخبار البشر 3/ 69، مضمار الحقائق 212-
218، العبر 4/ 241، دول الإسلام 2/ 91، تاريخ ابن الوردي 2/ 94، مرآة
الجنان 3/ 418، 419، البداية والنهاية 12/ 315، 316، العسجد المسبوك
194، المغرب في حلى المغرب 151، تاريخ ابن خلدون 5/ 303، السلوك ج 1 ق
1/ 89، 90، شفاء القلوب 114- 116، تاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 169.
(41/6)
[منازلة صلاح الدين ميّافارقين]
ووصل صلاح الدّين ميّافارقين فنازلها وحاصرها، وكتب إلى مقدّمته يأمرهم
بالعَود إِلَيْهِ فعادوا، وتسلّمها بأمان، وسلّمها إلى مملوكه سُنْقُر
فِي جُمادى الأولى. فأتته رُسُلُ البهلوان بما فِيهِ المصلحة وأن يرجع
عَنْ خِلاط، فأجاب: عَلَى أن ترحل أَنْت أيضا إلى بلادك [1] .
[منازلة المَوْصِل]
ثُمَّ عاد صلاح الدّين فنازل المَوْصِل وضايقها، فخرج إِلَيْهِ جماعة
منَ النّساء الأتابكيّات فخضعْن لَهُ، فأكرمهنّ وقَبِل شفاعتهنّ.
واستقرّ الأمر عَلَى أن يكون عماد الدِّين زنكي بْن مودود بْن زنكي
صاحب سِنْجار هُوَ المتكلّم، فتوسَّط بأن تكون بلاد شهرزُور وحصونها
للسّلطان، وتُضْرب السّكَّة باسمه والخطْبة لَهُ بالموصل، وأن تكون
المَوْصِل لصاحبها، وأن يكون طَوْعه [2] .
[مرض السلطان]
ثُمَّ رجع السّلطان فتمرّض بحَرّان مُدَيْدَة، واشتدّ مرضه، وتناثر
شَعْر رأسه ولحيته، وأرجفوا بموته. ثمّ عوفي [3] .
__________
[1] النوادر السلطانية 69، الكامل في التاريخ 11/ 515، تاريخ الزمان
203، تاريخ مختصر الدول 220، زبدة الحلب 3/ 82، المغرب في حلى المغرب
151، الروضتين 2/ 61، الدرّ المطلوب 78، تاريخ ابن الوردي 2/ 94،
البداية والنهاية 12/ 316، المختصر في أخبار البشر 3/ 69، مرآة الجنان
3/ 419، تاريخ ابن خلدون 5/ 303، السلوك ج 1 ق 1/ 89، العسجد المسبوك
194، شفاء القلوب 114، تاريخ ابن سباط 1/ 169، 170.
[2] النوادر السلطانية 69، 70، مضمار الحقائق 219، 220، الكامل في
التاريخ 11/ 515، 516، زبدة الحلب 3/ 82، 83، تاريخ الزمان 203، تاريخ
مختصر الدول 220، المغرب في حلي المغرب 151، المختصر في أخبار البشر 3/
69، الروضتين 2/ 61، الدرّ المطلوب 78، تاريخ ابن الوردي 2/ 94، 95،
البداية والنهاية 12/ 316، مرآة الجنان 3/ 419، تاريخ ابن خلدون 5/
303، السلوك ج 1 ق 1/ 89، العسجد المسبوك 194، شفاء القلوب 114، 115،
تاريخ ابن سباط 1/ 170.
[3] النوادر السلطانية 71، الكامل في التاريخ 11/ 517، 518، تاريخ
الزمان 203، تاريخ
(41/7)
[وفاة صاحب حمص]
وتُوُفّي ناصر الدّين مُحَمَّد بْن أسد الدّين صاحب حمص، فأنعم بها
السّلطان عَلَى ولده الملك المجاهد أسد الدّين شِيركُوه بْن مُحَمَّد.
وسِنُّه يومئذٍ ثلاث عشرة سنة، وامتدَّت أيّامه [1] .
[مصالحة أَهْل خلاط للبهلوان]
وأمّا أَهْل خِلاط فإنّهم اصطلحوا مَعَ البهلوان مُحَمَّد [2] ، وصاروا
من حزبه.
[فتنة التركمان والأكراد]
قَالَ ابن الأثير [3] : وفيها ابتداء الفتنة بَيْنَ التُّركمان
والأكراد بالموصل، والجزيرة، وشهرزور، وأَذَرْبَيْجان، والشّام.
وَقُتِلَ فيها منَ الخلق ما لا يُحصى، ودامت عدَّة سِنين. وتقطّعت
الطُّرُق، وأُرِيقت الدّماء، ونُهِبت الأموال.
وسببها أنّ تُرْكُمانيَّة تزوَّجت بتُركمانيّ، فاجْتازوا بأكرادٍ،
فطلبوا منهم وليمة العُرْس، فامتنعوا وجرى بينهم خصام آلَ إلى القتال،
فَقُتِلَ الزّوج،
__________
[ () ] مختصر الدول 220، زبدة الحلب 3/ 83، المغرب 151، الروضتين 2/
61، المختصر في أخبار البشر 3/ 69، الدر المطلوب 78، تاريخ ابن الوردي
2/ 95، مرآة الجنان 3/ 419، البداية والنهاية 12/ 316، تاريخ ابن خلدون
5/ 304، السلوك ج 1 ق 1/ 89، العسجد المسبوك 194، شفاء القلوب 116،
تاريخ ابن سباط 1/ 170.
[1] النوادر السلطانية 71، الكامل في التاريخ 11/ 518، تاريخ الزمان
204، مضمار الحقائق 228، زبدة الحلب 3/ 83، 94، مفرّج الكروب 2/ 174،
وفيات الأعيان 2/ 480 و 3/ 244 و 5/ 206 و 7/ 172، والمختصر في أخبار
البشر 3/ 69، 70، الدرّ المطلوب 80، دول الإسلام 2/ 92، سير أعلام
النبلاء 21/ 143، 144 رقم 72، العبر 4/ 246، تاريخ ابن الوردي 2/ 95،
البداية والنهاية 12/ 317، الوافي بالوفيات 3/ 154، تاريخ ابن خلدون 5/
304، العسجد المسبوك 195، 196، النجوم الزاهرة 6/ 98، تاريخ ابن سباط
1/ 171، شذرات الذهب 4/ 273.
[2] هو محمد بن ألدكز. توفي في السنة التالية 582 هـ. (المختصر في
أخبار البشر 3/ 70، مرآة الزمان 8/ 384) .
[3] في الكامل 11/ 519.
(41/8)
فهاجت الفِتنة، وقامت التّرْكمان عَلَى
ساقٍ، وقتلوا جمْعًا منَ الأكراد، فتناخت الأكراد وقتلوا فِي
التُّرْكمان. وتفاقم الشَّرّ ودام، إِلَى أن جمع الأمير مجاهد الدّين
قايماز رحِمَه اللَّه عنده جَمْعًا من رءوس التُّركمان والأكراد وأصلح
بينهم، وأعطاهم الخِلَع والثّياب، وأخرج عليهم مالا جمّا، فانقطعت
الفتنة [1] .
[استيلاء ابن غانية عَلَى بلاد إفريقية]
وفيها استولى ابن غانية الملثَّم عَلَى أكثر بلاد إفريقية كَمَا ذكرنا
فِي سنة ثمانين استطرادا [2] .
__________
[1] العبر 4/ 241، 242.
[2] الكامل 11/ 519.
(41/9)
سنة اثنتين وثمانين
وخمسمائة
[اعتدال صحَّة السلطان]
فِي أوّلها صح مِزاج السّلطان بحَرّان فرحل عَنْهَا، ومعه ولداه
الظّاهر، والعزيز، وأخوه العادل، وقدِم الشّام. فبذل العادل بلاد حلب
لأولاد أَخِيهِ، فشكره السّلطان عَلَى ذَلِكَ، وملّكها للسّلطان الملك
الظّاهر غازي ولده. وسيَّر أخاه العادل إلى مصر، ونزل عَلَى نواحي
البلقاء.
وقيل إنّ الملك الظّاهر لمّا تزوَّج بابنة العادل نزل لَهُ العادل عَنْ
حلب، وقَالَ: أَنَا ألزم خدمة أَخِي وأقنع بما أعطاني. وسمح بهذا لأنّ
السّلطان أخاه كَانَ فِي مرضه قَدْ أوصى إِلَيْهِ عَلَى أولاده
وممالكه، فأعجبه ذَلِكَ [1] .
[رواية المنجّمين عَنْ خراب العالم]
قَالَ العماد الكاتب: أجمع المنجّمون فِي سنة اثنتين وثمانين فِي جميع
البلاد بخراب العالم فِي شعبان عِنْد اجتماع الكواكب السّتَّة [2] فِي
الميزان بطوفان الرّيح فِي سائر البلدان. وخوّفوا بِذَلِك من لا توثُّق
لَهُ باليقين، ولا إحكامٌ لَهُ فِي الدّين من ملوك الأعاجم والروم،
وأشعروهم من تأثيرات النّجوم، فشرعوا فِي حفْر مغارات عَلَى التُّخوم،
وتعميق بيوتٍ فِي الأسراب وتوثيقها، وشدّ منافسها عَلَى الرّيح، ونقلوا
إليها الماء والأزواد وانتقلوا إليها، وانتظروا الميعاد وسلطاننا
متنمّر من أباطيل المنجّمين، موقن أنّ قولهم مبنيّ
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 524، 525.
[2] في الكامل 11/ 528 «تجتمع الكواكب الخمسة» ، والمثبت يتفق مع
البداية والنهاية 12/ 319، والعبر 4/ 246.
(41/10)
عَلَى الكذِب والتّخمين. فَلَمَّا كَانَتِ
اللّيلة الّتي عيَّنها المنجّمون لمثل ريح عاد، ونحن جلوسٌ عِنْد
السّلطان، والشُّموع توقد، وما يتحرَّك لنا نسيم، ولم نَرَ ليلة مثلَها
فِي ركودها [1] .
وعمل فِي ذَلِكَ جماعةٌ منَ الشّعراء. فممّا عمل أَبُو الغنائم
مُحَمَّد بْن المعلّم فيما ورَّخه أَبُو المظفَّر السَّنَةَ فِي
«المرآة» [2] :
قُلْ لأبي الفضْل قَوْلَ معترفٍ [3] ... مضى جُمادى وجاءنا رَجَبُ
وما جرت زعزعا كَمَا حكموا ... ولا بَدَا كوكبٌ لَهُ ذَنَبُ
كلَّا، ولا أظلَّت [4] ذُكاء ولا ... أبدَتْ أذى فِي أقرانها [5]
الشُّهُبُ
يقضي عليها من لَيْسَ يعلم ما ... يُقضَى عليه هَذَا هُوَ العَجَبُ [6]
قَدْ بان كذِبُ المنجّمين وَفِي ... أَيِّ مقالٍ [7] قَالُوا وما
كذبوا؟
[8]
[فتنة عاشوراء]
قَالَ ابن البُزُوريّ: وَفِي يوم عاشوراء سنة اثنتين قَالَ مُحَمَّد
بْن القادسيّ فُرِش الرَّمادُ فِي الأسواق ببغداد، وعُلِّقت المُسُوح،
وناح أهل الكرخ
__________
[1] العبر 4/ 246، 247.
[2] مرآة الزمان 8/ 387.
[3] في المرآة: «معتبر» .
[4] في المرآة: «أظلمت» .
[5] في المرآة: «قرانها» .
[6] في المرآة بعده: بيت هو:
فارم بتقويمك الفرات والأسطرلاب ... خير من ضبوة الخشب
[7] في المرآة: «مثال» .
[8] في المرآة زيادة: (8/ 387، 388) :
مدبّر الأمر واحد ليس إلّاه ... وفي كلّ حادث سبب
لا المشتري سالم ولا زحل ... باق ولا زهرة ولا قطب
تبارك الله حصحص الحقّ ... وانجاب التمادي وزالت الريب
فليبطل المدّعون ما صنعوا ... في كتبهم ولتحرق الكتب
(41/11)
والمختارة، وخرج النّساء حاسراتٍ يَلْطمْن
ويَنُحْن من باب البدريَّة إلى باب حجرة الخليفة، والخِلَع تفاض عليهنّ
وعلى المُنْشِدين منَ الرجال.
وتعدّى الأمر إلى سَبِّ الصّحابة. وكان أَهْل الكرْخ يصيحون: ما بقي
كتمان. وأقاموا ابنة قرايا، وكان الظّهير ابن العَطَّار قَدْ كبس دار
أبيها، وأخرج منها كُتُبًا فِي سبّ الصّحابة، فقطع يديه ورِجْلَيه،
ورجمته العوامّ حَتَّى مات، فقامت هَذِهِ المرأة تحت منظرة الخليفة
وحولها خلائق وهي تنشد أشعار العَوْني وتقول: العنوا راكبةَ الجمل.
وتذكر حديث الإفْك.
قَالَ: وكلّ ذَلِكَ منسوبٌ إلى أستاذ الدّار، وَهُوَ مجد الدّين ابن
الصّاحب، ثُمَّ قُتِلَ بعد [1] .
[خِلاف الفرنج]
وفيها وقع الخلاف بَيْنَ الفِرنج- لعنهم اللَّه- وتفرَّقت كلمتهم، وكان
فِي ذَلِكَ سعادة الْإِسْلَام [2] .
[غدْر أرناط صاحب الكَرَك]
وفيها غدر اللّعين أرناط صاحب الكَرَك، فقطع الطّريق عَلَى قافلةٍ
كبيرة جاءت من مصر، فقتل وأسر، ثُمَّ شنّ الغارات عَلَى المسلمين، ونبذ
العهد.
فتجهّز السّلطان صلاح الدّين لحربه، وطلب العساكر منَ البلاد، ونذر إن
ظَفَرَ بِهِ ليقتلنّه، فأظفره الله به كما يأتي [3] .
__________
[1] دول الإسلام 2/ 92 (باختصار) ، العبر 4/ 274.
[2] مرآة الزمان 8/ 389، دول الإسلام 2/ 92.
[3] الكامل في التاريخ 11/ 527، 528، تاريخ الزمان 207، مرآة الزمان 8/
389، المختصر في أخبار البشر 3/ 71، دول الإسلام 2/ 92، تاريخ ابن
الوردي 2/ 96، السلوك ج 1 ق 1/ 92، شفاء القلوب 118، تاريخ ابن سباط 1/
173.
(41/12)
[خروج طغتكين عَنْ طاعة صلاح الدين]
أَنْبَأَنَا ابن البُزُوريّ فِي «الذَّيْل» قَالَ: وَقَدِمَ الحاجّ
بغداد، وأخبروا أنّ سيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين أخا صلاح الدّين خرج
عَنِ الطّاعة، وترك مراضي الدّيوان واتّباعه، واستولى على مكّة وأهلها،
وخطب لأخيه [1] .
وأخبروا أنّ قفْل الكعبة عَسُر عليهم فتْحُه، وازدحم النّاس، فمات منهم
أربعةٌ وثلاثون نفسا.
[مزاعم المنجّمين]
قَالَ: وَفِي هَذِهِ السّنة كَانَ المنجّمون يزعمون أنّ فِي تاسع
جُمادى الآخرة تجتمع الكواكب الخمسة في برج الميزان، وَهُوَ القِران
الخامس، ويدلّ ذَلِكَ عَلَى رياحٍ شديدة، وهَلاك مدنٍ كثيرة، فلم يُرَ
إلّا الخير. وأخبرتُ أنّ الهواء توقَّف فِي الشّهر المذكور عَلَى أَهْل
السّواد، فلم يكن لهم ما يذرّون بِهِ الغَلَّة [2] .
وكان الخليفة أمر بأخْذ خطوط المنجمّين بِذَلِك، فكتبوا سوى قايماز،
وكان حاذقا بالنّجوم، فإنّه كتب: لا يتم من ذَلِكَ شيء. وخرج. فَقَالَ
لَهُ منجّم: ما هَذَا؟ قَالَ: إنْ كَانَ كَمَا تزعمون من هَلاك العالَم
من يواقفني؟ وإنْ كَانَ ما قلته حظيت عندهم.
[عقد قران الخليفة الناصر]
وفيها عقد أمير المؤمنين الناصر عَلَى الجهة سلجوق خاتون بِنْت قَلِج
أرسلان بْن مَسْعُود صاحب بلاد الروم بوكالةٍ من أخيها كيخسْرو، وسار
لإحضارها الحافظ يوسف بن أحمد شيخ الرّباط الأرجوانيّ.
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 388.
[2] الكامل 11/ 528، مرآة الزمان 8/ 385 و 387.
(41/13)
[الفتنة بَيْنَ الرافضة والسُّنَّة]
وفيها جَرَت فتنة عظيمة بَيْنَ الرافضة والسُّنَّة قُتِلَ فيها خلْقٌ
كثير، وغلبوا أَهْل الكرْخ [1] .
[الفِتَن بأصبهان]
وفيها وردت الأخبار بالفِتَن بأصبهان، والقتال والنَّهب، وإحراق
المدارس، وقتْل الأطفال، فَقُتِلَ أربعة آلاف نفس. وسببه اختلاف
المذاهب بعد وفاة زعيم أصبهان البلهوان. ثُمَّ ملك بعده أخوه فهذَّب
البلاد.
[إمرة الركْب العراقي]
وأمير الركب العراقي فِي هَذِهِ الأعوام طاشتكين المستنجديّ [2] .
كثرة الخُلْف بَيْنَ الأمم والطوائف]
وَفِي هَذِهِ الأيام كَثُر الخُلْف بديار بَكْر والجزيرة بَيْنَ
الأكراد والتُّركمان، وبين الفرنج والروم والأرمن، وبين الإسماعيليّة
وال [- سّنّة] [3] . وقتلت الإسماعيليَّة ابن نيسان والد الّذي أَخَذَ
منه صلاح الدين آمِد.
[تصادم الطيور فِي الجوّ]
ووقع بَيْنَ الكراكيّ واللَّقالق والإوَزّ، وصارت تصطدم بالجوّ وتتساقط
جرحى وكَسْرَى، وأمْتار النّاس منها بأرض حرّان. قاله عبد اللّطيف.
__________
[1] دول الإسلام 2/ 92.
[2] مرآة الزمان 8/ 389.
[3] في الأصل بياض.
(41/14)
سنة ثلاث وثمانين
وخمسمائة
[اتفاقات الأوائل]
أوّل يوم فِي السّنة كَانَ أوّل أيام الأسبوع، وأوّل السّنة الشّمسيَّة
وأوَل سِنِيّ الفُرْس، والشّمس والقمر فِي أوّل البروج. وكان ذَلِكَ
منَ الاتّفاقات العجيبة. قَاله لنا ابن البُزُوريّ.
[نقابة النقباء]
قَالَ: وَفِي صَفَر عُزِل نقيب النُّقَباء ابن الرمّال بأبي القاسم قثم
بن طلحة الزّينبيّ.
[قتل مجد الدين ابن الصاحب]
وَفِي ربيع الأوّل استدعي مجد الدّين هبة الله ابن الصّاحب أستاذ
الدّار إلى باطن دار الخلافة، فَقُتِلَ بها [1] . وكان قَدِ ارتفعت
رُتْبته وعلا شأنه وتولّى قتْلَه ياقوتُ النّاصريّ، وعلَّق رأسه عَلَى
باب داره. وولي أستاذيّةالدار قِوام الدّين أَبُو طَالِب يَحْيَى بْن
زيادة، نقْلًا من حجابة الباب النُّوبيّ وأُمِرَ بكشْف ترِكة ابن
الصّاحب، فكانت ألف ألف دينار وخمسة وثلاثين ألف دينار، سوى الأقمشة
والآلات والأملاك. وتقدَّم أن لا يتعرّض إِلَى ما يخصّ أولاده من
أملاكهم الّتي باسمهم [2] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 562.
[2] دول الإسلام 2/ 92، 93.
(41/15)
وقَالَ سِبْط الجوزيّ [1] : قرَّبه النّاصر
تقريبا زائدا [2] ، فبسط يده فِي الأموال، وسفك الدّماء، وسبّ الصحابة
ظاهرا، وبَطَر بطَرًا شديدا، وعزم عَلَى تغيير الدّولة.
إلى أن قَالَ: وثب عليه فِي الدِّهْليز ياقوت شِحْنة بغداد فقتله،
ووُجد لَهُ ما لَمْ يوجد فِي دُور الخلفاء.
[إحراق النقيب]
قُلْتُ: وتُوُفّي النّقيب عَبْد الملك بْن عليّ بالسّجن، وكان خاصّا
بابن الصّاحب والمنفّذ لمراسمه، وأُخرج، فَلَمَّا رأت العامَّة تابوته
رَمَوْه، وشدّوا فِي رِجْله حَبْلًا وسحبوه، وأحرقوه بباب المراتب.
[نيابة الوزارة]
وَفِي شوّال عُزِل ابن الدريج عَنْ نيابة الوزارة، ثُمَّ نُفِّذ إلى
جلال الدّين أَبِي المظفّر عُبَيْد اللَّه بْن يُونُس فوُلي الأمر.
ثُمَّ استُدْعيَ يوم الجمعة إلى باب الحجرة، وخُلِعَ عليه خِلْعة
الوزارة الكاملة، ولُقِّب يومئذٍ جلال الدّين، وقبَّل يد الخليفة
وقَالَ لَهُ: قلَّدتك أمور الرعيَّة فقدِّم تقوى اللَّه أمامك [3] .
[وفاة ابن الدامغانيّ]
وَقَدْ كَانَ ابن يُونُس يشهد عِنْد قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن بْن
الدّامغانيّ، وتوقَّف مرَّةَ فِي سماع قوله. فَلَمَّا كَانَ هَذَا
اليوم كَانَ قاضي القُضاة مِمَّنْ مشى بَيْنَ يديه. فَقِيل إنَّه
قَالَ: لعن اللَّه طول العمر. ثُمَّ مات بعد أيّام فِي ذِي الحجّة [4]
، فوُلّي قضاءَ القُضاة بالعراق أَبُو طَالِب عليّ بن عليّ بن
البخاريّ.
__________
[1] يوجد نقص في المطبوع من مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي في أثناء
حوادث سنة 583 هـ.
حتى 585 هـ.
[2] في الأصل: «قرّبه الناصر تقريب زائد» .
[3] الكامل في التاريخ 11/ 562.
[4] الكامل 11/ 563.
(41/16)
[هدم مملكة السلطان
طغرل]
وفيها أرسل السّلطان طُغْرُل بْن أرسلان بْن طُغْرُل بْن مُحَمَّد
السَّلْجوقيّ إلى الدّيوان يطلب أن تُعمّر دار المملكة ليجيء وينزلها،
وأن يُسَمَّى فِي الخطبة. فأمر الخليفة فَهُدِمَت المملكة وأُعيد رسوله
بغير جواب [1] . وكان مُستضْعَف المُلك مَعَ البهلوان لَيْسَ لَهُ غير
الاسم. فَلَمَّا تُوُفّي البهلوان قويت نفسه وعسكر، وأنضمَّ إِلَيْهِ
أمراء.
[الحرب بَيْنَ الركْب العراقي والركْب الشامي]
وحجَّ بالركْب العراقيّ مجِير الدّين طاشتِكين عَلَى عادته.
وحجَّ منَ الشّام الأمير شمس الدّين مُحَمَّد بْن عَبْد الملك، المعروف
بابن المقدَّم، فضرب كوساته، وتقدَّم من عَرَفَات قبل أصحاب الخليفة،
فأرسل طاشتِكِين يلومه، فلم يفكّر فِيهِ، فركب طاشتكين فِي أجناده، إلى
قتاله، وتبعَه خلْق من ركْب العراق. ووقع الحرب، وَقُتِلَ من رَكْب
الشّام خلْق [2] .
[وفاة ابن المقدَّم]
ثُمَّ أُسِرَ ابن المقدَّم، وجيء بِهِ إلى خيمة طاشتكين، وخيطت
جراحاته، ثُمَّ مات بمِنى ودُفن بها [3] .
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ مِن كبار الأمراء النُّوريَّة وولي نيابة دمشق
للسّلطان صلاح الدّين وَهُوَ واقف المدرسة المقدّميَّة.
[إحراق ضياع الكرك والشوبك]
وفيها كتب السّلطان صلاح الدّين إلى الأمصار يستدعي الأجناد إلى
__________
[1] الكامل 11/ 560.
[2] الكامل 11/ 559، دول الإسلام 2/ 93.
[3] الكامل 11/ 560 ودفن بمقبرة المعلّى، دول الإسلام 2/ 93.
(41/17)
الجهاد. وبرز فِي أوّل السّنة، ونزل عَلَى
أرض بُصْرَى مرتقبا [1] مجيء الحاجّ ليخفِرَهم منَ الفِرَنج. وسار إلى
الكَرَك والشَّوْبَك، فأحرق ضياعهما، وأقام هناك شهرين.
[الإغارة عَلَى طبريَّة]
واجتمعت الجيوش برأس الماء عِنْد ولده الأفضل، فجهَّز بعثا فأغاروا
عَلَى طبريَّة.
[هزيمة الفِرَنج بصفُّوريَّة]
وقدِم منَ الشّرق مظفَّر الدّين صاحب إربِل بالعساكر، وقدِم بدر الدّين
ولدرم عَلَى عسكر حلب، وقايماز النَّجْميّ عَلَى عسكر دمشق، فساروا
مُدْلجين حَتَّى صَبَّحوا صَفُّورِيَّة، فخرجت الفِرَنج فنصر الله
المسلمين، وَقُتِلَ منَ الفِرَنج خلقٌ منَ الإسْبِتار، وأسروا خلْقًا
[2] .
[موقعة حِطّين]
وأسرع السّلطان حَتَّى نزل بعشترا، وعرض العساكر وأنفق فيهم، وسار بهم
وقد ملئوا الفضاء فنزل الأُرْدُنّ، ونزل مُعظم العساكر. وسار إلى
طبريَّة فأخذها عَنْوةً، فتأهَّبت الفِرَنج وحشدوا، وجاءوا من كُلّ فجّ
وأقبلوا، فرتَّب عساكره فِي مقابلهم وصابَحَهم وبايتهم.
وكان المسلمون اثني عشر ألف فارس وخلْقٍ منَ الرجَّالة. وقيل كَانَ
الفِرَنج ثمانين ألفا ما بَيْنَ فارسٍ وراجل. والتجئوا إلى جبل حِطّين،
فأحاط المسلمون بهم من كُلّ جانب، فهرب القومُّص لَعَنَه اللَّه، ووقع
القتال، فكانت
__________
[1] في الأصل: «مرتقب» .
[2] النوادر السلطانية 74، الكامل في التاريخ 11/ 529، 530، تاريخ
الزمان 207، تاريخ مختصر الدول 220، زبدة الحلب 3/ 91، الفتح القسي 59،
المختصر في أخبار البشر 3/ 71، دول الإسلام 2/ 93، تاريخ ابن الوردي 2/
96، البداية والنهاية 12/ 320، تاريخ ابن خلدون 5/ 305، السلوك ج 1 ق
1/ 92، شفاء القلوب 119، تاريخ ابن سباط 174، 175.
(41/18)
الدّائرة عَلَى الفِرَنج، وأسِر خلْقٌ منهم
الملك كي، وأخوه جفْري، وصاحب جُبَيْل، وهنْفري بْن هَنْفري،
والإبْرِنْس أرناط صاحب الكَرَك، وابن صاحب إسكندَرونة، وصاحب
مَرَقيَّة [1] .
وما أحلى قول العماد الكاتب [2] : «فَمنْ شاهد القَتْلَى يومئذٍ قَالَ:
ما هناك أسير، ومَن عايَنَ الأسرى قَالَ: ما هناك قتيل» .
قُلْتُ: ولا عَهْد للإسلام بالشّام بمثل هَذِهِ الوقعة من زمنَ
الصّحابة.
فقتل السّلطانُ صاحبَ الكَرَك بيده لأنّه تكلَّم بما أغضب صلاح الدّين،
فتنمّر وقام إِلَيْهِ طيَّر رأسه، فأُرْعِب الباقون.
وقَالَ ابن شدّاد [3] : بل كَانَ السّلطان نَذَر أن يقتله لأنّه سار
ليملك الحجاز، وغَدَرَ وأخذ قَفْلا كبيرا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ مقدَّم
الفِرَنج نَوْبةَ الرملة لمّا كبسوا صلاح الدّين وكسروه سنة ثلاثٍ
وسبعين.
وكان أرناط فارس الفِرَنج فِي زمانه، وَقَدْ وقع فِي أسْر الملك نور
الدّين، وحبسه مدَّةً بقلعة حلب. فَلَمَّا مات نور الدّين وذهب ابنه
إلى حلب وقصده صلاح الدّين غير مرَّةٍ ليأخذ حلب أطلق أرناط وجماعة من
كبار الفرنج ليُعينوه عَلَى صلاح الدّين.
ثُمَّ قيَّد جميع الأسارى وحُمِلوا إلى الحصون، وأخذ السّلطان يومئذ
منهم صليب الصّلبوت.
__________
[1] انظر عن موقعة حطين في: الفتح القسّي في الفتح القدسي 61- 84،
والنوادر السلطانية 75- 79، والكامل في التاريخ 11/ 534- 583، وتاريخ
الزمان 208، 209، ومرآة الزمان 8/ 392، 393، وزبدة الحلب 3/ 92- 96،
والمختصر في أخبار البشر 3/ 71، 72، وتاريخ ابن الوردي 2/ 96، ومرآة
الجنان 3/ 424، والبداية والنهاية 12/ 320، ودول الإسلام 2/ 93، 94،
وتاريخ ابن خلدون 5/ 305، 306، ومشارع الأشواق لابن النحاس 2/ 837،
934، 935، والسلوك ج 1 ق 1/ 93، وشفاء القلوب 119- 121، وتاريخ ابن
سباط 1/ 176، 177.
[2] في البرق الشامي.
[3] في النوادر السلطانية.
(41/19)
وكانت وقعة حِطّين هَذِهِ فِي نصف ربيع
الآخر، ولم ينْجُ فيها منَ الفِرَنج إلّا القليل، وهي من أعظم الفتح
فِي الْإِسْلَام.
وقيل كَانَ للفرنج أربعين ألفا.
وأبيع فيها الأسير بدمشق بدينار فلله الحمد.
قَالَ أَبُو المظفَّر بْن الجوزيّ [1] : خيَّم السّلطان عَلَى ساحل
البحيرة فِي اثني عشر ألفا منَ الفرُسان سوى الرّجّالة، وخرج الفِرَنج
من عكّا، فلم يَدَعوا بها محتلِمًا. فنزلوا صَفُّوريَّة، وتقدَّم
السّلطان إلى طبريَّة، فنصب عليها المجانيق، وافتتحها فِي ربيع الآخر،
وتقدّمت الفِرَنج فنزلوا لوبية منَ الغد، وملك المسلمون عليهم الماء،
وكان يوما حارّا. والتهب الغَوْر عليهم، وأضرم مظفَّر الدّين النّارَ
فِي الزُّروع، وأحاط بهم المسلمون طول اللّيل، فَلَمَّا طلع الفجر
قاتلوا إلى الظُّهْر، وصعدوا إلى تلّ حِطّين والنّار تُضْرَم حولهم،
وساق القُومُّص عَلَى حَمِيَّة وحرق، وطلع إلى صَفد [2] ، وعملت
السّيُوف فِي الفِرَنج، وانكسر [3] منَ الملوك جماعة، وجيء بصليب
الصَّلَبُوت إلى السّلطان، وَهُوَ مرصَّع بالجواهر واليواقيت فِي غلافٍ
من ذهب. فأُسِرَ ملكَ الفِرنج درباسُ الكُرديّ، وأسر إبرنس الكَرَك
إِبْرَاهِيمُ غلام المهرانيّ.
قَالَ: واستدعاهم السّلطان، فجلس الملك عَنْ يمينه، ويليه إبْرنْس
الكَرَك، فنظر السّلطان إلى الملك وَهُوَ يَلْهَث عَطَشًا، فأمر لَهُ
بماءٍ وثَلْج، فشرب وسقى البِرِنْس، فَقَالَ السّلطان: ما أذنْتُ لك
فِي سقْيه. والتفتَ إلى البِرِنس فَقَالَ: يا ملعون يا غدّار، حَلَفْت
ونكثْت. وَجَعَل يعدّد عليه غَدْراته.
ثُمَّ قام إِلَيْهِ فضربه حلَّ كتفه، وتمَّمه المماليك، فطار عقل
الملك، فأمّنه السّلطان وقَالَ: هَذَا كلب غدر غير مرّة.
__________
[1] في مرآة الزمان 8/ 393.
[2] في مرآة الزمان 8/ 393 «صفت» .
[3] هكذا في الأصل. ولعلّ الصحيح «وأسر» .
(41/20)
إلى أن قَالَ: وأبيعت الأسارى بثمنٍ بخْسٍ،
حَتَّى باع فقيرٌ أسيرا بنَعْل، فَقِيل لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أردت
هوانهم.
ووصل القاضي ابن أَبِي عصرون [1] دمشقَ وصليب الصَّلَبُوت منكَّسًا
بَيْنَ يديه [2] ، وعاد السّلطان إلى طبريَّة، وآمن صاحبتها، فخرجت
بأموالها إلى عكّا. وأمّا القومُّص فسار من صَفَد إلى طرابُلُسَ فمات
بها، فَقِيل: مات من جراحاتٍ أصابته. وقيل: إنّ امرأته سمّته.
قَالَ القاضي جمال الدّين بْن واصل [3] : اجتمعت الجحافل عَلَى رأس
الماء عِنْد الملك الأفضل ابن السّلطان، فتأخّرت العساكر الحلبيَّة
لانشغالها بِفرنج أنطاكيَّة وبالأرمن، فدخل الملك مظفَّر صاحب حماه
فأخمد ثائرتهم، ثُمَّ ردّ إلى حماه ومعه فخر الدّين مَسْعُود بْن
الزَّعْفَرانيّ عَلَى عساكر المَوْصِل وعسكر ماردين، فلحقوا السّلطان
بعشترا، ثُمَّ ساروا، وأحاطت جيوشه بُحيرة طبريَّة عِنْد قرية
الصّفيرة، ثُمَّ نازل طبريَّة فافتتحها فِي ساعةٍ من نهار.
[رواية ابن الأثير]
وحكى ابن الأثير [4] عمّن أخبره عَنِ الملك الأفضل قَالَ: كُنْت إلى
جانب والدي السّلطان فِي مُصافّ حِطّين، وهو أوَّل مُصافٍّ شاهدتُه،
فَلَمَّا صار ملك الفِرَنج عَلَى التّلَّة حملوا حملة منْكَرَةً علينا،
حَتَّى ألحقوا المسلمين بوالدي، فنظرت إِلَيْهِ وَقَدْ أرْبَدَّ لونُه،
وأمسك بلحيته، وتقدَّم وَهُوَ يصيح:
كذب الشَّيْطان. فعاد المسلمون عَلَى الفِرَنج، فرجعوا إلى التّلّ.
فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ صُحْت: هزمناهم، هزمناهم. فعاد الفِرَنج
وحملوا حملةً ثانيةً حَتَّى
__________
[1] هو أبو سَعْد عَبْد اللَّه بن أَبِي السّرِيّ مُحَمَّد بن هبة الله
بن مطهر بْن عَلِيّ بْن أَبِي عَصْرون بْن أَبِي السري التميمي،
الحديثي، ثم الموصلي، الفقيه الشافعيّ، الملقّب شرف الدين. توفي سنة
585 هـ. بدمشق. وسيأتي في وفيات هذا الجزء برقم (174) .
[2] مشارع الأشواق 2/ 935.
[3] في مفرّج الكروب.
[4] في الكامل في التاريخ 11/ 536، 537.
(41/21)
ألحقوا المسلمين بوالدي، وفعَل مثل ما فعل
أوّلا، وعطف المسلمون عليهم وألحقوهم بالتّلّ، فصحت أَنَا: هزمناهم.
فَقَالَ والدي: اسكُت، ما نهزمهم حَتَّى تسقط تِلْكَ الخيمة، يعني خيمة
الملك.
قَالَ: فهو يَقُولُ لي وَإِذَا الخيمة قَدْ سقطت، فنزل أَبِي وسجد شكرا
للَّه، وبكى من فرحه.
وكان سبب سقوطها أنّهم عطشوا، وكانوا يرجون بالحملات الخلاص، فَلَمَّا
لَمْ يجدوه نزلوا عَنْ خيلهم وجلسوا، فصعِد المسلمون إليهم، وألقوا
خيمة ملكهم، وأسروهم كلّهم.
[رواية ابن شدّاد]
قَالَ القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد [1] : وحَدَّثَنِي من أثِق بِهِ
أَنَّهُ لقي بحَوْران شخصا واحدا ومعه طنب خَيْمة، وفيه نيّفٌ وثلاثون
أسيرا يجرّهم وحده بخذْلانٍ وقع عليهم.
[إنشاء العماد]
ومن إنشاءٍ عِماديّ [2] إلى الخليفة: «الحمد للَّه الَّذِي أعاد
الْإِسْلَام جديدا..
إلى أن قَالَ: ونُورِدُ البُشرى بما أنعم اللَّه تَعَالَى فِي يوم
الخميس الثّالث والعشرين من ربيع الآخر إلى الخميس الآخر، عمَل [3]
سبْع ليالٍ وثمانية أيّام حُسُوما، فيوم الخميس فُتِحت طبريَّة، ويوم
الجمعة والسّبت نُوديَ [4] الفِرَنج فكُسِروا كسرة ما لهم بعدها قائمة.
__________
[1] في النوادر السلطانية.
[2] إنشاء عماديّ: هو ما كتبه العماد الأصبهاني الكاتب.
[3] في مشارع الأشواق 2/ 936 «تلك» ، ومثله في: مرآة الزمان 8/ 395.
[4] في مشارع الأشواق 2/ 936 «نوزل» .
(41/22)
وَفِي يوم الخميس سلْخ الشّهر فُتِحت عكّا
بالأمان، ورُفعت بها أعلام الْإِيمَان، وهي أمُّ البلاد، وأخت إرَمَ
ذات العماد» [1] .
إلى أن قَالَ: «فأمّا القتلى والأَسْرى فإنّها تزيد عَلَى ثلاثين ألفا
[2] ، يعني فِي وقعة حِطّين وما حولها فِي هَذَا الأسبوع» .
وَقَدْ ذكر العماد رحِمَه الله أيضا أَنَّهُ خُلّص من هَذِهِ السّنة من
أسْر الكُفْر أكثر من عشرين ألف أسير، ووقع فِي الأسر منَ الكفّار مائة
ألف أسير. هكذا قَالَ.
[تتابع الفتوحات]
ثُمَّ سار السّلطان إلى عكّا فوصلها بعد خمسة أيّام منَ الوقعة، فأخذها
بالأمان، وملَكها بلا مَشَقَّة. وبلغ السّلطان الملك العادل هَذَا
النّصرُ العظيمُ، فخرج من مصر بالجيوش، فمرّ بيافا ومجدل فافتتحهما
عَنْوةً، وغنِم منَ الأموال ما لا يوصف. ثُمَّ فتح اللَّه النّاصرة
وصفُّوريَّة عَلَى يد مظفَّر الدّين صاحب إربل عَنْوةً، وفُتِحت
قَيْساريَّة عَلَى يد ولدرم وغرس الدّين قلِيج عَنْوةً، ونابلس عَلَى
يد حسان الدّين لاجين بالأمان بعد قتالٍ شديد، ثُمَّ حصن الفولة
بالأمان [3] .
[فتح تبنين وصيدا وبيروت وجبيل]
ثُمَّ نازل السّلطان تِبْنين فافتتحها، ثُمَّ صيدا فافتتحها، ثمّ
بيروت، ثم
__________
[1] إرم ذات العماد هي التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، سورة الفجر،
الآية 7.
قال ياقوت: إرم ذات العماد: قيل: هي الإسكندرية، وأكثرهم يقولون: هي
دمشق، وقيل: إنها بلاد باليمن بين حضر موت وصنعاء من بناء شدّاد بن
عاد. (معجم البلدان 1/ 155) .
[2] مشارع الأشواق 2/ 935، 936.
[3] النوادر السلطانية 79، تاريخ الزمان 209، تاريخ مختصر الدول 220،
الكامل في التاريخ 11/ 538- 540، زبدة الحلب 3/ 57، المختصر في أخبار
البشر 3/ 72، دول الإسلام 2 ج 94، العبر 4/ 248، تاريخ ابن الوردي 2/
96، مرآة الجنان 3/ 424، البداية والنهاية 12/ 322، مشارع الأشواق 2/
936، وفيه حصن «الغولة» ، بالغين، السلوك ج 1 ق 1/ 94، 95، شفاء القلوب
122- 124، تاريخ ابن سباط 1/ 177، 178.
(41/23)
جُبَيل، ثُمَّ سار إلى عسقلان فحاصرها
وضيّق عليها بالقتال والمجانيق، ثُمَّ أخذها بالأمان. وأخذ الرملة،
والدّاروم، وغزّة، وبيت جبريل، والنَّطْرُون بالأمان [1] .
[فتح بيت المَقْدِس]
ثُمَّ سار مؤيَّدًا منصورا إلى البيت المقدّس، فنزل من غربيّه فِي نصف
رجب، وكان بها يومئذٍ ستّون ألف مقاتل. فقاتلهم المسلمون أشدّ قتال،
ثُمَّ انتقل السّلطان بعد خمسٍ إلى الجانب الشّماليّ منَ البلد ونصب
المجانيق ووقع الجدّ، فطلب الفرنج الأمان، فأمَّنهم بعد تمنُّع، وقرَّر
عَلَى كُلّ رجلٍ عشرة دنانير، وعلى كُلّ امرأةٍ خمسة دنانير، وعلى كُلّ
صغير وصغيرةٍ دينارين فَإِن من عجز أمهل أربعين يوما، ثُمَّ يُسْتَرَق.
فأجابوا إلى ذلك. وجمع المال فكان سبعمائة ألف دينار، فقسّمه فِي
الجيش. وبقي ثلاثون ألفا لَيْسَ فيهم [2] فكاك، فاستعبدهم وفرَّقهم.
وخلّص من أسارى المسلمين عشرين ألفا.
وخرج منها البَتْرَك بأموالٍ لا تُحْصَى، فأراد الأمراء الغدر بِهِ
فمنعهم وخَفَره وقال: الوفاء خير منَ الغدر، وهذا البَتْرك عندهم أعظم
رتبة من ملك الفِرَنج [3] .
وكان ببيت المَقْدِس أيضًا منَ الكبار صاحب الرملة ياليان ابن ياوران،
وَهُوَ دون ملك الفِرَنج فِي الرُّتْبة بقليل، وخلْق كثير من كبار
فرسانهم.
وكان الموت أهون عليهم من أخْذ المسلمين القدس من أيديهم إذ هو
__________
[1] النوادر السلطانية 80، الفتح القسي 99- 108، الكامل في التاريخ 11/
541- 543، تاريخ الزمان 209، تاريخ مختصر الدول 220، زبدة الحلب 3/ 97،
مرآة الزمان 8/ 396، المختصر في أخبار البشر 3/ 72، دول الإسلام 2/ 94،
العبر 4/ 248، تاريخ ابن الوردي 2/ 96، مرآة الجنان 3/ 424، البداية
والنهاية 12/ 322، مشارع الأشواق 2/ 936، 936، وفيه «بيت جبرين» ،
السلوك ج 1 ق 1/ 94، 95، شفاء القلوب 122- 124، تاريخ ابن سباط 1/ 178.
[2] في مشارع الأشواق 2/ 937 «ليس معهم» .
[3] مشارع الأشواق 2/ 937.
(41/24)
بيت عبادتهم الأعظم، ومحلّ تجسّد النّاسوت
فيما زعموا باللّاهوت- تَعَالَى اللَّه وتقدَّس عمّا يقولون عُلوًّا
كبيرا- وبه قُمامة الّتي تُدعى القيامة محلّ ضلالتهم وقِبلة جهالتهم،
زعموا أنّ المسيح دُفن بعد الصَّلب بها ثلاثة أيّام، ثُمَّ قام منَ
القبر، وصعِد إلى السّماء، فبالغوا فِي تحصينه بكلّ طريق. فنازله
السّلطان، وما وجد عليه موضعا أقرب من جهة الشّمال فنزل عليه، واشتدّ
الحرب، وبقيت الفرسان تخرج منَ المدينة وتحمل وتقاتل أشدّ القتال
وأقواه، ثُمَّ إنَّ المسلمين حملوا عليهم يوما حَتَّى أدخلوهم القدس،
ولصقوا بالخندق، ثُمَّ جَدُّوا فِي النُقُوب، وتتابع الرمْي بالمجانيق
منَ الفريقين، ووقع الجدّ، واجتمعت الفِرَنج، واتّفقوا عَلَى طلب
الأمان، فامتنع السّلطان- أيَّده اللَّه- من إجابتهم فَقَالَ: لا أفعل
فِيهِ إلّا كَمَا فعلتم بأهله حين ملكتموه من نحو تسعين سنة. فرجعت
رُسلهم خائبين. فخرج صاحب الرملة ياليان بنفسه فطلب الأمان فلم يُعط،
فاستعطف السّلطان فامتنع، فَلَمَّا أيس قَالَ: نَحْنُ خلْقٌ كثير
وإنّما يفترّون عَنِ القتال رجاء الأمان ورغبة فِي الحياة، وَإِذَا
رأينا أنَّ الموت لا بدَّ منه لنقتلنّ أبناءنا ونساءنا، وتحرّق
أموالنا، ولا ندع لكم شيئا، فإذا فرغنا أخربنا الصّخرة والأقصى، وقتلنا
الأسرى، وهم خمسة آلاف مُسْلِم، وقتلنا الدّوابّ، ثُمَّ خرجنا إليكم
وقاتلنا قتال الموت، فلا يقُتل منّا رَجُل حَتَّى يقتل رَجُلا ونُموت
أعزّاء.
فاستشار حينئذٍ السّلطان أُمراءه فقالوا: المصلحة الأمان. وقالوا:
نحسب أنهم أسارى بأيدينا فنبيعهم نفوسهم. فأمّنهم بشرط أن يزِن كُلّ
رجل عشرة دنانير، وكلّ امْرَأَةٍ خمسة دنانير، والطّفل دينارين.
ثُمَّ رُفعت أعلام الْإِسْلَام عَلَى السُّور، ورتَّب السّلطان
أُمَنَاءه عَلَى أبواب القدس ليأخذوا المال مِمَّنْ يَخْرُج، وكان بها
ستّون ألفا سوى النّساء والوِلْدان. ووزن ياليان من عنده عَنْ ثمانية
عشر ألف رَجُل. ثُمَّ بعد ذَلِكَ أسر منها عشرة آلاف نفس فقراء لَمْ
يقدروا عَلَى شراء أنفسهم.
ثُمَّ إنّ جماعة منَ الأمراء ادَّعوا أنّ لهم فِي القدس رعيَّة، فكان
يطلقهم.
(41/25)
كمظفّر الدّين ابن صاحب إربل ادَّعى أنّ
جماعة من أَهْل الرُّها بالقدس وعِدَّتهم ألف نفس. وكذلك صاحب البيرة
ادّعى أنّ فيها خمسمائة نفس من أَهْل البيرة.
[تطهير قبة الصخرة والمسجد الأقصى]
وكان عَلَى رأس قُبَّة الصَّخرة صليبٌ كبير مذهَّب، فطلع المسلمون
ورموه، وضجّ الخلْق ضجَّة عظيمة إلى الغاية.
وكان المسجد الأقصى مشغولا بالخنازير والخَبَث والأبنية، بَنت
الدّاويةُ فِي غربيّه مساكن وفيها المراحيض، وسدّوا المحراب، فبادر
المسلمون إلى تنظيفه وتطهيره، وبسطوا فِيهِ البُسُط الفاخرة، وعُلَّقت
القناديل، وخطب بِهِ النّاسَ يوم الجمعة، وهو رابع شعبان [1] ، القاضي
محيي الدين بْن الزّكيّ.
وتسامع النّاس، وتسارعوا من كلّ فجّ وقرب وبُعْدٍ للزّيارة، وازدحموا
يوم هَذِهِ الجمعة حَتَّى فاتوا الإحصاء.
وحضر السّلطان فصلّى بقبّة الصَّخرة، وفرح إذ جعله اللَّه تَعَالَى فِي
هَذَا الفتح ثانيا لعمر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فاستفتح القاضي خطبته
بقوله تَعَالَى: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 6: 45 [2] ، ثُمَّ أوّل
الأنعام، وآخر سُبْحان، وأوّل الكهف، وحَمْدَلة النَّمل، وأوّل سبإ،
وفاطر، ثُمَّ قَالَ: الحمد للَّه مُعِزّ الْإِسْلَام [3] ينصره.. إلى
آخرها. ثُمَّ خطب ثلاث جُمَع بعدها من إنشائه [4] .
__________
[1] مشارع الأشواق 2/ 937.
[2] سورة الأنعام، الآية 45.
[3] كتب فوقها في الأصل: «الدين» .
[4] انظر عن فتح بيت المقدس في: الفتح القسي 112- 115، والنوادر
السلطانية 81، 82، والكامل في التاريخ 11/ 546- 553، ومفرّج الكروب 2/
213- 217، وزبدة الحلب 3/ 98- 100، وتاريخ الزمان 210- 212، وتاريخ
مختصر الدول 220، 221، والأعلاق الخطيرة 2/ 204- 220، والمغرب في حلى
المغرب 154. ومرآة الزمان 8/ 397- 400، ونهاية الأرب 28/ 403- 405،
والمختصر في أخبار البشر 3/ 72، 73، والدرّ المطلوب 84- 93، والعبر 4/
248، ودول الإسلام 2/ 94، 95، وتاريخ
(41/26)
[عمل منبر الأقصى]
وَقَدْ كَانَ الملك نور الدّين أنشأ منبرا برسم الأقصى قبل فتح بيت
المَقْدِس طمعا فِي أن يفتتحه، ولم تزل نفسه تحدّثه بفتحه، وكان بحلب
نجّار فائق الصَّنعة، فعمل لنور الدّين هَذَا المِنبر عَلَى أحسن
نَعْتٍ وأجمله وأبدعه، فاحترق جامع حلب، فنُصب فِيهِ لمَّا جُدّد
المنبر المذكور، ثُمَّ عمل النّجّار المذكور ويُعرف بالأخترينيّ، نسبة
إلى قرية أخترين، محرابا من نسبة ذَلِكَ المنبر، فَلَمَّا افتتح
السّلطان بيت المَقْدِس أمر بنقل المِنبر إلى جانب محراب الأقصى، فلله
الحمد عَلَى هَذِهِ النِّعَم الّتي لا تُحصى [1] .
وَقَدْ كَانَتِ الفِرَنج بنوا عَلَى الصَّخرة كنيسة، وغيّروا أوضاعها
وصوَّروها، ونصبوا مذبحا، وعملوا عَلَى موضع القدم قُبَّةً لطيفة
مذهَّبة بأعمدة رخام، فخرّبت تِلْكَ الأبنية عَنِ الصَّخرة وأُبرزت.
وكانت الفِرَنج قَدْ قطعوا منها قطعا، وحملوها إلى القُسْطَنْطِينيَّة
وإلى صَقَلّية، حَتَّى قِيلَ كانوا يبيعونها بوزنها ذهبا.
وحضر الملك المظفّر تقيّ الدّين فحمل إليها أحمالا من ماء الورد
فغسّلها بها، وكنس ساحاتها بيده، وغسّل جدرانها، ثُمَّ بخّرها بالطّيب
[2] .
وحضر الملك الأفضل ابن السّلطان ففرش فيها بُسُطًا نفيسة ورتَّب
الأئمَّة، والمؤذّنين، والقُوَّام. ثُمَّ عيَّن السّلطان كنيسة صندجية
وصيَّرها مدرسة للشّافعيَّة ووقف عليها وقوفا جليلة. وقرَّر دار البترك
الأعظم رباطا للفقراء، ومحا آثار النّصرانيَّة، وأمر بإغلاق كنيسة
قُمامة، ومنع النَّصارى من زيارتها.
ثُمَّ تقَّرر بعدُ على من زارها ضريبة تؤخذ منه.
__________
[ () ] ابن الوردي 2/ 97، 98، ومرآة الجنان 3/ 424، والبداية والنهاية
12/ 323- 327، والإعلام والتبيين 33، 34، وتاريخ ابن خلدون 5/ 309-
311، والسلوك ج 1 ق 1/ 96، 97، وشفاء القلوب 128- 151، وتاريخ ابن سباط
1/ 180، 181.
[1] نهاية الأرب 28/ 45.
[2] مشارع الأشواق 2/ 937.
(41/27)
ولمّا افتتح عُمَر بيت المَقْدِس أقرَّ
هَذِهِ الكنيسة ولم يهدمها، ولهذا أبقاها السّلطان.
وللنّسّابة مُحَمَّد بْن سعد الجوانيّ نقيب الأشراف بمصر:
أَترَى مناما ما بعيني أُبصرُ ... القدسُ يُفْتَح والنَّصارى تكسرُ؟
وقمامة قمت منَ الرجس الَّذِي ... بزواله وزوالها يتطهَّرُ
ومليكهم فِي القيد مصفودٌ ولم ... ير قبل هذا لهم ملكا يؤسَرُ
قَدْ جاء نصر اللَّه والفتحُ الَّذِي ... وعد الرَّسُول فسبّحوا
واستغفروا
يا يوسف الصِّدِّيق أَنْت بفتحها ... فاروقها عُمَر الْإِمَام الأطهرُ
[رواية سبط ابن الجوزي]
قَالَ أَبُو المظفّر ابن الجوزيّ [1] : ولمّا افتتح السّلطان عكّا راح
إلى تِبنين فتسلّمها بالأمان، وتسلّم صيدا، وبيروت، وجُبيل، وغزَّة [2]
، والدّاروم، والرملة، وبيت جبريل [3] ، وبلد الخليل، (ونازل عسقلان
فقتل عليها حسام الدّين ابن المهرانيّ ثُمَّ تسلّمها) [4] ، فكان مدّة
استيلاء الفِرَنج عليها خمسا وثلاثين سنة.
إلى أن قَالَ: ملك السلطان هَذِهِ الأماكن فِي أربعين يوما أولها ثامن
عشرين جمادى الأولى، ثُمَّ نازل القدس.
إلى أن قَالَ: وخلّص منَ الأسر بعكا أربعة آلاف، ومنَ القدس ثلاثة آلاف
فلله الحمد.
__________
[1] في مرآة الزمان 8/ 396، 397.
[2] في مرآة الزمان 8/ 396 «وغيرها» بدل «وغزّة» وهو وهم.
[3] في مرآة الزمان 8/ 396 «بيت جبرين» بالنون: والمثبت هو الصحيح.
قارن بمفرّج الكروب 2/ 210، ونهاية الأرب 28/ 402.
[4] ما بين القوسين ليس في مرآة الزمان.
(41/28)
[فتح عسقلان]
وقَالَ ابن الأثير [1] : سار السّلطان عَنْ بيروت نحو عسقلان، واجتمع
بأخيه العادل سيف الدّين، ونازلوها فِي سادس جُمادى الآخرة، وزحفوا
عليها مرّة بعد أخرى، وأُخذت بالأمان فِي سلْخ الشّهر وسار أهلها إلى
بيت المَقْدِس.
وتسلّم البلد لثلاثٍ بقين من رجب. وأنقذه اللَّه منَ النَّصارى الأنجاس
بعد إحدى وتسعين سنة.
[الصَّلاة فِي المسجد الأقصى]
فَلَمَّا كَانَ يوم الجمعة رابع شعبان أقيمت الجمعة بالمسجد الأقصى،
وخطب للنّاس قاضي القضاة محيي الدّين بْن الزَّكيّ [2] خطبة موثّقة
بليغة.
وابتدأ السّلطان فِي إصلاح المسجد الأقصى والصَّخرة، ومحو آثار
الفِرَنج وشعارهم. وتنافس الملوك معه فِي عمل المآثر الحَسَنة والآثار
الجميلة، فرزقنا اللَّه شُكر هَذِهِ النِّعم، ورحم اللَّه صلاح الدّين
وأسكنه الْجَنَّة.
[وقعة حِطّين يصفها العماد]
وللعماد الكاتب يصف وقعة حِطّين: «حَتَّى إذا أسفَر الصّباح خرج إلى (
... ) [3] تحرق نيران الفصال أَهْل النّار، ورَنَّت القسِيّ، وغنَّت
الأوتار، واليوم ذاكٍ، والحرب شاكٍ، وسقط عليهم فيض، وماء الغيظ منهم
غَيْض، وَقَدْ وَقَدَ الحرّ، واستشرى الشّرّ، ووقع الكَرّ والفرّ،
والجوّ محرق، والجوى مقلق، وأصبح الجيش عَلَى تعبية، والنّصر عَلَى
تلبية.
قَالَ: وبرَّح بالفِرنج العطش، وأَبَتْ عُثْرتها تنتعش، فرمى بعض
المطّوّعة
__________
[1] في الكامل في التاريخ 11/ 545.
[2] هو محمد بن علي بن محمد قاضي دمشق والخطيب والإمام. توفي سنة 598
هـ. (وفيات الأعيان 4/ 229 رقم 594) وستأتي ترجمته في الجزء التالي من
هذا الكتاب إن شاء الله.
[3] في الأصل بياض.
(41/29)
المجاهدين النّار فِي الحشيش، فتأجَّج
عليهم استعارها، فَرَجَا الفِرَنج فَرَجًا، وطلب قلبهم المحرج مخرجا.
وكلّما خرجوا جُرِحوا، وبرّح بهم حرّ الحرب فَمَا برحوا، فَشوتْهُم نار
السّهام وأَشْوَتْهُم، وصمتت عليه قلوب القسيّ القاسية وأَصْمَتْهُم.
وقَالَ: وفتحوا فِي يوم الجمعة مستهل جُمادى الأولى، فجئنا إلى كنيستها
العُظمى، فأزحنا عَنْهَا البُؤْسى بالنُّعمى، وحضر الأجلّ الفاضل
فرتَّب بها المنبر والقبلة» .
وأوّل من خطب بها جمال الدّين عَبْد اللّطيف بْن أَبِي النّجيب
السَّهْرُوَرْديّ، وولّاه السّلطان بها القضاء والخطابة والأوقاف.
وقَالَ فِي حصار القدس: «أقامت المنجنيقات عَلَى حصانته حَدّ الرجم،
وواقعت ثنايا شرفاته بالهَتْم، وتطايرت الصّخور فِي نُصرة الصَّخرة
المباركة، وحَجَرَت عَلَى حكم السّور بسَفَه الأحجار المتداركة، وحسرت
النُّقوب عَنْ عروس البلد نقب الأسوار، وانكشفت للعيون انكشاف الأسرار»
.
[حصار صور]
وَفِي رمضان توجّه صلاح الدّين فنازل صور ونصب عليها المجانيق، وكان
قَدِ اجتمع بها خلْقٌ لا يُحصَوْن منَ الفِرَنج، فقاتلهم قتالا شديدا،
وحاصرها إلى آخر السنة وترحَّل عَنْهَا.
وكان قَدْ خرج أصطول صور فِي اللّيل فكبس أصطول المسلمين، وأسروا
المقدّم والرَّئِّيس وخمس قِطَع، وقتلوا خلْقًا منَ المسلمين فِي أواخر
شوّال. فعظُم ذَلِكَ عَلَى السّلطان وتألَّم، وهجم الشِّتَاء والأمطار،
فرحل فِي ثاني ذِي القعدة، وأقام بمدينة عكّا شهرين فِي خواصّه [1] .
__________
[1] انظر عن حصار صور في: الفتح القسي 153، والنوادر السلطانية 83،
والكامل في التاريخ 11/ 553- 555، وزبدة الحلب 3/ 100، وتاريخ الزمان
212، وتاريخ مختصر الدول 221، 222، والمغرب في حلى المغرب 155،
والمختصر في أخبار البشر
(41/30)
سنة أربع وثمانين
وخمسمائة
[فتح بلاد الساحل الشمالية]
ترحّل السّلطان صلاح الدّين عن صور لأنّه تعذّر عليه فتْحها لكثُرة من
فيها وقوَّة شوكتهم. ونزل عَلَى حصن كوكب [1] فِي وسط المحرَّم، فوجده
لا يُرام، فرتَّب عليه قايماز النَّجْميّ فِي خمسمائة فارس، ثُمَّ قدِم
دمشق وأقام بها مُدَيْدَة. ورحل إلى بِعْلَبَكّ فرتَّب أمورها، ثُمَّ
اجتمع هُوَ والملك عماد الدّين زنكيّ بْن مودود، وصاحب سَنْجار عَلَى
بُحَيرة قَدَس، وكان قَدْ جاء إلى السّلطان لأجل الغَزَاة، فجعله عَلَى
ميمنته، وجعل مظفّر الدّين ابن صاحب إربل عَلَى الميسرة. ثُمَّ سار
السّلطان فنزل بأرض حصن الأكراد فِي ربيع الآخر، وبثّ العساكر فِي
تخريب ضياع الفِرَنج، وقطّع أشجارهم ونهبهم.
ثُمَّ رحل إلى أَنْطَرَطُوس، فافتتحها عنوة، وسار إلى جبلة [2]
فتسلّمها
__________
[ () ] 3/ 73، ومفرّج الكروب 2/ 242- 244، ونهاية الأرب 28/ 405، 406،
ودول الإسلام 2/ 95، وتاريخ ابن الوردي 2/ 98، ومرآة الزمان 8/ 400،
والإعلام والتبيين 38، 39، والبداية والنهاية 12/ 327، وتاريخ ابن
خلدون 5/ 311، والسلوك/ 1 ق 1/ 97، وشفاء القلوب 151، وتاريخ ابن سباط
1/ 182.
[1] انظر عن حصار حصن كوكب في: الفتح القسي 204، والنوادر السلطانية
84، والكامل في التاريخ 12/ 5، 6، وزبدة الحلب 3/ 101، والمختصر في
أخبار البشر 3/ 74، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والبداية والنهاية 12/
329، وتاريخ ابن خلدون 5/ 311، والإعلام والتبيين 39، والسلوك ج 1 ق 1/
99، وشفاء القلوب 153، وتاريخ ابن سباط 1/ 183.
وكوكب: اسم قلعة على الجبل المطلّ على مدينة طبرية. (معجم البلدان 4/
494) .
[2] انظر عن فتح جبلة في: الفتح القسي 233، 234، والنوادر السلطانية
87- 89، والكامل في التاريخ 12/ 7، 8، وتاريخ الزمان 213، وزبدة الحلب
3/ 102، 103، ومفرّج الكروب 2/ 258، والروضتين 2/ 127، ومعجم البلدان
2/ 26، والمختصر في أخبار البشر 3/ 24، والدرّ المطلوب 95، والمغرب في
حلى المغرب 156، ودول الإسلام
(41/31)
عَنْوة فِي ساعتين- ثُمَّ تسلّم بكّاس
والشُّغْر [1] وسلّمها إلى الأمير غرز الدّين قليج والد الأميرين سيف
الدّين وعماد الدّين.
ثُمَّ سيَّر ولده الملك الظّاهر إلى سرمانية فهدمها.
قَالَ العماد الكاتب: فهذه ستّ مدن وقلاع فُتِحت فِي ستّ جُمَع تِباع:
جَبَلَة، واللّاذقيَّة، وصهيُون، والشُّغْر [2] ، وبَكّاس [3] ،
وسرمانية [4] .
[فتح برزية ودربساك وبغراس]
ثُمَّ نازل السّلطان حصن بَرْزَية [5] فِي جمادى الآخرة، وضربه
بالمجانيق وأخذه بالأمان، وسلّمه إلى الأمير عزّ الدّين بْن شمس الدّين
بْن المقدّم.
__________
[ () ] 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والبداية والنهاية 12/ 330،
وتاريخ ابن خلدون 5/ 312، والسلوك ج 1 ق 1/ 100، والإعلام والتبيين 39،
وشفاء القلوب 154، وتاريخ ابن سباط 1/ 184، ومشارع الأشواق 2/ 937، 938
وفيه سقط اسم جبلة، وجاء في المطبوع: «وسار إلى ساعتين» !.
[1] انظر عن فتح بكاس والشغر في: النوادر السلطانية 91، والفتح القسي
245- 247، والكامل في التاريخ 13/ 12، 13، وزبدة الحلب 3/ 104، وتاريخ
الزمان 213، وتاريخ مختصر الدول 222، والمغرب 157، والمختصر في أخبار
البشر 3/ 74، والبداية والنهاية 12/ 330، ودول الإسلام 2/ 96، وتاريخ
ابن الوردي 2/ 99، وتاريخ ابن خلدون 5/ 314، والسلوك ج 1 ق 1/ 100،
وشفاء القلوب 156 وتاريخ ابن سباط 1/ 185.
[2] الشّغر: قلعة حصينة مقابلها أخرى يقال لها بكاس على رأس جبلين،
وهما قريب أنطاكية.
(معجم البلدان 3/ 352) .
[3] بكّاس: بالفتح. قلعة من نواحي حلب على شاطئ نهر العاصي. (معجم
البلدان 1/ 474) .
[4] سرمانية: بليدة مشهورة من أعمال حلب، أهلها إسماعيلية. (معجم
البلدان 3/ 215، تقويم البلدان 264، مراصد الاطلاع 2/ 710) ويقال:
سرمينية.
[5] برزية: برزوية، حصن قرب الساحل على سنّ جبل شاهق. بفتح أوله وسكون
ثانيه، وفتح الزاي والياء. (معجم البلدان 2/ 383) . انظر عن فتح برزية
في: النوادر السلطانية 92، والفتح القسي 248- 254، والكامل في التاريخ
12/ 14، وزبدة الحلب 3/ 105، والمغرب في حلى المغرب 158، والمختصر في
أخبار البشر 3/ 75، ونهاية الأرب 28/ 408، ومفرّج الكروب 2/ 265- 267،
ودول الإسلام 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والبداية والنهاية 12/
330 وفيه تحرّف الاسم إلى «بدرية» ، وتاريخ ابن خلدون 5/ 314، 315،
وشفاء القلوب 156، وتاريخ ابن سباط 1/ 186.
(41/32)
ثُمَّ رحل إلى دَرْبَسَاك [1] فتسلَّمها،
ثُمَّ رحل إلى بَغْراس [2] فتسلّمها.
[مهادنة صاحب أنطاكية]
ثُمَّ عزم عَلَى قصد أنطاكية، فرغب صاحبها البرنس فِي الهدنة، فهادنه
السّلطان. ثُمَّ رحل. وودَّعه عماد الدّين زنكيّ، وعاد إلى سِنْجار [3]
.
[دخول السلطان حلب ودمشق]
وأقام السّلطان بحلب أياما، ثُمَّ قدم حماه وضيفه تقيّ الدّين عُمَر،
فأعطاه الْجَبَلَة واللّاذقيَّة. وسار عَلَى طريق بِعْلَبَكّ فِي
شعبان، ودخل دمشق وخرج منها فِي أوائل رمضان طالبا للغزاة [4] .
__________
[1] دربساك: بفتح أوله وسكون ثانيه، وفتح الباء والسين وهي قلعة منيعة
قريبة من أنطاكية.
وفي الكامل: «درب سالك» . انظر عن فتحها في: الفتح القسي 255، 256،
والنوادر السلطانية 93، والكامل في التاريخ 12/ 17، 18، ومفرّج الكروب
2/ 268، والروضتين 2/ 132، وزبدة الحلب 3/ 106، والمختصر 3/ 75، ونهاية
الأرب 28/ 409، ودول الإسلام 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والإعلام
والتبيين 39 وفيه «دربّاك» ، والمغرب 158، والبداية والنهاية 12/ 330،
وصبح الأعشى 4/ 122، وتاريخ ابن خلدون 5/ 315، والنجوم الزاهرة 6/ 41،
وشفاء القلوب 156، 157، وتاريخ ابن سباط 1/ 187.
[2] بغراس: مدينة بينها وبين أنطاكية أربعة فراسخ. (معجم البلدان 1/
467) . انظر عن فتحها في: النوادر السلطانية 93، 94، والفتح القسي 257-
259، والكامل في التاريخ 12/ 18، 19، وزبدة الحلب 3/ 106، والمغرب 158،
ومفرّج الكرب 2/ 268، 269، ونهاية الأرب 28/ 409، 410، والمختصر 3/ 75،
ودول الإسلام 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والإعلام والتبيين 39،
والبداية والنهاية 12/ 330، وتاريخ ابن خلدون 5/ 315، وتاريخ ابن سباط
1/ 187.
[3] النوادر السلطانية 94، الفتح القسي 260، 261، الكامل في التاريخ
12/ 19، 20، تاريخ الزمان 214، تاريخ مختصر الدول 222، المغرب 158،
نهاية الأرب 28/ 410، المختصر 3/ 75، الإعلام والتبيين 39، الدرّ
المطلوب 95، مسالك الأبصار (مخطوط) ج 16/ ق 2/ 386، دول الإسلام 2/ 96،
تاريخ ابن الوردي 2/ 99، البداية والنهاية 12/ 330، تاريخ ابن خلدون 5/
316، السلوك ج 1 ق 1/ 100، شفاء القلوب 157، مشارع الأشواق 2/ 938،
تاريخ ابن سباط 1/ 187، 7188 تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ (تأليفنا)
1/ 539، 540.
[4] الفتح القسي 262، الكامل 12/ 20، المختصر 3/ 75، نهاية الأرب 28/
410، ابن الوردي 2/ 99، الإعلام والتبيين 39، تاريخ ابن سباط 1/ 188.
(41/33)
[فتح تبنين والشوبك]
وأمّا الملك العادل أخوه فكان نازلا عَلَى تِبْنين بعساكر مصر متحرّزا
عَلَى البلاد من غائلة العدوّ. وكان صِهره سعد الدّين كمشتية الأَسَديّ
مُوَكَّلًا بحصار الكَرَك، فضاقت الميرة عليهم، ويئسوا من نجدةٍ
تأتيهم، فتضرّعوا إلى الملك العادل، وتردّدت الرُّسل بينهم، وَهُوَ
يشدّد حَتَّى دخلوا تحت حكمه، وسلّموا الحصن إلى المسلمين فِي رمضان
لفَرْط ما نالهم منَ الجوع والقحط. ثُمَّ تسلّم السّلطان الشَّوْبك
بالأمان [1] .
[فتح صفد]
وسار السّلطان إلى صفد فنازلها، ووصل إِلَيْهِ أخوه العادِل، ودام
الحصار عليها إلى ثامن شوّال وأُخذت بالأمان. وكان أهلها قَدْ قاربت
ذخائرهم وأقواتهم أن تنفد، فلهذا سلّموها. ولو اتكل أخْذُها وأخْذ
الكَرَك إلى فتحها بأسباب الحصار والنّقوب لطال الأمر جدّا [2] .
__________
[1] انظر عن فتح الكرك والشوبك في: الفتح القسي 266، 267، والكامل في
التاريخ 12/ 20، 21، وزبدة الحلب 3/ 107. والمختصر 3/ 75، والدرّ
المطلوب 95، والإعلام والتبيين 39، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، ومفرّج
الكروب 2/ 271، 272، ونهاية الأرب 28/ 410، 411، وتاريخ ابن خلدون 5/
316، والسلوك ج 1 ق 1 ج/ 101، وتاريخ ابن سباط 1/ 188، ومرآة الزمان 8/
405 (حوادث سنة 586 هـ.) .
[2] انظر عن فتح صفد في: الفتح القسي 270- 275، والنوادر السلطانية 96،
والكامل في التاريخ 12/ 22، 23، وزبدة الحلب 3/ 108، وتاريخ الزمان
214، والمختصر 3/ 75، 76، والإعلام والتبيين 39، ونهاية الأرب 28/ 411،
ومفرّج الكروب 2/ 232، والمغرب 158، والدر المطلوب 95، ودول الإسلام 2/
96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 100، والبداية والنهاية 12/ 330، وتاريخ ابن
خلدون 5/ 316، والسلوك ج 1 ق 1/ 101، وشفاء القلوب 158، وتاريخ ابن
سباط 1/ 189.
(41/34)
[فتح حصن كوكب]
ثُمَّ سار إلى حصن كَوْكَب ونازلها وحاصرها، وأخذها بالأمان فِي نصف ذي
القعدة [1] .
[تعبيد السلطان فِي القدس]
ثُمَّ قصد بَيْتَ المَقْدِس فدخلها فِي ثامن ذِي الحجّة هُوَ وأخوه
فعيَّد.
وسار إلى عسقلان فرتَّب أمورها، وجهَّز أخاه إلى مصر. ثُمَّ رحل صَوْب
عكّا ووصلها فِي آخر السَّنة [2] .
[رواية سبط ابن الجوزي]
قَالَ صاحب «مرآة الزمان» [3] : ووكّل صلاح الدّين بحصار كَوْكَب
قايماز النَّجْميّ، ووكّل بصفد طغْرِيل، وبعث إلى الكَرَك والشَّوْبك
كوجبا؟ وَهُوَ صهر السّلطان. وسار فِي السّاحل ففتح أنْطَرَسُوس، وكان
بها برجان عظيمان، فخرّبهما، وَقُتِلَ من كَانَ فيهما [4] .
وأمّا جَبَلَة فأرسل قاضيها مَنْصُور بْن نبيل يشير عَلَى السّلطان
بقصْدها، وأخذ أمانا لأهل جَبَلَة. وكان إبرنس أنطاكية قَدْ سلّمها إلى
القاضي منصور
__________
[1] انظر عن أخذ كوكب في: الفتح القسّي 270- 275، والنوادر السلطانية
96. والكامل في التاريخ 12/ 22، 23، ومفرّج الكروب 2/ 272- 276، وتاريخ
الزمان 214، والمغرب 159، ونهاية الأرب 28/ 411، 412، وزبدة الحلب 3/
108، والمختصر 3/ 75، 76، والدرّ المطلوب 95، والإعلام والتبيين 39،
ودول الإسلام 2/ 96، وتاريخ ابن الوردي 2/ 100، والبداية والنهاية 12/
330، وتاريخ ابن خلدون 5/ 316، 31، والسلوك ج 1 ق 1/ 101، وشفاء القلوب
158، وتاريخ ابن سباط 1/ 189.
[2] الفتح القسّي 275، 276، النوادر السلطانية 96، الكامل 12/ 23،
مفرّج الكروب 2/ 276، المغرب 159، زبدة الحلب 3/ 108، المختصر 3/ 76،
الإعلام والتبيين 39، 40، نهاية الأرب 28/ 412، دول الإسلام 2/ 96،
تاريخ ابن الوردي 2/ 100، البداية والنهاية 12/ 331، تاريخ ابن خلدون
5/ 317، شفاء القلوب 158، تاريخ ابن سباط 1891.
[3] لم أجد قوله في المطبوع من مرآة الزمان. والقائل هو «ابن الأثير»
في: الكامل 12/ 5، 6.
[4] الكامل 12/ 7.
(41/35)
ووثق بِهِ فِي حفظها، فنازلها صلاح الدّين
وأخذها. وامتنع عليه الحصن يوما، وتسلّمه بالأمان [1] .
وسار إلى اللّاذقيَّة، وهي بلد كبير عَلَى السّاحل، بها قلعتان عَلَى
تلّ، ولها ميناء مِن أحسن المواضع، وهي من أطيب البلاد، فحصرها أيّاما،
وافتتحها، وأخذ منها غنائم كثيرة [2] ، ثُمَّ نازل القلعتين، وغلّقت
النّقوب، فصاحوا بالأمان، وساروا إلى أنطاكية.
قَالَ العماد: ولقد كثر تأسُّفي عَلَى تِلْكَ العمارات كيف زالت، وعلى
تِلْكَ الحالات كيف حالت.
[فتح صهيون]
وسار فنازل صهيون، وهي حصينة فِي طرف الجبل، لَيْسَ لها خندق محفور
إلّا من ناحية واحدة، طوله ستّون ذراعا، نُقِر فِي حجر، ولها ثلاثة
أسوار. وكان عَلَى قُلتها عَلَمٌ طويل عليه صليب. فَلَمَّا شارفها
المسلمون وقع الصّليب، فاستبشروا ونصبوا عليها المناجيق، وأخذوها
بالأمان فِي ثلاثة أيّام [3] ، ثُمَّ سلّمها إلى الأمير ناصر الدّين
منكورس [4] بْن الأمير خُمارتِكِين، فسكنها وحصَّنها. وكان من سادة
الأمراء وعُقلائهم. تُوُفّي وَهُوَ مالك صهيون. وولي بعده ولده مظفّر
الدّين عُثْمَان، ثمّ وليها بعده سيف الدّين مُحَمَّد بْن عثمان إلى
بعد السّبعين وستّمائة.
[فتح الحصون الشمالية]
وبثَّ السّلطان عسكره وأولاده فأخذوا حصون تلك النّاحية مثل
__________
[1] الكامل 12/ 7.
[2] الكامل 12/ 9، مشارع الأشواق 2/ 938.
[3] مشارع الأشواق 2/ 938.
[4] في الكامل 12/ 11 «منكوبرس» .
(41/36)
بلاطُنُس، وقلعة الجماهرين، وبكّاس،
والشّغر، وسَرْمانية [1] ، ودَرْبَسَاك [2] ، وبغراس، وبرزية.
قال: وعلوّ قلعة برزية خمسمائة ونيِّفٌ وسبعون ذراعا، لأنّها عَلَى
سِنِّ جبلٍ شاهق، ومن جوانبها أودية [3] ، فسلّم دَرْبَسَاك إلى عَلَم
الدّين سُلَيْمَان بْن جندر، وهي قلعة قريبة من أنطاكية.
[مهادنة صاحب أنطاكية]
ثُمَّ سار يقصد أنطاكية، فراسله صاحبها وقدَّم لَهُ. وكانت العساكر
المشرقيَّة قَدْ ضجرت خصوصا عماد الدّين صاحب سِنْجار، فطال عليه
المُقام. فهادن السّلطانُ صاحبَ أنطاكية ثمانية أشهر عَلَى أن يُطلق
الأسارى.
ودخل إلى حلب فبات بها وعاد إلى دمشق. وأعطى تقي الدّين عُمَر صاحب
حماه جَبَلَة واللّاذقيَّة [4] .
[رواية ابن الأثير عَنْ فتوحات الشمال]
وقَالَ ابن الأثير [5] : نزل صلاح الدّين تحت حصن الأكراد، وكنت معهم،
فأتاه قاضي جَبَلَة مَنْصُور بْن نبيل، وكان مسموع القول عِنْد بيمند
صاحب أنطاكية وجَبَلَة، وله الحُرْمة الوافرة، ويحكم عَلَى جميع
المسلمين بجَبَلَة ونواحيها، فحملته غيرة الدّين عَلَى قصد السّلطان،
وتكفَّل لَهُ بفتح جَبَلَة واللّاذقيَّة والبلاد الشّماليّة، فسار صلاح
الدّين معه فأخذ أَنْطَرَطُوس، وسار إلى المَرْقَب وَهُوَ من حصونهم
الّتي لا تُرام، ولا تحدّث أحد نفسه بملكه لعُلُوه وامتناعه، ولا طريق
إلى جَبَلَة إلّا من تحته.
__________
[1] في الكامل 12/ 13 «سرمينيّة» ، وتحرّفت في مشارع الأشواق 2/ 938
إلى «شرمانية» بالشين المعجمة، وضبط محقّق الكتاب الشين بالضمّ، وهو
غلط.
[2] تحرّفت إلى «درب شاك» في: مشارع الأشواق 2/ 938.
[3] مشارع الأشواق 2/ 938.
[4] الكامل 12/ 19، 20.
[5] في الكامل 12/ 7.
(41/37)
ثمّ ساق عزّ الدّين ابن الأثير فتوحات
الحصون المذكورة بعبارةٍ طويلة واضحة، لأنّ عزّ الدّين حضر هَذِهِ
الفتوحات الشّمالية. ثُمَّ ذكر بعدها فتح الكَرَك، والشَّوْبك وما جاور
تِلْكَ النّاحية منَ الحصون الصّغار. ثُمَّ ذكر فتح صَفَد، وكَوْكَب،
إلى أن قَالَ [1] : فتسلّم حصن كَوْكَب فِي نصف ذِي القعدة، وأمّنهم
وسيَّرهم إلى صور، فاجتمع بها شياطين الفِرَنج وشجعانهم، واشتدّت
شوكتهم، وتابعوا الرُّسُل إلى جزائر البحر يستغيثون، والأمداد كُلّ
قليل تأتيهم. وكان ذَلِكَ بتفريط صلاح الدّين فِي إطلاق كُلّ من حضره،
حَتَّى عضّ بنانه ندما وأسفا حيث لَمْ ينفعه ذَلِكَ. وتمّ للمسلمين
بفتح كَوْكَب من حد أيلَة إلى بيروت، لا يفصل بَيْنَ ذَلِكَ غير مدينة
صور.
[نيابة الوزارة]
أَنْبَأَني ابن البُزُوريّ قَالَ: وَفِي المحرَّم خرج الوزير جلال
الدّين بْن يُونُس للقاء السّلطان طُغْرُل بْن رسلان شاه فِي العساكر
الدِّيوانيَّة، واستنيب فِي الوزارة قاضي القضاة أَبُو طَالِب عَلِيّ
بْن البخاريّ.
[المصافّ بَيْنَ طغرل والوزير ابن يُونُس]
وَفِي ربيع الأوّل كان المصافّ بين الوزير ابن يُونُس وطُغْرل، وحرَّض
الوزير أصحابه وكان فيما يَقُولُ: مَن هاب خاب، ومَن أقدم أصاب، ولكلّ
أَجَلٍ كتاب. فَلَمَّا ظهر لَهُ تقاعُس عساكره عَنِ الإقدام، وزلّت بهم
الأقدام، تأسَّف عَلَى فوت المُرام، وثبت فِي نفرٍ يسير كالأسير، وبيده
سيف مشهور، ومُصْحف منشور، لا يقدم لهيبته أحدٌ عليه، بل ينظرون
إِلَيْهِ. وأقدم بعض خواصّ طُغْرُل وجاء فأخذ بعِنان دابّته، وقادها
إلى خيمته، ثمّ أنزله وأجلسه، فجاء إِلَيْهِ السّلطان فِي خواصّه
ووزيره، فلزِم معهم قانون الوزارة، ولم يقم إليهم، فعجبوا من فِعْله،
وكلَّمهم بكلام خَشِن، فلم يزل السّلطان طُغْرُل لَهُ مُكْرِمًا،
ولمنزلته محترما، إلى حين عوده [2] .
__________
[1] في الكامل 12/ 23.
[2] الكامل 12/ 24، 25، المختصر 3/ 76.
(41/38)
[رواية سبط ابن الجوزي عَنِ ابن يُونُس]
وأمّا أَبُو المظفّر فَقَالَ فِي «المرآة» [1] : أُخذ ابن يُونُس وكان
محلوق الرأس، فأُحضر بَيْنَ يدي السّلطان طُغْرُل، فألبسه طرطورا أحمر
فِيهِ خلاخل، وَجَعَل يضحك عليه، ولم يرجع إلى بغداد منَ العسكر إلّا
القليل، تقطّعوا فِي الجبال، وماتوا جوعا وعطشا، وعمل النّاس الأشعار
فيها.
قَالَ: ثُمَّ كتب الخليفة إلى بكتمر صاحب خِلاط ليطلب ابن يُونُس من
طُغْرُل، وكان قزل أخو البهلوان قَدْ حشد وجمع، والتقى طُغْرُل عَلَى
هَمَذان، فانهزم طُغْرُل [2] إلى خِلاط ومعه ابن يُونُس، فأنكر عليه
بكتمر ما فعله بالوزير وبعسكر الخليفة، فقال: هُمْ بدءوني وبَغَوْا
عليّ.
فقال لَهُ: أَطْلِق الوزير. فلم يُمكنه مخالفته فأطلقه، فبعث إِلَيْهِ
بكتمر الخيل والمماليك، فردّ الجميع، وأخذ بغلين ببردعتين، وركب هُوَ
بغلا وغلامه آخر، وسار فِي زيّ صوفيّ، وقدِم المَوْصِل، فانحدر فِي
سفينة متنكّرا.
[العزل عَنْ نيابة الوزارة]
وَفِي ربيع الأوّل عُزل قاضي القضاة أَبُو طَالِب عَنْ نيابة الوزارة.
[وزارة بغداد]
وَفِي شعبان وُلّي الوزارةَ ببغداد شهاب الدّين أَبُو المعالي سعيد بن
حديدة.
__________
[1] القول غير موجود في المطبوع من: مرآة الزمان حيث سقطت حوادث 584 و
585 هـ.
[2] جاء في «آثار الأول في ترتيب الدول» للعبّاسي ص 104: «ولما حارب
السلطان طغرل السلجوقي لقزل أرسلان في المرة الأولى لمخامرة عسكره
عليه، انكسر وبقي السلطان أسيرا مع غلمانه راكبا على فرسه والجتر على
رأسه، وقد هربت عساكره، وتقدّمت جموعه، ونهبت أثقاله، فتقدّم قزل
أرسلان وترجّل عن فرسه وقبّل الأرض بين يديه، وقال له: يا خوند أنت
السلطان ونحن عبيد ومماليك وخواجه تاشية نتخاصم مع بعضنا بعض، ونتقاتل
ونصطلح، فارجع إلى همذان ونحن بين يديك، ففعل ذلك مدة. وهذا من جميل
مقابلة النّعم بالشكر» .
(41/39)
[قضاء القضاة]
وَفِي رمضان عُزل أَبُو طالب عَلِيّ بْن عليّ عَنْ قضاء القضاة،
وقُلِّده فخر الدّين أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن جَعْفَر
الْعَبَّاسيّ.
[ضعف تدبير الوزارة]
وفيه وصل الوزير جلال الدّين فِي سفينةٍ منَ المَوْصِل، وصعِد إلى داره
مختفيا. وبلغ الخليفةَ فكتب إلى ابن حديدة يَقُولُ: اين هُوَ ابن
يُونُس؟ فَقَالَ:
يكون اليوم بتكريت. فَقَالَ لَهُ الخليفة: بهذه المعرفة تدبِّر دولتي؟
ابن يُونُس فِي بيته.
وكان ابن حديدة بقوانين التّجارة أعرف منه بقوانين الوزارة.
[ولاية الأستاذ دارية]
وفي شوّال عزل عن الأستاذ داريّة أَبُو طَالِب بْن زيادة ووُلي عَلِيّ
بْن بختيار.
[ظهور الباطنية بالقاهرة]
وفيها ثار بالقاهرة اثنا عشر من بقايا شيعة الباطنيَّة باللّيل،
ونادوا: يالَ عليّ يالَ عليّ. وصاحوا فِي الدّروب ليلبّي أحدٌ دعوتهم،
فَمَا التفت إليهم أحد. فاختفوا [1] .
[استرجاع السلطان عسقلان]
وفيها وهب السّلطان أخاه العادل سيف الدّين الكَرَك، واستعاد منه
عسقلان.
__________
[1] الكامل 12/ 24، مفرّج الكروب 2/ 276، نهاية الأرب 28/ 412.
(41/40)
سنة خمس وثمانين
وخمسمائة
[اعتذار شحنة أصبهان]
فِي أوّلها قدِم الخادم فَرَج شِحْنة أصبهان رسولا منَ السّلطان
طُغْرُل، فقدّم تُحَفًا وهدايا، ومضمون الرسالة الاستغفار والاعتذار،
لاجئا إلى الدّيوان لتُقال عَثْرَتُه.
[الخطبة لوليّ العهد]
وَفِي صَفَر أمر الخليفة بالدّعاء بالخُطْبة لوليّ عهده أَبِي نصر
مُحَمَّد، ونقش اسمه عَلَى الدّينار والدّرهم، وأن يُكتب بِذَلِك إلى
سائر البلاد [1] .
[ولاية ابن يُونُس المخزن]
وَفِي صَفَر أيضا وُلي أَبُو المظفّر عُبَيْد اللَّه بْن يُونُس
الَّذِي كَانَ وزيرا وكسره طُغْرُل صدْرًا بالمخزن المعمور.
[عزْل ابن حديدة]
وفيه عُزِل الوزير ابن حديدة. وكانت ولايته أقلّ من شهر.
[وصول صليب الصلبوت إلى باب النوبيّ]
وَفِي ربيع الأوّل وصل القاسم بْن الشّهْرَزُوريّ رسولا منَ السّلطان
صلاح الدّين وصُحبته صليب الصَّلَبُوت الّتي تزعم النَّصارى أنّ عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلامَ صُلِب عليه. فأُلقي بَيْنَ يدي عتبة باب النّوبيّ،
فبقي أيّاما [2] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 12/ 42، البداية والنهاية 12/ 332.
[2] البداية والنهاية 12/ 332.
(41/41)
[محاصرة قلعة الْحَدِيثة]
وَفِي جُمادى توجّه مُجِير الدّين طاشتكين الحاجّ فِي جيشٍ فنزل عَلَى
قلعة الحديثة وحاصرها.
[تقليد نيابة الوزارة]
وَفِي رجب قُلِّد مؤيَّد الدّين مُحَمَّد بْن القصَّاب نيابة الوزارة.
[مقتل زعيم قلعة تكريت]
وَفِي شوّال قُتِلَ زعيم قلعة تكْريت، وتسلّمها نواب الخليفة [1] .
[عزل صدر المخزن]
وَفِي ذِي القعدة عُزل صدر المخزن أَبُو المظفَّر عُبَيْد اللَّه بْن
يُونُس.
[وصول شباب منَ الفِرَنج]
وفيها وصل جماعة منَ الفِرَنج شبابُ مِلاح مُرْد فِي القيود من جهة
صلاح الدّين إلى الدّيوان الْعَزِيز، فَقَالَ فيهم قِوام الدّين
يَحْيَى بْن زيادة:
أبدى بُدُورًا عَلَى غصونٍ ... أسْرَى يُقَادون فِي القيود
قَدْ نظُموا فِي الحِبال حَسْرَى ... نظْم الْجُمَانات فِي العقود
إنْ سكنوا هَؤُلَاءِ نارا ... فهي إذا جنّة الخلود
[تسليم أرناط حصن الشقيف وغدره]
وفيها سار السّلطان صلاح الدّين من عكّا إلى دمشق فدخلها فِي صفر،
ثُمَّ توجَّه إلى شَقِيف أرْنُون [2] فأقام بمرج برغوث [3] أيّاما،
ثُمَّ أتى مَرْج
__________
[1] الكامل 12/ 42.
[2] في الأصل: «أزبون» ، وفي الكامل 9/ 199 طبعة المنيرية «أرنوم» ،
وكذا في نهاية الأرب 28/ 413، والمثبت هو الصحيح، قلعة حصينة بين
بانياس والساحل. (معجم البلدان) وهي حاليا في جنوب لبنان.
[3] مرج برغوث بالقرب من صيدا.
(41/42)
عيون [1] ، فنزل أرناط [2] صاحب الشَّقيف
وحيدا إلى خدمة السّلطان فخلع عليه واحترمه، وكان من أكبر الفِرَنج
وكان يعرف العربيّة، وله معرفة بالتّواريخ، فسلّم الحصن من غير تعب
وقَالَ: لا أقدر أُساكن الفِرَنج، والتمس المُقام بدمشق، ثُمَّ بدا منه
غدر فقبض عليه وحبسه بدمشق، ووكّل بالحصن من يحاصره [3] .
[مقتل الفِرَنج عِنْد صيدا وعكا]
ثُمَّ بلغ إلى السّلطان أنّ الفِرَنج قَدْ جمعوا وحشدوا وجيّشوا من
مدينة صور، وساروا لحصار صيدا وعكّا ليستردّوها، فسار إليهم فالتقاهم،
فَظَهَر الفِرَنج وَقُتِلَ فِي سبيل اللَّه طائفة. ثُمَّ كرّ المسلمون
عليهم فردّوهم حَتَّى ازدحموا عَلَى جسرٍ هناك، فغرق مائتا نفس [4] .
[القتال عَلَى عكا]
ثُمَّ سار السّلطان إلى تِبْنين فرتَّب أمورها، وسار إلى عكّا فأشرف
عليها، وقرَّر بها أميرين: سيف الدّين عليّ المشطوب الكُرْديّ، وبهاء
الدّين قراقوش الخادم الأبيض، وعاد فلم يلبث أنْ نازلت الفِرَنج عكّا،
وجاءت منَ البَرّ والبحر، فسار السّلطان حَتَّى نزل قِبالتهم وحاربهم
مرّاتٍ عديدة، وطال القتال عليهم، واشتدّ البلاء، وَقُتِلَ خلقٌ منَ
الفِرَنج والمسلمين إلى أن دخلت السّنة الآتية والأمر كذلك [5] .
__________
[1] مرج عيون: مرجعيون، في الشمال الشرقي من الشقيف.
[2] أرناط هو: رينالد، ويعرف بريجنالد صاحب صيدا.
[3] الفتح القسّي 285- 292، النوادر السلطانية 97- 103، مفرّج الكروب
2/ 282- 290، الكامل في التاريخ 12/ 27- 30، زبدة الحلب 3/ 108- 110،
تاريخ الزمان 214، المختصر 3/ 76، نهاية الأرب 28/ 413، 414، تاريخ ابن
الوردي 2/ 100، تاريخ ابن خلدون 5/ 317، السلوك ج 1 ق 1/ 102، شفاء
القلوب 159، 160، تاريخ ابن سباط 1/ 190، 191.
[4] المصادر السابقة.
[5] ستأتي مصادر موقعة عكا بعد قليل.
(41/43)
[نيابة دمشق]
وفيها ولّي نيابة دمشق الأمير بدر الدّين مودود أخو الملك العادل
لأمّه.
[رواية ابن الأثير عَنْ تحشّدات الفِرَنج]
وقَالَ ابن الأثير [1] : اجتمع بصور عالم لا يُعد ولا يُحصَى، ومنَ
الأموال ما لا يَفْنَى. ثُمَّ إنّ الرُّهبان والقُسُوس وجماعة منَ
المشهورين لبسوا السّواد، وأظهروا الحزن عَلَى بيت المَقْدِس، فأخذهم
بَتْرَكُ القُدس، ودخل بهم بلاد الفِرَنج يطوف بهم ويستنفرون الفِرَنج،
وصوّروا صورة المسيح وصورة النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يضرب
المسيح وَقَدْ جرحه، فعظُم ذَلِكَ عَلَى الفِرَنج، وحشدوا وجمعوا
حَتَّى تهيّأ لهم منَ الرجال والأموال ما لا يتطرّق إِلَيْهِ الإحصاء،
فحدّثني رجلٌ من حصن الأكراد من أجناد أصحابه الّذين سلّموه إلى
الفِرَنج قديما، وكان قَدْ تاب وندم عَلَى ما كَانَ منه فِي الغارة
مَعَ الفِرَنج عَلَى الْإِسْلَام.
قال [2] : دخل عليّ [3] جماعة منَ الفِرَنج من أَهْل حصن الأكراد إلى
البلاد البحريّة فِي أربعة شواني يستنجدون. قَالَ: وانتهى بنا الطّواف
إلى رومية الكبرى، فخرجنا منها وَقَدْ ملأنا الشّواني نُقْرَة.
قَالَ ابن الأثير [4] : فخرجوا عَلَى الصَّعْب والذَّلُول برّا وبحرا
من كُلّ فجٍّ عميق، ولولا أنّ الله لطف بالمسلمين وأهلك ملك الألمان
لمّا خرج إلى الشّام، وإلّا كَانَ يُقَالُ إنّ الشّام ومصر كَانتا
للمسلمين.
قَالَ [5] : ونازلوا عكّا فِي منتصف رجب، ولم يبق للمسلمين إليها
__________
[1] في الكامل 12/ 32.
[2] في الكامل 12/ 33.
[3] في الكامل 12/ 33 «دخل مع» .
[4] في الكامل 12/ 33، وعنه ينقل ابن النحاس في: مشارع الأشواق 2/ 939.
[5] في الكامل 12/ 34.
(41/44)
طريق، فنزل صلاح الدّين عَلَى تلّ كيسان،
وسيّر الكُتُب إلى ملوك الأطراف يطلب العساكر، فأتاه عسكر المَوْصِل
وديار بَكْر والجزيرة، وأتاه تقيّ الدّين ابن أَخِيهِ [1] .
قَالَ ابن الأثير [2] : فكان بَيْنَ الفريقين حروب كثيرة، فقاتلهم صلاح
الدّين فِي أوّل شعبان، فلم ينل منهم غرضا، وبات النّاس عَلَى تعبئة،
وباكروا القتال منَ الغد، وصبر الفريقان صبرا حار لَهُ مَن رآه إلى
الظّهر، فحمل عليهم تقيّ الدّين حملة مُنْكَرَة منَ الميمنة عَلَى من
يليه فأزاحهم عن مواقفهم، والتجئوا إلى من يليهم، وملك تقيّ الدّين
مكانهم والتصق بعكّا. ودخل المسلمون البلد، وخرجوا منه، وزال الحصر.
وأدخل إليهم صلاح الدّين ما أراد منَ الرجال والذّخائر [3] ، ولو أنّ
المسلمين لزِموا القتال إلى اللّيل لبلغوا ما أرادوا. وأدخل إليهم صلاح
الدّين الأمير حسام الدّين السّمين.
[ذكر الوقعة الكبرى]
قَالَ [4] : وبقي المسلمون إلى العشرين من شعبان، كلّ يوم يغادون
القتال ويراوحونه، والفِرَنج لا يظهرون من معسكرهم ولا يُفارقونه
حَتَّى تجمّعوا للمشورة، فقالوا: عساكر مصر لَمْ تحضر، والحال مَعَ
صلاح الدّين هكذا. والرأي أنّنا نلقَى المسلمين غدا لعلَّنا نظفر بهم.
وكان كثير [5] من عساكر السّلطان غائبا، بعضها فِي مقابل أنطاكية خوفا
من صاحب أنطاكية، وبعضها فِي حمص مقابل طرابُلُس، وعسكر فِي مقابل صور،
وعسكر مصر بالإسكندريّة ودِمياط، وأصبح صلاح الدّين وعسكره عَلَى غير
أُهْبة، فخرجت الفِرَنج منَ الغد كَأنَّهُمُ الجراد المنتشر، قد ملئوا
الطُّول والعَرْض، وطلبوا ميمنة الْإِسْلَام وعليها تقيّ الدّين عُمَر،
فَرَدَفه السّلطان برجالٍ، فعطفت الفِرَنج
__________
[1] مشارع الأشواق 2/ 940.
[2] في الكامل 12/ 34، 35.
[3] مشارع الأشواق 2/ 940.
[4] ابن الأثير في الكامل 12/ 36.
[5] في الأصل «كثيرا» .
(41/45)
نحو القلب، وحملوا حملة رجلٍ واحد، فانهزم
المسلمون، وثبت بعضُهم، فاستشهد جماعة، منهم الأمير مجلس، والظّهير أخو
الفقيه عِيسَى الهكّاريّ، وكان متولّي بيت المَقْدِس، والحاجب خليل
الهكّاريّ. ثُمَّ ساقوا إلى التّلّ الَّذِي عليه خيمة صلاح الدّين
فقتلوا ونهبوا، وقتلوا شيخنا جمال الدّين بْن رَوَاحة، وانحدروا إلى
الجانب الآخر منَ التّلّ، فوضعوا السّيف فيمن لقوة، ثُمَّ رجعوا خوفا
أن ينقطعوا عَنْ أصحابهم، فحملت مَيْسَرَة المسلمين عليهم فقاتلوهم،
وتراجع كثيرٌ منَ القلب، فحمل بهم السّلطان فِي أقفية الفِرَنج وهم
مشغولون بالميسرة، فأخذتهم سيوف اللَّه من كُلّ جانب، فلم يفلت منهم
أحدٌ، بل قُتِلَ أكثرهم، وأُسِر الباقون، فيهم مقدَّم الدّاوية الَّذِي
كَانَ السّلطان قد أسره وأطلقه، فقتله الآن. وكانت عِدَّة القتلى عشرة
آلاف، فأمر بهم فأُلقوا فِي النّهر الَّذِي يشرب منه الفِرَنج. وكان
أكثرهم من فرسان الفرنج [1] .
قال القاضي ابن شدّاد [2] : لقَدْ رأيتهم يُلْقَوْن فِي النَّهر
فحزرتُهُم بدون سبعة آلاف.
قَالَ غيره: وَقُتِلَ منَ المسلمين نحو مائة وخمسين نفرا، وكان من جملة
الأسرى ثلاث نِسْوة فرنجيات كنَّ يقاتلْن عَلَى الخيل [3] .
وأمّا المنهزمون فبلغ بعضهم إلى دمشق، ومنهم مَن رجع مِن طبريَّة [4] .
قَالَ العماد الكاتب [5] : العَجَب أنّ الّذين ثبتوا نحو ألف [6] ردّوا
مائة ألف، وكان الواحد يَقُولُ: قتلت منَ الفِرَنج ثلاثين، قتلت
أربعين.
وجافَت الأرض من نَتَن القتلى، وانحرفت الأمزجة وتمرّض صلاح
__________
[1] الكامل 12/ 36- 39، مشارع الأشواق 2/ 940.
[2] في النوادر السلطانية.
[3] في الكامل 12/ 39.
[4] في الكامل 12/ 39.
[5] في الفتح القسّي.
[6] في مشارع الأشواق 2/ 940 «أن الذين ثبتوا من المسلمين ردّوا» .
(41/46)
الدّين، وحصل لَهُ قولَنْج كَانَ يعتاده.
فأشار الأمراء عليه بالانتقال منَ المنزلة، وترك مضايقة الفِرَنج، وأن
يبعد عَنْهُمْ، فَإِن رحلوا فقد كُفِينا شَرَّهم، وإن أقاموا عُدنا،
وأيضا فلو وقع إرجاف، يعني بوفاتك، لهلك النّاس، فرحل إلى الخَرُّوبة
[1] فِي رابع عشر رمضان.
[محاصرة الفِرَنج عكا]
وأخذت الفِرَنج فِي محاصرة عكّا، وعملوا عليها الخندق، وعملوا سورا من
تراب الخندق وجاءوا بما لَمْ يكن فِي الحساب.
واشتغل صلاح الدّين بمرضه، وتمكّن الفِرَنج وعملوا ما أرادوا. وكان مَن
بِعَكَّا يخرجون إليهم كُلّ يومٍ ويقاتلونهم.
وَفِي نصف شوّال وصل العادل بالمصريّين، فقويت النّفوس، وأحضر معه منَ
آلات الحصار شيئا كثيرا [2] . وجمع صلاح الدّين منَ الرّجّالة خلائق،
وعزم عَلَى الزَّحف.
وجاءه الأصطول الْمَصْرِيّ عليه الأمير لؤلؤ، وكان شَهْمًا، شجاعا،
خبيرا بالبحر، ميمون النّقيبة، فوقع عَلَى بَطْسَةٍ للفرنج فأخذها،
وحوّل ما فيها إلى عكّا فسكنت نفوس أهلها وقوي جَنانهم [3] .
قَالَ [4] : ودخل صفر من سنة ستّ وثمانين، فسمع الفِرَنج أنّ صلاح
الدّين قَدْ سار يتصيّد، ورأوا اليَزَكَ الَّذِي عليهم قليلا [5] ،
فخرجوا مِن خندقهم عَلَى اليَزَك العصر، فحمي القتال إلى اللّيل
وَقُتِلَ خلقٌ منَ الفريقين، وعاد الفِرَنج إلى سورهم.
وجاءت السّلطان الأمدادُ، وذهب الشِّتَاء فتقدّم من الخرّوبة نحو عكّا،
__________
[1] الخرّوبة: حصن بسواحل بحر الشام مشرف على عكا. (معجم البلدان 2/
362) .
[2] مشارع الأشواق 2/ 940.
[3] الكامل 12/ 41.
[4] في الكامل 12/ 44.
[5] في الأصل: «قليل» وهو غلط نحوي.
(41/47)
فنزل بتلّ كيسان وقاتل الفِرَنج كُلّ يوم
وهم لا يسأمون [1] . إلى أن قَالَ [2] :
وافترقوا فرقتين، فرقة تقابله، وفرقة تقاتل عكّا. ودام القتال ثمانية
أيّام متتابعة [3] .
ثُمَّ ساق قصّة الأبراج الخشب الّتي يأتي خبرها، وقَالَ: فكان يوما
مشهودا لَمْ يَرَ النّاس مثله، والمسلمون ينظرون ويفرحون، وَقَدْ أسفرت
وجوههم بنصر اللَّه [4] . إلى أن قَالَ:
[ذكر وصول ملك الألمان إلى الشّام]
والألمان نوع من أكثر الفِرَنج عددا وأشدّهم بأسا. وكان قَدْ أزعجه
أَخَذَ بيت المَقْدِس، فجمع العساكر وسار، فَلَمَّا وصل إلى
القُسْطَنْطِينيَّة عجز ملكها عَنْ منعهم مِن العبور فِي بلاده، فساروا
وعبروا خليج قُسْطَنْطِينيَّة، ومرّوا بمملكة قلج أرسلان، فثار بهم
التّركمان، فَمَا زالوا يسايرونهم ويقتلون منَ انفرد ويسرقونهم. وكان
الثّلج كثيرا فأهلكهم البرد والجوع، وماتت خيلهم لعدم العَلَف والبرد،
وتمَّ عليهم شيء ما سُمِع بِمِثْلِهِ. فَلَمَّا قاربوا قُونية خرج قُطب
الدّين ملك شاه بْن قلج أرسلان ليمنعهم، فلم يقربهم، وكان قَدْ حجر
عَلَى والده، وتفرَّق أولاده، وغلب كُلّ واحد عَلَى ناحية من بلاده.
فنازلوا قونية وأرسلوا إلى قلج أرسلان هديّة وقالوا: ما قَصْدُنا
بلادك، إنّما قصدنا بيت المَقْدِس. وطلبوا منه أن يأذن لرعيّته فِي
إخراج سوق، وشبعوا وتزوّدوا. وطلبوا من صاحب الروم جماعة تخفرهم من
لصوص التُّرْكمان، فنفّذ معهم خمسة وعشرين أميرا، فَمَا قدِروا عَلَى
منع الحراميّة لكَثْرتهم، فغضب ملك الألمان، وقبض عَلَى أولئك الأمراء،
وقيَّدهم ونهب متاعهم، ثمّ
__________
[1] الكامل 12/ 44، 45.
[2] في الكامل 12/ 45.
[3] مشارع الأشواق 2/ 940، 941.
[4] الكامل 12/ 46، 47.
(41/48)
منهم من خلّص، ومنهم من مات فِي الأسر [1]
.
[رواية ابن واصل]
وقَالَ ابن واصل [2] : جمع قُطْب الدّين صاحب قونية العساكر والتقاهم
فكسروه كسرة عظيمة، وهجموا قونية بالسّيف، وقتلوا منها عالما عظيما.
ووصل إلى السّلطان مناصحة من ملك الأرمن صاحب قلعة الروم: «كتاب المخلص
الدّاعي الكاغيكوس [3] » أنّ ملك الألمان خرج من دياره، ودخل بلاد
الهنكْر، ثُمَّ أرض مقدّم الروم، فقهره وأخذ رهائنه وولده وأخاه في
جماعة، وأخذ منه أموالا عظيمة إلى الغاية.
وسار ملك الألمان حَتَّى أتى بلاد الأرمن، فأمدَّهم صاحبها بالأقوات
وخضع لهم، ثُمَّ ساروا نحو أنطاكية فنزل ملكهم يغتسل فِي نهر هناك،
فغرق فِي مكانٍ منه لا يبلغ الماء وسط الرجل، وكفى اللَّه شرّه [4] .
وقيل: بل غرق فِي مخاضةٍ، أَخَذَ فرسه التّيّار. وقيل: بل سبح فمرض
أيّاما ومات [5] .
وسار فِي المُلْك بعده ولده، وسار إلى أنطاكية فاختلف أصحابه عليه،
وأحبّ بعضهم العَوْد إلى بلاده، ومال بعضهم إلى تملُّك أخ لَهُ فرجعوا،
فسار من ثبت معه فوصلوا إلى أنطاكية، فكانوا نيّفا وأربعين ألفا، فوقع
فيهم الوباء وتبرَّم بهم صاحب أنطاكية، وحسَّن لهم المسير إلى الفِرَنج
الّذين عَلَى عكّا، فساروا عَلَى جَبَلَة واللّاذقيَّة، وتخطّف
المسلمون منهم فبلغوا طرابُلُس، وأقاموا بها أيّاما، فكثُر فيهم الموت،
ولم يبق منهم إلّا نحو ألف رجل،
__________
[1] الكامل 12/ 48، 49.
[2] في مفرّج الكروب 2/ 320، وعنه نقل ابن الفرات في تاريخه.
[3] هكذا في الأصل، ومثله في النوادر السلطانية 124، وفي مفرّج الكروب
«الكاغيلوس» باللام، ومثله في تاريخ ابن الفرات، مجلّد 4 ج 1/ 216.
[4] الكامل 12/ 49، مشارع الأشواق 2/ 941.
[5] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 216.
(41/49)
وركبوا فِي البحر إلى الفِرَنج الّذين
عَلَى عكّا، فَلَمَّا وصلوا ورأوا ما نالهم وما هُمْ فِيهِ منَ
الاختلاف عادوا إلى بلادهم، فغرق بهم المراكب، ولم ينج منهم أحدٌ. وردّ
اللَّه كَيْدهم فِي نحرهم [1] .
قَالَ ابن واصل [2] : ورد كتاب الملك الظّاهر من حلب إلى والده يخبره
أَنَّهُ قَدْ صحَّ أنّ ملك الألمان قَدْ خرج من جهة القُسْطَنْطِينيَّة
فِي عدةٍ عظيمة، قِيلَ إنّهم مائتا ألف وستّون ألفا تريد الْإِسْلَام
والبلاد.
قُلْتُ: كَانَ هلاك هَذِهِ الأمّة منَ الآيات العظيمة المشهورة. وكان
الحامل لخروجهم من أقصى البحار أخْذُ بيت المَقْدِس من أيديهم.
قَالَ ابن واصل [3] : وصل إلى السّلطان كتاب كاغيكوس الأرمنيّ صاحب
قلعة الروم، وَهُوَ للأرمن كالخليفة عندنا.
نسخة الكتاب: «كتاب الدّاعي المخلص الكاغيكوس: فَمَا أطالع بِهِ مولانا
[4] ومالكنا السّلطان الملك النّاصر، جامع كلمة الْإِيمَان، رافع عَلَم
العدل والإحسان، صلاح الدّين والدّنيا [5] ، من أمر ملك الألمان، وما
جرى لَهُ، فَإنَّهُ خرج من دياره، ودخل بلاد الهنْكر [6] غصْبًا ثُمَّ
دخل أرض مقدَّم الروم، وفتح البلاد ونهبها، وأخذ رهائن ملكها، ولَدَه
وأخاه، وأربعين نَفَرًا من جُلَسائه [7] ، وأخذ منه خمسين قنطارا ذهبا،
وخمسين قنطارا فضّة، وثياب أطلس [8] مبلغا عظيما، واغتصب المراكب،
وعدَّى بها إلى هَذَا الجانب، يعني فِي خليج قسطنطينيّة.
__________
[1] الكامل 12/ 49، 50، تاريخ الزمان 218، تاريخ طرابلس السياسي
والحضاريّ (تأليفنا) 1/ 541، مشارع الأشواق 2/ 941.
[2] في مفرّج الكروب 2/ 317.
[3] في مفرّج الكروب 2/ 320.
[4] في تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 216 «مما أطالع به علوم مولانا» .
[5] في تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 217 «صلاح الدين والدين» .
[6] الهنكر هم: الهنغاريّون، أو المجريّون.
[7] في تاريخ ابن الفرات: «خلصائه» .
[8] في تاريخ ابن الفرات: «ثياب طلس» .
(41/50)
قَالَ: ودخل إلى حدود بلاد قَلِج أرسلان،
وردّ الرهائن، وبقي سائرا ثلاثة أيّام، وتُرْكمان الأوج يَلْقوْنه
بالأغنام والأبقار والخيل والبضائع، فتداخَلَهم الطَّمع وتجمَّعوا لَهُ
من جميع البلاد، ووقع القتال بَيْنَ التُّرْكمان وبينهم، وضايقوه ثلاثة
وثلاثين يوما وَهُوَ سائر. ولمّا قرب من قونية جمع ابن قَلِج أرسلان
العساكر، فضرب معه المصافّ، فكسره ملك الألمان كسرة عظيمة، وسار حَتَّى
أشرف عَلَى قونية، فخرج إِلَيْهِ جموع عظيمة، فردّهم مكسورين، وهجم
قونية بالسّيف، وَقُتِلَ منهم عالما عظيما منَ المسلمين، وأقام بها
خمسة أيّام، فطلب قَلِج أرسلان منه الأمان فآمنه، وأخذ منه رهائن عشرين
من أكابر دولته، وأشار عَلَى الملك أن يمرّوا عَلَى طَرَطُوس [1] ففعل.
وقبل وصوله بعث إليَّ رسولا، فأنفذ المملوك خاتما، وصُحْبته ما سَأَلَ،
وجماعة إِلَيْهِ، فكثُرت عليه العساكر ونزل عَلَى نهرٍ فأكل خُبزًا
ونام، ثُمَّ تاقت نفسه إلى الاستحمام ففعل، وتحرَّك عليه مرضٌ عظيم
ومات بعد أيّام قلائل.
وأمّا لافون فسار لتلقّيه، فَلَمَّا علم بهذا احتمى بحصنٍ لَهُ. وأمّا
ابن ملك الألمان فكان أَبُوهُ منذ خرج نَصَب ولده هَذَا عِوَضه،
وتأصّرت [2] قواعده، فَلَمَّا بلغه هرب رُسُل لافون نفّذ يستعطفهم
فأحضرهم وقَالَ: إنّ أَبِي كَانَ شيخا كبيرا، وإنّما قصد هذه الدّيار
لأجل حجّ بيت المقدس وأنا الّذي دبّرت الملك، فَمَنْ أطاعني وإلّا قصدت
بلاده. واستعطف لافون، واقتضى الحال الاجتماع بِهِ ضرورة. وبالجملة
قَدْ عرض عسكره، فكانوا اثنين وأربعين ألف فارس، وأمّا الرّجّالة فلا
يُحْصَوْن، وهم أجناس متفاوتة، وهم عَلَى سياسةٍ عظيمة، حَتَّى إنّ من
جنى منهم جناية قُتِلَ. ولقد جنى كبير منهم عَلَى غلامه فجاوز الحدَّ
فِي ضرْبه، فاجتمعت القسوس للحكم فأمروا بذبحه، فشفع إلى الملك منهم
خلْقٌ، فلم يلتفت إلى ذَلِكَ وذبحه. وَقَدْ حرّموا الملاذّ
__________
[1] هكذا في الأصل، والمراد: «طرسوس» .
[2] في تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 218 «تأكّدت» .
(41/51)
عَلَى أنفسهم، ولم يلبسوا إلّا الحديد، وهم
منَ الصّبر عَلَى الذُّل والتَّعَب والشّقاء عَلَى حالٍ عظيم» [1] .
انتهى الكتاب.
فَلَمَّا هلك ملكهم سار بهم ولده إلى أنطاكية، وعمَّهم المرض، وصار
مُعظمهم حَمَلة عِصِي ورُكاب حِمْيَر. فتبرَّم بهم صاحب أنطاكية،
وحسَّن لهم قصْدَ حلب، فأبوا وطلبوا قلعته ليُودِعوا فيها الخزائن،
فأخلاها لهم، ففاز بما وضعوه بها وجاءت فرقة منَ الألمانية إلى بغْراس،
وظنّوا أنّها للنَّصارى، ففتح واليها الباب، وخرج أصحابه فتسلّموا
صناديق أموال، وقتلوا كثيرا منهُم. ثُمَّ خرج جُنْد حلب وتلقطوهم. وكان
الواحد يأسر جماعة، فهانوا فِي النّفوس بعد الهيبة والرعب منهم، وبيعوا
فِي الأسواق بأبخس ثمن [2] .
قَالَ ابن شدّاد [3] : مرض ابن ملك الألمان مرضا عظيما فِي بلاد ابن
لاون [4] ، وأقام معه خمسة وعشرون فارسا وأربعون داويا، ونفّذ عسكره
نحو أنطاكية، حَتَّى يقطعوا الطّريق، ورتّبهم ثلاث فرق لكثْرتهم.
فاجتازت فرقة تحت بغراس، فأخذ عسكر بغراس مَعَ قلّته مائتي رجلٍ منهم.
وسار بعض عسكر البلاد فكشف أخبارهم، فوقعوا عَلَى فِرْقة منهم، فقتلوا
وأسروا زهاء خمسمائة [5] .
وقَالَ ابن شدّاد [6] : حضرت من يخبر السّلطان عَنْهُمْ ويَقُولُ: هُمْ
ضعفاء قليلو الخيل والعدّة، أكثر ثقلهم عَلَى حِمْيَر وخيلٍ ضعيفة، ولم
أر مَعَ كُثير منهم طارقة [7] ولا رُمْحًا، فسألتهم عَنْ ذَلِكَ
فقالوا: أقمنا بمرج وخم أيّاما، وقلّت أزوادنا وأحطابنا، فأوقدنا معظم
عُدَدنا، وذبحنا الخيل وأكلناها.
__________
[1] النوادر السلطانية 124، 125، مفرّج الكروب 2/ 320، 321، تاريخ ابن
الفرات 4/ 1/ 216- 219.
[2] المصادر نفسها.
[3] في النوادر السلطانية 125.
[4] هكذا في الأصل، وهو «ابن لافون» كما في المصادر.
[5] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 219، 220.
[6] في النوادر السلطانية 127.
[7] طارقة، جمعها طوارق، وهي نوع من الرماح الثقيلة.
(41/52)
ومات الكُنْد [1] الَّذِي عَلَى الفِرقة
الواحدة، وطمع ابن لاون [2] حَتَّى عزم عَلَى أخذ مال الملك لضعفه
ومرضه، وقلّة من أقام معه، فشاور السّلطان الأمراء، فوقع الاتّفاق
عَلَى تسيير بعض العساكر إلى طريقهم. فكان أوّل من سار الملك المنصور
مُحَمَّد بْن المظفّر، ثُمَّ عزّ الدّين ابن المقدّم صاحب بَعْرين
وفامية، ثُمَّ الأمجد صاحب بِعْلَبَكّ، ثُمَّ سابق الدّين عثمان ابن
الدّاية صاحب شَيْزَر، ثُمَّ عسكر حماه. ثُمَّ سار الملك الظّاهر إلى
حِفْظ حلب، فخفّت الميمنة، فانتقل إليها الملك العادل، ووقع فِي العسكر
مرضٌ كثير، وكذلك فِي العدوّ.
وتقدَّم السّلطان يهدم سور طبريَّة، ويافا، وأرسُوف، وقَيْساريَّة،
وصيدا، وجُبَيل، وانتقل أهلها إلى بيروت [3] .
وَفِي رجب سار ملك الألمانيّين من أنطاكية إلى اللّاذقيَّة ثُمَّ إلى
طرابُلُس، وكان قَدْ سار إِلَيْهِ المركيس صاحب صور، فقوّى قلبه، وسلك
بِهِ السّاحل، فكانت عدّة من معه لمّا وصل إلى طرابُلُس خمسة آلاف [4]
بعد ذَلِكَ الجيش العظيم. ثُمَّ إنَّه نزل منَ البحر، وسار معظم أصحابه
فِي السّاحل، فثارت عليه ريح، فأهلكت من أصحابه ثلاثة مراكب، فوصل إلى
عكّا فِي جَمْع قليل فِي رمضان، فلم يظهر لَهُ وقْع، ثُمَّ هلك عَلَى
عكّا فِي ثاني عشر ذِي الحجّة سنة ستّ وثمانين، فسبحان من أبادهم
ومحقهم.
__________
[1] تعريب للفظ: «الكونت» أي الأمير.
[2] هكذا في الأصل، وهو «ابن لافون» .
[3] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 220- 222.
[4] قيل إنهم كانوا في طريقهم قبيل طرابلس 15 ألفا. (الفتح القسّي 424)
، وقيل في موضع آخر منه إنهم كانوا 42 ألفا عند طرطوس، وعند ما وصلوا
إلى طرابلس نقص نصفهم.
(393 و 396) ، وقيل في نحو ألفي فارس. (زبدة الحلب 3/ 115) وقيل في نفر
يسير.
(مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 403، البداية والنهاية 12/ 341) والمثبت عن ابن
الفرات
(41/53)
ويوم وصول ملك الألمان إلى عكّا ركبت
الفِرَنج وأظهروا قوّة وأرجفوا، وحملوا عَلَى يَزَك المسلمين، فركب
السّلطان، ووقع الحرب، ودام إلى اللّيل وكانت الدّائرة عَلَى الكفّار،
ولم يزل السَّيف يعمل فيهم حَتَّى دخلوا خيامهم. ولم يقتل يومئذٍ منَ
المسلمين إلّا رجلان، لكنْ جُرِح جماعة [1] .
ولمّا مات طاغية الألمان حزنت عليه الفِرَنج، وأشعلوا نيرانا هائلة
بحيث لَمْ يبق خيمةٌ إلّا أوقد فيها النّار. ومات لهم كنْد عظيم، ووقع
الوباء فيهم والمرض، ومرض كنْدهري، وصار يموت فِي اليوم المائة وأكثر
فِي معسكرهم. واستأمن منهم خلْقٌ عظيم، أخرجهم الجوع، وقالوا للسّلطان:
نَحْنُ نركب البحر فِي مراكب صِغار، ونكسب منَ النَّصارى، ويكون الكسب
لنا ولك. فأعطاهم السّلطان مركبا فركبوا فِيهِ، وتحفّزوا لمراكب
التّجّار النَّصارى، وأتوا بالغنائم إلى السّلطان فأعطاهم الجميع،
فَلَمَّا رأوا هَذَا أسلم جماعة منهم.
واستشهد فِي هَذِهِ السّنة سبعة أمراء عَلَى عكّا [2] .
[استشهاد الأمير جمال الدين بن ألدكز]
والتقى شواني المسلمين وشواني الفِرَنج فِي البحر، وأُحرقت للفِرنج
شواني برجالها، وأحاطت مراكب العدوّ بشينيِّ مقدّمه الأمير جمال الدّين
مُحَمَّد بْن ألْدِكِز [3] ، فترامى ملّاحو الشّيني إلى الميناء، فقاتل
جمال الدّين، فعرضوا عليه الأمان فَقَالَ: ما أضع يدي إلّا فِي يد
مقدّمكم الكبير. فجاء مقدّمهم إِلَيْهِ، فعانقه جمال الدّين وماسَكَه
وشَحَطه، فوقعا فِي البحر وغرقا معا [4] .
__________
[1] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 227.
[2] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 244 ومنهم: الأمير سوار.
[3] تصحّف في تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 244 إلى «ارلكلن» .
[4] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 244.
(41/54)
سنة ست وثمانين
وخمسمائة
استهلّت والفرنج مُحدِقون بعكّا محاصرون لها، والسّلطان بعساكره فِي
مقابلتهم، والقتال عمَّال، فتارة يظهر هَؤُلَاءِ، وتارة يظهر
هَؤُلَاءِ.
وقدِمت العساكر البعيدة مَدَدًا للسّلطان صلاح الدّين، فقدِم صاحب حمص
أسد الدّين، وصاحب شَيْزَر سابق الدّين عُثْمَان ابن الدّاية، وعزّ
الدّين ابن المقدَّم، وَغَيْرُهُمْ [1] .
ثُمَّ قدِمت عساكر الشّرق مَعَ مظفَّر الدّين صاحب إربل، ومع عماد
الدّين ابن صاحب سنجار، ومعزّ الدّين سنجر شاه بْن غازي. واشتدّ الأمر،
وجدَّت الفِرَنج فِي الحصار، وأتتهم الأزواد منَ الجزائر البعيدة
حَتَّى ملئوا البرّ والبحر فتُوُفّي صاحب إربل زين الدّين يوسف بْن زين
الدّين عليّ كَوْجَك، ففوّض السلطان مملكة إربل من حينئذٍ إلى أَخِيهِ
مظفَّر الدّين كَوْكُبرى بْن عليّ.
ودام الحصار والنّزال عَلَى عكّا حَتَّى فرغت السَّنة.
ومن كتابٍ فاضليّ إلى بغداد: «ومن خبر الفِرَنج أنّهم الآن عَلَى عكّا
يمدّهم البحر بمراكب أكثر عدّة من أمواجه، ويخرج للمسلمين أمرّ من
أجَاجه، وَقَدْ تعاضدت ملوك الكُفْر عَلَى أن يُنهضوا إليهم من كُلّ
فرقة طائفة، ويرسلوا إليهم من كُلّ سلاح شوكة، فإذا قُتِلَ المسلمون
واحدا فِي البرّ بعثوا ألفا عِوَضه فِي البحر، فالزَّرع أكثر منَ
الحصاد، والثّمرة أنْمى منَ الجذاذ.
وهذا العدوّ قَدْ زرَّ عليه منَ الخنادق دروعا متينة، واستجنّ منَ
الجنوبات بحصونٍ حصينة، فصار معجزا، وممتنعا حاسرا، ومدرّعا، ومواصلا،
__________
[1] تاريخ ابن الفرات، مجلّد 4 ج 1/ 209، مفرّج الكروب 2/ 313.
(41/55)
ومنقطعا، وعددهم الجمّ قَدْ كاثر القتل،
ورفا بهم الغلب، قَدْ قطعت النّصل لشدّة ما قطعها النصْل. وأصحابنا
قَدْ أثَّرت فيهم المدّة الطّويلة، والكِلَف الثّقيلة فِي استطاعتهم لا
فِي طاعتهم، وَفِي أحوالهم لا فِي شجاعتهم، وكلّ من يعرفهم يُناشد
اللَّه فيهم المناشدة النبويَّة فِي الصّحابة البدريّة، اللَّهمّ أن
تهلك هَذِهِ العصابة، ويخلص الدّعاء ويرجوا عَلَى يد مولانا أمير
المؤمنين الإجابة. وَقَدْ حرَّم باباهم، لعنه اللَّه، كُلّ مباح،
واستخرج منهم كُلّ مدحور، وأغلق دونهم الكنائس، ولبس وألبس الحِداد،
وحكم أن لا يزالوا كذلك أَوْ يستخلصوا المقبرة. فيا عُصْبة مُحَمَّد
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخلفه فِي أمّته بما تطمئنّ بِهِ
مضاجعه، ووفِّه الحقّ فينا، فَإِنا والمسلمون عندك ودائعه، ولولا أنّ
فِي التّصريح ما يعود عَلَى العدالة بالتّجريح، لقال الخادم ما يُبْكي
العيون وينْكي القلوب، لكنّه صابر محتسب، منتظر للنصر مرتقب. ربِّ إنّي
لا أملك إلّا نفسي، وها هي فِي سبيلك مبذولة، وأخي وَقَدْ هاجر هجرة
يرجوها مقبولة، وولدي وَقَدْ بِذَلت للعدوّ صفحات وجوههم، وهان عَلَى
عيونك بمكروههم.
ونقف عِنْد هَذَا الحد، وللَّه الأمر من قبل ومن بعد» .
وقَالَ الموفّق عَبْد اللّطيف: إنّ الفِرَنج عاثوا فِي سوق العسكر
وَفِي الخِيَم، فرجع عليهم السّلطان فطحنهم طحنا، وأحصى قتلاهم بأنْ
غرزوا فِي كُلّ قتيل سهما، ثُمَّ جمعوا السّهام، فكانت اثني عشر ألفا
وخمسمائة. والّذين لحِقوا بأصحابهم هلك منهم تمام أربعين ألفا [1] .
وبلغت الغرارة عندهم مائة وعشرين دينارا.
قَالَ: وخرجوا مرّة أخرى، فَقُتِلَ منهم ستّة آلاف ونيّف، ومع هَذَا
فصبرهم صبرهم. وعمروا عَلَى عكّا بُرجين من خشب، كُلّ برج سبْع طبقات،
بأخشاب عاتية، ومسامير هائلة، يبلغ المسمار نصف قنطار، وضبّات [2]
عَلَى هَذَا القياس، وصُفِّح كُلّ برج منها بالحديد، ولُبِّس الجلود،
ثمّ اللّبود المشربة
__________
[1] مشارع الأشواق 2/ 941.
[2] في مشارع الأشواق 2/ 941 «صبّات» وهو تحريف.
(41/56)
بالخلّ، وجُلِّل ذَلِكَ بشِباك من حبال
القِنَّب لتردّ حدّة المنجنيق، وكلّ واحدٍ يعلو سور عكّا بثلاث طبقات.
وزحفوا بهما [1] إلى السّور، وَفِي كُلّ طبقة مقاتلة، فيئس المسلمون
بعكّا، فَقَالَ دمشقيّ يُقَالُ لَهُ ابن النّحّاس: دَعُوني أضربها
بالمجانيق. فسخروا منه، فطلب من قراقوش أن يمكّنه منَ الآلات، ورمى
البرج حَتَّى خَلْخَلَه، ثُمَّ رماه بقِدْر نِفط، ثُمَّ صاح: اللَّه
أكبر، فعلا الدُّخانُ، فضجّ المسلمون، وبرزوا من عكّا، وعملت النّار
فِي أرجائه، والفِرَنج ترمي أنفسها منَ الطّبقات، واشتعلوا، فأحرق
المسلمون السّتائر والعُدَد، وانكسرت صولتهم [2] .
ثُمَّ اجتمعت هِمَمُهم نوبة، وعملوا كبْشًا هائلة، رأسه قناطر منَ
الحديد ليبعجوا [3] بِهِ السُّور فينهدم، فَلَمَّا سحبوه وقُرِّب منَ
السّور ساخ فِي الرمل لِثقله، وعجزوا عَنْ تخليصه.
وكان المسلمون فِي عكّا فِي مرضٍ وجوع قَدْ ملّوا منَ القتال، ما
يحملهم سوى الْإِيمَان باللَّه تَعَالَى. وَقَدْ هدمت الفِرَنج برجا
وبدنة، ثُمَّ سدّ ذَلِكَ المسلمون فِي اللّيل ووثّقوه [4] .
وكان السّلطان يكون أوّل راكب وآخر نازل.
قُلْتُ: ولعلّه وجبت لَهُ الْجَنَّة برباطه هذين العامين.
ذكر العماد الكاتب [5] أَنَّهُ حُزِر [6] ما قُتِلَ منَ الفِرَنج فِي
مدّة الحرب عَلَى عكّا، فكان أكثر من مائة ألف [7] .
ومن كتاب إلى بغداد: «وَقَدْ بُلي الْإِسْلَام منهم بقومٍ استطابوا
الموت،
__________
[1] في مشارع الأشواق 2/ 941 «بها» وهو غلط.
[2] مشارع الأشواق 2/ 941، 942 وفيه «فانكسرت همتهم» .
[3] في مشارع الأشواق 2/ 942 «لينطحوا» .
[4] مشارع الأشواق 2/ 942.
[5] في الفتح القسّي.
[6] في تاريخ ابن الفرات، مجلّد 4 ج 1/ 213 «حرر» .
[7] تاريخ ابن الفرات، مجلّد 4 ج 1/ 213، 214.
(41/57)
واستجابوا الصّوت، وفارقوا الأوطان
والأوطار، والأهل والدّيار، طاعة لقِسِّيسهم وغيرة لمعبدهم وحميَّة
لمعتقدهم، وتهالكا عَلَى مقبرتهم، وتحرُّقًا عَلَى فخامتهم، حَتَّى
خرجت النّساء من بلادهنّ متبرّزات، وسِرْن فِي البحر متجهّزات، وكانت
منهنّ ملكة استتبعت خمسمائة مقاتل، والتزمت بمئونتهم، فأُخِذت برجالها
بقرب الإسكندريّة. ومنهنّ ملكة وصلت مَعَ ملك الألمان، وذوات المقانع
منَ الفِرَنج مقنّعات دارعات، يحملن الطّوارق والقنطاريّات. وَقَدْ
وُجدت فِي الوقعات الّتي جرت عدّة منهنّ بَيْنَ القتلى. وما عُرِفنَ
حَتَّى سُلِبن. والبابا الَّذِي بروميّة قَدْ حرَّم عليهم لذَّاتهم
وقَالَ: مَن لا يتوجَّه إلى القدس فهو محرم، لا ملح لَهُ ولا مَطْعَم،
فلهذا يتهافتون عَلَى الورود، ويتهالكون عَلَى يومهم الموعود» .
وقَالَ: «إنّي واصل فِي الرَّبِيع، جامع عَلَى الاستنفار شمل الجميع.
وَإِذَا نهض هَذَا اللّعين فلا يقعد عَنْهُ أحد، ويصل معه كُلّ من
يَقُولُ للَّه تعالى ولد» .
ومن كتاب فاضليّ إلى السّلطان: «فَلَيْس إلّا الدّعاء والتّجلُّد
للقضاء، فلا بُدَّ من قدر مفعول، ودعاء مقبول.
نَحْنُ الّذين إذا علوا لم يبطروا ... يوم الهجاج وإنْ عُلوا لَمْ
يضجروا
ومَعَاذ اللَّه أن يفتح علينا البلاد، ثُمَّ يغلقها، وأن يسلم عَلَى
أيدينا القدس، ثُمَّ ينصِّره، ثُمَّ مُعَاذ اللَّه أن يغلب عَنِ
النّصر، ثُمَّ مَعَاذ اللَّه أن يُغلب عَلَى الصَّبر. وَإِذَا كَانَ ما
يُقدمنا الله إِلَيْهِ لا بُدَّ منه وَهُوَ لقاؤه، فلأن نلقاه والحجّة
لنا خيرٌ من أن نلقاه والحجّة علينا. ولا تعظم هَذِهِ الفتون عَلَى
مولانا فتبهر صبره، وتملأ صدره، فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى
السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَالله مَعَكُمْ 47: 35 [1] . وهذا
دِين ما غُلِب بكثرَة وإنّما اختار اللَّه لَهُ أَرباب بنات، وروى قلوب
رجالات، فليكن الوليّ نِعْمَ السَّلَف، لذلك الخَلَف، واشتدّي أزمة
تنفرجي، والغمرات تذهب ثُمَّ لا تجيء، والله يسمعنا ما يسرّ القلوب،
__________
[1] سورة محمد، الآية 35.
(41/58)
ويصرف عَنِ الْإِسْلَام غاشية هَذِهِ
الكروب. ونستغفر اللَّه فَإنَّهُ ما ابتلى إلّا بذنب» .
ومن كتاب آخر يَقُولُ: «ولَسْتُ بملك هازم لنظيره، ولكنّك الْإِسْلَام
للشِّرْك هازم» . يشير رحِمَه اللَّه إلى أَنَّهُ وحده بعسكره فِي
مقابلة جميع دين النّصرانيّة، لأنّ نفيرهم إلى عكّا لَمْ يكن بعده بعد،
ولا وراءه حدّ.
ثُمَّ قَالَ: «وليس لك منَ المسلمين مساعد إلّا بدعوة، ولا خارج بَيْنَ
يديك إلّا بأجرة، تشتري منهم الخطوات شبرا بذراع، تدعوهم إلى الفريضة،
وكأنّك تكلّفهم النّافلة، وتعرِض عليهم الْجَنَّة، وكأنّك تريد أن
تستأثر بها دونهم.
والآراء تختلف بحضرتك، فقائل يَقُولُ: لَمْ لا يتباعد عَنِ المنزلة؟
وآخر: لَمْ لا يميل إلى المصالحة؟ ويشير بالتّخلّي عَنْ عكّا، حَتَّى
كَأَنّ تركها تعليق المعاملة، ولا كأَنَّها طليعة الجيش، ولا قفل
الدّار، ولا خَرزة السِّلْك إنْ وَهَت تَدَاعى السّلك. فألهمك اللَّه
قتلَ الكافر، وخلاف المجدّل، فكما لَمْ يُحدِثِ استمرار النِّعم لك
بَطَرًا، فلا تُحدث لَهُ ساعات الامتحان ضجرًا» .
وما أحسن قول حاتم:
شربنا كأس الفقر يوما وبالغِنى ... وما فينا إلّا سقانا بِهِ الدهرُ
فَمَا زادانا تعبا عَلَى ذِي قرابةٍ ... غِنانا ولا أزرى بأحسابِنا
الفقر
وقَالَ الآخر:
لا بطرا إنْ تتابعت نِعَمٌ ... وما يرقي البلا محتسبُ
وقيل للمهلّب: أَيَسُرُّك سفرٌ لَيْسَ فِيهِ تعب؟ فَقَالَ: أكره عادة
العجز.
ونحن في ضرّ قد مسّنا، ولا نرجو لكشفه إلّا منَ ابتلى. وَفِي طوفان
فتنة، قَالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا من رَحِمَ
11: 43 [1] ، ولنا ذنوب قد سدّت
__________
[1] سورة هود، الآية 43.
(41/59)
طريق دعائنا، فنحن أَوْلَى أن نلوم أنفسنا،
وللَّه قدر لا سلام لنا فِي دفعه إلّا لا حول ولا قوَّة إلّا باللَّه.
وَقَدْ أشرفنا عَلَى أهوال قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمن
كُلِّ كَرْبٍ 6: 64 [1] . وَقَدْ جمع لنا العدوّ، وقيل لنا: اخشوه
فنقول: حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 3: 173 [2] . وليس إلّا
الاستغاثة باللَّه، فَمَا دأبنا فِي الشّدائد إلّا عَلَى طروق بابه،
وعلى التضرُّع لَهُ فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا
وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ 6: 43 [3] نعوذ باللَّه منَ القسوة، ومنَ
القنوط منَ الرحمة.
وما شرَّد الكَرَى، وطوَّل عَلَى الأفكار السّرى، إلّا ضائقة القُوت
بعكّا.
وهذه الغَمَرات هِيَ نعمة الله عليه، وهي درجات الرّضوان، فاشكر اللَّه
كَمَا تشكره عَلَى الفتوحات.
واعلم أنّ مثوبة الصَّبْر فوق مثوبة الشُّكر. ومِن ربط جأْش عُمَر
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قوله: لو كَانَ الصَّبْر والشُّكر بعيرَين ما
باليت أيُّهما ركِبت. وبهذه العزائم سبقونا فلا تطمع بالغبار، وامتدّت
خُطاهم، ونعوذ باللَّه منَ العثار.
ومن ( ... ) [4] أن ترق بك ماضيه جبل فلا تعجز، وإن نزل بك ما لَيْسَ
فِيهِ حيلة فلا تجزع» .
ولمّا اشتدّ الأمر بعكّا وطال أرسل السّلطان كتابا إلى شمس الدّين بْن
منقذ يأمره بالمسير إلى صاحب المغرب يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمِن
يستنصر به، ليقطع عنه مادّتهم من جهة البحر [5] . وأمر ابن منقذ أن
يستقرئ فِي الطّريق والبلاد ما يُحيي بِهِ الملك يعقوب وكيف عاداتهم.
وأن يقصّ عليه: من أوّل وصولنا إلى مصر، وما أزلنا بها منَ الإلحاد،
وما فتحنا من بلاد الفِرَنج وغيرها وتفصيل ذَلِكَ كلّه، وأمر عكّا،
وأنّه لا يمضي يوم إلّا عَنْ قوَّة تتجدَّد، وميرة فِي البحر تصل، وأنّ
ثغرنا حصروه، ونحن حصرناهم، فما
__________
[1] سورة الأنعام، الآية 64.
[2] سورة آل عمران، الآية 173.
[3] سورة الأنعام، الآية 43.
[4] في الأصل بياض.
[5] مرآة الزمان 8/ 405، مفرّج الكروب 2/ 361، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/
23، 24.
(41/60)
تمكَّنوا من قتال الثّغر، ولا تمكّنوا من
قتالنا، وخندقوا عَلَى نفوسهم عدّة خنادق، فَمَا تمكنّا من قتالهم.
وقدَّموا إلى الثّغر أبرجة [1] من خشب أحرقها أهله. وخرجوا مرَّتين
إلينا يبغون غرَّتنا، ينصرنا اللَّه عليهم، ونقتلهم قتلا ذريعا، أجلت
إحدى النَّوبتين عَنْ عشرين ألف قتيل منهم. والعدوّ وإن حصر الثّغر
فَإنَّهُ محصور، ولو أبرز صفحته لكان بإذن اللَّه هُوَ المكسور.
ويذكر ما دخل الثّغر من أساطيلنا ثلاث مرّات واحتراق مراكبهم، وهي
الأكثر، ودخولها بالسّيف الأظهر ينقل إلى البلد الميرة. وإنّ أمر
العدوّ قَدْ تطاول، ونجدته تتواصل، ومنهم ملك الألمان فِي جموع
جماهيرها مجمهرة وأموالها مقنطرة. وإنّ اللَّه سُبْحَانَهُ وتعالى قَدْ
قصم طاغية الألمان، وأخذه أخْذ فرعون بالإغراق فِي نهر الدُّنْيَا،
وإنّهم لو أرسل اللَّه عليهم أسطولا قويّا مستعدّا يقطع بحرة، ويمنع
ملكه، لأخذنا العدوّ بالجوع والحصر، والقتال والنّصر.
فَإِن كَانَتْ بالجانب الغربيّ الأساطيل ميسَّرة، والرجال فِي اللّقاء
فارهة غير كارهة، فالبدار البدار.
وأنت أيُّها الأمير أوّل منَ استخار اللَّه وسار، وما رأينا أهلا
لخطابنا، ولا كفؤا لإنجادنا، إلّا ذَلِكَ الجانب، فلم ندعه إلّا لواجبٍ
عليه. فقد كَانَتْ تتوقّع منه همّة تَقِدُ فِي الغرب نارها، ويستطير
فِي الشّرق سناها، ويغرس فِي العُدْوة القصوى شجرتها، فينال من في
العُدْوة الدُّنْيَا جناها، فلا ترضى همَّته أن يعين الكفر الكفر، ولا
يعين الْإِسْلَام الْإِسْلَام. واختُص بالاستعانة لأنّ العدوّ جاره،
والجار أقدر عَلَى الجار، وأهل الْجَنَّة أَوْلى بقتال أَهْل النّار.
ولأنّه بحر والنّجدة بحريّة، ولا غرو أن تجيش البحار.
وأن يذكر ما فعل بوزبا وقراقوش فِي أطراف المغرب، فيعرّفه أنّهما ليسا
من وجوه الأمراء، ولا منَ المعدودين فِي الطُّواشيَّة والأولياء،
وإنّما كسدت سوقهما، وتبِعَهما ألفافٌ أمثالُهما. والعادة جارية أنّ
العساكر إذ طالت ذيولها، وكثُرت جُمُوعها، خرج منها وانضاف إليها، فلا
يظهر مديدها ولا نقصها.
__________
[1] في الأصل: «برجة» .
(41/61)
ولا كَانَ هذان المملوكان مِمَّنْ إذا غاب
أُحْضِر، ولا إذا ذهب افْتُقِد، ولا يُقّدَّر فِي أمثالهما أنّهما
مِمَّنْ يستطيع نكاية، ولا يأتي بما يوجب شكوى من جناية.
ومعاذ اللَّه أن يأمر مفسدا يفسد فِي الأرض. واللَّه يوفّق الأمير،
ويهدي دليله، ويسهِّل سبيله. وكتب فِي شعبان سنة ستٍّ وثمانين» .
وأمّا الكتاب إِلَى صاحب المغرب فعنوانه: «بلاغ إلى محلّ التّقوى
الطّاهر منَ الذَّنْب، ومستقرّ حزب اللَّه الظّاهر منَ الغرب، أعلا
اللَّه بِهِ كلمة الْإِيمَان، ورفع بِهِ منار الإحسان» .
وأوّله: بسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحيم.
الفقير إلى رحمة ربه يوسف بْن أيّوب.
أمّا بعد، فالحمد للَّه الماضي المشيّة، المُمْضي القضيّة، البَرُّ
بالبريَّة، الحفيّ بالحنيفيَّة، الَّذِي استعمل عليها منَ استعمر بِهِ
الأرض، وأغنى من أهلها من ماله القرض، وأنجد من أجرى عَلَى يده
النّافلة والفَرْض، وصلّى اللَّه عَلَى مُحَمَّد الَّذِي أنزل عليه
كتابا فِيهِ الشّفاء والتّبيان.
إلى أن قال: وهذه التّحيّة الطّيّبة وفادة عَلَى دار الملك، ومدار
النُّسك، ومحلّ الجلالة، وأصل الأصالة، ورأس السّياسة، ونفس النّفاسة،
وعلم العلم، وقائم الدّين وقيّمه، ومقدّم الْإِسْلَام ومقدّمه، ومثبت
المتّقين عَلَى اليقين، ومُعْلي الموحّدين عَلَى الملحدين، أدام اللَّه
لَهُ النُّصرة، وجَهَّز بِهِ العُسْرة، وبسط لَهُ باع القدرة. تحيّة
استتر فيها الكتاب، واستنيب عَنْهَا الجواب، وحفز بها حافزان، أحدهما
شوق قديم كَانَ مطل غيمه ممكنا إلى أن تتيسّر الأسباب، والآخر مُرام
عظيم كرّه إذا استفتِحت بِهِ الأبواب. وكان وقت المواصلة وموسم
المكاتبة عناءه بفتح بيت المقدس وعدّة منَ الثّغور، ولم تتأخّر
المكاتبة إلّا لُيتِم اللَّه ما بدا من فضله، والمفتتح بيد اللَّه
مُدُن وأمصار، وبلاد كبار وصغار، والباقي بيد الكُفْر مِنها أطرابُلُس،
وصور، وأنطاكية، يسّر اللَّه أمرها بعد أن كسر اللَّه العدوّ الكسرة
الّتي لَمْ يُجْبر بعدها، ولم يؤجر فتح هَذِهِ المُدُن الثّلاثة، إلّا
أنّ فرع الكُفار بالشّام استصرخ بأصله،
(41/62)
فأجابوهم رجالا وفرسانا، وزرافات ووحدانا،
وبرّا وبحرا، ومركبا وظهرا، وسهلا ووعرا. وخرج كُلّ يلبّي دعوة بطرَكه،
ولا يحتاج إلى عزمة ملكه.
ونزلوا عَلَى عكّا يمدّهم البحر بأمداده، ويصل إلى المقاتل ما يحتاجه
من سلاحه وأزواده، وعدّتهم مائة ألف أو يزيدون، كلّما أفناهم القتْل
أخلفتهم النّجدة.
قَالَ: واستمرَّ العدوّ يحاصر الثّغر محصورا مِنَّا أشدّ الحصر، لا
يستطيع قتال الثّغر لأنّا من خلفه، ولا يستطيع الخروج إلينا خوفا من
حتفه، ولا نستطيع الدّخول إِلَيْهِ لأنّه قَدْ سوّر وخندق، وحاجز من
وراء الحجرات وأغلق. ولمّا خرج ملك الألمان بجيشه وعاد عَلَى رسم قديم
إلى الشّام، فكان العَوْد لأُمَّة أحمد أَحْمَد. فظنّوا أَنَّهُ
يزعجنا، فبعثنا إِلَيْهِ مَن تلقّاه بعسكرنا الشّماليّ، فسلك ذات
الشّمال متوعّرا، وأظهر أَنَّهُ مريض. وكان أَبُوه الطّاغية قَدْ هلك
فِي طريقه غرقا، وبقي ابنه المقدّم المؤخّر، وقائد الجميع المكسّر،
وربّما وصلهم إلى ظاهر عكّا فِي البحر، تهيُّبًا أن يسلك البرّ، ولو
سبق عساكرنا إلى عساكر الألمان قبل دخولها إلى أنطاكية لأخذوهم، ولكنّ
للَّه المشيئة.
ولمّا كَانَتْ حضرة سلطان الْإِسْلَام، وقائد المجاهدين إلى دار
السلام، أَولى من توجَّهَ إِلَيْهِ الْإِسْلَام بشكواه وبثّه، واستعان
بِهِ عَلَى حماية نسْله وحَرْثه، وكانت مساعيه ومساعي سَلَفه فِي
الجهاد الغُر المحجَّلة، الكاشفة لكلّ مُعْضِلة، والأخبار بِذَلِك
سائرة، والآثار ظاهرة.
إلى أن قَالَ: وكان المتوقَّع من تلك الدّولة العالية، والعزمة
العارية، مَعَ القدرة الوافية، والهمَّة المهديَّة الهادية، أن يمدّ
غرب الْإِسْلَام المسلمين بأكثر ممّا أمدّ به غرب الكفّار الكافرين.
فيملؤها عليهم جواري كالأعلام، ومُدُنًا فِي الحجّ كأَنَّها اللّيالي
مقلعة بالأيّام، تطلع علينا آمالا، وعلى الكفر آجالا، وتردّنا إمّا
جملة وإمّا أَرسالًا ولمّا استبطأت ظُنَّ أنّها قَدْ توقّفت عَلَى
الاستدعاء، فصرّحنا بِهِ فِي هذه التّحيّة، وسُيِّر لحضور مجلسه
الأطهر، ومحلّه
(41/63)
الأنور، الأمير الأجلّ المجاهد شمس الدّين
أَبُو الحَرَم عَبْد الرَّحْمَن بْن منقذ، الهديَّة إِلَيْهِ ختمة في
ربعة، وثلاثمائة مثقال مسك، وستّمائة حبّة عنبر، عشرة منارهن بلسان
مائة دِرْهَم، مائة فؤوس بأوتارها، عشرون سرجا، عشرون سيفا، سبعمائة
سهم.
وكان دخوله عَلَى يعقوب فِي العشرين من ذِي الحجّة بمرّاكُش، فأقام سنة
وعشرين يوما، وخرج وقدم الإسكندريّة فِي جُمادى الآخرة سنة ثمانٍ
وثمانين، ولم يحصل الغرض، لأنّه عزَّ عَلَى يعقوب كونه لَمْ يُخَاطب
بأمير المؤمنين.
وقد مدحه ابن منقذ بقصيدةٍ منها:
سأشكر بحرا ذا عبابٍ قطعته ... إلى بحر جود ما لنعماه ساحِلُ
إلى معدن التّقوى إلى كعبة الهدى ... إلى مَن سَمَت بالذِّكْر منه
الأوائِلُ
وكان السّلطان صلاح الدّين قَدْ هُمْ بأن يكتب إِلَيْهِ بأمير
المؤمنين، فكتب إلى السّلطان القاضي الفاضل يَقُولُ: «والمملوك لَيْسَ
عِنْد المولى من أَهْل الاتّهام، والهديّة المغربيّة نجزت كَمَا أمر» .
وكتب الكتاب عَلَى ما مثّل، وفخّم الوصف فوق العادة.
وعند وصول الأمير نجم الدّين فاوضته فِي أَنَّهُ لا يمكن إلّا التّعريض
لا التّصريح بما وقع لَهُ أَنَّهُ لا تنجح الحاجة إلّا بِهِ من لفظة
أمير المؤمنين، وأنّ الَّذِي أشاروا بهذا ما قَالُوا نقلا، ولا عرفوا
مكاتبة المصريّين قديما. وآخر ما كتب فِي أيّام الصّالح بْن رُزّيك،
فخوطب بِهِ أكبر أولاد عَبْد المؤمن ووليّ عهده بالأمير الأصيل
النِّجار، الجسيم الفخار. وعادت الأجوبة إلى ابن رُزيك الَّذِي فِي
أتباع مولانا مائة مثله، مترجمة بمعظِّم أمره، وملتزِم شكره. هَذَا
والصّالح يتوقَّع أن يأخذ ابن عَبْد المؤمنَ البلاد من يديه، ما هُوَ
أن يهرب مملوكان طريدان مِنَّا فيستوليان عَلَى أطراف بلاده، ويصل
المشار إِلَيْهِ بالأمر من مَرّاكُش إلى القيروان، فيلقاهم فيُكسر مرّة
ويتماسك أخرى. وأُعلم نجم الدّين بِذَلِك، فأمسك مقدار عشرة أيّام.
ثُمَّ أنفذ نجم الدّين إِلَيْهِ عَلَى يد ابن
(41/64)
الجليس بأنّ الهدية أُشير عليه بأنّ لا
يستصحبها، وإن استصحبها تكون هديّة برسم مَن حواليه، وأنّ الكتاب لا
يأخذه إلّا بتصريح أمير المؤمنين، وأنّ السّلطان- عزّ نصرُه- رسم
بِذَلِك، والملك العادل بأن لا يسير إلا بِذَلِك، وأَنَّهُ إذا لقي
القوم خاطبهم بهذه التّحيّة عَنِ السّلطان من لسانه، فأجابه المملوك
بأنّ الخَطَّاب وحده يكفي، وطريق جحده ممكن، وإنّ الكتابة حجّة تقيّد
اللّسان عَنِ الإنكار، فلا ينبغي. ومتى قُرِئت عَلَى منبر الغرب
جُعِلنا خالعين شاقّين عصا المسلمين، مطيعين مَن لا تجوز طاعته، ويفتح
باب يعجز موارده عَنِ الإصدار، بل تمضي وتكشف الأحوال، فإنْ رَأَيْت
للقوم شَوْكة، ولنا زبدة، فِعدْهم بهذه المخاطبة، واجعل كلّما يأخذه
ثمنا للوعد بها خاصّة، فامتنع وقَالَ: أَنَا أقضي أشغالي، وأتوجّه
للإسكندريّة، وأنتظر جواب السّلطان.
وإلى أن أنجز أمر الموكب وأمر الرّكاب، فسيَّر المملوك النّسخة فَإِن
وافقت فيتصدَّق المولى بترجمة يلصقها عَلَى ما كتبه المملوك، ويأمر نجم
الدّين بتسلّم الكتاب، مَعَ أنّ ابن الجليس حدَّثه عَنْهُ أَنَّهُ
ممتنع منَ السّفر إلّا بالمكاتبة بها. فأمّا الَّذِي يترجم بِهِ مولانا
فيكون مثل الَّذِي يُدعى بِهِ عَلَى المنبر لمولانا، وَهُوَ الفقير إلى
الله تَعَالَى يوسف بْن أيّوب. وَإِذَا كتب إليهم ابن رُزّيك منَ
السّيّد الأجَلّ، الملك الصّالح، قُبح أن يكتب إِلَيْهِ مولانا الخادم.
وهذا مبلغ رأي المملوك. وَقَدْ كتبت النّسخة، ولم يبق إلّا تلك
اللّفظة، وليست كتابة المملوك لها شركا، والمملوك وعقبه مستجيرون
باللَّه، ثُمَّ بالسّلطان من تعريضهم لكدر الحياة، ومعاداة مَن لا
يُخفى عَنْهُ خبر، ولا تُقال بِهِ عَثْرَة. والكُتّاب الّذين يشتغلون
بتبييض النّسخة موجودون، فينوبون عَنِ المملوك» .
ومن كتاب لَهُ رحِمَه اللَّه إلى السّلطان: «تبرَّمَ مولانا بكثرة
المطالبات، لا أخلاه اللَّه منَ القُدْرَة عليها، وهنيئا لَهُ. فاللَّه
تَعَالَى يطالبه بحفظ دينه، ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يطالبه بِحُسن الخلافة فِي أمّته، والسَّلَف يطالبونه
بمباشرة ما لو حضروه لما زادوا عَلَى ما يفعله المولى، وأهل الحزب
يطالبونه بالذّهب
(41/65)
والفِضَّة والحديد، والرعيَّة تطالبه
بالأمن فِي سربهم، والاستقامة فِي كسْبهم، والسّلامة فِي سُبُلهم،
ونفسه الكريمة تطالبه بالجنَّة فهل عدم منَ اللَّه نُصرة؟ أم هَلِ
استمرَّت بِهِ عُسْرة؟ أم هَلْ تمَّت لعدوِّه عليه كرَّة؟ هَلْ بات
إلّا راجيا؟ أم أصبح إلّا راضيا» ؟.
إلى أن قَالَ: والمشهور أنّ ملك الألمان خرج فِي مائتي ألف، وأَنَّهُ
الآن فِي دون خمسة آلاف.
قُلْتُ: وأُنبئِت عَنِ العماد الكاتب قال: ووصلت في مراكب ثلاثمائة
إفرنجيَّة من ملاحِهِم الزَّوَاني قَدْ سَبَلْنَ أنفسهنّ لعسكر
الفِرَنج تغرية لإسعاف الشّباب من كُلّ تائقة شائقة، مائقة رائقة،
رامقة مارِقة، تميس كأَنَّها قضيب، وتزيّنت وعلى لبَّتها صليب،
فَتَحْنَ أبواب الملاذّ، وسَبَلْنَ ما بَيْنَ الأفخاذ» .
[العفو عَنِ الملك طُغْرُل]
وَفِي المحرَّم خرجت جيوش بغداد، ومقدّمها نجاح الشّرابيّ إلى دَقُوقا
لقتال الملك طُغْرُل، فدخل بعد أيّام ولد طُغْرُل، ابن سبْع سِنين،
يطلب العفو لأبيه، فعفا عَنْهُ [1] .
[ولادة ابنين وبنتين فِي بطن واحد]
وأنبأنا ابن البُزُوريّ قَالَ: فِي ربيع الأوّل وُلدت امْرَأَة ابنين
وبنتين فِي جوفٍ واحد.
[مقتل آلاف الفِرَنج أمام المصريين]
وَفِي جُمادى الآخرة فِي العشرين منه خرجت جيوش الفِرَنج من وراء
خنادقهم، وحملوا عَلَى الملك العادل والمصريّين فالتقوهم، واشتدّ
القتال، فتقهقر المصريّون، ودخل الفِرَنج خيامهم ونهبوها، فَكَرَّ
المصريّون عليهم فقتلوهم بَيْنَ الخيام، وذهبت فرقة منَ المسلمين،
فوقفت على فم الخندق
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 400، 401.
(41/66)
تمنع من يَخْرُج مددا، وأخذت الفِرَنج
السُّيُوفُ من كُلّ ناحيةٍ، فَقُتِلَ منهم مقتلة عظيمة فوق العشرة
آلاف، وقيل ثمانية آلاف، وأقلّ ما قِيلَ خمسة آلاف.
وَقُتِلَ منَ المسلمين نحو عشرة أنفس فقط. وكان يوما مشهودا حاز فضله
المصريّون.
[موت ملك الألمان]
وجاءت الأخبار منَ الغد بموت ملك الألمان [1] ، وبالوباء فِي أصحابه،
وتباشر المسلمون، وفرحوا بنصر اللَّه، فجاءت الفِرَنج نجدةٌ كبيرة لَمْ
تكن فِي حسْبانهم مَعَ ملكهم كنْدهري، وجاءتهم أموال كثيرة ومِيرة
وأسلحة، فقويت نفوسهم.
[دخول بُطْسة المسلمين عكا]
وأنتنت منزلة المسلمين بريح القتلى، فانتقل صلاح الدّين، إلى
الخَرُّوبة فِي السّابع والعشرين من جُمادى الآخرة، كَمَا انتقل عام
أوّل. وقلَّت الأقوات بعكّا، فبعث السّلطان إلى متولّي بيروت فجهَّز
بُطْسة [2] عظيمة، وألبس الرجال لُبس الفِرَنج، ورفعوا الصُّلْبان
بالبطْسة، فوصلت إلى عكّا، فلم يشكّ الفِرَنج أنّها لهم، ولم يتعرّضوا
لها، فَلَمَّا حاذت ميناءَ عكّا ودخلته ندمت الفِرَنج، وانتعش المسلمون
[3] .
[خروج كمين المسلمين عَلَى الفِرَنج]
وَفِي شوّال خرجت الفِرَنج من وراء خنادقهم في أكمل أهبة وأكثر عدد،
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 403، الكامل 12/ 49، نهاية الأرب 28/ 424، النوادر
السلطانية 123، 124، تاريخ ابن سباط 1/ 195.
[2] البطسة: البطشة. وجمعها: بطسات وبطس، وبطشات وبطش. قال في (محيط
المحيط) إنها مأخوذة عن الإسبانية، ومعناها السفينة الكبيرة.
[3] الكامل 12/ 52، 53، مرآة الزمان 8/ 404، مفرّج الكروب 2/ حوادث 587
هـ.، النوادر السلطانية 129، تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 227، 228.
(41/67)
فالتقاهم السّلطان فِي تعبئةٍ حسنة، فكان
أولاده فِي القلب، وأخوه الملك العادل فِي الميمنة، وابن أَخِيهِ تقيّ
الدّين عُمَر، وصاحب سِنْجار عماد الدّين فِي الميسرة.
واتّفق للسّلطان قولنج كَانَ يعتاده، فنُصبت لَهُ خيمة عَلَى تلّ، فرأى
الفِرَنج ما لا قِبَل لهم بِهِ فتقهقروا.
قَالَ ابن الأثير [1] : لولا الألم الَّذِي حدث لصلاح الدّين لكانت
هِيَ الفيصل، وإنّما للَّه أمر هُوَ بالِغُه. فَلَمَّا دخل الفِرَنج
خندقهم، ولم يكن لهم بعدها ظهور منه، عاد المسلمون إلى خيامهم وَقَدْ
قتلوا منَ الفِرَنج خلقا يومئذٍ.
إلّا أنّ فِي الثّالث والعشرين من شوال تعرَّض عسكر من المسلمين
للفرنج، فخرج إليهم أربعمائة فارس فناوشوهم القتال وتطارحوا، فتبِعتهم
الفِرَنج، فخرج كمين للمسلمين عليهم فلم يفلت منهم أحد.
[اشتداد الغلاء عَلَى الفِرَنج]
واشتدّ الغلاء عَلَى الفِرَنج، وجاء الشِّتَاء، وانقطعت مادّة البحر
لتهيّجه، ولولا أنّ بعض الجهّال كانوا يجلبون إليهم الغلّات لأنّ
الغرارة بلغت عندهم ألف دِرْهَم، لكانوا هلكوا جوعا [2] .
[تبديل عسكر عكا]
وأرسل أَهْل عكّا يشكون الضَّجَر والسّآمة، فأمر السّلطان بإخراجهم،
وإقامة البَدَل، وكان ذَلِكَ من أسباب أخْذها. فأشار الجماعة عليه بأن
يرسل اليهم النّفقات الواسعة والذّخائر، فإنّهم قَدْ تدرّبوا، واطمأنّت
نفوسهم، فلم يفعل وتوهّم فيهم الضَّجَر، وأنّ ذَلِكَ يحملهم على العجز.
وكان بها أَبُو الهيجا السّمين، فنزل الملك العادل تحت جبل حَيْفا،
وجمع المراكب والشّواني، فكان يبعث فيها عسكرا، ويردّ عِوَضهم من عكّا
فِي المراكب،
__________
[1] في الكامل 12/ 54.
[2] الكامل 12/ 54، 55.
(41/68)
لكنْ كَانَ بها ستّون أميرا، فخرج أولئك،
ودخل بدلهم عشرون أميرا، فكان ذَلِكَ منَ التّفريط أيضا. وتوانى أجناد
صلاح الدّين، واتّكل عَلَى غيره.
وكان رأس الّذين دخلوا سيف الدّين عَلِي المشطوب، وكان دخولهم فِي أوّل
سنة سبْع [1] وكان بها زهاء عشرين ألفا. ولم يَخْرُج قراقوش [2] .
[كسرة مراكب القوت عِنْد عكا]
وجهّز السّلطان لعكّا إقامة كبيرة وقوت سنة، ولكن كان البحر في هيجه،
فتكسّرت عامّة المراكب [3] .
__________
[1] الكامل 12/ 55.
[2] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 242.
[3] تاريخ ابن الفرات 4/ 1/ 243.
(41/69)
سنة سبع وثمانين
وخمسمائة
[استيلاء الفِرَنج عَلَى عكا]
دخلت وَقَدِ اشتدّت مضايقة الفِرَنج لعكّا، والقتال بينهم وبين
السّلطان مستمرّ، وكلّ وقتٍ يأتيهم مَدَدٌ منَ البحر، فوصل ملك
الإنكلتير [1] فِي جُمادى الأولى، وكان قَدْ دخل قبرص وغَدَرَ بصاحبها
وتملّكها، ثُمَّ سار إلى عكّا فِي خمسٍ وعشرين قطعة مملوءة رجالا
وأموالا، وكان رَجُل وقْته مكْرًا ودهاء، ورُميَ المسلمون منه بحجرٍ
ثقيل. وعظم الخَطْب، وعملت الفِرَنج تلّا عظيما منَ التّراب لا تؤثّر
فِيهِ النّار ولا غيرها، فنفعهم فِي القتال، وأوهن المسلمين خروجُ
أميرين فِي اللّيل ركبوا فِي شينيّ ولحِقوا بالمسلمين، فضعُفَت الهِمَم
ووجلت القلوب، وراسلوا صلاح الدّين، فبعث إليهم أن اخرجوا منَ البلد
كلّكم عَلَى حمِية، وسيروا مَعَ البحر، واحملوا عليهم، وأنا أجيئهم منَ
الجهة الأخرى وأكشف عنكم، وذَروا البلد بما فِيهِ. فشرعوا فِي هَذَا
[2] ، فلم يتهيّأ لهم، ولا تمكّنوا منه، فَلَمَّا اشتدّ البلاء عَلَى
أهل عكّا وضعُفت قلوبهم، وقلَّت مَنعتهم، ونُقبت بدنة منَ الباشورة،
خرج الأمير سيف الدّين عَلِيّ بْن أَحْمَد المشطوب الهَكَّاري إلى ملك
الفِرَنج وطلب الأمان، فأبى عليه إلّا أن ينزل عَلَى حكمه، فَقَالَ:
نَحْنُ لا نسلّم البلد إلّا أن نُقتل بأجمعنا، ورجع مغاضبا.
فَلَمَّا كَانَ يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة زحف
__________
[1] في الأصل: «الانكثير» . والتصحيح من المصادر، وهو ملك الإنكليز.
[2] الكامل 12/ 66.
(41/70)
الفِرَنج زحفا شديدا، وأشرفوا عَلَى أَخْذَ
البلد، فطلب المسلمون منهم الأمان عَلَى أن يُسلِّموا إليهم عكّا،
ومائتي ألف دينار، وألفا وخمسمائة أسير، ومائة أسير منَ الأعيان، وصليب
الصَّلبوت. فوقع الأمان عَلَى ذَلِكَ، وأخذوا رهائن عَلَى تمام
القطيعة، وملكوا عكّا. فَلَمَّا كَانَ فِي ثامن رجب جاءت رُسُلُهم
لذلك، فأحضر السّلطان مائة ألف دينار، وصليب الصَّلَبُوت، والأسارى،
فأبوا إلّا جميع المال، واختلف الأمر نحو شهر، ثُمَّ كمل لهم المال،
وأحضر صليبهم، وكانوا قد ظنّوا أنّ السّلطان فرَّط فِيهِ، فَلَمَّا
عاينوه خرّوا لَهُ سُجَّدًا.
ثُمَّ ظهر للسّلطان غدرهم ومكْرهم، فتوقَّف فِي مضاء المقرّر [1] .
[رواية ابن شدّاد]
قَالَ ابن شدّاد فِي «سيرة صلاح الدّين» [2] : «إنّ الّذين بعكّا بذلوا
للفرنج البلد بما فِيهِ منَ السّلاح والآلات والمراكب، ومائتي ألف
دينار، وخمسمائة أسير، ومائة أسير يقترحونهم معروفين، وصليب
الصَّلَبُوت، عَلَى أن يخرجوا بأموالهم وأهلهم، ويعطوا للمركيس الَّذِي
توسَّط بينهم أربعة آلاف دينار، فَلَمَّا وقف السّلطان عَلَى ذَلِكَ
أنكره وعظُم عليه، وجمع أَهْل الرأي، واضطربت آراؤهم، وتقسَّم فكره،
وعزم عَلَى أن يكتب تِلْكَ اللّيلة ينكر عليهم المصالحة، وبقي متردّدا،
فلم يشعر إلّا وَقَدِ ارتفعت صلبان الكُفْر عَلَى البلد، ونارهم
وشعارهم عَلَى السّور، وذلك ظُهْر يوم الجمعة سابع عشر من جُمادى
الآخرة. وصاح الفرنج صيحة واحدة، وعظمت المصيبة على المسلمين،
__________
[1] انظر عن سقوط عكا في: الفتح القسّي 484- 530، والنوادر السلطانية
155- 175، والكامل 12/ 63- 68، وتاريخ الزمان 219، 220، وتاريخ مختصر
الدول 222، والمغرب 167- 170، وزبدة الحلب 3/ 119، 120، ومفرّج الكروب
2/ 260- 268، والمختصر 3/ 79، والدرّ المطلوب 106- 109، ونهاية الأرب
28/ 432، 433، ومرآة الزمان 8/ 408، والعبر 4/ 261، ودول الإسلام 2/
98، 99، وتاريخ ابن الوردي 2/ 103، والبداية والنهاية 12/ 341- 345،
وتاريخ ابن خلدون 5/ 325، 326، والسلوك ج 1 ق 1/ 105، وشفاء القلوب
170، 171، والنجوم الزاهرة 6/ 44- 47، وتاريخ ابن سباط 1/ 196- 198،
وتاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 13- 25.
[2] المسمّاة «النوادر السلطانية في المحاسن اليوسفية» 142.
(41/71)
ووقع فيهم البكاء والنّحيب، فإنّا للَّه
وإنّا إِلَيْهِ راجعون.
وخيَّمَ ملك الأنكتير [1] بيافا، وشرعوا فِي عمارتها. ثُمَّ راسل ملك
الانكتير السّلطان فِي طلب الهدنة، فكانت الرسائل تتردَّد إلى الملك
العادل، فتقرّرت القاعدة أنّ ملك الأنكتير يزوِّج أخته بالملك العادل،
ويكون القدس وما بأيدي المسلمين من بلاد السّاحل للعادل، وتكون عكّا
لأخت ملك الأنكتير مضافا إلى مملكةٍ كانت لها داخل البحر قَدْ ورثتها
من زوجها.
وأجاب صلاح الدّين إلى ذَلِكَ، فاجتمع الرهبان والقِسِّيسون، وأنكروا
عَلَى الملكة، ومنعوها منَ الإجابة. ثُمَّ إنّ الفِرَنج نوّهوا بقصد
بيت المَقْدِس، فصاف صلاح الدّين إلى الرملة جريدة، وجرت بَيْنَ
المسلمين وبين الفِرَنج عدّة [وقعات] صِغار فِي هَذِهِ الأيّام، فِي
سائرها يكون الظَّفَر للمسلمين [2] . ثُمَّ دخل صلاح الدّين القدس
لكثرة الأمطار، وتقدّمت الفِرَنج إلى النّطرون عَلَى قَصدْ بيت
المَقْدِس. واشتدّ الأمر، وجرى بينهم وبين يَزَك المسلمين عدّة وقعات.
[تحصين القدس]
وجدّ صلاح الدّين فِي تحصين القدس بكلّ ممكن، حَتَّى كَانَ [يحمل]
الحجارة عَلَى فرسه بنفسه، وممّا جرى أنّ ملك الأنكتير [3] ركب بالفرنج
فِي البحر، فركب السّلطان فِي البرّ لقتالهم. فأحضر الفرنج جماعة من
أسارى المسلمين، فقتلوهم صبرا، فحمل المسلمون عليهم وأزالوهم عَنْ
مواقفهم، وقتلوا منهم جماعة، واستشهد منَ المسلمين جماعة. ثُمَّ انصرف
السّلطان فِي المال المقرَّر، فَلَمَّا دخل شعبان زحفت الفرنج بخيلهم
ورجلهم، فعرف
__________
[1] هكذا في الأصل، ومثله في (الفتح القسّي) . ويرد في المصادر: «ملك
الإنكلتير» . و «ملك الإنكتار» ، و «ملك الإنكلتار» ، أي ملك أنكلترا.
وهو «ريشارد قلب الأسد ابن هنري الثامن ملك الإنكليز» .
[2] تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 26.
[3] هكذا في الأصل.
(41/72)
السّلطان أنّ قصدهم عسقلان، فرحل بالجيش،
قبالتهم، وبقي يَزَكُ المسلمين يقاتلونهم فِي كُلّ مرحلة [1] .
[وقعة نهر القصب]
ثُمَّ كَانَتْ بينهم وبين السّلطان وقعة نهر القَصَب، استشهد فيها أياز
[2] الطّويل وكان أحد الأبطال [3] .
ثُمَّ كَانَتْ وقعة أَرْسُوف، فكانت الدّبرة عَلَى الفِرَنج خذلهم
اللَّه [4] .
[هدم عسقلان وتخريب الرملة ولُدّ]
ووصل السّلطان إلى عسقلان فأخلاها، وشرع فِي هدمها فِي أثناء شعبان.
ثُمَّ رحل إلى الرملة، فأمر بتخريب حصنها، وتخريب لُدّ، ثُمَّ مضى
جريدة إلى القدس وأمّر وعاد [5] .
__________
[1] الكامل 12/ 69، 70، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 27، 28.
[2] في الأصل: «ياز» .
[3] الكامل 12/ 70، مرآة الزمان 8/ 409، دول الإسلام 2/ 99، شفاء
القلوب 171، تاريخ ابن سباط 1/ 198، الإعلام والتبيين 41، نهاية الأرب
28/ 434، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 32.
[4] انظر عن وقعة أرسوف في:
الفتح القسّي 543- 545، والنوادر السلطانية 183- 185، والكامل في
التاريخ 12/ 70، والمغرب 170، ومرآة الزمان 8/ 409، 410، ومفرّج الكروب
2/ 367، 368، ونهاية الأرب 12/ 345، وتاريخ ابن خلدون 5/ 326، والسلوك
ج 1 ق 1/ 105، 106، وشفاء القلوب 171، وتاريخ ابن سباط 1/ 198، 7199
وتاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 32- 34.
[5] الفتح القسّي 550، 551، النوادر السلطانية 187- 189، الكامل في
التاريخ 12/ 71، 72، مرآة الزمان 8/ 410، مفرّج الكروب 2/ 369، 370،
زبدة الحلب 3/ 120، تاريخ الزمان 221، تاريخ مختصر الدول 222، 223،
المختصر 3/ 79، نهاية الأرب 28/ 434، 435، الإعلام والتبيين 41، المغرب
171، الدرّ المطلوب 110، دول الإسلام 2/ 99، تاريخ ابن الوردي 2/ 103،
البداية والنهاية 12/ 345، 346، تاريخ ابن خلدون 5/ 327، السلوك ج 1 ق
1/ 106، شفاء القلوب 172، تاريخ ابن سباط 1/ 199، 200، تاريخ ابن
الفرات 4/ 2/ 34- 36.
(41/73)
[إقطاع الدينور
للماهكي]
أَنْبَأَنَا ابن البُزُوريّ قَالَ: فِي ربيع الأوّل حضر عَبْد الوهَّاب
الكرديّ السّارق قلعة الماهكيّ مصفَّدًا بالحديد، فرحمه الخليفة وخلع
عليه وأُعطي كوسات وأعلاما، وأُقطع الدِّينَوَر.
[أستاذ داريّة الخلافة]
وَفِي جُمادى الأولى عُزِل عَنِ استاذ داريّة الخلافة عَلِيّ بْن
بختيار وولي جلال الدّين عُبَيْد اللَّه بْن يُونُس.
[السعي من تكريت إلى بغداد فِي يوم]
وَفِي جُمادى الآخرة عدا بركة السّاعي من تكريت إلى بغداد فِي يومٍ ولم
يُسبق إلى هَذَا، وحصل لَهُ خِلَع ومال طائل [1] .
[جاثليق النَّصارى]
وَفِيه رُتِّب الْمَوْصِلِيّ النَّصْراني جاثليق النَّصارى، وخُلِع
عليه بدار الوزارة، وقُرئ عهده فِي كنيسة درب دينار.
[خروج عسكر الخليفة إلى خوزستان]
وَفِي شوّال خرج العسكر الخليفيّ مع مؤيّد الدّين ابن القصّاب نائب
الوزارة، وعزّ الدّين نجاح الشّرابيّ إلى بلاد خوزستان، ورجعوا فِي ذِي
الحجّة.
[إحراق السَّهْرُوَرْديّ الساحر]
وفيها ظهر بحلب الشّهاب السَّهْرُوَرْديّ الفيلسوف السّاحر. وكان فقيها
واعظا، ملعون الاعتقاد، بارعا فِي علوم الأوائل، خبيرا بالسّيمياء،
فعقد
__________
[1] سيأتي له خبر آخر في حوادث سنة 593 هـ. وهو في: اللمعات البرقية في
النكات التاريخية لابن طولون 54.
(41/74)
صاحب حلب الملك الظّاهر لَهُ مجلسا، فأفتوا
بكُفْره، فحُبس فِي هَذِهِ السّنة ثُمَّ أُحرِق بعد أن مِيت جوعا [1] .
[تراجع الفِرَنج إلى الرملة]
وفيها، فِي آخرها، تأخّر الفِرَنج إلى الرملة لِقلة الميرة عليهم.
وقَالَ ملك الانكتار [2] لمن معه: إنّي ما رَأَيْت القدس، فصوّروها لي.
فرأى الوادي يحيط بها ما عدا موضع يسير من جهة الشّمال. فَقَالَ:
هَذِهِ مدينة لا يمكن حصرها مَعَ وجود صلاح الدّين، ومع اجتماع كلمة
المسلمين [3] .
[انتحار تاجر حلبي]
وفيها، قَالَ لنا ابن البُزُوريّ فِي مُذَيَّلة: قدِم بغداد تاجر حلبيّ
بمالٍ طائل، فعشق واحدة فأنفق عليها ماله حَتَّى أفلس، ولم يَبْق يقدر
عليها، ولا لَهُ صبر عَنْهَا، فدخل عليها فضربها بسِكّينٍ، وضرب نفسه
فمات. وأمّا هي فخِيط جرحُها وعاشت.
[حجّ طاشتكين]
وحجَّ بالنّاس من بغداد طاشتِكِين عَلَى عادته [4] .
__________
[1] انظر عن السهروردي في: معجم الأدباء 19/ 314، وعيون الأنباء 2/
167، ووفيات الأعيان 6/ 268- 274، والمختصر 3/ 1.، والعبر 4/ 290، وسير
أعلام النبلاء 21/ 207- 211 رقم 102، ودول الإسلام 2/ 99، وتاريخ ابن
الوردي 2/ 104، ومرآة الجنان 3/ 434، والعسجد المسبوك 213، والفلاكة
والمفلوكين 67، ومفتاح السعادة 1/ 240، 241، والنجوم الزاهرة 6/ 114،
وتاريخ ابن سباط 1/ 202، 203، وشذرات الذهب 4/ 290.
[2] هكذا في الأصل. وقد تقدّم «الإنكتير» .
[3] النوادر السلطانية 189، الفتح القسّي 551، الكامل في التاريخ 12/
74، 75، مرآة الزمان 8/ 411، مفرّج الكروب 2/ 370، تاريخ ابن سباط 1/
200.
[4] مرآة الزمان 8/ 411.
(41/75)
[إمارة مكة]
وفيها أَخَذَ دَاوُد أمير مكّة ما فِي الكعبة منَ الأموال وطَوْقًا
كَانَ يمسك الحجر الأسود لتشعُّثه، إذ ضربه ذاك الباطنيّ بعد
الأربعمائة بالدّبّوس. فَلَمَّا قدِم الركْبُ عزل أمير الحاجّ دَاوُد،
وولى أخاه مكثرا، وهما ابنا عِيسَى بْن فُلَيْتَة بْن قاسم بْن
مُحَمَّد بْن أَبِي هاشم الحَسَنيّ. فأقام دَاوُد بثجله إلى أن تُوُفّي
فِي رجب سنة تسعٍ وثمانين وهو وآباؤه الخمسة أمراء مكّة [1] .
__________
[1] البداية والنهاية 12/ 346.
(41/76)
سنة ثمان وثمانين
وخمسمائة
[استتابة ابن عَبْد القادر]
قَالَ ابن البُزُوريّ: فِي صَفَر كُفَّت يد عَبْد الوهَّاب بْن
الشَّيْخ عَبْد القادر عَنْ وقف الجهة الإخلاطيّة سلجق خاتون. ووجد
عِنْد ابنه عَبْد السّلام كُتُب بخطّ والده عَبْد الوهَّاب فيها
يتخيَّر الكواكب، فَسُئل: هَلْ هِيَ بخطّك؟ فأقرّ، فأفتوا بقلّة دينه،
وأنّ الكاتب لها والقارئ لها مخطئ، ومُعْتِقدَها كافر. وعُرِضت الفتاوى
عَلَى الخليفة فاستُتِيب. وأُحْرِقت الكتُب فِي محفل. وكان فيها أنْ لا
مدبِّر للعالم سوى الكواكب، وأنّها هي الرّزّاقة. ووهت حرمة بني عبد
القادر، وأُخرجوا عَنْ مدرستهم، وسُلِّمتْ إلى ابن الجوزيّ [1] .
[عزل قاضي القضاة]
وفيها عُزِل قاضي القُضاة الْعَبَّاسيّ لأنّه حكم فِي كتابٍ زوّره
حاجبه أَبُو جَعْفَر وابن الحرّانيّ.
[ترسُّل السَّهْرُوَرْديّ]
وفيها نفذ شهاب الدّين السَّهْرُوَرْديّ رسولا إلى زعيم خِلاط بكتمر.
[حبْس أمير الحاج طاشتِكِين]
وَفِي رجب عُقِد مجلس بدار أستاذ دار الخليفة، وأحضر أمير الحاجّ
مُجِير الدّين طاشتِكِين متولي الحِلَّة، ثُمَّ أُخرج مكتوب فِيهِ
الخادم طاشتكين
__________
[1] انظر: مرآة الزمان 8/ 415.
(41/77)
يخدم السّلطان ويقول: أَنَا مشدود بواسط
فِي خدمتكم، وهذا وقتكم، والبلاد خالية، فإذا هادنت الفِرَنج وعدت إلى
الشّام فأنا أتولّى الخدمة. وَقَدْ توّج المكتوب بالقلم الشّريف. إنّا
ما أَنْبَأَنَا إلى طاشتِكِين قطّ وله حقوق، غير أنّ باطنه رَوَى ما
يخبئه. فأنكر طاشتِكِين، وزعم أنّ هَذَا الخطّ لا يعرفه. فشهد عليه
جماعة مِمَّنْ تختصّ بِهِ وكذَّبوه. فحُبِس، وكان لَهُ إلى هَذِهِ
السّنة تسع عشرة حَجة. ووُلي إيليا إمرة الحاجّ [1] .
[بناء دار الخلافة]
وبنى الخليفة دارا هائلة مزخرفة فِي بستانها منَ الطّير والوحش ما يبهت
الرّائي. فَلَمَّا فرغت وهبها لولده أَبِي نصر مُحَمَّد.
[عمارة الفِرَنج عسقلان]
وفيها فِي المحرَّم، أعني سنة ثمانٍ، نزل الفِرَنج بعسقلان وهي خراب،
فأخذوا فِي عمارتها [2] .
[قَتْلُ المركيس صاحب صور]
وَفِي ربيع الآخر قُتِلَ المركيس صاحب صور، وكان من شياطين الفِرَنج،
قدِم منَ البحر فِي مركبٍ عالٍ وتجارة أيّام فتح بيت المَقْدِس، فدخل
صور وأهلها فِي هَرَج ومرج، وليس لهم رأس، فملّكوه عليهم، فقام بأمرهم
أتمّ قيام، وضبط البلد وحصَّنها، وحاصرهم صلاح الدّين مدّة بعد فتح بيت
المَقْدِس فلم يقدر عليهم، فجرّد عَلَى البلد من يضيِّق عليهم ورحل.
وكان المركيس أحد من بالغ فِي حصار عكّا. وكان سبب قتله أنّ سِنانًا
مقدّم الإسماعيليّة بعث إِلَيْهِ صلاح الدّين أن يرسل من يقتل ملك
الإنكتار،
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 415، الكامل 12/ 93، 94، البداية والنهاية 12/ 352.
[2] الفتح القسّي 583، الكامل في التاريخ 12/ 78، تاريخ الزمان 223،
تاريخ مختصر الدول 223، المختصر في أخبار البشر 3/ 82، تاريخ ابن
الوردي 2/ 105، تاريخ ابن خلدون 5/ 328، العسجد المسبوك 216، السلوك ج
1 ق 1/ 108، تاريخ ابن سباط 1/ 203، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 58.
(41/78)
وإنْ قُتِلَ المركيس فَلَه عشرة آلاف
دينار. فأرسل رجلين فِي زيّ الرهبان، فاتّصلا بصاحب صيدا، فأظهرا
العبادة، فأنِس بهما المركيس، ووثق لهما فقتلاه، وقُتِلا معه [1] .
[تملُّك كندهري صور]
وتملَّك صور بعده كنْدهري ابن أخت ملك الإنكتار، فبقي إلى سنة أربع
وتسعين، فسقط من سطح ومات [2] . وكان لمّا رحل خاله إلى بلاده أرسل
يستعطف صلاح الدّين ويطلب منه خِلْعةً وقَالَ: أَنْت تعلم أنّ لبس
القباء والشَّرَبُوش عندنا عَيب، وأنا ألبسهما منك محبّة فيك. فنفذ
إِلَيْهِ خِلْعةً سَنِيَّة بشَرَبُوش، فلبسها بعكّا [3] .
[انتهاب البصرة]
وفيها فِي صَفَر نهبت بنو عامر البصرة. تجمّعوا مَعَ أميرهم عميرة،
وكان بها أمير فحاربهم، فلم يقولهم، وَقُتِلَ جماعة، ودخلوها وفعلوا
كُلّ قبيح، وذهبت أمتعة النّاس [4] .
__________
[1] انظر عن قتل المركيس صاحب صور في: الفتح القسّي 589، 590، والكامل
في التاريخ 12/ 78، 79، وتاريخ الزمان 223، ومرآة الزمان 8/ 420،
والروضتين 2/ 196، والمختصر 3/ 82، وتاريخ ابن الوردي 2/ 105، والبداية
والنهاية 12/ 348، وتاريخ ابن خلدون 5/ 328، وتاريخ ابن سباط 1/ 203،
وتاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 63، 64، ومفرّج الكروب 2/ 383.
[2] تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 64، 65.
[3] النوادر السلطانية 234، الفتح القسّي 603- 605، الكامل في التاريخ
12/ 85، 86، تاريخ مختصر الدول 223، تاريخ الزمان 224، مفرّج الكروب 2/
394، زبدة الحلب 3/ 122، مرآة الزمان 8/ 421، المختصر 3/ 82، الدرّ
المطلوب 111، دول الإسلام 2/ 100، تاريخ ابن الوردي 2/ 105، البداية
والنهاية 12/ 350، تاريخ ابن خلدون 5/ 329، 330، صبح الأعشى 5/ 375،
السلوك ج 1 ق 1/ 110، العسجد المسبوك 217، النجوم الزاهرة 6/ 47، 48،
تاريخ ابن سباط 1/ 204.
[4] الكامل 12/ 80.
(41/79)
[انصباب البلاء عَلَى الفِرَنج]
وفيها فِي جُمادى الأولى استولت الفِرَنج عَلَى حصن الدّاروم، ثُمَّ
ساروا حَتَّى بَقُوا عَلَى فرسَخَين منَ القدس، فصبّ المسلمون عليهم
البلاء، وتابعوا إرسال السّرايا، وبُليَ الفِرَنج منهم بداهيةٍ، فرجعوا
وتخطّفهم المسلمون [1] .
[غزو الهند وقتل ملكها]
وكان شهاب الدّين الغُوريّ غزا الهند فِي سنة ثلاثٍ وثمانين فانهزم،
فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ السّنة خرج من غزْنَة بجيوشه، وقصد عدوّه،
فتجهَّز الكافر ملك الهند وسار نحوه، فلمّا قاربه تقهقر شهاب الدّين،
وتبِعه ملك الهند إلى أن قارب ملك المسلمين، فندب شهاب الدّين شطر
جيشه، فداروا فِي اللّيل حَتَّى صاروا من وراء الهنود، وحمل منَ الغد
هُوَ من بَيْنَ أيديهم وأولئك من خلفهم، وكثُر القتل فِي الهنود،
وأُسِر ملكهم فِي خلْقٍ من جُنْده، وغنم المسلمون ما لا يوصف. ومن
ذَلِكَ أربعة عشر فيلا، فَقَالَ ملك الهند: إن كُنْت طالبا [2] بلادنا
فَمَا بقي بها من يحفظها، وإنْ كُنْت طَالِب مالٍ فعندي أموال تحمل
منها جمالك كلّها.
فسار شهاب الدّين، وَهُوَ معه، إلى قلعته واسمها جهير [3] ، فتملّكها
شهاب الدّين وتملّك جميع نواحيها، وأقطع الجميع لمملوكه قُطْب الدّين
أيْبك. وَقُتِلَ ملك الهند ورجع إلى غَزْنَة مؤيَّدًا منصورا [4] .
[كسرة المسلِمين]
وكان عسكر مصر قَدْ خرجوا للغزاة فأقاموا ببلبيس حتّى اجتمعت إليهم
__________
[1] الكامل 12/ 81، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 65.
و «الداروم» : قلعة بعد غزّة للقاصد إلى مصر، الواقف فيها يرى البحر،
إلّا أن بينها وبين البحر مقدار فرسخ. (معجم البلدان 25/ 525) .
[2] في الأصل: «طالب» .
[3] في الكامل: «أجمير» ، وفي نسخة «حمير» وفي أخرى «احمير» .
[4] الكامل 12/ 91- 93، المختصر 3/ 85، البداية والنهاية 12/ 352.
(41/80)
القوافل، وساروا فِي اللّيل، فتهيَّأت
الفِرَنج لكبْسهم وكمنوا لهم، ثُمَّ بيَّتوهم بأرض الحسا. فطاف
الإنكتير حول القَفَل فِي صورة بدويّ، فرآهم ساكنين، فكبسهم فِي
السَّحر بخيله ورَجْله، فكان الشّجاع من نجا بنفسه. وكانت وقعة شنعاء
لَمْ يُصب النّاس بمِثلها فِي هَذِهِ السّنين. وتبدَّد النّاس فِي
البريَّة وهلكوا، وحازت الفِرَنج أموالا وأمتعة لا تحصى، وأسروا
خمسمائة نفس، ونحو ثلاثة آلاف جَمَلٍ محمّلة، فقويت نفوس الملاعين
بالظَّفَر والغنائم، وعزموا عَلَى قصد القدس [1] .
[المشورة فِي أمر القدس]
وسار كنْدهري إلى صور، وطرابُلُس، وعكّا يستنفر النّاس، فهيَّأ
السّلطان القدس وحصَّنها للحصار، وأفسد المياه الّتي بظاهر القدس
كلّها، وجمع الأمراء للمشورة، فَقَالَ القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد
[2] : فأمرني أن أحثّهم عَلَى الجهاد، فَذَكَرَتْ ما يسَّر اللَّه
تَعَالَى، وقلت: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَّا اشتد بِهِ الأمر بايع الصّحابة عَلَى الموت، ونحن أول من تأسّى
بِهِ، نجتمع عِنْد الصَّخرة، ونتحالف عَلَى الموت. فوافقوا عَلَى
ذَلِكَ. وسكت السّلطان طويلا، والنّاس كَأَنّ عَلَى رءوسهم الطّير،
ثُمَّ قَالَ: الحمد للَّه والصّلاة على رسول الله. اعلموا أنّكم جُنْد
الْإِسْلَام اليوم ومَنعته، وأنتم تعلمون أنّ دماء المسلمين وأموالهم
وذراريهم متعلّقة فِي ذمَّتكم [3] . وإنّ هَذَا العدوّ لَيْسَ لَهُ مَن
يلقاه غيركم، فلو لوَيْتم أَعِنَّتكم، والعياذ باللَّه، طوى البلاد،
وكان هَذَا من ذمّتكم، فإنّكم أنتم الّذين تصدَّيْتم لهذا، وأكلتم بيت
مال المسلمين لحفْظ حَوْزتهم.
فانتدب جوابه سيف الدّين المشطوب وقَالَ: نَحْنُ مماليكك وعبيدك، وأنت
الَّذِي أنعمت علينا وعظَّمتنا [4] ، وليس لنا إلّا رقابنا، وهي بين
يديك،
__________
[1] الكامل 12/ 82، مفرّج الكروب 2/ 284، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 66-
68.
[2] في النوادر السلطانية، وعنه ينقل ابن الفرات في تاريخه 4/ 2/ 69.
[3] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 69 «في ذممكم» .
[4] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 69 «وأعنتنا» .
(41/81)
واللَّه ما يرجع أحدٌ منَّا عَنْ نُصرتك
إلى أن تموت [1] .
فَقَالَ الجماعة مثل ما قَالَ، فانبسطت نفس السّلطان وأطعمهم، ثُمَّ
انصرفوا.
فَلَمَّا كَانَ عشاء الآخرة اجتمعنا فِي خدمته عَلَى العادة وسَمَرْنا
وَهُوَ غير منبِسط. ثُمَّ صلّينا العشاء، وكانت الصَّلاة هِيَ
الدُّستور العامّ، فصلّينا وأخذنا فِي الانصراف فاستدعاني وقَالَ:
أَعَلِمتَ ما تجدَّد؟ قُلْتُ: لا.
قَالَ: قَالَ إنّ أَبَا الهيجا السّمين تقدَّم إليّ اليوم وقَالَ:
اجتمع اليوم عنده الأمراء، وأنكروا موافقتنا عَلَى الحصار، وقالوا لا
مصلحة فِي ذَلِكَ، فإنّا نُحصَر ويجري علينا ما جرى عَلَى أَهْل عكّا،
وعند ذَلِكَ تؤخذ بلاد الْإِسْلَام أجمع. والرأي أنْ نعمل [2]
مُصَافًّا، فإنْ هزمْناهم مَلَكْنا بقيّة بلادهم، وإنْ تكن الأخرى سلِم
العسكر وذهب [3] القدس. وَقَدِ انحفظت بلاد الْإِسْلَام وعساكرها مدّة
بغير القدس.
وكان السّلطان رحِمَه اللَّه عنده منَ القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال،
فشقَّت عليه هَذِهِ الرسالة.
وقمت تِلْكَ اللّيلة فِي خدمته إلى الصّباح، وهي منَ اللّيالي الّتي
أحياها فِي سبيل اللَّه.
وكان ممّا قالوه فِي الرسالة: «إنّك إنْ أردتنا أن نقيم بالقدس فتكون
أَنْت معنا أَوْ بعض أهلك، فالأكراد لا يدينون للأتراك، ولا الأتراك
يدينون للأكراد» .
فانفصل الحال عَلَى أن يضمّ من أهله الملك الأمجد صاحب بِعْلَبَكّ.
وكان رحِمَه اللَّه يحدِّث نفسه بالمُقام، ثُمَّ امتنع من ذلك لما فيه
من
__________
[1] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 69 «يموت» .
[2] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 70 «أن نلقي» .
[3] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 70 «ومضى» .
(41/82)
خطر للإسلام، فَلَمَّا صلّينا الصُّبح
قُلْتُ لَهُ: ينبغي أن ترجع إلى اللَّه تَعَالَى، وهذا يوم جمعة، وفيه
دعوة مُستجابة، ونحن فِي أَبْرك موضع. فالسّلطان يغتسل الجمعة ويتصدَّق
بشيء سرّا [1] ، وتصلّي بَيْنَ [2] الأذان والإقامة ركعتين تناجي فيهما
ربَّك، وتفوِّض مقاليد أمورك إِلَيْهِ، وتعترف بعجْزك عمّا تصدَّيْت
لَهُ، فلعلّه يرحمك ويستجيب لك.
وكان رحِمَه اللَّه حَسَن الاعتقاد، تامّ الْإِيمَان، يتلقّى الأمور
الشرعيَّة بأحسن انقياد [3] .
فَلَمَّا كَانَ وقت الجمعة صلّيت إلى جانبه فِي الأقصى، وصلّى ركعتين،
ورأيته ساجدا ودموعه تتقاطر [4] .
ثُمَّ انقضت الجمعة. فَلَمَّا كَانَ العشِيّ وصلت رقعة من عزّ الدّين
جرديك، وكان فِي اليَزَك، يَقُولُ فيها: إنّ القوم قَدْ ركبوا بأسرهم،
ووقفوا فِي البرّ عَلَى ظهر، ثُمَّ عادوا إلى خيامهم، وَقَدْ سيّرنا
جواسيس تكشف [أخبارهم] [5] .
ولمّا كَانَ منَ الغد يوم السّبت، وَهُوَ الحادي والعشرين من جُمادى
الآخرة، وصلت رقعةٌ أخرى تُخْبر أنّ الجواسيس رجعوا، وأخبروا أنّ القوم
اختلفوا فِي الصُّعود إلى القدس أَوِ الرحيل إلى بلادهم، فذهب
الفرنسيسة إلى الصّعود إلى القدس وقالوا: إنّما جئنا بسببه فلا نرجع
[6] . وقَالَ الأنكتير إنّ هَذَا الموضع قَدْ أُفسِدت مياهُه ولم يبق
حوله ماء [7] ، فمن أين نشرب؟ قالوا:
__________
[1] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 «خفية» .
[2] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 «من» .
[3] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 «بأكمل انقياد ومثول» .
[4] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71 زيادة: «على مصلّاه» .
[5] إضافة على الأصل من: تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 71.
[6] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 «إنما جئنا من بلادنا بسبب القدس ولا
نرجع دونه» .
[7] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 زيادة: «أصلا» .
(41/83)
نشرب من نهر نقوع، وَهُوَ عَلَى فرس منَ
القدس، فَقِيل [1] : كيف نذهب إِلَيْهِ؟ قَالُوا: قسم يذهب إلى
السَّقْيِ، وقسم يبقى عَلَى البلد، فَقَالَ: إذا يأخذ العسكر البرّانيّ
الَّذِي لهم منَ الَّذِي يذهب مَعَ الدّوابّ، ويخرج عسكر البلد عَلَى
الباقين [2] .
فانفصل الحال عَلَى أنّهم حكّموا ثلاثمائة من أعيانهم، وحكّم
الثّلاثمائة اثني عشر منهم، وحكَم الاثنا عشر ثلاثة منهم، وَقَدْ باتوا
عَلَى حكم الثّلاثة.
فَلَمَّا أصبحوا حَكَموا عليهم بالرحيل، فلم يمكنهم المخالفة، فرحلوا
ليومهم، وَهُوَ يوم السّبت المذكور، نحو الرملة، ناكصين عَلَى أعقابهم.
ثُمَّ نزلوا الرملة، وتواتر الخبر بِذَلِك إلى السّلطان، وكان يوم فرحٍ
وسرور.
ثُمَّ ورد رسول الأنكتير فِي الصُّلْح يَقُولُ: قَدْ هلكنا نَحْنُ
وأنتم، والأصلح حَقْن [3] الدّماء، ولا تغترّ بتأخيري عَنْ منزلتي،
فالكبش يتأخَّر لينطح. وهذا ابن اختي كنْدهري قَدْ ملَّكْته هَذِهِ
الدّيار، وسلّمته إليك يكون بحكمك [4] . وإنّ جماعة منَ الرُّهْبان
قَدْ طلبوا منك كنائس، فَمَا بخلت بها عليهم، وأنا أطلب منك كنيسة فِي
القدس، وأنا أرسلتك [5] بِهِ مَعَ الملك العادل قَدْ تركته، يعني من
طلبه القدس وغيرها، ولو أعطيتني قرية أَوْ مقرعة [6] لقبِلْتها [7] .
فاستشار السّلطان الأمراء، فأشاروا بالصّلح لما بهم من الضّجر والتّعب
__________
[1] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 «فقال» .
[2] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 زيادة: «ويذهب دين النصرانية» .
[3] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 72 «نحقن» .
[4] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «يكون وعسكره بحكمك» .
[5] كذا في الأصل، والصحيح «راسلتك» .
[6] هكذا في الأصل، وأيضا في أصل تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 انظر
الحاشية رقم 279 وأثبتها محقّقه في المتن: «مزرعة» .
[7] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «قبلتها وقبلتها» .
(41/84)
وعلاهم منَ الدّيون. فاستقرّ الحال أنّ
الجواب ما جزاء الإحسان إلّا الإحسان، وابن أختك يكون [1] كبعض أولادي،
وسيبلغك ما أفعل بِهِ [2] ، وأنا أعطيك أكبر الكنائس، وهي القيامة [3]
، والبلاد الّتي بيدك بيدك، وما بأيدينا منَ القِلاع الجبليّة يكون
لنا، وما بَيْنَ العملَين مناصفة، وعسقلان وما وراءها يكون خرابا.
فانفصل الرَّسُول طيّب القلب. ثُمَّ ورد رسوله يَقُولُ [4] أن يكون لنا
فِي القدس عشرون نفرا، وإنّ من سَكَن منَ النَّصارى والفِرَنج فِي
القدس لا يُتعرَّض لهم، وأمّا بقية البلاد [فلنا منها الساحليات
والوطاة، والبلاد الجبلية تكون لكم] [5] . فأجابه السّلطان بأنّ القدس
لَيْسَ لكم فِيهِ سوى [6] الزّيارة.
فَقَالَ الرَّسُول: وليس عَلَى الزّوّار شيء؟ [7] فَقَالَ السّلطان:
نعم.
وأطلق لهم بلاد عسقلان يزرعونها، وأن تكون قرى الدّاروم مناصفة [8] .
[عمارة سور القدس]
وفيها قسّم السّلطان صلاح الدّين عمارة سور بيت المَقْدِس عَلَى
أَخِيهِ وأولاد أَخِيهِ. ولم يزل مُجِدًّا فِي عمارتها حَتَّى ارتفعت
[9] .
__________
[1] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «يكون عندي» .
[2] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «ما أفعل في حقه من الخير» .
[3] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «القمامة» .
[4] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73 «يطلب» .
[5] ما بين الحاصرتين إضافة على الأصل من تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 73
وفيه زيادة أخرى.
[6] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 74 «ليس لكم فيه حديث سوى» .
[7] في تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 74 زيادة: «يؤخذ منهم» .
[8] في تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 69- 74.
[9] انظر عن عمارة سور القدس في: الفتح القسّي 610، والكامل في التاريخ
12/ 86، 87، ونهاية الأرب 28/ 435، والمختصر 3/ 83، وتاريخ ابن الوردي
2/ 105، والبداية والنهاية 12/ 351، وتاريخ ابن خلدون 5/ 230، والعسجد
المسبوك 218، وشفاء القلوب 177، وتاريخ ابن سباط 1/ 205، وتاريخ ابن
الفرات 4/ 2/ 42، ومفرّج الكروب 2/ 375، 376.
(41/85)
[موت ابن المشطوب]
وفيها كَانَ خلاص سيف الدّين عَلَى بْن المشطوب أمير عكّا منَ الأسر
عَلَى مالٍ قرَّره. ثُمَّ مات فِي آخر شوّال. فعيّن السّلطان ثُلث
نابلس لمصالح بيت المَقْدِس وباقيها للأمير عماد الدّين أَحْمَد ابن
المرحوم سيف الدّين المشطوب [1] .
[أَخَذَ الفِرَنج للداروم]
وفيها نازل الفِرَنج قلعة الدّاروم وافتتحوها بالسّيف [2] . ثُمَّ
كَانَتْ وقعات بينهم وبين المسلمين كلّها للمسلمين عليهم، إلّا وقعة
واحدة كَانَ العادل أخو السّلطان مقدّمها ودهمهم [3] العدوّ فهزموهم.
[فتح يافا وقلعتها]
وفيها نزل السّلطان عَلَى يافا وأخذها بالسّيف، وأخذ القلعة بالأمان
[4] ، ثمّ طوّلوا ساعات الانتقال وأَمْهلوا وسوَّفوا، حَتَّى جاءهم ملك
الأنكتير نجدة فِي البحر بغتة، ودخل القلعة وغدروا، فأسر السّلطان من
كَانَ قَدْ خرج منهم، وسار إلى الرملة [5] .
[الهدنة بَيْنَ السلطان والفِرَنج]
ثُمَّ وقعت الهدنة بينه وبين الفِرَنج مدّة ثلاث سِنين وثمانية أشهر،
وَجَعَل لهم من يافا إلى قَيْساريَّة إلى عكّا، إلى صور. وأدخلوا فِي
الصّلح طرابُلُس، وأنطاكية، واستعاد منهم الدّاروم [6] ، ودخل فِي
هَذَا الصّلح وَهُوَ كارْهٌ يأكل يديه منَ الحنق والغَيظ ولكنّه عجز
وكثُرت عليه الفِرَنج. وكُتِب كتاب الصّلح
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 420، مفرّج الكروب 2/ 410، الروضتين 2/ 209، تاريخ
ابن الفرات 4/ 2/ 92.
[2] الكامل 12/ 81.
[3] في الأصل: «دمهم» وهو سهو من الناسخ.
[4] الكامل 12/ 81 و 84، النوادر السلطانية 222، تاريخ ابن الفرات 4/
2/ 75- 81 و 85.
[5] الكامل 12/ 84، 85، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 85.
[6] تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 85.
(41/86)
بَيْنَ الملَّتَيْن فِي الثّاني والعشرين
من شعبان. ووقعت الأَيْمان والمواثيق عَلَى ذَلِكَ منَ الفريقين،
ونوديَ بِذَلِك.
وكان فِي جملة من حضر عِنْد صلاح الدّين صاحب الرملة، فَقَالَ لصلاح
الدّين: ما عمل أحدُ ما عملت، إننا أحصينا من خرج إلينا فِي البحر منَ
المقاتلة فكانوا ستّمائة ألف رَجُل ما عاد منهم إلى بلادهم من كُلّ
عشرة واحد [1] ، بعضهم قُتِلوا [2] ، وبعضهم مات، وبعضهم غرق. وأذِن
صلاح الدّين فِي زيارة القدس للفرنج، وتردَّدت الرُّسل بَيْنَ السّلطان
وبين الفِرَنج [3] .
[امتناع جُند السلطان عن القتال]
ثمّ سار فنزل بالعوجاء، وبلغه أنّ الأنكتير بظاهر يافا فِي نفرٍ يسير،
فساق ليكبسه، فأتى فوجد نحو عشر خيم، فحمل السّلطان عليهم، فثبتوا ولم
يتحرَّكوا، وكشّروا عَنْ أنياب الحرب، فارتاع عسكر السّلطان وهابوهم،
وداروا حولهم حلقة. وكانت عدّة الخيل سبعة عشر، والرجّالة ثلاثمائة.
فوجَدَ السّلطان من ذَلِكَ وتألَّم، ودار عَلَى جُنْده ينخّيهم عَلَى
الحملة، فلم يُجِب دعاءه سوى ولده الملك الظّاهر. وقَالَ للسّلطان
الجناح أخو سيف الدّين المشطوب: قل لغلمانك الّذين ضربوا النّاس يوم
فتح يافا وأخذوا منهم الغنيمة يحملون. وكان فِي نفوس العسكر غَيْظ
عَلَى السّلطان حيث فوَّتهم الغنيمة. فغضب السّلطان وأعرض عن القتال
[4] .
__________
[1] مشارع الأشواق 2/ 942.
[2] في الكامل 12/ 86: «بعضهم قتلته أنت» .
[3] الكامل 12/ 85- 87، الفتح القسيّ 603- 605، النوادر السلطانية 234،
تاريخ الزمان 224، تاريخ مختصر الدول 223، مفرّج الكروب 2/ 394، زبدة
الحلب 3/ 122، المختصر 3/ 82، الدر المطلوب 111، دول الإسلام 2/ 100،
البداية والنهاية 12/ 350، العسجد المسبوك 217، تاريخ ابن الوردي 2/
105، تاريخ ابن خلدون 5/ 329، 330، صبح الأعشى 5/ 375، السلوك ج 1 ق 1/
110، النجوم الزاهرة 6/ 47، 48، شفاء القلوب 177، تاريخ ابن سباط 1/
204.
[4] الكامل 12/ 84، 85.
(41/87)
وذُكِر أنّ الأنكتير حمل يومئذٍ برْمحه من
طرف الميمنة إلى طرف الميسرة، وما تعرَّض لَهُ أحد.
فردّ السّلطان وسار إلى النّطرون ثُمَّ إلى القدس [1] .
[توثيق الهدنة]
ومرض الأنكتير، وكانت رُسُله تتردّد فِي طلب الخَوْخ والكُمِّثْرَى،
وكان السّلطان يمدّه بِذَلِك وبالثّلج.
ثُمَّ عُقِدت الهدنة وتوثّق منَ الفريقين، فحلف جماعة من ملوك الفرنج
ومن ملوك الْإِسْلَام من آل السّلطان ومن أمرائه الأعيان، وكان يوم
الصّلح يوما مشهودا، عمَّ الفرح هَؤُلَاءِ وهَؤُلاءِ. ورجع إلى القدس
فتمَّم أسواره ودخل دمشق [2] .
[مقتل سلطان الروم]
وفيها قتل سلطان الروم قلج أرسلان [3] .
__________
[1] الكامل 12/ 85، تاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 82.
[2] الكامل 12/ 86، 87، نهاية الأرب 28/ 436، 437، النوادر السلطانية
235، تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 90، 91.
[3] انظر عن (قلج أرسلان) في: الكامل في التاريخ 12/ 87- 90، والفتح
القسّي 623- 625، وتاريخ مختصر الدول 223، والروضتين 2/ 209، ومفرّج
الكروب 2/ 412، ومرآة الزمان 8/ 420، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة
(مصورّة بمكتبة الدراسات العليا في جامعة بغداد) ورقة 74، والدرّ
المطلوب 111، والمختصر لأبي الفداء 3/ 84، والعسجد المسبوك 218، 219،
ودول الإسلام 2/ 100، وتاريخ ابن الوردي 2/ 106، والبداية والنهاية 12/
352، والسلوك ج 1 ق 1/ 112، والنجوم الزاهرة 6/ 117، 118، وتاريخ ابن
سباط 1/ 206، وشذرات الذهب 4/ 295، وأخبار الدول للقرماني (الطبعة
الجديدة) 2/ 514، وتاريخ ابن الفرات 4/ 2/ 93- 95.
(41/88)
سنة تسع وثمانين
وخمسمائة
[قدوم ابن شملة عَلَى الخليفة]
فيها قدِم عَلِيّ ابن الأمير شملة إلى الخليفة بمفاتيح قلاع أَبِيهِ،
فخلع عليه.
[إمرة الحاجّ]
وفيها ولي إمرة الحاجّ قُطْب الدّين سَنْجَر النّاصريّ [1] .
[إعادة ابن الْبُخَارِيّ للقضاء]
وفيها أُعيد إلى القضاء أَبُو طَالِب بْن الْبُخَارِيّ.
[مقتل بكتمر]
وفيها قتل بكتمر المتغلّب على مدينة خِلاط عَلَى يد الباطنيّة. وكان
قَدْ تسلْطَن وضرب لنفسه الطّبل فِي أوقات الصّلوات الخمس [2] .
__________
[1] مرآة الزمان 8/ 422.
[2] انظر عن مقتل بكتمر في: الكامل في التاريخ 12/ 102، 103، ومرآة
الزمان 8/ 423، وتاريخ مختصر الدول 224، وإنسان العيون، ورقة 46،
ومفرّج الكروب 3/ 19، والمختصر 3/ 88، 89، والدرّ المطلوب 125، وسير
أعلام النبلاء 21/ 277، 278، رقم 150، وتاريخ ابن الوردي 2/ 109،
والبداية والنهاية 23/ 7، والوافي بالوفيات 10/ 189، 190 رقم 4675،
وشفاء القلوب 202، والنجوم الزاهرة 6/ 132، 133، وتاريخ ابن سباط 1/
210، وشذرات الذهب 4/ 297.
(41/89)
[مرض السلطان طُغْرُل]
وفيها سار السّلطان طُغْرُل إلى الرّيّ، فتل بها ألف نفس، وعاد إلى
هَمَذَان، فمرض وبطل نصفه.
[الخِلعة عَلَى قيماز]
وفيها خلِع عَلَى قَيُماز شِحْنة أصبهان القادم فِي صُحبة مؤيّد الدّين
ابن القصّاب وأُعطي ستّة آلاف دينار، وتوجّه إلى بلده وفي صحبته
الأميران سنقر الطّويل وإيلبا.
[وفاة السلطان صلاح الدين]
وتُوُفّي السّلطان صلاح الدّين، فوصل إلى بغداد فِي رمضان الرَّسُول
وَفِي صُحبته لأْمَة الحرب الّتي لصلاح الدّين وفَرَسه ودينار واحد
وستّة وثلاثون درهما، لَمْ يخلّف منَ المال سواها. وصُحبة ذَلِكَ صليب
منَ الذّهب الأحمر كَانَ قَدْ أخذه منَ القدس [1] .
__________
[1] انظر عن وفاة صلاح الدين في: الفتح القسّي 627، 628، والنوادر
السلطانية 241، والكامل 12/ 95- 97، وتاريخ مختصر الدول 223، وتاريخ
الزمان 225، 226، والروضتين 2/ 212، وزبدة الحلب 3/ 124، 125، والتاريخ
الباهر 185- 189، ومرآة الزمان 8/ 425- 436، والتكملة لوفيات النقلة 1/
183، 184 رقم 189، والمختصر 3/ 85، 87، والإعلام والتبيين 42- 44،
ونهاية الأرب 28/ 437- 440، ومفرّج الكروب 2/ 423- 426، والدرّ المطلوب
113- 115، ووفيات الأعيان 7/ 139- 218 رقم 846، والعسجد المسبوك 220،
221، ودول الإسلام 2/ 101، وسير أعلام النبلاء 21/ 278- 291 رقم 151،
والإعلام بوفيات الأعلام 243، والعبر 4/ 270، وتاريخ ابن الوردي 2/
106، 107، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 325- 341، وأمراء دمشق في
الإسلام 102 رقم 300، والاجتهاد في طلب الجهاد لابن كثير 91، ومرآة
الجنان 3/ 439- 466، والبداية والنهاية 13/ 2- 6، والجوهر الثمين 2/
13- 19، وتاريخ ابن خلدون 5/ 330، وتحفة الأحباب للسخاوي 41، 42،
والسلوك ج 1 ق 1/ 112- 114، وشفاء القلوب 179- 196، وثمرات الأوراق
لابن حجّة الحموي 225، والنجوم الزاهرة 6/ 50- 61، وتاريخ ابن سباط 1/
206- 209، والدارس 2/ 432، وترويح القلوب للزبيدي 42 رقم 25، وبدائع
الزهور ج 1 ق 1/ 247- 250، وأخبار الدول للقرماني 194، 195، ومشارع
الأشواق 2/ 934- 949.
(41/90)
[افتتاح مدرسة
ببغداد]
وفيها فُتحت المدرسة الّتي بْنِيَت ببغداد لوالدة النّاصر لدين اللَّه،
ودرَّس بها أَبُو علي النّوقانيّ [1] .
[فتوحات أيبك]
وفيها غزا السّلطان شهاب الدّين صاحب غَزْنة وتقدّم مملوكه أيبك
بالجيوش، فافتتح ما أمكنه، وسبى وغنِم شيئا كثيرا، ورجع سالما [2] .
[انقضاض كوكبين]
قَالَ ابن الأثير [3] : وفيها انقضّ كوكبان عظيمان واضطربا، وسُمِع صوت
هَدَّةٍ عظيمة، وذلك بعد طلوع الفجر، غلب ضوءهما ضوء القمر وضوء
النّهار.
__________
[1] في الأصل: «الونقاني» وهو غلط. والخبر في: مرآة الزمان 8/ 422.
[2] الكامل 12/ 103.
[3] في الكامل 2/ 104.
(41/91)
سنة تسعين وخمسمائة
[ولاية شحنكية بغداد]
فِي ربيع الأوّل وُلّي مجد الدّين ياقوت الروميّ شِحْنكيَّة بغداد،
فأقام سياسة البلد وأخلاه منَ المفسدين.
[الحرب بَيْنَ ملك غزنة وسلطان الهند]
وفيها كان الحرب بَيْنَ السّلطان شهاب الدّين الغوريّ ملك غَزْنَة
وَبَيْنَ بنارس سلطان الهند. وذلك أن أَيْبك مملوك شهاب الدّين لمّا
دخل عام أوّل الهندَ فأغار عَلَى الأطراف تنمَّر بنارس وغضب، وَهُوَ
أكبر ملوك الهند.
قَالَ ابن الأثير [1] : وولايته من حدّ الصّين إلى بلاد ملاو طولا،
ومنَ البحر إلى مسيرة عشرة أيّام من لهاوور [2] عَرْضًا، فحشد وجمع
وقصد الْإِسْلَام، فطلبه شهاب الدّين بجيوشه، فالتقى الجمعان عَلَى نهر
ماجون.
قال: وكان مع الهنديّ سبعمائة فيل. وكذا قَالَ ابن الأثير.
قَالَ: ومنَ العسكر عَلَى ما قِيلَ ألف ألف نفس، ومن جملة عسكره عدّة
أمراء مسلمين كانوا فِي تِلْكَ البلاد. فصبر الفريقان، واشتدّ الحرب،
وكان النّصر لشهاب الدّين، وكثُر القتل فِي الهنود حَتَّى جافت منهم
الأرض، وأخذ شهاب الدّين تسعين فيلا. وَقُتِلَ بنارس ملك الهند، ولم
يعرفه أحد، إلّا أَنَّهُ كَانَ قَدْ شدّ أسنانه بالذّهب، فبذلك عرف.
__________
[1] في الكامل 12/ 105.
[2] في الأصل: «الهاوور» .
(41/92)
ودخل شهاب الدّين بلاد بنارس وحمل من
خزائنها ألفا [1] وأربعمائة حمل [2] ، وعاد إلى غَزْنَة.
ومن جملة الفِيَلَة الّتي أخذها فِيل أبيض. حَدَّثَنِي بِذَلِك من رآه.
فَلَمَّا عُرِضت الفِيَلَة عَلَى شهاب الدّين خدمت جميعها إلّا الفيل
الأبيض فَإنَّهُ لَمْ يخدم [3] .
[مقتل السلطان طُغْرُل]
وفيها، فِي جُمادى الأولى، وصل رسول من خُوارزم شاه وصُحبته ابن عَبْد
الرّشيد الَّذِي سار فِي رسالة الخليفة إلى خوارزم شاه يأمره بمحاربة
المارق طُغْرُل السَّلْجُوقيّ. فمرض عَبْد الرّشيد وأحسّ بالموت، فأمر
ولده بالمسير إلى خوارزم شاه لأداء الرسالة، فقابل الرسالة بالسَّمْع
والطّاعة، وسار بجيوشه فحارب طُغْرُل وانتصر عليه، وهزم عساكره ونهب
أمواله، وقتله، وحمل رأسه إلى بغداد وصُحبة رسوله، فأبرز للقيَّة
الموكب، وأُتي بالرأس عَلَى رُمح، ودخل قاتله وَهُوَ شابٌّ تركيّ من
أمراء خُوارزم شاه [4] .
وأوَّل كتابه: «الحمد للَّه الَّذِي جعل الملوك من أخلص المماليك عقيدة
ونيّة، وأصحَّهم ولاء وعُبُودية، وأصفاهم سريرة وطَوِية.
وفيه: ولمّا وردت المراسم بردع ذَلِكَ المارق المنافق، أرسل المملوك
داعيا لَهُ إلى الطّريق اللّاحب، ومشيرا عليه باعتماد الواجب، ليعود
إلى طاعة
__________
[1] في الأصل: «ألف» .
[2] في الكامل 12/ 106 «حمل من خزائنها على ألف وأربع مائة جمل» .
[3] الكامل 12/ 105، 106.
[4] الكامل 12/ 106- 108، المختصر 3/ 89، مرآة الزمان 8/ 444، 445،
نهاية الأرب 27/ 63، إنسان العيون (ورقة 52) ، العسجد المسبوك 228، دول
الإسلام 2/ 102، سير أعلام النبلاء 21/ 267، 268، رقم 140، العبر 4/
272، تاريخ ابن الوردي 2/ 109، البداية والنهاية 13/ 9، النجوم الزاهرة
6/ 134، تاريخ ابن سباط 1/ 211، 212، شذرات الذهب 4/ 301.
(41/93)
الْإِمَام، وعارضا عليه تجديد الْإِسْلَام،
أَوِ الاستعداد للمصافّ، والرجوع إلى حكم الاستئناف. وكان بالرّيّ،
فزلف المملوك إِلَيْهِ فِي كتيبةٍ شهباء من جنود الْإِسْلَام، مقنعة
بالزَّرَد المحبوك، مُحْتَفٍّ بالملائكة، محفوفة بالملوك، يتألّق
حديدها، ويتنمّر أُسودها، وهي كالجبل العظيم، واللّيل البهيم، خلفها
السِّباع والذّفريان وفوقها النُّسور والعُقْبان، وبين يديها شخص
المنون عريان، إلى أن وافت ذَلِكَ المخذول، وَهُوَ فِي جيش يُعْجِز
الإحصاء، ويضيق عَنْهُ الفضاء، فصبّ اللَّه عليهم الخذلان، لمّا تراءى
الجمعان، وبرز الكفر إلى الْإِيمَان، فتلا المملوك: قاتِلُوهُمْ
يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ 9: 14 [1] » .
إلى أن قَالَ: «وأنفذ اللَّه حكمه فِي الطّاغية، وعجَّل بروحه إلى
الهاوية، وملك المملوك بلادهم» .
[التجاء خوارزم شاه إلى الجبال]
قَالَ ابن الأثير [2] : وكان الخليفة قَدْ سيَّر نجدة لخُوارزم شاه،
وسيَّر لَهُ مَعَ وزيره ابن القصّاب خِلَع السَّلطنة، فنزل عَلَى فرسخٍ
من هَمَذَان، فأرسل إليه خوارزم شاه بعد الوقعة يطلبه إِلَيْهِ،
فَقَالَ مؤيَّد الدّين ابن القصّاب: ينبغي أن تحضر أَنْت وتلبس خِلْعة
أمير المؤمنين من خيمتي. وتردّدت الرُّسل بينهما، فَقِيل لخُوارزم شاه.
إنّها حيلة عَلَى القبض عليك. فرحل خُوارزم شاه ليأخذه، فاندفع بَيْنَ
يديه، والتجأ إلى بعض الجبال، فامتنع بِهِ.
[ولاية الأستاذ دارية]
وفيها عُزِل أَبُو المظفّر عُبَيْد اللَّه بْن يُونُس منَ الأستاذ
داريَّة، وحُبِس إلى أن مات، وولي مكانه تاج الدّين أبو الفتح بن رزين.
__________
[1] سورة التوبة، الآية 14.
[2] في الكامل 12/ 108.
(41/94)
[قُتِلَ متولّي الحلَّة]
وفيها قُبض عَلَى ألب غازي متولّي الحِلَّة وأُخذت أمواله، وَقُتِلَ
جزاء بما كذب عَلَى الأمير طاشتِكِين.
[وزارة ابن القصّاب]
وفي رمضان أحضر مؤيّد الدّين ابن القصّاب وشافهه الخليفة بالوزارة [1]
، وقَالَ: يا مُحَمَّد قَدْ قلّدتك ما وراء بابي، وجعلته فِي ذمّتك،
فاعمل فيما ترى برأيك.
وخلع عليه وضُرِبت النّوبة عَلَى بابه عَلَى قاعدة الوزراء، ثمّ توجّه
إلى تستر، فافتتح بلاد خُوزستان [2] .
[حبس ابن الجوزي]
وَفِي شوّال وقع الرّضا عَنْ أولاد الشَّيْخ عَبْد القادر وأُخذ ابن
الجوزيّ إلى واسط، فحُبس بها مدّة خمس سنين [3] .
[السلاطين الأيوبيّون وبلادهم]
وكان سلطان مصر فِي هَذِهِ السّنة: الملك الْعَزِيز عماد الدّين
عُثْمَان بْن صلاح الدّين، وسلطان دمشق: الملك الأفضل نور الدّين
عَلِيّ بْن صلاح الدّين، وسلطان حلب: الملك الظّاهر غياث الدّين غازي
بْن صلاح الدّين، والكَرَك وناحيتها، حَرّان، والرُّها، وتلك النّاحية
بيد الملك العادل سيف
__________
[1] مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 438.
[2] الكامل 12/ 108، 109.
[3] مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 339.
(41/95)
الدّين أبي [1] بكر، وحماه، والمعرّة،
وسليمة، ومَنْبِج بيد الملك المنصور مُحَمَّد بْن تقيُّ الدِّين عُمَر
بْن شاهنشاه، وبِعْلَبَكّ بيد الأمجد بهرام شاه بن فرّخ شاه، وحمص بيد
المجاهد أسد الدّين شِيرَكُوه [2] .
[قصد الملك الْعَزِيز دمشق]
وكان الملك العادل بالكَرَك عِنْد موت أَخِيهِ وهي مُسْتَقَرَّهُ
وحصْنه، فتوجّه نحو دمشق لمّا بلغه مجيء الملك الْعَزِيز يحاصر أخاه
الأفضل، ورافقه الظّاهر غازي، فأصلح بينهم عمُّهم، ورجع الْعَزِيز إلى
مصر فِي رمضان منَ السّنة الماضية [3] .
ثُمَّ إنّ الْعَزِيز قصد دمشق فِي هَذِهِ السّنة فِي شعبان.
[استعادة الفِرَنج جُبَيل]
وقَالَ الْإِمَام أَبُو شامة [4] : وفيها استعادت الفِرَنج حصن جُبَيل
بمعاملة من خَصِيٍّ كرديّ [5] .
قُلْتُ: ثُمَّ افتتحها الملك الأشرف بعد مائة سنة.
[الصلح بَيْنَ الأخوين الأفضل والعزيز]
قَالَ: وفيها قدِم العادل منَ الشرق وطلع إلى قلعة حلب وبات بها
واستخلص داروم (....) [6] منَ اعتقال ابن أَخِيهِ الملك الظّاهر، ثمّ
قدم
__________
[1] في الأصل: «أبو» .
[2] مفرّج الكروب 3/ 4، تاريخ ابن سباط 1/ 209.
[3] الكامل 12/ 109، 110.
[4] في الروضتين 2/ 242.
[5] نهاية الأرب 28/ 442، 443، مفرّج الكروب 3/ 26.
[6] بياض في الأصل.
(41/96)
دمشق فأصلح بَيْنَ الأخوين الأفضل والعزيز،
عَلَى أنّ للعزيز من بَيْسان إلى أسوان. وقدِم الظّاهر، من حلب إلى
دمشق، ثُمَّ عاد كُلّ إلى بلاده [1] .
[زواج الْعَزِيز منَ ابْنَة عمّه]
وتزوَّج الْعَزِيز بابنة عمّه العادل [2] .
[دهاء الملك العادل]
قُلْتُ: وَذَلِكَ من دهاء الملك العادل فَإنَّهُ بقي يلعب بأولاد
أَخِيهِ لعبا [3] ، فَإنَّهُ قدِم من حلب بصاحبها، وبصاحب حماه ناصر
الدّين مُحَمَّد بْن عُمَر، وبصاحب حمص، وَغَيْرُهُمْ، واتّفقوا عَلَى
حفْظ دمشق. وأوضح لهم العادل بأنّ الملك الْعَزِيز إنْ مَلَكَ دمشق
أَخَذَ منكم بلادكم [4] .
[المصالحة بَيْنَ الأيوبيّين]
فَلَمَّا رَأَى الْعَزِيز اجتماعهم راسل فِي الصُّلح، فاستقرَّت
القاعدة عَلَى أن يكون لَهُ مملكة فلسطين، وهي البيت المقدس وبلادها
مَعَ مصر، عَلَى أنّ للعادل إقطاعه الأول بمصر، وأن يكون نائبا
للسّلطنة بمصر. وأنّ للملك الأفضل دمشق والأردنّ، وأنّ للظّاهر مملكة
حلب مَعَ جَبَلَة واللّاذقيَّة. وتفرّقوا عَلَى ذَلِكَ. وخرج الأفضل
فودّع أخاه الملك العزيز [5] .
__________
[1] الكامل 12/ 109، 110، نهاية الأرب 28/ 444- 446، المختصر 3/ 90،
الدر المطلوب 124، 125، التاريخ المنصوري (تحقيق الدكتور دودو) 4، زبدة
الحلب 3/ 130، تاريخ ابن الوردي 2/ 110، العسجد المسبوك 229، 230،
البداية والنهاية 13/ 8، 9، تاريخ ابن خلدون 5/ 331، السلوك ج 1 ق 1/
116، 117، تاريخ ابن سباط 1/ 213.
[2] نهاية الأرب 28/ 445، مفرّج الكروب 3/ 34، 35.
[3] في الأصل: «لعب» .
[4] الكامل 12/ 110.
[5] الكامل 12/ 110، نهاية الأرب 28/ 445، مفرّج الكروب 3/ 35، 36.
(41/97)
قَالَ العماد الكاتب [1] : قَالَ لي
الأفضل: كُنْت قَدْ فارقت أَخِي منذ تسع سنين، وما التقينا إلّا فِي
هَذِهِ السّنة.
قَالَ: وأنشدني لنفسه فِي المعنى:
نَظَرْتُكَ نظرة من بَعْد تِسْعٍ ... تقضَّت بالتَّفرُّق من سِنين
وغضّ الطَّرْف [2] عَنْهَا طَرْفُ غدْرٍ ... مسافة قرب طَرْفٍ [3] من
جبين [4]
فويح الدّهر لم يسمح بقرب [5] ... بعيد بِهِ الهجوعَ إلى الْجُفُون
فراقٌ [6] ثُمَّ يُعْقِبُهُ بَيْنٌ ... يُعيدُ إلى الحشا عَدَم
السُّكون
ولا يُبدي جيوشَ القُربِ حَتَّى ... يرتّبَ جيشَ بُعْدٍ في الكمين
ولا يُدني محلّي منك إلّا ... إذا دارتْ رَحى الحربِ الزَّبُون
فَلَيْتَ الدّهرُ يسمح لي بأُخْرى ... ولو أمضى بها حُكْمَ المنون
[7] فقلت: للَّه درُّك ما أبدع هَذَا المعنى، فكاتِبْ أخاك بما فِيهِ
استعطاف.
[الإفساد عَلَى الأفضل]
قَالَ العماد [8] : فلو تُرِك الأفضلُ وفِطْنته الذّكيّة، لجرت الأمور
عَلَى السّداد، ولكنّ أصحابه وجلساءه أفسدوا أحواله، ورموا أكابر
أمرائه بالمكاتبة والخيانة، فوقعت [9] الوحشة، وقالوا لَهُ: أَنْت أحقّ
بالسّلطنة، وأنت أكبر الإخوة، وأنت وليّ عهد أبيك. فتفرَّق عَنْهُ
كبراء دولته، وتوجّهوا إلى الْعَزِيز. فكان إذا
__________
[1] في الفتح القسّي، ونقل عنه ابن واصل في: مفرّج الكروب 3/ 37 وما
بعدها.
[2] في الروضتين، ومفرّج الكروب: «وغضّ الدهر» .
[3] في الروضتين: «قرب عين» .
[4] في الأصل: «حنين» ، والتصحيح من: الروضتين، ومفرّج الكروب.
[5] في مفرّج الكروب: «لم يسمح بوصل» .
[6] في مفرّج الكروب: «فراقا» .
[7] الأبيات في: الروضتين 2/ 229، ومفرّج الكروب 3/ 37، 38.
[8] في الفتح القسّي، وعنه نقل ابن واصل في: مفرّج الكروب 3/ 38.
[9] في مفرّج الكروب 3/ 38 «فتمكّنت الوحشة في قلبه وقلوب أمرائه» .
(41/98)
قدِم منهم أميرٌ بالَغَ فِي إكرامه، فأخذوا
يحرّضون الْعَزِيز عَلَى قصد دمشق [1] .
وأقبل الأفضل مَعَ هَذَا عَلَى الشُّرب والأغاني ليله ونهاره، وأشاع
نُدَماؤه أنّ عمّه العادل حضر عنده ليلة، وحسَّن لَهُ ذَلِكَ واستحسن
المجلس، وقال:
أَيِّ حاجة لك إلى التكتُّم، ولا خير فِي الّلذَّات من دونها سِتْر.
فقبل وصيَّة عمّه وتظاهر. ودبّر وزيره [2] الأمور برأيه الفاسد.
ثُمَّ إنّ الأفضل أصبح يوما تائبا من غير سبب، وأراق الخمُور، وأقبل
عَلَى الزُّهد، ولبس الخشِن وأكثر التّعبُّد. وواظب عَلَى صيام أكثر
الأوقات، وشرع فِي نسْخ مُصحَف، وضرب أواني الشّرب دراهم ودنانير،
واتّخذ لنفسه مسجدا وجالسَ الفقراء [3] .
قَالَ ابن واصل [4] ، وغيره: ولكنّه كان قليل السّعادة، ضعيف الآراء.
__________
[1] مفرّج الكروب 3/ 38، 39.
[2] هو ضياء الدين بن الأثير صاحب كتاب «المثل السائر» .
[3] مفرّج الكروب 3/ 40، المختصر 3/ 790 91، وتاريخ ابن الوردي 2/ 110،
البداية والنهاية 13/ 9، السلوك ج 1 ق 1/ 118، 119، تاريخ ابن سباط 1/
213، 214.
[4] في مفرّج الكروب 3/ 38.
(41/99)
بِسْمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1: 5
الموتى في هذه الطبقة
الموتى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
1- أَحْمَد بْن سالم بْن نبهان.
أَبُو سَعِيد الأَسَديّ، المطَّوّعيّ، القاضي.
حدَّث فِي هَذَا العام بالإجازة ببغداد عَنْ: أَحْمَد بْن مُحَمَّد
الزَّنْجُونيّ.
روَى عَنْهُ: أَحْمَد بْن محمود الواسطيّ.
ومولده سنة خمسمائة.
2- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد [1] .
أَبُو الْعَبَّاس بْن اليتيم الْأَنْصَارِيّ، البَلَنْسيّ،
الأَنْدَرْشِي الْمُقْرِئ.
أَخَذَ القراءاتِ عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن موهب الْجُذَاميّ، وأبي
عَلِيّ بْن عُرَيْب، وأبي إِسْحَاق بْن صالح، وأبي الْعَبَّاس بْن
العريف، وجماعة لقيهم بالمَرِيَّة وسمع منهم. ومن: ابن ورد، وابن
عطيّة، وابن اللّوّاز.
وأجاز لَهُ أَبُو عَلِيّ بْن سُكَّرَة. وتصدَّر للإقراء بمالقة، وأخذ
النّاس عنهم.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن عبد الله) في: بغية الملتمس للضبيّ 168،
وتكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 83، ومعجم الصدفي 53، والذيل والتكملة
للمراكشي ج 1 ق 2/ 439- 447، ومعرفة القراء الكبار 2/ 557 رقم 510،
وغاية النهاية 1/ 121، 122، وبغية الوعاة 1/ 367، وروضات الجنات 1/
231، 232.
(41/100)
قال الأبّار [1] : ثنا عَنْهُ: ابنه أَبُو
عَبْد اللَّه، وأَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وأَبُو الخَطَّاب الرمليّ.
وتُوُفّي فِي رمضان بالمَرِيَّة.
3- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن الطّيّبيّ.
أَبُو الْعَبَّاس المعدَّل، والد الوزير أَبِي المظفّر عُبَيْد اللَّه.
سَمِع من: المعمَّر بْن مُحَمَّد البيِّع. وقاضي المَرِسْتان.
وحدَّث.
4- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن منذر [2] بن أحمد بن سعيد بن [ملكو] ن
[3] .
الأستاذ أَبُو إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ، النَّحْويّ، الإشبيليّ.
سَمِع من: أَبِي مَرْوَان الباجيّ، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وعبّاد بْن
سرحان، وأبي الْوَلِيد بْن حَجّاج، وأبي القاسم بْن الرّمال، وعنهما
أَخَذَ علم العربيّة والآداب فرأسَ فيهما وبرع.
وأجاز لَهُ أَبُو الْحَسَن بْن مغيث، وجماعة.
واشتهر اسمه وصنّف « [إيضاح] [4] المنهج» جمع فِيهِ بَيْنَ كتابي ابن
جنّي على «الحماسة» «التنبيه» و «المبهج» ، وصنّف غير ذَلِكَ.
أَخَذَ عَنْهُ جماعة منَ الجلّة، وأجاز لأبي سُلَيْمَان بْن حوط
اللَّه.
وتُوُفّي بإشبيليّة، ودُفِن بداره.
حَمَل عَنْهُ: أَبُو عليّ الشّلوبين، والقاضي أبو مروان الباجيّ.
__________
[1] في تكملة الصلة 1/ 83.
[2] انظر عن (إبراهيم بن محمد) في: تكملة الصلة 192، والوافي بالوفيات
6/ 130 رقم 2568، وبغية الوعاة 1/ 188، وكشف الظنون 339، 692، وإيضاح
المكنون 1/ 7158 ومعجم المصنّفين للتونكي 4/ 398، 399، وفهرس المخطوطات
المصورة لسيد 1/ 342، ومعجم المؤلفين 1/ 108 وفيه وفاته سنة 584 هـ.
[3] في الأصل بياض، والمستدرك من المصادر.
[4] في الأصل بياض، والمستدرك من المصادر.
(41/101)
5- إِسْمَاعِيل بْن مكّيّ [1] بْن
إِسْمَاعِيل [2] بْن عِيسَى بْن عَوْف.
من ولد حُمَيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف.
صَدْر الْإِسْلَام أَبُو الطّاهر القُرَشِيّ الزُّهْرِيّ الإسكندريّ،
الفقيه المالكي.
وُلِد سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وتفقّه عَلَى أَبِي بَكْر
الطُّرْطُوشيّ، وبَرَع فِي المذهب وأقرأ النّاس، وتخرّج بِهِ جماعة.
وسمع منَ: الطُّرْطُوشيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد
الرازيّ.
كتب عَنْهُ الحافظ أَبُو طاهر بْن سِلَفَة وَهُوَ من شيوخه.
وحدّث عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ المقدسيّ، وعبد القادر الرَّهاويّ،
وعليّ بْن المفضّل، وآخرون، وأحفادُه الْحَسَن وعبد اللَّه وعَبْد
الْعَزِيز بنو الفقيه عَبْد الوهَّاب ولده.
ورحل إِلَيْهِ السّلطان صلاح الدّين يوسف، وسمع منه «الموطّأ» .
تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي الخامس والعشرين من شعبان [3] .
- حرف الباء-
6- بهلوان بن إلدكز [4] .
__________
[1] انظر عن (إسماعيل بن مكي) في: العبر 4/ 242، وسير أعلام النبلاء
21/ 122، 123 رقم 60، وتذكرة الحفاظ 4/ 1336، والمعين في طبقات
المحدّثين 178 رقم 1897، والإعلام بوفيات الأعلام 239، ومرآة الجنان 3/
419، وذيل التقييد 1/ 474 رقم 925، والديباج المذهب 95، والمقفى الكبير
2/ 183، 184 رقم 783، والوافي بالوفيات 9/ 228 رقم 4132، وشذرات الذهب
4/ 1/ 26.
[2] في الأصل: «أسد» ، والمثبت عن المصادر.
[3] وقال ابن الجمّيزي في مشيخته: هو إمام عصره، وفريد دهره في الفقه،
وعليه مدار الفتوى مع الورع والزهادة وكثرة العبادة. (سير أعلام
النبلاء) .
[4] انظر عن (بهلوان بن إلدكز) في: الكامل في التاريخ 11/ 525، 526
(حوادث سنة 582 هـ.) ، والفتح القسّي 181، 572- 574، ومرآة الزمان ج 8
ق 1/ 391، 392، والروضتين 2/ 73، وتاريخ مختصر الدول 220، والمختصر في
أخبار البشر 3/ 70 (سنة 582 هـ.) ، وتاريخ ابن الوردي 2/ 96 (سنة 582
هـ.) ، وسير أعلام النبلاء 21/ 144، 145 رقم 73، ودول الإسلام 2/ 91،
والعبر 4/ 242 وفيه اسمه «محمد» ، ومرآة الجنان
(41/102)
الأتابَك شمس الدّين صاحب أَذَرْبَيْجان
وعراق العجم أصبهان، والريّ، وبلاد أرّان.
كان أبوه الأتابك إلدكز كبير القدر، وكان أتابك السّلطان رسلان شاه بن
طغريل بن محمد بن ملك شاه، فمات هو وسلطانه في سنة سبعين وخمسمائة،
فتملّك البهلوان إلى أن مات فِي آخر هَذَا العام، وقام بعده أخوه الملك
قزل مِن أُمّه، فبقي إلى أن مات سنة سبع وثمانين وخمسمائة.
وكان البهلوان قَدْ أقام فِي المُلْك طُغْريل بْن أرسلان شاه آخر ملوك
بني سلجوق، فكان من تحت حكم البهلوان.
وخلّف البهلوان فيما قِيلَ خمسة آلاف مملوك وثلاثين ألف دابّة، ومنَ
الأموال ما لا يُحصى.
ثُمَّ قوي طُغْريل وتحارب هُوَ وقَزَل، وجَرَت أمور طويلة.
- حرف الثاء-
7- ثعلب بْن عَلِيّ بْن حسن.
أَبُو الوحش الْأَنْصَارِيّ، الْمَصْرِيّ، الكاتب.
رَوَى عن: عَبْد اللَّه بْن رفاعة، وأحمد بْن الحُطَيْئة.
وعنه: الحافظ ابن المفضّل.
- حرف الحاء-
8- الْحَسَن بْن سَعِيد بن أحمد بن البنّاء [1] .
أَبُو مُحَمَّد. من بيت الْحَدِيث والإسناد.
قَدْ ذكرناه فِي سنه اثنتين وسبعين.
وبعض النّاس ذكر أَنَّهُ مات فِي هَذَا العام فِي شعبان، فاللَّه أعلم.
__________
[ () ] 3/ 419، والعسجد المسبوك 198، وفيه وفاته سنة 582 هـ.، وشفاء
القلوب 115.
[1] انظر عن (الحسن بن سعيد) في: الجزء السابق من هذا الكتاب، في وفيات
472 هـ.
(41/103)
9- حياة بْن قَيْس [1] بْن رحّال [2] بْن
سلطان.
الْأَنْصَارِيّ، الحرَّاني، الزَّاهد، شيخ حرّان وصالحها، قُدوة
الزُّهاد بها.
كان عبدا صالحا، سَكّانًا، قانتا للَّه، صاحب أحوال وكرامات، وصدق
وإخلاص، وجدُّ واجتهاد، وتعفُّف وانقباض.
كَانَتِ الملوك والأعيان يزورونه ويتبرَّكون بلقائه. وكان كلمة إجماع
بَيْنَ بلده.
وقيل إنّ السّلطان نور الدّين بْن زنكي زَارَه واستشاره فِي جهاد
الفِرَنج، فقوَّى عَزْمَه ودعا لَهُ، ولمّا توجّه السّلطان صلاح الدّين
إلى حرب صاحب المَوْصِل دخل عَلَى الشَّيْخ حياة وطلب منه الدُّعاء،
فأشار عليه بترك المسير إلى المَوْصِل، فلم يقبل، وسار إليها فلم يظفر
بها.
ومن شيوخه: أَبُو عَبْد اللَّه الْحُسَيْن البواريّ الرجل الصّالح
تلميذ الشَّيْخ مُجلّي بْن ياسين.
وللشّيخ حياة سيرةٌ فِي نحو مجلَّد كَانَتْ عِنْد ذُريته، فَلَمَّا
استولت التّتار الغازانيّة عَلَى الشّام نُهِبت فيما نُهِب بالصّالحية.
وَقَدْ بَلَغَنا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ ملازما بحرّان نحوا من خمسين سنة
لم تفته الجماعةُ إلّا من عُذرٍ شرعيّ.
وكان بَشُوش الوجه، ليِّن الجانب، رحيم القلب، سخيّا كريما، مُحِبًّا
للَّه تَعَالَى، راجيا عفوه وكرمه، صاحبَ ليلٍ وتهجُّد.
انتقل إلى اللَّه تَعَالَى فِي ليلة الأربعاء سلْخ جُمادى الأولى سنة
إحدى
__________
[1] انظر عن (حياة بن قيس) في: العبر 4/ 243، وسير أعلام النبلاء 21/
181، 182 رقم 92، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1898، والإعلام
بوفيات الأعلام 239، ودول الإسلام 2/ 91، 92 وفيه «حيوة» ، ومرآة
الجنان 3/ 419- 422 وفيه «حيوة» ، والوافي بالوفيات 13/ 226 رقم 271،
والنجوم الزاهرة 6/ 100، وشذرات الذهب 4/ 269، والطبقات الكبرى
للشعراني 1/ 121.
[2] هكذا في الأصل بالحاء المهملة، وفي سير أعلام النبلاء بالجيم
(رجّال) ، وما أثبتناه يتفق مع: الوافي بالوفيات، والأصل، (رحّال) .
(41/104)
وثمانين هَذِهِ، وله ثمانون سنة رحِمَه
اللَّه، ولم يخلّف بحرّان بعده مثله.
نقلتُ كثيرا من ترجمته من «تاريخ» صاحبنا العدل الجليل شمس الدّين
أَبِي المجد مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم ابن الْجَزَريّ، وَهُوَ تاريخ
مفيد استفدت منه أشياء مطبوعة لا تكاد توجد إلّا فِيهِ. وَقَدْ كُنْت
انتخبتُ منه مجلّدا هُوَ الآن ملك الفقيه المحدّث الأوحد صاحبنا صلاح
الدّين خليل بْن كيكلديّ الشّافعي، حفظه اللَّه وأصلحَه [1] .
- حرف السين-
10- سعْد الدين [2] .
ولد الأمير مقدَّم الجيوش معين الدّين أُنُر، اسمه مَسْعُود.
كَانَ من أكابر الأمراء النُّوريَّة والصّلاحيَّة لأبُوَّته ولمكان
أخته الخاتون زَوْجَة نور الدّين وصلاح الدين.
توفّي فِي هَذِهِ السّنة بعد أخته بيسير.
وكان زوج ربيعة خاتون أخت السّلطان صلاح الدّين، فتزوَّج بعدَه بها ابن
صاحب اربل [3] .
__________
[1] ومن كلام حياة بن قيس: «قيمة القشور بلبابها، وقيمة الرجال
بألبابها، وعزّ العبيد بأربابها، وفخر المحبّة بأحبابها» . وقال: آثار
المحبّة إذا بدت أماتت قوما، وأحيت أسرارا، ونفت أشرارا، وأنارت
أسرارا. وأنشد:
وإذا الرياح مع العشيّ تناوحت ... أسهرن حاسده وهجن غيورا
وأمتن ذا بوجود وجد دائم ... وأقمن ذا وكشفن عنه ستورا
ومن شعره:
سمير المحبّ إلى المحبوب إعجال ... والقلب فيه من الأحوال بلبال
أطوي المهامة من قفر على قدم ... إليك يدفعني سهل وأجبال
(مرآة الجنان) .
[2] انظر عن (سعد الدين) في: ديوان ابن الدهان 166، والكامل في التاريخ
11/ 488، والسلوك ج 1 ق 1/ 90، والنجوم الزاهرة 6/ 99.
[3] في ديوان ابن الدهان قصيدة يمدح فيها صاحب الترجمة، مطلعها:
مولاي سعد الدين دعوة آمل ... من بحر فيض يديك خير مؤمّل
(41/105)
11- سَعِيد بْن أَبِي البقاء الموفّق بْن
عَلِيّ بْن جَعْفَر [1] .
أَبُو مُحَمَّد النَيْسابوريّ،. ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصّوفيّ،
الخازن.
صحِب شيخ الشيوخ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد، وكان برباطِهِ.
وُلدِ سنة خمسٍ وخمسمائة، وسمع: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، والحسين بْن
الفَرّخان السّمنانيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابنه مُحَمَّد، وعبد الْعَزِيز بْن دُلَف، وجماعة.
- حرف الشين-
12- شاكر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه [2] .
الرَّئيسُ أَبُو اليُسْر التّنوخيّ، المعَرّي، ثُمَّ الدِّمشقيّ، كاتب
الإنشاء.
كَانَ أديبا فاضلا، جليلا، ذكيّا، شاعرا.
قرأ الأدب عَلَى جدّه القاضي أَبِي المجد مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه
بحماه.
وسمع من: أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن العجميّ، وغيره.
وحدَّث. ووُلد بشَيزَر فِي سنة ستّ وتسعين وأربعمائة.
روى عنه الحافظ أبو القاسم بن عساكر مَعَ تقدُّمه، وَهُوَ جدّ المحدّث
تقيّ الدّين إِسْمَاعِيل.
وكان كاتب إنشاء ديوان الملك نور الدّين.
وروى عَنْهُ أيضا: ابنه إِبْرَاهِيم، وأَبُو القاسم بن صصريّ [3] .
__________
[ () ]
إن أرتحل بالجسم عنك فإنّ لي ... قلبا أقام لديك لمّا يرحل
[1] انظر عن (سعيد بن أبي البقاء) في: مشيخة النعال 72، 73، والمختصر
المحتاج إليه 2/ 89 رقم 693.
[2] انظر عن (شاكر بن عبد الله) في: التذكرة لابن العديم (مخطوطة دار
الكتب المصرية 2042 أدب) ورقة 113 و 338، وخريدة القصر (قسم شعراء
الشام) 2/ 35، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وسير أعلام النبلاء 21/
145 رقم 74، والعبر 4/ 243، والوافي بالوفيات 16/ 85- 87 رقم 98، وفوات
الوفيات 2/ 96، وشذرات الذهب 4/ 270، وتعريف القدماء بأبي العلاء 504.
[3] وقال العماد الكاتب في (الخريدة) : وكان حميد السيرة، جميل
السريرة، ومن شعره:
وردت بجهلي مورد الحبّ فارتوت ... عروقي من محض الهوى وعظامي
(41/106)
13- شاه أرمن [1] .
صاحب مملكة خِلاط.
توفّي بها فِي تاسع ربيع الآخر، وتملَّك بعده مملوكه بكتمر.
- حرف العين-
14- عَبْد اللَّه [2] .
أَبُو طَالِب ابن النّقيب الطاهر أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن
عَلِيّ بْن المعمّر العَلَويّ، الحَسَنيّ، الْبَغْدَادِيّ، النّقيب.
ولي النّقابة بعد أَبِيهِ، وله شِعر جيد [3] .
__________
[ () ]
ولم يك إلّا نظرة بعد نظرة ... على غرّة منها ووضع لثام
فحلّت بقلبي من بثين طمّاعة ... أقرّت بها حتى الممات غرامي
ومنه:
وجدت الحياة ولذّاتها ... منغّصة بوقوع الأذى
إذا استحسنت مقلة الناظرين ... ففي الحال يظهر فيها القذى
وأطيب ما يتغذّى به ... في وقته يستحيل الغذا
فلا حبّذا طول عمر الفتى ... وإن قصر العمر يا حبّذا
وللأديب نجم بن عبد المنعم بن الحسن التغلبي الحلبي قصيدة يمدح فيها
أبا اليسر شاكر، ذكر ابن العديم الحلبي بعضها في (التذكرة) ورقة 113.
[1] انظر عن (شاه أرمن) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 183، والكامل في
التاريخ 11/ 268 و 278 و 283 و 287 و 487- 489 و 508 و 511، والوافي
بالوفيات 16/ 94 رقم 109، والعسجد المسبوك 2/ 194، والسلوك ج 1 ق 1/
89.
[2] انظر عن (عبد الله العلويّ) في: الوافي بالوفيات 17/ 33، 34 رقم
27.
[3] وقال الصفدي: وكان شاب سريّا، فاضلا، أديبا، شاعرا، مترسّلا، من
شعره فيما يكتب على قسيّ البندق:
حملتني راحة في ... جودها للخلق راحه
فأنا للفتك أهل ... وهي أهل للسماحه
ومنه أيضا فيه:
أنا في كفّ ماجد ... جوده الغمر مفرط
كل طير يلوح لي ... فهو في الحال يهبط
ومنه فيه:
لا زلت يا ممسكي براحته ... في ظلّ عيش يصفو من الكدر
(41/107)
15- عَبْد اللَّه بْن أسعد [1] بْن عَلِيّ
بْن عيسى.
مهذّب الدّين أَبُو الفَرَج ابن الدّهّان، الْمَوْصِلِيّ، الفقيه،
الشّافعيّ، الأديب، الشّاعر. ويُعرف أيضا بالحمصيّ.
لَهُ ديوان صغير، كَانَ مجموع الفضائل.
لمّا ضاقت بِهِ الحال بالموصل وعزم عَلَى قصد الملك الصّالح طلائع بْن
رُزّيك وزير مصر، كتب إلى الشّريف ضياء الدّين زَيْد بْن مُحَمَّد نقيب
المَوْصِل [2] :
وذات شجوٍ أسالَ البَيْنُ عَبْرَتَها ... باتت تُؤمِّلُ بالتّقييد [3]
إمساكي
لجَّت فَلَمَّا رأتْني لا أُصيخُ لها ... بكتْ فأقرحَ قلبي جفنها
الباكي
__________
[ () ]
ترمي بني الطير حين تحملني ... والدهر يرمي عداك بالقدر
ومنه فيه:
وقناة قد ثقّفتها ... لحرب ردينها
ثم لما انحنت بلا ... كبر فيه شينها
استجادت من المنون ... أخا وهو زينها
كم على الجوّ طائر ... قد أصابته عينها
فارتقى وهو مرتق ... ما تعدّاه حينها
[1] انظر عن (عبد الله بن أسعد) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 2/
279، والكامل في التاريخ 11/ 522، والروضتين 2/ 72، وتكملة إكمال
الإكمال 312، وإنباه الرواة 2/ 103، ووفيات الأعيان 3/ 57 رقم 336،
وتاريخ إربل 1/ 58، والعبر 4/ 243، وسير أعلام النبلاء 21/ 176، 177
رقم 88، ومرآة الجنان 3/ 422، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 120
(وقد سقطت الترجمة من النسخة) ، والبداية والنهاية 12/ 317، وطبقات
الشافعية للإسنويّ 22/ 440، 441، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط)
ورقة 140 أ، والوافي بالوفيات 17/ 67- 73 رقم 60، والعسجد المسبوك 2/
197، والمقفى الكبير 4/ 576- 578 رقم 1533، وعقد الجمان (مخطوط) 17/
ورقة 21، والنجوم الزاهرة 6/ 100، وشذرات الذهب 4/ 270، والأعلام 4/
198، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 292، وكشف الظنون 766، وهدية العارفين 1/
457. ومعجم المؤلفين 4/ 35.
وانظر مقدّمة ديوانه، للدكتور عبد الله الجبوري- طبعة المعارف، بغداد
1388 هـ. / 1968 م.
[2] جاء في الديوان إنه قال الأبيات مخاطبا والدته عند خروجه من
الموصل.
[3] في الديوان 182 «بالتنفيذ» .
(41/108)
قَالَتْ وَقَدْ رأتِ الأجمالَ مُحْدجَةُ
... والبَيْنُ قَدْ جمع المشكُوَّ والشّاكي:
منْ لي إذا غبتَ فِي ذا المحْلِ [1] قُلْتُ لها ... اللَّه وابنُ
عُبَيْد اللَّه مولاكِ
[2] فَقَام النّقيب بواجب حقّها مدّة غيبته بمصر [3] .
ومدح ابن رُزّيك بالقصيدة الكافيّة الّتي يقول فيها:
أأمدحُ التُّرْكَ أبغي الفضلَ عندهُمُ ... والشِّعرُ ما زال عِنْد
التُّركِ متروكا؟ [4]
لا نِلتُ وصْلَكِ إنْ كَانَ الَّذِي زعموا ... ولا شفا [5] ظَمَأي جودُ
ابنِ رُزِّيكا
[6] ثُمَّ تقلّبت بِهِ الأحوال، وتولّي التّدريس بحمص. ثُمَّ قدِم
عَلَى السّلطان صلاح الدّين، فأحسن إِلَيْهِ، وله فِيهِ مدائح جيّدة.
ومن شعره:
يُضْحِي يُجَانُبني مُجانَبَةَ العِدَى ... ويَبيتُ وَهُوَ إلى الصّباح
نديمُ
ويمرُّ بي يخشى الرقيبَ فلفظُه: ... شَتْمٌ، وغنْجُ لحاظِه تسليم
[7] وله:
قالوا: سلا، صدقوا، عن السّلو ... - ان لَيْسَ عَنِ الحبيبِ
قَالُوا: فَلِمَ تركَ الزّيارةَ ... ؟ قُلْتُ: من خوفِ الرّقيب
قَالُوا: فكيف يعيش مع ... هذا؟ فقلت: من العجيب
[8]
__________
[1] في الديوان: «في ذا العام» .
[2] وزاد في الديوان بيتا:
تجزعي بانحباس الغيث عنك فقد ... سألت نوء الثّريّا صوب مغناك
وهو في المقفّى الكبير 4/ 577 وفيه: «جود مغناك» .
[3] هذه العبارة والأبيات تؤكّد أنّ المخاطب هو أمّه.
[4] البيت في المقفى الكبير 4/ 557.
[5] في ملحق الديوان 220: «ولا سقى» .
[6] البيتان في تكملة الديوان من قصيدة طويلة 219- 223.
[7] البيتان في تكملة الديوان 230 رقم 4 وفيه: «ولفظه» ، وانظر التخريج
في الحاشية.
[8] البيتان في التكملة 232 رقم 6.
وجاء في هامش الأصل قرب هذه الأبيات تعليق، بخط مختلف، نصّه: «نسبة هذه
الأبيات
(41/109)
ومن شعره:
تُردي الكتائبَ كُتْبُهُ فإذا انبرت [1] ... لَمْ تَدْرِ [2] أنفَذ
أَسْطُرًا أم عسكرا
لَمْ يُحسِن الإتْرابَ فوق سُطُورها ... إلّا لأنّ الجيش يَعقدُ
عِثْيَرا
[3] وقَالَ جمال الدّين القفطيّ [4] : ابن الدّهّان نَحْويّ، أديب،
شاعر، قدِم الشّام صُحبة أَبِي سعد بْن عصْرُون، وكان يلزم درسَه،
ثُمَّ إنَّه ولي التّدريس بحمص.
توفّي فِي شعبان بحمص.
16- عَبْد اللَّه بْن سماقة.
قِوامُ الدّين أَبُو مُحَمَّد، وزير ابن قُرا رسلان.
دخل عليه فِي ثامن رمضان مماليك مخدومه فطلبوه إلى الخدمة فجاء ودخل
فِي الدِّهْليز، فأغلقوا الباب الَّذِي دخل منه، والباب الَّذِي من جهة
الأمير وقتلوه، وأخرجوه.
17- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي عُبَيْد [5] .
البكريّ، القُرْطبيّ، أَبُو عُبَيْد.
رَوَى عَنْ: جَعْفَر بْن مكّيّ، وأبي جَعْفَر البطْرُوجيّ، وغيرهما.
وكان من أَهْل المعرفة باللّغة والأدب. وكان جَدّه أَبُو عُبَيْد عبد
الله بن
__________
[ () ] إلى ابن الدهان وهم، سببه ذكر ابن خلكان لها في ترجمة المذكور،
وإنما هي للشريف ضياء الدين ابن عبيد الله نقيب العلويين بالموصل. وقد
ذكر ابن خلكان ترجمته في ذيل ترجمة ابن الدهان وذكر له هذه الأبيات» .
وانظر الحاشية في ديوان ابن الدّهان.
[1] في المقفى الكبير 4/ 577 «فإذا غدت» ، وفي الديوان: «فإذا مضت» .
[2] في المقفى الكبير 4/ 577 «لم أدر» .
[3] زاد في المقفى الكبير بيتا:
مدح الملوك فرى ومؤسف يوسف ... ما مدحه الوافي حديثا يفترى
والبيتان من قصيدة في الديوان- ص 51 و 52، وهما رقم 30 و 31.
[4] في إنباه الرواة 2/ 103.
[5] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط)
3/ ورقة 36.
(41/110)
عَبْد الْعَزِيز من مفاخر الأندلس.
وهذا أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وأَبُو القاسم الملاحي،
وابنا حوط الله.
وتوفّي بقرطبة عَنْ أربعٍ وسبعين سنة فِي جُمادى الأولى، قاله الأبّار.
18- عَبْد الحق بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حُسَيْن بْن سَعِيد [1] .
أَبُو مُحَمَّد الحافظ الْأَزْدِيّ، الإشبيليّ، ويُعرف أيضا بابن
الخرّاط.
رَوَى عَنْ: شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي الحَكَم بْن برَّجان، وعمر بْن
أيّوب، وأبي بَكْر بْن مُدير، وأبي الْحَسَن طارق، وطاهر بْن عطيّة.
وأجاز لَهُ محدِّث الشّام أَبُو القاسم بْن عساكر، وغيره.
ونزل بجايةَ وقت فتنة الأندلس بانقراض الدّولة اللَّمتُونيَّة، فبثَّ
علْمه بها. وصنَّف التّصانيف، وولي الخطبة والصّلاة بها.
قَالَ الأبار [2] : وكان فقيها، حافظا، عالما بالحديث وعلله، عارفا
بالرجال، موصوفا بالخير، والصّلاح، والزّهد، والورع، ولُزُوم السُّنة،
والتقّلُّل منَ الدُّنْيَا، مشاركا فِي الأدب وقَوْل الشِّعْر.
وَقَدْ صنّف فِي الأحكام نسختين «كُبرى» و «صغرى» . سبقه إلى مثل
__________
[1] انظر عن (عبد الحق بن عبد الرحمن) في: بغية الملتمس للضبيّ 368،
وتكملة الصلة لابن الأبّار 647، 648، وصلة الصلة لابن الزبير 4- 7،
وعنوان الدراية فيمن عرف من أعيان المائة السابعة ببجاية، للغبريني
(تحقيق عادل نويهض) بيروت 1979، ص 20، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 292،
293، رقم 337، وفيه وفاته سنة 582 هـ. وملء العيبة للفهري 2/ 217، 225،
277، ودول الإسلام 2/ 92، وسير أعلام النبلاء 21/ 198- 202 رقم 99،
والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1899، وتذكرة الحفاظ 4/ 1350-
1352، والإعلام بوفيات الأعلام 239، والعبر 4/ 243، 244، ومرآة الجنان
3/ 422، وفوات الوفيات 2/ 256، 257، والوافي بالوفيات 18/ 64، 65 رقم
58، والديباج المذهب 2/ 59- 61، والوفيات لابن قنفذ 293 (وفيه وفاته
سنة 582 هـ.) ، والنجوم الزاهرة 6/ 100، وتاريخ الخلفاء 457، وطبقات
الحفاظ 479، 480. وشذرات الذهب 4/ 271، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين
107 رقم 1065، وكشف الظنون 19، 20، 481، ومعجم المؤلفين 3/ 92.
[2] في تكملة الصلة 647.
(41/111)
ذَلِكَ أَبُو الْعَبَّاس بْن أَبِي
مَرْوَان الشّهيد بَلْبَلة، فحظي عبدُ الحقّ دونه، وله «الجمع بَيْنَ
الصّحيحين» مصنّف. وله مصنّف كبير فِي «الجمع بَيْنَ الكُتُب السّتّة»
. وله كتاب فِي «المُعْتَلّ منَ الْحَدِيث» ، وكتاب فِي «الرّقائق» ،
ومصنَّفات أُخَر.
وله فِي اللّغة كتاب حافل ضاهَى بِهِ كتاب «الغريبين» للهَرَوِيّ.
حَدَّثَنَا عَنْهُ جماعة من شيوخنا.
ولد سنة عشر وخمسمائة.
وتوفّي رحِمَه اللَّه ببجَّاية بعد محنةٍ مِن قبل الوفاة فِي ربيع
الآخر.
ومن شِعره:
وَاهًا لدنيا ولمغرورها ... كم شابتِ الصَّفْوَ بتكدِيرها
أَيِّ امرئ أمّن فِي سَرْبه ... ولم يَنَلْهُ سوء مقدورها
وكان ذا [1] عافيةٍ جسمُهُ ... من مَسّ بلْواها وتغييرها
وعنده بُلْغة يومٍ فقد ... حِيزَتْ إليه [بحذا] فيرها
[2] سَمِع منَ ابن عطيّة «صحيح مُسْلِم» ، عَنْ مُحَمَّد بْن بشر، عَنِ
الصَّدَفيّ، عَنِ العُذْريّ، نازلا.
وذكر ابن فرتون أنّ وفاته كَانَتْ سنة اثنتين وثمانين. وقَالَ:
حَدَّثَنِي عَنْهُ أَبُو ذرّ، وأبو الحجّاج ابن الشَّيْخ، وأَبُو عَبْد
اللَّه بْن يَنيمَش [3] . وحَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاس العَزَفّي [4]
بسَبْتَة: كتب إليّ عَبْد الحقّ: ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن خَلَف بْن
مُدير، نا أَبُو الْعَبَّاس العُذْريّ، نا مُحَمَّد بْن رَوْح بمكّة،
نا الطَّبَرَانِيّ فذكر حديثا.
__________
[1] في التذكرة: «وكان في» .
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من: تذكرة الحفاظ 4/ 1352.
[3] هكذا في الأصل. وفي سير أعلام النبلاء 21/ 200 «نفيمش» .
[4] العزفي: بالزاي والتحريك. انظر: المشتبه 2/ 453.
(41/112)
ومن شِعره رحِمَه اللَّه تَعَالَى:
إنّ فِي الموت والمعادِ لشُغْلا ... وادّكارا لِذِي النُّهَى وبَلاغا
فاغْتَنِم خُطَّتَينْ قبل المنايا: ... صحّة الجسم يا أَخِي والفراغا
[1] قُلْتُ: وروى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد
المَعَافِرِي خطيب الأندلُس [2] .
19- عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن
صولة.
أَبُو القاسم الْمَصْرِيّ، المالكيّ، الكاتب المعدَّل.
حدَّث عَنِ الفقيه سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ.
وتُوُفّي فِي ذِي القِعْدة.
20- عَبْد الرَّحْمَن بْن أيّوب بْن تمّام [3] .
أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ، المالِقيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي بَكْر بْن العربيّ، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي
جَعْفَر البطْرُوجيّ، وجماعة.
وكان عالما بالعربيّة، واللّغة، والآداب، مبرّزا فيها، مع مشاركة في
الفقه والحديث. استوطن دانية وأقرأ بها العربيّة، وأسمع الحديث.
روى عنه جماعة.
وتُوُفّي فِي شوّال. قاله الأَبّار.
21- عَبْد الرَّحْمَن بن عبد الله بْن أحمد بْن أصْبَغ بْن الْحُسَيْن
بْن سعدون بْن رضوان بْن فتّوح [4] .
__________
[1] البيتان في الوافي بالوفيات 18/ 65، وتكملة الصلة 648، وسير أعلام
النبلاء 21/ 201، وفوات الوفيات 2/ 257.
[2] وقال ابن الزبير في صلة الصلة 5: «كان يزاحم فحول الشعراء، ولم
يطلق عنانه في نطقه» .
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن أيوب) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 652.
[4] انظر عن (عبد الرحمن بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبار،
رقم 613، وبغية الملتمس 367 رقم 1025، وإنباه الرواة 2/ 162- 164،
والمطرب من أشعار أهل
(41/113)
الْإِمَام الحَبْر أَبُو القاسم، وأَبُو
زَيْد، ويُقَالُ أيضا أَبُو الْحَسَن، ابن الخطيب أَبِي مُحَمَّد ابْن
الخطيب أَبِي عُمَر بْن أَبِي الْحَسَن الخثْعميّ السُّهَيْليّ،
الأندلسيّ المالقيّ، النَّحْويّ، الحافظ، صاحب المصنَّفات.
أَخَذَ القراءات عَنْ: سُلَيْمَان بْن يَحْيَى، وبعضها عَنْ: أَبِي
عليّ مَنْصُور بْن الخيّر.
وسمع: أبا عبد الله المعمّر، وأبا بكر بن العربيّ، وأبا عبد الله بن
مكّيّ، وأبا عبد الله بن نجاح الذّهبيّ، وجماعة.
وأجاز له أبو عبد الله ابن أخت غانم، وغيره.
وناظر على أبي الحسين بن الطّبر في «كتاب سيبويه» . وسمع منه كثيرا من
كتب اللّغة والآداب. وكُفَّ بصرُه وَهُوَ ابن سبْع عشرةَ سنة.
وكان عالما بالقراءات، واللُّغات، والغريب، بارعا فِي ذَلِكَ.
تصدَّر للإقراء والتّدريس والحديث. وبعد صيته، وجلّ قدره.
__________
[ () ] المغرب 230- 243، والمغرب في حلى المغرب (قسم الأندلس) 1/ 448،
ووفيات الأعيان 3/ 143، 144، والاستقصاء 1/ 187، والوفيات لابن قنفذ
292 رقم 581، وملء العيبة للفهري 2/ 218، 322، 363، والإعلام بوفيات
الأعلام 279، وتذكرة الحفاظ 4/ 1348- 1350، ودول الإسلام 2/ 92، والعبر
4/ 244، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1900، ومرآة الجنان 3/
422، 423، ونكت الهميان 187، 188، والوافي بالوفيات 18/ 170- 172 رقم
215، والديباج المذهب 1/ 480، 483، وغاية النهاية 1/ 351، وبغية الوعاة
2/ 354 (وفيه وفاته 583 هـ.) ، وطبقات الحفاظ 478، 479، وتاريخ الخلفاء
457، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة 122- 124، ونفح الطيب 3/ 41، 401،
والنجوم الزاهرة 6/ 100، وطبقات المفسرين للداوديّ 1/ 266- 269، وشذرات
الذهب 4/ 271، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 245، وديوان الإسلام 3/ 107 رقم
1189، وكشف الظنون 421، وإيضاح المكنون 2/ 451، وهدية العارفين 1/ 520،
والأعلام 3/ 313، ومعجم المؤلفين 5/ 147، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين
109 رقم 1064.
ولم يترجم له المؤلف الذهبي- رحمه الله- في: سير أعلام النبلاء، بل
ذكره عرضا فقط في جزء 21/ 130 في المتوفين سنة 581 هـ.! ثم أعاد ذكره
مرة أخرى 21/ 157 وزاد أنه صاحب «الروض الأنف» . ووقع فيه «إصبغ» بكسر
الهمزة، وهو غلط.
(41/114)
جمع بَيْنَ الرواية والدّراية، وحمل النّاس
عَنْهُ، وصنَّف «الروض الأُنُف» [1] فِي شرح «السّيرة» لابن إِسْحَاق،
دلّ عَلَى تبحُّره وبراعته. وَقَدْ ذكَرَ فِي آخره أَنَّهُ استخرجه من
نيفٍ وعشرين ومائة ديوان.
وللسُّهَيْليّ فِي ابن قرقول:
سَلا عَنْ سَلا أهلَ المعارف والنُّهى ... بها ودعا أمَّ الرَّباب
ومَأْسَلَا
بَكَيْتُ دما أزمانَ كَانَ بسبتة ... فكيف التأسي حين منزله سلا
وقال أناس: إن في البعد سلوة ... وقد طال هذا البعد والقلب ما سلا
فليت أبا إِسْحَاق إذْ شطَّت النَّوَى ... تحيَّته الْحُسْنَى مَعَ
الريح أرسلا
فعادت دبور الرّيح عندي كالصّبى ... لدى عُمَر إذا مرّ زَيْد تنسّلا
وَقَدْ كَانَ يُهديني الحديثَ مُعَنْعَنًا ... فأصبح موصول الأحاديث
مُرْسَلا
وله كتاب «التَّعريف والإعلام بما أُبهِمَ فِي القرآن منَ الأسماء
الأعلام» ، وكتاب «شرح آية الوصيّة» ، و «شرح الجمل» ولم يُتمّه.
واستُدْعي إلى مَرّاكُش لُيسْمِع بها. وبها تُوُفّي فِي الخامس
والعشرين من شعْبان هُوَ والإمام أَبُو الطّاهر إِسْمَاعِيل بْن عَوْف
شيخ الإسكندريّة فِي يومٍ واحد، وعاش ثنتين أَوْ ثلاثا وسبعين سنة.
قَالَ ابن خَلِّكان [2] : فَتُّوح جدّهم هُوَ الدّاخل إلى الأندلس،
سَمِع منه أَبُو الخطَّاب بْن دحية.
وقَالَ: كَانَ ببلده يتسوَّغ بالعفاف، ويتبلَّغ بالكفاف، حَتَّى نما
خبره إلى صاحب مَرّاكُش، فطلبه وأحسن إِلَيْهِ، وأقبل عليه. وأقام بها
نحوا من ثلاثة أعوام.
وسُهَيْل قرية بالقرب من مالقة سُمّيت بالكوكب لأنه لا يُرى من جميع
__________
[1] تصحف إلى «الأنق» بالقاف، في: مرآة الجنان 3/ 422.
[2] في وفيات الأعيان 3/ 143.
(41/115)
الأندلس إلّا من جبلٍ مُطِلّ عَلَى هَذِهِ
القرية. ثُمَّ وجدتُ عَلَى كتاب «الفرائض» للسُّهَيْليّ أنّه ولد
بإشبيليّة سنة ثمان وخمسمائة، وأنّه وُلي قضاءَ الجماعة، فحسُنت سيرته
[1] .
22- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الحُسين بْن عَلِيّ [2] .
أَبُو القاسم السِّبْيي، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، الرجل الصّالح المعروف
بابن نُخَيْسَة الجيّار. وَلِد سنة ثمانٍ وخمسمائة.
وسمع من: سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ، وأجاز لَهُ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الحَسَن بْنِ طَلْحَةَ التِّنِّيسيّ ابن النّخّاس.
روى عَنْهُ المصريّون.
قَالَ الحافظ زكيّ الدّين المنذريّ: ثنا عَنْهُ جماعة من شيوخنا.
وسِبْيه:
مثل صِبْية بباء موحّدة، من قُرى عسقلان، ونُخَيْسَة والنّخّاس: بنون
ثُمَّ خاء معجمة فيها. والجيّار: بجيم، ثُمَّ ياء آخر الحروف.
23- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبَّاس [3]
.
أَبُو القاسم، وأبو مُحَمَّد الْجُذَاميّ، الْمُقْرِئ، نزيل سَبْتَة.
رَوَى عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي عَبْد اللَّه بْن مكّيّ،
وأبي الْحَسَن شُرَيْح وقرأ عليه القرآن، وعلى أَبِي القاسم بْن رضا.
وتصدّر للإقراء والتّحديث.
__________
[1] وقال الضبيّ: أذن لي في الرواية عنه. توفي بحاضرة مراكش «حرست» سنة
ثلاث وثمانين وخمسمائة. أنشدت من شعره:
أسائل عن جيرانه من لقيته ... وأعرض عن ذكراه والحال تنطق
وما لي إلى جيرانه من صبابة ... ولكنّ قلبي عن صبوح يرقق
(بغية الملتمس 367) .
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: المشتبه في الرجال 1/ 347 وقال:
مات بعد سنة 580 هـ.، وتوضيح المشتبه 3/ 484، و 5/ 24، وذكره المؤلّف
الذهبي- رحمه الله- عرضا دون ترجمة 21/ 130.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن علي) في: غاية النهاية 1/ 375 رقم 1593.
(41/116)
حدَّث عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَان، وأَبُو
مُحَمَّد ابنا حَوْط اللَّه، وأيّوب بْن عَبْد اللَّه، وَغَيْرُهُمْ.
24- عَبْد الرّزّاق بْن نصر بْن السّلم بْن نصر [1] .
أَبوْ مُحَمَّد، وأَبُو مُسْلِم الدّمشقيّ، النّجّار، البنّاء.
سَمِع من: أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن الحسين الحِنّائيّ، وأبي الْحَسَن
بْن الموازينيّ، وهبة اللَّه ابن الأكفانيّ، وأبي عَبْد اللَّه
مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي العلاء، وأبي الْحَسَن بْن مُسْلِم
الفقيه، وعبد الرَّحْمَن بْن صابر.
ووُلِد في سنة سبع وتسعين وأربعمائة.
وتُوُفّي في سادس ربيع الآخر.
رَوَى عَنْهُ: عَبْد القادر الرّهاويّ، وعبد اللَّه بْن الخُشُوعيّ،
وأَبُو المعالي أَحْمَد بْن الشّيرازيّ، والشّمس مُحَمَّد بْن عَبْد
الهادي المقدسيّ، والأمين أَبُو الغنائم سالم بْن صَصْرى، والتّاج
مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر القُرْطُبيّ، وآخرون.
25- عَبْد الصَّمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي الوفاء عَبْد الغفّار [2]
.
أَبُو المظفّر الكُلاهينيّ، الزَّنْجانيّ، الصُّوفيّ، الواعظ المعروف
بالبديع.
وعظ ببغداد دهرا، وأخذ الوعظ عَنْ أَبِي النّجيب السّهرورديّ وصحبه.
وحدّث ب «مسند» أَحْمَد كلّه عَنِ ابن الحُصَيْن.
وروى أيضا عَنْ: زاهر الشّحّاميّ.
قَالَ ابن الدَّبيثيّ: وكان لَهُ رباط بقراح القاضي يجلس فِيهِ، وعنده
جماعة منَ الفقراء.
قُلْتُ: وقرأ عليه الحافظ أبو بكر الحازمي «المسند» .
__________
[1] انظر عن (عبد الرزاق بن نصر) في: العبر 4/ 244، وسير أعلام النبلاء
21/ 130 (دون ترجمة) وكذا 1/ 157، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم
1901، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وتذكرة الحفّاظ 4/ 1336. وذيل
التقييد 2/ 120، 121 رقم 1273، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وشذرات الذهب
4/ 271.
[2] انظر عن (عبد الصمد بن الحسين) في: طبقات الشافعية الكبرى 7/ 170،
171، والوافي بالوفيات 18/ 444 رقم 465.
(41/117)
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر. وكان ذا تعبُّدٍ
وتألُّهٍ.
26- عُبَيْد اللَّه بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْن نجا بْن
شاتيل [1] .
أَبُو الفتح الْبَغْدَادِيّ، الدّبّاس.
سَمِع: أَبَاه، والْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن البُسْريّ، وأبا غالب
مُحَمَّد بْن الْحَسَن الباقِلّانيّ، وأحمد بْن المظفّر بْن سُوسَن،
وأبا الْحَسَن بْن العلَّاف، وانفرد عَنْهُمْ سوى أَبِيهِ، وأبا سعد
بْن خُشَيْش، وأبا القاسم عَلِيّ بْن الْحَسَن الرَّبَعيّ، وَأُبَيًّا
النَّرْسِيّ، وأبا عَلِيّ بْن نبهان، وطائفة.
ووُجد سماعه منقولا بخطّ أَبِي بَكْر بْن كامل عَلَى جزء الإفْك، من
أَبِي الخَطَّاب بْن البَطِر سنة تسعينٍ وأربعمائة، فسمعه عليه قوم،
فإنْ كَانَ سماعه صحيحا فتاريخه غَلَط، وإنْ كَانَ تاريخه صحيحا فيكون
لأخٍ لَهُ باسمِه مات.
قَالَ ابن النّجّار [2] : مَعَ أن أكثر أصحاب الْحَدِيث أبطلوا سماعه
منَ ابن البَطِر، فَإنَّهُ ذكر أنّ مولده سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
وقَالَ بعضهم عَنْهُ إنَّه وُلِد سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سعد بْن السّمعانيّ مَعَ تقدُّمه، وابن الأخضر،
والشّيخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرحمن، والعزّ محمد ابن الحافظ،
وأبوه، وسالم بْن صَصْرى، ومُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الحمّاميّ،
ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن بقاء السّبّاك، وفضل اللَّه الجيليّ، وخلْق
كثير.
__________
[1] انظر عن (عبيد الله بن عبد الله) في: مشيخة النعّال 3، 74،
والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 92، 93، وتاريخ
ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 166، وتاريخ إربل لابن المستوفي
98، 261، 293، 346، وتلخيص مجمع الآداب 1/ 320، و 2/ 879، والمختصر
المحتاج إليه 2/ 181- 183 رقم 825 وفيه «شابيل» وهو تحريف، والعبر 4/
244، 245، ودول الإسلام 2/ 92، وسير أعلام النبلاء 21/ 117، 118 رقم
68، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1902، والإعلام بوفيات الأعلام
239، وتذكرة الحفاظ 4/ 1336، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وشذرات الذهب 4/
272 وفيه «شابيل» وهو تصحيف، وتاريخ علماء المستنصرية 1/ 231.
[2] في التاريخ المجدّد 93.
(41/118)
وكان مُسْنِد بغداد فِي عصره. وآخر من
رَوَى عَنْهُ بالإجازة الزّين أَحْمَد بْن عَبْد الدّائم.
قَالَ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد القَطِيعيّ: سَأَلْتُهُ
عَنْ مولده فَقَالَ: فِي ذِي الحجّة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
وتُوُفّي فِي العشرين من رجب. ووقع لَهُ حديثٌ بينه وبين أَبِي دَاوُد
السّجِسْتانيّ، فِيهِ ثلاثة أنفس [1] .
27- عُبَيْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن غَلَنْدَة.
أَبُو الحَكَم الأندلسيّ، مَوْلَى بني أُميَّة.
نزل إشبيليَّة، وكان شاعرا، طبيبا، ماهرا، بارع الخطّ. نقل خطّه
الكثير.
وطال عُمره.
وتوفّي بمَرّاكُش.
28- عساكر بْن عَلِيّ بْن إِسْمَاعِيل بْن نصر [2] .
أَبُو الجيوش الْمَصْرِيّ المولد، الخَنْدقيّ المنشأ، الْمَصْرِيّ
الْمُقْرِئ، النَّحْويّ، الشافعيّ، المعدَّل.
وُلِد سنة تسعين وأربعمائة، وأخذ القراءات عَنْ: أَبِي الْحُسَيْن
أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن شُمول الْمُقْرِئ، وعليّ بْن عَبْد
الرَّحْمَن بْن القاسم الْحَضْرَمِيّ نِفْطوَيْه، وأبي إِسْحَاق
إِبْرَاهِيم بْن أغلب النَّحْويّ، والشّريف الخطيب.
وسمع من: مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرَّازيّ. وتفقَّه عَلَى قاضي القضاة
مجلّي بن جميع.
__________
[1] انظر: مشيخة النعّال 74.
[2] انظر عن (عساكر بن علي) في: تكملة إكمال الإكمال 247، 248، وتذكرة
الحفاظ 4/ 1336، ومعرفة القراء الكبار 2/ 552، 553 رقم 503، والإعلام
بوفيات الأعلام 239، وسير أعلام النبلاء 21/ 130 (دون ترجمة) ، وغاية
النهاية 1/ 512 رقم 2116، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وحسن المحاضرة 1/
496.
(41/119)
وقرأ العربيّة عَلَى ابن برّي، وغيره.
وتصَّدر للإقراء بدار العلم وبالجامع الظّافريّ [1] . وانتفع بِهِ
الناسُ. أَخَذَ عَنْهُ عَلَم الدّين السَّخَاوي، وجماعة.
وتُوُفّي فِي تاسع المحرَّم. وكان صالحا خيِّرًا.
29- عصمة الدِّين [2] .
الخاتون المحترمة بِنْت الأمير معين الدّين أُنُز [3] . زَوْجَة
السّلطان نور الدّين، ثُمَّ زوجة السّلطان صلاح الدّين. تزوّج بها صلاح
الدّين فِي سنة اثنتين وسبعين، وكانت من أعفّ النّساء وأجلّهن،
وأوفرهنّ حشمة. وهي واقفة المدرسة الخاتونيَّة بمحلّة حجر الذَّهب
بدمشق، والخانقاه [4] الخاتونيَّة الّتي عَلَى بانياس [5] .
أمّا الخاتونيّة الّتي فِي آخر الشرَف القِبليّ فمنسوبة إلى زُمُرُّد
خاتون بِنْت جاولي أخت الملك دُقاق لأمّه، وزوجة أتابَك زنكي والد نور
الدّين.
توُفّيت عصْمةٌ الدّين بدمشق فِي ذِي القعدة، وتُعرف بالخاتون
العِصميَّة، ودُفِنَت بتُربتها المنسوبة إليها بقاسيون قِبليّ قبَّة
شركس [6] ، ومنارتها كلّها حجر.
30- عُمَر بْن عَبْد المجيد بْن عُمَر بْن حُسَيْن [7] .
__________
[1] قال ابن الجزري: الجامع الظافري هو الّذي بسوق الشّوايين من
القاهرة، ويعرف اليوم بجامع الفاكهانيين.
[2] انظر عن (عصمة الدين) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 385، والعبر 4/
245، والدارس في تاريخ المدارس 1/ 74 و 388- 390، البداية والنهاية 12/
295، وشذرات الذهب 4/ 274.
[3] هكذا في الأصل، بالزاي، وهو يرد أيضا بالراء.
[4] في الأصل: «الخانقة» .
[5] في الدارس 1/ 389 ظاهر باب النصر في أول الشرف القبلي على بانياس.
[6] في الأصل: «سركس» بالمهملتين. وترد «جركس» .
[7] انظر عن (عمر بن عبد المجيد) في: معجم البلدان 5/ 239، والإعلام
بوفيات الأعلام 240، وسير أعلام النبلاء 21/ 157 (دون ترجمة) ، والعبر
4/ 245، والعقد الثمين 6/ 334، وشذرات الذهب 4/ 272، وكشف الظنون 1575،
ومعجم المؤلفين 7/ 295.
(41/120)
أَبُو حَفْص الْقُرَشِيّ، العَبْدَريّ،
الميانِشِيّ [1] ، شيخ الحرم.
حدَّث عَنِ: القاضي أَبِي المظفَّر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن
الشَّيْبَانِيّ الطّبريّ، وأَحْمَد بْن مَعَد الأقليشيّ، ومُحَمَّد بْن
عَلِيّ المازريّ، وأبي طاهر السِّلَفيّ.
ولقي أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرّازيّ وفَرَّط بِهِ،
فأكثر ما عمل أَنَّهُ تناول منه «سُداسيّاته» .
رَوَى عَنْهُ: عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَرَميّ، وجماعة. وآخر من
حدَّث عَنْهُ صدر الدّين أَبُو عليّ البكْريّ.
توفّي بمكَّة فِي جُمادى الأولى.
وكان محدِّثًا متقِنًا صالحا، صنَّف جزءا فِي «ما لا يسع المحدّث
جهلُه» .
- حرف الفاء-
31- الفضل بْن الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم بْن سُلَيْمَان [2] .
أَبُو المجد الحِمْيَريّ، البانياسيّ، الرئيس عفيف الدّين.
من كبار شيوخ دمشق. وُلد بها فِي رجب سنة خمس وتسعين وأربعمائة. وَهُوَ
آخر من حدَّث عَنْ أَبِي القاسم الكِلابيّ.
وحدّث أيضا عَنْ: أَبِي الْحَسَن عليّ، وأبي الفضل مُحَمَّد ابني الحسن
بن الموازينيّ، وغيرهم.
__________
[1] الميانشي: نسبة إلى ميانش قرية من قرى المهدية بإفريقية. (معجم
البلدان 5/ 239) وقد تصحفت إلى «الماشي» في شذرات الذهب 4/ 272.
[2] انظر عن (الفضل بن الحسين) في: العبر 4/ 245، والمعين في طبقات
المحدّثين 179 رقم 1903، والإعلام بوفيات الأعلام 239، 240، وسير أعلام
النبلاء 21/ 130 (دون ترجمة) وفيه أثبته محقّقاه الدكتور بشار عواد
معروف، والدكتور محيي هلال السرحان «المفضّل» وهو وهم، وقد أعيد ذكره
مرة أخرى على الصحيح «الفضل» 1/ 157 دون ترجمة أيضا، ولم يتنبّه
المحقّقان الفاضلان إلى ذلك، فليراجع، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وشذرات
الذهب 4/ 273.
(41/121)
روى عنه: موفّق الدّين الحنبليّ، والبهاء
عبد الرّحمن، والحافظ الضّياء، وعبد الرحمن بن أبي حرميّ المكّيّ،
وآخرون.
وتوفّي في سابع شوّال.
ولم يكن من بانياس، وإنّما خزن مرّة رزّا كثيرا من بانياس، فكان
الرّزّازون يَقُولُ أحدهم: اذهبوا بنا نشتري منَ البانياسيّ.
وَإِلَيْهِ يُنسبُ الدَّرْب الَّذِي فِي الكَتّانيّين.
- حرف الميم-
32- مُحَمَّد بْن الملك أسد الدين شيركوه بْن شاذي بْن مَرْوَان [1] .
الملك القاهر ناصر الدّين، صاحب حمص، ابن عم صلاح الدّين.
تُوُفّي بحمص يوم عَرفة، وقت الوقفة، بمرضٍ حادّ مزعج، وتملَّك حمصَ
بعدَه ولده الملك المجاهد أسد الدّين شِيركُوه فطالت أيّامه.
وكان السّلطان صلاح الدّين قَدْ مرض فِي هَذِهِ السّنة بحرّان فِي
شوّال حَتَّى اشتدّ مرضه وأوصى، فسار من عنده ناصر الدّين مُحَمَّد
واجتاز بحلب، وأخذ جماعة منَ الأحداث وأعطاهم مالا ووعدهم، وقِدم حمصَ
فكاتبَ أَهْل دمشق بأن تكون لَهُ دمشق إن مات ابن عمّه.
ثُمَّ عوفي صلاح الدّين.
وقيل إنَّه سكر فقتله الخمر، وقيل ابن عمّه سقاه سُمًّا، ونقلته زوجته
بِنْت عمّه ستّ الشّام بِنْت أيّوب إلى تربتها بمدرستها الشّامية بظاهر
دمشق، ودفنته عند أخيها شمس الدّولة توران شاه.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أسد الدين) في: زبدة الحلب 3/ 83، ومفرّج الكروب
2/ 174، وديوان ابن الدهان 86، والروضتين 2/ 77، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/
385، 386، والدرّ المطلوب 80، وسير أعلام النبلاء 21/ 143، 442 رقم 72،
والعبر 5/ 246، ودول الإسلام 2/ 92، والبداية والنهاية 12/ 316،
والوافي بالوفيات 3/ 154، والعسجد المسبوك 2/ 195، والسلوك ج 1 ق 1/
90، والنجوم الزاهرة 6/ 99، وشذرات الذهب 4/ 273.
(41/122)
وكان موصوفا بالشّجاعة والإقدام، لَهُ
نفْسٌ أَبيَّة، وهمّة أيّوبيَّة.
قَالَ ابن واصل: شرب خمرا فأكثر منها فأصبح ميتا. فأقطع السّلطان لولده
الملك المجاهد وله اثنتا عشرة سنة، فتملّك حمص بضْعًا وخمسين سنة.
وذُكِر العماد الكاتب أنّ التَّرِكَة بلغت ما قيمته ألف ألف دينار.
33- مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الوهَّاب بْن الْحُسَيْن بْن
عَلِيّ [1] .
الحافظ أَبُو سعْد الأصبهانيّ، الصّائغ.
وُلِد سنة سَبْعٍ وتسعين وأربعمائة.
وسمع من: أَبِي القاسم غانم البُرْجيّ، وأبي عليّ الحدّاد، وحمزة بْن
الْعَبَّاس العَلَويّ، وجَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وصاعد
بْن سيّار الدّهان، وأبي عدنان مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق،
وطائفة.
ورحل إلى الجبال، وفارس، وخُوزستان. وسمع بَهَمَذَان من:
جُميع بْن الْحَسَن، وأبي طاهر مُحَمَّد بْن عَبْد الغفّار، وأبي
جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الحافظ.
سَمِع بشيراز من: أَبِي مَنْصُور عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن
أَحْمَد الخطيب، وأبي الفتح هبة اللَّه بْن الْحَسَن، وجماعة.
وَسَمِع بالأهواز من: أَبِي القاسم عبد الْعَزِيز بْن الْحُسَيْن.
وحدَّث وخرَّج. وَقَدْ كتب عَنْهُ من أماليه الحافظ أَبُو سعد
السّمعانيّ.
وروى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، والفقيه أَبُو نزار ربيعة اليمنيّ.
وبالإجازة: كريمة، وابن اللَّتّيّ.
وتُوُفّي فِي الثاني والعشرين من ذِي القعدة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الواحد) في: المعين في طبقات المحدّثين 179
رقم 1905، والإعلام بوفيات الأعلام 240، والعبر 4/ 246، وسير أعلام
النبلاء 21/ 129، 130، رقم 64، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وشذرات الذهب
4/ 273.
(41/123)
34- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد [1]
.
أَبُو الفوارس، العجليّ، اليعقوبيّ.
ولد سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
وسمع من: مُحَمَّد بْن طِراد، وعَلِيّ بْن الصّبّاغ.
وحدَّث.
35- مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر عُمَر بْن أَبِي عِيسَى أَحْمَد بْن
عُمَر بْن مُحَمَّد [2] .
الحافظ الكبير أَبُو مُوسَى المدينيّ، الأصبهانيّ.
صاحب التّصانيف وبقيَّة الأعلام.
وُلِد فِي ذِي القعدة سنة إحدى وخمسمائة.
وسَمِع حضورا فِي سنة ثلاثٍ باعتناء والده من: أَبِي سعد مُحَمَّد بْن
مُحَمَّد المطرِّز، ومات المطرّز في شوّال سنة ثلاث وخمسمائة.
وسمع من: أَبِي مَنْصُور مُحَمَّد بْن عَبْد الله بن مندويه الشّروطيّ،
وغانم
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن
الدبيثي 2/ 132 رقم 360.
[2] انظر عن (محمد بن أبي بكر) في: الروضتين 2/ 68، ووفيات الأعيان 4/
286، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 2/ 98- 100 رقم 311، والمختصر
المحتاج إليه 1/ 83- 85، والمختصر في أخبار البشر 3/ 70، والعبر 4/
246، ودول الإسلام 2/ 92، وسير أعلام النبلاء 21/ 152- 159 رقم 78،
والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1906، وتذكرة الحفاظ 4/ 1234-
1236، والإعلام بوفيات الأعلام 240، وتاريخ ابن الوردي 2/ 95،
والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 30، 31 رقم 23، ومرآة الجنان 3/ 423،
440، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 90، وطبقات الشافعية للإسنويّ
2/ 439، 440، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) 142 ب، 143 أ،
والبداية والنهاية 12/ 318، والوافي بالوفيات 4/ 246، 247، وطبقات
الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 373، 374 رقم 342، وغاية النهاية 2/ 215،
216، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 21، والنجوم الزاهرة 6/ 101، وتاريخ
الخلفاء 457، وشذرات الذهب 4/ 373، وكشف الظنون 89، وإيضاح المكنون 1/
472، وهدية العارفين 2/ 100، وديوان الإسلام 4/ 196، 197 رقم 1927،
والأعلام 6/ 313، ومعجم المؤلفين 11/ 76.
وقد أضاف محقّقا سير أعلام النبلاء الدكتور بشار عوّاد معروف، والدكتور
محيي هلال السرحان إلى المصادر كتابي: «الأنساب» لابن السمعاني، و
«اللباب» لابن الأثير، وليس فيهما ذكر لصاحب الترجمة، فليراجع.
(41/124)
البُرْجيّ، وأبي عليّ الحدّاد، وأبي الفتح
مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه خوروست، وأبي الفتح مُحَمَّد بْن عَبْد
اللَّه الشّرابيّ بليزة، وأبي الرجاء مُحَمَّد بْن أَبِي زَيْد
الجردانيّ، ومُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن المطهّر العدنانيّ، وأبي الفضل
مُحَمَّد بْن طاهر الحافظ، ومُحَمَّد بْن الفضل القرابيّ القصّار، وأبي
الرجاء أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن مَنْدَهْ، وإِبْرَاهِيم بْن
أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَبروَيْه، وإِبْرَاهِيم بْن عَبْد
الواحد بْن أَبِي ذرّ الصّالحانيّ، وإِسْمَاعِيل بْن الفضل الإخشيد،
وأبي القاسم إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن الفضل الحافظ وبه تخرَّج
وَهُوَ أستاذه، وإسحاق بْن أَحْمَد الراشتينانيّ [1] ، وتميم بْن
عَلِيّ الواعظ، وجَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وحمزة بْن
الْعَبَّاس العَلَويّ، وأبي شكر حمد بْن عَلِيّ الحبّال، وحبيب بْن
أَبِي مُسْلِم الزَّاهد، ورجا بْن إِبْرَاهِيم الخباز، وطَلْحَة بْن
الْحُسَيْن الصّالحانيّ، وطاهر بْن أَحْمَد البزّار، وأبي نَهْشَل
عَبْد الصّمد بْن أَحْمَد العنْبري، وعبد الكريم بْن عَلِيّ بْن
فُورجة، وعَبْد الواحد بْن مُحَمَّد الدَّشْتَج، وعُثْمَان بْن عَبْد
الرحيم اللّبيكيّ النَيْسابوريّ، وعليّ بْن عَبْد اللَّه النَيْسابوريّ
الواعظ يرويان عَنِ ابن مسرور، وغانم بْن عَلِيّ العَطَّار مشكة،
ومحمود بن إسماعيل الصّيرفيّ الأشقر، ونصر بن أبي القاسم الصّبّاغ،
ونوشروان بن شيرزاد الدّيلميّ، وهبة الله بن الحسن الأبرقوهيّ، وهبة
الله بن الحصين، سَمِع منه «المسند» ، وهبة اللَّه بن الطّبر الحريريّ،
وهادي بْن إِسْمَاعِيل العَلَويّ، والهيثم بْن مُحَمَّد المعدانيّ،
ويحيى بْن عَبْد الوهَّاب بْن مَنْدَهْ الحافظ، وخُجسْتَه بِنْت عَلِيّ
بْن أَبِي ذرّ، ودَعْجاء بِنْت أَبِي سهل الكاغديّ، وفاطمة
الْجُوزدانيَّة، وأبي العزّ بْن كادش، وخلْق كثير ببلده، وببغداد،
وهَمَذَان.
وصنّف التّصانيف النَّافعة. وكان واسع الدّائرة فِي معرفة الْحَدِيث،
وعلله، وأبوابه، ورجاله، وفنونه، ولم يكن فِي وقته أحدٌ أحفظ منه، ولا
أعلم، ولا أعلى [2] سندا ممّن يعتني بهذا الشّأن.
__________
[1] الراشتيناني: الشين معجمة ثم التاء المثنّاة من فوقها وياء آخر
الحروف ساكنة ونون وآخره نون، من قرى أصبهان. (معجم البلدان) .
[2] في الأصل: «أعلا» .
(41/125)
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [1] : عاش حَتَّى
صار أوحَدَ وقته وشيخ زمانه إسنادا وحِفْظًا.
وقَالَ أَبُو سعد السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه وكتب عنّي، وَهُوَ ثقة
صدوق.
قُلْتُ: وروى عَنْهُ: الحافظ مُحَمَّد بْن مكّيّ، وعبد العظيم بْن
عَبْد اللّطيف الشّرابيّ، والْحَسَن بْن أَبِي مَعْشر الأصبهانيّ،
والنّاصح بْن الحنبليّ، وأَبُو نجيح مُحَمَّد بْن مُعَاوِيَة مقرئ
أصبهان، وخلْق كثير.
وبالإجازة: الفقيه مُحَمَّد اليُونينيّ [2] ، وعَبْد اللَّه بْن
الخُشوعيّ، وآخرون.
وكانت رحلته إلى ابن الحصين سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
ثُمَّ قدِم بغداد ثانيا فِي سنة اثنتين وأربعين، وعاد إلى بلده وأقبل
عَلَى التَّصنيف والإملاء وتعليم العِلم والأدب.
ومن مصنَّفاته الكتاب المشهور فِي «تتمَّة معرفة الصّحابة» الَّذِي
ذيَّل بِهِ عَلَى أَبِي نُعَيْم [3] ، يدلّ عَلَى تبحّره وحِفْظه،
وكتاب «الطّوالات» مجلّدان، وكتاب «تتمَّة الغريبين» يدلّ عَلَى براعته
فِي اللّغة والغريب، وكتاب «الوظائف» ، وكتاب «اللّطائف» ، وكتاب
«عوالي التّابعين» ، وغير ذَلِكَ.
وعَرَض من حِفْظه كتاب «علوم الْحَدِيث» للحاكم عَلَى إِسْمَاعِيل
الحافظ.
قَالَ الحافظ عَبْد القادر إنّ أبا مُوسَى حصّل منَ المسموعات بأصبهان
خاصّة ما لَمْ يحصل لأحدٍ فِي زمانه فيما أَعْلم، وانضمّ إلى كثرة
مسموعاته الحِفْظ والإتقان. ولَهُ التَّصانيف الّتي أربى فيها عَلَى
تصانيف بعض من تقدَّمه، مَعَ الثّقة فيما يَقُولُ، وتعفّفه الَّذِي لم
نره لأحد من حفّاظ الحديث في زماننا له شيء سير يتربّح به وينفق منه،
ولا يقبل من أحد شيئا قطّ، حتى إنّه كان
__________
[1] في ذيل تاريخ بغداد 2/ 100.
[2] اليونيني: نسبة إلى بلدة يونين قرب بعلبكّ.
[3] توجد نسخة مخطوطة من «معرفة الصحابة» لأبي نعيم، في المكتبة
الظاهرية، رقم 2344 حديث.
(41/126)
ببعض قرى أصبهان رجل من أهل العلم والدّين
أراد أن يحجّ حجّ نافلة، فجاء جماعة إلى الحافظ أَبِي مُوسَى فسألوه أن
يشفع إِلَيْهِ فِي قعوده عَنِ الحجّ لما يرجون منَ الانتفاع بإقامته،
فخرج معهم إلى القرية راكبا عَلَى حمار، فأجابه إلى ذَلِكَ، فحملوا إلى
أَبِي مُوسَى شيئا منَ الذَّهب، فلم يقبله. فقالوا: فرِقه فِي أصحابك.
قَالَ: فرِّقوه أنتم إن شئتم.
وحدَّثني بعضُ مَن رحل بعدي إلى أصبهان أنّ رجلا منَ الأغنياء أوصى إلى
الشَّيْخ أَبِي مُوسَى بمالٍ كثيرٍ يفرّقه فِي البرّ، فلم يقبل،
وقَالَ: بل أوصي إلى غيري، وأنا أدلّك إلى مَن تدفعه إِلَيْهِ. ففعل.
وفيه منَ التَّواضع بحيث أَنَّهُ يُقْرئ كُلّ من أراد ذَلِكَ من صغير
وكبير، ويرشد المبتدءين، حَتَّى رَأَيْته يحفّظ صبيانا القرآن فِي
الألواح. ولا يكاد يستتبع أحدا إذا مضى إلى موضع، حَتَّى إنّني تبعته
مرَّةً فَقَالَ: ارجِع. ثُمَّ تبِعتُه، فالتفت إليَّ مُغضبًا وقَالَ
لي: ألم أقُلْ لك لا تمش خلفي، أنتَ إذا مشيت خلفي لا تنفعني. وتبطل
عَنِ النَّسْخ، وتردّدتُ إِلَيْهِ نحوا من سنة ونصف، فَمَا رَأَيْت منه
ولا سَمِعْتُ عَنْهُ سَقْطةً تُعاب عليه.
وقَالَ مُحَمَّد بْن محمود الرُّوَيْدَشْتيّ [1] : تُوُفّي الحافظ
أَبُو مُوسَى فِي تاسع جُمادى الأولى، وكان أَبُو مَسْعُود كُوتاه
الحافظ يَقُولُ: أَبُو مُوسَى كنزٌ مَخْفِيّ.
وقَالَ الْحُسَيْن بْن يَوْحن [2] الباورّيّ [3] : كنتُ فِي مدينة
الخان [4] فجاءني رَجُل فسألني عَنْ رؤيا قَالَ: رَأَيْت كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفّي. فقلت: هَذِهِ رؤيا
الكبار، وإنْ صَدَقَتْ رؤياك يموت إمام لا نظير لَهُ فِي زمانه. فَإِن
هَذَا المنام رُئِيَ حالةَ وَفاة الشّافعيّ، والثّوريّ، وأحمد بن حنبل.
__________
[1] الرّويدشتيّ: نسبة إلى رويدشت. (معجم البلدان) ويقال لها أيضا:
«روذدشت» قرية من قرى أصبهان. وقد تصحّفت في طبقات الشافعية الكبرى إلى
«الرويدني» .
[2] في تذكرة الحفاظ «يوحز» ، وسيأتي برقم (251) في وفيات 587 هـ. ثم
برقم (292) في وفيات 588 هـ.
[3] الباورّي: نسبة إلى باورّ موضع باليمن.
[4] الخان: موضع بأصبهان.
(41/127)
قَالَ: فَمَا أمسينا حَتَّى جاءنا الخبر
بوفاة الحافظ أَبِي مُوسَى.
وعن عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد الخُجَنْدِيّ قَالَ: لمّا مات أَبُو
مُوسَى لَمْ يكادوا ينزعون حَتَّى جاء مطر عظيم فِي الحَرّ الشّديد،
وكان الماء قليلا بأصبهان، رحِمَه اللَّه.
36- مُحَمَّد بْن مُنْجح بْن عَبْد اللَّه [1] .
أَبُو شجاع الفقيه الشّافعيّ، الصُّوفيّ الواعظ.
تُوُفّي ببغداد فِي ربيع الأوّل. وكان مولده في سنة خمس وخمسمائة.
وسمع من قاضي المَرِسْتان.
وتفقّه عَلَى: أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر الشّاشيّ،
وأجاز لَهُ ابن طاهر المقدسيّ.
وله شِعر حَسَن.
وتفقَّه أيضا بالجزيرة عَلَى الأستاذ أَبِي القاسم البزريّ، وخرج إلى
الشّام. ووُلي قضاء بِعْلَبَكّ، ثُمَّ عاد إلى بغداد.
ومن شِعره:
سلام عَلَى وادي الغضا ما تناوحَتْ ... عَلَى ضفّتيه شَمْألٌ وجنوبُ
أُحمِّلُ أنفاسَ الخُزَامَى تحيَّةً ... إذا آنَ منها بالعشِيّ هبوبُ
لَعَمْري لئن شطَّت بنا غُرْبَةُ النَّوَى ... وطالت صروفٌ دوننا
وخطوبُ
وما كُلّ رملٍ جئته رملُ عالجٍ ... ولا كُلّ ماء عمْتَ فِيهِ مشروبُ
رعى اللَّه هَذَا الدَّهْر كُلّ محاسني ... لديه وإن كثّرتهنّ ذنوب
[2]
__________
[1] انظر عن (محمد بن منجح) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 143، وطبقات
الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 186 أو 6/ 401، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/
112، 113، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 143 ب، والوافي
بالوفيات 5/ 65، 66، وكتابنا موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان
الإسلامي ق 2 ج 4/ 213، 214 رقم 1222.
[2] ومن شعره أيضا:
عذيري من زمن كلّما ... شددت عرى أملي حلّها
(41/128)
وكان رحِمَه اللَّه فِيهِ مِزاح ودُعابة،
طاب وعْظُه لأهل واسط لمّا دخلها، فسألوه أن يجلس فِي الأسبوع مرَّتين،
فكان كلّما عيَّن يوما يحتجّون بأنّ القرّاء يكونون مشغولين، فَقَالَ:
لو عرفتُ هَذَا كُنْت جئت معي بيومٍ من بغداد.
توفّي ببغداد في ثامن عشر ربيع الأوّل.
37- الْمُبَارَك بْن فارس.
أَبُو مَنْصُور المّاوَرْدِيّ.
حدَّث بدمشق فِي هَذِهِ السّنة عَنْ قاضي المَرِسْتان بنسخة
الْأَنْصَارِيّ.
سَمِع منه: بَدَل التّبريزيّ.
38- محمود بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد [1] .
أَبُو الفتح المحموديّ الْبَغْدَادِيّ الجعفريّ الصُّوفيّ، ابن
الصّابونيّ.
من ساكني الجعفريّة، كَانَ من أجلّاء الشّيوخ. ولد سنة خمسمائة تقريبا،
وقرأ بالروايات عَلَى أَبِي العزّ القلانسيّ.
وسَمِع الْحَدِيث من: أبي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي بَكْر المزرفيّ،
وعليّ بْن الْمُبَارَك بْن نَغُوبا، وأبي البدر الكَرْخيّ.
وصحِب: أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بْن مهديّ الْبَصْرِيّ الصُّوفيّ،
وحَمَّاد بْن مُسْلِم الدّبّاس.
وكان لَهُ رباط ببغداد. ثُمَّ إنَّه سافر إلى مصر وسكنها، وروى بها
الكثير. وحدَّث عَنْهُ: ابنه عَلَم الدّين، وابن المفضّل الحافظ،
وجماعة.
__________
[ () ]
عرائس فكري قد عنست ... لأني عدمت لها أهلها
ونفسي تنهل من مورد ... ترى الموت في الورد إن علّها
عليها من الدهر أثقاله ... ولا يغلط الدهر يوما لها
[1] انظر عن (محمود بن أحمد) في: الروضتين 2/ 68، والمختصر المحتاج
إليه 3/ 181، وسير أعلام النبلاء 21/ 163، 164 رقم 81، وعقد الجمان
(مخطوط) 17/ ورقة 22، وشذرات الذهب 3/ 283.
وانظر مقدمة كتاب «تكملة إكمال الإكمال» للدكتور مصطفى جواد، ص 34 م.
وما بعدها.
(41/129)
ولقبُه جمال الدّين. وَهُوَ منسوب إلى جدّ
أُمّه شيخ الْإِسْلَام أَبِي عُثْمَان الصّابونيّ، وقيل لجدّه أَبِي
جَعْفَر عَلِيّ بْن أحمد المحموديّ، لاتّصاله بالسّلطان محمود بن محمد
بن ملك شاه.
ولمّا قدِم أبو الفتح هَذَا دمشق نزل إلى زيارته السّلطان نور الدّين
محمود، وسأله الإقامة بدمشق، فذكر لَهُ قصْده زيارة الشّافعيّ رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ، فجهّزه صُحبة الأمير نجم الدّين أيّوب عند ما سار إلى
ولده صلاح الدّين، وصار بينه وبَيْنَ نجم الدّين مودّة أكيدة، ومحبّة
عظيمة، فكان السّلطانان النّاصر والعادل يرعيانه ويحترمانه.
وَقَدْ كتب الشَّيْخ الزَّاهد عُمَر الملّا الْمَوْصِلِيّ كتابا إلى
ابن الصّابونيّ هَذَا يطلب منه الدّعاء.
تُوُفّي فِي الثّامن والعشرين من شعبان.
39- مظفَّر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق [1] .
أَبُو سعد الْبَغْدَادِيّ، النّجّار، المعبّر الرؤيا، ويُعرف
بالحُجَّة.
كَانَ مشهورا بالكلام العجيب، وَقد سمع الكثير من: عَبْد القادر بْن
مُحَمَّد بْن يوسف، وابن الحُصَيْن، وزاهر الشّحّاميّ [2] .
رَوَى عَنْهُ: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخيّاط، وغيره [3] .
وتُوُفّي فِي شوّال عَنْ سبعٍ وسبعين سنة [4] .
40- مُوسَى بْن عَبْد اللَّه بْن هلْوات [5] .
أَبُو عِمْرَانَ الْجُذَاميّ، النّاتليّ، الْمَصْرِيّ، الفقيه
الشّافعيّ، المقرئ، الضّرير.
__________
[1] انظر عن (مظفّر بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 193 رقم
1210.
[2] قال ابن الدبيثي: وكان سماعه صحيحا على تسامح فيه.
[3] وقال ابن الدبيثي: وأجاز لي.
[4] كان مولده في شعبان سنة 504 هـ.
[5] انظر عن (موسى بن عبد الله) في: طبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط)
ورقة 144 ب.
(41/130)
قرأ القرآن عَلَى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم
الكيزانيّ، وعَلِيّ بْن عَبْد الرَّحْمَن نِفْطوَيْه.
وسمع من: مُنْجب المُرْشديّ.
وتفقّه عَلَى: القاضي المجلّيّ بْن جُمَيْع المخزوميّ.
رَوَى عَنْهُ: ابنه وحَرَميّ، وجماعة.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ذِي القعدة.
- حرف النون-
41- نور الدّين [1] .
صاحب آمِد وحصن كِيفا. اسمه مُحَمَّد بْن قُرا رسلان بْن داوة.
تُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة، وتملّك بعده ابنه قُطْب الدّين سُقْمان،
وَزَرَ لَهُ القوام بْن سماقا الأسْعرديّ. فبادر سُقمان إلى خدمة
السّلطان صلاح الدّين وَهُوَ يحاصر ميّافارقين، فأقرّه عَلَى ملك
بلاده، وأنْ يصدر عَنْ أمره ونهيه.
ثُمَّ إنّ قطب الدّين سكمان قتل غيلة فِي رمضان منَ السّنة.
- حرف الياء-
42- يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ [2] .
القاضي أَبُو الْحُسَيْن الْمَصْرِيّ، الخيْميّ، الْمُقْرِئ، نائب
الحكم بمصر.
رَوَى عَنْ: أَبِي طَالِب عَبْد الجبّار بْن مُحَمَّد المَعَافِرِي،
وغيره [3] .
43- يوسف بْن المظفّر بْن فاخر [4] .
__________
[1] انظر عن (نور الدين) في: الكامل في التاريخ 11/ 514، 515، والفتح
القسّيّ 213، 566.
[2] انظر عن (يحيى بن إبراهيم) في: غاية النهاية 2/ 364، 365 رقم 3819.
[3] وقع في غاية النهاية 2/ 365 «مقريء مصدّر بجامع مصر، قرأ على
(بياض) قرأ عليه بالسبع عبد العزيز بن سحنون، مات في حدود الستين
وخمسمائة» . وأقول: اختلطت ترجمة «يحيى بن إبراهيم» هذا بغيره كما هو
واضح من تاريخ الوفاة.
[4] انظر عن (يوسف بن المظفّر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 236 رقم
1329، وتلخيص
(41/131)
أَبُو الحَجَّاج الْبَغْدَادِيّ،
الْمُقْرِئ، نزيل واسط.
قرأ القراءات عَلَى جماعة بواسط، منهم: أَبُو الفتح بْن زُرَيق، وأبو
يَعْلَى بْن تركان.
وببغداد عَلَى: أَبِي مُحَمَّد سبْط الخياط، وأبي الكَرَم
الشّهْرَزُوريّ.
وأقرأ النّاس مدّة. وكان بارعا فِي الفنّ، حُلْو التّلاوة، مجوِّدًا.
ويُعرف بغلام كنينيّ.
تُوُفّي فِي أوّل ذِي الحجّة.
44- يُونُس بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن هِبة اللَّه [1] .
أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ، والد الوزير أَبِي المظفّر عبيد الله
بْن يُونُس كَانَ متديِّنًا، حَسَن الطّريقة، توكّل لوالدة الخليفة [2]
.
وحدَّث عَنْ: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي مَنْصُور القزّاز.
[مواليد السنة]
وفيها وُلد: قاضي قُوص صالح بْن الْحُسَيْن الجعفريّ الزّيْنبيّ، وله
تواليف.
والعلّامة زكيّ الدّين عَبْد العظيم المنذريّ.
ومجد الدّين عليّ بْن وهب القُشَيْريّ بمنفلوط، والخطيب عَبْد المعطي
بْن عَبْد الكريم الْأَنْصَارِيّ، ويوسف بْن عُمَر ابن خطيب بيت
الآبار.
__________
[ () ] مجمع الآداب ج 4 ق 1/ 555.
[1] انظر عن (يونس بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 253، 254 رقم
1374.
[2] هو الناصر لدين الله.
(41/132)
سنة اثنتين وثمانين
وخمسمائة
- حرف الألف-
45- أَحْمَد بْن عَبْد الصَّمد بْن أَبِي عُبَيْدة مُحَمَّد بْن
أَحْمَد [1] .
أَبُو جَعْفَر الخَزْرجيّ، القُرْطُبيّ، نزيل بجَاية وغَرْناطة.
رَوَى عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه بْن مكّيّ، وأبي جَعْفَر البطْرُوجيّ،
وعبد الرحيم الحَجّاريّ، وشريح بن محمد، وأبي بكر بن العربيّ.
وكان معتنيا بالآثار، صنّف كتاب الأحكام وسمّاه «آفاق الشّموس وأعلاق
النّفوس» .
قال الأبّار: ثنا عَنْهُ: ابن بَقِيّ، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط
الله.
وتُوُفّي بفاس فِي ذِي الحجّة، وله أربعٌ وستّون سنة، رحِمَه اللَّه
تَعَالَى.
46- أَحْمَد بْن يوسف بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن رُشْد.
أَبُو القاسم القيسيّ، الورّاق، القُرْطُبيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِيهِ، وأبي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي بحر الأَسَديّ،
وابن رشد.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط
اللَّه، وأَبُو الْحَسَن بْن قُطرال.
توفّي يوم عرفة.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الصمد) في: الوافي بالوفيات 7/ 66 رقم 3003،
والديباج المذهب 50، 51، ونيل الابتهاج للتنبكتي 59، وتعريف الخلف
للحفناوي 2/ 61، 62 ومعجم المؤلفين 1/ 274.
(41/133)
47- أحمد بن أَبِي بَكْر بْن الْمُبَارَك
بْن الشّبْل [1] .
أبو السّعود الحريميّ، العَطَّار، الزَّاهد.
صاحب الشَّيْخ عَبْد القادر، وكان منزله مجمع الفقراء، وَلَهُ قبول
زائد.
وصار يُشار إِلَيْهِ فِي الطّريقة والمعرفة، وفيه رفق وانبساط، رحِمَه
اللَّه تَعَالَى.
- حرف الباء-
48- بِيبشَ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن بِيبشَ [2] .
أَبُو بَكْر العَبْدَريّ، الشّاطبيّ، الفقيه، قاضي شاطبة.
سَمِع: أَبَا الْحَسَن بْن هُذَيْل، وأبا عَبْد اللَّه بْن سعادة.
وكان امرأ صِدْقٍ، حُمَيد السّيرة، مَهِيبًا. قَلّ ما يغيب عَنْهُ شيء
من «صحيح الْبُخَارِيّ» لِحفْظه إيّاه. وكان مُفْتيًا، مُفَسِّرًا،
مصنِّفًا، لَهُ آثار فِي الأمر بالمعروف وقمع الباطل.
ألَّف الأحاديث الّتي انفرد بها مُسْلِم، واختصر «صحيح الْبُخَارِيّ» .
سَمِع منه: أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابنا حَوْط اللَّه.
وعاش ثمانيا وخمسين سنة.
- حرف الحاء-
49- الحَسَن بْن أَحْمَد بْن قاضي القضاة أَبِي الحسن علي بن محمد بن
علي.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن أبي بكر) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 389، 390
وفيه: ويقال له ابن السبيل، وتاريخ ابن الدّبيثي (مخطوطة باريس 5921)
ورقة 242، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 58، رقم 4، والمختصر المحتاج إليه
1/ 228، 229، والوافي بالوفيات 6/ 269 رقم 2761، وعقد الجمان (مخطوط)
17/ 29، وشذرات الذهب 4/ 274.
وسيعاد في الكنى من وفيات هذه السنة برقم (79) .
[2] انظر عن (بيبش بن محمد) في: التكملة لابن الأبار 1/ 228، وطبقات
المفسرين للسيوطي 10، ومعجم المؤلفين 3/ 85، وطبقات المفسرين للداوديّ
1/ 125، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 221 رقم 116.
(41/134)
القاضي الأجلّ أَبُو مُحَمَّد بْن
الدّامغانيّ.
وُلِد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.
وسمع: هبة الله بن الطّبر، وإِسْمَاعِيل بْن السَّمَرْقَنْدِيّ.
ووُلي القضاء برَبْع الكَرْخ، ثُمَّ وُلّي قضاء واسط مُضَافًا إلى قضاء
الكرخ فانحدر إلى واسط، واستنابَ عَلَى الكرخ.
فَلَمَّا عُزِل أخوه قاضي القضاة عُزِلَ هَذَا فلازم بيته. فَلَمَّا
وُلّي قضاء القضاة رَوْح الحَدِيثيّ أعاد هَذَا إلى قضاء واسط.
تُوُفّي فِي رجب ببغداد.
50- الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ [1] .
فخر الكُتّاب الْجُوَيْنيّ، المجوّد.
كَانَ أوحد زمانه فِي براعة الخطّ، كتب عليه خَلْقٌ ببغداد. وخطُّه
يُتَغَالَى فِي تحصيله بالثمنَ الوافر.
تُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة فيما نبَّأني ابن البُزُوريّ.
51- الْحَسَن بْن سيف.
أَبُو عليّ الشّهْرابانيّ، ثمَّ الْبَغْدَادِيّ، التّاجر العدل.
تُوُفّي بمكّة فِي جمادى الأولى.
وَقَدْ رَوَى عَنْ: زاهر بْن طاهر الشّحّاميّ.
52- الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن بركة بْن عبيدة [2] .
أبو محمد الكرخيّ، المقرئ، النّحويّ.
__________
[1] هكذا هنا، والصحيح: «الحسن بن علي بن إبراهيم» . انظر ترجمته
الآتية في وفيات 584 هـ. برقم (117) .
[2] انظر عن (الحسن بن علي) في: معجم الأدباء 3/ 155، وإنباه الرواة 1/
316، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 390، والمختصر المحتاج إليه 1/ 285، 286،
والمشتبه في الرجال 1/ 343، ومعرفة القراء الكبار 2/ 553 رقم 504،
وغاية النهاية 1/ 224، والنجوم الزاهرة 6/ 104، وحسن المحاضرة 1/ 511.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- دون أن يترجم له في سير أعلام النبلاء
21/ 137.
(41/135)
من كبار القُرّاء. قرأ القراءات عَلَى
أَبِي مَنْصُور بْن خيرون، وأبي مُحَمَّد السِّبْط.
ورحل إلى الكوفة فقرأ عَلَى أَبِي البركات عُمَر بْن إِبْرَاهِيم.
وسمع الْحَدِيث منَ: القاضي أَبِي بَكْر. وأخذ العربيّة عَنْ أَبِي
السّعادات بْن الشِّجَريّ.
وكان إماما أيضا فِي معرفة الفرائض والحساب. أقرأ النّاس، وتخرَّج بِهِ
جماعة.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي شوّال.
ومن شِعره:
وما شنئان الشَّيْبَ من أجل لَوْنِهِ ... ولكنَّهُ حادٍ [1] إلى الموتٍ
مُسْرِعُ
إذا ما بَدَت منه الطَّليعة آذَنَتْ ... بأنَّ المنايا بعدَها [2]
تتطلَّعُ
فإنْ قَصَّها المِقْراضُ جاءت بأُختها ... وتَطْلُعُ يتلوها ثلاثٌ
وأربعُ
وإنْ خُضِبَتْ حالَ الخِضَاب [3] لأنّه ... يُغَالبُ صُنْعَ اللَّه
واللَّه أصنعُ
[4] 53- الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن مَهْجَل [5] .
أَبُو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ، الضّرير.
الرجل الصّالح. قرأ القراءات عَلَى جماعة.
وسَمِعَ من: أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
رَوَى عَنْهُ ابن الدُّبِيثيّ فِي «تاريخه» .
__________
[1] في الأصل: «حادي» ، وفي مرآة الزمان: «داع» .
[2] في مرآة الزمان: «بعده» .
[3] في مرآة الزمان: «السواد» .
[4] في مرآة الزمان: زيادة بيت:
ويضحى كريش الديك فيه تلمع ... وأفظع ما تكساه ثوب ملمع
(ج 8 ق 1/ 390) .
[5] انظر عن (الحسين بن علي) في: معجم البلدان 1/ 327، والمختصر
المحتاج إليه 2/ 39، 40 رقم 619، ونكت الهميان 144 وفيه «بهجل» بدل
«مهجل» ، وهو تصحيف.
(41/136)
وتُوُفّي فِي ثالث ربيع الأوّل.
قَالَ ابن النّجّار: قرأ بالروايات عَلَى البارع.
- حرف الخاء-
54- الخضر بْن كامل بْن مَنْصُور.
الأمير أَبُو مُحَمَّد الغَنَويّ، المعدَّل بدمشق.
رَوَى عَنْ: مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن تغلب الآمديّ.
وعاش خمسا وسبعين سنة.
وكان كبير المروءة، قاضيا لحقوق النّاس. ويُنعت بصفِيّ الدّولة.
كتب عَنْهُ: أَبُو المواهب.
- حرف الضاد-
55- ضياء بْن بدر بْن عَبْد اللَّه [1] .
أَبُو الفَرَج بْن البزّاز، عتيق ابن غواديّ التّاجر.
بغداديّ يروي عَنْ: هبة اللَّه بْن الْبُخَارِيّ، والْحُسَيْن بْن
مُحَمَّد البارع، وغيرهما.
كتب عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ.
وأجاز لابن الدُّبِيثيّ.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.
- حرف الطاء-
56- طُغان شاه بْن الملك المؤيّد أَيِّ أبَه [2] .
وكنيته أَبُو بَكْر.
تملّك نَيْسابور بعد مقتل والده سنة ثمان وستّين.
__________
[1] انظر عن (ضياء بن بدر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 115 رقم 734.
[2] انظر عن (طغان شاه) في: الكامل في التاريخ 11/ 378، 379، 383- 385،
والوافي بالوفيات 16/ 443، 444 رقم 477.
(41/137)
وكان منهمكا فِي اللّذّات، معاقرا للخمر.
التقى هُوَ فِي سنة ستّ وسبعين وسلطان شاه ابن صاحب خوارزم الَّذِي
تملّك مرو، فنُصِر عليه سلطان شاه وأخذ بعض بلاده.
وتُوُفّي فِي المحرَّم سنة اثنتين هَذِهِ، وتملّك بعده ابنه سنجر شاه،
وصيَّر أتابكه مملوك جَدّه أمير منكلي، فغلبَ عَلَى الأمور، وتفرَّق
أمراء والده واتّصل أكثرهم بسلطان شاه الخُوارَزْميّ، وهو أخو علاء
الدّين تكش.
وأساء منكلي وظَلَمَ وَعَسَفَ، وقتل بعض الأمراء، فسار إِلَيْهِ علاء
الدّين تكش، وحَصَرَ نَيْسابور شهرين، ثُمَّ عاد لحصارها منَ العام
الآتي، فتسلّمها بالأمان، وَقُتِلَ منكلي، وأخذ سَنْجَر شاه معه،
وأزوجه بابنته، وتزوَّج بوالدته، وبقيت البنت فِي صُحبة سَنْجَر مدّة
وماتت، فتزوَّج بأخت علاء الدّين. وعاش إلى سنة خمسٍ وتسعين وخمسمائة.
قاله أَبُو الْحَسَن البَيْهَقيّ فِي كتاب «مسارب التجارِب» .
- حرف العين-
57- عَبْد اللَّه بْن بَرِّي بنِ عَبْد الجبّار بن برّي [1] .
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن برّي) في: الكامل في التاريخ 11/ 528، ومعجم
الأدباء 12/ 56، وإنباه الرواة 2/ 110، رقم 319، والروضتين 2/ 73 وفيه
«محمد أبو عبد الله بن بري» ، وهو وهم، وطبقات الشافعية لابن الصلاح 1/
505 رقم 183، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 58- 60 رقم 6، وبدائع البدائه
89، وطبقات الشافعية للنووي (مخطوطة) ورقة 59، وتاريخ إربل لابن
المستوفي 1/ 294، والمختصر في أخبار البشر 3/ 71، ووفيات الأعيان 3/
108، 109 رقم 353، والمشتبه في الرجال 1/ 64، والعبر 4/ 247، 248، ودول
الإسلام 2/ 52، وسير أعلام النبلاء 21/ 136، 137 رقم 69، والإعلام
بوفيات الأعلام 240، والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1907،
والوفيات لابن قنفذ 293 رقم 582، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/
121- 123 رقم 817، ومرآة الجنان 3/ 424، وتاريخ ابن الوردي 2/ 96،
وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 267، 268 رقم 245، والبداية والنهاية 12/
319، 320، والوافي بالوفيات 8017- 83 رقم 68، وفوات الوفيات 3/ 291،
والعسجد المسبوك 2/ 200، والفلاكة والمفلوكين 79، وطبقات الشافعية لابن
قاضي شهبة 2/ 359، 360 رقم 327، وطبقات النحاة، له (مخطوط) ورقة
(41/138)
العلّامة أَبو مُحَمَّد بْن أَبِي الوحش
المقدسيّ الأصل، الْمَصْرِيّ، النَّحْويّ، الشّافعيّ.
وُلِد سنة تسع وتسعين وأربعمائة فِي رجبها. وقرأ الأدب عَلَى الْإِمَام
أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الملك النَّحْويّ.
وسَمِع من: أَبِي صادق المَدِينيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن
أَحْمَد الرَّازيّ، وعبد الجبّار بْن مُحَمَّد المَعَافِرِي، وعَلِيّ
بْن عَبْد الرَّحْمَن الْحَضْرَمِيّ، وأبي البركات محمد بن حمزة ابن
العرقيّ، وأبي الْعَبَّاس بْن الحُطَيْئة، وَغَيْرُهُمْ.
وتصدّر بجامع مصر لإقراء العربيّة، وتخرَّج بِهِ جماعة كثيرة.
وانفرد بهذا الشّأن، وقَصَده الطَّلَبة منَ الآفاق.
قَالَ جمال الدّين القِفْطيّ [1] : وكان عالما «بكتاب سِيبوَيْه»
وعِلله، قيّما باللّغة وشواهدها. وكان إِلَيْهِ التصفُّح فِي ديوان
الإنشاء، لا يصدر كتاب عِنْد الدّولة إلى ملوك النّواحي إلّا بعد أن
يتصفَّحه.
وكان يُنَسبُ إلى الغَفْلة فِي غير العربيّة، ويُحكَى عَنْهُ حكايات.
وَقَدْ تصدَّر غير واحد من أصحابه فِي حياته.
وكان قليل التّصنيف، لَهُ مقدّمة سمّاها «اللّباب» ، وَلَهُ «جواب
المسائل العشر» الّتي سَأَلَ عَنْهَا ملكُ النّحاة [2] .
وَلَهُ حواشي عَلَى «صحيح الجوهريّ» أجادَ فيها، وهي ستّ مجلّدات، وكان
ثقة حجّة.
__________
[162، 163،) ] وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 28، 29، والمقفى الكبير 4/
450- 455 رقم 1519، والسلوك ج 1 ق 1/ 92، والنجوم الزاهرة 2/ 103،
وبغية الوعاة 2/ 34 رقم 1364، وحسن المحاضرة 1/ 533 رقم 12، وتاريخ
الخلفاء 457، ومفتاح السعادة 1/ 118، 7119 وخزانة الأدب للبغدادي 2/
529، وشذرات الذهب 4/ 273، 274، وديوان الإسلام 1/ 345 رقم 540، ودائرة
المعارف الإسلامية 1/ 96، 97، والأعلام 4/ 200، والتاج المكلل للقنوجي
62، 63، وتاج العروس (برّ) 3/ 37، 38.
[1] في إنباه الرواة 2/ 111.
[2] هو أبو نزار الحسن بن أبي الحسن صافي بن عبد الله بن نزار النحويّ.
توفي 568 هـ.
وكان معاصرا للشاعر ابن منير الطرابلسي الّذي هجاه في شعره.
(41/139)
تُوُفّي فِي السّابع والعشرين من شوّال.
رَوَى عَنْهُ: الحافظ ابن المفضّل، والزّاهد أبو عُمَر المقدسيّان،
والفقيه عَبْد اللَّه بْن نجم بْن شاش [1] ، وأبو المعالي عَبْد
الرَّحْمَن بْن عَلِيّ المُغيريّ، ومصطفى بْن محمود، ونبأ بْن أَبِي
المكارم الأطرابلسيّ، والوجيه عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد القوصيّ،
والزّاهد أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد
القَسْطَلانيّ، وعبد الرحيم بْن الطُّفَيْل، وبهاء الدّين عَلِيّ بْن
الْجُمَّيْزيّ، ومرتضى بْن أبي الجود حاتم.
ومن تلامذته: أَبُو مُوسَى عيسى بن يللبخت الجزوليّ صاحب «القانون» .
وقال الموفّق عَبْد اللّطيف: كَانَ ابن بَرّي شيخا محقِّقًا، صُحفيًّا،
ساذَج الطِّباع أبله فِي أمور الدُّنْيَا، مُبارك الصُّحْبة، ميمون
الطّلعة، وفيه تغفُّل عجيب، يستبعد مَن سمعه أن يجتمع فِي رَجُل متقِن
للعِلم.
فَمنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يلبس ثيابا فاخرة، ويأخذ فِي كُمّه الواسع
العنب والبيض والحطب. وربّما وجد منزله مُغلَقًا فرمى بالبيض منَ
الطّاقة إلى داخل، ويقطر ماء العنب عَلَى قدمه، فيرفع رأسه إلى السّماء
ويقول: العُجب أنّها تُمطِر مَعَ الصَّحو.
وكان يتحدَّث ملحونا ولا يتكلفُ، ويتبرَّم بمن يخاطبه بإعرابٍ، رحِمَه
اللَّه.
قُلْتُ: وَقَدْ أجاز لجميع من أدرك حياته منَ المسلمين. قرأت ذَلِكَ
بخطّ أَحْمَد بْن الجوهريّ، عَنْ خطّ حَسَن بْن عَبْد الباقي
الصَّقَلّيّ، عَنْهُ.
58- عَبْد الله بن محمد بن جرير [2] .
__________
[1] في الأصل: «شاس» .
[2] انظر عن (عبد الله بن محمد بن جرير) في: المختصر المحتاج إليه 2/
157 رقم 794، والوافي بالوفيات 17/ 577 رقم 482، والعسجد المسبوك 2/
200، ولسان الميزان
(41/140)
أَبُو مُحَمَّد الْقُرَشِيّ، الأُمَويّ،
الْبَغْدَادِيّ، النّاسخ، من وُلِد سَعِيد بْن العاص بْن أُمَية.
سَمِع: الكثير وكتب منَ الكُتُب الكِبار شيئا كثيرا، وكان مليح
الكتابة، محدّثا مفيدا، مالكيَّ المذهب.
سَمِع: القاضي أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا مَنْصُور بْن زُريق،
ويَحْيَى بْن الطّرّاح، وأبا البدر الكرْخيّ، وأبا منصور بْن خَيْرون،
وعبد الوهَّاب الأَنماطيّ، وخلقا كثيرا.
رَوَى عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وإلياس بْن جامع،
ومُحَمَّد بْن مَشِّق، وآخرون.
وتُوُفّي فِي سابع ربيع الأوّل [1] .
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [2] : ظاهرُ أمره الصِّدْق.
وقَالَ ابن النّجّار: كتب ما لا يدخل تحت الحصر بالأجرة.
ويقال إنّه كتب بخمسمائة رِطْل حِبْرٍ أحصاها هُوَ، وكان حَسَن
الطريقة، متديِّنًا.
تُوُفّي فِي شَعْبان وَلَهُ 72 سنة.
59- عَبْد الرحمن بن جامع [3] بن غنيمة [4] بن البنّاء.
__________
[ () ] 3/ 348، والنجوم الزاهرة 6/ 104 وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله-
في سير أعلام النبلاء 21/ 137 دون ترجمة.
[1] في المختصر: توفي في شهر رجب.
[2] في المختصر 2/ 157.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن جامع) في: مشيخة النعّال 77، 78، ومعجم
البلدان 4/ 713، 714، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 56، 57 رقم 3، ومعجم
البلدان 5/ مادة «ميدان» ، والتقييد لابن نقطة 342، 343 رقم 420، وذيل
تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 243، والمختصر المحتاج إليه 2/ 196 رقم
845، والمشتبه في الرجال 2/ 623، والوافي بالوفيات 18/ 129 رقم 145،
والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 253، 254، وشذرات الذهب 4/ 274، وتاج
العروس (ميد) 2/ 507.
[4] غنيمة: بفتح الغين المعجمة وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف،
وبعد الميم المفتوح
(41/141)
أبو الغنائم، ويُدعى أيضا غَنِيمَة، الفقيه
الصّالح، الْبَغْدَادِيّ، الحنبليّ.
تفقّه عَلَى أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الدِّينَوَرِيّ.
وسَمِع من: أَبِي طَالِب بْن يوسف.
وسَمِع من: أَبِي الحصيُن المُسْنِد، ومنَ: الْحُسَيْن بْن عَبْد الملك
الخلَّال، والقاضي أَبِي بَكْر.
وكان فقيها مُناظِرًا، عارفا بالمذهب.
روى عَنْهُ: الشيخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وحمْد بْن
أَحْمَد بْن صدّيق، وعمر بْن بركات الحرّانيّان، وأَبُو عَبْد اللَّه
بْن الدُّبِيثيّ، وآخرون.
تُوُفّي ثامن شوّال.
60- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن قاسم [1] .
الشّريف الأجلّ أَبُو القاسم العَلَويّ الحُسَينيّ.
تُوُفّي فِي شوّال بالقاهرة.
ولد بدمشق في حدود سنة عشرين وخمسمائة [2] .
وَهُوَ جدّ الشّريف عزّ الدّين الحافظ.
61- عَبْد السّلام بْن يوسُف بْن مُحَمَّد بْن مقلّد [3] .
أَبُو الفُتُوح التّنُوخيّ، الْجُماهِريّ، الدّمشقيّ الأصل،
الْبَغْدَادِيّ.
سَمِع ببغداد بإفادة أَبِيهِ منَ: القاضي الأُرْمَوِيّ، وأبي مَنْصُور
بْن خيرون، وابن ناصر، وأبي الوقت.
وطلب بنفسه، وقرأ عَلَى الجماعة الشّيوخ.
__________
[ () ] تاء تأنيث. (المنذري 1/ 57) .
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 58 رقم
5.
[2] قال المنذري: وكان منشؤه بحلب.
[3] انظر عن (عبد السلام بن يوسف) في: خريدة القصر (قسم شعراء العراق)
ج 3 ق 1/ 308- 322، وفوات الوفيات 2/ 326، 327، والوافي بالوفيات 18/
438، 439 رقم 455، والنجوم الزاهرة 6/ 99.
(41/142)
وحدّث ببغداد، والمَوْصِل، ودمشق.
وبدمشق تُوُفّي فِي رجب.
كتب عَنْهُ: أَبُو المواهب الحافظ، وقَالَ: كَانَ قَدْ قدِم إلينا
مسرورا من عِنْد الملك النّاصر صلاح الدّين وأعطاه ذَهَبًا. وكان
يترسَّل وينظُم، وحُمِلت ترِكتُه إلى أهله بالعراق.
ومن شِعره:
عَلَى ساكني بطْنِ العقيق سلامُ وهي أبيات مشهورة [1] .
62- عَبْد الصَّمد بْن مُحَمَّد بْن يعيش.
الغسّاني الأندلسيّ، المُنكّبيّ، خطيب المنكّب.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن ثَابِت، وأبي بَكْر بْن
الخلوف.
وروى عَنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي الْحَسَن بْن مغيث، والقاضي
عِياض.
وتصدَّر للإقراء. وأخذ النّاس عَنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم الملاحيّ، وأَبُو مُحَمَّد بْن حوط الله.
وبقي إلى هَذَا العام.
63- عَبْد الغنيّ بْن الحافظ أَبِي العلاء الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن
الحسن [2] .
الهمذانيّ، العطّار، أبو محمد.
__________
[1] ومنها:
على ساكني بطن العقيق سلام ... وإن أسهرونا بالفراق وناموا
حظرتم علينا النوم وهو محلّل ... وحلّلتم التعذيب وهو حرام
إذا بنتم عن حاجر وحجرتم ... على السمع أن يدنو إليه سلام
فلا ميّلت ريح الصّبا فرع بانه ... ولا سجعت فوق الغصون حمام
ولا قهقهت فيه الرعود ولا بكت ... على حافتيه بالعشيّ غمام
[2] انظر عن (عبد الغني بن أبي العلاء) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 82
رقم 903، وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 137 دون
ترجمة.
(41/143)
رحَلَ بِهِ والده إلى أصبهان فسمع من:
جَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، وغانم بْن خَالِد.
ورحَلَ بِهِ إلى بغداد فسمّعه من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي
غالب بْن البنّاء، وطبقتهما.
وبهَمَذَان من: عَبْد الملك بْن مكّيّ بْن بنجير، وهبة اللَّه ابن أخت
الطّويل، وطائفة.
وَلَهُ إجازة من أَبِي عليّ الحدّاد.
تُوُفّي، رحِمَه اللَّه، فِي رمضان ببلده، وكان مولده في المحرّم سنة
خمس عشرة وخمسمائة.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد الله بْن الدُّبَيْثِيّ، فَإنَّهُ حجَّ سنة
إحدى وثمانين. وحدَّث.
64- عَبْد الغنيّ بْن القاسم بْن الْحَسَن [1] .
أَبُو مُحَمَّد المعريّ، الْمُقْرِئ، الشّافعيّ الحجّار الَّذِي اختصر
«تفسير» [2] سُلَيْم الرَّازيّ [3] ، اختصره اختصارا حَسَنًا وقَالَ:
أَنَا بِهِ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن ثَابِت
الْمُقْرِئ، أَنَا سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ، عَنْ نصر المقدسيّ،
عَنْ سُلَيْم.
سَمِع منه: عَبْد اللَّه بْن خَلَف المِسْكيّ.
تُوُفّي فِي شوّال.
65- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ.
أَبُو الحَسَن الطّليطليّ.
__________
[1] انظر عن (عبد الغني بن القاسم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 55،
56 رقم 2، وطبقات المفسرين للسيوطي 20، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين
249 رقم 292، وكشف الظنون 1091، وهدية العارفين 1/ 588، 589، ومعجم
المؤلفين 5/ 276.
[2] اسمه «ضياء القلوب» ألّفه سليم الرازيّ أثناء إقامته بمدينة صور.
[3] توفي عند ساحل جدّة غرقا وهو عائد من الحج سنة 447 هـ. انظر ترجمته
ومصادرها في كتابنا: موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق
1 ج 2/ 322- 327 رقم 662.
(41/144)
رَوَى عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه بْن مكّيّ،
وأبي جَعْفَر البطْرُوجيّ، وأبي الحسن شريح.
وأخذ القراءات عَنْ شُرَيْح.
رَوَى عَنْهُ: يعيش بْن القديم، وأَبُو الْحَسَن بْن القطّان.
وكان حيّا فِي هَذِهِ السّنة.
66- عَلِيّ بْن الوزير عضُد الدّين أَبِي الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد
الرَّحْمَن بْن هبة اللَّه بْن المظفر ابن رئيس الرؤساء [1] .
أَبُو الْحَسَن عماد الدّين.
تزهَّد وتصوَّف، وبنى رِباطًا بدار الخلافة، فلمّا نُكِب أخوه اتُّهِم
هُوَ بمالِ إخوته الصّغار، فخرج إلى الشّام، فأكرمه السّلطان صلاح
الدّين، وأدرّ عليه أنعاما [2] .
وكان قَدْ سَمِع منَ: القاضي الأُرْمَوِيّ، وأبي الوقت.
وعاش أربعا وأربعين سنة، ودُفِن بقاسيون.
67- عُمَر بْن أَبِي بَكْر بْن عَلِيّ بْن حُسَيْن [3] .
أَبُو حَفْص ابن التّبّان المأمونيّ، البغداديّ.
سَمِع: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر الشّحّاميّ، وأبا
غالب بن البنّاء، وجماعة.
وكان رَجُلًا صالحا من سكّان المأمونيَّة.
68- عوض بن إبراهيم بن خلف [4] .
__________
[1] انظر عن (علي ابن الوزير) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 391 وفيه:
«عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه بْن المظفّر ... » .
[2] قال سبط ابن الجوزي: خرج من بغداد ولم يعلم به أحد، فوصل إلى دمشق
فأكرمه صلاح الدين واحترمه بحيث أن صلاح الدين إذا أكل طعاما وأكل ابن
الوزير معه غسّل يده معه في الطشت، فحسده شمس الدين بن هبيرة، فبلغ
السلطان، فقال: هذا وزير ابن وزير إلى أن ينقطع النّفس مع الدّين
المتين والزهد في الدنيا، وغيره ليس كذلك.
[3] انظر عن (عمر بن أبي بكر) في: مشيخة النعال 75، 76.
[4] انظر عن (عوض بن إبراهيم) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 154، رقم
1090، ومعرفة
(41/145)
أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ،
المَرَاتبِيّ [1] ، الْمُقْرِئ.
قرأ القراءات على: أبي عبد الله البارع، وأبي بكر مُحَمَّد بْن
الْحُسَيْن المَزْرَفيّ.
وسَمِع منَ: ابن الحصين.
أخذ عنه: أبو عبد الله ابن الدُّبِيثيّ [2] . وقرأ عليه بعض الخَتْمَة،
وقَالَ:
تُوُفّي فِي رجب.
- حرف الميم-
69- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن دَاوُد [3] .
الشَّيْخ أَبُو الرّضا المؤدّب، الحَيْسُوب، المعروف بالمفيد.
بغداديّ بارع فِي الحساب، لَهُ تصانيف.
سَمِع منه ابن البَطّيّ قليلا، وتخرَّج عليه خلْق [4] .
70- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن العلامَّة أَبِي المظفّر بْن عَبْد
الجبّار السّمعانيّ [5] .
أَبُو المعالي المَرْوَزِيّ، الواعظ.
ورد بغداد، ووعظ بها مدّة [6] ، وتُوُفّي بها.
وَهُوَ ابن عمّ الحافظ أبي سعد.
__________
[ () ] القراء الكبار 2/ 564، 565 رقم 521، وغاية النهاية 1/ 605، 606.
[1] نسبة إلى باب المراتب ببغداد.
[2] وهو قال: وكان لا يعرف الخط. (المختصر) .
[3] انظر عن (محمد بن أحمد بن داود) في: المختصر المحتاج إليه (الملحق)
1/ 229، 230 رقم 16، وتلخيص مجمع الآداب ج 5/ رقم 1586، والوافي
بالوفيات 2/ 114.
[4] وقال ابن الدبيثي: كان يسكن بالقريّة من دار الخلافة.. وله هناك
مكتب يعلّم فيه الصبيان الخط والحساب، وكانت له معرفة جيدة بالحساب
وأنواعه، وله فيه تصنيف وتعاليق.
وتخرّج به جماعة وتعلّموا منه. سمع شيئا من الحديث من أبي عَبْد اللَّه
مُحَمَّد بْن يحيى بْن مسلّم الزبيدي الواعظ، وأبي الفتح محمد بن عبد
الباقي بن سلمان المعروف بابن البطي، وغيرهما. وروى شيئا يسيرا، وكان
بتعليم الحساب والخط أشهر.
[5] انظر عن (محمد بن أحمد بن منصور) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 230
رقم 17 (بالملحق) ، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 60 رقم 7.
[6] بالمدرسة النظامية.
(41/146)
71- مُحَمَّد بْن الحسن بن الْحُسَيْن بْن
مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن موهوب بْن عَبْد الملك بْن مَنْصُور [1] .
الفقيه أَبُو الْحَسَن، وقيل أَبُو الفضل السَّمَرْقَنْدِيّ،
المنصوريّ، الحنفيّ، الْمُقْرِئ. خطيب سَمَرْقَنْد.
من علماء بلده.
تفقّه عَلَى: الْحَسَن بْن عطاء السُّغْديّ [2] ، وعمر بْن مُحَمَّد
النَّسَفيّ.
وسمع من: أَبِي المحامد محمود بْن مَسْعُود القاضي السُّغْديّ، وعَلِيّ
بْن عُثْمَان الخرّاط، وأبي إِبْرَاهِيم إِسْحَاق بْن مُحَمَّد
النُّوحيّ [3] ، وإِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل الصّفّار.
وحدّث ببغداد سنة ستّ وسبعين. وعاد إلى بلاده.
وتُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة عَنْ مائةٍ وأربع سنين، وكان معمَّرًا
مُسْنِدًا.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن القَطِيعيّ، وعَبْد اللَّه بن أبي
النّجيب السّهرورديّ.
وكان ممتَّعًا بحواسِّه فِي هَذِهِ السّنّة.
وقيل: بل عاش 95 سنة.
72- مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد [4] .
الفقيه أَبُو أَحْمَد العامريّ، الْبَصْرِيّ، الفقيه المالكيّ، المفتي.
وُلِد سنة عشرين وخمسمائة.
وأقرأ القرآن وحدّث، وأفتى.
__________
[1] انظر عن (محمد بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 61، 62 رقم
9، والمختصر المحتاج إليه 1/ 34، والجواهر المضيّة 1/ 97 و 2/ 41.
[2] السّغدي: بضم السين المهملة وسكون الغين المعجمة وآخرها دال مهملة،
ويقال أيضا بالصاد، نسبة إلى السّغد: بلدة بين بخارى وسمرقند.
[3] النّوحي: نسبة إلى جدّه نوح. (المنذري 1/ 62) .
[4] انظر عن (محمد بن طلحة) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 302، 303 رقم
104 (الملحق) .
(41/147)
سَمِع منَ: ابن ناصر، وغيره.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي رمضان بالبصرة [1] .
73- مُحَمَّد بْن الحافظ أَبِي مَسْعُود عَبْد الجليل بْن أَبِي بَكْر
مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد.
أَبُو حامد بْن كوتاه الأصبهانيّ، الْجُوباريّ. وأَبُو بَكْر هو
الملقَّب بكوتاه، وعُرف بِذَلِك أيضا عَبْد الجليل، وَهُوَ بالعربيّ:
القصير.
وجُوبار: محلّة بأصبهان.
وُلِد سنة عشرين وخمسمائة.
وسمع من: جَعْفَر بْن عبد الواحد الثَّقَفيّ، وسعيد بْن أَبِي الرجا
الصَّيْرفيّ، وأبي نصر الغازي، ومَنْصُور بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن
بْن سُلَيْم، والْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلَّال.
وحدّث ببغداد، وأصبهان، وجمع كتابا فِي «أسباب الْحَدِيث» .
رَوَى عَنْهُ عَبْد الله بْن أَحْمَد الخباز، وأَبُو نزار ربيعة
اليمانيّ.
وتُوُفّي فِي نصف المحرَّم.
74- مُحَمَّد بْن القاضي السّعيد عَلِيّ بْن عُثْمَان بْن إِبْرَاهِيم
[2] .
الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، المُغيريّ، الْمَصْرِيّ، القاضي الأسعد، أَبُو
الطّاهر الشّافعيّ.
وُلِد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
__________
[1] قال ابن الدبيثي: شيخ فاضل صالح، له معرفة بمذهب مالك بن أنس
وبالأدب، وإليه كان المرجع بالبصرة في الفتوى وإملاء الحديث وإقراء
القرآن الكريم والنظر في المصالح الدينية. قدم بغداد بعد سنة أربعين
وخمسمائة فيما ذكر شيخنا أبو الحسن ابن المعلّمة البصري، قال: وكنت
معه، وَسَمِعَ من أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن ناصر وعاد إلى بلده وحدّث
عنه وعن غيره بالكثير. لقيته بواسط سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وجلست
إليه، وطلبت منه شيئا من مسموعاته فلم يحضره، ثم كتب إليّ بخطّه أحاديث
من مسموعاته وأناشيد له ولغيره، وكان نعم الشيخ دينا وعلما.
[2] انظر عن (محمد ابن القاضي السعيد) في: المقفى الكبير للمقريزي 6/
320 رقم 2787.
(41/148)
وسمع منَ: السِّلَفيّ، والعثمانيّ.
واستشهد فِي صَفَر ببزاعة.
75- محمد بن عليّ بن فارس [1] .
الفرّاش، الشّرابيّ أَبُو بَكْر، ويُقَالُ أَبُو عبد اللَّه الزَّاهد.
حدَّث عَنْ: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وغيره.
وكان منقطعا بمسجد كامل.
76- مُحَمَّد بْن أَبِي مَنْصُور الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن
مُحَمَّد بْن الخطيب [2] .
أَبُو المعالي قاضي المدائن وابن قاضيها.
الفقيه الشّافعيّ.
رَوَى عَنْ: أبي الوقت.
وَلَهُ شِعْر.
- حرف الهاء-
77- هارون بْن أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن عات [3] .
أَبُو مُحَمَّد النَّفْزيّ [4] ، الشّاطبيّ، الْمُقْرِئ.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي مَرْوَان بْن يَسَار صاحب ابن الدّوش.
وسمع من: أَبِي الْوَلِيد بْن الدّبّاغ.
وتفقَّه عَلَى أَبِي جَعْفَر الخشنيّ [5] ولازمه سبْع سِنين، وعرضَ
عليه «المدوَّنة» مرّات. ومَهَر عنده.
وكان فقيها مشاوَرًا مستقلّا بالفتوى، فرضيّا، حاسبا، مصنّفا. استقضي
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي بن فارس) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد
لابن الدبيثي 2/ 130، 131، رقم 357، والمختصر المحتاج إليه 1/ 94.
[2] انظر عن (محمد بن أبي منصور) في: طبقات الشافعية، لابن كثير
(مخطوط) ورقة 143 أ.
[3] انظر عن (هارون بن أحمد) في: غاية النهاية 2/ 345 رقم 3756، ومعجم
المؤلفين 13/ 127.
[4] النّفزي: من نفزة، قرية بمالقة. انظر عنها في: توضيح المشتبه 9/
109.
[5] في غاية النهاية: «الحسني» ، وهو تصحيف.
(41/149)
بشاطبة [1] فحمدت سيره.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عُمَر بْن عُبَاد، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن سعادة،
وابنه أَبُو عُمَر بْن عات.
وتُوُفّي فِي شعبان عَنْ سبعين سنة.
وكان من أئمَّة الأندلس.
- حرف الواو-
78- واجب بْن أَبِي الخَطَّاب مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن
واجب بْن عُمَر بْن واجب.
أَبُو مُحَمَّد البَلَنْسيّ، القَيْسيّ.
سَمِع: ابن هُذَيْل، وأبا عَبْد اللَّه بْن سعادة.
وأجاز لَهُ أَبُو مَرْوَان بْن قزمان، وأبو طاهر السِّلَفيّ.
وسمع منه: أبو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه.
وكان كاتبا بليغا، شاعرا، خطيبا، مفوّها، من بيت جلالة. بيت جلالة.
صحِب السّلطان، وتُوُفّي بمَرّاكُش.
وجدُّ جدِّه واجب سَمِع من أَبِي الْعَبَّاس العُذْريّ، وتوفّي قبل
التّسعين وأربعمائة.
الكنى
79- أَبُو السّعود بْن الشِّبل [2] .
العَطَّار الحريميّ الزَّاهد.
كَانَ عطّارا فزهِد، وصحِب الشَّيْخ عَبْد القادر، وصار من كبار
الفقراء.
__________
[1] في غاية النهاية: «وولي قضاء شاطبية» ، وهو وهم.
[2] هو أحمد بن أبي بكر بن المبارك، وقد تقدّم برقم 47.
وجاء على هامش الأصل بقرب الترجمة: «هو أحمد بن أبي بكر ... عليه ابن
قاضي شهبة» .
(41/150)
لَهُ كرامات وأحوال، وَقَبُولٌ عظيم. غلب
عليه الفناء فكان لا يأكل ولا يلبس إلّا أن يُطعموه أَوْ يُلبسوه. ولا
يكاد يتكلَّم إلّا جوابا. ولا يزال عَلَى طهارة مستقبل القِبلة.
حكى لي عَنْهُ جماعة. يَقُولُ أبو المظفّر بْن الجوزيّ [1] : قَالوا
كَانَ جالسا فوقع السّقف، فجاء طرف جذْع عَلَى أضلاعه فكسرها، فلم
يتحرَّك فبقي عشرين سنة، فَلَمَّا مات وجُرِّد للغسْل رأوا أضلاعه
مكسَّرَة.
تُوُفّي فِي عاشر شوّال، وبنوا عَلَى قبره قبَّةً عالية، وقبره يُزار
رحِمَه اللَّه.
[مواليد السنة]
وفيها وُلِد الكمال بْن طَلْحَةَ، وزكيّ البَيْلَقانيّ، وعثمان بن عبد
الرحمن بن رشيق الرّبعي.
__________
[1] في مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 389، 390.
(41/151)
سنة ثلاث وثمانين
وخمسمائة
- حرف الألف-
80- أَحْمَد بْن المفرّج بْن درع [1] .
التكريتيّ [2] .
حدَّث عَنْ: أبي شاكر مُحَمَّد بْن سعد، وغيره.
وتُوُفّي بتكريت.
81- أَحْمَد بْن أَبِي المطرّف عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن عَبْد
الرَّحْمَن بْن جُزَيٍّ [3] .
أَبُو بَكْر البَلَنْسيّ.
سَمِع: أبا محمد الطليوسيّ، وطارق بْن يعيش، وأبا الْوَلِيد بْن
الدّبَّاغ وأقرأ النّاس الفرائض والحساب. وهو آخر الرّواة عَنِ
البَطَلْيُوسيّ.
حدَّث عَنْه: أَبُو عامر بْن نذير، وأَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وابن
نعمان.
وبالإجازة: الطّيّب بْن مُحَمَّد، وأَبُو عِيسَى بْن أَبِي السّدّاد.
وتُوُفّي فِي المحرَّم عَنْ أربعٍ وثمانين سنة.
82- إِبْرَاهِيم بْن الْحُسَيْن.
الأمير الكبير حسام الدّين المهرانيّ، أحد أمراء صلاح الدّين.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن المفرّج) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 24،
وتاريخ إربل 1/ 205.
[2] كنيته: أبو العباس.
[3] انظر عن (أحمد بن أبي المطرّف) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم
13.
(41/152)
استُشْهِد عَلَى حصار عسقلان فِي جُمادى
الآخرة.
- حرف الحاء-
83- الْحَسَن بْن حفّاظ بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن [1] .
أَبُو عليّ الغسّاني الدّمشقيّ، النَّاسخ، المعدَّل.
حدَّث عَنْ: طاهر بْن سهل الإسْفَرايينيّ.
وعاش ستّا وثمانين سنة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرى.
ضعُف وأصابته رعشة وافتقر، رحِمَه اللَّه.
84- الْحَسَن بْن نصر اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد [2] .
أَبُو القاسم الدّسْكَرِيّ، ثمَّ الْبَغْدَادِيّ، المعروف بابن الفقيه.
سَمِع من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب أَحْمَد بن البنّاء.
وكان جَدّه أَبُو سعد عَبْد الواحد من أصحاب الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق
الشّيرازيّ.
- حرف السين-
85- سَعِيد بْن عَبْد السّميع بْن مُحَمَّد بْن شجاع [3] .
أَبُو الْحَسَن الهاشميّ، الْبَغْدَادِيّ.
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة.
وسمع من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة الله بْن عَبْد اللَّه
الشُّرُوطيّ، وأبي بَكْر الأنصاريّ.
كتب عنه جماعة.
__________
[1] انظر عن (الحسن بن حفّاظ) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 30.
[2] انظر عن (الحسن بن نصر الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 74، 75
رقم 28، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 18.
[3] انظر عن (سعيد بن عبد السميع) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 89 رقم
694، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 65، 66 رقم 14.
(41/153)
وتوفّي فِي ربيع الأوّل.
86- سُلَيْمَان بْن عَبْد اللَّه.
أَبُو الرَّبِيع التُّجَيْبيّ الخَشينيّ، ويُقَالُ الخُشَنيّ،
الْمُقْرِئ.
رَوَى عَنْ: أَبِي القاسم بن الأبرش، وأحمد بْن يَعْلَى.
وأجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد بْن عتّاب.
وكان عارفا بالعربيّة والفقه. وتصدَّر للإقراء والعربيّة.
حدَّث عَنْه: أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان، ابْنَا حَوْط اللَّه،
وأجاز لهما فِي هَذَا العام، وانقطع خبره.
- حرف الشين-
87- شروين بْن حسن.
الأمير الكبير، جمال الدّين الزّرزاريّ، الصّلاحيّ.
كَانَ أول مَن بادر وخاطر فسبق بأصحابه إلى منازلة القدس قبل تواصل
الجيش، فلقيه جمع كبير منَ الفِرَنج خرجوا يَزَكًا فقتلوه، وقتلوا
جماعة مِن أصحابه، رحِمَهم اللَّه.
- حرف العين-
88- عَبْد الجبّار بْن يوسف بْن عَبْد الجبّار بْن شبل بن عَلِيّ [1] .
القاضي الأكرم أبو محمد ابن القاضي الأجلّ أَبِي الحَجَّاج
الْجُذَاميّ، الصّويتيّ، والمقدسيّ.
ولد سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
وسمع منَ السِّلَفيّ.
ووُلّي ديوان الجيوش بمصر مدّة.
وصويت: فخذ من جذام.
__________
[1] انظر عن (عبد الجبار بن يوسف) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم
25، والعبر 4/ 246، والوافي بالوفيات 18/ 38 رقم 35.
(41/154)
تُوُفّي فِي سابع عشر ذِي القعدة ببيت
المَقْدِس، ودُفِن بباب المرجة.
ومولده وداره بمصر.
89- عَبْد الجبّار بْن يوسف بْن صالح الْبَغْدَادِيّ [1] .
شيخ الفُتُوَّة [2] ورئيسها، ودُرَّة تاجها، وحامِلُ لوائها.
تفرَّد بالمروءة والعصبيَّة، وانفرد بشرفِ النَّفس والأُبُوَّة، وانقطع
إلى عبادة اللَّه تَعَالَى بموضعٍ اتّخذه لنفسه وبناه، فاستدعاه
الْإِمَام النّاصر لدين اللَّه، وتفتَّى إِلَيْهِ، ولبس منه.
خرج حاجّا فِي هَذِهِ السّنة فتُوُفّي بالمُعَلَّى، ودُفِن بِهِ فِي
ذِي الحجّة.
90- عَبْد الغنيّ بْن أَبِي بَكْر [3] .
الْبَغْدَادِيّ، الإسكاف، الفقير، المعروف بابن نُقْطَة، وهي أمُّه.
كَانَ يلعب بالحَمَام، فتاب عَلَى يد الشَّيْخ أَبِي الفَرَج بْن
الجوزيّ، وصَحِب الفقراء فكثُر أتباعه، وبَنَتْ لَهُ أُمّ الخليفة
مسجدا، فكان يأتيه النّاس ويتكلَّم عليهم.
ولم يكن يعرف شيئا منَ العلم ولا القرآن ولا الخطّ، بل كَانَ رَجُلًا
خيِّرًا.
تُوُفّي كَهْلًا في جمادى الآخرة رحِمَه اللَّه.
وَهُوَ والد الحافظ أَبِي بَكْر مُحَمَّد مصنِّف «التّقييد» . وذَكَر
ابنه أَنَّهُ كَانَ لا يدّخر شيئا.
وَلَهُ أخبار مشهورة فِي الإيثار والتَّنَزُّه عَنِ الدُّنْيَا.
91- عَبْد المغيث بن زهير بن زهير بن علويّ [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الجبار بن يوسف) في: العبر 4/ 249، والإعلام بوفيات
الأعلام 240، ومرآة الجنان 3/ 329، والعقد الثمين 5/ 326، والنجوم
الزاهرة 6/ 106، وشذرات الذهب 4/ 275.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 133 دون ترجمة.
[2] تصحّفت في النجوم الزاهرة إلى «شيخ الفتوى» .
[3] انظر عن (عبد الغني بن أبي بكر) في: ذيل الروضتين 28، والمختصر
المحتاج إليه 3/ 84 رقم 906، والتكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 18، وشذرات
الذهب 4/ 278.
[4] انظر عن (عبد المغيث بن زهير) في: الكامل في التاريخ 11/ 562، 563،
ومشيخة النعال
(41/155)
المحدِّث أَبُو العزّ [1] بْن أَبِي حرب
الْبَغْدَادِيّ، الحربيّ.
أحد من عُني بهذا الشّأن. قرأ الكثير، وحصَّلَ، ونَسَخَ، وخَرَّج،
وصنّفَ.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [2] : كَانَ ثقة صالحا، صاحب سُنَّة، منظورا
إِلَيْهِ بعين الدِّيانة والأمانة.
سَمِع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا العزّ بْن كادش، وهبة الله بن
الطّبر، وأبا غالب بن البنّاء، فَمنْ بعدهم.
وحدَّث بالكثير، وأفاد الطّلبة، ونِعْمَ الشّيخ كان.
كان مولده في سنة خمسمائة، وتُوُفّي فِي الثّالث والعشرين منَ
المحرَّم.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ الموفَّق، والحافظ عَبْد الغنيّ،
وحَمْد بْن صُديق الحرّانيّ، والبهاء المقدسيّ، وأَبُو عَبْد اللَّه
الدُّبِيثيّ، وخلْق سواهم.
وصنّف كتابا فِي «فضائل يزيد» أتى فِيهِ بالعجائب، ولو لَمْ يصنِّفه
لكان خيرا لَهُ. وعمله ردّا عَلَى ابن الجوزيّ. ووقَعَ بينهما عداوة
لأجل يزيد، نسأل اللَّه أن يثبّت عقولنا، فَإِن الرجل لا يزال بعقله
حَتَّى ينتصب لعداوة يزيد أَوْ ينتصر لَهُ، إذْ لَهُ أُسوة بالملوك
الظَّلَمة.
وذكر شيخنا ابن تيميّة قَالَ: قَدْ قِيلَ إنّ الخليفة النّاصر لمّا
بلغه نَهْيُ الشَّيْخ عَبْد المغيث عَنْ لعنة يزيد قَصَده متنكِّرًا،
وسأله عَنْ ذَلِكَ، فعرَفَه عَبْد المغيث، ولم يُظْهِرُ أَنَّهُ يعرفه،
فَقَالَ: يا هذا، أنا قصدي كفى ألْسِنة النّاس عَنْ خلفاء المسلمين،
وإلّا فلو فتحنا هَذَا الباب لكان خليفة الوقت هَذَا أحقّ
__________
[ () ] 78- 80، والتقييد 388، 389 رقم 504، وذيل تاريخ بغداد لابن
الدبيثي 15/ 285، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 16/ 2، والتكملة لوفيات
النقلة 1/ 63 رقم 11، والمختصر المحتاج إليه 3/ 94، 95 رقم 929،
والإعلام بوفيات الأعلام 240، وسير أعلام النبلاء 21/ 159- 161 رقم 79،
والعبر 4/ 249، والبداية والنهاية 12/ 328، والذيل على طبقات الحنابلة
1/ 354- 358، والعسجد المسبوك 2/ 203، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ 51،
والنجوم الزاهرة 6/ 106، وشذرات الذهب 4/ 275، 276.
[1] تصحّفت الكنية في شذرات الذهب إلى «أبي العزيز» .
[2] في المختصر المحتاج إليه 3/ 95، وذيل تاريخ بغداد 15/ 285.
(41/156)
باللّعن، فَإنَّهُ يفعل كذا، وَجَعَل
يُعَدِّد خطايا الخليفة، حَتَّى قَالَ: يا شيخ ادعُ لي. وذهب.
92- عطاء بْن عَبْد المنعم بْن عَبْد اللَّه [1] .
أَبُو الغنائم الأصبهانيّ، الخاني.
حدَّث ببغداد، وأصبهان عَنْ: غانم البُرْجيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الفُتوح بْن الحُصْريّ [2] .
وعاش إلى هَذِهِ السّنة. وكان مولده سنة 506.
93- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ [3] .
أَبُو الحَسَن بْن لَبَّال [4] الشُّرَيْشِيّ.
سَمِع «صحيح» خ. من أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وقرأ عليه بالرّوايات.
وروى عَنْ: أَبِي بَكْر بْن العربيّ «الموطّأ» . وولي قضاء شُرَيش.
وكان من أَهْل العَدَالة والوَرَع.
صنَّف شرحا «لمقامات الحريريّ» ، وَلَهُ النَّظم والنَّثر.
قَالَ الأَبّار: حدَّث عَنْهُ جماعةٌ من شيوخنا.
94- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن
قاضي القضاة أبي عبد الله [5] .
__________
[1] انظر عن (عطاء بن عبد المنعم) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 55 رقم
1093.
[2] وقال ابن الدبيثي: قدم للحج سنة ستين وخمسمائة.
[3] انظر عن (علي بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 673، وغاية
النهاية 1/ 521 رقم 2154، ومعجم المؤلفين 7/ 21.
[4] لبّال: بفتح اللام وتشديد الباء الموحّدة وبعدها لام. (غاية
النهاية) .
[5] انظر عن (علي بن أحمد) في: الكامل في التاريخ 11/ 563، والتاريخ
المجدّد لمدينة السلام لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 181، وذيل
تاريخ مدينة السلام، له، مجلّد 4/ ورقة 169 أ، والمختصر في أخبار البشر
3/ 74، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 74 رقم 27، والمختصر المحتاج إليه 3/
115 رقم 976، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 1130، والعبر 4/ 249، والبداية
والنهاية 12/ 329، وتاريخ ابن الوردي 2/ 99، والعسجد المسبوك 2/ 203،
وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 52، والنجوم الزاهرة 6/ 104، 105،
والجواهر المضية 1/ 350، وشذرات الذهب 4/ 276، والطبقات السنية
(41/157)
الدّامْغَانيّ، أَبُو الْحَسَن قاضي القضاة
بالعراق، الفقيه الحنفيّ.
ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ببغداد.
وسمع: هبات [1] اللَّه بْن الحُصَيْن، وابن الطّبر، والشُّرُوطيّ، وأبا
الْحُسَيْن بْن القاضي أَبِي يَعْلَى.
وكان ساكنا وَقُورًا، رئيسا، نبيلا. وُلّي قضاء رَبع الكَرْخ بعد وفاة
والده. ثُمَّ ولّي قضاء القضاة بعد وفاة أَبِي القاسم الزَّيْنبي سنة
ثلاثٍ وأربعين، فبقي فِيهِ إلى أن عزله المستنجدُ أوّل ما استخلف.
وطالت أيّام عزْله. ثُمَّ وُلّي القضاء فِي سنة سبعين وخمسمائة [2] .
سَمِع منه: عُمَر الْقُرَشِيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن
الصّبّاغ، وغيرهما.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة، وشيَّعه أعيان الدّولة وخلق كثير.
قَالَ ابن النّجّار [3] : كان مهيبا، جليلا، عالما، تخين السّتر،
عفيفا، كامل العقل، نزها، جميل السّيرة.
95- عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي مَنْصُور جلال
الدّين ابن الوزير أَبِي جَعْفَر الجواد وزير السّلطان عز الدين
مَسْعُود [4] .
تُوُفّي فِي المحرَّم. وقيل: تُوُفّي قبل هَذَا. وَقَدْ ذكر [5] .
96- عيسى بن مالك [6] .
__________
[ () ] (مخطوط) 2/ ورقة 641، 642 وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير
أعلام النبلاء 21/ 133 دون ترجمة.
[1] هكذا «هبات» لأنه سمع على ثلاثة اسمهم «هبة الله» هم: ابن الحصين،
وابن الطبر، والشروطي.
[2] في خلافة المستضيء بأمر الله (الكامل) .
[3] في ذيل تاريخ مدينة السلام 4/ ورقة 169 أ.
[4] انظر عن (علي بن محمد بن علي) في: الكامل في التاريخ 11/ 563.
[5] وقال ابن الأثير: وكان من الأولياء أرباب الكرامات، وصحبته أنا
مدّة، فلم أر مثله حسن خلق وسمت وكرم وعبادة.
[6] انظر عن (عيسى بن مالك) في: الكامل في التاريخ 11/ 548.
(41/158)
العُقَيْليّ الأمير الشّهيد عزّ الدّين،
ابن صاحب قلعة جَعْبَر.
أمير جليل، شجاع بطل.
استُشْهِد فِي حصار القدس بعد أن بيَّن وأبلى بلاء حسنا، وتأسَّف
المسلمون عَلَى قتله.
قُتِلَ فِي رجب، رحِمَه اللَّه.
- حرف الميم-
97- مُحَمَّد بْن بركة بْن عُمَر [1] .
أبو عَبْد اللَّه الْبَغْدَادِيّ، الحلّاج العَطَّار، لا القطّان.
لَهُ إجازة عالية من أَبِي القاسم الرَّبَعيّ، وأبي الغنائم
النَّرْسِيّ، وشجاع الذُّهليّ. حدَّث بها عنهم.
سَمِع منه: عَبْد الجبّار بْن البُنْدار، وجماعة، ومحمد بْن أَحْمَد
بْن شافع.
مات فِي ذِي القعدة.
98- مُحَمَّد بْن ذاكر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَمْر [2] .
أَبُو بَكْر الأصبهانيّ، الخِرَقيّ.
حجَّ سنة ثمانٍ وستّين. وحدَّث ببغداد عَنْ: أَبِي علي الحدّاد،
وجَعْفَر الثَّقَفيّ.
وسمع الكثير من أصحاب أَحْمَد بْن محمود الثَّقَفيّ، وسعيد العيّار.
وخرَّج لنفسه مُعْجَمًا.
كتب عَنْهُ أَبُو بَكْر الحازميّ، وجماعة، وابنه أَبُو نصر القاسانيّ.
وتُوُفّي فِي رجب عَنْ ثمانين سنة.
وَهُوَ مُحَمَّد بْن أَبِي نصر.
قَالَ أَبُو رشيد الغزَّال: سَمِعْتُ منه الكثير بإفادة والدي، وَقَدْ
رحل إلى نيسابور بعد الأربعين.
__________
[1] انظر عن (محمد بن بركة) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 26.
[2] انظر عن (محمد بن ذاكر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 285، 286 رقم
84 (بالملحق) ، والوافي بالوفيات 3/ 66.
(41/159)
99- مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق بْن أَبِي
شُكر [1] .
أَبُو المحاسن الْأَنْصَارِيّ، الأصبهانيّ، الجوهريّ.
وُلِد سنة سبع وتسعين وأربعمائة. وسمع حضورا سُنَن النَّسائيّ، منَ
الدّونيّ، وسمع كتاب تاريخ «أصبهان» ، و «الحلية» ، و «مستخرج» أَبِي
نُعَيم عَلَى خ. م.، عَلَى أَبِي عليّ الحدّاد. وسمع «المعجم الكبير»
للطّبرانيّ، عَلَى المجسَّد [2] بْن مُحَمَّد الإسكاف، بسماعه منَ ابن
فادشاه.
ورَّخ موته أَبُو رشيد الغزّال.
100- مُحَمَّد بْن أَبِي مَسْعُود عَبْد الجليل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد
الواحد [3] .
أَبُو حامد كوتاه الأصبهانيّ. والدُ أَبِي بَكْر مُحَمَّد.
محدّث حافظ مصنّف، لَهُ كتاب «أسباب الْحَدِيث» عَلَى أُنموذج «أسباب
النّزول» للواحديّ، لَمْ يُسبق إلى مثله. وسوَّد «تاريخا لأصبهان» ،
وكتب الكثير، وكان صدوقا نبيلا.
سَمِع: جَعْفَر بْن عَبْد الواحد، وزاهر بْن طاهر، وسعيد بْن أَبِي
الرّجاء.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد الغزّال.
تُوُفّي فِي المحرَّم وَلَهُ ثلاث وستّون سنة.
وقيل: تُوُفّي فِي العام الماضي.
101- مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الْعَزِيز بْن خليفة بْن
أَبِي العافية.
الْأَزْدِيّ، الغرناطيّ، أبو بكر الكتنديّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الخالق) في: سير أعلام النبلاء 21/ 123 رقم
61.
[2] المجسّد: بفتح السين المهملة المشدّدة، وفي آخره دال مهملة أيضا.
وهو أبو الحسين أحمد بن محمد بن الحسين الأصبهاني المتوفى سنة 433 هـ.
(انظر عنه في: تاريخ الإسلام- (حوادث ووفيات 421- 440 هـ.) ص 376، 377
رقم 67) .
[3] انظر عن (محمد بن أبي مسعود) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد
لابن الدبيثي 2/ 79 رقم 289، والمختصر المحتاج إليه 1/ 79، والوافي
بالوفيات 3/ 218.
ويقول خادم العلم محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» : فات
الأستاذ عمر رضا كحّالة أن يذكر صاحب الترجمة في «معجم المؤلفين» وفي
مستدركه أيضا، فليراجع.
(41/160)
روى عن: أبي محمد بن أبي جعفر، وأبي عَبْد
اللَّه بْن مكّيّ، وأبي الْحَسَن بْن مغيث.
ولقي ابن خَفَاجة الشّاعر وأخذ عَنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو القاسم
الملاحيّ، وغيرهما.
وكان أديبا، كاتبا، شاعرا، لُغَويًّا.
تُوُفّي سنة ثلاثٍ أَوْ أربعٍ وثمانين.
102- مُحَمَّد بْن عَبْد الملك [1] .
الأمير شمس الدّين ابن المقدَّم. من كبار أمراء الدّولتين النُّوريَّة
والصّلاحيَّة.
وَهُوَ الَّذِي سلَّم سنْجار إلى نور الدّين، وسكن دمشق. فَلَمَّا
تُوُفّي نور الدّين كَانَ أحد من قام بسلطنة نور الدّين. ثُمَّ إنّ
صلاح الدّين أَعْطَاه بِعْلَبَكّ، فتحوَّل إليها وأقام بها. ثُمَّ عصى
عَلَى صلاح الدّين، فجاء إِلَيْهِ وحاصره، وأعطاه عِوَضها بعض القلاع.
ثُمَّ استنابه عَلَى دمشق سنة نيفٍ وثمانين.
وكان بطلا شجاعا، محتشما. وَقَدْ حضر فِي هَذَا العام وقعة حِطّين،
وفُتُوح عكّا، والقدس، والسّواحل. وتوجَّه إلى الحجّ فِي تجمُّل عظيم،
فَلَمَّا بلغ عَرَفَات رفع علم صلاح الدّين وضرب الكوسات، فأنكر عليه
طاشتِكِين أمير الركْب العراقيّ وقَالَ: لا يُرفع هنا إلّا علم
الخليفة. فلم يلتفت إِلَيْهِ، وأمر غلمانَه فرموا عَلَمَ الخليفة، وركب
فيمن معه منَ الْجُنْد الشّاميّين، وركب طاشتِكِين، فالتقوا وَقُتِلَ
بينهما جماعة. وجاء ابن المقدَّم سهمٌ فِي عينه، فخرّ صريعا. وجاء
طاشتِكِين فحمله إلى خيمته وخيط جَراحه، فُتُوفّي منَ الغد
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الملك) في: الكامل في التاريخ 11/ 405- 408،
415، 416، 437، 450، 458، 491، 559، 560، والفتح القسّي 188، 252، 570،
577، والروضتين 2/ 123، والعبر 4/ 250، والإعلام بوفيات الأعلام 240،
ومرآة الجنان 3/ 426، والوافي بالوفيات 4/ 39 (وفيه وفاته سنة 584 هـ.)
، والعسجد المسبوك 2/ 201، والنجوم الزاهرة 6/ 105، وشذرات الذهب 4/
276.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 133، 134 واكتفى
بقوله: «قتل بعرفة» .
(41/161)
بمِنَى يوم الأضحى. ونُهِب الركْب
الشّاميّ.
قَالَ العماد الكاتب: [1] وصَل شمسُ الدّين عَرَفَات، وما عرف الآفات.
وشاع وصوله، وضُرِبت طبوله، وجالت خيوله، وخفقت أعلامه، وضُرِبت خيامه،
فغاظ ذَلِكَ طاشتِكِين، فركب فِي أصحابه، فأوقع بشمس الدّين وأترابه،
وَقُتِلَ جماعة وجُرحوا.
قَالَ: ودُفن بالمُعَلّى، وارتاع طاشتِكِين لِمَا اجْتَرَمه، وأخذ
شهادة الأعيان أنّ الذَّنْبَ لابن المقدّم. وقُرِئ المحضر فِي
الدّيوان. ولمّا بلغ السّلطان مقتلُهُ بكى وحزن عليه وقَالَ: قتلني
اللَّه إنْ لَمْ أنتصر لَهُ. وتأكَّدت الوحْشة بينه وبين الخليفة.
وجاءه رسولٌ يعتذر فَقَالَ: أَنَا الجواب عمّا جرى.
ثُمَّ اشتغل بالجهاد عَنْ ذَلِكَ.
وقَالَ ابن الأثير [2] : لمّا فُتح بيت المَقْدِس طلب ابن المقدّم منَ
السّلطان إذْنًا ليحجّ ويُحرِم منَ القدس، ويجمع فِي سَنَته بَيْنَ
الجهاد والحجّ، وزيارة الخليل، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِما
وَسَلَّمَ. وكان قَدِ اجتمع بالشّام ركْبٌ عظيم، فحجّ بهم ابن المقدّم.
فَلَمَّا كَانَ عشيَّةَ عَرَفَة، أمر بضرب كوساته ليتقدّم للإفاضة،
فأرسل إِلَيْهِ مُجير الدّين طاشتِكِين ينهاه عَنِ التّقدُّم، فأرسل
إِلَيْهِ: إنّي لَيْسَ لي معك تَعَلُّق، وكُلّ يفعلُ ما يراه. وسار ولم
يقف. فركب طاشتِكِين فِي أجناده، وتبِعه منَ الغَوْغاء والطّمّاعة
عالمٌ كبير، وقصدوا حاجّ الشّام، فَلَمَّا قربوا خرج الأمر عَنِ
الضَّبْط، فهجم طمّاعةُ العراق عَلَى الشّاميّين، وفتكوا فيهم، وقتلوا
جماعة، ونُهِبت أموالهم. وجُرح ابن المقدّم عدَّة جراحات. وكان يكفُّ
أصحابَه عَنِ القتال، ولو أذِن لانتصف منهم، ولكنّه راقبَ اللَّه
تَعَالَى وحُرْمَة المكان واليوم، فَلَمَّا أُثخِن بالجراحات أخذه
طاشتِكِين إلى خيمته، وأنزله عنده ليمرّضه ويستدرك الفارط، فمات منَ
الغد، ورُزِق الشّهادة بعد الجهاد، رحِمَه الله تعالى.
__________
[1] في البرق الشامي، القسم المفقود.
[2] في الكامل 11/ 559.
(41/162)
قُلْتُ: وَلَهُ دارٌ كبيرة إلى جانب مدرسته
المقدَّميَّة بدمشق، ثُمَّ صارت لصاحب حماه، ثُمَّ صارت لقراسنقُر
المنصوريّ، ثُمَّ صارت للسّلطان الملك النّاصر بعده. وَلَهُ تربة،
ومسجد، وخان داخل باب الفراديس.
103- مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن واجب.
أَبُو بَكْر القَيْسيّ البَلَنْسيّ.
سَمِع: أَبَاه وعليه تفقّه، وأبا الْحَسَن ابن النّعمة.
وأخذ القراءات عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بْن سعدون الضّرير.
104- مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن مواهب بْن إِسْرَائِيل [1]
.
أَبُو الفتح البَرَدانيّ [2] .
رَوَى عَنْ: أَبِي عَلِيّ بْن نبهان، وأبي غالب مُحَمَّد بْن عَبْد
الواحد، وأبي عَلِيّ ابْن المهلّبيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الباقي
الدُّوريّ.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [3] : رَأَيْتُ بعضهم يتّهمه بالتَّحْدِيث بما
لَمْ يسمعه، ولم أقِف عَلَى ما يُنافي الصّحة. سمعنا منه.
وسمع منه: عُمَر الْقُرَشِيّ، وأصحابنا.
وولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة.
وتوفّي رحمه الله في جمادى الأولى [4] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن يحيى) في: مشيخة النعّال 82، 83، والتكملة لوفيات
النقلة 1/ رقم 17، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921)
ورقة 175، والمختصر المحتاج إليه 1/ 160، 161، وميزان الاعتدال 4/ 66
رقم 8313، والنجوم الزاهرة 6/ 106، وتوضيح المشتبه 1/ 427، ولسان
الميزان 5/ 427 رقم 1396.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 133 دون ترجمة.
[2] البرداني: بالتحريك، نسبة إلى البردان: من سواد العراق.
[3] في ذيل تاريخ بغداد، والمختصر المحتاج إليه.
[4] وقال ابن النجار: حدّث بالكثير عن أبي علي بن الهندي، وأبي غالب
القزّاز، والدوري، والطبقة. روى لنا عنه أبو الفتوح ابن المصري، وسألته
عنه فقال: كان صالحا إلّا أنه لعب به الصبيان وقالوا له: لو ادّعيت
سماع «المقامات» فكان يحصل لك بروايتها شيء كثير من
(41/163)
105- الْمُبَارَك بْن الأعزّ بْن سعد الله
[1] .
أَبُو المظفّر التّوثيّ، القوّال [2] . مغنّي بغداد فِي عصره.
من أَهْل محلَّة التُّوثة.
كَانَ رأسا فِي الغناء، وأخذ المطربون عَنْهُ الأنغام.
وَلَهُ تصانيف فِي الموسيقى. وكان يخالط الصُّوفيَّة.
106- الْمُبَارَك بْن عَبْد الواحد بْن غَيْلانَ [3] .
الْبَغْدَادِيّ.
سَمِع منَ: ابن الحُصَيْن، وحدَّث [4] .
107- محفوظ بْن أَحْمَد بْن العلّامة أَبِي الخَطَّاب محفوظ بْن
أَحْمَد بْن الْحَسَن [5] .
الكَلْوَذانيّ [6] .
سَمِع: ابن الحُصَيْن.
وحدَّث.
وكان أَبُوهُ من عُدُول بغداد [7] .
108- مخلوف بن عليّ بن عبد الحقّ [8] .
__________
[ () ] المحتشمين، وحسّنوا له ذلك، فادّعى سماعها، فنهيته عن ذلك، فصار
يدعو عليّ، وما أدري حدّث بها أم لا!
[1] انظر عن (المبارك بن الأعز) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 71 رقم
22.
[2] زاد المنذري: المقرئ، البزّاز.
[3] انظر عن (المبارك بن عبد الواحد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 171
رقم 1134، والتكملة لوفيات النقلة 1/ رقم 23.
[4] قال ابن الدّبيثي: أجاز لنا، وكتب عنه عمر القرشي. وقد جاوز
الثمانين.
[5] انظر عن (محفوظ بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 197 رقم
1222، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 75، 76 رقم 29.
[6] الكلوذاني: نسبة إلى كلواذى: بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الواو،
وبين الألفين ذال معجمة. قرية من قرى بغداد.
[7] وزاد المنذري: وجدّه أبو الخطّاب أحد فقهاء الحنابلة، وتصانيفه
مشهورة.
[8] انظر عن (مخلوف بن علي) في: العبر 4/ 250، وذكره المؤلّف- رحمه
الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 134 وسمّاه: «مخلوف بن جارة
الإسكندراني» دون أن يترجم له.
(41/164)
الفقيه أَبُو القاسم التَّمِيمِيّ،
القَرَويّ، ثمَّ الإسكندرانيّ. الفقيه المالكيّ، المعروف بابن جارة.
تفقَّه وبرع فِي المذهب.
ومن شيوخه: أَبُو الحَجَّاج يوسف بْن عَبْد الْعَزِيز اللّخْميّ،
ومُحَمَّد بْن أَبِي سَعِيد الأندلسيّ، وسَنَد بْن عنّان، وأَبُو عَبْد
اللَّه المازريّ، وآخرون.
ودرّس وأفتى، وانتفع بِهِ جماعةٌ كثيرة فِي الفقه.
وكان من أعلام المذهب.
تُوُفّي فِي رمضان بالثّغر.
تفقَّه بِهِ ابن المفضّل، وروى عَنْهُ.
- حرف النون-
109- نصر اللَّه بْن أَبِي مَنْصُور عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن
عَبْد الواحد [1] .
أَبُو السّعادات بْن زُرَيْق [2] الشَّيْبَانِيّ، القزَّاز،
الحَرِيميّ.
مُسند بغداد فِي وقته. كَانَ شيخا صالحا من بيت الرواية [3] .
سَمِع: جَدّه أَبَا غالب، وأبا سعد بْن خُشَيْش، وأبا القاسم
الرَّبَعيّ، وأبا الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ، وأبا الْحَسَن بْن
العلّاف، وأبا العزّ مُحَمَّد بْن الْمُخْتَارِ، وأبا الْعَبَّاس
أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمروس، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن
العلّاف، وأبا القاسم بْن بيان، وأبا عَلِيّ بْن نبهان، وشجاع بْن فارس
الذُّهْليّ، وأُمّه شمس النَّهار بِنْت أَبِي عليّ البردانيّ.
__________
[1] انظر عن (نصر الله بن أبي منصور) في: مشيخة النعال 80- 82،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 66- 68 رقم 16، وتلخيص مجمع الآداب 4/ 854
رقم 2173، وتاريخ إربل 1/ 81، والمختصر المحتاج إليه 3/ 208، 209 رقم
1248، والمشتبه في الرجال 1/ 222، وسير أعلام النبلاء 21/ 132، 133 رقم
67، والعبر 4/ 250، ودول الإسلام 2/ 95، والإعلام بوفيات الأعلام 240،
والمعين في طبقات المحدّثين 179 رقم 1904، وتاريخ الخميس 2/ 409،
والنجوم الزاهرة 6/ 106، وشذرات المذهب 4/ 276.
[2] في الأصل: «رزيق» ، بتقديم الراء، وهو تحريف، والتصحيح من مصادر
الترجمة.
[3] قال المنذري: وهو من بيت الحديث، حدّث هو، وأبواه، وجدّاه، وعمّاه،
وعمّا أبيه، وابنه، وأمّه.
(41/165)
حدَّث عَنْهُ: أَبُو سعد بْن السّمعانيّ،
ومات قبله بإحدى وعشرين سنة، وابنه عُثْمَان، وابن الأخضر، والبهاء
عَبْد الرَّحْمَن، والتَّقِيّ بْن باسوَيْه، ومعالي بْن سلامة
الحرّانيّ، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن الدُّبِيثيّ، والجمال أَبُو
حَمْزَة، ومُحَمَّد بْن الحافظ عَبْد الغنيّ، والأمين سالم بْن صَصْرى،
وفضل اللَّه بْن عَبْد الرزّاق الْجيليّ، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن
بقاء السّبّاك، ومُحَمَّد بْن أَبِي الفُتُوح بْن الحُصْريّ، وعَبْد
اللَّه بْن عُمَر البَنْدَنِيجيّ، وآخرون.
وآخر من رَوَى عَنْهُ بالإجازة ابن عَبْد الدّائم.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [1] : أراني مولده بخطّ جَدّه أَبِي غالب فِي
جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
وتوفي في تاسع عشر ربيع الآخر، وله اثنتان وتسعون سنة.
110- نصر بْن فتيان بْن مطر [2] .
العلّامة ناصح الدّين أَبُو الفتح بْن المَنّيّ النّهروانيّ، الحنبليّ،
فقيه العراق.
وُلِد سنة إحدى وخمسمائة.
وتفقَّه عَلَى أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الدِّينَوَرِيّ،
ولازمه حَتَّى بَرَعَ فِي المذهب.
وسمع من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، والْحُسَيْن بْن مُحَمَّد البارع،
وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الدَّنِف، والْحُسَيْن بْن عَبْد
الملك الخلّال، وأبي الْحَسَن بْن الزّاغُونيّ، وأبي غالب بْن البنّاء،
وأبي نصر اليونارتيّ.
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه 3/ 209.
[2] انظر عن (نصر بن فتيان) في: الكامل في التاريخ 11/ 563، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 70، 71 رقم 21، وتاريخ إربل 1/ 98، 292، وتلخيص مجمع
الآداب 1/ 244 و 2/ 855 و 3/ 115، والمختصر المحتاج إليه 3/ 212 رقم
1256، والعبر 4/ 251، والإعلام بوفيات الأعلام 240، وسير أعلام النبلاء
21/ 137، 138 رقم 70، ودول الإسلام 2/ 95، والمشتبه 2/ 461، وإنسان
العيون لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 78، ومرآة الجنان 3/ 426 وفيه:
«نصر بن قينان» وهو تصحيف، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 358- 365،
والبداية والنهاية 12/ 329، والعسجد المسبوك 2/ 203، 204، وعقد الجمان
(مخطوط) 17/ ورقة 52، والنجوم الزاهرة 6/ 106، وشذرات الذهب 4/ 77.
(41/166)
وتصدَّر للإِشغال، وطال عُمره، وقصده
الطَّلبة منَ البلاد، وبَعُدَ صيتُه، واشْتَهَر اسمه، وتخرَّج بِهِ
أئمَّة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ ورِعًا عابدا، حَسَن السَّمْت، عَلَى منهاج
السَّلَف.
أضرّ فِي آخر عمره، وحصل لَهُ طَرَش. ولم يزل يدرّس الفقه إلى حين
وفاته.
تُوُفّي فِي خامس رمضان.
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ [1] : كَانَ لَهُ مَسْجِد فِي المأمونيَّة وبه
يدرّس [2] .
قُلْتُ: تفقَّه عليه الشَّيْخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن،
وروى عَنْهُ:
هما، وابن أَخِيهِ مُحَمَّد بْن مقبل، وأبو صالح نصر بن عبد الرّزّاق،
وجماعة.
قَالَ ابن النّجّار: حُمل على الرءوس، وتولّى حفْظ جنازته جماعة منَ
الأتراك خوفا منَ العوامّ وازدحامهم عليه، ودُفِن بداره.
- حرف الهاء-
111- هبة الله بْن أَبِي القاسم عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد
بْن الحَسَن [3] .
المولى مجد الدّين أبو الفضل ابن الصّاحب، أستاذ دار المستضيء.
انتهت إِلَيْهِ الرئاسة فِي زمانه. وبلغ منَ الرُّتبة رُتب الوزير
وأبلغ، وصار يولّي ويعزل. وماج فِي أيّامه الرفض، وشمخت المبتدعة.
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه.
[2] وزاد ابن الدبيثي: شيخ صالح مقدّم عند أهل مذهبه، وبرع في المذهب
والخلاف وتخرّج به جماعة. وكان ثقة ديّنا حميد السيرة، وسمع منه جماعة
من أصحابنا ولم يتفق لي منه سماع، وأضرّ قبل موته ثم أصابه صمم.
[3] انظر عن (هبة الله بن أبي القاسم) في: الكامل في التاريخ 11/ 434،
وتلخيص مجمع الآداب 5/ رقم 560، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 66 رقم 15،
والمختصر في أخبار البشر 3/ 77، 78، والمختصر المحتاج إليه 3/ 225 رقم
1295، والعبر 4/ 251، ودول الإسلام 2/ 68، ومرآة الجنان 3/ 426، وعقد
الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 53، وشذرات الذهب 4/ 275- 279.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 134 دون ترجمة.
(41/167)
وَقَدْ وُلّي حجابة الباب النُّوبيّ فِي
أيّام المستنجد، ولمّا بويع النّاصر قرّبه وأدناه، وحكّمه فِي الأمور
والصُّدور. ولم يزل عَلَى ارتقائه إلى أن سَعَى بِهِ بعض النّاس،
فاستُدْعِيَ إلى دار الخلافة، فقتِل بها تاسع عشر ربيع الأوّل، وعُلِّق
رأسه عَلَى داره.
وكان رافضيّا سبّابا.
عاش إحدى وأربعين سنة، وَقَدْ خلّف ترِكةً عظيمة منها ألف ألف دينار
ونيّف.
[مواليد السنة] وفيها وُلِد: التَّقِيّ الحَوْرانيّ الزّاهد، وفراس بن
العسقلانيّ، والجمال يحيى ابن الصَّيْرفيّ، وعمر بْن عوة الْجَزَريّ،
وآخرون.
(41/168)
سنة أربع وثمانين
وخمسمائة
- حرف الألف-
- أَحْمَد بْن الْحَسَن [1] .
112- إِبْرَاهِيم بْن سُفْيان بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الوهّاب ابن
الحافظ عَبْد اللَّه بْن مَنْدَه [2] .
أَبُو إِسْحَاق العبديّ، الأصبهانيّ.
حدَّث عَنْ: زاهر الشّحّاميّ، والْحُسَيْن بْن الخلَّال، وخلْق.
قَالَ ابن النّجّار: سَمِع كثيرا وأسمع أولاده، وكتب بخطّه وكان موصوفا
بالصّدق والأمانة، وحُسْن الطّريقة والدّيانة.
تُوُفّي فِي ثاني عشر جُمادى الأولى.
113- إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الأعلى بْن أَحْمَد [3] .
أَبُو غالب الخطيب، الواسطيّ، المعدَّل.
شيخ صالح يخطب بقرية.
سَمِع: أباه، ونصر اللَّه بن الجلخت، والحسن بن إبراهيم الفارقيّ
الفقيه، والمبارك بن نغوبا.
قال ابن الدّبيثيّ: قدِم بغداد، وكتبنا عَنْهُ. وكان ثقة.
تُوُفّي في المحرّم وله نيّف وسبعون سنة.
__________
[1] هكذا في أصل المتن من المخطوط، من غير ترجمة. وقد كتب بجانبه على
الهامش: «مرّ سنة 72» .
[2] ذكره ابن النجار في تاريخه كما ذكر في ترجمته.
[3] انظر عن (إبراهيم بن عبد الأعلى) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم
31.
(41/169)
114- أُسَامَة بْن مُرشد بْن عَلِيّ بْن
مُقَلّد بْن نَصْر بْن منقذ [1] .
الأمير الكبير مجد الدّين، مؤيَّد الدَّولة، أَبُو المظفَّر الكِنانيّ،
الشَّيزَرِيّ الأديب، أحد أبطال الْإِسْلَام، ورئيس الشّعراء الأعلام.
ولد بشيزر في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. وسمع سنة تسعٍ وتسعين نسخة
أَبِي هُدْبة من: عَلِيّ بْن سالم السِّنْبِسيّ [2] .
سَمِع منه: أَبُو القاسم بْن عساكر الحافظ، وأَبُو سعد بْن السّمعانيّ،
وأَبُو المواهب بْن صَصْرى، والحافظ عَبْد الغنيّ، وولده الأمير أَبُو
الفوارس مُرْهَف، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وشمس الدّين مُحَمَّد بْن
عَبْد الكافي، وعبد الصَّمد بْن خليل بْن مقلّد الصّائغ، وعبد الكريم
بْن نصر اللَّه بْن أَبِي سُرَاقة، وآخرون.
وَلَهُ شِعْر يروق وشجاعة مشهورة. دخل ديار مصر وخدم بها في أيّام
__________
[1] انظر عن (أسامة بن مرشد) في: الباهر 112- 116، وخريدة القصر (قسم
شعراء العراق) 1/ 498- 547، و (قسم شعراء الشام) 1/ 499، وسنا البرق
الشامي 1/ 227، والفتح القسي 261، ومعجم الأدباء 2/ 173- 197، والتذكرة
لابن العديم (مخطوط) 87، 90، 91، 263، وبغية الطلب (مخطوط) 3/ 396- 410
رقم 375، والروضتين 2/ 137، ووفيات الأعيان 1/ 195 رقم 84، والذيل على
الروضتين 93، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 95، 96 رقم 51، وإنسان العيون
لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 82، وديوان ابن منير الطرابلسي (بعنايتنا)
12، 15، 17، 21، 23، 63، 64، 72، 74، 79، 114، 272، 273، ومختصر تاريخ
دمشق لابن منظور 4/ 258- 262 رقم 241، والعبر 4/ 252، ودول الإسلام 2/
96، وسير أعلام النبلاء 21/ 165- 167 رقم 83، والإعلام بوفيات الأعلام
240، ومرآة الجنان 3/ 427، 428، والوافي بالوفيات 8/ 378 رقم 3818،
والبداية والنهاية 12/ 313، والعسجد المسبوك 2/ 205، 206، والمقفى
الكبير 2/ 40- 49 رقم 711، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 64، والإعلان
بالتوبيخ للسخاوي 54، والنجوم الزاهرة 6/ 107، 108، وروضات الجنات 72،
وكشف الظنون 769، وسلّم الوصول لحاجّي خليفة (مخطوط) ورقة 174، وشذرات
الذهب 4/ 279، وديوان الإسلام 4/ 285 رقم 2051، وأعيان الشيعة 10/ 228،
وتهذيب تاريخ دمشق 2/ 400، والأعلام 1/ 260، ومعجم المؤلفين 2/ 184،
ومقدّمة كتابه «الإعتبار» للدكتور فيليب حتى، وكتابه «لباب الآداب»
وغيره.
[2] السّنبسيّ: بكسر السين المهملة وسكون النون وكسر الباء الموحّدة
وفي آخرها سين أخرى. نسبة إلى سنبس: قبيلة مشهورة من طيِّئ. (الأنساب
7/ 158، اللباب 2/ 144، توضيح المشتبه 5/ 255) .
(41/170)
العادل بْن السّلّار، ثمّ قدِم دمشقَ، وسكن
حماه مدّة، وكان أَبُوهُ أميرا شاعرا مُجِيدًا أيضا.
وقَالَ ابن السّمعانيّ: قَالَ لي أَبُو المظفَّر: أحفظ أكثر من عشرين
ألف بيت من شِعْر الجاهلية. ودخلتُ بغداد وقت مُحاربة دُبَيْس
والمسترشد باللَّه، ونزلت بالجانب الغربيّ، وما عبرتُ إلى شرقيّها.
وقَالَ العماد الكاتب [1] : مؤيَّد الدّولة أعرف أَهْل بيته فِي الحسب،
وأعرفهم بالأدب. وجرت لَهُ نَبْوة فِي أيّام الدّمشقيّين، وسافر إلى
مصر فأقام بها سنين فِي أيّام المصريّين، ثمّ عاد إلى دمشق. وكنت أسمع
بفضله وأنا بأصبهان. وما زال بنو [2] منقذ مالكي شَيْزَر إلى أن جاءت
الزَّلزَلة في سنة نيّف وخمسين وخمسمائة، فخرَّبت حصنها، وأذهبت
حُسْنها، وتملَّكها نور الدّين عليهم، وأعاد بناءها، فَتَشعَّبوا
شُعَبًا، وتفرَّقوا أيدي سبأ. وأسامة كإسمه فِي قوّة نثره ونظْمه، تلوح
فِي كلامه إمارة الأمارة، ويؤسِّسُ بيتُ قريضهِ عمارةَ العبارَة. انتقل
إلى مصر فبقي بها مؤمَّرًا، مشارا إِلَيْهِ بالتّعظيم إلى أيّام ابن
رُزّيك، فعاد إلى دمشق محتَرَما حَتَّى أُخِذت شَيْزَر من أهله، ورشقهم
صرف الزّمان بنَبْله، ورماه الحِدْثان إلى حصن كِيفا مقيما بها فِي
ولده، مؤثِرًا بلَدَها عَلَى بلده، حَتَّى أعاد اللَّه دمشق إلى سلطنة
صلاح الدّين، ولم يزل مشغوفا بذِكره، مستهترا بإشاعة نظْمه ونثْره.
والأمير عضُد الدّولة وُلِد الأمير مؤيّد الدّولة جليسه ونديمه [3] ،
فطلبه إلى دمشق وَقَدْ شاخ، فاجتمعتُ بِهِ وأنشدني لنفسه فِي ضرسه:
وصاحب لا أملُّ الدّهرَ صُحْبَتَه ... يشقى لنفْعي ويسعى [4] سعْي
مجتهدِ
لَمْ أَلْقَهُ مُذْ تصاحبنا، فحين بدا ... لناظريّ افترقنا فرقة الأبد
[5]
__________
[1] في خريدة القصر (الشام) 1/ 499.
[2] في الأصل: «بنوا» .
[3] معجم الأدباء 5/ 192، 193.
[4] في الأصل: «يسعا» .
[5] البيتان في ديوانه ص 153، وسنا البرق الشامي 1/ 227، ومعجم الأدباء
5/ 194،
(41/171)
قَالَ العماد: ومن عجيب ما اتّفق لي أنّي
وجدتُ هذين البيتين مَعَ أُخَر فِي ديوان أَبِي الْحُسَيْن أَحْمَد بْن
منير الرّفّاء [1] المتوفّى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وهي:
وصاحبٍ لا أملُّ الدّهرَ صُحبَتَه ... يسعى لنفعي وأجني ضُرَّه بيدي
أدنى إلى القلب من سمعي، ومن بصري ... ومن تِلادي، ومن مالي، ومن ولدي
أخلو ببثّي من خالٍ بوجنته ... مداده زائد التّقصير للمُدَد
[2] والأشبه أنّ ابن منير أخذهما وزاد عليهما [3] .
ولأسامة فِي ضرسِ آخر:
أعجب بمحتجب عَنْ كُلّ ذِي نَظَر ... صحِبْتُه الدَّهرَ لَمْ أَسْبِرْ
خلائقه
حَتَّى إذا رابني قابَلْتُه فقضى ... حباؤه وإبائي أن أفارقه
وَلَهُ:
وصاحبٍ صاحَبَني فِي الصّبى ... حَتَّى تردَّيت رداء المَشيبْ
لَمْ يَبْدُ لي ستّين حولا، ولا ... بلوت من أخلاقه ما يريبْ
أفسَده الدّهر، ومن ذا الَّذِي ... يحافظ العهد بظهر المغيب؟
منذ افترقا لَمْ أصِبْ مثله ... عُمري ومثلي أبدا لا يصيب
وَلَهُ:
قَالُوا نَهَتْهُ الأربعون عَنِ الصّبا ... وأخو المشيب بحرم [4] ثمّت
يهتدي
__________
[ () ] والنجوم الزاهرة 6/ 107، وبلوغ الأرب لجرمانوس 125 وفيه أنهما
لبعض الأدباء، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 4/ 260، والوافي بالوفيات
8/ 379.
[1] انظر ديوان ابن منير، بعنايتنا- ص 272، 273.
[2] في ديوان ابن منير زيادة بيت هو البيت الثاني الّذي أنشده أسامة.
[3] وقال العماد: وقد وجدت هذا البيت الأول على صورة أخرى حسنة:
وصاحب ناصح لي في معاملتي وانظر: الروضتين ج 1 ق 2/ 677، 678.
[4] في معجم الأدباء: «يجور» .
(41/172)
كم صار [1] فِي ليلِ الشّباب فدلَّه ...
صُبْحُ المَشِيب عَلَى الطّريق الأقصدِ
وَإِذَا عَدَدْتَ سِنِيّ ثُمَّ نَقَصْتَها ... زَمَنَ الهُمُوم فتِلكَ
ساعةُ مولدي
[2] وَلَهُ فِي الشَّيْب:
أَنَا كالدُّجى لمّا تناهى عُمره ... نشرت لَهُ أيدي الصّباح ذوائبا
[3] وَلَهُ:
انظر إلى لاعب الشَّطْرَنْج يجمعُها ... مُغالِبًا ثُمَّ بعد الجمْع
يرميها
كالمرءِ يكْدَحُ للدّنيا ويجمعُها ... حَتَّى إذا مات خلّاها وما فيها
[4] وَلَهُ إلى الصّالح طلائع بْن رُزّيك وزير مصر يسأله تسييرَ أهله
إلى الشّام، وكان الصّالح ابن رُزّيك يتوقَّع رجوعَه إلى مصر:
أذْكِرْهُمُ الوِدَّ إنْ صدُّوا وإنْ صَدَفوا ... إنّ الكرام إذا
استعطفْتهُمُ عطفوا
ولا تُرِدْ شافعا إلّا هواك لهم ... كفاك ما اختبروا وما كشفوا
يا حيرة القلب والفُسْطاطُ دارُهُم ... لَمْ تصقب الدّار ولكنْ أصقب
الكَلَفُ
فارقتُكُم مُكْرَهًا والقلبُ يخبرني ... أن ليس لي عِوضٌ عنكم ولا
خَلَفُ
ولو تعوَّضْتُ بالدّنيا غُبِنتُ، وهل ... يُعوِّضني عَنْ نفس الجوهر
الصَّدَفُ؟
ولَسْتُ أُنكر ما يأتي الزّمان بِهِ ... كُلّ الورى لرزايا دهرهم هرفُ
ولا أسِفتُ لأمرٍ فات مطْلبُه ... ولكنْ لفُرقِه مَن فارقتُه الأسفُ
الملكُ الصّالح الهادي الَّذِي شهِدَتْ ... بفضل أيّامه الأنباءَ
والصُّحُفُ
ملكٌ أقلّ عطاياه الغِنى، فإذا ... أدناكَ منه فأدنى حظّك الشَّرَفُ
سعتْ إلى زُهده الدُّنْيَا بزُخْرُفها ... طَوْعًا، وفيها عَلَى خطابها
صلف
__________
[1] في معجم الأدباء: «جار» .
[2] معجم الأدباء 5/ 194، الخريدة 1/ 533، الوافي بالوفيات 8/ 381،
مقدّمة لباب الآداب (م، ن) .
[3] معجم الأدباء 5/ 198، لباب الآداب- ص (ن) . وقال أسامة في (اللباب
377) : أفردت لذكر الشيب والكبر والشباب كتابا ترجمته بكتاب (الشيب
والشباب) اشتمل على كثير مما يتطلّع إليه من هذا النوع.
[4] خريدة القصر 1/ 515، معجم الأدباء 5/ 204، الوافي بالوفيات 8/ 381.
(41/173)
مُسْهَدٌ وعيونُ النّاس هاجعةٌ ... عَلَى
التَّهجُّدِ والقرآنِ معتكِفُ
وتُشرق الشّمس من لألاء غُرَّتِهِ ... فِي دَسْتِهِ فتكاد الشّمس
تنكسِفُ
فأجابه الصّالح، وكان يجيد النَّظْم رحِمَه اللَّه:
آدابُكَ الغُرّ بحرٌ ما لَهُ طَرَفُ ... فِي كُلّ جنسٍ بدا من حُسِنِه
طُرَفُ
نقول لمّا أتانا ما بعثتَ بِهِ: ... هَذَا كتابٌ أتى، أمْ روضةٌ أنُفُ
إذا ذكرناك مجدَ الدّين عاوَدَنا ... شوقٌ تجدَّد منه الوجدُ والأسفُ
يا مَن جفانا ولو قَدْ شاء كَانَ إلى ... جنابنا دون أَهْل الأرض ينعطف
وهي طويلة.
ولأسامة:
مَعَ الثّمانين عاش الضَّعْفُ فِي جسدي ... وساءني ضَعْفُ رِجْلي
واضطّرابُ يدي
إذا كتبتُ فخطّي خطُّ مضطَّرِبٍ ... كخطّ مُرْتَعِشِ الكفَّين
مُرْتَعدِ
فاعْجب لضَعْفِ يدي عَنْ حَمْلها قَلَمًا ... من بَعْد حَطْمِ القَنَا
فِي لُبَّةَ الأَسَدِ
وإن مشيتُ وَفِي كفّي العصا ثقُلَتْ ... رِجلي كأنّي أخوضُ الوحل فِي
الجلدِ
فقُلْ لمن يتمنّى طول مدَّتِهِ: ... هذي عواقبُ طُولِ العُمرِ
والمُدَدِ
[1] ولمّا قدِم من حصن كِيفا عَلَى صلاح الدّين قَالَ:
حَمِدْتُ عَلَى طول عُمري المَشِيبا ... وإنْ كنتُ أكثرتُ فِيهِ
الذُّنوبا
لأنّي حييتُ إلى أن لقيت ... بعد العدوّ صديقا حبيبا
وَلَهُ:
لا تَستعِرْ جلَدًا عَلَى هجرانهم ... فقِواك تَضْعُفُ عَنْ حدودٍ
دائمِ
واعْلم بأنَّك إنْ رجعتَ إليهم ... طَوْعًا، وإلّا عُدْتَ عَودة راغمِ
[2] وعندي لَهُ مجلَّدٌ يخبر فِيهِ بما رَأَى منَ الأهوال قَالَ: حضرت
منَ المصافّات والوقعات مَهْولَ أخطارِها، واصطليت من سعير نارها،
وباشرت
__________
[1] الاعتبار 163، 164، الروضتين 1/ 114 وبعض هذه الأبيات في سير أعلام
النبلاء 21/ 167.
[2] خريدة القصر، الوافي بالوفيات 8/ 380، لباب الآداب (ن) .
(41/174)
الحربَ وأنا ابن خمس عشرة سنة إلى أن بلغت
مدى التّسعين، وصرتُ منَ الخوالِفِ، خَدِين المنزلُ، وعن الحروب
بمعزِل، لا أُعَدُّ لمهمّ، ولا أدعى لدفاع ملمّ، بعد ما كنتُ أوّل من
تنثني عليه الخناصر، وأكبر العدد لدفع الكبائر، أوّل من يتقدَّم
السَّنْجَقِيَّة عِنْد حملة الأصحاب، وآخر جاذب عِنْد الجولة لحماية
الأعقاب.
كم قَدْ شهدت منَ الحروب فليتني ... فِي بعضها مِن قبل نكسي أُقتلُ
فالقتلُ أحسن بالفتى من قبل أن ... يفنى ويبليه الزّمان وأجملُ
وأبيكَ ما أحجمتُ عَنْ خوض الرَّدى ... فِي الحرب، يشهد لي بذاك
المنْصلُ
لكنْ قضاء اللَّه أخَّرني إلى ... أَجَلي الوقت لي فماذا أفعلُ؟
ثُمَّ أَخَذَ يعدّ ما حضره منَ الوقعات الكبار قَالَ: فَمنْ ذَلِكَ
وقعة كَانَ بيننا وبين الإسماعيليّة فِي قلعة شَيْزَر لمّا وثبوا على
الحصن في سنة سبع وخمسمائة [1] ، ووقعة كَانَتْ بَيْنَ عسكر حماه وعسكر
حمص في سنة خمس وعشرين وخمسمائة، ومصافّ عَلَى تِكْريت بَيْنَ أتابَك
زنكي بْن آق سنقر، وبَيْنَ قُراجا صاحب مرس فِي سنة ستٍّ وعشرين،
ومصافّ بين المسترشد باللَّه وبين
__________
[1] هكذا في الأصل. ووقع في كتاب «لباب الآداب» لأسامة ص 190 «سنة سبع
وعشرين وخمسمائة» .
ويقول خادم العلم محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» : إنّ كلا
التاريخين غير صحيح استنادا إلى ما جاء في «الكامل في التاريخ» لابن
الأثير 10/ 472، وغيره من المؤرخين الذين ذكرت مصادرهم في حوادث تلك
السنة من هذا الكتاب، من أن حادثة استيلاء الإسماعيلية الباطنية على
حصن شيزر كانت في فصح النصارى من سنة 502 هـ.
والوهم في التاريخين (527 هـ.) و (528 هـ.) من أسامة نفسه، خاصّة وأنه
ذكر أن الشيخ أبا عَبْد الله مُحَمَّد بْن يوسف بْن المنيّرة الكفرطابي
كان بشيزر وقت الحادثة.
والمعروف أن ابن المنيّرة توفي سنة 503 هـ. (كما في: بغية الوعاة 1/
124، وكشف الظنون 1/ 186 و 2/ 158 و 612) فكيف يكون موجودا في سنة 527
هـ.؟
قال أسامة: في (لباب الآداب 190) : «كان بيننا وبين الإسماعيلية قتال
في قلعة شيزر في سنة سبع وعشرين وخمسمائة، لعملة عملوها علينا، ملكوا
بها حصن شيزر، وجمّاستنا في ظاهر البلد ركاب، والشيخ العالم أبو عبد
الله محمد بن يوسف بن المنيّرة رحمه الله في دار والدي يعلّم إخوتي
رحمهم الله، فلما وقع الصياح في الحصن تراكضنا وصعدنا في الحبال،
والشيخ أبو عبد الله قد مضى إلى داره إلى الجامع..» .
(41/175)
أتابَك زنكي عَلَى بغداد فِي سنة سبْعٍ
وعشرين، ومصافّ بَيْنَ أتابَك زنكي وبَيْنَ الأرتقيَّة وصاحب آمِد
عَلَى آمد فِي سنة ثمانٍ وعشرين، ومصافّ عَلَى رَفَنية بَيْنَ أتابَك
زنكي وبَيْنَ الفِرَنج سنة إحدى وثلاثين، ومصافّ عَلَى قِنَّسْرين
بَيْنَ أتابَك وبَيْنَ الفِرَنج لَمْ يكن فِيهِ لقاء فِي سنة إحدى
وثلاثين، ووقعة بَيْنَ المصريّين وبَيْنَ رضوان الولخشي سنة اثنتين
وأربعين، ووقعة بَيْنَ السُّودان بمصر فِي أيّام الحافظ فِي سنة أربعٍ
وأربعين.
ووقعة كَانَتْ بَيْنَ الملك العادل ابن السّلّار، وبَيْنَ أصحاب ابن
مَصال فِي السَّنة، ووقعة أيضا بَيْنَ أصحاب العادل وبَيْنَ ابن مصال
فِي السّنة أيضا بدلاص، وفتنة قُتِلَ فيها العادل بْن السّلّار فِي سنة
ثمانٍ وأربعين. وفتنة قُتِلَ فيها الظّافر وأخواه وابن عمّه فِي سنة
تسعٍ وأربعين، وفتنة المصريّين وعبّاس ابن أَبِي الفتوح فِي السّنة.
وفتنة أخرى بعد شهر حين قامت عليه الْجُنْد.
ووقعة كَانَتْ بيننا وبَيْنَ الفِرَنج فِي السّنة.
ثُمَّ أَخَذَ يسرُد عجائب ما شاهد فِي هَذِهِ الوقعات، ويصف فيها
شجاعته وإقدامه رحِمَه اللَّه.
وَقَدْ ذكره يَحْيَى بْن أَبِي طيِّئ فِي «تاريخ الشّيعة» [1] فَقَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: اجتمعت بِهِ دفعات، وكان إماميّا حَسَن
العقيدة، إلّا أَنَّهُ كَانَ يداري عَنْ منْصبه ويُظهر التَّقِيَّة.
وكان فِيهِ خيرٌ وافر. وكان يرفد الشّيعة، ويَصِل فُقراءهم، ويعطي
الأشراف.
وصنّف كتبا منها «التّاريخ البدريّ» [2] جمع فِيهِ أسماء من شهد بدرا
منَ الفريقين، وكتاب «أخبار البلدان» في مدّة عمره، وذيّل عَلَى «خريدة
[3] القصر» للباخَرْزِيّ، وَلَهُ «ديوان» كبير، ومصنّفات.
__________
[1] هذا واحد من كتبه المفقودة حتى الآن.
[2] سمّاه فيليب حتى في مقدّمة كتاب «الإعتبار» : «التاريخ البلدي» وهو
تصحيف واضح.
[3] هكذا في أصل المؤلّف- رحمه الله- وهو سبق قلم منه، والصحيح «دمية
القصر» . أما «الخريدة» فهو للعماد الكاتب.
(41/176)
تُوُفّي ليلة الثّالث والعشرين من رمضان
بدمشق، ودُفِن بسفح قاسيون عَنْ سبْعٍ وتسعين سنة [1] .
115- إقبال بْن أَحْمَد بن عليّ بْن بَرْهان [2] .
أَبُو القاسم الواسطيّ، الْمُقْرِئ، النَّحْويّ، المعروف بابن الغاسلة.
ولد بواسط سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وقرأ القرآن عَلَى المظفَّر بْن
سلامة الخبّاز، وجماعة.
وسمع من: أَبِي عليّ الفارقيّ، وأبي السّعادات الخطيب.
ودخل بغداد فسمع من: أَبِي بَكْر بْن الزّاغونيّ.
وكان عارفا بالعربيّة.
تُوُفّي ليلة عيد الأضحى.
وبَرْهان: بالفتح.
رَوَى عَنْهُ: ابن الدُّبِيثيّ ووثّقه.
116- أيّوب بْن مُحَمَّد.
أَبُو مُحَمَّد بْن القلاطيّ، البَلَنْسيّ، المؤدِّب.
أَخَذَ القراءات عن: ابن هذيل.
__________
[1] ومن شيوخ أسامة الذين تلقّى العلم عليهم: أبو عبد الله أحمد بن
محمد الطليطلي النحويّ، وكان ناظرا على دار العلم بطرابلس، وحين سقطت
المدينة بأيديهم سنة 502 هـ. أخذوه أسيرا، فاستخلصه والد أسامة من
أيديهم لقاء مبلغ من المال، فأقام عندهم بشيزر- وكان في النحو سيبويه
زمانه- فقرأ عليه أسامة النحو نحوا من عشر سنين. (الإعتبار 208، 209)
وانظر: كتابنا: الحياة الثقافية في طرابلس الشام- بيروت 1973- ص 48،
49.
ولأسامة أبيات قالها في مدينة صور وقد زار أطلال قصور قضاتها وأمرائها
من بني أبي عقيل. انظر ديوانه ص 281، والمنازل والديار، له ص 236،
والروضتين لأبي شامة ج 1 ق 1/ 317، وخطط الشام لمحمد كردعلي 5/ 273،
ولبنان من السيادة الفاطمية حتى السقوط بيد الصليبيين (تأليفنا) - طبعة
دار الإيمان، طرابلس 1414 هـ. / 1994 م.
ص 131 (القسم السياسي) .
[2] انظر عن (إقبال بن أحمد) في: إنباه الرواة 1/ 236، 237، وتاريخ ابن
الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 274، 275، والمختصر المحتاج إليه 1/
259، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 104 رقم 61، وطبقات النحاة لابن قاضي
شهبة، ورقة 117.
(41/177)
وكان صالحا، محقِّقًا، مجوِّدًا.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وأَبُو بَكْر بْن مُحْرِز.
- حرف الحاء-
117- الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم [1] .
أَبُو عليّ الْجُوَيْنيّ الكاتب. صاحب الخطّ المنسوب.
كَانَ أديبا فاضلا، شاعرا، حدَّث عَنْ: موهوب بْن أَحْمَد الجواليقيّ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد المُنْذريّ [2] : أنشدنا عَنْهُ غيرُ واحدٍ من
أصحابه.
وتُوُفّي فِي تاسع صَفَر بالقاهرة.
قَالَ: وقيل إنَّه تُوُفّي سنة ستٍّ وثمانين [3] .
قُلْتُ: وكان مختصّا بالسّلطان نور الدّين وبابنه لأدبه وظرفه.
118- الْحُسَيْن بْن مُسَافِر بْن تغلب [4] .
أَبُو عَبْد اللَّه الواسطيّ، البرجونيّ، الضرّير، الْمُقْرِئ.
قدِم بغداد فِي صباه، وقرأ القراءات عَلَى سِبط الخيّاط وأكثر عَنْهُ،
وعاد إلى بلده، وحمل النّاس عَنْهُ. وكان حاذِقًا بالفنّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، وغيره.
تُوُفّي فِي ذِي الحجَّة.
وجدّه تغلب: بغين معجمة.
__________
[1] انظر عن (الحسن بن علي) في: معجم الأدباء 3/ 156، 157، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 79 رقم 34، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 2039، وخريدة
القصر (قسم شعراء العراق) ج 3 مجلّد 2/ 58- 63، ووفيات الأعيان 2/ 131،
وبغية الطلب لابن العديم (مخطوط) 5/ 532 رقم 761 وفيه «الحسن بن
إبراهيم بن علي» ، وسير أعلام النبلاء 21/ 233، 234 رقم 119.
وقد تقدّم في وفيات سنة 582 هـ. برقم (50) وهو هناك: «الحسن بن إبراهيم
بن علي» .
[2] في التكملة 1/ 79.
[3] ورّخه فيها ابن العديم الحلبي في (بغية الطلب 5/ 532) .
[4] انظر عن (الحسين بن مسافر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 45، 46 رقم
628، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 105، 106 رقم 65.
(41/178)
- حرف الخاء-
119- خالص [1] .
الأمير مجاهد الدّين الحبشيّ، الخادم.
كَانَ ذا رأيٍ وعقل. وَلَهُ اختصاص بالدّخول عَلَى الخليفة.
تُوُفّي فِي رجب.
قَالَ ابن الأثير: كَانَ أكبر أمراء بغداد.
- حرف السين-
120- سلجوقي خاتون بِنْت قِليج رسلان بْن مَسْعُود [2] .
الرّوميَّة الجهة، المعظّمة، ابْنَة سلطان الروم، وتُعرف بالخِلاطيَّة.
زَوْجَة النّاصر لدين اللَّه، وكان يحبّها.
قدِمَتْ بغدادَ للحجّ [3] ، فوُصفت لأمير المؤمنين، وأخبر بجمالها
الزّائد،
__________
[1] انظر عن (خالص) في: الكامل في التاريخ 12/ 26.
[2] انظر عن (سلجوقي خاتون) في: الكامل في التاريخ 12/ 26 وفيه:
«سلجوقة» ، ورحلة ابن جبير 161، 177- 179، 206، 212، وجهات الأئمّة
الخلفاء من الحرائر والإماء، لابن الساعي، بتحقيق مصطفى جواد، القاهرة،
ص 110- 119، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 142 رقم 42، والوافي بالوفيات
15/ 296 رقم 413، والعسجد المسبوك 2/ 205 وفيه «سلجوقة» .
[3] قال ابن جبير في رحلته- ص 161، 162 إن الملكة خاتون بنت الأمير
مسعود ملك الدروب والأرمن وما يلي بلاد الروم، وهي إحدى الخواتين
الثلاث اللّاتي وصلن للحجّ، مع أمير الحاج أبي المكارم طاشتكين مولى
أمير المؤمنين، الموجّه كل عام من قبل الخليفة، وله بتولّي هذه الخطة
نحو الثمانية أعوام أو أزيد، وخاتون هذه أعظم الخواتين قدرا، بسبب سعة
مملكة أبيها. والمقصود من ذكر أمرها أنها أسرت من بطن مرّ ليلة الجمعة
إلى مكة في خاصّة من خدمها وحشمها، فتفقّد موضعها يوم الجمعة المذكور،
فوجّه الأمير ثقات من خاصّة أصحابه يستطلعونها في الانصراف، وأقام
بالناس منتظرا لها، فوصلت عتمة يوم السبت، وأجيلت في سبب انصراف هذه
الملكة المترفة قداح الظنون، وسلّت الخواطر على استخراج سرّها المكنون،
فمنهم من يقول: إنها انصرفت أنفة لبعض ما انتقدته على الأمير، ومنهم من
قال: إنّ نوازع الشوق للمجاورة عطفت بها إلى المثابة المكرمة، ولا يعلم
الغيب إلّا باللَّه.
(41/179)
وكانت مزوَّجةٌ بصاحب حصن كِيفا. فحجَت
وعادت إلى بلدها، فتوفّي زوجها، فراسل الخليفة أخاها وخَطَبها، فزوّجها
منه. ومضى لإحضارها الحافظ يوسف بْن أَحْمَد شيخ رِباط الأرجوانيَّة
فِي سنة إحدى وثمانين، فأُحضرت وشُغِف الخليفة بها.
وبنَتْ لها رِباطًا وتربة بالجانب الغربيّ، فتُوفّيت قبل فراغ العمارة،
ودخل عَلَى الخليفة منَ الحزن ما لا يوصف، وذلك فِي ربيع الآخر، وحضرها
كافّة الدّولة والقُضاة والأعيان. ورُفعت الغُرَز والطَّرحات، ولبسوا
الأبيض ورُفعت البِسملَّة ووضعت عَلَى رءوس الخدّام، وارتفع البكاء منَ
الْجَوَارِي [1] والخَدَم، وعُمِل لها العزاء والخَتْمات [2] .
121- سُلَيْمَان بْن أَبِي البركات مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن
الْحُسَيْن بْن خميس [3] .
أَبُو الرَّبِيع الكعبيّ، الْمَوْصِلِيّ المعدّل.
حدَّث عن والده.
__________
[ () ] وأبو هذه المرأة المذكورة الأمير مسعود، كما ذكرناه، وهو في
بسطة من ملكه واتّساع من إمرته، يركب له، على ما حقّق عندنا، أكثر من
مائة ألف فارس، وصهره عليها نور الدّين صاحب آمد وما سواها، ويركب له
أيضا نحو اثني عشر ألف فارس. ولخاتون هذه أفعال من البرّ كثيرة في طريق
الحاجّ، منها سقي الماء للسبيل، عيّنت لذلك نحو الثلاثين ناضحة، ومثلها
للزاد، واستجلبت لما تختصّ به من الكسوة والأزودة وغير ذلك نحو المائة
بعير، وأمورها يطول وصفها. وسنّها نحو خمسة وعشرين عاما.
ثم وصف ابن جبير- ص 177 زيارتها لقبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم. ثم
وصف موكبها وزينتها بعد انصرافها من الحج سنة 579 هـ. ص 206، 207، ثم
دخولها الموصل- ص 212.
[1] في الأصل: «الجوار» .
[2] وقال ابن جبير ص 213: وأخبرنا غير واحد من الثقات، ممن يعرف حال
خاتون هذه، أنها موصوفة بالعبادة والخير، مؤثرة لأفعال البرّ، فمنها
أنها أنفقت في طريقها هذا إلى الحجاز في صدقات ونفقات في السبيل، مالا
عظيما، وهي تحبّ الصالحين والصالحات وتزورهم متنكّرة رغبة في دعائهم.
وشأنها عجيب كلّه على شبابها وانغماسها في نعيم الملك، والله يهدي من
يشاء من عباده.
[3] انظر عن (سليمان بن أبي البركات) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 78
رقم 32، والمشتبه في الرجال 1/ 189.
(41/180)
وتُوُفّي فِي أوّل السّنة. وكان ثقة.
وأبوه أَبُو البَرَكات يروي عَنْ أَبِي نصر أَحْمَد بْن طَوق
الْمَوْصِلِيّ.
وأَبُو البركات هُوَ عمّ الفقيه الْإِمَام أَبِي عَبْد اللَّه
الْحُسَيْن بْن نصر بْن خميس الشّافعيّ، وكان صاحب فنون. رَوَى عَنِ
ابن البَطِر وطبقته، ومات بالموصل قبل أَبِي الوقت.
- حرف الصاد-
122- صَبِيح بْن عَبْد اللَّه [1] .
أبو الخير الحبشيّ، العطّاريّ، الْبَغْدَادِيّ، الزَّاهد، مَوْلَى
أَبِي القاسم نَصْر بْن مَنْصُور العَطَّار، الحرَّاني، التّاجر.
حفظ القرآن وسمع الكثير مَعَ [ابن] [2] مولاه، وكتب بخطّه الكثير.
واعتنى بالسّماع فسمع منَ: ابن ناصر، ونَصْر العُكْبَرِيّ، وابن
الزّاغونيّ، وأبي الوقت. وطبقتهم.
وكان عبدا صالحا، وقف كُتُبه.
ويُقَالُ لَهُ: النَّصْري، نسبة إلى مُعْتِقِه نَصْر.
سَمِع منه: إِبْرَاهِيم بْن محمود الشّعّار، وعَلِيّ بْن الْحَسَن ابن
رئيس الرؤساء، وأَبُو المواهب بْن صَصْرى، ودَاوُد بْن عليّ.
توفّي في صفر.
__________
[1] انظر عن (صبيح بن عبد الله) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 114، 115
رقم 733، والمشتبه 1/ 83 (النصري) ، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 1.- 83
رقم 36، وتوضيح المشتبه 1/ 551 و 579، وتبصير المنتبه 1/ 99 ويقول خادم
العلم محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» : ضبط الدكتور بشار
عوّاد معروف اسم «صبيح» في التكملة للمنذري، بضم الصاد المهملة وفتح
الباء الموحّدة. وقد أثبتّه بفتح الصاد وكسر الباء كما قيّده المؤلّف
في الأصل، وكذلك في كتابه (المشتبه 1/ 83) كما عاد محقّق (المشتبه) علي
محمد البجّاوي فضبطه بفتح الصاد (1/ 88 بالحاشية) ، وهكذا فعل ابن ناصر
الدين في (التوضيح 1/ 551 و 579) فليحرّر.
[2] إضافة على الأصل من مصادر الترجمة.
(41/181)
واسم أَبِيهِ: بَكَّر مُثقَّل، وَهُوَ
فَرْدٌ.
- حرف الظاء-
123- ظاعن بْن مُحَمَّد بْن محمود بْن الفَرَج بْن زُرَير [1] .
أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو المقيم الأَسَديّ، الزُّبَيْريّ، الأَزَجّي،
الخيّاط، من ذرِّيَّة أمير المؤمنين عبد الله بْن الزُّبَير.
سَمِع: أَبَا عُثْمَان بْن مَلَّة، وأبا طَالِب بْن يوسف.
وكان حافظا لكتاب اللَّه.
رَوَى عَنْهُ: حفيده عَلِيّ بْن عَبْد الصَّمد شيخ للدّمياطيّ، وغيره.
وآخر من حدَّث عَنْهُ أَبُو الْحَسَن بْن النّعّال [2] .
وسمع منه: أَبُو سعد بْن السّمعانيّ [3] وقَالَ: شابٌّ من أهلِ دار
الخلافة، لا بأس بِهِ، كتبت عَنْهُ شيئا يسيرا، وقَالَ لي: كنّاني
المسترشد باللَّه بأبي مقيم، ولي أربعون سنة. قَالَ ذَلِكَ فِي سنة
ستٍّ وثلاثين.
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ [4] : وُلِد فِي ذِي الحجَّة سنة 496.
قُلْتُ: آخر من رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن أنجب النّعّال الصُّوفيّ.
124- ظافر بْن عساكر بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد [5] .
أَبُو المَنْصُور الخَزْرجيّ، الْأَنْصَارِيّ، المصريّ، المالكيّ.
ولد سنة عشرين وخمسمائة.
وسمع من: أَحْمَد بْن الحُطَيْئة، ومُحَمَّد بْن إبراهيم الكيزانيّ.
__________
[1] انظر عن (ظاعن بن محمد) في: مشيخة النعال 85، 86، والمختصر المحتاج
إليه 2/ 126 رقم 752، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 85، 86 رقم 40،
والنجوم الزاهرة 6/ 108.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 172 دون ترجمة.
[2] ذكره باعتباره التاسع عشر من مشيخته 85، 86.
[3] ومات قبله باثنتين وعشرين سنة. (المنذري 1/ 86) .
[4] في المختصر من تاريخه 2/ 126.
[5] انظر عن (ظافر بن عساكر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 102 رقم 58.
(41/182)
وَهُوَ والد المحدَّث أَبِي اليُمَن بركات.
وَلَهُ شِعْرٌ حَسَن [1] .
- حرف العين-
125- عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن عُمَر بْن حسن [2] .
أَبُو مُحَمَّد بْن سُوَيْدة [3] التكْريتيّ.
سَمِع: أَبَاه، ومُحَمَّد بْن خَلَف بتكْريت.
ورحل وطلب الْحَدِيث، فسمع بالموصل مُحَمَّد بْن القاسم
الْأَنْصَارِيّ، وأَحْمَد بْن أَبِي الفضل الزُّبَيْريّ، وببغداد:
أَبَا الفتح الكروخيّ، وابن ناصر، وعبد الخالق اليُوسُفيّ.
سَمِع منه: أَهْل تَكْريت والرحّالة.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ: كَانَ فِيهِ تساهل فِي الرواية.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وعزّ الدّين ابن
الأثير.
قَالَ [4] : وكان عالما بالحديث، وَلَهُ تصانيف حَسَنة.
126- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد [5] بن سَعْد الله [6] بن محمد.
__________
[1] قال المنذري: كتبنا منه شيئا.
[2] انظر عن (عبد الله بن علي) في: الكامل في التاريخ 12/ 26، والمختصر
المحتاج إليه 2/ 152، 153 رقم 788، وتلخيص مجمع الآداب ج 5/ رقم 25،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 85 رقم 39، وتذكرة الحفاظ 4/ 1354، وطبقات
الشافعية للإسنويّ 2/ 57، والبداية والنهاية 12/ 332، ولسان الميزان 3/
319، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 65، والإعلان بالتوبيخ 625، 626.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 172 ولم يترجم له.
[3] تصحّف إلى «سويد» في: البداية والنهاية، والإعلان بالتوبيخ.
[4] القائل هو ابن الأثير في «الكامل» 12/ 26.
[5] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 161، 162
رقم 797، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 108، 109 رقم 68، والجواهر المضية
1/ 285، وحسن المحاضرة 1/ 219، والطبقات السنية (مخطوط) 2/ ورقة 349،
350.
[6] تصحّف إلى «سعد الدولة» في الطبقات السنية.
(41/183)
أَبُو مُحَمَّد البَجَليّ، الْجُرَيْري،
الْبَغْدَادِيّ، الحنفيّ الواعظ المعروف بابن الشّاعر. نزيل القاهرة.
تُوُفّي بالقاهرة عَنْ ثِنْتَين وسبعين سنة.
وكان ذا جاهٍ وَقَبُولٍ وتقدُّم فِي مذهبه.
رَوَى عَنِ: ابن الحُصَيْن، وأبي المواهب بْن مُلُوك، والقاضي أَبِي
بَكْر، وجماعة منَ الكبار.
وقدم دمشق وسمع من: أبي المكارم بن هلال، والحافظ ابن عساكر.
ودرَّس بالأَسَديَّة، وهي الّتي فِي قِبْلة الميدان. وحدّث بدمشق،
ومصر.
رَوَى عَنْهُ: ابن المفضّل الحافظ، وأَبُو القاسم بْن صَصْرى.
127- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَبِي المفضّل.
أَبُو بَكْر الطُّوسيّ، الشّنجيّ، شيخ رِباط الشّونيزيَّة. وذكر
أَنَّهُ ابن أخت الغزاليّ.
رَوَى عَنْ: عَبْد المنعم بْن القُشَيْريّ.
وعنه: أَبُو المواهب بْن صَصْرى.
تُوُفّي فِي ذِي الحجَّة سنة أربعٍ وثمانين.
128- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مَسْعُود بْن خَلَف.
أَبُو مُحَمَّد اللَّخْميّ، الإشبيليّ، نزيل بَلَنْسِية.
رَوَى عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وجماعة.
لقِيه أَبُو الرَّبِيع بْن سالم فِي هَذِهِ السّنة وأخذ عَنْهُ.
129- عَبْد الباقي بْن إِبْرَاهِيم [1] .
الواسطيّ، الحَنّائيّ.
يروي عَنْ: أَبِي عليّ الفارقيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابن الدّبيثيّ.
__________
[1] انظر عن (عبد الباقي بن إبراهيم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 89
رقم 44.
(41/184)
مات فِي جُمادى الأولى.
130- عَبْد الجبّار بْن هبة اللَّه بْن القاسم بْن مَنْصُور [1] .
أبو طاهر بْن أَبِي البقاء بْن البُنْدار الْبَغْدَادِيّ.
ولد سنة أربع وخمسمائة.
وسمع من: أَبِي الغنائم مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن المهتدي باللَّه،
وهبة اللَّه بْن عَلِيّ الْبُخَارِيّ، وعَلِيّ بْن عَبْد اللَّه
الدِّينَوَرِيّ، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء،
وجماعة.
روى عنه: أبو بكر الحازمي، وأبو بَكْر بْن مشّق، وجماعة.
وكان ثقة من بيت الرواية.
تُوُفّي فِي شوّال.
131- عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن الخَضِر بْن الْحُسَيْن بْن
عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن عَبْدان [2] .
العدل أَبُو الْحُسَيْن بْن العدْل أَبِي عَبْد اللَّه الأزديّ،
الدّمشقيّ.
ولد سنة عشرين وخمسمائة.
وَسَمِعَ من: عَبْد الكريم بْن حَمْزَة، وطاهر بْن سهل
الإسْفَرَائينيّ، وعليّ بْن عِيسَى المالكيّ، وجمال الْإِسْلَام.
ورحل فسمع ببغداد من: أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، والْمُبَارَك بْن
الْمُبَارَك التّعاويذيّ، وعَلِيّ بْن عَبْد السّيّد الصّبّاغ.
وتُوُفّي فِي رابع عشر شعبان.
روي [3] عنه.
__________
[1] انظر عن (عبد الجبار بن هبة الله) في: مشيخة النعال 90، 92،
والتقييد 350 رقم 434، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 259،
والمختصر المحتاج إليه 3/ 52 رقم 831، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 97،
98 رقم 55.
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن الحسين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 93،
94 رقم 48، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 240.
[3] في الأصل: «روى» ، والصحيح ما أثبتناه.
(41/185)
132- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن
عُبَيْد اللَّه بْن يوسف بْن أَبِي عِيسَى [1] .
القاضي أَبُو القاسم بْن حُبَيْش الْأَنْصَارِيّ الأندلسي المرّيّي،
نزيل مُرْسِيَة.
وحُبَيْش خاله، فنُسِبَ إليه، واشتهر به.
ولد سنة أربع وخمسمائة بالمريّة، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي القاسم
أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن القَصَبيّ، وأبي القاسم بْن أَبِي رجاء
البَلَويّ، وأبي الأصْبَغ بْن الْيَسَع.
وتفقّه بأبي القاسم بْن ورد، وأبي الْحَسَن بْن نافع. وسمع منهما.
ومِن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن وضّاح، وعبد الحقّ بْن غالب، وعَلِيّ بْن
إِبْرَاهِيم الْأَنْصَارِيّ، وأبي الْحَسَن بْن مَوْهَب الْجُذَاميّ.
ورحل إلى قُرْطُبة، فأدرك بها يُونُس بْن مُحَمَّد بْن مغيث، وَهُوَ
أسْند شيوخه، فسمع منه ومن: جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن مكّيّ، وقاضي
الجماعة مُحَمَّد بْن أصْبَغ، وأبي بَكْر ابن العربيّ.
وأخذ الأدب عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي زَيْد
النَّحْويّ.
وبَرَعَ فِي النَّحو، فَلَمَّا تغلّبت الروم على المريّة سنة اثنتين
وأربعين وخمسمائة خرج إلى مُرْسِيَة، ثُمَّ أوطن جزيرة شَقْر [2] ،
ووُلّي القضاة والخطابة بها ثِنْتَيْ عشرة سنة. ثُمَّ نُقِل إلى خطابة
مُرْسِيَة، ثُمَّ وُلّي قضاءها سنة خمسٍ وسبعين، فحُمِدت أحكامه مَعَ
ضيق في أخلاقه.
__________
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ رقم
35، وتكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 573، وتكملة إكمال الإكمال 111،
والمشتبه في الرجال 1/ 270، والعبر 4/ 252، وسير أعلام النبلاء 21/
118- 121 رقم 59، وتذكرة الحفاظ 4/ 1353، ومرآة الجنان 3/ 428، والوافي
بالوفيات 18/ 258، 259 رقم 311، وغاية النهاية 1/ 378، وطبقات النحاة
لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 181، والنجوم الزاهرة 2/ 85، وشذرات الذهب
4/ 280، وبغية الوعاة 2/ 85، وديوان الإسلام 2/ 205، 206 رقم 830،
والأعلام 3/ 327، ونيل الابتهاج للتنبكتي 162، وروضات الجنات 426، وكشف
الظنون 1460، 1747، ومعجم المؤلفين 5/ 182، 183.
[2] شقر: بفتح الشين المعجمة، وسكون القاف. (معجم البلدان) .
(41/186)
وكان أحد أئمّة الْحَدِيث بالأندلس،
والمسلَّم لَهُ فِي حِفْظ أغرِبة الْحَدِيث ولُغات العرب وأيّامها،
لَمْ يكن أحد يُجاريه فِي معرفة الرجال والتّواريخ والأخبار. قاله
أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار [1] .
قَالَ: وسَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه يَقُولُ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ إنَّه مرّ عليه وقتٌ يذكر فِيهِ «تاريخ» أَحْمَد
بْن أَبِي خَيْثَمَة أَوْ أكثره.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وكان خطيبا، فصيحا، حَسَن الصَّوت، لَهُ
خُطَبٌ حِسان.
وذكره أَبُو عَبْد اللَّه بْن عيّاد فَقَالَ: كَانَ عالما بالقرآن
إماما فِي عِلم الْحَدِيث، عارفا بعِلله، واقفا عَلَى رجاله. لَمْ يكن
بالأندلس مَن يُجاريه فِيهِ.
أقرَّ لَهُ بِذَلِك أَهْل عصره، مَعَ تقدّمه فِي اللّغة والأدب،
واستقلاله بغير ذَلِكَ من جُمَيْع الفنون.
قَالَ: وكان لَهُ حَظّ منَ البلاغة والبيان، صارما فِي أحكامه، جزِلًا
فِي أموره. تصدّر للإقراء والتّسميع وتدريس الأدب، وكانت الرحلة فِي
وقته إِلَيْهِ وطال عُمره.
قَالَ: وَلَهُ كتاب «المغازي» فِي عدّة مجلّدات حمله عَنْهُ النّاس.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّرْطُوشيّ، وأَبُو
سليمان بْن حَوْط اللَّه، ومُحَمَّد بْن وهب الفِهْريّ، ومُحَمَّد بْن
الْحَسَن اللَّخْميّ الدَّانيّ، ومُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن
صَلْتان، ومُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حبُّون المُرْسِيّ، ومُحَمَّد بْن
مُحَمَّد بْن أَبِي السّداد اللّمتُونيّ، ونذير بْن وهب الفِهْريّ أخو
مُحَمَّد، وعبد اللَّه بْن الْحَسَن المالقيّ، ويُعرف بابن القُرْطُبيّ
الحافظ، وأَبُو الخَطَّاب عُمَر بْن دُحْية الكلبيّ، وعَلِيّ بْن يوسف
بْن الشّريك، وعليّ بْن أَبِي العافية القسطليّ، وخلْق سواهم.
وروى عَنْهُ بالإجازة أَبُو عليّ عُمَر بْن محمد الشّلوبين النّحويّ،
وغيره.
__________
[1] في تكملة الصلة 2/ 573.
(41/187)
قَالَ الأَبّار [1] : تُوُفّي بمُرْسِيَة
فِي رابع عشر صَفَر. وكاد يهلك أناسٌ منَ الزَّحْمة عَلَى نعشه.
133- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد.
أَبُو الْحَسَن القُرْطُبيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِيهِ أَبِي بَكْر، وأبي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي عَبْد
اللَّه بْن مكّيّ، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وميمون بْن ياسين.
ووُلّي خطابة إشبيلية.
وكان من أَهْل الفضل والصّلاح والانقباض.
أَخَذَ النّاس عَنْهُ.
تُوُفّي سنة أربعٍ، وقيل سنة 5.
134- عَشِير بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن الفتح [2] .
أَبُو القبائل الشّاميّ، الجبليّ، المزارع، القيِّم، الوقّاد، الرجُل
الصَّالح، المعمّر.
وُلِد سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.
وسَمِع وَهُوَ كبير من: أَبِي صادق مرشد بْن يَحْيَى المَدِينيّ، وأبي
عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أحمد الرَّازيّ.
رَوَى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، والحافظ عَبْد القادر، وطائفة
آخرهم عَبْد الغنيّ بْن بنين.
وعاش مائة وسنتين.
قَالَ الحافظ المُنْذريّ [3] : قَالَ لي بعض شيوخنا: لولا بياض لحيته
ما كُنْت تظنّه شيخا لظهور قوته.
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] انظر عن (عشير بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 104، 105 رقم
62، والنجوم الزاهرة 6/ 108 وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام
النبلاء 21/ 172 ولم يترجم له.
[3] في التكملة 1/ 105.
(41/188)
وكأَنَّه من جَبَلَة الّتي بالسّاحل.
135- عَلِيّ بْن يَحْيَى بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الطّرّاح [1] .
أبو الحسن بن أبي محمد البغداديّ، المدير.
سَمِع: أَبَاه، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه الشُّرُوطيّ،
ومُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الإسكاف، وجماعة.
وروى الكثير.
رَوَى عَنْهُ: ابن الدُّبِيثيّ فِي «تاريخه» ، وأولاده مُحَمَّد،
وعزيزة، ونعمة، وجماعة.
ويُقَالُ لمن يدور بالسَّجّلّات الّتي حكم القاضي عَلَى الشهود:
المُدِير.
واشتهر بهذا جَدّه.
تُوُفّي فِي رمضان [2] .
136- عُمَر بْن بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الفضل [3] .
القاضي العلّامة عماد الدّين أَبُو حَفْص ابن الْإِمَام الكبير شمس
الأئمَّة أَبِي الفضل الْأَنْصَارِيّ، الخَزْرجيّ، الجابريّ،
الْبُخَارِيّ، الزَّرَنْجَرِيّ، وزَرَنْجَرَة [4] من أعمال بُخَارى.
الفقيه الحنفيّ، ويُكنّى أيضا بأبي العلاء.
أَنْبَأَني أَبُو العلاء الفَرَضيّ قَالَ: هُوَ نعمان الثّاني فِي
وقته، تفقَّه عَلَى أَبِيهِ وعَلَى بُرهان الأئمَّة ابن مازة رفيق
والده.
وسَمِع «صحيح الْبُخَارِيّ» من أَبِيهِ، أَنَا أَبُو سهل
الأَبِيوَرْدِيّ، أَنَا أَبُو عَلِيّ بْن حاجب الكُشانيّ، أَنَا
الفِرَبْريّ، عَنِ المؤلّف.
__________
[1] انظر عن (علي بن يحيى) في: مشيخة النعال 88- 90، والتكملة لوفيات
النقلة 1/ 95 رقم 50، والمختصر المحتاج إليه 3/ 147 رقم 1069.
[2] ومولده سنة 501 هـ.
[3] انظر عن (عمر بن بكر) في: دول الإسلام 2/ 97، والعبر 4/ 253، وسير
أعلام النبلاء 21/ 172، 173 رقم 85، ومرآة الجنان 3/ 428، وتاريخ
الخميس 2/ 409، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 1159.
[4] ويقال: زرنجرى، وزرنكرى.
(41/189)
وسَمِع أيضا منَ: الْحُسَيْن بْن أَبِي
الْحَسَن الكاشْغَريّ، وأبي الفتح مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الحمدونيّ
السَّرْخَسِيّ، وَغَيْرُهُمْ.
تفقَّه عليه شمسُ الأئمَّة أَبُو الوحْدة مُحَمَّد بْن عَبْد السّتّار
الكَرْدَريّ [1] ، ومُفتي الشّرق جمال الدّين عُبَيْد اللَّه بْن
إِبْرَاهِيم المحبوبيّ، وصدْر العالم مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن
مازة.
وسمع منه: أَبُو الوحدة المذكور، وأثير الدّين أَحْمَد بْن مُحَمَّد
الخُجَنْدِيّ.
وعاش نحوا من تسعين سنة. وانتهت إِلَيْهِ رئاسة المذهب.
وتُوُفّي فِي تاسع عشر شوّال.
وَهُوَ آخر من روى عَنْ أَبِيهِ.
137- عُمَر بْن نعمة بْن يوسُفَ بْن سَيْف بْن عساكر [2] .
أَبُو حَفْص الرُّؤْبيّ [3] ، المقدسيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، الْمُقْرِئ
البنّاء.
ولد سنة خمسمائة، وقرأ القرآن عَلَى سلطان بْن صخر.
وسَمِع من أَبِي الفتح الكَرُوخيّ.
وأقرأ القرآن مدّة طويلة بمسجده بسوق وَرْدان. وكان عجبا فِي ملازمة
التّلقين.
رَوَى عَنْهُ: ابنه أَبُو الحَرَم مكّيّ، وقَالَ إنَّه منسوب إلى
رُؤبَة، وَإِنَّهُ صحابيّ، وهذا لا يعرف.
وقيل روبة بلد بالشّام.
138- عِيسَى بْن مَوْدود بْن عَلِيّ بن عبد الملك بن شعيب [4] .
__________
[1] تصحّفت هذه النسبة من «الكردريّ» إلى «الكردي» في سير أعلام
النبلاء 21/ 173 بتحقيق الدكتور بشّار عوّاد معروف والدكتور محيي هلال
السرحان. وانظر عنه مصحّحا في الجزء 23/ 112 رقم 86 بتحقيقهما.
والكردري: نسبة إلى كردرة: ناحية كبيرة من بلاد خوارزم.
[2] انظر عن (عمر بن نعمة) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 98، 99 رقم
56، والذيل على طبقات الحنابلة 2/ 215.
[3] الرؤبيّ: بضم الراء المهملة وسكون الواو وباء موحّدة مفتوحة وتاء
تأنيث. (المنذري 1/ 99) .
[4] انظر عن (عيسى بن مودود) في: وفيات الأعيان 3/ 498- 500، وكشف
الظنون 804،
(41/190)
الأمير فخر الدّين أَبُو المَنْصُور
التُّركيّ، صاحب تَكْرِيت. من أتراك الشّام.
كَانَ حَسَن السّيرة، كثير المروءة، سَمْحا، جوادا، لَهُ نَظْم لطيف
الأسلوب، وترسُّل، وديوان.
ومن شِعره:
وما ذات طوْق فِي فُروع أراكةٍ ... لها رنَّة تحت الدُّجَى وصدوحُ
ترامت بها أيدي النَّوى وتمكَّنت ... بها فرقةٌ من أهلها ونُزُوحُ
بأبرحَ مِن وجْدي لذِكراكم مَتَى ... تألَّق بَرْقٌ أَوْ تنسَّم رِيحُ
وُلِد بحماه وقتلته إخوته بقلعة تَكْريت، ثُمَّ باع أخوه إلياس قلعة
تَكْريت للخليفة.
- حرف الغين-
139- غالب بْن مُحَمَّد بْن هِشَام.
أَبُو تمّام العَوْفيّ، الأندلسيّ، من أَهْل وادي آش.
رَوَى عَنْ: أَبِي القاسم بْن ورد، وأبي مُحَمَّد بْن عطيّة، وأبي
الحجّاج القضاعيّ، وجماعة.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو القاسم الملاحيّ، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط
اللَّه، وأَبُو الْوَلِيد بْن الحاجّ.
عاش إلى هَذِهِ السّنة
- حرف الميم-
140- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه البُسْتيّ، الصُّوفيّ، العارف.
تُوُفّي برُوذَرَاوَر [2] فِي رمضان عن نيّف وثمانين سنة.
__________
[ () ] ومعجم المؤلفين 8/ 34.
[1] انظر عن (محمد بن إبراهيم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 97 رقم
54، وتاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 112- 114 رقم 40، وذيل تاريخ بغداد
لابن الدبيثي (مخطوطة باريس) ورقة 24، والمختصر المحتاج إليه
(المستدرك) 2/ 247، 248 رقم 35.
[2] روذراور: قال ياقوت: بضم أوله وسكون ثانيه وذال معجمة وراء، وبعد
الواو المفتوحة
(41/191)
لَهُ تصانيف فِي الطّريقة [1] .
141- مُحَمَّدِ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْنُ مُحَمَّدِ بْن مَسْعُود بْن
أَحْمَد بن الحسين [2] .
__________
[ () ] راء أخرى. كورة قرب نهاوند من أعمال الجبال.
[1] وقال ابن المستوفي: صوفيّ مشهور وديّن مذكور. ممن ينسب إلى
الكرامات ويشار إليه عند ذكر أصحاب المقامات، كثير المجاهدة والرياضة،
حسن المعاملة والعبادة، لم يطعم الخبز عمره، إنما كان يأكل يسيرا من
اللبن. ورد إربل ونزل بالقلعة في الجانب الغربي من مسجدها في آخر موضع
فيه، فهو إلى الآن يعرف بزاوية البستي، رحمه الله، كان يزوره الأكابر
وينعكفون على خدمته، رأيته وأنا صغير مع والدي- رحمه الله- وسكن من
المسجد الجامع بالربض في القبة التي بناها والدي شماليّه، وهي معروفة
إلى الآن.
قال سعد بن عبد العزيز الضرير: ورد البوازيج، ومات في مجلس وعظه أمير
البوازيج أرسلان بن كرباوي. وحدّثت أنه لما مرض أرادوا معالجته فلم
يجسروا على أن يسقوه ماء الشعير ولا يطعموه خلاف عادته ويسقوه، فبقي
أياما على ذلك، ثم استأذنوه فاستعمل ما وصفوه له.
سمع الحديث، فمن مسموعاته كتاب «جواهر الكلام في الحكم والأحكام» تأليف
أبي الفتح عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد
الآمدي القاضي، رأيت طبقة سماعه عليه في جزء منه. وأجاز له محمد بن علي
بن ياسر الجيّاني الأنصاري إجازة جامعة، كتب له بها خطه بالموصل على
أول ورقة من كتاب «المصابيح» في شهر ربيع الآخر سنة ستين وخمسمائة.
كتب له أبو طالب يحيى بن سعيد بن هبة الله بن زيادة ينشده:
أنت الّذي قد كنت أطلب مثله ... فيعزّ وجداني له وطلابي
حتى ظفرت به فأغناني عن ... الأوطار والأوطان والأتراب
فقرابة الأخلاق مثل قراب ... الأعراق، والأسباب كالأنساب
كلّفتني أخلاقك الغرّ التي ... أعطاكها المعطي بغير حساب
وأمرتني بالصبر- وهو شكيتي- ... كمعالج الأوصاب بالأوصاب
مهلا فإنّ البزّل الأعواد لا ... تلقي زواملها على الأسقاب
هذا على أنّي وحقّك لم أزل ... حرب الزمان وحربه أحرى بي
لنهوضه بالقاعدين عن العلا ... وقعوده بالأروع الوثّاب
وله مصنّفات فيها كلام عال يعجز الفهم عن إدراكه، ومن كلامه: الأرواح
حواسيس القلوب. فمن حيث يتوجّه الصفاء يوجد الوفاء، ومن حيث تغلّ
الصدور يقع النفور. (ابن المستوفي، تاريخ إربل) .
[2] انظر عن (محمد بن عبد الرحمن بن محمد) في: الأنساب 4/ 216، 217،
واللباب 1/ 387، ومعجم الأدباء 18/ 215 رقم 66، ومعجم البلدان 1/ 743،
وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 41، 42 رقم 251، ووفيات
الأعيان 4/ 390 رقم 659، وإنباه الرواة 3/ 166، 167، والمختصر المحتاج
إليه 1/ 67، 68، والعبر 4/ 253،
(41/192)
الْإِمَام أَبُو سَعِيد وأبو عَبْد اللَّه
بْن أَبِي السّعادات المسعودي، الخُراسانيّ، البَنْجَدِيهيّ، الفقيه
الصُّوفيّ، المحدّث.
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة فِي أول ربيع الآخر.
وسَمِع بخُرَاسان من: أَبِي شجاع عُمَر بْن مُحَمَّد البِسْطاميّ، وأبي
الوقت السِّجْزيّ، ومُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر السِّنْجيّ، وعبد السّلام
بْن أَحْمَد بليترة، وأبي النّصر الفاميّ، ومَسْعُود بْن مُحَمَّد
الغانميّ، والْحَسَن بْن مُحَمَّد المُوساباذيّ.
وسمع ببغداد من: أَبِي المظفَّر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن
التُّرَيْكيّ، وبمصر من: عَبْد اللَّه بْن رفعة، وبالإسكندريّة منَ:
السِّلَفيّ.
وحدّث عَنْ: أَبِيهِ، وعبد الصَّبُور بْن عَبْد السّلام، ومَسْعُود بْن
الْحَسَن الثَّقَفيّ.
وأملى بمصر سنة خمسٍ وسبعين مجالس.
وبَنْجَدِية [1] : من أعمال مروالرّوذ.
وأدَّب الملك الأفضل بْن السّلطان صلاح الدّين. وصنَّف «شرح المقامات»
وطوّله، واقتنى كُتُبًا نفيسة بجاه الملك.
قَالَ القِفْطيّ [2] : فأخبرني أَبُو البركات الهاشميّ قَالَ: لمّا دخل
صلاح الدّين حلب سنة سَبْعٍ وسبعين نزل البَنْجَدِيهيّ [3] الجامع،
واختار من خزانة الوقف جُملة كُتُبٍ لَمْ يمنعه منها أحد، ورأيته
يحشرها فِي عدْل. وكان
__________
[ () ] والإعلام بوفيات الأعلام 240، وسير أعلام النبلاء 21/ 173- 175،
رقم 86، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 86- 88 رقم 41، والتلخيص لابن مكتوم
(مخطوط) ورقة 218، 219، ومرآة الجنان 3/ 448، والمستفاد من ذيل تاريخ
بغداد 21- 23 رقم 16، والوافي بالوفيات 3/ 233 رقم 124، وطبقات
الشافعية للإسنويّ 2/ 458 رقم 1141، والفلاكة والمفلوكين 88، وطبقات
الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 370 رقم 338، وطبقات النحاة، له (مخطوط)
ورقة 70، 71، ولسان الميزان 5/ 256، والمقفّى الكبير 6/ 47- 49 رقم
2440، وبغية الوعاة 1/ 158، 159، وشذرات الذهب 4/ 280، 281، وديوان
الإسلام 1/ 315 رقم 494، وهدية العارفين 2/ 101، ومعجم المؤلفين 10/
155.
[1] يقال: بنجديه، وبندهي، وبنج ديه، وفنجديه.
[2] في إنباه الرواة 3/ 166.
[3] على هامش الأصل كتب بقرب هذه الكلمة: «بخطه البندهي» .
(41/193)
المحدّثون يليّنونه فِي الْحَدِيث،
ولَقَبُه: تاج الدّين.
وقَالَ المُنْذريّ [1] : كتب عَنْهُ السِّلَفيّ أناشيد. وثنا عَنْهُ
الحافظ عَلِيّ بْن المفضّل، وآخرون. وَهُوَ منسوبٌ إلى جَدّه مَسْعُود.
قُلْتُ: روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر البلْخيّ، وزين الأمناء
أَبُو البركات، والتّاج بْن أَبِي جَعْفَر، وجماعة.
وقَالَ ابن خليل الأَدَميّ: لَمْ يكن فِي نقله بثقةٍ ولا مأمون.
تُوُفّي المسعوديّ فِي سلْخ ربيع الأوّل، ودُفِن بسفح جبل قاسيون، ووقف
كتبه بالسُّمَيْساطِيَّة.
وقَالَ ابن النّجّار فِي «تاريخه» : كَانَ المسعوديّ منَ الفُضَلاء فِي
كُلّ فنّ، فِي الفقه، والحديث، والأدب [2] ، وكان من أظرف المشايخ،
وأحسنهم هيئة، وأجملهم لِباسًا.
قدِم بغدادَ سنة أربع وخمسين طَالِب حديث. وسمع بدمشق من:
عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْحَسَن الدّارانيّ، والفَلَكيّ.
وأجاز له أبو العزّ بن كادش [3] .
__________
[1] في التكملة 1/ 87، 88.
[2] المستفاد من ذيل تاريخ بغداد 22.
[3] وقال ابن السمعاني: كان فقيها ورعا حسن السيرة، تفقّه على والدي
رحمه الله، وسمع «جامع» أبي عيسى ببغشور من أَبِي سعيد محمد بْن علي
بْن أبي صالح القاضي، عن الجراحي، عن المحبوبي، عنه، وسمعت منه كذلك،..
وكانت ولادته بعد سنة سبعين وأربعمائة بمرست إحدى القرى الخمس.
(الأنساب 4/ 216، 217) .
ومن شعر المسعودي لنفسه:
قالت: عهدتك تبكي ... دما حذار التنائي
فلم تعرّضت عنها ... بعد الدماء بماء؟
فقلت: ما ذاك منّي ... لسلوة أو عزاء
لكن دموعي شابت ... من طول عمر بكائي
(معجم الأدباء، الوافي بالوفيات، المستفاد) .
(41/194)
142- مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن
عَبْد اللَّه [1] .
أَبُو الفتح بْن التّعاويذيّ، الشّاعر المشهور صاحب الدّيوان الَّذِي
فِي مجلَّدّتين. وإنّما عُرِف بابن التّعاويذيّ لأنّه سِبْط
الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك ابن التّعاويذيّ.
وكان عُبَيْد اللَّه والده مَوْلَى لبني المظفَّر اسمه نُشْتِكين [2] ،
ثُمَّ سمّي عُبَيْد اللَّه. وأضرَّ أَبُو الفتح فِي آخر عمره.
وكان شاعر العراق فِي وقته. وَهُوَ القائل:
أَمِطِ اللّثامَ عَنِ العِذَارِ السّائلِ ... ليقومَ عُذري فيك عِنْد
[3] عواذلي
واغْمِدْ لِحَاظَكَ قَدْ فللتَ تجلّدي ... واكْفنْ سِهامك قَدْ أصبتَ
مقاتلي
لا تجمع الشَّوْقَ المبرّح والقِلَى ... والبينَ لي، أحدُ الثّلاثة
قاتلي
وبنفسي الغضبان لا يرضيه غيرُ ... دمي وما فِي سَفْكهِ من طائل
عانقته أبكي ويبسم ثغره ... كالبرق أَوْمَضَ فِي غمامٍ هاطلِ
[4] وكان كاتبا بديوان المقاطعات، وكان الوزير أَبُو جعفر بن البلديّ
قد
__________
[1] انظر عن (ابن التعاويذي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن
الدبيثي 2/ 36 رقم 245، والروضتين 2/ 123، والتكملة لوفيات النقلة 1/
103، 104 رقم 60، ووفيات الأعيان 4/ 466، والمختصر في أخبار البشر 3/
76 وفيه «محمد بن عبد الله» ، والمختصر المحتاج إليه 1/ 26، والتذكرة
الفخرية 60، 61، 129، 151، 155، 413، وسير أعلام النبلاء 21/ 175، 176
رقم 87، والعبر 4/ 253، والإعلام بوفيات الأعلام 240، 241، وتاريخ ابن
الوردي 2/ 100 وفيه «محمد بن عبد الله» - فهو ينقل عن المختصر لأبي
الفداء-، ومرآة الجنان 3/ 429، ونكت الهميان 259، والوافي بالوفيات 4/
11- 19، والبداية والنهاية 12/ 319، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 53،
والنجوم الزاهرة 6/ 105، وشذرات الذهب 3/ 281، 282، وديوان الإسلام 2/
38 رقم 618 وفيه «محمد بن عبد الله» ، وكشف الظنون 630، 764، وهدية
العارفين 2/ 101، والأعلام 60/ 260، ومعجم المؤلفين 10/ 278.
[2] في الأصل: «كمستكين» ، وما أثبتناه عن: وفيات الأعيان 4/ 466 فقد
قيّده ابن خلّكان بالحروف فقال: بضم النون، وسكون الشين المعجمة، وكسر
التاء المثنّاة.
[3] في الديوان، والتذكرة الفخرية 152 «بين» .
[4] ديوانه 333.
(41/195)
عزل الدّواوين وصادرهم وعاقبهم، فعمل ابن
التّعاويذيّ فِي بغداد من قصيدة:
بادَت وأهلوها معا فديارهم ... ببقاء مولانا الوزير خرابُ
والناسُ قَدْ قامت قيامتهم فلا ... أنسابَ بينهُم ولا أسبابُ
حَشْرٌ [1] وميزانٌ وهَوْلٌ مفظعٌ [2] ... وصحائفٌ منشورةٌ وحِسابُ
ما فاتهم مِن كُلّ [3] ما وُعِدوا بِهِ ... فِي الحشرِ إلّا راحمٌ
وَهَّابُ
[4] وَلَهُ:
قَالَتْ أَتَقْنَع أن أزورَك فِي الكَرَى ... فتبيتَ فِي حُلمِ المنامِ
ضَجِيعي
وأبيكَ ما سَمَحتْ بطَيف خَيالِها ... إلّا وَقَدْ مَلَكَتْ عليَّ
هجوعي
وَلَهُ أشعارٌ كثيرة يرثي عينيه ويبكي أيّام شبابه. وكان قَدْ جمع
ديوانه قبل العَمَى، ورتّبه أربعة فضول. وكلّما جدّده بعد ذَلِكَ سمّاه
«الزّيادات» .
رَوَى عَنْهُ: عَلِيّ بْن الْمُبَارَك بْن الوارث.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي شوّال عَنْ خمسٍ وستّين سنة.
143- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن جَابِر بْن أوسَن.
أَبُو عَبْد الله اليَحْصُبيّ، القُرْطُبيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي مَرْوَان بْن مَسَرَّة، وأبي عَبْد اللَّه بْن
أَصْبَغ.
وسمع «الموطّأ» من: أَبِي عَبْد اللَّه بْن نجاح الذّهبيّ.
وقرأ القراءات عَلَى: عيّاش بْن فَرَج. وأتقن العربيّة ووُلّي خطابة
قُرْطُبة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو القاسم بْن
ملجوم.
ووصفه غير واحد بالحِفْظ والدّين.
وتوفّي في ذي القعدة.
__________
[1] في المختصر في أخبار البشر 3/ 76 «جسر» ، والمثبت يتفق مع تاريخ
ابن الوردي 2/ 100.
[2] في المختصر في أخبار البشر 3/ 76 «وعرض جرائد» ، والمثبت يتفق مع
تاريخ ابن الوردي 2/ 100.
[3] في المختصر في أخبار البشر 3/ 76 «من يوم» ، والمثبت يتفق مع تاريخ
ابن الوردي 2/ 100.
[4] انظر الأبيات وزيادة في المختصر لأبي الفداء 3/ 76، وتاريخ ابن
الوردي 2/ 100.
(41/196)
144- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن
الْحَسَن بْن صَدَقة [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الحرَّاني، التّاجر السّفّار، ويُعرف بابن الوَحِش
[2] .
شيخ صالح، صَدُوق، معمَّم، جليل، تردَّد فِي التّجارة إلى خُراسان،
وغيرها.
وسَمِع فِي الكهولة «صحيح مُسْلِم» من أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاويّ
سنة ثمانٍ وعشرين وخمسمائة وَلَهُ إحدى وأربعون سنة. وحدّث بِهِ بدمشق،
وسمعه منه خلْق.
روى عَنْهُ: الشَّيْخ أَبُو عُمَر، والشّيخ الموفَّق، والبهاء عَبْد
الرَّحْمَن، والحافظ الضّياء، وخطيب مردا، ومُحَمَّد بْن عَبْد الهادي،
وابن عَبْد الدّائم، ويوسف بْن خليل، وأَبُو المعالي أَحْمَد بْن
مُحَمَّد الشّيرازيّ، ومُحَمَّد بْن سعد الكاتب، والعماد عَبْد الله
بْن الْحَسَن بْن النّحّاس، ومُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الصَّقَلّيّ
الدّلّال، وخلْق سواهم.
وَقَدْ رَوَى ابن الدُّبِيثيّ [3] فِي «تاريخه» عَنِ ابن الأخضر،
عَنْهُ.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل. وقيل فِي ربيع الآخر بدمشق، وَلَهُ سبْعٌ
وتسعون سنة.
وقَالَ ابن النّجّار: سكن دمشق وبنى [4] بها مدرسة ووقفها عَلَى
الحنابلة [5] .
145- مُحَمَّد بْن المطهّر بْن يَعْلَى بْن عِوَض بْن أميرجة [6] .
أَبُو الفُتُوح العَلَويّ، العُمَرِي، الهرويّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي بن محمد) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد
لابن الدبيثي 2/ 131، 132 رقم 358، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 89 رقم
43، والمختصر المحتاج إليه 1/ 93، والعبر 4/ 254، والمعين في طبقات
المحدّثين 180 رقم 1908، والإعلام بوفيات الأعلام 241، وتذكرة الحفاظ
4/ 1355، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 27 رقم 19، والنجوم الزاهرة 6/
109، وشذرات الذهب 4/ 282.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 172 دون أن يترجم
له.
[2] تصحّف في (المستفاد 27) إلى «الوحشي» .
[3] ذيل تاريخ بغداد، والمختصر المحتاج إليه.
[4] في الأصل، وفي (المستفاد) أيضا «بنا» .
[5] قال المؤلّف الذهبي- رحمه الله-: لا وجود للمدرسة (السير 21/ 194)
.
[6] انظر عن (محمد بن المطهّر) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس
5921) ورقة 148، 149، والمختصر المحتاج إليه 1/ 145، والتكملة لوفيات
النقلة 1/ 106 رقم 66.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 172 ولم يترجم له.
(41/197)
حدَّث ببغداد، والحجاز عَنْ أَحْمَد بْن
مُحَمَّد بْن صاعد، ومُحَمَّد بْن الفضل الفُرَاويّ.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد الله بْن الدُّبَيْثِيّ، والتّاج محمد بن أبي
جعفر، ومحمد بن أبي البدر بن المنّي، وأبو القاسم عليّ بن سالم بن
الخشّاب، وآخرون.
وتوفّي بأذربيجان، ولعلّه حدَّث هناك، وعاش ثمانين سنة.
146- مُحَمَّد بْن مُوسَى [1] بْن عُثْمَان بْن مُوسَى بْن عُثْمَان
بْن حازم [2] .
الحافظ أَبُو بَكْر الحازميّ، الهَمَذَانيّ.
ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة [3] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن موسى) في: تاريخ إربل لابن المستوفي 6/ 122، 123
رقم 47، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 147، 148،
والروضتين 2/ 137، ووفيات الأعيان 4/ 294، 295، رقم 597، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 89- 92 رقم 45، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح
1/ 276 رقم 77، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 192، وطبقات علماء الحديث 4/
136- 138، والمختصر المحتاج إليه 1/ 144، 145، والعبر 4/ 254، ودول
الإسلام 2/ 97، والمشتبه في الرجال 1/ 202، وسير أعلام النبلاء 21/
167- 172 رقم 84، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1909، والإعلام
بوفيات الأعلام 241، ومرآة الجنان 3/ 429، والبداية والنهاية 12/ 332،
وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 179 (7/ 13) ، والوافي بالوفيات 5/
88، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 144 أ، ب، والعقد المذهب
لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 160، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/
379، 380 رقم 347، وتبصير المنتبه 2/ 483، وتوضيح المشتبه 3/ 25، 26،
وتاريخ الخلفاء 457، وتاريخ الخميس 2/ 409، وطبقات الحفاظ 482، 483،
والنجوم الزاهرة 6/ 109، وطبقات الشافعية لابن هداية الله 211، 212،
وشذرات الذهب 4/ 282، وكشف الظنون 996، 1047، 1125، 1261، 1429، 1430،
1454، 1460، 1573، 1913، 1920، وإيضاح المكنون 1/ 97 و 2/ 320، وهدية
العارفين 2/ 101، وديوان الإسلام 2/ 155، 156 رقم 768، ومعجم الشافعية
لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 61، والتاج المكلّل للقنوجي 121،
والرسالة المستطرفة 80، وفهرس المخطوطات المصوّرة 2/ 180، والأعلام 7/
339، ومعجم المؤلفين 12/ 64، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 169 رقم
1071.
[2] في الأصل «خازم» بالخاء المعجمة، وهو تحريف.
[3] في تاريخ إربل 1/ 122 مولده في سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وسيأتي
مثله نقلا عن ابن النجار.
(41/198)
وسمع بَهَمَذَان من: أَبِي الوقت حضورا،
ومِن شَهردار بْن شِيرُويْه، وأبي زُرْعة بْن طاهر، وأبي العلاء
العَطَّار، ومُحَمَّد بْن بنيمان، وعبد اللَّه بْن حيدر القزْوينيّ،
ومعمر بْن الفاخر.
ورحل إلى بغداد سنة بضْعٍ وسبعين فسمع: عَبْد اللَّه بْن عَبْد الصَّمد
السُّلَمي العَطَّار، وأبا الْحُسَيْن عَبْد الحقّ، وأخاه أَبَا نصر
عَبْد الرحيم، وأبا الثّناء مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الزيتونيّ،
وطائفة.
وسَمِع بالموصل من خطيبها أَبِي الفضل. وبواسط من: أَبِي طَالِب
الكِنانيّ المحتسب، وأَحْمَد بْن سالم الْمُقْرِئ. وبالبصرة من:
مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ المالكيّ. وبدرب عَمْرو بأصبهان من: أَبِي الفتح
عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخِرَقيّ، وأَحْمَد بْن ينال، وأبي مُوسَى
المَدِينيّ الحافظ، وطائفة سواهم.
وسمع بالجزيرة، والحجاز، والشّام، وعُني بهذا الشّأن، وكتب الكثير،
وصنّف.
وَلَهُ إجازة من: أَبِي سعد السّمعانيّ، وأبي عَبْد اللَّه
الرُّسْتُميّ، وأبي طاهر السِّلَفيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، والتّقيّ عَلِيّ بْن
ماسُوَيْه الْمُقْرِئ، وابن أَبِي جَعْفَر، وخطيب دمياط الجلال عَبْد
اللَّه بْن الْحَسَن السّعديّ، وآخرون.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [1] : قدِم بغداد عِنْد بلوغه واستوطنها،
وتفقَّه بها عَلَى مذهب الشّافعيّ، وجالَسَ علماءَها، وتميّز، وفهِم،
وصار من أحفظ النّاس للحديث وأسانيده ورجاله، مَعَ زُهْدٍ، وتَعبُّد،
ورياضةٍ وذِكر.
صنّف فِي علم الْحَدِيث عدّة مصنّفات، وأملى عدّة مجالس. سَمِعْتُ منه
ومعَه. وكان كثير المحفوظ، حلْو المذاكرة، يغلب عليه معرفة أحاديث
الأحكام. وأملى طُرُق الأحاديث الّتي فِي كتاب «المهذَّب» لأبي
إِسْحَاق وأسندها، ولم يتمّه.
__________
[1] في تاريخه، ورقة 148.
(41/199)
وقَالَ ابن النّجّار [1] : كَانَ منَ
الأئمَّة الحفّاظ العالِمِين بفقه الْحَدِيث ومعانيه ورجاله. ألَّف
كتاب «النّاسخ والمنسوخ» ، وكتاب «عُجالة المبتدئ فِي الأنساب» [2] ، و
«المؤتلف والمختلف فِي أسماء البلدان» ، وكتاب «إسناد الأحاديث الّتي
فِي المهذَّب» . وأملى بواسط مجالس. وكان ثقة، حُجَّة، نبيلا، زاهدا،
عابدا، ورِعًا، مُلازِمًا للخلْوة والتّصنيف ونشْر العِلم. أدركه
أَجَلُه شابّا.
وسَمِعْتُ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن غانم الحافظ بأصبهان
يَقُولُ:
كَانَ شيخنا الحافظ أَبُو مُوسَى يفضّل أَبَا بَكْر الحازميّ عَلَى
عَبْد الغنيّ بْن عَبْد الواحد المقدسيّ ويَقُولُ: هُوَ أحفظ منه. وما
رَأَيْت شابّا أحفظ منه.
سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن سَعِيد الحافظ يَقُولُ: ذكر لنا الحازميّ أنّ
مولده فِي سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
وتُوُفّي فِي ثامن وعشرين جُمادى الأولى.
قُلْتُ: عاش خمسا وثلاثين سنة [3] .
__________
[1] في القسم الضائع من (التاريخ المجدّد) .
[2] وفي تاريخ إربل: وصنّف كتاب «مشتبه النسب» وهو صغير، إلّا أنه عظيم
الفائدة وسمّاه «كتاب اصطلاح النّسّاب في علم الأنساب» . (1/ 122، 123)
وكتاب «الإعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأخبار» ، وهو كتاب حسن، وهو
تحفة السفينة في علم الحديث، وكتاب «الفيصل في مشتبه النسبة» . (1/
123) .
[3] وقال ابن الصلاح: كان معدودا في المتميّزين في زمانه في علم
الحديث، وله فيه تصانيف حملت عنه، وكان له عناية تامّة، وشرع في تخريج
أحاديث «المهذّب» فبلغ فيه إلى أثناء كتاب الصلاة، ورأيت ذلك القدر
منه، فوجدته قد أجاد فيه، وبلغني أنه تردّد إلى أصبهان بسببه، ومصداق
هذا موجود فيما جمعه منه.
وقال ابن المستوفي: الإمام العلّامة المصنّف الحافظ، ورد إربل وحدّث
بها، مشهور، وأخذ عنه المواصلة، وكان أديبا فاضلا زاهدا ... أقام
ببغداد في حداثته، وتفقّه على مذهب الشافعيّ، وصحب الصوفية، وسمع
الحديث ... وسافر الأرض طولها والعرض، وسمع الكثير وكتبه، وكان صالحا
ديّنا، وافر الأدب، كبير الشأن في معرفة الحديث وفنونه، توفي شابا لم
يبلغ الأربعين.
ونقلت من خط الإمام أبي الخير أحمد بن إسماعيل القزويني، في أول جزء
بخط الحافظ ذكر فيه شيوخ القزويني وإجازاته: «كتبها بخطّه الحافظ، فريد
عصره في علم الحديث،
(41/200)
147- محمد بن أبي المعالي بن قائد [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الأَوَانيّ، الصُّوفيّ، الصّالح.
دخل عليه رَجُل منَ الملاحدة فِي الخامس والعشرين من رمضان فوجده وحْده
فقتله وَهُوَ صَائِم، ودُفِن فِي رِباطه رحِمَه اللَّه بأَوَانَا.
حكى عَنْهُ شهاب الدّين عُمَر السَّهْرُوَرْديّ وغيره حكايات.
وقائد بالقاف. وأَوَانا قرية عَلَى مرحلة من بغداد ممّا يلي المَوْصِل.
قَالَ سِبط ابن الجوزيّ [2] : كَانَ صاحب كرامات وإشارات ورياضات،
وكلام عَلَى الخواطر. أُقعِد زمانا، وكان يُحمل فِي محفَّة إلى الجمعة.
وقدِم إلى أَوَانا واعظ فنال منَ الصّحابة، فجاءوا بِهِ فِي المحفّة،
فصاح عَلَى الواعظ، ثُمَّ قَالَ: انزلْ يا كلب.
وكان الواعظ من دُعاة سِنان رأس الإسماعيليَّة، وزَحَمَتْهُ العامَّة
فهرب إلى الشّام، وحدّث سِنانًا بما جرى عليه، فبعث له اثنين، فأقاما
في رباطه
__________
[ () ] زين الدين مُحَمَّد بْن مُوسَى بْن عُثْمَان بْن مُوسَى بن
عثمان الحازمي الهمدانيّ» .
وقال ابن النجار: وسمعت بعض الأئمة يذكر أن الحازمي كان يحفظ كتاب
«الإكمال» في المؤتلف والمختلف، ومشتبه النسبة، وكان يكرّر عليه، ووجدت
بخط الإمام أبي الخير القزويني وهو يسأل الحازمي: ماذا يقول سيّدنا
الإمام الحافظ في كذا وكذا؟ وقد أجاب أبو بكر الحازمي بأحسن جواب.
ثم قال ابن النجار: سمعت أبا القاسم المقري جارنا يقول، وكان صالحا:
كان الحازمي رحمه الله في رباط البديع، فكان يدخل بيته في كل ليلة
ويطالع، ويكتب إلى طلوع الفجر، فقال البديع للخادم: لا تدفع إليه
الليلة بزرا للسراج لعلّه يستريح الليلة، قال:
فلما جنّ الليل، اعتذر إليه الخادم لأجل انقطاع البزر، فدخل بيته، وصفّ
قدميه يصلّي ويتلو، إلى أن طلع الفجر، وكان الشيخ قد خرج ليعرف خبره،
فوجده في الصلاة. (سير أعلام النبلاء 21/ 169) .
[1] انظر عن (محمد بن أبي المعالي) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد
علي) ورقة 154، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 96 رقم 52، والمشتبه في
الرجال 1/ 413، وسير أعلام النبلاء 21/ 195 رقم 96، والوافي بالوفيات
4/ 352، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 63، وتوضيح المشتبه 1/ 279.
[2] سقط من المطبوع من (مرآة الزمان) بضع سنوات منها وفيات السنة التي
فيها قتل ابن أبي المعالي.
(41/201)
أشهُرًا يتعبّدان، ثُمَّ وثبا عليه فقتلاه،
وقتلا صاحبه عَبْد الحميد، وهربا مذعورَيْن، فدخلا البساتين، فرأيا
فلّاحا يسقي ومعه مرّ، فأنكرهما وحطّ بالمَرّ عَلَى الواحد فقتله، فحمل
عليه الآخر فاتّقاه بالمَرّ، فقتل الآخر. ثُمَّ سُقِط فِي يده وندم،
ورآهما بزِيّ الفقر. ووقع الصّائح بأَوَانا حَتَّى بَطَلَت يومئذٍ
الجمعة بها. وجاء الفلّاح للضّجَّة فسأل: مَن قُتِلَ الشَّيْخ؟ فوصفوا
لَهُ صفة الرَّجلين، فَقَالَ: تعالوا. فجاء معه فقراء فقالوا: هما
واللَّه. وقالوا لَهُ: أَعَلِمْتَ الغيب؟
قَالَ: لا واللَّه، بل ألهمت إلهاما. فأحرقوهما.
وقيل إنّ الشّيخ عبد الله الأرمويّ نزيل قاسيون حضر هذه الوقعة.
148- المبارك بن أبي غالب أحمد بن وفا بن منصور [1] .
الأزجيّ أبو الفضل الدّقّاق المعروف بابن الشّيرجيّ.
ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، وحدّث عَنْ: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن،
وأبي غالب بن البنّاء.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه تَعَالَى فِي شوّال.
149- الْمُبَارَك بْن أَبِي بَكْر عَبْد الله بْن مُحَمَّد بْن أَبِي
الحُسَيْن أحمد بْن محمد بن النَّقُّور [2] .
أَبُو الفَرَج الْبَغْدَادِيّ، المعدّل.
من بيت الرواية والمشيخة.
ولد سنة أربع عشرة وخمسمائة.
وسمع بإفادة أبيه، وبنفسه من: هبة اللَّه بن الحصين، وأحمد بن
__________
[1] انظر عن (المبارك بن أبي غالب) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 166،
167 رقم 1117، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 103 رقم 59.
[2] انظر عن (المبارك بن أبي بكر) في: مشيخة النعّال 87، 88، والكامل
في التاريخ 12/ 11، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 94، 95 رقم 49، وتاريخ
إربل 1/ 210، والمختصر المحتاج إليه 3/ 170 رقم 1132.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 172 ولم يترجم له.
(41/202)
الحسن بن البنّاء، وهبة اللَّه بْن أَحْمَد
الحريريّ، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبي مَنْصُور القزّاز، وطائفة.
وَهُوَ آخر أولاد ابن النّقُّور، ولم يخلِّف ذَكرًا [1] .
سَمِع منه: إِبْرَاهِيم بْن الشّعّار، وعليّ بْن أَحْمَد الزَّيْديّ،
وعمر بْن عَلِيّ، وآخرون.
تُوُفّي فِي شعبان.
150- مَسْعُود بْن قُراتِكين [2] .
أَبُو الفتح البدْريّ [3] ، الْجُنْديّ.
حدَّث عَنْ: أَبِي جَعْفَر بْن مُحَمَّد الْعَبَّاسيّ، وأبي الوقت،
وجماعة بنابلس.
وكان جنديّا فتزهّد وتعبّد.
151- مفرّج بْن سعادة.
أَبُو الفَرَج الإشبيليّ، المعروف بغلام أَبِي عَبْد اللَّه
البَرْزاليّ.
رَوَى عَنْ: ميمون بْن ياسين، وأبي القاسم الهَوْزَنيّ، ونعمان بْن
عَبْد اللَّه.
وأجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد بْن عَتّاب.
وكان محدّثا، حافظا، متقنا، نبيلا.
أَخَذَ عَنْهُ أَبُو جَعْفَر بْن أَبِي مَرْوَان، وأبو مُحَمَّد بْن
جَهْوَر، وأَبُو بكر بن عبيد.
وكان حيّا في هَذِهِ السَّنة.
152- المفضّل بْن عَلِيّ بْن مفرّج بْن حاتم بْن الْحَسَن [4] .
القاضي الأنجب أَبُو المكارم المقدسيّ الأصل، الإسكندرانيّ، المالكيّ.
__________
[1] وقال المنذري: حدّث هو، وأبوه، وجدّه، وجدّ أبيه. (التكملة 1/ 95)
.
[2] انظر عن (مسعود بن قراتكين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 97 رقم
53.
[3] قال المنذري: ويشبه أن يكون منسوبا إلى البدرية، محلّة مشهورة
ببغداد.
[4] انظر عن (المفضّل بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 92، 93 رقم
46.
(41/203)
ولد سنة ثلاث وخمسمائة، وحدّث عَنْ: عمّه
الْحُسَيْن بْن مفرّج المقدسيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابنه الحافظ أَبُو الْحَسَن، وغيره.
وتُوُفّي فِي رجب بالإسكندريّة.
153- ميمون بْن جُبَارة بْن خَلْفُون.
أَبُو تميم الفرداويّ.
دخل الأندلس ووُلّي قضاء بَلَنْسِية مدّة، ثُمَّ صُرِف. وولّي قضاء
بجاية.
وكان من كبار العلماء، معدودا فِي الرؤساء، كريم الأخلاق، عظيم
الحُرْمة، وبه انتفع أَهْل بَلَنْسِية واستقاموا وتفقّهوا.
استُقْدِمَ إلى مَرّاكُش لتولّي قضاة مُرْسِيَة بعد وفاة الْإِمَام
أَبِي القاسم بْن حُبَيْش، فتُوفّي فِي طريقه إليها بتِلمسان.
أَخَذَ عَنْهُ القاضي أَبُو عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحقّ، وغيره.
- حرف الهاء-
154- هارون بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد
[1] .
أَبُو جَعْفَر بْن المهتدي باللَّه، الخطيب الْعَبَّاسيّ.
من بيت خطابة ورئاسة. ولّي خاطبة جامع القصر زمانا، وسمع: أَبَا طَالِب
بن يوسف، وهبة الله بْن الحُصَيْن.
وشهد عِنْد قاضي القضاة أَبِي القاسم الزَّيْنبيّ.
وكان كثير الخشوع فِي صلاته، بليغ الموعظة.
تُوُفّي فِي صَفَر وله أربع وسبعون سنة.
__________
[1] انظر عن (هارون بن محمد) في: مشيخة النعال 84، 85، والتكملة لوفيات
النقلة 1/ 78 رقم 33، والمختصر المحتاج إليه 3/ 229 رقم 1304، والجامع
المختصر 9، 29، 56، 59، 189، 281.
(41/204)
- حرف الياء-
155- يَحْيَى بْن عِيسَى بْن أزهر.
أَبُو بَكْر الحَجْريّ، الشُّرَيْشِيّ، قاضي شُرَيْش.
أَخَذَ عَنْ: أَبِيهِ، وأبي القاسم بْن جهور.
وعلّم بالقرآن والعربيّة.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو الْعَبَّاس بْن سَلَمَةَ اللَّوْرَقيّ، وأَبُو
بَكْر الغزّال.
وأجاز لأبي عليّ الشّلُوبينيّ.
156- يَحْيَى بْن محمود بْن سعد [1] .
أَبُو الفَرَج الثَّقَفيّ، الصُّوفيّ، الأصبهاني.
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة، وسمع حضورا فِي الأولى من: أَبِي عليّ
الحدّاد، وحَمْزَة بْن الْعَبَّاس العَلَويّ، وأبي عدنان مُحَمَّد بْن
أَحْمَد بْن أَبِي نزار.
وسَمِع من: حَمْزَة بْن طباطبا العَلَويّ، وعبد الكريم بْن عَبْد
الرّزّاق الحَسْنَاباذيّ [2] ، والمحسن بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن
واقد، وجَعْفَر بْن عَبْد الواحد الثَّقَفيّ، والْحُسَيْن بْن عَبْد
الملك الأديب، وفاطمة بِنْت عَبْد اللَّه الْجُوزدانيَّة [3] ، وجَدّه
لأمّه إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الحافظ مؤلّف «التّرغيب والتّرهيب» .
وحدّث بأصبهان، ودمشق، وحلب، والمَوْصِل، وكان لَهُ نُسَخٌ بمسموعاته،
اقتناها لَهُ والده. ورحل فِي آخر عمره، ونشر حديثه.
رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ الموفَّق، وأَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن
حمُّوَية، والشّيخ أبو
__________
[1] انظر عن (يحيى بن محمود) في: التقييد لابن نقطة 487 رقم 663،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 107، 108، رقم 67، والعبر 4/ 254، ودول
الإسلام 2/ 97، والإعلام بوفيات الأعلام 241، وسير أعلام النبلاء 21/
134، 135 رقم 68، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1910، والنجوم
الزاهرة 6/ 109، وشذرات الذهب 4/ 282.
[2] سمع منه «صحيح البخاري» . (التقييد 487) .
[3] سمع منها «المعجم الكبير» للطبراني.
(41/205)
عُمَر، وابنه عَبْد اللَّه بْن أَبِي
عُمَر، ويوسف بْن خليل، ومُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، وبدل التّبريزيّ،
والخطيب عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ المَعَافِرِي، والرَّضِيّ
عَبْد الرَّحْمَن المقدسيّ، والقاضي زين الدّين عبد الله ابن الأستاذ،
ومُحَمَّد بْن طرخان الصّالحيّ، ونجم الدّين الْحَسَن بْن سلّام، وسالم
بْن عَبْد الرّزّاق خطيب عَقْرباء، وعقيل بْن نصر اللَّه بْن
الصُّوفيّ، وإِسْحَاق بْن الْحُسَيْن بْن صَصْرى، وخطيب مَرْدا،
والعماد عَبْد الحميد، ومُحَمَّد ابنا عَبْد الهادي، والضّياء صقر
الحلبيّ، وإِبْرَاهِيم بْن خليل، وخلْق كثير آخرهم الزَّين أَحْمَد بْن
عَبْد الدّائم.
تُوُفّي قريبا من هَمَذَان غريبا عَنْ سبعين سنة.
وقيل تُوُفّي فِي أواخر سنة ثلاثٍ وثمانين [1] .
157- يعقوب بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن يُونُس بْن طَلْحَةَ.
أَبُو يوسف الشُّقْريّ، نزيل شاطبة.
قرأ «الموطأ» عَلَى أَبِي بَكْر عتيق بْن أسد، وصحِب أبا إِسْحَاق بْن
خَفَاجة الشّاعر، وحمل عَنْهُ.
وكان فقيها مشاوَرًا، أديبا، بارعا، عالِمًا بالشُّروِط.
رَوَى عَنْهُ: طَلْحَةُ بْن يعقوب، وأَبُو القاسم بْن بَقِيّ، وأَبُو
القاسم البرّاق.
وعاش ثمانيا وسبعين سنة.
__________
[1] ورّخه فيها ابن نقطة في (التقييد 487) .
وله قصيدة مدح بها القاضي الفاضل، منها:
فما لي من مولى ومول وموئل ... ومال ومأمول سواكم وعاصم
وقال ابن السمعاني: قرأت عليه ثلاثة أجزاء، انتقاها له حموه الحافظ
إسماعيل، فيها عن ابن عمّ جدّه الرئيس الثقفي، وأبي نصر السمسار، وأبي
القاسم بن بيان الرزاز، وكان حريصا على طلب الحديث وجمعه، وحصّل الكتب
الكبار. (سير أعلام النبلاء 21/ 135) .
(41/206)
[مواليد السنة] وفيها وُلِد: حسن بْن المهر
الْبَغْدَادِيّ، وأَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن طُغان
الطّرائفيّ، والرّشيد العَطَّار الحافظ، ويوسف بن مكتوم.
(41/207)
سنة خمس وثمانين
وخمسمائة
- حرف الألف-
158- أَحْمَد بْن أَبِي مَنْصُور أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يَنَال [1]
.
أَبُو الْعَبَّاس التُّرك الأصبهانيّ، شيخ الصُّوفيَّة بأصبهان.
كَانَ أديبا متواضعا، عالي الرّواية. مُسْنِد أصبهان فِي عصره.
سَمِع: أبا مطيع محمد بن عبد الواحد المصري، وعبد الرَّحْمَن بْن حَمْد
الدُّونيّ، وتفرّد بالرّواية عَنْهُمَا.
وقدم بغداد فِي صِباه فسمع: أَبَا عليّ نبهان الكاتب، وأبا طاهر عَبْد
الرَّحْمَن بْن أَحْمَد اليُوسُفيّ.
وطال عمره: وخرَّج لَهُ الحافظ أَبُو مُوسَى المَدِينيّ.
وروى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن عساكر الحافظ، والحافظ عَبْد الغنيّ،
والحافظ أَبُو بَكْر الحازميّ، وأَبُو المجد القزْوينيّ، وخلْق كثير.
وبالإجازة: أَبُو المنجّا بْن اللّتّيّ، والرّشيد إِسْمَاعِيل
العراقيّ.
وتُوُفّي فِي شعبان بأصبهان عن نيّف وتسعين سنة [2] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن أبي منصور) في: المشتبه 2/ 672، والعبر 4/ 255،
ودول الإسلام 2/ 97، وسير أعلام النبلاء 21/ 124 رقم 62، والمعين في
طبقات المحدّثين 180 رقم 1912، والإعلام بوفيات الأعلام 241، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 148، 149 رقم 127 (في وفيات 586 هـ.) ، وتاريخ ابن
الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 160، والمختصر المحتاج إليه 1/ 172،
وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 78، والنجوم الزاهرة 6/ 110، وتلخيص مجمع
الآداب 4/ رقم 1922 و 5/ رقم 733، وشذرات الذهب 4/ 283.
[2] ورّخه المنذري في وفيات سنة 586 هـ.، ثم قال في آخر ترجمته: وقيل
كانت وفاته في
(41/208)
159- أَحْمَد بْن حَمْزَة بْن أبي الْحَسَن
عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن الموازينيّ [1] .
السُّلَميّ، الدّمشقيّ، أَبُو الْحُسَيْن بْن أَبِي طاهر، المعدَّل.
ولد في ربيع الأوّل سنة ستّ وخمسمائة.
وسَمِع من: جَدّه أبي الْحَسَن، وأُمّه شكر بِنْت سهل الإسْفَرَائينيّ.
ورحل إلى بغداد وَهُوَ كهْل فسمع: أَبَا الكَرَم الشّهْرَزُوريّ، وأبا
بَكْر بن الزَّاغُونيّ، ومُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الرُّطَبِيّ،
وسليمان بن مسعود الشّحّام، وسعيد بن البنّاء، وجماعة.
وَلَهُ إجازة من أبي عليّ الحدّاد، وغيره.
وكان محدّثا، خيّرا، صالحا، يحبّ العزلة والانقطاع.
رَوَى عَنْهُ: البَهَاء عَبْد الرَّحْمَن، والضياء مُحَمَّد، والزَّين
بْن عَبْد الدّائم، وجهمة بِنْت هبة اللَّه السُّلَميَّة، وعبد الحقّ
بْن خَلَف، وعليّ بْن حسّان الكُتُبيّ، ويوسف بْن خليل الحافظ،
ومُحَمَّد بْن سعد الكاتب، وأَبُو الفضل عَبَّاس بْن نصر اللَّه
القَيْسَرانيّ، والعماد عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن النّحّاس
الأصمّ، وخطيب مَرْدا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل، والعماد عَبْد الحميد
بْن عَبْد الهادي، وخلْق سواهم.
قرأتُ فِي حقّهِ بخطّ الضّياء: كَانَ خيِّرًا، ديِّنًا، كبيرا، سمعنا
عليه الكثير، وكان يسكن الجبل. وكان كُلّ ليلةٍ يأتي من منزله حَتَّى
نسمع عليه، وكان قَدِ انحنى. وسمعنا عليه أكثر «الحلية» بإجازته من
أَبِي عليّ الحدّاد.
وقرأتُ بخطّ ابن الحاجب أَنَّهُ سَمِع أيضا من نصر بْن نصر
العُكْبَرِيّ، وابن ناصر، وأبي الْعَبَّاس بْن الطّلايَّة، وأبي الفضل
الأُرْمَوِيّ، وهبة الله الحاسب، وأبي القاسم الكروخيّ.
__________
[ () ] يوم الأربعاء السابع من شعبان سنة خمس وثمانين وخمسمائة.
(التكملة 1/ 149) .
[1] انظر عن (أحمد بن حمزة) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921)
ورقة 183، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 110، 111 رقم 71، وتلخيص مجمع
الآداب 5/ رقم 738، وتكملة إكمال الإكمال 247، والمختصر المحتاج إليه
1/ 181، والعبر 4/ 255، 256، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1911،
وسير أعلام النبلاء 21/ 161، 162 رقم 80، والإعلام بوفيات الأعلام 241،
والنجوم الزاهرة 6/ 110، وشذرات الذهب 4/ 283، وديوان الإسلام 5/ 295
رقم 2067.
(41/209)
وبالموصل منَ: الْحُسَيْن بْن نصر بْن
خميس، وبنصيبين من عسكر بْن أسامة، وبدمشق أيضا من: حَمْزَة بْن كردوس،
ومُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الحوافر، وحَمْزَة بْن أسد
التَّمِيمِيّ.
ولم يزل مُؤْثِرًا للانقطاع عَنِ النّاس. أنفق مالا صالحا عَلَى زاويةٍ
انقطع إليها بالجبل. وكان مُقْبلًا عَلَى شأنه، مفيدا لمن قصده من
إخوانه، مواسيا، باذلا.
خرَّج لنفسه مشيخة، وخرّج فِي الرّقائق الفضائل، ورحل إلى العراق
مرَّتين.
وتُوُفّي فِي نصف المحرَّم.
قُلْتُ: كذا ورّخه الضّياء، والدُّبِيثيّ، والمُنْذريّ، وَغَيْرُهُمْ.
وقَالَ أَبُو المواهب بْن صَصْرى: تُوُفّي فِي نصف ذِي الحجَّة سنة
خمس، ولعلّه سَبْقُ قَلَمٍ.
160- أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مَنْصُور بْن
الفضل [1] .
الفقيه أبو الفضل بْن الشَّيْخ أبي القاسم ابن أَبِي عَبْد اللَّه
الْحَضْرَمِيّ الصَّقَلّيّ الأصل، ثمَّ الإسكندرانيّ، المالكيّ.
تفقَّه وأحكم المذهب.
وروى عَنْ: أبي عبد الله محمد بن أحمد الرازي، وَأَبِي الْوَلِيد
مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خيرة، ويوسف بْن مُحَمَّد الأُمَويّ.
وسمع فِي الكهولة بمصر من أَبِي مُحَمَّد بْن رِفاعة. وبمكَّة منَ
الحافظ أبي مُوسَى المَدِينيّ.
وحدّث ودرّس. وقَالَ: مولدي فِي المحرَّم سنة اثنتين وعشرين، فعلى
هَذَا يكون سماعه منَ الرَّازيّ حضورا.
وهو من بيت الرّواية والعلم.
حدَّث هُوَ وأخوه القاضي مُحَمَّد، وأبوهما، وجدّهما. وأبوهما آخر من
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الرحمن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 115
رقم 79، وسير أعلام النبلاء 21/ 217، 218 رقم 107.
(41/210)
حدَّث عَنِ الحبّال بالإجازة.
تُوُفّي أَحْمَد فِي سادس رجب، وَهُوَ أقدم شيخ لأبي طاهر بْن
الأنْماطيّ الحافظ. وروى عَنْهُ جماعة.
161- أَحْمَد بْن أَبِي نصر بْن نظام المُلْك.
الطُّوسيّ، ثمَّ الْبَغْدَادِيّ.
أحد الأكابر. كَانَ ذا فضل وأدب وحشمة وجلالة.
تُوُفّي ببغداد، وشيّعه الأعيان.
162- إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ.
أَبُو إِبْرَاهِيم العَبْدَريّ المَيُورقيّ، ويُعرف بابن عَائِشَة.
فقيه مالكيّ مشاور، قائم عَلَى «المدُّونة» ، بعيد الصِّيت.
تفقّه عليه غير واحد.
اشتغل عَلَى أَبِي إِسْحَاق بْن فتحون، وغيره.
وتُوُفّي فِي حدود هَذِهِ السّنة.
163- إِسْمَاعِيل بْن مَفْرُوح بْن عَبْد الملك بْن إِبْرَاهِيم [1] .
أَبُو العرب الكِنَانيّ السّبْتيّ، المغربيّ، ويُعرف بابن مَعِيشَة [2]
.
شابٌّ فاضل فِي عِلم الكلام والأدب. لَهُ شِعرٌ جيّد. قدِم العراقَ
وناظَر.
وأوّل طلوعه منَ البحر منَ اللّاذقيَّة. فدخل حلب ومدح الملك الظّاهر
صاحبَها، فخلَع عليه. واتّفق أَنَّهُ دخل الحمّام [3] ، فرأى رجلا
يخاصم النّاطور عَلَى عِمامةٍ لَهُ ضاعت، فَقَالَ: أَنَا أُقاسمك
بقياري [4] . ثمّ قطعه نصفين. وكان معروفا بالكرم.
__________
[1] انظر عن (إسماعيل بن مفروح) في: بغية الطلب (مخطوط) 4/ 368- 371
رقم 548، وبدائع البدائه 371 رقم 442.
[2] في بدائع البدائه: «معوشة» ، والمثبت كما في الأصل وبغية الطلب.
[3] هو حمّام النطاعين، كما يقول ابن العديم الحلبي.
[4] البقيار: عمامة توضع على الرأس.
(41/211)
وَفِي شِعره يبوسة وفصاحة. فَلَه فِي
الظّاهر:
جَنِّبِ السِّرْبَ وخَفْ مِن أنْ تُصَدّ ... أيُّها الآمِلُ جُهْدًا أن
يَصِدْ
واجتِنبْ رشْقَة ظبْيٍ إنْ رَنا ... أثبتَ الأسهُمَ فِي خِلْب الكبدْ
تُعِلِيُّ الطرفِ طائيّ الحَشَا ... مازِنيّ الفتْك صخْريّ الْجَلَدْ
أَهْيَفٌ لاعَبَهُ من شَعْره ... أرقَمٌ ماسَ عَلَى خوطهِ قدْ
فانْثنَتْ [1] غُصْنًا ومن أزهاره ... بدرُ تَمٍّ حلّ فِي بُرُج
الفَنَدْ
مَنَعتْهُ عَقْرَبا أَصْداغِه ... مِن جنا لَثْم ومن تجميش يدْ
وحسامٍ من لِحاظٍ خِلْتُهُ ... صارمَ الظّاهر يوم المطّرد
ملك قامت له هيبة [2] ... عوض الجيش وتكثير العدد
علّق الفَرْقَدُ فِي جَبْهَتِهِ ... والثُّرَيّا فِي عذارٍ فوق خد
وأرانا سَرْجُه شمس الضُّحَى ... فحسِبْنا أَنَّهُ بُرجُ الأَسَدْ
[3] ثُمَّ رجع أَبُو العرب هَذَا فِي هَذَا العام إلى مصر، فالتقى
الحكيم أَبَا مُوسَى اليهوديّ الَّذِي أُهدِر دمُه بالمغرب وهَرَب،
فاصطنعه أَبُو العرب، فنُمِي الخبر إلى صاحب المغرب، فطلب أَبَا العرب
أيضا، فهرب وطلع منَ اللّاذقيَّة ثانيا، وأراد أن يتكلَّم فِي اليهوديّ
بمصر، فبذل لرجلٍ ذَهَبًا حَتَّى يقتل أبا العرب، فأتاه وَهُوَ عَلَى
شاطئ النّيل، فضربه بخشبةٍ، فسقط فِي النّيل [4] .
__________
[1] في الأصل: «فانثنا» ، والمثبت من الهامش حيث كتب: «فانثنت، يعني
الخوطة. وكذا في: بغية الطلب 4/ 370.
[2] في بغية الطلب: «هيبته» .
[3] الأبيات في (بغية الطلب) وفيه زيادة.
[4] قال الخطيب أبو عبد الرحمن بن هاشم: وقيل إنما فعل به أبو موسى
اليهوديّ هذا لأنّ أبا العرب كان عرف من حاله أنه أسلم في بلاد الغرب
وحفظ القرآن، فشهد عليه بذلك وأراد إقامة البيّنة عليه ففعل به ذلك.
وقال ابن العديم: كتب إلينا الحافظ أبو عبد الله الدبيثي الواسطي قال:
إِسْمَاعِيل بْن مَفْرُوح بْن عَبْد الملك بْن إبراهيم الكناني أبو
العرب الباديسي المغربي، منسوب إلى بلدة بالمغرب تسمّى باديس، شاب فاضل
كاتب، له معرفة حسنة بعلم الكلام والأدب، وله شعر جيد. قدم بغداد وأقام
بها وتكلّم مع جماعة من أهلها في علم الكلام، وجالس
(41/212)
- حرف التاء-
164- تميم بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي نصْر [1] .
أَبُو نصْر الْبَغْدَادِيّ، البزّاز ويُعرف بابن القَرَاح.
رَوَى عَنْ: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وغيره.
والقَراح بالتّخفيف.
- حرف الحاء-
165- حزب اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ.
أَبُو مَرْوَان الْأَزْدِيّ، البَلَنْسيّ.
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِي عبد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق.
وكان يحَفظ «الكامل» للمبرّد، و «النّوادر» للقالي.
166- الحسن بن أحمد بن يحيى.
أبو عليّ الأنصاريّ، القرطبيّ، نزيل مالقة. والد الحافظ أبي محمد.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن سعد بْن خَلَف، وأبي القاسم بْن
رضا.
وسمع منهما، ومن: أَبِي إِسْحَاق بْن قرقول.
وكان ذا فنون، وَلَهُ يد طُولَى فِي الفرائض.
أَخَذَ عَنْهُ: ابنه، وأبو الرَّبِيع بْن سالم، وعبد الحقّ بن بونة.
__________
[ () ] العلماء وناظر وانحدر منها إلى واسط، ولقيته بها وسمعت منه
قصائد من شعره وأناشيد لغيره، وصار منها إلى البصرة، وتستر، وعاد إلى
بغداد، ثم توجّه إلى بلده فأدركه أجله قبل وصوله إليه، ويقال: قتل في
طريقه، والله أعلم. كذا (في الأصل «كذي» ) قال ابن الدبيثي منسوب إلى
بلدة بالمغرب تسمّى باديس، وهو وهم فاحش، وباديس ابن رجل ينتسب إليه
جماعة من الملثّمة، وفيهم ملوك منهم تميم بن باديس، وهذا سبتيّ. وباديس
التي هي المدينة ليس هذا منها، والله أعلم. (بغية الطلب 4/ 371) .
[1] انظر عن (تميم بن الحسين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 112، 113
رقم 74، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 279، والعقد المذهب لابن
الملقّن (مخطوط) ورقة 255.
(41/213)
وتُوُفّي فِي رمضان فِي عَشْر السّبعين.
167- الْحَسَن بن محمد بن الحسن.
أبو علي بن الرَهَبيل الْأَنْصَارِيّ، البَلَنْسيّ.
سَمِع من: أَبِي الْحَسَن بْن النّعمة كثيرا، وأخذ عَنْهُ القراءات
وحجّ فسمع من السّلفيّ، و «الصّحيح» للْبُخَارِيّ، من عَلِيّ بْن
عمّار.
ورجع فلزِم الزُّهْد والتَّبَتُّل.
سمعوا منه بالإسكندريّة «التّيسير» بروايته عَنِ ابن هُذَيْل.
مات فِي شعبان كهلا.
168- الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن رواحة [1] .
أَبُو عليّ الْأَنْصَارِيّ، الحمويّ. الفقيه الشّافعيّ، الشّاعر ابن
خطيب حماه.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة [2] .
وسمع دمشق من: أبي المظفَّر الفَلَكيّ، وأبي الْحَسَن عَلِيّ بْن
سُلَيْمَان المُرَاديّ، والصّائن هبة اللَّه، وجماعة.
ووقع فِي أسْر الفِرَنج، فبقي عندهم مدّة، ووُلد لَهُ بجزائر البحر عزّ
الدّين عَبْد اللَّه [3] . ثُمَّ قدِم بِهِ إلى الإسكندريّة، وسمّعه
الكثير منَ السِّلَفيّ.
وسبب أسْرهِ أَنَّهُ سافر فِي البحر إلى المغرب فأُسِر، ثُمَّ خلّصه
اللَّه سُبْحَانَهُ. وَلَهُ شِعْرٌ رائق، وحصلت لَهُ الشّهادة على
عكّا.
__________
[1] انظر عن (الحسين بن عبد الله بن رواحة) في: خريدة القصر (قسم شعراء
الشام) 1/ 481، 496 ومعجم الأدباء 10/ 46، والتكملة لوفيات النقلة 1/
116 رقم 80. ومفرّج الكروب 2/ 300- 302، وتاريخ إربل 1/ 412- 414 و 416
(في ترجمة ابنه عبد الله) ، وفوات الوفيات 1/ 376، 37 رقم 136،
والمقفّى للمقريزي 3/ 517- 520 رقم 1242، والوافي بالوفيات 12/ 413 رقم
370، والمغرب 160، والعقد المذهب (مخطوط) ورقة 158، وعقود الجمان
للزركشي (مخطوط) ورقة 107، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 305.
[2] هكذا ورّخه ابنه. (تاريخ إربل 1/ 414) .
[3] ولد بساحل البحر بصقلية سنة 560 هـ. (تاريخ إربل 1/ 412) .
(41/214)
قَالَ الحافظ المُنْذريّ [1] : أنشدنا
عَنْهُ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن إِسْمَاعِيل الكِنْديّ بمصر،
ومُحَمَّد بْن المفضّل البَهْرَانيّ بمَنْبِج.
قَالَ القاضي ابن واصل [2] فِي مصرعه: نقلت من خطَّة نَسَبَه هكذا:
الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن رَوَاحة بْن
إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن رواحة بن عُبَيْدُ [اللَّهِ] بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رواحة الخَزْرجيّ الحمويّ [3] .
- حرف الخاء-
169- خاصّة بِنْت أَبِي المعمّر الْمُبَارَك بْن أَحْمَد بْن عَبْد
الْعَزِيز الْأَنْصَارِيّ [4] .
الواعظة صاحبة الشَّيْخ أَبِي النّجيب السَّهْرُوَرْديّ.
كَانَتْ تعِظ برباطها عَلَى النّساء، وَقَدْ حدّثت.
__________
[1] في التكملة 1/ 116.
[2] في مفرّج الكروب 2/ 300.
[3] تاريخ إربل 1/ 412.
ومن شعره وقد مرّ بعسقلان، وزار قبور الشهداء حين توجّه إلى مصر:
مررت بعسقلان وقد رمتها ... يد الحدثان بالسّهم المصيب
فأبكتني على الإسلام دينا ... خلاف بكا المحبّ على الحبيب
وكم في التّرب فيها من شهيد ... وكم في الأسر فيها من غريب
ومنه:
يا قلب دع عنك الهوى قسرا ... ما أنت منه حامدا أمرا
أضعت دنياي بهجرانه ... إن نلت وصلا ضاعت الأخرى
ومنه:
لاموا عليك وما دروا ... أنّ الهوى سبب السعادة
إن كان وصلا فالمنى ... أو كان هجرا فالشهادة
ومنه:
إن كان يحلو لديك قتلي ... فزد من الهجر في عذابي
عسى يطيل الوقوف بيني ... وبينك الله في الحساب
[4] انظر عن (خاصّة) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 120 رقم 85.
(41/215)
- حرف الراء-
170- الرشيد بْن البُوسَنْجيّ.
نشأ ببغداد، وكان من ملاحها، فحصَّل الأدب وقَالَ الشِّعر. ثُمَّ
تحوَّل إلى الشّام، واتّصل بخدمة السّلطان صلاح الدّين، وعلا شأنه
حَتَّى بعثه السّلطان رسولا إلى الخليفة فعزّ عليهم ذَلِكَ وقالوا: مَن
هُوَ ابن البُوسَنْجيّ حَتَّى يُبعث إلى الدّيوان رسولا؟ وحصَل فِي
هَذَا إنكار.
ثُمَّ إنَّه استُشْهد عَلَى عكّا بسهم، وضُرِب لَهُ فِي الجهاد بسهم.
ومن شِعره:
قفوا واسألوا عَنْ حال قلبي وضعْفهِ ... فقد زاده الشوق الأسى فوق
ضِعْفِهِ
وقولوا لمن أرجو الشفاء بوصلهِ ... مريضك قَدْ أشفى عَلَى الموت
فاشفِهِ
أخو سقمٍ أخفاه إخفاؤه الهوى ... نحولا ومن يُخْفِ المحبَّة تُخْفِهِ
وما شغفي بالدار إلا لأهلها ... وما جزعي بالجزع إلا لخشْفِهِ
- حرف السين-
171- سَعِيد بْن يَحْيَى بْن عَلِيّ بْن حَجّاج [1] .
أَبُو المعالي الدُّبِيثيّ.
والد الحافظ أَبِي عَبْد اللَّه مِن قرية دُبيْثا.
قدِم جَدّه عليّ منها إلى واسط فسكنها.
سَمِع سَعِيد من: سعد الخيْر الْأَنْصَارِيّ.
وأجاز لَهُ أَبُو عليّ الفارقيّ الفقيه.
كتب عَنْهُ ابنُه، وقَالَ: توفّي يوم الأضحى.
وولد في سنة 527.
__________
[1] انظر عن (سعيد بن يحيى) في: تلخيص مجمع الآداب ج 5/ رقم 261،
والمختصر المحتاج إليه 2/ 90 رقم 695، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 124،
125 رقم 93.
(41/216)
- حرف العين-
172- عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه.
التُّجَيْبيّ، القُرْطُبيّ، أَبُو مُحَمَّد الزَّاهد المعروف
بالأندوجريّ.
كَانَ صالحا، عابدا، قانتا، مُجاب الدَّعوة، لَهُ ذِكْرٌ.
173- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الخلَّال.
أَبُو الفرج الأبياريّ، الْبَغْدَادِيّ.
من رؤساء العراق. وُلّي صدريَّة ديوان الزّمام مدَّةً، ثُمَّ عُزِل.
174- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن المطهّر بْن عَلِيّ
بْن أبي عصرون بن أبي السّريّ [1] .
__________
[1] انظر عن (ابن أبي عصرون) في: الكامل في التاريخ 12/ 42، وخريدة
القصر (قسم العراق) 1/ 12، و (قسم شعراء الشام) 2/ 351- 357، والفتح
القسّي 355، وطبقات الشافعية لابن الصلاح 1/ 512- 516 رقم 187،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 200- 205 رقم 82، والروضتين 2/ 673، ووفيات
الأعيان 3/ 53- 57 رقم 335، ورحلة ابن جبير 4، والدرّ المطلوب 109
(وفيه توفي 587 هـ.) ، وديوان ابن الدهان 107، 108، وتاريخ ابن الدبيثي
(مخطوطة باريس 5922) ورقة 102، و (المطبوع) 15/ 221، وطبقات الشافعية
للنواوي (مخطوط) ورقة 59، والمختصر المحتاج إليه 2/ 158- 160 رقم 795،
والعبر 4/ 256، والإعلام بوفيات الأعلام 241، ودول الإسلام 2/ 97، وسير
أعلام النبلاء 21/ 125- 129 رقم 63، والمعين في طبقات المحدّثين 180
رقم 1913، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 149، 150 رقم 104، وطبقات
الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 227 (7/ 132- 137 رقم 834) ، وطبقات
الشافعية للإسنويّ 2/ 193- 196 رقم 810، والبداية والنهاية 12/ 333،
ومرآة الجنان 3/ 430، ونكت الهميان 185، وفيه «عضرون» وهو تحريف 186،
والوافي بالوفيات 17/ 578- 574 رقم 479، وطبقات الشافعية لابن كثير
(مخطوط) ورقة 140 ب، 141 أ، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة
70، وذيل التقييد للفاسي 2/ 65 رقم 1162، وغاية النهاية 1/ 455 رقم
1899، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 361- 363 رقم 328، والإعلام،
له (مخطوط) ورقة 211، والعسجد المسبوك 207، 208، والسلوك للمقريزي ج 1
ق 1/ 103، والنجوم الزاهرة 6/ 109، وتاريخ الخلفاء 457، وشذرات الذهب
4/ 283، 284، والدارس 1/ 303- 305، والقضاة الشافعية للنعيمي 49- 51
رقم 83، وكشف الظنون 67، 174، 493، 520، 883، 1455، 1573، 1654، 1913،
1990، وإيضاح المكنون 1/ 543، وهدية العارفين 1/ 547، 548، وطبقات
الشافعية لابن هداية
(41/217)
قاضي القضاة شرف الدّين أَبُو سعد
التَّمِيمِيّ، الحَدِيثيّ، ثُمَّ الْمَوْصِلِيّ، أحد الأعلام.
تفقَّه أولا عَلَى: القاضي المُرتَضَى الشّهْرَزُوريّ، وأبي عَبْد
اللَّه بْن خميس الْمَوْصِلِيّ.
وكان مولده سنة 492، وتلقّن عَلَى المُسلّم السُّرُوجيّ.
وقرأ بالسَّبْع ببغداد عَلَى: أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن
مُحَمَّد البارع، وبالعَشْر عَلَى: أَبِي بَكْر المَزْرَفيّ، ودَعْوان،
وسِبْط الخيّاط.
وتوجَّه إلى واسط فتفقّه بها عَلَى القاضي أَبِي عليّ الفارقيّ، وبَرَع
عنده.
وعلّق ببغداد عن: أَبِي سعد المِيهنيّ. وأخذ الأصول عَنْ أبي الفتح
أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن بَرهان.
وسمع من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي البركات بن البخاريّ،
وإسماعيل بن أبي صالح المؤذّن.
درس النّحو على: أبي الحسن بن دبيس، وأبي دلف.
وسمع قديما في سنة ثمان وخمسمائة من أَبِي الْحَسَن بْن طوق.
ورجع إلى وطنه بعِلمٍ كثير، فدرس بالموصل فِي سنة ثلاث وعشرين
وخمسمائة. ثُمَّ أقام بسِنْجار مدَّةً.
ووصل حلب فِي سنة خمسٍ وأربعين، ودرَّس بها، وأقبل عليه صاحبها
السّلطان نور الدّين. فَلَمَّا أَخَذَ دمشق سنة تسعٍ وأربعين قدِم معه،
ودرّس بالغَزّاليَّة، ووُلّي نظر الأوقاف. ثُمَّ ارتحل إلى حلب.
__________
[ () ] الله 212، 213، وديوان الإسلام 3/ 367، 368 رقم 1546، والإشارات
إلى أماكن الزيارات لابن الحوراني 32، وفهرس المخطوطات المصورة 1/ 287،
288، والأعلام 4/ 268، ومعجم المؤلفين 2/ 106.
وقد وقع في (ديوان الإسلام 3/ 367، 368) بين مصادر صاحب الترجمة في
الحاشية:
تاريخ بغداد 5/ 14 والمنتظم 6/ 336، وهذا وهم واضح، لعلّه إقحام من
الطباعة، فليحرّر.
(41/218)
ثُمَّ وُلّي قضاء سِنْجار، وحرّان، وديار
ربيعة، وتفقّه عليه جماعة، ثُمَّ عاد إلى دمشق فِي سنة سبعين، فوُلّي
بها القضاء سنة ثلاثٍ وسبعين.
وصنّف التّصانيف، وانتفع بِهِ خلْق، وانتهت إِلَيْهِ رئاسة المذهب.
ومن تلامذته الشّيخ فخر الدّين أبو منصور بن عساكر.
ومن تصانيفه: «صفوة المذهب فِي نهاية المطْلب» [1] فِي سبْع مجلّدات،
وكتاب «الإنتصار» فِي أربع مجلّدات، وكتاب «المرشد» فِي مجلَّدين،
وكتاب «الذَّريعة فِي معرفة الشّريعة» ، وكتاب «التَّيْسير فِي الخلاف»
أربعة أجزاء، وكتاب «ما أَخَذَ النّظر» ، ومختصر [2] فِي الفرائض،
وكتاب «الإرشاد فِي نُصْرة المذهب» ولم يُكمله، وذهبَ فيما نُهِبَ لَهُ
بحلب.
وبنى لَهُ نور الدّين المدارس بحلب، وحماة، وحمص، وبِعْلَبَكّ. وبنى
هُوَ لنفسه مدرسة بحلب، وأخرى بدمشق.
وَلَهُ أيضا كتاب «التّنبيه فِي معرفة الأحكام» وكتاب «فوائد المهذّب»
فِي مجلّدين، وغير ذَلِكَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرى، وأَبُو نصر بْن الشّيرازيّ،
وأَبُو مُحَمَّد بْن قُدامة، وعبد اللّطيف بْن سيما، والتّاج بْن أَبِي
جَعْفَر، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْدان، وعليّ بْن قرقين، وصدّيق بْن
رمضان، وخلْق آخرهم موتا العماد أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن
النّحّاس.
وأضرَّ فِي آخر عمره وَهُوَ قاض، فصنَّف جزءا فِي «جواز قضاء الأعمى» ،
وَهُوَ خلاف مذهبه. وَفِي المسألة وَجْهان، والجواز أقوى، لأنّ الأعمى
أجود حالا منَ الأصمّ والأعجميّ الَّذِي يتعرَّف الأمور بترجمان.
وَقَدْ كَانَ وُلّي القضاء قبل شرف الدّين القاضي ضياء الدّين ابن
__________
[1] في طبقات ابن الصلاح 1/ 513: «صفوة المذهب في تهذيب نهاية المطلب»
في نحو ثماني مجلّدات، وقفت على شيء منه، فوجدته قد استدرك على الإمام
أشياء لم أرتض ما وقع له فيها.
[2] في الأصل: «ومختصرا» .
(41/219)
الشّهْرَزُوريّ، بحكم العهد إِلَيْهِ من
عمّه القاضي كمال الدّين قاضي الشّام، فلم يعزله السّلطان صلاح الدّين،
وآثر أن يكون الحكم لابن أبي عصرون، فاستشعر ذَلِكَ ضياء الدّين،
فاستعفى فأُعفي، وبقي عَلَى وكالة بيت المال.
ووُلّي القضاء ابن أَبِي عَصْرون، وناب فِي القضاء الأوْحد دَاوُد،
والقاضي محيي الدّين مُحَمَّد بْن الزَّكيّ، وكُتِب لهما توقيع
سلطانيّ، فكانا فِي حكم المستقلّين، وإنْ كَانَ فِي الظّاهر نائبين،
وذلك فِي سنة اثنتين وسبعين. فَلَمَّا عاد السّلطان من مصر سنة سبْعٍ
وسبعين تكلّم النّاس فِي ذهاب بصر ابن عَصْرون، ولم يذهب بالكلّية أَوْ
ذهب، فولّي السّلطان القضاءَ لولده القاضي محيي الدّين من غير عزْلٍ
للوالد. واستمرّ هَذَا إلى سنة سبْعٍ وثمانين، فَصُرِف عَنِ القضاء،
واستقلّ قاضي القضاة محيي الدين بْن الزَّكيّ.
ويُقَالُ إنّ هَذَا لَهُ:
أؤمّل أن أحيا وَفِي كُلّ ساعةٍ ... تمرُّ بي الموتى تهزّ نعوشها
وما أَنَا إلّا مثلهم غير أنّ لي ... بقايا ليالٍ فِي الزّمان أعيشها
وتوفّي إلى رضوان الله في حادي عشر رمضان. ودفن بمدرسته بدمشق.
وقد سُئل عَنْهُ الشَّيْخ الموفّق فَقَالَ: كَانَ إمام أصحاب الشّافعيّ
فِي عصره، وكان يذكر الدّرس فِي زاوية الدَّوْلَعيّ، ويصلّي صلاة
حَسَنَة ويُتِمّ الرُّكوع والسّجود. ثُمَّ تولّى القضاء فِي آخر عمره
وعَمِي. وسمعنا درسه مَعَ أَخِي أَبِي عُمَر، وانقطعنا عَنْهُ، فسمعت
أَخِي رحِمَه اللَّه يَقُولُ: دخلتُ عليه بعد انقطاعنا فَقَالَ: لِمَ
انقطعتم عنّي؟ فقلت: إنّ ناسا يقولون إنّك أشْعرِيّ. فَقَالَ:
واللَّه ما أَنَا بأشْعرِيّ. هَذَا معنى الحكاة.
ومن شِعر القاضي شرف الدين:
كُلّ جَمْع فِي الشّتات يصيرُ ... أيُّ صَفْوٍ ما شانه تكديرُ
أَنْت فِي اللَّهْو والأماني مقيمٌ ... والمنايا فِي كُلّ وقتٍ تسيرُ
والَّذِي غرّه بلوغُ الأماني ... بسَراب وخُلَّبٍ مغرورُ
ويكِ يا نفسُ أخْلصي إنَّ ربّي ... بالَّذِي أَخْفَتِ الصُّدورُ بصيرُ
(41/220)
175- عَبْد اللَّه بْن أَبِي الفتوح بْن
عِمْرَانَ [1] .
الْإِمَام أَبُو حامد القزْوينيّ الشّافعيّ.
رحل إلى نَيْسابور، وتفقّه عَلَى الإمام مُحَمَّد بْن يَحْيَى.
وتفقّه ببغداد عَلَى: أَبِي المحاسن يوسف بْن بُنْدار الدّمشقيّ.
وسمع من: أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر الحافظ، وجماعة.
وحدَّث بقَزْوين [2] .
176- عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عامر أَحْمَد بْن عَبْد الرحمن بْن
ربيع [3] .
الْأَشْعَرِيِّ، القُرْطُبيّ، أَبُو الْحُسَيْن.
سَمِع: أَبَاه، وأبا بَكْر بْن العربيّ، وأبا جَعْفَر البطروجيّ،
وعبّاد بن سرحان، وأبا مَرْوَان بْن مَسَرَّة، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الرَّبِيع بْن سالم الحافظ، وغيره.
وَلَهُ جزء مفيد خرّجه عَنْ «مشيخته» . وُلّي قضاء أسْتَجة، وكان ذا
عناية بالحديث، وعاش ستّا وستّين سنة، لأنّه وُلِد سنة تسع عشرة
وخمسمائة.
وروى عَنْهُ أيضا بنوه الرَّبِيع، ويَحْيَى، وأَحْمَد، وأَبُو يَحْيَى
بْن الفَرَس.
177- عَبْد الرَّحْمَن بْن قاضي القضاة عَبْد الملك بْن عِيسَى بْن
درباس [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن أبي الفتوح) في: التدوين في أخبار قزوين 3/
233، 234، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 124 رقم 92، وتاريخ ابن الدبيثي
(مخطوطة باريس 5922) ورقة 112، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 242
(7/ 142) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 321، وطبقات الشافعية لابن
كثير (مخطوطة) ورقة 141 أ، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة
70.
[2] وقال الرافعي القزويني: أبو حامد بن الأئمة المذكورين من أقرانه،
وكان من شركاء والدي رحمه الله ببغداد، وبنيسابور، تفقّه عليه جماعة في
أول عوده من خراسان، وفي آخر أمره وعمره حين تولّى التدريس في مدرسة
القاضي عمر بن عبد الحميد الماكي، وسمع الكثير بقزوين، وبغداد،
وبنيسابور، وغيرهما، وقرأت عليه «جامع» أبي عيسى الترمذي بتمامه.
(التدوين) .
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن أبي عامر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/
126، 127 رقم 97، وفهرس الفهارس للكتاني 1/ 100، ومعجم المؤلّفين 5/
117.
[4] انظر عن (عبد الرحمن بن عبد الملك) في: التكملة لوفيات النقلة 1/
119 رقم 83.
(41/221)
أَبُو طَالِب المارانيّ.
تُوُفّي فِي حياة والده.
وكان قد ناب عَنْ أَبِيهِ فِي القضاء.
178- عَبْد الرّزّاق بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الجوزيّ
[1] .
أَبُو البقاء الْبَغْدَادِيّ، الصّفّار، أخو العلّامة أَبِي الفَرَج
[2] .
تُوُفّي فِي المحرَّم.
يُقَالُ إنَّه رَوَى شيئا منَ الْحَدِيث. وكان مزوِّقًا دهّانا. سمّعه
أخوه من:
هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن
المّاوَرْدِيّ.
رَوَى عَنْهُ: ابن أَخِيهِ أَبُو القاسم عليّ، وأبو الْحَسَن بْن
القَطِيعيّ.
ومولده كَانَ فِي صَفَر سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
سقط منَ الصّقالة. فَزَمِنَ مدّة.
179- عَبْد السّلام بْن عَبْد السّميع بْن مُحَمَّد [3] .
أَبُو جَعْفَر الهاشميّ البوّاب.
سَمِع من: زاهر، وأبي الحُصَيْن.
وعنه: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخبّاز.
مات فِي ربيع الأوّل.
180- عَبْد المجيد بْن الحُصَيْن بْن يوسف بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد
بْن دليل [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الرزاق بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 61 رقم
852، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 158، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 110 رقم 70.
[2] كتب على هامش الأصل بجانبه: «عبد الرحمن» .
[3] انظر عن (عبد السلام بن عبد السميع) في: المختصر المحتاج إليه 3/
43 رقم 814 وفيه وفاته سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.
[4] انظر عن (عبد المجيد بن الحصين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 12
رقم 86، والنجوم الزاهرة 6/ 110 وفيه ضبط «دليل» ب «دليل» بفتح الدال
المهملة بدل ضمّها، والصحيح هو المثبت كما في الأصل.
وقد ذكر المؤلّف- رحمه الله- صاحب الترجمة في سير أعلام النبلاء 21/
125 رقم 86
(41/222)
أَبُو المفضّل الكِنْديّ، الإسكندرانيّ،
المعدَّل.
سَمِع منَ: الْإِمَام أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن الْوَلِيد
الطُّرْطُوشيّ، وروى عَنْهُ «سُنَن أَبِي دَاوُد» .
وحدّث عَنْهُ: أَبُو البقاء صالح بْن بدر الشّافعيّ، والحسن بْن ناصر
المهدويّ، وعليّ بْن مُحَمَّد بْن منتصر، وآخرون.
وتُوُفّي فِي تاسع شوّال وَلَهُ اثنتان وتسعون سنة.
181- عُبَيْد اللَّه بْن هبة اللَّه [1] .
أَبُو الوفاء القزْوينيّ، ثُمَّ الأصبهانيّ، الواعظ الحنفيّ، يُعرف
بابن شِفروه [2] .
أخو رزق اللَّه.
لَهُ النّظْم والنَّثْر، وكان فصيحا بليغا، عقد ببغداد مجلس الوعظ لمّا
حجّ.
وتُوُفّي كهلا [3] .
__________
[ () ] دون أن يترجم له.
[1] انظر عن (عبيد الله بن هبة الله) في: الجواهر المضيّة 2/ 507، 508
رقم 909، والطبقات السنية، رقم 1393.
ولم يذكره الرافعي القزويني في «التدوين في أخبار قزوين» مع أنه من
شرطه.
[2] هكذا في الأصل بالفاء، ومثله في الجواهر المضيّة.
[3] وقال ابن النجار: كان من أعيان أهل بلده فضلا وعلما وأدبا، وكان
يعظ على الكرسي بكلام مليح، وله النظم والنثر الحسن، وكان فصيحا،
بليغا، ظريفا، لطيفا. ذكر لي ولده أبو عبد الله الحسين أنه دخل حاجّا
عدّة مرار، وأنه أقام ببغداد سنة، وعقد بها مجلس الوعظ بالمدرسة
التاجية.
قال ابن النجار: أنشدني أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن هبة الله
القزويني بأصبهان، أنشدني والدي، ببغداد على المنبر في المدرسة
التاجية، مرتجلا لنفسه، وقد دنت الشمس للغروب، وكان ساعتئذ شرع في
مناقب عليّ رضي الله عنه:
لا تعجلي يا شمس حتى ينتهي ... مدحي لفضل المرتضى ولنبله
يثني عنانك إن غربت ثناؤه ... أنسيت يومك إذ رددت لأجله
إن كان للمولى وقوفك فليكن ... هذا الوقوف لخيله ولرجله
(41/223)
182- عَلِيّ بْن سلمان بْن سالم [1] .
أَبُو الْحَسَن الكعكيّ.
سَمِع الكثير من: أَبِي الفتح بْن شاتيل، وطبقته.
وكتب بخطّه، وعُني بالسّماع.
ومات شابّا، رحِمَه اللَّه.
183- عَلِيّ بْن عُثْمَان بْن يوسف بْن إِبْرَاهِيم بْن يوسف [2] .
القاضي السّعيد، أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، الشّافعيّ
الْمَصْرِيّ.
وُلِد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وحدَّث عَنْ: عَبْد العزيز بْن عُثْمَان التُّونسيّ، وأَحْمَد بْن
الحُطَيْئة، وإِسْمَاعِيل بْن الْحَارِث القاضي.
قَالَ أَبُو محمد المُنْذريّ [3] : حدّثونا عَنْهُ، وكان عارفا بكتابة
الخراج، صنّف فِي ذَلِكَ كتابا. وتقلَّب فِي الخِدَم وتقدَّم فيها.
184- عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى [4] .
الأمير العالِم، الفقيه، أَبُو مُحَمَّد الهَكّاريّ، الشّافعيّ، ضياء
الدّين.
أحد أمراء الدّولة الصّلاحيّة، بل واحدهم وكبيرهم.
__________
[1] انظر عن (علي بن سلمان) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 115 رقم 78.
[2] انظر عن (علي بن عثمان) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 112 رقم 73،
وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 279، والعقد المذهب لابن الملقّن
(مخطوط) ورقة 255.
وقد ترجم ابن المستوفي لابنه «حمزة» المتوفى سنة 616 هـ. في تاريخ إربل
1/ 293- 295 رقم 192.
[3] في التكملة 1/ 112.
[4] انظر عن (عيسى بن محمد) في: الكامل في التاريخ 12/ 42، والفتح
القسّي 174، والروضتين 2/ 150، والتاريخ المظفّري لابن أبي الدم الحموي
(مخطوط) ورقة 222، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 123 رقم 90، ووفيات
الأعيان 3/ 165 رقم 489، والمختصر في أخبار البشر 3/ 81، وطبقات
الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 289، والمغرب في حلى المغرب 192، والبداية
والنهاية 12/ 334، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 159،
والعسجد المسبوك 2/ 208، والسلوك ج 1 ق 1/ 94، 103، والنجوم الزاهرة 6/
109، 110، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 78.
(41/224)
كَانَ فِي مبدإ أمره يشتغل، فتفقّه
بالجزيرة عَلَى الْإِمَام أَبِي القاسم عُمَر بْن البِزْريّ شيخ
الشّافعيّة، واشتغل بحلب بالمدرسة الزّجاجيّة، ثُمَّ اتّصل بخدمة الملك
أسد الدين شِيرَكُوه، وصار إمامه فِي الصَّلَوات، وتوجَّه معه إلى مصر.
وكان هُوَ أحد الأسباب المُعِينة عَلَى سلطنة صلاح الدّين بعد عمّه
مَعَ الأمير الطُّواشيّ بهاء الدّين قراقوش، فرُعيت لَهُ خِدَمُه
وقِدَمهُ.
وكان ذا شجاعة وشهامة فأمَّره أسد الدّين.
وَقَدْ سَمِع منَ: الحافظ أَبِي طاهر السِّلَفيّ، والحافظ ابن عساكر.
وحدَّث بقَيْسَارِيَّة، فسمع منه: القاضي مُحَمَّد بْن عَلِيّ
الْأَنْصَارِيّ، وغيره.
وكان ذا مكانةٍ عظيمة عِنْد صلاح الدّين، واشتهر بقضاء الحوائج، فكان
لا يدخل عَلَى صلاح الدّين إلّا ومعه أوراق وقصص فِي عمامته ومنديله
وَفِي يده، فيكتب لَهُ عليها [1] .
تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ذِي القعدة بالمخيّم أيّام حَصْر عكّا.
وَلَهُ ذِكرٌ فِي الحوادث وأنّه أُسِر وخُلَّص منَ الأسر بستّين ألف
دينار.
- حرف الغين-
185- غَيْداق بْن جَعْفَر [2] .
الدَّيلميّ.
رَوَى شيئا عَنْ: أحمد بن ناقة [3] .
- حرف القاف-
186- قيصر [4] .
__________
[1] المنذري 1/ 123.
[2] انظر عن (غيداق بن جعفر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 127 رقم 99
وهو هكذا بالغين المعجمة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها ثم دال
مهملة، وألف، وقاف.
[3] في الأصل: «ناقيا» ، والتصحيح من: التكملة، ومن الأنساب 11/ 316.
[4] انظر عن (قيصر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 123، 124 رقم 91.
(41/225)
الأمير الأجَلٌ ابن الأمير طيّ ابْن الملك
أمير الجيوش شاوَر بْن مُجير السَّعْدِيّ، الْمَصْرِيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن المسلّم
الْأَنْصَارِيّ.
وتُوُفّي فِي ذِي القعدة.
- حرف الميم-
187- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن صاف [1] .
أَبُو بَكْر الإِشْبِيليّ، الْمُقْرِئ.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، واختلف إلى أبي القاسم
بْن الرّمّاك فِي العربيّة.
وأجاز لَهُ أَبُو الْحَسَن بْن مغيث، وابن مكّيّ.
وكان عارفا بالقراءات والعربية متقدّما فيهما. من كبار أصحاب شُرَيْح،
شرح «الأشعار السّتَّة» ، و «الفصيح» لثعلب، وغير ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأبّار: حدَّث عَنْهُ جماعة من شيوخنا،
وأقرأ نحْوًا من خمسين سنة.
وتوفّي سنة خمس، ويُقَالُ سنة ستّ وثمانين عَنْ بضع وسبعين سنة رحِمَه
اللَّه.
188- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الكريم [2] .
الْأَنْصَارِيّ، الطَّنْجيّ.
دخل الأندلس، وسَمِع من: أبي الحسن بن مغيث، وغيره.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار
2/ 538، والذيل والتكملة للمراكشي 6/ 188- 190، ومعرفة القراء الكبار
2/ 555 رقم 507 وفيه «محمد بن خَلَف بن محمد بن عبد الله بن صاف» ،
والوافي بالوفيات 3/ 46، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة 221، وغاية
النهاية 137، 138، وبغية الوعاة 1/ 100.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 125 باسم «محمد
بن خلف بن صاف» دون أن يترجم له.
[2] انظر عن (محمد بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
(41/226)
وكان أديبا شاعرا.
ورّخه الأبّار.
وطَنْجَة من أقصى المغرب.
189- مُحَمَّد بْن عَبْد الملك [1] بْن عَلِيّ.
أَبُو الكَرَم الهاشميّ، المخرِّميّ [2] .
سَمِع: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء.
روى عنه: عبد الله بن أحمد الخباز، وغيره.
وكتب عَنْهُ جماعة.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.
190- مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن العدل أَبِي غالب مُحَمَّد بْن
عَلِيّ [3] .
الفقيه أَبُو جَعْفَر بْن الصّبّاغ، الْبَغْدَادِيّ، الشّافعيّ.
سَمِع: أَبَا السّعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد المتوكّليّ، وأبا القاسم
هبة اللَّه بْن الحُصَيْن. وناب فِي تدريس النّظاميَّة.
سَمِع: عُمَر بن عليّ الْقُرَشِيّ، وسعيد بْن هبة اللَّه،
وَغَيْرُهُمَا.
وتُوُفّي فِي ذِي الحجَّة وَقَدْ شاخ. فَإنَّهُ وُلِد فِي سنة ثمانٍ
وخمسمائة.
وتفقّه عَلَى سَعِيد الرّزَّاز.
ووُلّي القضاء بحريم دار الخلافة فلم تحمد سيرته وعزل.
__________
[1] في الأصل: «محمد بن عبد العزيز» ، والتصحيح من مصادر ترجمته:
ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 53 رقم 260، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 114 رقم 76، والمختصر المحتاج إليه 1/ 70، 71.
[2] قال المنذري: المخرّم: محلّة ببغداد نزلها بعض ولد يزيد بن المخرّم
فسمّيت به، وهي بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المهملة
وتشديدها.
[3] انظر عن (محمد بن عبد الواحد) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد
لابن الدبيثي 2/ 57، 58 رقم 266، ومشيخة النعّال 94، 95، والمختصر
المحتاج إليه 1/ 72، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 86 (6/ 148،
149) ، والوافي بالوفيات 4/ 64، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط)
ورقة 142 ب.، والعقد المذهب لابن الملقن (مخطوط) ورقة 160، ومعجم
الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 41، وعلماء النظاميات 20.
(41/227)
وكانت لَهُ إجازة منَ ابن بيان الرارّ.
وروى عَنْهُ منَ المتأخّرين: مُحَمَّد بْن النّفيس الأَزَجّي، وغيره.
191- مُحَمَّد بْن الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن [1] .
أَبُو السّعادات السُّلَميّ الْجُبّيّ.
سَمِع: ابن شاتيل، وأبا السّعادات القزّاز، وطائفة.
وعُني بالحديث. ولزِم الحازميّ، وكتب تصانيفه.
والْجُبَّة: قرية من قُرى بغداد عَلَى طريق خُراسان، وبها تُوُفّي فِي
ذِي الحجَّة.
وكان أَبُوهُ أحد الشّيوخ الزُّهاد، كنيته أَبُو سَعْد.
192- مُحَمَّد بْن يوسف بْن مُحَمَّد بْن قائد [2] .
موفّق الدّين الإربِليّ، البَحْرانيّ، النَّحْويّ، الشّاعر.
كَانَ بارع الأدب، رائق الشّعر، لطيف المعاني. قدِم دمشقَ، ومدح
السّلطان صلاح الدّين، ومدح صاحب إربل زين الدّين يوسف بْن زين الدّين
علي، إلّا أَنَّهُ اشتغل بعلم الفلاسفة.
وكان يعرف الهندسة، وألّف فيها. وكان أَبُوهُ من تجّار إربل يتردّد إلى
البحرين، فُولِد لَهُ الموفّق بالبحرين.
وَلَهُ:
رُبّ دارٍ بالغضا [3] طال بلاها ... عكف الدَّهْرُ عليها فبكاها
درست إلّا بقايا أسطُر ... سمح الدّهر بها ثُمَّ محاها
وقفت فيها الغوادي وَقْفةً ... أَلْصقَتْ حَرَّ ثراها بحشاها
__________
[1] انظر عن (محمد بن المبارك) في: معجم البلدان 2/ 31، وتاريخ ابن
الدبيثي (مخطوطة باريس) ورقة 141، والمشتبه في الرجال 1/ 140، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 126 رقم 96.
[2] انظر عن (محمد بن يوسف) في: المختصر في أخبار البشر 3/ 77، 78،
وتاريخ ابن الوردي 2/ 101، 102.
[3] في المختصر لأبي الفداء: «بالحمى» ، والمثبت يتفق مع تاريخ ابن
الوردي.
(41/228)
وبكت أطلالُها نائبة ... عَنْ جفوني أحسَن
اللَّه جزاها
كَانَ لي فيها زمانٌ وانقضى ... فسَقَى اللَّه زماني وسقاها
[1] 193- الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك [2] .
أبو طَالِب الكّرْخيّ، الفقيه الشّافعيّ، صاحب ابن الخَلّ [3] . وكان
من أئمّة الشّافعيّة.
درّس، وأفتى، وكتب الخطّ المنسوب.
وسمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
وكان ذا جاهٍ وَقَبُولٍ لكونه أدَّب السّادة الأمراء أولاد النّاصر
لدين اللَّه.
درّس بالنّظاميَّة بعد أَبِي الخير القزْوينيّ سنة إحدى وثمانين،
وتفقّه بِهِ جماعة. وكتب عَنْهُ أَبُو بَكْر الحازميّ، وغيره.
وعاش اثنتين وثمانين سنة. وتُوُفّي فِي ثامن ذِي القعدة.
وذكره الموفّق عَبْد اللّطيف فَقَالَ: كَانَ ربّ عِلْم، وعمل، وعفاف،
ونُسُك، وورع. وكان ناعم العَيْش، يقوم عَلَى نفسه وبدنه قياما حكميّا
[4] .
رَأَيْته يُلقي الدّرس، فسمعت منه فصاحة رائعة، ونغمة رائقة، فقلت: ما
أفصح هَذَا الرجل! فَقَالَ شيخنا ابنُ عُبَيْدة النَّحْويّ: كان أبوه
عوّادا، وكان هُوَ معي فِي المكتب، وضَرَب بالعود وأجاد وتحذَّق فِيهِ
حَتَّى شَهِدوا لَهُ أنّه في
__________
[1] الأبيات بنقص وزيادة في: المختصر، وتاريخ ابن الوردي.
[2] انظر عن (المبارك بن المبارك) في: الكامل في التاريخ 12/ 43، ومعجم
الأدباء 6/ 230، ومشيخة النعّال 92- 94، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 124
رقم 89، والمختصر المحتاج إليه 3/ 177 رقم 1155، والعبر 4/ 257، وسير
أعلام النبلاء 21/ 224- 226 رقم 112، ومرآة الجنان 3/ 430، و 431،
وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 299 (7/ 275) ، وطبقات الشافعية
للإسنويّ 2/ 353، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 142 أ،
والبداية والنهاية 12/ 334، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة
159، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 369، 370 رقم 337، والعسجد
المسبوك 2/ 208، 209، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 78، والنجوم
الزاهرة 6/ 110، 111، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 74،
وشذرات الذهب 4/ 284.
[3] الخلّ: بفتح الخاء المعجمة، وهو محمد بن المبارك بن محمد العكبريّ
المتوفى سنة 552 هـ.
[4] في سير أعلام النبلاء 21/ 225 «حكيما» .
(41/229)
طبقة مَعْبَد، ثُمَّ أَنِف واشتغل بالخطّ،
إلى أن شُهِد لَهُ أَنَّهُ أَكْتَب منَ ابن البوّاب ولا سيما فِي
الطُّومار والثُّلُث، ثُمَّ أنِف منه، واشتغل بالفِقْه، فصار كَمَا
ترى.
وعلَّم ولديّ النّاصر لدين اللَّه، وأصلحا مَدَاسَهُ [1] .
194- مجاهد بْن مُحَمَّد بْن مجاهد [2] .
أَبُو الجيش الأندلسيّ.
قَالَ الأَبّار: رَوَى عَنْ أَبِي عليّ الصَّدَفيّ، وأبي مُحَمَّد بْن
عتّاب.
قَالَ يعيش بْن القديم: لقيته بمَرّاكُش.
وبها تُوُفّي فِي ذِي القعدة.
195- محمود بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْن
أَبِي الرجاء [3] .
الأستاذ أَبُو طَالِب التَّمِيمِيّ، الأصبهانيّ، الشّافعيّ، المعروف
بالقاضي.
صاحب الطّريقة فِي الخلاف.
كَانَ من كِبار الأئمَّة. تفقَّه عَلَى الْإِمَام مُحَمَّد بْن يحيى
صاحب الغزالي،
__________
[1] وقال ابن الأثير: وكان صالحا خيّرا، له عند الخليفة والعامّة حرمة
عظيمة، وجاه عريض، وكان حسن الخط يضرب به المثل.
وقال ابن النجار: شهد عند قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي في سنة
ثلاثين وخمس مائة، ثم درّس بمدرسة شيخه ابن الخلّ بعده، ثم ولي
النظامية في سنة إحدى وثمانين. وكان إمام وقته في العلم والدين والزهد
والورع، لازم ابن الخلّ حتى برع في المذهب والخلاف، إلى أن قال: وكان
من الورع والزهد والعفّة والنزاهة والسّمت على طريقة اشتهر بها.
وكان أكتب أهل زمانه لطريقة ابن البوّاب، وعليه كتب الظاهر بأمر الله.
قال: وكان ضنينا بخطّه، حتى إنه كان إذا شهد، وكتب في فتيا، كسر القلم،
وكتب به خطّا رديّا.
[2] انظر عن (مجاهد بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] انظر عن (محمود بن علي) في: وفيات الأعيان 4/ 261، والمختصر في
أخبار البشر 3/ 78، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 304، وطبقات
الشافعية للإسنويّ 2/ 175، ومرآة الجنان 3/ 431، وطبقات الشافعية لابن
كثير (مخطوط) ورقة 144 ب، وتاريخ ابن الوردي 2/ 102، وطبقات الشافعية
لابن قاضي شهبة 2/ 380 رقم 348، وشذرات الذهب 4/ 284، وإيضاح المكنون
1/ 299، وهدية العارفين 2/ 404، ومعجم المؤلفين 12/ 182.
(41/230)
وكان لَهُ فِي الوعظ اليد البيضاء، وكان ذا
تفنُّن فِي العلوم.
تفقَّه بِهِ جماعة بأصبهان، وتوفّي فِي شوّال.
وَلَهُ تعليقة جمَّة المعارف [1] .
196- مشرّف بْن المؤيَّد بْن عَلِيّ [2] .
أَبُو المحاسن الهَمَذَانيّ، الصّوفيّ، الشّافعيّ، البزّاز، أثير
الدّين، المعروف بابن الحاجب.
سَمِع: هِبَة اللَّه بْن الفَرَج ابْن أخت الطّويل، وأبا الفُتُوح
الطّائِيّ.
وقدم دمشق، فسمع بها من: أبي المظفَّر الفلكيّ، ودخل مصر واستوطنها
وسمع بها من أبي الحسن عليّ ابن بنت أبي سعد.
وقد سمع من جماعة سوى من ذكرنا. وحدَّث بمصر وبها تُوُفّي فِي ثامن
جُمادى الأولى. وَهُوَ أخو جدّ شيخنا الأَبَرْقُوهيّ.
197- مُنْجَبُ بنُ عَبْد اللَّه [3] .
أَبُو المعالي، وأَبُو النّجاح، مَوْلَى مرشد بْن يَحْيَى المَدِينيّ،
المُرْشِديّ.
رَوَى عَنْ مولاه «صحيح الْبُخَارِيّ» ، وعاش قريبا من مائة سنة. وكان
ظاهر القوّة يمشي عَلَى هَذَا السّنّ [4] بالقبقاب عدّة فراسخ.
رَوَى عَنْهُ جماعة منهم: ضياء الدّين عِيسَى بْن سُلَيْمَان بْن
رمضان، وكُتاب بِنْت مرتضى بْن أَبِي الجود، والحافظ عَلِيّ بْن
المفضّل.
__________
[1] قال أبو الفداء: وصنّف فيه التعليقة وهي «عمدة المدرّسين» في إلقاء
الدروس، ومن لم يذكرها فإنما هو لقصور فهمه من إدراك دقائقها.
[2] انظر عن (مشرّف بن المؤيّد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 113، 114
رقم 75، وتكملة إكمال الإكمال 6- 8، والعقد المذهب (مخطوط) ورقة 160،
161، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 82.
[3] انظر عن (منجب بن عبد الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 111، 112
رقم 72، وذيل التقييد للفاسي 2/ 290 رقم 1651.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 125 ولم يترجم
له.
[4] في التكملة: «يمشي هذه المسافة» .
(41/231)
وتُوُفّي فِي المحرَّم.
198- مُوسَى بْن جكّوا [1] .
الأمير الكبير عزّ الدّين ابن خال السّلطان صلاح الدّين.
تُوُفّي بمنزلة العسكر عَلَى عكّا مُرَابِطًا رحِمَه اللَّه تَعَالَى.
- حرف الياء-
199- يزيد بْن مُحَمَّد بْن يزيد بْن رفاعة [2] .
أَبُو خَالِد اللَّخْميّ، الغَرْناطيّ. ويُعرف بابن الصّفّار أيضا.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن الباذش.
وسمع من: أبي مُحَمَّد بْن عطيّة، وابن العربيّ، والقاضي عِياض.
وأجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد بْن عتّاب، وأَبُو عِمران بْن أَبِي
تُلَيْد، وطائفة.
وكان عارفا بالقراءات والعربيّة، راوية جليلا، يعقد الوثائق.
مات فِي المحرّم وَلَهُ أربعٌ وسبعون سنة.
200- يوسف بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه
[3] .
الحافظ أَبُو يعقوب الشّيرازيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الصُّوفيّ، شيخ
الصُّوفيَّة، بالرّباط الأرجوانيّ.
ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وسمّعه أَبُوهُ منَ الحافظ أَبِي القاسم
بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وأبي مُحَمَّد بْن الطَّرّاح، وَأَبِي الْحَسَن
بن عَبْد السَّلَام،
__________
[1] انظر عن (موسى بن جكوا) في: الفتح القسّي 355، وتلخيص مجمع الآداب
1/ 370 وفيه «جكو» ، والمختصر في أخبار البشر 3/ 138 وفيه «موصك بن
جكويه» ، وتاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 72.
[2] سيعاد في وفيات 588 هـ. برقم (320) .
[3] انظر عن (يوسف بن أحمد) في: تاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 123- 125
رقم 48، وتلخيص مجمع الآداب 1/ 460 و 5/ رقم 648، والإعلام بوفيات
الأعلام 241، وسير أعلام النبلاء 21/ 239- 241 رقم 123، والمعين في
طبقات المحدّثين 180 رقم 1914، وتذكرة الحفاظ 4/ 1356، والمختصر
المحتاج إليه 3/ 231، رقم 1309، والنجوم الزاهرة 6/ 111، وشذرات الذهب
4/ 284.
(41/232)
وأبي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد
الْبَغْدَادِيّ، وعُمَر بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجيّ، والكَروخيّ.
وسمع بنفسه منَ: ابن ناصر، وابن الزّاغونيّ، وهذه الطّبقة.
وجال فِي الآفاق ما بَيْنَ خُراسان، وفارس، والجزيرة، والشّام،
والحجاز، والجبال.
وسمع: أبا الْحَسَن بْن غبرة بالكوفة، وأبا الوقت السِّجْزيّ بكرمان،
وعبد اللَّه بْن عُمَر بْن سَليخ بالبصرة، وأحمد بْن بختيار القاضي
بواسط، وعبد الجليل بْن أَبِي سعد بهَرَاة، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن
عَلِيّ الطُّوسيّ، وعبد الملك بْن جامع الفارسيّ بنَيْسابور، وأبا شجاع
البسطاميّ ببلْخ، وإِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ الحمّاميّ المعمّر،
ومَسْعُود الثَّقَفيّ، والرُّسْتُميّ، وطائفة بأصبهان، ونصر بْن
المظفَّر، وشِيرُويْه بَهَمَذَان، وعبد الواحد بْن هلال بدمشق.
وخرَّج وكتب الكثير. وكان ثقة واسع الرِّحلة، جمع «أربعي البلدان» ،
فأجاد تصنيفها.
رَوَى عَنْهُ: عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر الواعظ، والتّاج مُحَمَّد
بْن أَبِي جَعْفَر القُرْطُبيّ، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن الدُّبِيثيّ،
وآخرون.
وثّقه الدُّبِيثيّ، وكتب عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرى وقَالَ:
اشتغل فِي آخر عمره بالتَّرَسُّل منَ الدّيوان إلى الأطراف، ووُلّي
رباطا [1] ببغداد. وكان حَسَن المفاكهة والعشْرة.
وقَالَ ابن النّجّار: كَانَ ثقة حسَنَ المعرفة، نُفَّذ رسولا منَ
الدّيوان الْعَزِيز إلى الروم، ووُلّي المشيخة برباط الخليفة، وصارت
لَهُ ثروة، وحدّث باليسير.
وتُوُفّي فِي رمضان.
__________
[1] في الأصل: «ربطا» .
(41/233)
[مواليد السنة] وفيها وُلد: الحافظ زين
الدّين خَالِد بْن يوسف بنابلس، وشرف الدّين عُمَر بْن عَبْد اللَّه
بْن صالح السُّبْكيّ، وأَبُو البركات أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه
النّحّاس الإسكندريّ، وعبد الواحد بْن أَبِي بَكْر بْن الحَمَويّ.
(41/234)
سنة ست وثمانين
وخمسمائة
- حرف الألف-
201- أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد.
أَبُو الْعَبَّاس الْمَازِنِيّ، النّصِيبيّ، الجابي، المعروف أَبُوهُ
بالخطيب.
شيخ دمشقيّ. وَهُوَ والد المسلّم.
سَمِع: عبد الكريم بْن حَمْزَة، وغيره.
ووُلِد سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وعاش ثمانيا وثمانين سنة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرى.
202- أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن المأمون [1] .
أَبُو الْعَبَّاس بْن الزَّوَال [2] الْعَبَّاسيّ، المأمونيّ،
الْبَغْدَادِيّ، أحد العدول والأشراف.
قرأ القراءات عَلَى: أَبِي بَكْر بْن المَزْرَفيّ. والعربيّة عَلَى:
أَبِي مَنْصُور بْن الجواليقيّ.
وسمع من: أبي القاسم بن الحصين، وأبي العز بْن كادش، وبدر بْن عَبْد
اللَّه الشّيحيّ.
وصنّف في اللّغة، وروى الكثير.
__________
[1] انظر عن (أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن هبة اللَّه) في: تاريخ ابن
الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 204، وإنباه الرواة 1/ 88، 89،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 142، 143 رقم 119، ومشيخة النعال 99، 100،
والمختصر المحتاج إليه 1/ 196، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط)
ورقة 94، 95، وبغية الوعاة 1/ 348، 349، وسلّم الوصول لحاجّي خليفة
(مخطوط) ورقة 107، وروضات الجنات 1/ 82.
[2] الزّوال: بفتح الزاي والواو مخفّفا وآخره لام. (المنذري) .
(41/235)
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد الله بْن
الدُّبَيْثِيّ، وغيره.
ووُلّي قضاء دُجَيْل، وكان رأسًا فِي العربيّة.
ولد سنة تسع وخمسمائة، وتُوُفّي فِي شعبان.
أَنْبَأَني ابن البُزُوريّ أنّ لَهُ مصنّفا سمّاه «أسرار الحروف» ،
قَالَ: ووقع لي جزء بخطُّه فنقلت منه قوله:
قَدْ كُنْت أركب بالخيل العتاق فَمَا ... أَبقى لي الدّهرُ لا بغلا ولا
فَرَسا
وكنت أنهضُ بالعبءِ الثّقيل فقد ... أجدَّ بي الدَّهرُ عَنْ نهضي بِهِ
فَرَسا
وكم فرستُ أسودا عَنْوةً فِرَسًا ... وعضّني الدَّهرُ حَتَّى خِلْته
فَرِسا
فآه من دهرنا أُفٍّ لَهُ فلقد ... أضاع حرّا كريما بيننا فَرَسَا
مِنَ الفراسة.
203- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن خَلَف.
أَبُو جَعْفَر بْن برنجال الدَّانيّ.
سَمِع: أَبَاه، وأبا بَكْر بْن أسوة القاضي.
ووُلّي قضاء دانية.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى، وَقَدْ شاخ.
204- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر [1] .
العلّامة الزَّاهد زين الدّين أَبُو القاسم الْبُخَارِيّ،. العتّابيّ،
مِن محلَّة عتّاب ببُخَارى.
كَانَ من كِبار الحَنَفيَّة، صنَّف «الجامع الكبير» و «الزّيادات» ، و
«تفسير القرآن» .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد) في: المشتبه 1/ 241، 442، وتاريخ ابن
الفرات ج 4 ق 1/ 245، والجواهر المضيّة 1/ 298- 300 رقم 222، والوافي
بالوفيات 8/ 74، وتبصير المنتبه 3/ 990، وكتاب أعلام الأخيار، رقم 397،
والطبقات السنية، رقم 344، وتاج التراجم لابن قطلوبغا 7، وطبقات
المفسّرين للسيوطي 6، والفوائد البهية للكنوي 36، 37، وكشف الظنون 1/
453، 563، 567، 568، 611، 963، 964، ومعجم المؤلفين 2/ 140.
(41/236)
لازمه شمس الأئمَّة مُحَمَّد بْن عَبْد
السّتار الكَرْدَريّ، وأخذ عَنْهُ.
ومات ببُخَارى، ورَّخه الفَرَضيّ.
- حرف الحاء-
205- الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن أَبِي البركات محفوظ بْن الْحَسَن
بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن
مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن صَصْرى [1] .
الحافظ الكبير أَبُو المواهب بْن أَبِي الغنائم الرَّبَعيّ،
التَّغْلبيّ، البلديّ الأصل، الدّمشقيّ، المعدَّل.
وُلِد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وكان اسمه أولا نَصْر اللَّه فغيّره
بالحَسَن.
سَمِع بدمشق: جَدّه أَبَا البركات، والفقيه نصر اللَّه بْن مُحَمَّد
المصِّيصيّ، وعَبْدان بْن زَرِّين [2] المقري، وعَلِيّ بْن حَيْدَرة
العَلَويّ، ونصر بْن أَحْمَد بْن مقاتل، والْحُسَيْن بْن البُنّ
الأَسَديّ، وأبا يعلى بْن الحُبُوبيّ، وأبا المظفَّر الفَلَكيّ،
وحَمْزَة بْن كرّوس، وأبا الْحُسَيْن هبة اللَّه بْن الْحَسَن، وأبا
يَعْلَى حَمْزَة بْن أسد التَّمِيمِيّ، وأبا النَّدى حسّان بْن تميم،
وخلْقًا كثيرا.
ولِزم أَبَا القاسم الحافظ فأكثر عَنْهُ، وتخرَّج بِهِ، وعُني بهذا
الشّأن أتمّ عنايةٍ، ثُمَّ رحل فسمع بحماه: مُحَمَّد بْن ظَفَر
الحجَّة، وبحلب: أبا طَالِب بْن العجمي، وابن ياسر الْجَيّانيّ،
وبالموصل: الْحَسَن بْن عَلِيّ الكعبيّ، وسُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن
خميس، ويَحْيَى بْن سعدون المقرئ، وطائفة.
__________
[1] انظر عن (الحسن بن هبة الله) في: تاريخ إربل 1/ 125 و 229، وتاريخ
ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 20، والتكملة لوفيات النقلة 1/
146- 148 رقم 126، والمختصر المحتاج إليه 2/ 27، والمشتبه في الرجال 1/
115، والعبر 4/ 285، وتذكرة الحفاظ 4/ 1358، ودول الإسلام 2/ 98،
والإعلام بوفيات الأعلام 241، وسير أعلام النبلاء 21/ 264- 266 رقم
137، والمعين في طبقات المحدّثين 180 رقم 1915، ومرآة الجنان 3/ 432،
والوافي بالوفيات 12/ 292- 294، رقم 265، وتوضيح المشتبه 2/ 48،
والنجوم الزاهرة 6/ 1112 و 272، وشذرات الذهب 4/ 285، وإيضاح المكنون
1/ 547 و 2/ 130، 196، 509، والرسالة المستطرفة 74، ومعجم المؤلفين 3/
301.
[2] في الأصل: «رزّين» بتقديم الراء، والتصحيح من المشتبه 1/ 316.
(41/237)
وببغداد: هبة اللَّه بْن الْحَسَن
الدّقّاق، ومُحَمَّد بن عبد الباقي ابن البَطّيّ، ويَحْيَى بْن ثَابِت،
وصالح بْن الرحلة، وشُهْدَة الكاتبة، وجماعة.
وبَهَمَذَان: أَبَا العلاء العَطَّار الحافظ، وبأصبهان مُحَمَّد بْن
أَحْمَد بْن ماشاذة صاحب سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، وأبا رشيد
عَبْد اللَّه بْن عُمَر، وعَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن
مردوَيْه، والحافظ أَبَا مُوسَى المَدِينيّ، وطائفة.
وبتبريز: مُحَمَّد بْن أسعد العطّاريّ، حفدة أَوْ لِقيه بالموصل.
رَوَى عَنْهُ: ولده أمين الدّين سالم.
وصنّف التّصانيف، وجمع «المعجم» لنفسه فِي ستّة عشر جزءا، وصنّف «فضائل
الصحابة» ، و «فضائل القدس» ، و «عوالي ابن عُيَيْنة» ، وجزءا فِي
«رُباعيات التّابعين» . وأصيب بكُتُبه فإنّها احترقت لمّا وقع الحريق
بالكلّاسة [1] . ثُمَّ وقف بعد ذَلِكَ خزانة أخرى.
وكان ثقة متقنا، مستقيم الطّريقة، ليّن الجانب، سَمْحًا، كريما. رحل
سنة ثمانٍ وسبعين بابنه أَبِي الغنائم سالم، فسمّعه منَ ابن شاتيل
وطبقته.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ [2] : كَانَ ثقة، وتُوُفّي سنة
ستّ وثمانين. وكتب إلينا بالإجازة.
قُلْتُ: عاش تسعا وأربعين سنة.
206- الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن [3] .
أَبُو عليّ الفارسيّ، الدّارابجرديّ، المقرئ، الخوّاصّ، المؤدّب [4] .
__________
[1] الكلّاسة: بتشديد اللام، موضع بدمشق. (تاج العروس- كلس- 4/ 235) .
[2] في تاريخه، ورقة 20.
[3] انظر عن (الحسين بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 141، 142
رقم 118، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 1/ 246 وفيه «الحسن» ، والمقفّى
الكبير للمقريزي 3/ 620 رقم 1261.
[4] وقال ابن الفرات: «ويعرف بالمجاور» وهو والد الوزير أبي الفتح يوسف
وزير الملك العزيز.
(41/238)
سمع: هبة الله بن الأكفاني.
روى عنه: أَبُو القاسم بْن صَصْرى.
وتُوُفّي فِي رجب.
- حرف الخاء-
207- خَلَف بْن مُحَمَّد بْن رئيس.
المكّيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ.
سَمِع منَ: الفقيه رسلان بْن عَبْد اللَّه بْن شعبان الشّارعيّ.
وَهُوَ والد الحافظ أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه، المعروف بابن
بُصَيْلَة.
- حرف الصاد-
208- صالح بْن أَبِي القاسم خَلَف بْن عُمَر.
أَبُو الْحَسَن الْأَنْصَارِيّ، الأوثبيّ، المالقيّ.
رَوَى عَنْ: مَنْصُور بْن الخير، وأبي الْحُسَيْن بْن الطّراوة.
ورحل فلقي بتلمسان أَبَا جَعْفَر بْن باقي، وأخذ عَنْهُ علم الكلام.
ولقي بتونس عَبْد الرّزّاق الفقيه.
وأخذ بالمهديَّة عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه المازريّ.
وكان متقدّما فِي علم الكلام والعقليّات.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابْنَا حَوْط الله.
وتُوُفّي فِي رمضان وَلَهُ ستٌّ وثمانون سنة.
- حرف العين-
209- عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر [1] .
سيف الدّين، أَبُو القاسم المقدسيّ، الحنبليّ. أحد الأعلام.
وُلِد سنة تسعٍ وخمسين وخمسمائة بجبل قاسيون. ورحل إلى بغداد،
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن عمر) في: الوافي بالوفيات 17/ 370، 371 رقم
303، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 371- 373 رقم 178، وشذرات الذهب 4/
285.
(41/239)
وسمع بها الكثير، وتفقَّه. قرأت أخباره
بخطّ الحافظ الضّياء قَالَ: اشتغل بالفقه، والخلاف، والفرائض،
والنَّحْو، وصار إماما، عالِمًا، ذكيّا، فطِنًا، فصيحا، مليح الإيراد،
حَتَّى إنّني سَمِعْتُ بعض النّاس يَقُولُ عَنْ بعض الفقهاء إنَّه
قَالَ: ما اعترض السّيف عَلَى مستدلّ إلّا ثلم دليلَه. وكان يتكلَّم
فِي المسألة غير مستعجلٍ بكلامٍ فصيح من غير توقُف ولا تَتَعْتُع. وكان
رحِمَه اللَّه حَسَن الخَلْق والخُلُق، وكان أنكر منكَرًا ببغداد،
فضربه الَّذِي أنكر عليه وكسر ثنيّته، ثُمَّ إنَّه مُكِّن من ذَلِكَ
الرجل، فلم يقتصّ منه.
وسافرتُ معه إِلَى بيت المَقْدِس، فرأيت منه من ورعِه وحُسنِ خُلقِه ما
تعجّبت منه.
قَالَ: وشهِدنا غَزَاةً مَعَ صلاح الدّين، فجاء ثلاثة فقهاء فدخلوا
خيمة أصحابنا، فشرعوا فِي المناظرة، وكان الشَّيْخ الموفّق والبهاء
حاضرين، فارتفع كلام أولئك الفقهاء، ولم يكن السّيف حاضرا، ثُمَّ حضر
فشرع فِي المناظرة، فَمَا كَانَ بأسرع من أن انقطعوا من كلامِه.
وسمِعتُ البهاء عَبْد الرَّحْمَن يَقُول مرَّة: كَانَ أَبُو القاسم
عَبْد اللَّه بْن عُمَر فِيهِ منَ الذّكاء والفطنة ما يدُهِش أَهْل
بغداد. كَانَ يحفظ درس الشَّيْخ إذا أُلقي عليه من مرَّة أَوْ مرَّتين،
وكنت أَنَا أتعب حَتَّى أحفظه.
وكان ورِعًا، يتعلّم منَ العماد ويسلك طريقه. وكان مبرّزا فِي علم
الخلاف.
واشتغل بالنَّحو عَلَى الشّيخ أَبِي البقاء، فحفظ كتاب «الإيضاح» لأبي
عليّ الفارسيّ. واشتغل بعلم العَرُوض وصنّف فِيهِ تصانيف [1] .
قَالَ الضّياء: تُوُفّي بحَرّان فِي شوّال. ورثاه سُلَيْمَان بْن
النّجيب بقوله:
عَلَى مثلِ عَبْد اللَّه يُفترضُ الحزنُ ... وتُسْفَح آماقٌ ولم
يغتمِضْ جفْنُ
عليه بكى الدّين الحنيفيّ والتُّقَى ... كَمَا قَدْ بكاه الفقه والذّهن
والحسن
__________
[1] في الأصل: «تصانيفا» .
(41/240)
ثوى لثواه كُلّ فَضْلٍ وسُؤْدُدٍ ...
وعِلمٍ جزيلٍ لَيْسَ تحمله البُدْنُ
وهي بضعة وستّون بيتا.
وقَالَ فِيهِ جبريل المُصْعَبيّ الْمَصْرِيّ:
صبْري لفَقْدِك عَبْد اللَّه مفقودُ ... ووَجْدُ قلبي عليك الدَّهَر
موجودُ
عدِمتُ صبري لمّا قِيلَ إنّك فِي ... قبر بحرّان سيفَ الدّين مغمودُ
نبكي عليك بشَجْوٍ بالدّما كَمَا ... تبكي التّعاليقُ حزنا والمسانيدُ
وللمشايخ تعديدٌ عليك كَمَا ... للطّير فِي الرُّوح تغريدٌ وتعديدُ
وهي ستّة وعشرون بيتا.
210- عَبْد الجبّار بْن الْحَسَن بْن عَبْد الْعَزِيز [1] .
أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، الفرّاش.
مصريّ قديم المولد [2] .
سَمِع فِي الكهولة من: عَبْد اللَّه بْن رفاعة.
211- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيّ بْن
قريش [3] .
أَبُو المجد المخزوميّ، الْمَصْرِيّ.
استُشْهِد فِي جُمادى الأولى بظاهر عكّا.
لَهُ رواية عَنِ: السِّلَفيّ.
212- عَبْد الرَّحْمَن بن محمد بن غالب [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الجبار بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 133
رقم 109.
[2] قال المنذري: مولده سنة خمس وخمسمائة.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 146 رقم
110، وذيل الروضتين 2/ 182، وتاج العروس 2/ 528.
[4] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 139
رقم 114، وتكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 13، وتذكرة الحفاظ
4/ 1360، ومعرفة القراء الكبار 2/ 562 رقم 517، وغاية النهاية 1/ 379،
وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 178، 179.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 150 دون أن يترجم
له.
(41/241)
أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ
المعروف بالشّرّاط.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي القاسم
الحَجّاريّ، وأبي القاسم بْن رضا.
وسَمِع من: أَبِي القاسم بْن بَقِيّ، وأبي الْحَسَن بْن مغيث، وأبي عبد
الله بن مكي، وأبي بكر بن العربيّ، وجماعة.
وأخذ الأدب عَنْ: أَبِي بَكْر بْن فندلة، وأبي الْوَلِيد بْن حَجّاج.
قَالَ الأَبّار [1] : وكان عارِفًا بالقراءات، رأسا فِي تجويدها، بصيرا
بالعربيّة، زاهدا، ورِعًا، صاحب ليل، أقرأ النّاسَ القراءات والنَّحْو،
وحدَّث.
رَوَى عَنْهُ: ابنه غالب، وابن أخته الأستاذ أَبُو عَبْد اللَّه
مُحَمَّد بْن أَحْمَد، وابنا حَوْط اللَّه، والحافظ أَبُو مُحَمَّد
القُرْطُبيّ، وأَبُو عليّ الرّنديّ، وأَبُو مُحَمَّد بْن عطيّة، وأَبُو
الْحُسَيْن بْن السّرّاج، وأَبُو يَحْيَى بْن عَبْد الرحيم.
وتُوُفّي فِي ثاني جُمادى الآخرة وَلَهُ خمس وسبعون سنة. ولم يتخلّف
عَنْ جنازته كبيرُ أحدٍ، ودُفِن بمقبرة أمّ سَلَمَةَ بظاهر قُرْطُبة.
213- عَبْد الرشيد بْن عَبْد الرّزّاق [2] .
الكَرْخيّ، الصُّوفيّ، أَبُو مُحَمَّد.
ذكره أَبُو شامة فِي «تاريخه» فِي ترجمة «إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد»
فَقَالَ: جَرَت ببغداد واقعة، كَانَ ببغداد عَبْد الرّشيد، وكان ورِعًا
عاملا، وكان ببغداد النّفيس الصُّوفيّ يضحك منه ويسخر بِهِ، وكان يدخل
عَلَى الخليفة، فدخل يوما مدرسة دار الذَّهب فجعل يتمسخر، فَقَالَ لَهُ
الكَرْخيّ: اتقِ اللَّه، نَحْنُ فِي بحث العلم وأنت تهزل. فدخل عَلَى
الخليفة وبكى وقال: ضربني الكرخيّ وعيّرني.
فثار الخليفة وأمر بصلبه. فأُخرج وعليه ثوب ليصلبوه فَقَالَ: دعوني
أُصلي رَكْعتين. فصلّى وصلبوه، فجاء أمر الخليفة لا تصلبوه وَقَدْ فات،
فلعن النّاس
__________
[1] في تكملة الصلة 3/ ورقة 13.
[2] انظر عن (عبد الرشيد بن عبد الرزاق) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 405،
406.
(41/242)
النّفيس واختفى. ورأى بعض الصّالحين
الكَرْخيّ فِي النّومِ فَقَالَ لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: أوقفني
بَيْنَ يديه، فقلت: يا إلهي رضيتَ ما جرى عليّ؟ فَقَالَ:
أَوْ ما سَمِعْتُ ما قُلْتُ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً 3: 169 [1] إنّي أردتُ أن تصل إلى درجة
الشهداء.
214- عَبْد المحمود بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ [2] .
الفقيه الصالح أَبُو مُحَمَّد الواسطيّ، الشّافعيّ.
تفقَّه بواسط عَلَى أَبِي جَعْفَر هبة اللَّه بْن البُوقيّ.
وسَمِع بالكوفة من: أَبِي الْعَبَّاس بْن ناقة، وبالبصرة منَ
الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد المواقيتيّ، وبمكّة منَ الْمُبَارَك بْن
عَلِيّ الطّبّاخ.
ودرَّس وأفتى ومات كهلا فِي ربيع الأوّل بواسط.
215- عَبْد المنعم ابْن الْمُقْرِئ الكبير أَبِي بَكْر يَحْيَى بْن
خَلَف بْن النّفيس [3] .
الْإِمَام أَبُو الطّيّب الحِمْيَريّ، الأندلسيّ، الغَرْناطيّ،
الْمُقْرِئ، المُكْتِب.
أخذ القراءات عَنْ والده، وعن: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي الْحَسَن
بْن ثَابِت الخطيب، وأبي عَبْد اللَّه النّوالشيّ، وأبي الْحَسَن بْن
هُذَيْل، وجماعة.
وروى عن: أبي بكر بن العربي، وأبي الحسن بْن مَوْهَب، والقاضي عِياض،
وعبد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن رضا، وجماعة.
ونزل مَرّاكُش مدّة، فأدّب بالقرآن زمانا وأقرأ القراءات.
__________
[1] سورة آل عمران، الآية 169.
[2] انظر عن (عبد المحمود بن أحمد) في: تاريخ ابن الدّبيثي (مخطوطة
باريس 5922) ورقة 190، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 130، 131 رقم 105.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 150 رقم 104، دون
ترجمة.
[3] انظر عن (عبد المنعم بن أبي بكر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 130
رقم 104، وتكملة الصلة لابن الأبار (مخطوط) 3/ ورقة 40، والذيل
والتكملة للمراكشي 5 ق 1/ 64، 65، وصلة الصلة لابن الزبير 16، وتذكرة
الحفاظ 4/ 1360، ومعرفة القراء الكبار 2/ 556، 557، رقم 509، وغاية
النهاية 1/ 471، والنجوم الزاهرة 6/ 112.
(41/243)
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار: أُخِذَ
عَنْهُ ولم يكن بالضّابط لأسماء شيوخه مَعَ رداءة خطّه. وكان لَهُ حظُّ
منَ العربيّة. ثُمَّ إنَّه حجّ وتجوّل فِي بلاد المشرق، وسكن
الإسكندريّة وحدّث بها، وأقرأ القراءات، وسَمِع فيها [1] هناك
«الموطّأ» أَبُو الْحَسَن بْن خيرة.
قُلْتُ: وقرأ عليه القراءات أَبُو القاسم بْن عِيسَى.
وسَمِع منه: عَلِيّ بْن المفضّل الحافظ، والفقيه أَبُو البركات
مُحَمَّد بْن مُحَمَّد البَلَويّ.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل، ويُعرف بابن الخُلوف.
216- عَبْد الواحد بْن أَبِي الفتح بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَصِيَّة
[2] .
أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، الحربيّ.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى.
217- عَبْد الوهَّاب بْن عَبْد الصَّمد بْن مُحَمَّد بْن غِياث.
أَبُو مُحَمَّد الصَّدَفيّ، نزيل مالقة.
سَمِع: أَبَا بَكْر بْن العربيّ، وأبا الْوَلِيد بْن بقوة.
وأخذ عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه النّوالشيّ كثيرا من كتب القراءات.
وولّي القضاء، وحدّث.
وَقُتِلَ رحِمَه اللَّه بإشبيليّة فِي فتنة الْجُرَيْري، وصُلِب فِي
هَذِهِ السّنة.
218- عُثْمَان بْن سعادة بْن غنيمة [3] .
اللّبّان المعّاز.
سمع من ابن ناصر.
__________
[1] في الأصل: «منها» .
[2] انظر عن (عبد الواحد بن أبي الفتح) في: التكملة لوفيات النقلة 1/
138، 139 رقم 113، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 174،
والمشتبه 2/ 463.
[3] انظر عن (عثمان بن سعادة) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس
5922) ورقة 207، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 149 رقم 128.
(41/244)
219- عُثْمَان بْن الْحَسَن بْن قُدَيْرة
[1] .
أَبُو عَمْرو الْبَغْدَادِيّ، الدّقّاق.
حدَّث عَنْ: أَبِي البدر إِبْرَاهِيم الكَرْخيّ، وغيره.
220- عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ [2] .
أَبُو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ [3] ، الضّرير، الْمُقْرِئ، الفقيه.
سَمِع: أبا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء، وأبا القاسم
بْن السَّمَرْقَنْدِيّ.
وحدّث [4] .
221- عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن شعيب.
أَبُو مُوسَى الغافقيّ، الورّاق.
رَوَى عَنْ: أَبِي بَكْر بْن العربيّ، وأبي الفضل بن الأعلم، وجماعة.
__________
[1] انظر عن (عثمان بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 128 رقم
100، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 207.
[2] انظر عن (علي بن محمد بن علي) في: مشيخة النعال 95- 97، والتقييد
لابن نقطة 415 رقم 552، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 312،
والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس) ورقة 7، 8، والذيل على
طبقات الحنابلة 1/ 366- 368، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 131 رقم 106،
وشذرات الذهب 4/ 286.
[3] يضاف إلى نسبته «البراندسي» كما في المصادر.
[4] وقال ابن نقطة: وكان شيخا صالحا ديّنا عابدا، صحيح القراءات
والسماع، ثقة فاضلا، قاله لي أبو المعالي محمد بن أحمد بن شافع.
(التقييد) .
وقال المنذري: مولده سنة ثمانين وأربعمائة. (التكملة 1/ 131) . وعلّق
ابن رجب على ذلك بقوله: وأمّا قوله إن مولده سنة ثمانين وأربعمائة فغلط
محض، فإنه على قوله يكون قد جاوز المائة بست سنين، فأين آثار ذلك من
تفرّده عن أقرانه بالسماع من الشيوخ ثم قد سبق أن القطيعي سأله عن
مولده فذكر ما دلّ على أنه قبل الخمس مائة بنحو سنتين، وهذا هو الصحيح.
(الذيل 1/ 368) .
أما ابن النجار فقال- نقلا عن ابن الجوزي، وابن مشّق- إن مولده سنة ست
وثمانين وأربعمائة- (ذيل تاريخ بغداد 15/ 312) .
ونقل ابن العماد عن أبي الحسن القطيعي قوله: سألته عن مولده، فقال: ما
أعلم، ولكنّي ختمت القرآن سنة ثمان وخمسمائة. (شذرات 4/ 286) والله
أعلم.
(41/245)
وكان فقيها، كاتبا، شاعرا. استوطن فاس.
وتُوُفّي في جمادى الآخرة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن القطّان.
- حرف الميم-
222- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَليّ بْن أَبِي الضّوء [1] .
أَبُو الْحَارِث الهاشميّ، الواسطيّ، الضّرير.
سَمِع: نصر بْن نصر العُكْبَرِيّ، والْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك
السّرّاج.
وتُوُفّي بواسط.
223- مُحَمَّد بْن جَعْفَر [2] بْن أَحْمَد بْن حُمَيْد [3] بْن مأمون.
أَبُو عَبْد اللَّه الأمويّ، البَلَنْسيّ، الْمُقْرِئ.
أَخَذَ القراءات عَنِ: ابن هُذَيْل، ثُمَّ رحل إلى غَرْناطة فأخذ
القراءات عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن ثَابِت الخطيب، وأبي عَبْد اللَّه
بْن أَبِي سَمُرة.
وأخذ القراءات بإشبيليّة عَنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح.
وسَمِع منهم ومن: أَبِي جَعْفَر بْن ثعبان.
وقرأ بجَيّان عِلم العربيّة واللّغة عَلَى: أَبِي بَكْر بْن مَسْعُود.
وأقرأ العربيّة واللّغة، وحمل النّاس عَنْهُ.
وَقَدْ أجاز لَهُ أَبُو الحسن بن مغيث.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 140،
141 رقم 116، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 1/ 116،
والمختصر المحتاج إليه 1/ 10.
[2] انظر عن (محمد بن جعفر) في: بغية الملتمس 165، 166، وتكملة الصلة
لابن الأبّار 2/ 539، 540، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 137، 138 رقم
112، وسير أعلام النبلاء 21/ 276، 277 رقم 149، ومعرفة القراء الكبار
2/ 559 رقم 513، وتذكرة الحفاظ 4/ 1360، والإحاطة في أخبار غرناطة 300،
وغاية النهاية 2/ 108 رقم 2889، وبغية الوعاة 1/ 68، 69، وكشف الظنون
212، 603، وهدية العارفين 2/ 102، والأعلام 6/ 300، ومعجم المؤلفين 9/
149.
[3] حميد: بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وآخره
دال مهملة.
(المنذري) .
(41/246)
وسَمِع بالمَرِيَّة: أَبَا مُحَمَّد بْن
عطيّة.
وولّي قضاء بَلَنْسِية فَحُمدت طريقته. ثُمَّ أوطن مُرْسِيَة فِي آخر
عمره.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى وله ثلاث وسبعون سنة [1] .
روى عَنْهُ: أَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وغيره.
224- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الخَضِر بْن عَبْد اللَّه بْن
عَبْدان [2] .
أَبُو طَالِب الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ، العدل.
وُلِد سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
وسَمِع من: عَبْد الكريم بْن حَمْزَة، وجمال الْإِسْلَام بْن المسلم،
وأبي الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن قُبَيْس، وطاهر بْن سهل.
رَوَى عنه: الحافظ ابن خليل، وغيره.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ربيع الآخر.
- مُحَمَّد بْن خَلَف بْن صاف [3] .
مَرَّ سنة خمس.
225- مُحَمَّد بْن أَبِي الطّيّب سَعِيد بْن أَحْمَد بْن سَعِيد بْن
عَبْد البرّ بْن مجاهد [4] .
الفقيه أَبُو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ، الإشبيليّ، المالكيّ،
المقرئ المعروف بابن زرقون [5] .
__________
[1] ورّخ السيوطي وفاته في سنة 587 هـ. (بغية الوعاة) .
[2] انظر عن (محمد بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 132 رقم
107.
[3] تقدّم برقم (187) واسمه: «مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه
بْن صاف» .
[4] انظر عن (محمد بن أبي الطيب) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 540،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 141، 142 رقم 118، وتاريخ إربل لابن
المستوفي 1/ 89، ودول الإسلام 2/ 98، والإعلام بوفيات الأعلام 241،
وسير أعلام النبلاء 21/ 147- 150 رقم 76، والمعين في طبقات المحدّثين
180 رقم 1916، والعبر 4/ 258، وتذكرة الحفاظ 4/ 1361، والوافي بالوفيات
3/ 102، وغاية النهاية 2/ 143 رقم 3020، والوفيات لابن قنفذ 295 رقم
586، والنجوم الزاهرة 6/ 112، والأعلام 7/ 10.
[5] في دول الإسلام 2/ 98 «رزقون» ، هكذا ضبطه محقّق الكتاب وقدّم
الراء. وهو غلط.
(41/247)
ولد سنة اثنتين وخمسمائة، فأجاز لَهُ فِي
هَذِهِ السّنة أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن مُحَمَّد الْخَوْلانِيّ.
وانفرد فِي الدُّنْيَا بالرواية عَنْهُ.
وسَمِع بمَرّاكُش من: أَبِي عِمْرَانَ مُوسَى بْن أَبِي تُلَيْل
وتفرَّد بالسّماع منه.
وسَمِع بسَبْتَة منَ: القاضي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عُمَر
القَيْسيّ الوحيديّ.
وسَمِع أيضا من: عَبْد المجيد بْن عَبْدُون [1] ، وخَلَف بْن يوسف
الأَبْرَش، والقاضي عِياض، ولزِمه زمانا.
وحدّث عَنْهُمْ، وعن: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وحمد بْن شِبْرين [2]
الشَّلْبيّ، وأبي بحر بْن العاص، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي مَرْوَان
عَبْد الملك بْن عَبْد الْعَزِيز.
وقرأ «التّقصّي» عَلَى أَبِي عِمْرَانَ بْن أَبِي تليد، وسَمِع
«الموطّأ» منَ القاضي عِياض.
قَالَ الأَبّار [3] : وولّي قضاء سَبْتَه فشُكِر. وكان من سَرَوات
الرجال، فقيها، مبرِّزًا، وأديبا كاملا، حَسَن البزّة، ليّن الجانب،
صبورا عَلَى التّسميع، جمع بَيْنَ «جامع» التِّرمِذيّ و «سنن» أَبِي
دَاوُد، ورحل النّاس إِلَيْهِ لعُلُوّ روايته.
ولم يكن لَهُ سماع كثير.
قَالَ: وولد بشريش فِي نصف ربيع الأوّل سنة اثنتين، وَفِي ذِي قعدتها
أجاز لَهُ الْخَوْلانِيّ.
وتُوُفّي بإشبيليّة فِي نصف رجب.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: أحمد بن محمد النباتيّ ابن الرُّوميَّة،
وإبراهيم بْن قسّوم اللَّخْميّ، وأَبُو سُلَيْمَان دَاوُد بْن حَوْط
اللَّه، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن القُرْطُبيّ، ومحمد بْن عَبْد
النّور الإشبيليّ، ومحمد بن عامر الفهريّ،
__________
[ () ] وزرقون: لقب لسعيد والد جدّه. (المنذري) .
[1] في سير أعلام النبلاء 21/ 147 «عيذون» ، والمثبت هو الصحيح عن
الأصل.
[2] شبرين: بكسر الشين وتسكين الباء الموحّدة وكسر الراء المهملة وبعد
الياء آخر الحروف نون. (المنذري 1/ 142) .
[3] في تكملة الصلة 2/ 541.
(41/248)
ومحمد بْن مُحَمَّد اللّوشيّ الجيّانيّ،
ومحمد بْن إِسْمَاعِيل بْن خَلْفُون الأُوَيْنيّ الحافظ، ومحمد بْن
عَبْد اللَّه بْن الصّفّار الضّرير، وعبد الغنيّ بْن مُحَمَّد
الغَرْناطيّ الصَّيْدلانيّ، وأَبُو الخَطَّاب عُمَر بْن حسَن الكلبيّ
بْن دحْية وأخوه عُثْمَان، وخلْق كثير.
وكان مُسْنِد الأندلس فِي وقته. وزَرْقون هُوَ لَقبَ جدّهم سَعِيد.
226- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى بْن فَرَج بْن الْجَدّ [1]
.
أَبُو بَكْر الفِهْريّ، الإشبيليّ، الحافظ. أصلُهُ من لَبْلة.
سَمِع أَبَا الْحَسَن بْن الأخضر، وبحث عليه «كتاب» سِيبوَيْه وأخذ
عَنْهُ كتب اللّغات. وسَمِع «صحيح مُسْلِم» من أَبِي القاسم
الهَوْزنيّ، ومن أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وكان
لا يحدِّث عَنْهُمَا.
ولقي بقُرْطُبة أَبَا مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبا الْوَلِيد بْن رُشد،
وأبا بحر بْن العاص.
وبرعَ فِي الفقه والعربيّة، وانتهت إِلَيْهِ الرئاسة فِي الحفظ
والفُتيا، وقُدِّم للشُّورَى مَعَ أَبِي بَكْر بْن العربيّ ونُظَرائه
سنة إحدى وعشرين. وعظُمَ جاهه وحُرمتُه مَعَ أَنَّهُ امتُحِن فِي كائنة
لَبْلَة، وقُيِّد وسُجِن.
وكان فِي وقته فقيه الأندلس، وحافظ مذهب مالك. واستفاد ثروة عظيمة
ودنيا واسعة، ولم يكن الْحَدِيث من شأنه، مَعَ أنّ إسناده فِيهِ عالٍ،
وإليه كَانَتْ رئاسة بلده.
وكان فقيها، فصيحا، خطيبا، مفوَّهًا، كبير الشّأن. يبلغ بالبديهة ما لا
يُبلَغ بالرّويّة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 542،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 145 رقم 123، والعبر 4/ 258، والإعلام
بوفيات الأعلام 241، وسير أعلام النبلاء 21/ 117- 179 رقم 89، والمعين
في طبقات المحدّثين 180 رقم 1917، ومرآة الجنان 3/ 432، والوافي
بالوفيات 3/ 335، وطبقات النحاة لابن شهبة (مخطوط) ورقة 32، والنجوم
الزاهرة 6/ 112، وشذرات الذهب 4/ 286.
(41/249)
أَخَذَ عَنْهُ جِلةُ أَهْل الأندلس، وطال
عُمره، واشتهر اسمه.
وتُوُفّي فِي رابع عشر شوّال سنة ستّ وثمانين وَلَهُ تسعون سنة كاملة
وأشهُر.
ومِمَّن رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الشُّرَيْشِيّ،
وأَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن زَرْقون،
وأَبُو بَكْر مُحَمَّد بن عليّ ابن الغزّال، وأَبُو عليّ عُمَر بْن
مُحَمَّد الشلوبين، وأَبُو الخَطَّاب بْن دُحِية، ويَحْيَى بْن أَحْمَد
السَّكُونيّ اللَّبْليّ، وخلْق سواهم [1] .
227- مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الباقي
[2] .
أَبُو الفتح الشَّهْرياريّ، الفارسيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، المعروف
بالدَّارِيج.
خدم حاجبا ثُمَّ وُلّي حجبة الحجّاب، ثُمَّ نُقِل إلى صدريّة ديوان
العّرْض.
ثُمَّ خرج بالعسكر المَنْصُور إلى دقوقا فافتتحها.
وكان نجيبا، شهْمًا، كامل السُّؤْدُد، فوُلّي نيابة الوزارة، وعُزِل
قبل موته.
وتُوُفّي فِي ثامن جُمادى الأولى.
228- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم بن المظفّر بن
عليّ [3] .
__________
[1] وقال أبو الربيع بن سالم: ومن أعيان شيوخي الإمام الحافظ الصدر
الكبير أبو بكر بن الجدّ، فقيه الأندلس، وحافظها، وزعيمها غير منازع،
ولا مدافع، انتهت إليه رئاسة الفقه أزيد من ستين سنة مع الجلالة التي
تجاوز مداها، والخلال التي التزم أهداها، وكان في غزارة الحفظ، ومتانة
مادّة العلم، عبرة من العبر، وآية من الآيات، سمعت عليه «جامع الترمذي»
، وأشياء، رحمه الله.
وذكره ابن رشيد فقال: بحر الفقه وحبره، وفقيه الأندلس في وقته، وحافظ
المذهب، لا يدانيه أحد، مع الذهن الثاقب وسرعة الجواب، والبراعة في
العربية، وقد حلف أبو بكر محمد بن علي التجيبي أن ابن الجدّ أحفظ من
ابن القاسم، وقد أكثر عن أبي الحسن ابن الأخضر، ومع إمامته قلّ ما
صنّف. (سير أعلام النبلاء 21/ 178، 179) .
[2] انظر عن (محمد بن عبد الباقي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد
لابن الدبيثي 2/ 75 رقم 284.
[3] انظر عن (محمد بن محمد) في: الكامل في التاريخ 12/ 59، والروضتين
2/ 182، وخريدة القصر (قسم الشام) 2/ 329، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 341
(في ترجمة أبيه) ،
(41/250)
قاضي القضاة أَبُو حامد ابن قاضي القضاة
كمال الدّين أَبِي الفضل بْن الشّهْرَزُوريّ الْمَوْصِلِيّ، الفقيه
الشّافعيّ، الملقّب بمحيي الدّين.
كَانَ أَبُوهُ من أمْيَز القضاة وأحشمهم. وَقَدْ مرَّ فِي سنة اثنتين
وسبعين.
وتفقّه هَذَا ببغداد عَلَى أَبِي مَنْصُور سَعِيد بْن الرّزّاز، ثُمَّ
قدِم الشّام، وولّي قضاء حلب بعد أن ناب فِي الحكم بدمشق عَنْ أَبِيهِ.
ثُمَّ بعد حلب انتقل إلى المَوْصِل وولّي قضاءها، ودرَّس بمدرسة
أَبِيهِ، وبالمدرسة النّظاميّة بها.
وتمكّن منَ الملك عزّ الدّين مَسْعُود بْن زنكي، واستولى عَلَى أموره.
وكان جوادا سَرِيًّا.
قَالَ ابن خَلِّكان [1] رحِمَه اللَّه: قِيلَ إنَّه أنْعَمَ فِي بعض
رسائله إلى بغداد بعشرة آلاف دينار أميريّة عَلَى الفقهاء والأدباء
والشُّعراء. ويُقَالُ إنَّه فِي مدةِ حكمه بالموصل لَمْ يعتقل غريما
عَلَى دينارَيْن فَمَا دونها، بل كَانَ يُوَفّيها عَنْهُ.
ولمّا وُلّي قضاء حلب كَانَ بعد عزل ابن أَبِي جرادة، فتمكَّن أيضا من
صاحبها الملك الصّالح إِسْمَاعِيل بْن نور الدّين غاية التّمكّن، وفوّض
إِلَيْهِ تدبير مملكة حلب. ثُمَّ فارق حلب فِي سنة ثلاثٍ وسبعين.
وتوجّه رسولا إلى الخليفة غير مرّة.
__________
[ () ] وتاريخ إربل 1/ 127، ووفيات الأعيان 4/ 246 رقم 599، والتكملة
لوفيات النقلة 21/ 136، 137 رقم 111، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس
5921) ورقة 124، 125، والعبر 4/ 259، وسير أعلام النبلاء 21/ 60، 1 رقم
15، وتاريخ إربل 1/ 127، ومرآة الجنان 3/ 432، والمستفاد من ذيل تاريخ
بغداد 37 رقم 28، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 96، وطبقات
الشافعية للأسنوي 2/ 101، 102، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة
143 أ، ب، والوافي بالوفيات 1/ 210، والبداية والنهاية 12/ 341، والعقد
المذهب (مخطوط) ورقة 71، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 375، 376
رقم 344، والعسجد المسبوك 2/ 210، 211، والمقفى الكبير 7/ 32- 34 رقم
3100، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 102، والنجوم الزاهرة 6/ 108 و
112، ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 55، وشذرات الذهب 5/
287، والأعلام 7/ 253.
[1] في وفيات الأعيان 4/ 246.
(41/251)
ويُحكَى عَنْهُ رئاسة ضخمة، ومكارم كثيرة.
وأنشدني لَهُ بعض الأصحاب فِي جرادة:
لها فخِذا بِكْرٍ وساقا نَعَامةٍ ... وقادِمَتَا نَسْرٍ وجُؤْجُؤُ
ضَيْغَم
حَبَتْها أفَاعِي الرملِ بطنا وأَنْعَمَتْ ... عليها جِيادَ الخيلِ
بالرأسِ والفَم
[1] قلت: حدَّث عَنْ عمّ أَبِيهِ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن القاسم.
كتب عَنْهُ القاضي أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ
الْأَنْصَارِيّ.
وتُوُفّي فِي رابع عشر جُمادى الأولى [2] . وَلَهُ اثنتان وستّون سنة.
ودُفِن بالموصل. وقيل إنَّه نُقِل إلى المدينة المنوّرة، ولم يصحّ.
ومن شِعره:
قامت بإثبات الصِّفاتِ أدِلَّةٌ ... قَصَمت ظهور أئمَّة التّعطيل
وطلائع التّنزيه لمّا أقبلت ... هَزَمت دوي التّشبيه والتّمثيل
فالحقّ ما صرْنا إِلَيْهِ جميعنا ... بأدلَّة الأخبار والتّنزيل
من لَمْ يكن بالشَّرْع مقتديا فقد ... ألقاه فرط الجهل في التّضليل
[3]
__________
[1] وفيات الأعيان، مرآة الجنان 3/ 432.
[2] جاء في الوافي بالوفيات، والنجوم الزاهرة أنه توفّي سنة 584 هـ.
[3] ومن شعره في ساق أسود:
وأسود معسول الشمائل ناعم ... المفاصل مثل المسك في اللون والبشر
فبات يريني الشمس تطلع من دجى ... إذا ضمّ يحسدها وتغرب في فجر
وله أيضا:
لا تحسبوا أني امتنعت من البكا ... عند الوداع تجلّدا وتصبّرا
لكنّني زوّدت عيني نظرة ... والدمع يمنع لحظها أن تنظرا
إن كان ما فاضت فقد ألزمتها ... صلة السّهاد وسمتها هجر الكرا
(المستفاد) وأنشد أبو الثناء محمود اللبّان المتوفى سنة 605 هـ. قصيده
يمدح بها أبا حامد:
قف باللّوى إن مررت بالحاجر ... وعج على النقرتين يا سائر
وأنشد فؤادي إن شئت ذا سلم ... وخذ بثأري إن كنت لي ناصر
فعند تلك الأبيات طلّ دمي ... وظلّ قلبي مما رأى حائر
وظبية تخجل الهلال إذا ... تمّ وأمسى في ليله بادر
(تاريخ إربل 1/ 827) .
(41/252)
229- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد
الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن واجب.
أَبُو عَبْد اللَّه القَيْسيّ، البَلَنْسيّ، الْمُقْرِئ.
رَوَى عَنْ: أَبِيهِ، وأبي الْعَبَّاس بْن الخلَّال، وأبي عبد الله بن
سعادة، وأبي الحسن بن النّعمة، وأخذ عَنْهُ القراءات والأدب.
وقرأ ببعض الروايات عَنْ أَبِي القاسم مُحَمَّد بْن وضّاح.
وكان موصوفا بالتَّجويد والصَّلاح.
تُوُفّي فِي الكهولة، رحمه الله تعالى.
230- محمد بن مالك بن محمد.
أبو عبد الله الغافقيّ، المرسيّ.
أخذ عَنْ: أَبِي بَكْر بْن العربيّ.
وكان بصيرا بمذهب مالك مقدَّمًا، محقّقا له، ذاكر.
231- محمد بن المبارك بن الحسين بن طالب [1] .
أبو عبد الله بن أبي السّعود الحلاويّ، الحربي، المقرئ. شيخ معمّر
عتيق، لم يظهر له سماع ولا إجازة. ثمّ إنّ المحدّث أحمد بن سلمان بن
شريك ذكر إنّه وجد لَهُ إجازات من جماعةٍ قدماء، منهم أَبُو الْحَسَن
بْن الطُّيُوريّ، وجَعْفَر بْن أَحْمَد السّرّاج، وجماعة. فازدحم عليه
الطّلبة، وقرءوا عليه الكثير فِي زمنٍ يسير. ولم يَعِش بعد ظهور
الإجازة إلّا أربعين يوما.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ [2] : وكتب إلى تميم بْن أَحْمَد
البَنْدَنِيجيّ قَالَ:
وجدتُ سماعَ هَذَا الشَّيْخ بعد موته فِي سنة تسعٍ وتسعين من جعفر
السّرّاج، وفي سنة ستّ وخمسمائة من أَبِي مَنْصُور عَلِيّ بْن مُحَمَّد
الأنباريّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن المبارك) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 145، 146
رقم 124، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي) ورقة 123، والعبر 4/
259، 260، وسير أعلام النبلاء 21/ 131 رقم 65، والمختصر المحتاج إليه
1/ 139، وشذرات الذهب 4/ 287.
[2] في تاريخه، ورقة 123.
(41/253)
وقَالَ: مولده بمكّة فِي جُمادى الآخرة سنة
أربع وتسعين وأربعمائة، ومات فِي التاسع والعشرين من ذِي القعدة،
ودُفِن عِنْد بِشر الحافي، وَلَهُ ثلاثٌ وتسعون سنة.
وقَالَ ابن النّجّار: مُحَمَّد بْن الحلاويّ سَمِع: أَبَاه، وأبا
الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الفرّاء، وظهرت لَهُ إجازة قديمة
من أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام الْأَنْصَارِيّ، والْحَسَن
بْن مُحَمَّد التِّكَكِيّ، وابن الطُّيُوريّ، فأكبَّ عليه أصحاب الحديث
يقرءون عليه. سَمِع منه عامّة رفقائنا، وحدَّثونا عَنْهُ.
232- مُحَمَّد بْن أَبِي اللَّيْث بْن أَبِي طَالِب [1] .
أَبُو بَكْر الرّاذانيّ، الضّرير، الْمُقْرِئ، العراقيّ، المعروف
بالقُنَين.
قرأ القراءات عَلَى أَبِي مُحَمَّد سبط الخَيّاط، ودَعوان بْن عَلِيّ
الْجُبّائيّ، وسَمِع منهما.
ومن: مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن المَزْرَفيّ، وأبي سعد أَحْمَد بْن
مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، وجماعة.
وأقرأ، وحدَّث.
وراذان ناحية منَ السّواد كبيرة، وراذان قرية أيضا من نواحي المدينة
لها ذِكرٌ فِي حديث ابن مَسْعُود.
233- الْمُبَارَك بْن أَحْمَد بْن أَبِي مُحَمَّد [2] .
أَبُو مُحَمَّد الدِّينَوَرِيّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الشّروطيّ سبط
ابن السّلّال.
سَمِع: هبة [3] اللَّه بْن الحُصَيْن، وابن الْبُخَارِيّ، وأبا بَكْر
الْأَنْصَارِيّ.
سَمِع منه جماعة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أبي الليث) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 43، 144
رقم 120، والمشتبه 2/ 538.
[2] انظر عن (المبارك بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 167 رقم
118، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 146 رقم 125.
[3] في الأصل: «هبتي» .
(41/254)
وتوفّي فِي ذِي الحجَّة.
234- مَسْعُود بْن عَلِيّ بْن عُبَيْد اللَّه بْن النّادر [1] .
أَبُو الفضل الْبَغْدَادِيّ، المعدَّل، الْمُقْرِئ، المحدّث.
وُلِد فِي أوّل سنة ستّ عشرة، وسَمِع الكثير، وتلقَّن القرآن على أبي
بكر محمد بن الحسين المزرفيّ. وقرأ ببعض الروايات على أبي محمد سبط
الخيّاط.
وسمع: أبا بكر الأنصاريّ، ويحيى بن البنّاء، وهبة الله بن الطّبر، وأبا
منصور بن زريق، وأبا القاسم بن السّمرقنديّ، وأبا البركات الأنماطيّ،
وجماعة كثيرة.
وعني بهذا الشّأن، وكتب الكثير، وكان مليح الخطّ، ثقة، ظريفا صاحب
نوادر.
قَالَ الدُّبِيثيّ [2] : سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كتبتُ القرآن بخطّي مائة
وإحدى وعشرين مرّة، منها ختمة تحت ميزاب الكعبة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ ثقة موصوفا بالدَّماثة والظُّرْف والتّجمّل
والمزاح والدُّعابة. وكان خِصِّيصًا بمنصور بْن العَطَّار صاحب المخزن،
وبطريقة صار يجالس المستضيء وينادِمه.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن،
وجماعة.
__________
[1] انظر عن (مسعود بن علي) في: الكامل في التاريخ 12/ 59، ومشيخة
النعال 97، 98، وإكمال الإكمال لابن نقطة (مخطوط) ورقة 73، والتقييد،
له 445 596، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 351، وتلخيص مجمع
الآداب 4 ق 2/ رقم 1276، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 128، 129 رقم 101،
ومرآة الزمان ج 4 ق 1/ 406، والمختصر المحتاج إليه 3/ 189 رقم 1195،
والعبر 4/ 260، وسير أعلام النبلاء 21/ 150 (دون ترجمة) ، والعسجد
المسبوك 2/ 210، وعقد الجمان (مخطوط) 17/ ورقة 103، 104، والنجوم
الزاهرة 6/ 111، وشذرات الذهب 4/ 277.
[2] في ذيل تاريخ بغداد 15/ 351.
(41/255)
وسَمِع منه: أَبُو سعد بْن السّمعانيّ،
وأَبُو بَكْر الحازميّ، وتقيّ الدّين عَلِيّ بْن الْمُبَارَك بْن
ناسويه.
وتُوُفّي فِي الثّالث والعشرين منَ المحرَّم.
- حرف النون-
235- نجم الدّين [1] .
الفقيه أَبُو العلاء ابْن شرف الْإِسْلَام أَبِي البركات عَبْد
الوهَّاب بْن الشَيخ أَبِي الفَرَج عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد
الْأَنْصَارِيّ، الخَزْرجيّ، السَّعْديّ، العُبَاديّ، الشّيرازيّ،
ثُمَّ الدّمشقيّ، الحنبليّ، والد النّاصح.
فقيه فاضل فِي مذهبه، أجاز لَهُ أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن عُبَيْد
اللَّه بْن الزّاغونيّ، وغيره.
وتُوُفّي فِي الثالث والعشرين من ربيع الآخر. ودُفِن بسفح قاسيون
بتربتهم، وشيَّعه خلائق.
236- نصر اللَّه بْن عَلِيّ بْن مَنْصُور [2] .
أَبُو الفتح بْن الكيّال الواسطيّ، الْمُقْرِئ، الفقيه الحنفيّ، قارئ
واسط.
أَخَذَ العشرة عَنْ أَبِي القاسم عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن شِيران، ورحل
إلى بغداد فقرأ القراءات عَلَى: أَبِي عَبْد الله الْحُسَيْن البارع،
وإبراهيم بْن مُحَمَّد الهيتيّ القاضي.
وتفقَّه وقرأ الخلاف وناظر ودرس.
__________
[1] انظر عن (نجم الدين) في: تاريخ إربل 1/ 316، والتكملة لوفيات
النقلة 1/ 132، 133 رقم 108، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 368- 371،
وشذرات الذهب 4/ 285.
[2] انظر عن (نصر الله بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 139، 140
رقم 115، وتاريخ إربل 1/ 402، والمختصر المحتاج إليه 3/ 209، 210، رقم
1249، والعبر 4/ 260، ومعرفة القراء الكبار 2/ 559، 560 رقم 514،
والجواهر المضية 2/ 198، وغاية النهاية 2/ 339، 340، وطبقات النحاة
لابن قاضي شهبة (مخطوطة) ورقة 258، 259، والطبقات السنية (مخطوط) 3/
1060- 1062، وشذرات الذهب 4/ 287، 288.
وذكره المؤلف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 150 ولم يترجم له.
(41/256)
وأخذ النّحو عَنْ: أَبِي السَّعادات هبة
اللَّه بْن الشِّجَريّ، وابن الجواليقيّ.
وسَمِع من: أَبِي عليّ الفارقيّ، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وجماعة.
وولّي قضاء البصرة سنة خمسٍ وسبعين. ثُمَّ قدِم بغداد فأقرأ بها. وكان
غزير الفضل واسع العلم. ثُمَّ وُلّي قضاء واسط، وعاد إلى وطِنه.
ولد سنة اثنتين وخمسمائة [1] ، وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة عَنْ أربعٍ
وثمانين سنة. وكان عالي الإسناد فِي القراءات.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أحمد القَطِيعيّ، ومحمد بْن
سَعِيد الحافظ، وعبد الوهَّاب بْن بزغش، وآخرون.
قال محمد بن سعيد الدّبيثيّ [2] . قرأتُ عليه بالروايات، وسَمِعْتُ منه
الكثير، وكان ثقة صدوقا.
قُلْتُ: وقرأ عليه بكتابه «المفيدة [3] فِي العشرة» : ابنُ الدُّبِيثيّ
وأَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن محمود بْن مُحَمَّد بْن حَمْزَة النّاسخ
الأَزَجّي.
وسَمِع منه: الكتاب: هما، والمرجّى [4] بْن شقيرة، وأَبُو طَالِب بْن
عَبْد السّميع، وعليّ بْن مَسْعُود بْن هيّاب الجماجميّ، وعمر بْن
عَبْد الواحد العَطَّار الواسطيّون.
- حرف الهاء-
237- هبة اللَّه بْن الْحُسَيْن [5] .
أَبُو المكارم الْمَصْرِيّ، الفقيه.
ذكره: أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي «تاريخه» فَقَالَ: كَانَ من
أَهْل العلم، عارِفًا بالأصول، حافظا للحديث، متيقّظا، حَسَن الصّورة
والشّارة. دخل الأندلس،
__________
[1] قال المنذري: مولده سنة ثلاث وخمسمائة، وقال مرة أخرى: سنة اثنتين
وخمسمائة.
[2] في المختصر المحتاج إليه 3/ 210.
[3] «المفيدة في القراءات العشر» كما في: معرفة القراء الكبار 20/ 560.
[4] في الأصل: «المرجّى» .
[5] انظر عن (هبة الله بن الحسين) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
(41/257)
وولّي قضاء إشبيلية سنة تسع وسبعين
وخمسمائة، وبِهِ صُرِفَ أَبُو القاسم الْخَوْلانِيّ. وأقام بها سنة.
وكان قدومه الأندلس خوفا من صلاح الدّين.
قدِم فِي قوم من شيعة العُبَيْديّ ملك مصر، ثُمَّ استصحبه المَنْصُور
معه فِي غَزْوَة قَفْصَة الثّانية، وولّاه قضاء تونس، وولّى صاحبَه
أَبَا الوفاء الْمَصْرِيّ القضاء.
تُوُفّي أَبُو المكارم عَلَى قضاء تونس سنة ستّ هَذِهِ.
- حرف الياء-
238- يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد.
أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ. عُرِف بالأركشيّ.
حَمَلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاق بْن خَفَاجة ديوانَه.
وسَمِع من: أَبِي الطَّاهر التَّمِيمِيّ، وعبّاد بن سرحان، وأبي بكر بن
العربيّ.
وكان أديبا، بليغا، كاتبا، شاعرا. قتل بقرطبة في داره وله إحدى وثمانون
سنة.
روى عنه: أبو سليمان بن حوط الله.
239- يوسف [1] .
زين الدّين أبو يعقوب بن زين الدّين عليّ كوجك بن يلتكين. صاحب إربل.
وليها بعد والده إلى أن مات، وولي بعده ولدُه فغلب عَلَى البلد أخوه
مظفَّر الدّين.
وكانت وفاته بظاهر عكّا مرابطا في شوّال.
__________
[1] انظر عن (يوسف زين الدين) في: الفتح القسّي 217، والكامل في
التاريخ 12/ 56، والروضتين 2/ 61، والنوادر السلطانية 190، ومفرّج
الكروب 2/ 339، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 406، 407، والمختصر في أخبار
البشر 3/ 79، والدرّ المطلوب 103، والعبر 4/ 260، وتاريخ ابن الوردي 2/
102، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 1/ 235، والعسجد المسبوك 2/ 209، 210،
وشفاء القلوب 169، والنجوم الزاهرة 6/ 112.
(41/258)
[مواليد السنة] وفيها وُلِد: العزّ حسن بْن
مُحَمَّد الضّرير المتكلِّم، وأَبُو عِيسَى عَبْد اللَّه بْن علّاق،
والمعين أحمد بْن القاضي زين الدّين، والجمال عَبْد الرَّحْمَن بْن
سُلَيْمَان الْبَغْدَادِيّ، وشيخ الشّيوخ عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد
الْأَنْصَارِيّ، وإسماعيل بن عبد الله ابن قاضي اليمن.
(41/259)
سنة سبع وثمانين
وخمسمائة
- حرف الألف-
240- أَحْمَد بْن سالم [1] .
أَبُو الْعَبَّاس البَرْجُونيّ، الواسطيّ الْمُقْرِئ.
شيخ معمَّر، وُلِد سنة سبع وتسعين وأربعمائة.
وسَمِع من: أَبِي عليّ الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيّ بْن الْمُبَارَك البَرْجُونيّ بْن باسويه، وعليه
تلقَّن القرآن كله [2] .
241- أَحْمَد بْن محمد بن أَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن هبة اللَّه بْن
عَبْد السلام [3] .
أبو الغنائم الْبَغْدَادِيّ الكاتب، أخو أَبِي مَنْصُور عَبْد اللَّه.
سمع: أبا علي بن المهدي، وأبا القاسم، وأبا الْحَسَن بْن عَبْد
السّلام.
استُشْهِد ببغداد فِي سادس عشر المحرَّم، قتله غلامه لأجل سُحْت
الدُّنْيَا.
كتب عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ، وغيره.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن سالم) في: تاريخ إربل 1/ 402، والتكملة لوفيات
النقلة 1/ 155 رقم 140.
[2] وقال البرجوني: وهو أول شيخ لقيته، وقرأت عليه القرآن، وهو الّذي
لقّنني إيّاه أجمع.
وكان من خيار الناس، رحمه الله.
[3] انظر عن (أحمد بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 150 رقم 129،
وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 221، وتلخيص مجمع الآداب
4/ رقم 11، والمختصر المحتاج إليه 1/ 208.
(41/260)
وعاش 83 سنة [1] .
242- أَحْمَد بْن أَبِي السَّعادات الْمُبَارَك بْن الْحُسَيْن بْن
عَبْد الوهَّاب بْن الْحُسَيْن بْن نَغَوبا [2] .
أَبُو الفَرَج الواسطيّ.
وُلِد سنة خمسمائة، وحدّث عَنْ خميس بْن عَلِيّ الحوزيّ الحافظ، والفضل
بْن الْحُسَيْن بْن تُرْكان، وأبي تغلب مُحَمَّد بْن عُجَيْف،
وَغَيْرُهُمْ.
ونَغُوبا لقبٌ لجدِّهِ، لُقِّبَ باسم ضيعةٍ كَانَ يُكثر المُضِيّ
إليها.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
وقَالَ يوسف بْن خليل: رَوَى عَنْ أَبِي سَعِيد مُحَمَّد بْن حَمَّاد
العميد، عَنِ البرمكيّ «جزء الْأَنْصَارِيّ» سماعا [3] .
243- أَحْمَد بْن مَنْصُور بْن أَحْمَد بْن عَبْد الله [4] .
أَبُو الْعَبَّاس الكازرُونيّ.
قدِم بغداد، وسَمِع: أَبَا مُحَمَّد سِبْط الخيّاط، وأبا عَبْد اللَّه
بْن السّلّال، وأبا بَكْر أَحْمَد بْن الأشقر، وجماعة.
وكتب أكثر مسموعاته، وتفقّه مدّة عَلَى مذهب الشّافعيّ. ثُمَّ وُلّي
قضاء كازرون، ثُمَّ قدِم بعد مدةٍ رسولا من أمير شيراز، وحدَّث.
رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ فَقَالَ: سَمِعْتُ منه
مشيخته فِي سبعة أجزاء
__________
[1] ولد في شهر ربيع الآخر سنة 504 هـ.
[2] انظر عن (أحمد بن أبي السعادات) في: تاريخ إربل 1/ 402، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 154 رقم 138، وإكمال الإكمال لابن نقطة (مخطوط) ورقة
58.
[3] أخذ عنه الإجازة أبو الفضل المرجّى بن أبي الحسن بن هبة الله بن
شقيرة بن غزال القزّاز الواسطي المتوفى سنة 656 هـ. في جمادى الأولى من
سنة 578 هـ. (تاريخ إربل) .
[4] انظر عن (أحمد بن منصور) في: معجم البلدان 4/ 336، وطبقات الشافعية
الكبرى للسبكي 4/ 56 (6/ 64، 65) والتكملة لوفيات النقلة 1/ 155، 156
رقم 141، والمختصر المحتاج إليه 1/ 218، والعقد المذهب لابن الملقّن
(مخطوط) ورقة 165، وهدية العارفين 1/ 88، والأعلام 1/ 244، 245، ومعجم
المؤلفين 2/ 182.
(41/261)
جَمَعَها لنفسه، وقَالَ لي وُلِدتُ سنة ستّ
عشرة وخمسمائة [1] .
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى بشيراز [2] .
وَقَدْ حفظ أَبُو الْعَبَّاس هَذَا جماعة كتبٍ فِي اللّغة والعربيّة.
244- أَحْمَد بْن أَبِي مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم [3] .
أَبُو الرضا، الرجل الصّالح الْمُقْرِئ النّجّاد [4] .
من شيوخ بغداد.
سَمِع: عَبْد الوهَّاب الأَنْماطيّ، وأبا الْحَسَن بْن عَبْد السّلام،
وغيرهما.
ويُعرف بابن العُوديّ [5] .
قرأ القراءات عَلَى سِبْط الخيّاط. وكان ناسخا.
245- إِبْرَاهِيم بْن بركة بْن إِبْرَاهِيم بْن طاقوَيْه [6] .
أَبُو إِسْحَاق الأَزَجّي البيّع [7] .
وُلِد سنة ثلاث وخمسمائة، وقرأ ببعض الروايات على أبي بكر المزرقيّ،
وأبي الفضل الإسكاف.
وسَمِع: أَبَا العزّ بْن كادش، وزاهر بْن طاهر، وابن الحُصَيْن،
وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْر الحازميّ، وأبو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ،
ويوسف بْن خليل.
ولم يكن بالمَرْضِيّ فِي دينه.
تُوُفّي فِي ذِي القعْدة.
__________
[1] في العقد المذهب: ولد سنة 510 هـ. وهو خطأ.
[2] ووقع في هدية العارفين أنه توفي سنة 578 هـ. وهو خطأ. وأرّخ كحّالة
وفاته بسنة 586 هـ. (معجم المؤلفين) ، وهو غلط.
[3] انظر عن (أحمد بن أبي محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 157، 158
رقم 147، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 242، والمشتبه
2/ 478.
[4] النجاد: بالدال المهملة في آخره.
[5] العودي: بضم العين المهملة وسكون الواو وبعدها دال مهملة مكسورة.
[6] انظر عن (إبراهيم بن بركة) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 162، 163
رقم 155، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 244، والمختصر
المحتاج إلهي 1/ 229.
[7] قال المنذري: وكان يذكر أن له نسبا بالإمام أحمد بن حنبل- رضي الله
عنه- من قبل أمّه.
(41/262)
قَالَ ابن النّجّار: وكان يشرب الخمر.
246- إِسْحَاق بْن هبة اللَّه.
أَبُو طاهر الأسنانبرتيّ الضّرير الْمُقْرِئ، ويُسمّى أَحْمَد.
من سَوَاد العراق.
قرأ بالروايات على: هبة الله بن الطّبر، وسِبْط الخيّاط.
وسَمِع من: عَلِيّ بْن عَبْد السّيّد، وغيره.
وسكن دمشق وأقرأ بها. وكان صالِحًا، مجوِّدًا، مقرئا.
سَمِع منه: أَبُو المواهب بْن صَصْرى، والخَضِر بْن عَبْدان.
حدَّث فِي هَذِهِ السنة.
247- أسعد بْن إلياس بْن جرجس [1] .
المطران موفّق الدّين الطّبيب، طبيب السّلطان صلاح الدّين، وشيخ
الأطبّاء بالشّام. وكان من أَهْل الظَّرافة والنّظافة، ومن ذوي الفصاحة
والحصافة.
وفّقه اللَّه فِي بدايته للإسلام، ونال الحشمة والاحترام.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
وكان مَعَ براعته فِي الطّبّ عارِفًا بالعربيّة، ذكيّا، كثير الاشتغال،
لَهُ تصانيف.
وكان مليح الصّورة، سَمْحًا، جوادا، نبيلا، يركب فِي مماليكَ تُرْكٍ
حَتَّى كأَنَّه وزير، ويتيه ويحمق.
وَقَدِ اشتغل عَلَى مهذَّب الدّين بْن النّقّاش.
ويُقَالُ إنَّه من عُجْبِه وبَأوِهِ عمل أنابيبَ بركةِ قاعتِهِ
ذَهَبًا. وزوّجه السّلطان بواحدة من حظاياه.
__________
[1] انظر عن (أسعد بن إلياس) في: الفتح القسّي 576، ومرآة الزمان ج 8 ق
1/ 411، 412، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء 2/ 175- 181، وتاريخ ابن
الفرات ج 4 ق 2/ 46، وشذرات الذهب 4/ 288، وكشف الظنون 243، 1388،
والمخطوطات العربية لشيخو 17، ومعجم الأطباء لأحمد عيسى 135، 136،
وأعيان الشيعة 11/ 188- 194، ومعجم المؤلفين 2/ 245.
(41/263)
وخلّف منَ الكُتُب نحوا من عشرة آلاف
مجلَّدة. وأجلّ تلامذته المهذّب عَبْد الرحيم بْن عَلِيّ الدّخوار [1]
.
248- أسعد بْن نصر بْن أسعد.
أَبُو مَنْصُور بْن العَبَرْتيّ الشّاعر.
أَخَذَ الأدب عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بْن الخشّاب، وغيره.
وتُوُفّي فِي رمضان.
249- إقبال بْن الْمُبَارَك بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن [2] .
أَبُو جَعْفَر العُكْبَرِيّ، الواسطيّ، المعدّل.
__________
[1] وقال سبط ابن الجوزي: وكان الموفق يحب أهل البيت ويبغض ابن عنّين
الشاعر لخبث لسانه ولقبح هجائه وثلبه لأعراض الناس ويحرّض السلطان على
نفيه من البلاد وقال:
أليس هو القائل:
سلطاننا أعرج وكاتبه ... أعمش والوزير منحدب
فهجاه ابن عنّين وقال:
قالوا الموفّق شيعي، فقلت لهم ... هذا خلاف الّذي للناس منه ظهر
فكيف يحمل دين الرفض مذهبه ... وما دعاه إلى الإسلام غير عمر
(وهذا إشارة إلى أن الموفق صحب صبيّا من المسلمين اسمه عمر وكان حسن
الصورة فأحسن إليه) .
وكان الموفق يعود الفقراء المرضى ويحمل إليهم من عنده الأشربة والأدوية
حتى أجرة الحمّام، وزوّجه السلطان بجارية له يقال لها جورة وكانت من
حظايا السلطان، ونقل معها جهازا عظيما، وقال ليلة عرسها: احملوا إليه
المطبخ، فنزل الموفق جامع دمشق ليصلّي العصر فجاء إليه الصوفيّة
الخانكاه وطلبوا منه سماعا بالخانكاه، فقال: سمعا وطاعة، وقام فدخل إلى
الخانكاه الصميصاطي واستدعى مطبخ السلطان من دار العقيقي، وأحضرت
المغاني والحلاوة الكثيرة إلى الخانكاه، ونزلت العروس مع حظايا السلطان
إلى دار العقيقي، فأقمن طول الليل وهو عند الصوفية وهم يرقصون وما
علموا أنها ليلة عرسه، فاستحيى أن يعرّفهم، فلما كان في آخر الليل قيل
للصوفية: أيش عملتم، الرجل الليلة عريس على جارية السلطان، والساعة
يبلغ السلطان فيغضب، فجاءوا إليه بأجمعهم واعتذروا وسألوه أن يمضي،
فقال: لا والله إلى الصباح. وبلغ السلطان فقال: ألام على هذا وتقريبه؟.
[2] انظر عن (إقبال بن المبارك) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 159 رقم
149، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 275، ولسان الميزان
1/ 465.
(41/264)
سَمِع: عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن شِيران، وأبا
عليّ الفارقيّ، وأبا عبد الله مُحَمَّد بْن عَلِيّ الجلّابيّ،
وَغَيْرُهُمْ.
وحدَّث، وتُوُفّي فِي خامس رمضان [1] .
- حرف الحاء-
250- الْحُسَيْن بْن حَمْزَة بْن الْحُسَيْن بْن حُبَيْش [2] .
البَهْرَاني، الحبشيّ، الحمويّ، القُضاعيّ، الشّافعيّ، قاضي حماه، أمين
الدّولة، أَبُو القاسم.
أحد الكُرماء الأجواد. كَانَ يُضيِّفُ الخاصّ والعامّ. وكان السّلطان
صلاح الدّين يُكرمه ويُجله. وكان لا يقبل برَّ أحدٍ. نقلتُ هَذَا مِن
تعاليق البرزاليّ، وأنّه مات سنة سبع، في ترجمة العدل كمال الدّين
عَبْد الوهَّاب بْن القاضي محيي الدّين حَمْزَة بْن مُحَمَّد قاضي
القُضاة بحماه أَبِي القاسم هَذَا.
قُلْتُ: ومن أولاده خطيب دمشق موفّقُ الدِّين مُحَمَّد بْن مُحَمَّد
بْن المفضّل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد المنعم بْن أَبِي القاسم.
251- الْحُسَيْن بْن يَوْحن بْن أبويه [3] .
الباوريّ.
شيخ صالح تُوُفّي بأصبهان.
يروي عَنْ: أَبِي الفضل الأُرْمَوِيّ، وابن ناصر.
فِي السّنة الآتية، والأظهر أَنَّهُ تُوُفّي فِي هذا العام.
__________
[1] قال المنذري: ولكنه غير مرضيّ.
[2] انظر عن (الحسين بن حمزة) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 412، 413،
وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 40 أ، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق
2/ 49.
[3] ستعاد ترجمة (الحسين بن يوحن) في وفيات 588-. برقم (292) .
(41/265)
- حرف السين-
252- سُلَيْمَان [1] بْن جَنْدَر [2] .
الأمير الكبير عَلَم الدّين صاحب عزاز، وبغْراس.
أحد الأمراء الكبار، لَهُ مواقف مشهودة فِي جهاد الفِرَنج.
تُوُفّي فِي أواخر ذِي الحجَّة بقرية غباغِب.
- حرف الصاد-
253- صالح الزَّناتيّ [3] .
أَبُو الْحَسَن الإشبيليّ العابد، أحد الأولياء.
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي «تاريخه» ، فَقَالَ: زاهد عابد
لَمْ يتشبّث منَ الدُّنْيَا بقليلٍ ولا بكثير، ولا شاهده أحدٌ يبتاع
شيئا، ولا يطبخ قِدْرًا. وكان يأوي إلى مسجد.
شيّع جنازته أمم لا يُحْصَوْن.
- حرف العين-
254- عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحقّ [4] .
القاضي أبو مُحَمَّد الأندلسيّ الْأَنْصَارِيّ.
__________
[1] انظر عن (سليمان بن جندر) في: الفتح القسّي 294، والكامل في
التاريخ 12/ 77، وفيه «جندر» بالجيم. وورد في نسختين خطيتين منه «حيدر»
، والروضتين 2/ 195، والدر المطلوب 82 وفيه «جندر» ، والسلوك ج 1 ق 1/
107 وفيه «جندر» ، والعسجد المسبوك 2/ 216 وفيه «حيدر» : والنجوم
الزاهرة 6/ 113، وشفاء القلوب 117، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 413 وفيه
«جندر» ، وفي نسخة خطية أخرى «حيدر» ، انظر الحاشية (1) ، وتاريخ ابن
الفرات ج 4 ق 2/ 46 وفيه «جندر» ، وص 97، وزبدة الحلب 3/ 84، «جندر»
وفي الأصل المخطوط «حيدر» ، انظر الحاشية، وص 85، 90، والوافي بالوفيات
15/ 372 رقم 519 «جندر» ، والأعلام 3/ 183.
[2] في الأصل: «حندر» بالحاء المهملة. والمثبت عن أغلب المصادر.
[3] انظر عن (صالح الزناتي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[4] انظر عن (عبد الله بن عبد الحق) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
(41/266)
وُلّي قضاء إشبيلية.
قَالَ الأَبّار: كَانَ جزْلًا، صارما، صليبا فِي الحقّ، ذا سطوةٍ
مرهوبة، وأحكام محمودة.
255- عَبْد اللَّه بْن عَبْد القادر بْن أَبِي صالح [1] .
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الجيليّ [2] .
كَانَ أكبر وُلِد الشَّيْخ: وُلِد سنة ثمانٍ وخمسمائة.
وسَمِع: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بن البنّاء.
ويُقَالُ إنَّه حدَّث ولم يكن مشتغلا بالعلم.
تُوُفّي فِي صَفَر.
256- عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَعْلَى
[3] .
أَبُو القاسم الشّيرازيّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ، الخيّاط.
سَمِع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا البركات عَبْد اللَّه بْن
أَحْمَد البيّع.
وحدَّث.
تُوُفّي فِي المحرَّم.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن القَطِيعيّ.
257- عَبْد الحقّ بن عبد الملك بن بونه بن سعيد [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن عبد القادر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 149
رقم 783، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 93، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 152، 153 رقم 135.
[2] الجيلي: بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وبعدها لام، وهي بلاد
متفرقة وراء طبرستان، ويقال لها أيضا: جيلان، وينسب إليها جيلاني،
ويقال فيها: كيل وكيلان، فعرّبت.
[3] انظر عن (عبد الله بن مسعود) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 170 رقم
810، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 150 رقم 130، وتاريخ ابن الدبيثي
(مخطوطة باريس 5922) ورقة 108.
[4] انظر عن (عبد الحق بن عبد الملك) في: صلة الصلة لابن الزبير 7، 8،
وتكملة الصلة لابن الأبّار 648، 649، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 164،
165 رقم 160، والوافي بالوفيات 18/ 65، 66 رقم 59، والعبر 4/ 261 وفيه
مات 586 أو 587 هـ.، والمشتبه 1/ 104، وسير أعلام النبلاء 21/ 275، 276
رقم 148، والوفيات لابن قنفذ 295، وتوضيح
(41/267)
أَبُو مُحَمَّد المالقيّ، العَبْدَريّ،
المعروف بابن البيطار. نزيل مدينة المُنكَّب بالأندلس. شيخ مُعَمَّر،
يروي عن: أَبِيهِ أَبِي مَرْوَان، وأبي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأبي بحر
بْن العاص، وغالب بْن عطيّة، وأبي الْحَسَن بْن الباذش، وأبي الْحَسَن
بْن مغيث، وطائفة.
وأجاز لَهُ أَبُو عَلِيّ بْن سُكَّرَة.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار [1] : كَانَ عالي الإسناد، صحيح
السّماع، اعتنى بِهِ أَبُوه وسمّعه صغيرا، ورحل بِهِ إلى قُرْطُبة
فأورثه نباهة، وأخذ عَنْهُ جماعة من شيوخنا، وقرأتٌ بخطّ ابن سالم
أَنَّهُ تُوُفّي فِي آخر سنة سبع وثمانين.
وقال ابن حَوْط اللَّه: تُوُفّي يوم الأضحى سنة ستّ وثمانين [2] . وكان
مولده فِي سنة أربعٍ وخمسمائة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ جماعة كابن دحية، وغيره.
وقَالَ ابن فرتون: ثنا عَنْهُ: هاني بْن هاني، وابنا حَوْط اللَّه،
وأَبُو الرَّبِيع بْن سالم، وَغَيْرُهُمْ.
ومن روايته عَنِ اثنين عَنْ أَبِي بَكْر عَنْ أَبِي الفضل الجوهريّ
قَالَ:
يا خَرِبَ القلب عامرَ الوطن ... عِشْتَ وغرَّتْكَ صحَّةُ البَدَنِ
لا أَنْت قصَّرتَ فِي القبيح ولا ... سترتَ بعضَ القبيح بالحَسَن
لو كنتَ مِمَّنْ تكفّه وَعْظةٌ ... كفّك ذِكرُ الحنُوط والكَفَنِ
258- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن المسلَّم بْن الحسين [3] .
__________
[ () ] المشتبه 1/ 670 و «بونه» : بضم الباء والنون. والهاء ساكنة.
[1] في تكملة الصلة 648.
[2] وجاء في (توضيح المشتبه 1/ 270) أنه توفي سنة 585 هـ.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن علي) في: تاريخ إربل 1/ 91، والتقييد لابن
نقطة 343 رقم 421، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 161 رقم 153، وتكملة
إكمال الإكمال لابن الصابوني 123، والعبر 4/ 261، والإعلام بوفيات
الأعلام 242، وسير أعلام النبلاء 21/ 196، 197 رقم 97، والمعين في
طبقات المحدّثين 180 رقم 1918، والمشتبه 1/ 226، وطبقات الشافعية
الكبرى للسبكي 4/ 190- 195 (7/ 153، 154) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ
1/ 534، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 41 أ، ب، والعقد
(41/268)
الفقيه أَبُو مُحَمَّد اللَّخْميّ،
الدّمشقيّ، الخِرَقيّ [1] ، الفقيه الشّافعيّ.
وُلِد فِي نصف شعبان سنة تسعٍ وتسعين وأربعمائة.
وسَمِع: أَبَا الحسَن عَلِيّ بْن المَوَازِينيّ، وعبد الكريم بْن
حَمْزَة، وعليّ بْن أَحْمَد بْن قُبَيْس، وأبا الْحَسَن بْن المسلم
الفقيه، وطاهر بْن سهل الإسْفَرَائينيّ، والْحُسَيْن بْن حَمْزَة
الشُّعَيْريّ، ونصر اللَّه المَصِّيصيّ الفقيه، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ الموفَّق، والبهاء [2] عَبْد الرَّحْمَن،
والحافظ الضّياء، ويوسف بْن خليل، وخطيب مَرْو، وإِبْرَاهِيم بْن خليل،
وعبد الرَّحْمَن بْن سلطان الحنفيّ، وأَبُو الثّناء محمود بن نصر الله
ابن البَعْلَبَكّيّ، ومحمد بْن سعد الكاتب، وأحمد بْن عَبْد الدّائم،
وطائفة سواهم.
ونقلت من خطّ عُمَر بْن الحاجب قَالَ: حكى ابن نُقْطة [3] عَنِ ابن
الأَنْماطيّ أنّ الخِرَقيّ رَوَى نسخة أَبِي مُسْهِر بقوله، ولم يوجد
لَهُ بها سَمَاع [4] ، إنّما سُمِعت عليه بقوله، عَنِ ابن
المَوَازِينيّ.
قَالَ ابن الحاجب: وكان فقيها، عدْلًا، صالحا، يقرأ كُلّ يومٍ وليلةٍ
خَتْمة.
تُوُفّي فِي ذِي القعدة.
وأنبأني أَبُو حامد بْن الصّابونيّ أنّ أَبَا مُحَمَّد بْن الخِرَقيّ
أعاد مدَّة بالأمينيَّة لجمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن السّلميّ،
وكان من جلّة العدول بدمشق،
__________
[ () ] المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 159، وتوضيح المشتبه 1/ 183،
184، والكواكب الدريّة للمناوي 2/ 88، والنجوم الزاهرة 6/ 116، وشذرات
الذهب 4/ 289.
[1] الخرقي: بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء. نسبة إلى بيع الخرق
والثياب. ضبطه المؤلّف- رحمه الله- في المشتبه، وتابعه ابن ناصر الدين
في التوضيح.
وخالف محقّقو كتاب: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 153) فقالوا: بفتح
الخاء المعجمة والراء المهملة، وهذه النسبة إلى «خرق» قرية من قرى مرو،
وهذا غير صحيح.
[2] في الأصل: البا عبد الرحمن.
[3] في التقييد 343.
[4] العبارة في (التقييد) : «ولم يوجد له بها سماع أصلا أنها قرئت
عليه» .
(41/269)
وأضرّ فِي الآخر وأُقعِد، فاحتاج ليلة إلى
الوضوء، ولم يكن عنده فِي البيت أحد. فذُكِر عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:
فبينا أَنَا أتفكّر إذا بنورٍ منَ السّماء دخل البيت، فبصُرت بالماء
فتوضّأت، حدَّث بذلك بعض إخوانه، وأوصاه أن لا يخبر بها إلّا بعد موته
[1] .
259- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مغاور [2] .
الفقيه أَبُو بَكْر السّلميّ، الشّاطبيّ، الكاتب.
وُلِد فِي سنة اثنتين وخمسمائة.
وسَمِع من: أَبِيهِ مُحَمَّد بْن مغاور بْن الحَكَم، وأبي عليّ
الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الصَّدَفيّ ابن سُكَّرَة، وَهُوَ آخر مَن
سَمِع منه.
وأخذ «صحيح الْبُخَارِيّ» عَنْ أَبِي جَعْفَر أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن
غزلون [3] صاحب أَبِي الْوَلِيد الباجيّ.
وسَمِع أيضا من أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن جحدر الْأَنْصَارِيّ،
الشّاطبيّ.
قَالَ الأَبّار [4] : وكان بقيّة مشيخة الكتّاب والأدباء والمشاهير، مع
الثّقة والكرم، بليغا مفوّها، مدركا، له حظّ وافر من قرض الشّعر وصدق
اللهجة طال عمره وعلت روايته.
وتوفّي في صفر.
حدّث بشاطبة، فروى عنه: أبو القاسم الطّيّب المرسيّ، وقال: هو
__________
[1] وقال ابن نقطة: حدّث بكتاب «السنن» لأبي دَاوُد، عن عَبْد الكريم
بْن حَمْزَة، عن الخطيب، قال لي بدل بن أبي المعمّر التبريزي: إنه كان
يفوته الجزء الأخير من السنن، وأوله: باب ما يقول الرجل إذا تعارّ من
الليل، إلى آخر الكتاب. (التقييد) .
[2] انظر عن (ابن مغاور) في: تكملة الصلة (مخطوط) 3/ ورقة 13، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 153 رقم 136، وزاد المسافر للتجيبي 37، والعبر 4/
261، 262، وسير أعلام النبلاء 21/ 150، 151 رقم 77، وشذرات الذهب 4/
289.
[3] في الأصل: «عزلون» بالعين المهملة، وكذا في أصل (سير أعلام
النبلاء) ، والمثبت عن (الصلة في تاريخ أئمة الأندلس لابن بشكوال 1/
79) وهو: أبو جعفر أحمد بن علي بن غزلون الأموي التّطيلي المتوفى
بالعدوة سنة 524 هـ.
[4] في تكملة الصلة 3/ ورقة 13.
(41/270)
رئيس البلاغة، وابنا حَوْط اللَّه، وهاني
بْن هاني، وأَبُو الرَّبِيع بْن سالم.
260- عَبْد المنعم بْن أَبِي البركات عَبْد اللَّه [1] بْن مُحَمَّد
بْن الفضل [2] أَبِي [3] أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
أَبُو المعالي الصّاعديّ، الفُرَاوِيّ الأصل، النَّيْسابوريّ.
وُلِد سنة سبع وتسعين وأربعمائة فِي ربيع الأوّل.
وسَمِع من: جَدّه، وعبد الغفّار بْن مُحَمَّد الشِّيرُويّ [4] ، وأبي
نصر عَبْد الرّحيم بن القُشَيْريّ، وأبي الفضل الْعَبَّاس بْن أَحْمَد
بْن مُحَمَّد الشَّقَّانيّ، وأبي الْحَسَن طريف بْن مُحَمَّد
الحِيرِيّ، وجماعة.
وحجّ فِي أواخر عمره، وحدَّث بالحَرَمَيْن وبغداد. وتفرَّد عَنْ
أقرانه.
وكان أسند أَهْل خُراسان.
رَوَى عَنْهُ: مُكْرَم بْن مَسْعُود الفقيه، والإمام شمس الدّين
أَحْمَد بْن عَبْد الواحد والد الفخر بْن الْبُخَارِيّ، والتّقيّ
عَلِيّ بْن باسُوَيْه، وأَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عُمَر
القُرْطُبيّ الْمُقْرِئ، وأَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن عَبْد
الجبّار الأُمَويّ، وأَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، والنّفيس
مُحَمَّد بْن رواحة، والتّاج محمد بن أبي جعفر، وآخرون.
__________
[1] انظر عن (عبد المنعم بن أبي البركات) في: مشيخة النعّال 107، 108،
وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 184، 185، والتاريخ
المجدّد لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 26، والعبر 4/ 462، ودول
الإسلام 2/ 99، والمعين في طبقات المحدّثين 190 رقم 1919، وسير أعلام
النبلاء 21/ 179، 180 رقم 90، والإعلام بوفيات الأعلام 242، والمختصر
المحتاج إليه 3/ 90 رقم 922، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 158، 159 رقم
148، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 175 رقم 130، ومرآة الجنان 3/ 433،
والنجوم الزاهرة 6/ 116، وشذرات الذهب 4/ 289.
[2] في شذرات الذهب «المظفر» بدل «الفضل» .
[3] في الأصل: «أبو» .
[4] الشيروي أو الشيروئي، أو الشيروييّ: بكسر الشين المعجمة، وسكون
الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وضم الراء وفي آخرها ياء أخرى. هذه
النسبة إلى شيرويه، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه. (الأنساب 7/ 466)
.
(41/271)
وَهُوَ من بيت الرواية والإسناد العالي
هُوَ وابنه مَنْصُور، وأبوه، وجَدّه، وأَبُو جَدّه، وحفيده مُحَمَّد
بْن مَنْصُور.
وفُراوَة، بالضّمّ والفتح، بُلَيْدَة ممّا يلي خُوارزم.
قدِم منها أَبُو مَسْعُود الفضل فسكن نَيْسابور.
تُوُفّي عَبْد المنعم رحِمَه اللَّه فِي أواخر شعبان بنَيْسابور،
وَلَهُ تسعون سنة.
261- عَلِيّ بْن أَبِي السَّعادات بْن عَلِيّ بْن مَنْصُور [1] .
أَبُو الْحَسَن الهاشميّ، الْبَغْدَادِيّ، الخرّاط.
شيخ معمّر، سَمِع «جزء ابن عَرَفَة» من: أَبِي القاسم بْن بيان.
رَوَى عَنْهُ: سَعِيد بْن الْمُبَارَك، وأبو بَكْر الخبّاز.
وتُوُفّي فِي صَفَر.
262- عُمَر بْن الأمير نور الدّين شاهنشاه بن الأمير نجم الدين أيوب بن
شاذي [2] .
الملك المظفَّر تقيّ الدّين صاحب حماه، وأَبُو ملوكها.
__________
[1] انظر عن (علي بن أبي السعادات) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 152
رقم 133.
[2] انظر عن (عمر بن شاهنشاه) في: زبدة الحلب 3/ 121، وخريدة القصر
(بداية قسم شعراء الشام) 80، والفتح القسّي 566، والنوادر السلطانية
191، والروضتين 2/ 194، والأعلاق الخطيرة 3/ ق 1/ 57، 58، 97، 118 وق
2/ 453، 493، ومفرّج الكروب 2/ 375، وتاريخ إربل 1/ 298 و 416، ووفيات
الأعيان 3/ 456، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 159، 160 رقم 150، والكامل
في التاريخ 12/ 34- 37 و 61، 63، والمختصر في أخبار البشر 3/ 80،
والدرّ المطلوب 110، ودول الإسلام 2/ 99، والإعلام بوفيات الأعلام 242،
وسير أعلام النبلاء 21/ 202، 203، رقم 100، والعبر 4/ 262، ومرآة
الجنان 3/ 433، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 286، وتاريخ ابن
الوردي 2/ 103، 104، والبداية والنهاية 12/ 346، وطبقات الشافعية لابن
كثير (مخطوط) ورقة 141 ب، 142 أ، والوافي بالوفيات 22/ 484- 487 رقم
344، والعسجد المسبوك 2/ 211، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 47، 48،
والسلوك ج 1 ق 1/ 107، والنجوم الزاهرة 6/ 113، وشفاء القلوب 234،
وترويح القلوب 49، والدارس 1/ 216، وشذرات الذهب 4/ 289، والقلائد
الجوهرية 187، والبدر السافر للأدفوي (مخطوطة الفتح 4201) ورقة 41 ب.
(41/272)
كَانَ بطلا شجاعا لَهُ مواقف مشهودة فِي
قتال الفِرَنج مَعَ عمّه السّلطان صلاح الدّين، وكان يحبّه، وَهُوَ
الَّذِي أَعْطَاه حماه. وَقَدِ استنابه عَلَى مصر مدَّة، وأعطاه
المَعرَّة، وسَلَمية، وكَفَرْطاب، وميّافارقين. ثُمَّ أَعْطَاه فِي
العام الماضي حَرّان والرُّها بعد ابن صاحب إربل، فأذِن لَهُ فِي
السَّفَر إلى تِلْكَ البلاد ليقرّر قواعدها، فسار إليها وإلى
ميّافارقين في سبعمائة فارس، وكان عالي الهمَّة، فقصد مدينة حاني
فحاصرها وافتتحها، فَلَمَّا سَمِع الملك بكتمر صاحب خِلاط سار لقتاله
فِي أربعة آلاف فارس فالتقوا، فلم يثُبت عسكر خِلاط وانهزموا، فساق
تقيّ الدّين وراءهم، وأخذ قلعة لبكتمر، ونازل خِلاط وحاصرها، فلم ينل
غَرَضًا لقلّة عسكره، فرحل. ونازل منازكُرد مدَّة. وَلَهُ أفعال بِرّ
بمصر والفيّوم.
وسَمِع بالإسكندريّة منَ: السِّلَفيّ، والفقيه إِسْمَاعِيل بْن عَوْف،
وروى شيئا من شِعره.
تُوُفّي عَلَى منازكرد محاصرا لها، وهي من عمل أرمينيَّة فِي طريق
خِلاط، فِي تاسع عشر رمضان، ونُقِل إلى حماه فدُفن بها. وكان فِيهِ
عدل، وكرم، ورئاسة.
ثُمَّ فوَّض السّلطان حماه، والمَعَرَّة، وسَلَمية إلى ولده الملك
المَنْصُور ناصر الدّين مُحَمَّد.
وكان تقيّ الدّين قد حدَّث نفسه بتملُّك الدّيار المصريّة، فلم يتمّ
لَهُ، وعُوفي عمّه صلاح الدّين، وطلبه إلى الشّام، فامتنع واستوحش،
وهَمَّ باللّحُوق بمملوكيه قراقوش وبوزبا اللَّذَين استوليا عَلَى
بَرْقة وأطراف المغرب، وتجهَّز للمسير، ثُمَّ سار إِلَيْهِ الفقيه
عِيسَى الهَكّاريّ الأمير، وكان مَهِيبًا مُطاعًا، فثنى عزْمه، وأخرجه
إلى الشّام، فأحسن إِلَيْهِ عمّه السّلطان وأكرمه وداراه، وأعطاه عدّة
بلاد.
قَالَ ابن واصل [1] : كَانَ الملك المظفَّر عُمَر شجاعا جوادا، شديد
__________
[1] في مفرّج الكروب 2/ 375.
(41/273)
البأس، عظيم الهيبة، ركنا من أركان البيت
الأيّوبيّ. وكان عنده فضل وأدب، وَلَهُ شِعْر حَسَن، أصيب السّلطان
صلاح الدّين بموته لأنّه كَانَ من أعظم أعوانه عَلَى الشّدائد. وتملّك
حَرّان، والرُّها بعده العادل سيف الدّين.
- حرف الغين-
263- غيّاث بْن هيّاب [1] بْن غيّاث بْن الْحُسَيْن.
أَبُو الفضل الْبَصْرِيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، المعروف بالأنطاكيّ.
سَمِع: عَبْد اللَّه بْن رفاعة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الطاهر إِسْمَاعِيل بْن الأَنْماطيّ.
وغيّاث وهيّاب بالتّشديد.
- حرف الفاء-
264- فضالة بْن نصر اللَّه بْن جَوّاس [2] .
أَبُو المكارم العُرْضيّ.
سَمِع بدمشق من: أَبِي الفتح نصر اللَّه المَصِّيصيّ.
وحدَّث.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّد وإِسْمَاعِيل ابنا أَبِي جَعْفَر.
265- الفضل بْن أَبِي المطهّر القاسم بْن الفضل بْن عَبْد الواحد [3] .
أَبُو الفضائل الأصبهانيّ، الصَّيْدلانيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي عليّ الحدّاد، وغيره.
رَوَى عَنْهُ: الحافظان أَبُو بكر الحازميّ، وأبو نزار ربيعة اليمنيّ.
تُوُفّي فِي الحادي والعشرين من جمادى الآخرة.
__________
[1] في الأصل: «هيّاث» ، والتصحيح من:
التكملة لوفيات النقلة 1/ 164 رقم 159، وتكملة إكمال الإكمال لابن
الصابوني 363، والمشتبه 1/ 441.
[2] انظر عن (فضالة بن نصر الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 151 رقم
131.
[3] انظر عن (الفضل بن أبي المطهّر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 156
رقم 143.
(41/274)
وكان مُكثِرًا. وَهُوَ أخو عَبْد الواحد.
- حرف القاف-
266- قزل أرسلان [1] .
أخو البهلوان مُحَمَّد بْن إلدكز [2] .
ولّي أذربيجان، وأرّان، وهَمَذَان، وأصبهان، والرّيّ بعد أَخِيهِ.
وَقَدْ كَانَ سار إلى أصبهان والفِتّن بها متّصلة بَيْنَ المذاهب،
وَقَدْ قُتِلَ خلْق، فقبض عَلَى جماعة منَ الشّافعيَّة فصلب بعضهم،
وعاد إلى هَمَذَان، وخطب لنفسه بالسّلطنة.
وكان فِيهِ كَرَم وعدْل وحلْم فِي الجملة.
قُتِلَ ليلة عَلَى فراشه غِيلة، ولم يُعرف قاتله، وذلك فِي شعبان [3] .
قاله ابن الأثير [4] .
- حرف الميم-
267- محمد بن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن وضّاح [5] .
أَبُو القاسم اللَّخْميّ، الغرناطيّ.
أَخَذَ القراءات عَنْ: أَبِي الْحُسَيْن بْن هُذَيْل.
وحجَّ فأخذ القراءات بمكة عَنْ: أبي عليّ بن العرجاء سنة سبع وأربعين.
__________
[1] انظر عن (قزل أرسلان) في: الكامل في التاريخ 12/ 75، 76، ومرآة
الزمان ج 8 ق 1/ 406 (وفيات 586 هـ.) ، والمختصر في أخبار البشر 3/ 81،
والعبر 4/ 262، وتاريخ ابن الوردي 2/ 104، والعسجد المسبوك 2/ 215 وفيه
«قرا» ، ومآثر الإنافة 2/ 57، 58، وشذرات الذهب 4/ 289.
[2] تصحّف في شذرات الذهب 4/ 289 إلى «الزكر» .
[3] جاء في مآثر الإنافة أنه مات سنة 586 هـ.
[4] في الكامل 12/ 76.
[5] انظر عن (محمد بن إبراهيم) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 544،
والذيل والتكملة لكتاب الموصول والصلة 6/ 104، ومعرفة القراء الكبار 2/
571 رقم 527، وغاية النهاية 2/ 46، ونفح الطيب 2/ 160.
(41/275)
وحجّ ثلاث حجج. ودخل بغداد، ثمّ ردّ
واستوطن جزيرة شقر خطيبا ومقرئا بلا معلوم. وكان زاهدا قانتا واحدا في
وقته، يشار إليه بإجابة الدّعوة.
أخذ عنه: ابنه أبو بكر محمد بن محمد، وأبو عبد الله بن سعادة.
268- محمد بن أحمد بن سلطان [1] .
أبو الفضل الواسطيّ، الغرّافيّ.
حدّث عَنْ: أَبِي عليّ الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ.
والغَرَّاف: من سواد واسط.
269- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه الْجَمَديّ، والْجَمَد: قرية بِدُجَيْل.
سكن بغداد، وسَمِع من: أَبِي البدر الكَرْخيّ، وعبد الوهَّاب بْن
الأَنْماطيّ، وسعد الخير الأندلسيّ، وطائفة.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن خَالِد الحربيّ.
وكان صالحا خيّرا، مُجاوِرًا بجامع الرّصافة [3] .
270- محمد بن الحسن بن محمد [4] .
أبو عبد اللَّه الرَّاذانيّ [5] ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ.
كَانَ من أولاد المشايخ.
سَمِع: أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا القاسم بْن السّمرقنديّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن سلطان) في: التكملة لوفيات النقلة 1/
154، 155 رقم 139.
[2] انظر عن (محمد بن أحمد بن عبد الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/
116، 117 رقم 81، والمشتبه 1/ 169، وتوضيح المشتبه 2/ 392.
[3] ورّخ المنذري وفاته في سنة 585 هـ.
[4] انظر عن (محمد بن الحسن بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 156
رقم 142، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي 1870) ورقة 31، والمختصر
المحتاج إليه 1/ 34، 35، وتاج العروس 2/ 563.
[5] قال المنذري: وهو منسوب إلى راذان العراق، وليس هو من راذان
المدينة.
(41/276)
سَمِع منه: مُحَمَّد بْن محمود بْن المعزّ
الحرَّاني، وغيره.
تُوُفّي فِي جُمادى الأولى.
271- مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم ابْن شيخ الشّيوخ إِسْمَاعِيل بْن
أَبِي سعد [1] .
النَّيْسابوريّ، الصُّوفيّ.
صحِب جَدّه، وسَمِع منه، ومن: أَبِي الفتح عَبْد الملك الكَرُوخيّ [2]
، وأبي الوقت السَّجْزيّ.
وتُوُفّي فِي جمادى الآخرة.
حدَّث بدمشق فسمع منه: أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن أَبِي الحديد
الدّمشقيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن المَرْوَزِيّ.
272- مُحَمَّد بْن عَلِيّ الوزير أَبِي طَالِب بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ.
أَبُو المحاسن السُّمَيْرَميّ، الأصبهانيّ، الملقَّب بالعضُد.
قتِل أَبُوهُ ببغداد سنة ستّ عشرة، وحُمِل فِي تابوت، وسار معه ولده
هَذَا إلى أصبهان. ثُمَّ إنَّه قدِم فِي دولة المقتفي والمستنجد
ومَدَحهما، وخدم فِي الدّيوان، ثُمَّ عاد إِلَى أصبهان، ومضى إلى
أَذَرْبَيْجان، وخدم السّلطان دَاوُد، وتولّى الكتابة والإنشاء، ثُمَّ
عاد إلى أصبهان وتزهّد وتعبّد، وأقبل عَلَى شأنه.
وَقد سمع بأصبهان من غانم بْن خَالِد، ومن إِسْمَاعِيل الحافظ. وكتب
كُتُبًا كثيرة بخطّه المليح. وَلَهُ شِعرٌ رائق. وترجّل لَهُ قاضي
أصبهان مرّة، فرأى سَرجَه بالحرير، فأنكر عليه وعنّفه. تُوُفّي فِي
رمضان سنة سبْعٍ وثمانين.
- مُحَمَّد.
ويلقّب بالفضل، أَبُو المحاسن وَلَدُ الوزير الكبير أَبِي طَالِب
عَلِيّ بن أحمد السّميرميّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الكريم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 156،
157 رقم 144، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي 1870) ورقة 66، 67،
وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 65 رقم 273.
[2] في الأصل: «الكروجي» بالجيم، وهو تحريف.
(41/277)
وُلِد سنة 505، هُوَ هَذَا المتقدّم.
273- مُحَمَّد بْن عُمَر بْن لاجين [1] .
ابن أخت السّلطان صلاح الدّين، الأمير حسام الدّين.
تُوُفّي فِي تاسع عشر رمضان فِي اللّيلة الّتي تُوُفّي فِي صبيحتها
صاحب حماه تقيّ الدّين، فحزن عليهما السّلطان.
ودُفِن حسام الدّين فِي التُّربة الحُساميَّة المنسوبة إِلَيْهِ من
بناء والدته ستّ الشّام، وهي فِي الشّاميَّة الكبرى بظاهر دمشق.
وقيل اسمه عُمَر بْن لاجين.
274- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد.
أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ، الفقيه، قاضي مالقة.
رَوَى عَنْ: أَبِي القاسم بْن رضا، وأبي جَعْفَر بْن الباذش.
وعاش ثمانين سنة.
275- مُحَمَّد بْن الموفّق بْن سَعِيد بْن عَلِيّ بْن الحسن [2] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عمر) في: الكامل في التاريخ 12/ 77، ومرآة الزمان
ج 8 ق 1/ 413، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 49، والمختصر في أخبار البشر
3/ 80، وتاريخ ابن الوردي 2/ 104.
[2] انظر عن (محمد بن الموفّق) في: معجم البلدان 3/ 398، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 161، 162 رقم 154، ورحلة ابن جبير 23، والتاريخ
المظفري لابن أبي الدم (مخطوط) ورقة 224، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 414،
415، ووفيات الأعيان 4/ 239 رقم 597، والعبر 4/ 262، 263، والإعلام
بوفيات الأعلام 242، وسير أعلام النبلاء 21/ 204- 207 رقم 101، والدرّ
المطلوب 110، و 111، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 190 (7/ 14) ،
وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) 142 أ، وطبقات الشافعية للإسنويّ
1/ 493، 494، ومرآة الجنان 3/ 433، 434، وطبقات الشافعية لابن قاضي
شهبة 2/ 378 رقم 346، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 143 ب،
144 أ، والبداية والنهاية 12/ 347، والوافي بالوفيات 5/ 99 رقم 2108،
وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 49- 51، والعقد المذهب لابن الملقّن
(مخطوط) ورقة 25، وطبقات الأولياء، له 471 رقم 155، والسلوك ج 1 ق 1/
107، والمقفّى الكبير 7/ 225- 229
(41/278)
نجم الدّين أَبُو البركات الخُبُوشانيّ [1]
، الصُّوفيّ، الفقيه الشّافعيّ.
قَالَ القاضي شمس الدّين [2] : كَانَ فقيها ورِعًا، تفقّه بنَيْسابور
عَلَى مُحَمَّد بْن يَحْيَى وكان يستحضر كتابه «المحيط» حَتَّى قِيلَ
أَنَّهُ عُدِم الكتاب فأملاه من خاطره. وَلَهُ كتاب «تحقيق المحيط»
وَهُوَ فِي ستة عشر مجلدا رَأَيْته.
وقَالَ الحافظ المُنْذريّ: كَانَ مولده بأستوا بخبوشان في رجب سنة عشر
وخمسمائة، وحدَّث عَنْ: أَبِي الأسعد هبة الرَّحْمَن القُشَيْريّ.
وقدم مصر سنة خمس وستين فأقام بالمسجد المعروف بِهِ بالقاهرة عَلَى باب
الجوانية مدة، ثُمَّ تحوَّل إلى تربة الشافعيّ رحِمَه اللَّه، وتبتل
لعمارة التربة المذكورة والمدرسة، ودرّس بها مدّة طويلة، وأفتى. ووضع
فِي المذهب كتابا مشهورا.
وخُبُوشان قرية من أعمال نَيْسابور.
وقَالَ ابن خلّكان [3] : كَانَ السّلطان صلاح الدّين يقرّبه ويعتقد فِي
علمه ودِينه، وعمَّرَ لَهُ المدرسة المجاورة لضريح الشّافعي، ورأيتُ
جماعة من أصحابه، وكانوا يصفون فضله ودينه، وأَنَّهُ كَانَ سليم
الباطن.
وقَالَ الموفَّق عَبْد اللَّطيف: كَانَ فقيها صوفيّا، سكن خانقاه
السُّمَيْساطيّ بدمشق، وكانت له معرفة بنجم الدّين أيّوب، وبأَسَد
الدّين أَخِيهِ. وكان قَشفًا فِي العيش، يابسا فِي الدّين، وكان
يَقُولُ بمِلءِ فِيهِ: اصعد إلى مصر وأُزيل ملك بني عُبَيْد اليهوديّ.
فَلَمَّا صعِد أسد الدّين صعد ونزل بمسجد، وصرّح
__________
[ () ] رقم 3294، والنجوم الزاهرة 6/ 115، وعقد الجمان للعيني (مخطوط)
17/ ورقة 133 ومعجم الشافعية لابن عبد الهادي (مخطوط) ورقة 62، وتاريخ
الخلفاء 457، وحسن المحاضرة 1/ 189. والكواكب الدريّة للمناوي 2/ 100،
ومفتاح السعادة 2/ 210، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 245، والأعلام 7/ 342،
ومعجم المؤلفين 12/ 69.
[1] الخبوشانيّ: بضم الخاء المعجمة والباء الموحّدة كما قيّده ابن
السمعاني، وابن الأثير، والمنذري، والسبكي وغيرهم. أما ياقوت فقال في
(معجم البلدان 2/ 300) بفتح الخاء المعجمة، وتابعه ابن عبد الحق في
(مراصد الاطلاع) .
[2] هو ابن خلّكان في (وفيات الأعيان 4/ 239) .
[3] في وفيات الأعيان 4/ 240.
(41/279)
بثلْب أهلِ القصر، وَجَعَل تسبيحه سبَّهم،
فحاروا فِي أمره، فأرسلوا إِلَيْهِ بمالٍ عظيم، قِيلَ مبلغه أربعة آلاف
دينار، فَلَمَّا وقع نَظَرُه عَلَى رسولهم وَهُوَ بالزِّيّ المعروف،
نهض إِلَيْهِ بأشدّ غضب وقَالَ: ويلك ما هَذِهِ البدعة؟ وكان الرجل قد
زوّر في نفسه كاملا يلاطفه بِهِ، فأعجله عَنْ ذَلِكَ، فرمى الدّنانير
بَيْنَ يديه، فضربه عَلَى رأسه، فصارت عمامته حَلقًا فِي عُنقه، وأنزله
منَ السُّلَّم وَهُوَ يرمي بالدّنانير عَلَى رأسه، ويلعن أَهْل القصر.
ثُمَّ إنّ العاضد تُوُفّي، وتهيَّب صلاح الدّين أن يخطب لبني
الْعَبَّاس خوفا منَ الشّيعة، فوقف الخُبُوشانيّ قُدّام المنبر بعصاه،
وأمَر الخطيب أن يذكر بني الْعَبَّاس، ففعل، ولم يكن إلّا الخير. ووصل
الخبر إلى بغداد، فزيّنوا بغداد وبالغوا، وأظهروا منَ الفرح فوق
الوصْف.
ثُمَّ إنّ الخُبُوشانيّ أَخَذَ فِي بناء ضريح الشّافعيّ، وكان مدفونا
عنده ابن الكيزانيّ، رجلٌ ينسب إلى التّشبيه، وَلَهُ أتباع كثيرون منَ
الشّارع.
قُلْتُ: بالغ الموفّق، فإنّ هَذَا رجلٌ سُنّيّ يلعن المشبِّهة، تُوُفّي
فِي حدود السّتّين وخمسمائة.
قَالَ: فَقَالَ الخُبُوشانيّ: لا يكون صِدّيق وزِنديق فِي موضع واحد.
وَجَعَل ينبش ويرمي عظامه وعظام الموتى الَّذِين حوله، فشدّ الحنابلة
عليه وتألّبوا، وصار بينهم حملات حربيَّة، وزحفات إفرنجيَّة، إلى أن
غلبهم وبنى القبر والمدرسة، ودرّس بها. وكان يركب الحمار، ويجعل تحته
أكْسِية لئلّا يصل إِلَيْهِ عَرَقُه. وجاء الملك الْعَزِيز إلى زيارته
وصافَحَه، فاستدعى بماءٍ وغَسَل يده وقَالَ: يا ولدي إنّك تمسك [1]
العنان، ولا يتوقّى الغلمانُ عليه.
فَقَالَ: اغسِل وجهك، فإنّك بعد المصافحة لمستَ [2] وجهك. فقال: نعم.
وغسَل وجهه.
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 21/ 205 «تمسّ»
[2] في سير أعلام النبلاء 21/ 205 «لمست» .
(41/280)
وكان أصحابه يتلاعبون بِهِ، ويأكلون
الدُّنْيَا بسببه، ولا يسمع فيهم قولا، وَهُم عنده معصومون.
وكان مَتَى رَأَى ذِميًّا راكبا قصد قتله، فكانوا يتحامونه، وإنَّه ظفر
بواحد منهم، فوكزه بالمِقْرَعة، فأندر عينه وذهبت هَدْرًا. وكان هَذَا
طبيبا يُعرف بابن شوعَة، وكان صلاح الدّين لمّا توجّه إلى الفِرَنج
نوبة الرملة خرج فِي عسكرِ كثيفٍ فيهم أربعة عشر ألف فارس مزاجي
العِلل، وجاء إلى وداعه، فالتمس منه أن يُسقِط رسوما لا يمكن إسقاطها،
فسَاء عليه خُلُقه وقَالَ: قُمْ لا نَصَرَك اللَّه. ووكزه بعصا، فوقعت
قَلَنْسُوَتُه عَنْ رأسه. فوجمَ لها، ثُمَّ نهض متوجِّهًا إلى الحرب،
فكسر وأسر كثيرا من أصحابه، فظنّ أنّ ذَلِكَ بدعوة الشَّيْخ، فجاء
وقبّل يديه، وسأله العفو.
وكان تقيّ الدّين عُمَر ابن أَخِي صلاح الدّين لَهُ مواضع يباعُ فيها
المِزْرُ.
فكتبَ ورقة إلى صلاح الدّين فيها: إنّ هَذَا عُمَر لا جَبَره الله يبيع
المِزْر.
فسيّرها إلى عُمَر وقَالَ: لا طاقة لنا بهذا الشَّيْخ فارْضِهْ. فركب
إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ حاجبه ابن السّلّار: قفْ بباب المدرسة وأسبقك.
فأُوطِّئ لك. فدخل وقَالَ:
إنّ تقيّ الدّين يُسلّم عليك. فَقَالَ: بل شقيّ الدّين لا سلّم اللَّه
عليه.
قَالَ: إنَّه يعتذر ويقول: لَيْسَ لي موضعُ يباع فِيهِ المِزْر.
فَقَالَ: يكذب.
فَقَالَ: إنْ كَانَ هناك موضع مزْرٍ فأرِناه. فَقَالَ: أُدْنُ.
وأمْسَكَ ذُؤابتيه وَجَعَل يلطم عَلَى رأسه وخدَّيه ويقول: لستُ مزارا
فأعرف مواضع المِزْر، فخلّصوه من يده، فخرج إلى تقيّ الدّين وقال: سلمت
وفديتك بنفسي.
وعاش هَذَا الشَّيْخ عُمره لَمْ يأخذ دِرهمًا من مال الملوك، ولا أكل
من وقف المدرسة لُقمةً، ودُفِن فِي الكساء الّذين صحِبه من خُبُوشان.
وكان بمصر رَجُل تاجر من بلده يأكل من ماله. وكان قليل الرُّزْءِ،
لَيْسَ لَهُ نصيب فِي لذّات الدُّنْيَا.
ودخل يوما القاضي الفاضل لزيارة الشّافعيّ، فوجده يُلقي الدّرس عَلَى
(41/281)
كُرسيّ ضيّق، فجلس عَلَى طرفه وجّنْبه إلى
القبر، فصاح به: قم ظهرك إلى الْإِمَام. فَقَالَ: إنْ كنتُ
مُسْتَدْبِرُهُ بقالبي فأنا مستقبله بقلبي، فصاح فِيهِ أخرى وقَالَ: ما
تعبّدنا بهذا. فخرج وَهُوَ لا يعقِل.
تُوُفّي فِي ذِي القعدة [1] .
276- محمود بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن [2] .
الفقيه أَبُو القاسم القزْوينيّ، الشّافعي، الواعظ.
ولد سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وحدَّث بمصر عَنْ أَبِي شجاع عُمَر بْن
مُحَمَّد البِسْطاميّ، وأبي القاسم بْن عساكر، والسِّلَفيّ [3] .
ودرّس بمشهد الْحُسَيْن مدَّةً. ووعظ.
وتُوُفّي فِي صَفَر [4] .
- حرف النون-
277- نور العين بِنْت أَبِي بَكْر [5] بْن أَحْمَد بْن أَبِي اللّيات
[6] .
الحربيَّة البغداديّة.
__________
[1] ورّخه ابن أيبك الدواداريّ مرّتين، في وفيات سنة 587 هـ. وفي وفيات
سنة 588 هـ.
(الدرّ المطلوب 110 و 111) .
[2] انظر عن (محمود بن محمد) في: التدوين في أخبار قزوين 4/ 77، 78،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 152 رقم 134، ومعجم الشافعية لابن عبد
الهادي (مخطوط) ورقة 79.
[3] وله سماع ببغداد سنة 542 هـ. حيث سمع «تحفة الزائر» للخوارزمي.
[4] وقال الرافعي القزويني: ومحمود بن محمد هذا أظنّه الّذي كان يطوف
بالشام وديار مصر، وخطب بديار مصر العباسية أولا حين رفع الملك يوسف بن
أيوب رحمه الله تعالى الدعوة الفاسدة. (التدوين) .
[5] انظر عن (نور العين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 157 رقم 145.
[6] في الأصل: «اللباب» ، والتصحيح من التكملة.
(41/282)
أجاز لها شجاع الذُّهْليّ، وأبو طَالِب بْن
يوسف، وعُبَيْد اللَّه بْن نَصْر الزّاغونيّ.
رَوَت بالإجازة.
وتُوُفّيت فِي رَجَب.
- حرف الياء-
278- يَحْيَى [1] بْن حَبَش [2] بْن أميرك [3] .
الشّهاب السَّهْرُوَرْديّ، الفيلسوف [4] .
شابٌّ فاضل، متكلّم، مُناظر، يتوقّد ذكاء.
ذكره ابن أَبِي أُصَيْبَعَة [5] فَقَالَ: اسمه عُمَر. كَانَ أوحد فِي
العلوم الحكميَّة، جامعا لفنون الفلسفة، بارعا فِي أصول الفِقه، مُفْرط
الذّكاء، فصيح العبارة، لَمْ يناظر أحدا إلّا أرْبى عليه، وكان علمه
أكثر من عقله.
__________
[1] انظر عن (يحيى بن حبش) في: معجم الأدباء 7/ 269، ووفيات الأعيان 6/
268، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة 2/ 167، وآثار
البلاد وأخبار العباد للقزويني 571، والمختصر في أخبار البشر 3/ 82781،
ودول الإسلام 2/ 99، وسير أعلام النبلاء 21/ 207- 211 رقم 102،
والإعلام بوفيات الأعلام 242، والعبر 4/ 263- 265، وتاريخ ابن الوردي
2/ 104، 105، ومرآة الجنان 3/ 434- 437، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/
442، 443، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 144 ب، 145 أ،
والعسجد المسبوك 2/ 213، 214، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 51- 57،
والفلاكة والمفلوكين 67، والنجوم الزاهرة 6/ 114، ومفتاح السعادة 1/
340، 341، وشذرات الذهب 4/ 290، 291.
[2] تحرّف من «حبش» إلى «حنش» في: المختصر في أخبار البشر 3/ 81،
وتاريخ ابن الوردي 2/ 104، وقد قيّدها ابن خلّكان بفتح الحاء المهملة
والباء الموحّدة. (وفيات الأعيان 6/ 273) .
[3] أميرك: بالفارسية تعني «أمير» بالتصغير، والعجم يضيفون الكاف في
آخر الأسماء للتصغير.
[4] وقيل في اسمه: يحيى، أو محمد، أو عمر، (الفلاكة 67) وقيل يكنى: أبو
الفتوح، وقيل اسمه أحمد، وقيل اسمه كنيته. (تاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/
51) .
[5] في عيون الأنباء 2/ 167.
(41/283)
قَالَ فخر الدّين المارْدِينيّ: ما أذكى
هَذَا الشّابّ وأفصحه إلّا أنّي أخشى عليه لكثرة تهوّره واستهتاره
تلافَه [1] .
ثُمَّ إنّ الشّهاب السَّهْرُوَرْديّ قدِم الشامَ فناظر فُقهاء حلب، ولم
يُجارِه أحدٌ، فاستحضره الملك الظّاهر، وعقد لَهُ مجلسا، فبان فضله،
وبهر علمه، وحَسُنَ موقعه عِنْد السّلطان، وقرّبه، واختصّ بِهِ،
فشنّعوا عليه، وعملوا محاضر بكُفره، وسيّروها إلى السّلطان صلاح
الدّين، وخوّفوه من أن يفسد اعتقاد ولده، وزادوا عليه أشياء كثيرة،
فبعث إلى ولده الملك الظّاهر بخطّ القاضي الفاضل يَقُولُ فِيهِ: لا بدّ
من قتله، ولا سبيل إِلَى أن يُطْلق ولا يُبْقى بوجه. فَلَمَّا لَمْ
يبْقَ إلّا قتْله اختار هُوَ لنفسه أن يُتْرَك فِي بيتٍ حَتَّى يموت
جوعا، فَفُعِل بِهِ ذَلِكَ فِي أواخر سنة ستّ وثمانين بقلعة حلب. وعاش
ستّا وثلاثين سنة.
حكى ابن أَبِي أُصَيْبَعَة [2] هَذَا الفصل عَنِ السّديد محمود بْن
زُقَيْقَة [3] . ثُمَّ قَالَ: وحَدَّثَنِي الحكيم إِبْرَاهِيم بْن
صَدَقَة أَنَّهُ اجتمع مَعَ الشّهاب هُوَ وجماعة، وخرج من باب الفَرَج
إلى الميادين، فجرى ذِكر السِّيمياء، فمشى قليلا وقَالَ:
ما أحسن دمشق وهذه المواضع. فنظرنا فإذا من ناحية الشّرق جواسق مبيّضة
كثيرة مزخرفة، وَفِي طاقاتها نساء كالأقمار ومغاني، وغير ذَلِكَ
فتعجّبنا وانذهلنا فبقينا ساعة، وعُدنا إلى ما كنّا نعرفه، إلّا أنّي
عِنْد رؤية ذَلِكَ بقيت أحسّ من نفسي كَأَنِّي فِي سِنَّة خَفِيَّة،
ولم يكن إدراكي كالحالة الّتي أتحقَّقها منّي.
وحَدَّثَنِي بعض فُقهاء العجم قَالَ: كُنَّا مَعَ شهاب الدّين عِنْد
القابون، فَقُلْنَا: يا مولاي، نريد رأس غنم. فأعطانا عشرة دراهم،
فاشترينا رأسا، ثمّ
__________
[1] عيون الأنباء 2/ 167.
[2] في عيون الأنباء.
[3] زقيقة: بالزاي المضمومة وفتح القاف، وبعدها ياء مثنّاة من تحتها
ساكنة، وقاف مفتوحة أخرى. وهو سديد الدين محمود بن عمر الشيبانيّ
الطبيب، له شعر جيد، روى عنه منه القوصيّ في معجمه. (المشتبه 1/ 322) .
(41/284)
تنازعنا نحن والتّركمانيّ فَقَالَ
الشَّيْخ: رُوحوا بالرأس وأنا أُرْضِيه، فتقدّمنا، ثُمَّ تبِعَنا
الشَّيْخ، فَقَالَ التُّرْكماني: أعطني رَحْلي وأرْضِني. وَهُوَ لا
يردّ فِي التُّرْكمانيّ، وجذب يده وقَالَ: كيف تَرُوح وتُخلّيني؟ فإذا
بيد الشَّيْخ قَدِ انخلعت من كتفه، وبقيت فِي يد التُّرْكمانيّ، ودمُها
يَشْخَب. فتحيّر التُّرْكمانيّ، ورماها وهرب، فأخذ الشَّيْخ تِلْكَ
اليد اليُسرَى بيده اليُمنى، فَلَمَّا صار معنا رأينا فِي يده منديله
لا غير [1] .
وقَالَ الضّياء صَقْر: فِي سنة تسعٍ وسبعين قدِم إلى حلب شهاب الدّين
عُمَر السَّهْرُوَرْديّ، ونزل فِي مدرسة الحلاويَّة، ومدرسُها الافتخار
الهاشميّ، فحَضَر وبحث وَهُوَ لابس دلق، وَلَهُ إبريق وعكّاز. فأخرج
لَهُ افتخار الدّين ثوب عتّابيّ [2] ، وبقيار [3] ، وغلالة، ولباس [4]
، وبعثها مَعَ ولده إِلَيْهِ. فسكت عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: ضَعْ هَذَا
واقضِ لي حاجة. وأخرج فَصّ بَلَخْش كالبيضة، ما ملك أحدٌ مثله وقَالَ:
نادِ لي عليه وعرِّفْني. فجاب خمسة [5] وعشرين ألفا.
فأخذه العريف وطلع إلى الملك الظّاهر غازي، فدفع فِيهِ ثلاثين ألفا.
فنزل وشاور، فأتاه ابن الافتخار وعرّفه، فتألَّم وصعُب عليه، وأخذ
الفَصَّ جعله عَلَى حَجَر، وضربه بحجرٍ آخر فتّته، وقَالَ: يا ولدي،
خُذْ هَذِهِ الثّياب، وقبلْ يدَ والدك، وقُلْ لَهُ: لو أردنا الملبوس
ما غُلِبنا عَنْهُ.
فراح إلى أَبِيهِ، وعرّفه، فبقي متحيّرا.
وأمّا السّلطان فطلب العريف وقَالَ: أريد الفَصّ. فَقَالَ: هُوَ لابن
الشّريف الافتخار. فركب السّلطان، ونزل إلى المدرسة، وقعد في الإيوان
__________
[1] انظر وفيات الأعيان.
[2] هكذا في الأصل، وكذا في سير أعلام النبلاء 21/ 209، والصواب: «ثوبا
عتابيا» .
[3] هكذا في الأصل. والصواب: «بقيارا» ، والبقيار من البقير المشقوق
كالمبتور، وهو برد بلا كمّين يشقّ فيلبس. (القاموس المحيط- مادة «بقر»
) .
[4] هكذا في الأصل، والصواب «لباسا» ، وقد أبقيت على الأصل كما كتبه
المؤلّف- رحمه الله-.
[5] في الأصل: «خمس» .
(41/285)
وكلّمه، فَقَالَ السّلطان: إن صَدَق حدسي
فهذا الشّهاب السَّهْرُوَرْديّ. ثُمَّ قام واجتمع بِهِ، وأخذه معه إلى
القلعة، وصار لَهُ شأنٌ عظيم، وبحث مَعَ الفقهاء وعجّزهم، واستطال
عَلَى أهل حلب، وصار يكلّمهم كلام من هُوَ أعلى [1] منهم قدْرًا،
فتعصّبوا عليه، وأفتوا فِي دمه حَتَّى قُتِلَ.
وقيل: إنّ الملك الظّاهر سيّر إِلَيْهِ من خنقه، ثُمَّ بعد مدةٍ نقم
عَلَى الَّذِين أفتوا فِي دمه، وحبس جماعة وأهانهم وصادرهم.
حَدَّثَنِي السّديد محمود بْن زُقَيْقَة قَالَ: كَانَ السَّهْرُوَرْديّ
لا يلتفت إلى ما يلبسه، ولا يحتفل بأمور الدُّنْيَا. كنتُ أتمشّى أَنَا
وَهُوَ فِي جامع ميّافارقين وعليه جُبَّة قصيرة زرقاء، وعلى رأسه
فُوطة، وَفِي رِجليه زرْبول، كأَنَّه خربنْدا.
وللشّهاب شِعْر رائق حَسَن، وَلَهُ مصنّفات منها كتاب «التّلويحات
اللّوحيَّة والعرشيَّة» [2] ، وكتاب «اللَّمْحَة» ، وكتاب «هياكل
النّور» ، وكتاب «المعارج» وكتاب «المطارحات» [3] ، وكتاب «حكمة
الإشراق» .
قُلْتُ: سائر كتبه فلسفة وإلحاد. نسأل اللَّه السّلامة فِي الدّين.
قُتِلَ سنة سبع وثمانين [4] .
وذكره في حرف الياء ابن خَلِّكان [5] ، فسمّاه كَمَا ذكرنا، وأنّه قرأ
الحكمة والأصول عَلَى مجد الدّين الْجِيليّ شيخ الفخر الرَّازيّ
بَمَراغة، وقَالَ:
كَانَ شافعيّ المذهب، وَلَهُ فِي النَّظْم والنَّثْر أشياء، ولقّبوه
المؤيّد بالملكوت.
قَالَ [6] : وكان يُتَّهم بانحلال العقيدة والتّعطيل، ويعتمد مذهب
الحكماء
__________
[1] في الأصل: «أعلا» .
[2] في المختصر لأبي الفداء 3/ 82: «التلويحات والتنقيحات والمشارع
والمطارحات» .
[3] جعله المؤلّف- رحمه الله- والّذي قبله كتابا واحدا في سير أعلام
النبلاء 21/ 210 فقال:
«كتاب المعارج والمطارحات» .
[4] وفي: الفلّاكة للدلجي 67 مات سنة 586 هـ.
[5] في وفيات الأعيان 6/ 268.
[6] في وفيات الأعيان 6/ 272.
(41/286)
المتقدّمين. اشتهر ذَلِكَ عَنْهُ، وأفتى
علماء حلب بإباحة دمه. وكان أشدّهم عليه زين الدّين، ومجد الدّين ابني
جَهْبَل.
ابن خَلَّكان قَالَ [1] : قَالَ السيفُ الآمِديّ: اجتمعت
بالسَّهْرُوَرْديّ بحلب، فرأيته كثير العِلم، قليل العقل. قَالَ لي: لا
بُدّ أن أمِلك الأرض. رأيتُ كَأَنِّي قَدْ شرِبتُ ماء البحر. فقلتُ:
لعلّ هَذَا يكون اشتهار العِلم وما يناسب هَذَا.
فرأيته لا يرجع [2] . ولمّا أن تحقّق هلاكه قَالَ:
أرى قدمي أراقَ دمي ... وهانَ دمي فها نَدَمي
قَالَ ابن خَلِّكان [3] : حَبَسه الملك الظّاهر، ثُمَّ خنقه فِي خامس
رجب سنة سبْع.
وقَالَ بهاء الدّين بْن شدّاد [4] : قُتِلَ ثُمَّ صُلِب أيّاما.
وقَالَ: أُخْرِج السَّهْرُوَرْديّ ميّتا فِي سَلْخ سنة سبْعٍ منَ
الحبس، فتفرَّق عَنْهُ أصحابه.
وَقَدْ قرأتُ بخطّ كاتب ابن وداعة أنّ شيخنا محيي الدّين بْن النّحّاس
حدّثه قَالَ: حَدَّثَنِي جدّي موفّق الدّين يعيش النَّحْويّ، أنّ
السَّهْرُوَرِديّ لمّا تكلّموا فِيهِ قَالَ لَهُ تلميذ: قَدْ كثّروا
القول بأنّك تَقُولُ النُّبُوَّة مُكْتَسَبة، فانْزَحْ بنا.
فَقَالَ: اصبرْ عليَّ أيّاما حَتَّى نأكل البِطّيخ ونروح، فَإِن بي
طرفا منَ السِّلّ، وَهُوَ يوافقه.
ثُمَّ خرج إلى قرية دوبران الخشّاب، وبها مَحْفَرة تُراب الرّاس، وبها
بِطيخٌ مليح، فأقام بها عشرة أيّام، فجاء يوما إلى المَحْفَرة، وحفر
فِي أسفلها، فطلع لَهُ حَصًى، فأخذه ودهنه بدهنٍ معه، ولفّه في قطن
وتحمّله في وسطه
__________
[1] في وفيات الأعيان 6/ 272.
[2] المختصر لأبي الفداء 3/ 82.
[3] في وفيات الأعيان 6/ 272.
[4] في النوادر السلطانية.
(41/287)
ووسط أصحابه أيّاما. ثُمَّ أحضَر بعض من
يحكّ الجوهر، فحكّه فظهر كلُّه ياقوتا أحمر، فباع منه ووهب. ولمّا
قُتِلَ وُجد منه شيءٌ فِي وسطه [1] .
279- يَحْيَى بْن غالب [2] بْن أَحْمَد بْن أَبِي غالب.
أَبُو القاسم الْبَغْدَادِيّ، الحربيّ.
سَمِع: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف.
وأجاز لَهُ شجاع الذُّهْليّ، وأحمد بْن الْحُسَيْن بْن قريش.
وحدَّث.
وتوفّي فِي شعبان.
280- يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق.
أبو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، الّلِريّيّ، من أَهْل لِرْيَة.
أَخَذَ القراءات عَنْ أَبِيهِ، وسَمِع منه، ومن: ابن هُذَيْل.
وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الدَّانيّ، والسِّلَفيّ.
وتصدّر للإقراء. وخَلَف أَبَاه جاريا عَلَى مهْيَعه.
سَمِع منه مُحَمَّد بْن عُبَاد كثيرا، وأخذ عَنْهُ القراءات أَبُو
عَبْد اللَّه بْن هاجر.
وسَمِع منه فِي هَذِهِ السّنة أَبُو عَبْد اللَّه بْن غبَرة.
281- يَحْيَى بْن أَبِي القاسم مقبل بن أحمد بن بركة بن الصّدر [3] .
__________
[1] وقال القزويني: وحكى الحكيم الفاضل أبو الفتح يحيى السهروردي
الملقّب بشهاب الدين في بعض تصانيفه: بينا أنا بين النائم واليقظان
رأيت في نور شعشعاني بمثل إنساني، فإذا هو المعلّم، فسألته عن فلان
وفلان من الحكماء فأعرض عني، فسألته عن سهل بن عبد الله التستري
وأمثاله فقال: أولئك هم الفلاسفة حقّا، نطقوا بما نطقنا فلهم زلفى وحسن
مآب! (آثار البلاد 571) .
[2] في الأصل (يحيى بن أبي غالب) والتصحيح من: التكملة لوفيات النقلة
1/ 157 رقم 146.
[3] انظر عن (يحيى بن مقبل) في: مشيخة النعال 109، 110، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 163 رقم 156، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 899 (في من
لقبه: عفيف الدين) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 251 رقم 1368، والذيل
على طبقات الحنابلة 1/ 373،
(41/288)
أَبُو طاهر الْبَغْدَادِيّ، الحريميّ،
المعروف بابن الأبيض ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة.
وسمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
وحدَّث.
تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ذِي القعدة.
282- يَحْيَى بْن هبة اللَّه بْن فَضْل اللَّه بن محمد [1] .
أبو الحسن ابن النّخاس، بخاء معجمة، الواسطيّ، الغَرَّافيّ [2] .
حدَّث عَنْ: أَبِي عليّ الفارقيّ، وأبي الْحَسَن بْن عَبْد السّلام.
تُوُفّي فِي رابع شوّال.
وكان أَبُوهُ أَبُو المعالي قاضيا بالغرّاف.
283- يعقوب بْن يوسف بْن عُمَر بْن الْحُسَيْن [3] .
أَبُو محمد الحربيّ، الْمُقْرِئ.
قرأ القراءات عَلَى: الْحُسَيْن بْن محمد البارع، ومحمد بْن الْحُسَيْن
المَزْرَفيّ، وغيرهما.
وسَمِع منَ: ابن الحُصَيْن، وابن كادش، وأبي الْحُسَيْن بْن الفرّاء،
وجماعة.
وأقرأ النّاس القراءات، وكان مبرّزا فِي معرفتها، قيّما بها، ثقة،
مُسِنًّا.
رَوَى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن وقَالَ: سمعنا عليه، وعلى عَبْد
المغيث «مُسنّد» الْإِمَام أَحْمَد.
__________
[ () ] 374، وشذرات الذهب 4/ 292.
[1] انظر عن (يحيى بن هبة الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 160 رقم
151، والمشتبه 2/ 541، وتوضيح المشتبه 6/ 220.
[2] الغرّافي: بالغين المعجمة، وتشديد الراء، ثم فاء. نسبة إلى
الغرّاف: من سواد واسط.
[3] انظر عن (يعقوب بن يوسف) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 160، 161،
رقم 152، والمختصر المحتاج إليه 3/ 230، رقم 1308، ومعرفة القراء
الكبار 2/ 560، 561 رقم 515، وغاية النهاية 2/ 391.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 180 ولم
يترجمه.
(41/289)
وروى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه
الدُّبِيثيّ، وأجاز للزَّين بْن عَبْد الدّائم، وغيره.
وتُوُفّي فِي شوّال عَنْ سِنٍّ عالية.
وعنه أيضا: عَبْد الرَّحْمَن بْن يوسف بْن الكِلّ.
284- يوسف [1] بْن الْحَسَن [2] بْن أَبِي البقاء بْن الْحَسَن.
أَبُو مُحَمَّد العاقُوليّ [3] الأصل، الْبَغْدَادِيّ، المأمونيّ،
الْمُقْرِئ.
وُلد سنة عشر وخمسمائة.
وسمع من: أبي القاسم بن الحصين، وأبي بَكْر بْن عَبْد الباقي، وأبي
مَنْصُور القزّاز، وجماعة.
وكتب الكثير.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ [4] : كتبتُ عَنْهُ، وما أعلم من أمره إلّا
خيرا. وتُوُفّي فِي صَفَر.
وقَالَ ابن النّجّار: كَانَ صالحا متديّنا، إلّا أَنَّهُ لَمْ يكن يعرف
شيئا من علم الْحَدِيث، وَهُوَ كثير الغَلَط.
285- يوسف الأندلسيّ.
البِشْريّ، الزَّاهد، أَبُو الحَجَّاج. تلميذ أَبِي عَبْد الله بْن
المجاهد. مشهور بالزُّهد والعبادة، وَلَهُ فِي ذَلِكَ أخبار وأحوال.
وعاش نَحْوًا من ثمانين سنة.
توفّي فِي هَذِهِ السّنة ظنّا.
الكنى
286- أَبُو القاسم بْن حُبيش [5] .
__________
[1] انظر عن (يوسف بن الحسن) في: مشيخة النعال 101، 102، والتكملة
لوفيات النقلة/ 151، 152 رقم 132، والمختصر المحتاج إليه (مخطوط) ورقة
124.
[2] في الأصل: «الحسين» ، والتصحيح من المصادر.
[3] العاقولي: نسبة إلى دير العاقول: بلدة بين بغداد وواسط في شرقيّ
دجلة.
[4] في المختصر المحتاج إليه، ورقة 124.
[5] انظر عن (أبي القاسم بن حبيش) في: مفرّج الكروب لابن واصل ج 2.
(41/290)
البَهْرَاني، الحَمَويّ، الفقيه الشّافعيّ،
قاضي القُضاة بحماة، أمين الدّين.
قال القاضي ابن واصل: تُوُفّي فِي حادي عشر رمضان.
قَالَ: وكان رئيسا جوادا، عظيم القدْر بحماه، مشهورا عِنْد الملوك.
قُلْتُ: هُوَ من أجداد شيخنا موفّق الدّين الحَمَويّ خطيب دمشق.
[مواليد السنة] وفيها وُلِد: العماد أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن
السَّهْرُوَرِديّ، والمجد مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عساكر،
والنّجيب عبد اللّطيف بن الصّيقل، والنّصير بن تمّام رئيس المؤذّنين،
ونجم الدّين مظفَّر بْن مُحَمَّد بْن الياس بْن الشيرجيّ، والأمير
يعقوب بْن المعتمد العادليّ.
(41/291)
سنة ثمان وثمانين
وخمسمائة
- حرف الألف-
287- أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [1] .
الفقيه أَبُو العبّاس، العراقيّ، الحنبليّ، الْمُقْرِئ، الملقّن بجامع
دمشق تحت النَّسْر.
سَمِع: مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سهلون السِّبْط، وأبا الفتح
الكَرُوخيّ، وسعد الخير الْأَنْصَارِيّ، وجماعة.
وَهُوَ والد الرّشيد إِسْمَاعِيل الراويّ بالإجازة عَنِ السِّلَفيّ.
رَوَى عَنِ: الشَّيْخ موفّق الدّين، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
ذكر زكيّ الدّين المُنْذريّ [2] أَنَّهُ تُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة.
وقَالَ الضّياء مُحَمَّد: تُوُفّي فِي جُمادى الأولى سنة ستّ وسبعين،
فَوَهِم.
وذكره الشَّيْخ الموفّق فَقَالَ: إمامٌ فِي السُّنَّة داعيا إليها،
إمامٌ فِي القراءة، كَانَ يقرئ تحت النَّسْر، وكان ديّنا يَقُولُ
شِعْرًا حَسَنًا. وشرحَ عبادات الخِرَقيّ بالشِّعر.
وقَالَ ابن النّجّار: قرأ القرآن عَلَى سِبْط الخيّاط، وسَمِع بدمشق
فِي سنة إحدى وخمسين أيضا من مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الحوافر
البعلبكّيّ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن الحسين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 180 رقم
184، ومعرفة القراء الكبار 2/ 561 رقم 516، والوافي بالوفيات 6/ 352،
وذيل طبقات الحنابلة 1/ 376، 377، وغاية النهاية 1/ 50، وشذرات الذهب
4/ 293.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 228 ولم يترجم
له.
[2] في التكملة.
(41/292)
وروى عَنْهُ أيضا: يوسف بْن خليل، ومحمد
بْن طرخان.
وقَالَ ابن خليل: قرأ القرآن بالقراءات عَلَى أَبِي مُحَمَّد، وغيره.
وكان شيخا فاضلا، متفنِّنًا، طيّب المحاضرة.
تُوُفّي سنة ثمانٍ.
288- أَحْمَد بْن خَلَف [1] .
أَبُو القاسم الكَلاعيّ، الإشبيليّ، الفقيه، المعروف بالحوفي.
سَمِع «صحيح الْبُخَارِيّ» من أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي بَكْر بْن
العربيّ.
وولّي قضاء إشبيلية مرَّتين. وكان مشكورا فِي الأحكام، فَرَضِيًّا [2]
.
289- إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد بْن أَبِي بَكْر [3] .
الفقيه، الأخباريّ أَبُو إِسْحَاق الهاشميّ، الْعَبَّاسيّ،
الْمَصْرِيّ، إمام مَسْجِد الزُّبَير.
من فُضلاء المالكيَّة.
حدَّث عَنْ: أَبِي القاسم بْن عساكر بمصر.
وألّف تاريخا فِي أمراء مصر إلى أيّام صلاح الدّين، وجمع مجاميع.
وَلَهُ كتاب «البُغْية والاغتباط فِي من سكن الفُسطاط» [4] ، وكتاب فِي
الوعظ. وله نَظْم.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل [5] وله ثلاثٌ وسبعون سنة [6] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن خلف) في: الوفيات لابن قنفذ 295، 296 رقم 588
وفيه قال محقّقه السيد عادل نويهض بالحاشية رقم (3) : «من أهل الحوف
بمصر، ولم أعثر على ترجمة وافية له فيما بين يدي الساعة من كتب الرجال»
.
[2] وقال ابن قنفذ: «وكان قوته في مدّة قضائه من صيد الحوت بيده، وكان
الأمير يقوم بأمر بغلته، ولم يزد ثوبا على مرقّعته» .
[3] انظر عن (إبراهيم بن إسماعيل) في: المقفّى الكبير للمقريزي 1/ 1004
رقم 54، وسيعيده المؤلّف- رحمه الله- في السنة التالية، رقم (323) .
[4] في المقفّى: «البغية والاغتباط فيمن ولي مصر والفسطاط» .
[5] في المقفى: يوم الأحد حادي عشرين شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين
وخمسمائة.
[6] في المقفى: مولده آخر شهر رمضان سنة خمس عشرة وخمسمائة.
(41/293)
290- إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ بْن
إِبْرَاهِيم بْن أَبِي القاسم [1] .
أَبُو الفضل الْجَنْزَويّ [2] الأصل، الدّمشقيّ، المولد والدّار،
الفقيه الشّافعيّ الشُّرُوطيّ، الكاتب المعدَّل، الفَرَضيّ. ويُقَالُ
فِيهِ أيضا الْجَنْزيّ.
وُلِد فِي ربيع الأوّل سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وتفقّه عَلَى جمال
الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن بْن المسلَّم، وأبي الفتح نصر اللَّه
المَصِّيصيّ، وسَمِع منهما.
ومنَ: الأمين هبة اللَّه بْن الأكفانيّ، وعبد الكريم بْن حَمْزَة،
وطاهر بْن سهل، وعليّ بْن قُبَيْس، ويَحْيَى بْن بِطريق، وأبي بَكْر
مُحَمَّد بْن القاسم الشّهْرَزُوريّ، وطبقتهم بدمشق.
ورحل فسمع: أَبَا البركات هبة اللَّه بْن البخاريّ، وأبا محمد عَبْد
اللَّه بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وأبا عليّ الْحَسَن بْن إِسْحَاق
الباقَرْحيّ [3] ، وأبا الْحَسَن مُحَمَّد بْن مرزوق الزَّعْفَرانيّ،
وأبا نصر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسيّ، وأبا القاسم هبة اللَّه
الحريريّ، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وطائفة كبيرة ببغداد، وبالأنبار.
كتب عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وأَبُو المواهب بن صصريّ،
وأبو محمد القاسم ابن الحافظ، وعبد الْعَزِيز بْن الأخضر، وعبد القادر
بْن الرهاويّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد، ويوسف بن خليل الحفّاظ، والشّيخ
موفّق الدّين،
__________
[1] انظر عن (إسماعيل بن علي) في: معجم البلدان 2/ 132، وتاريخ ابن
الدبيثي (مخطوطة باريس 5921) ورقة 245، 246، والمختصر المحتاج إليه 1/
242، 243، والعبر 4/ 266، والمشتبه 1/ 183، والإعلام بوفيات الأعلام
242، والمعين في طبقات المحدّثين 181 رقم 1920، وسير أعلام النبلاء 21/
234، 235 رقم 120، ومرآة الجنان 3/ 437، 438، وطبقات الشافعية الكبرى
للسبكي 4/ 207 (7/ 52، 53) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 370، 371،
وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 139 ب.، والنجوم الزاهرة 6/
116، وشذرات الذهب 4/ 293.
[2] الجنزوي: بفتح الجيم وسكون النون وفتح الزاي.
[3] الباقرحي: بفتح القاف وسكون الراء، وكسر الحاء المهملة. نسبة إلى
باقرح وهي قرية من نواحي بغداد. (الأنساب 2/ 48) .
(41/294)
والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والتّاج بْن
أَبِي جَعْفَر، وإبراهيم بْن خليل، وعبد اللَّه بْن الخُشُوعيّ،
والعماد عَبْد الحميد بْن عَبْد الهادي، والزَّين أَحْمَد بْن عَبْد
الدّائم.
وجَنْزَة من مُدُن أرّان، وإقليم أرّان بَيْنَ أَذَرْبَيْجان وأرمينية.
كَانَ يشهد عَلَى باب الجامع، وكان بصيرا بكتابة الشُّروط نبيها فِي
الْحَدِيث ذا عنايةٍ بسماعه وروايته.
تُوُفّي فِي سلْخ جُمادى الأولى.
ورحل إلى بغداد مرّات، وعُمِّر تسعين سنة.
- حرف الحاء-
291- الْحَسَن بْن الْإِمَام أَبِي جَعْفَر هبة اللَّه بْن يَحْيَى بْن
أَبِي نُعَيم الْحَسَن بْن أَحْمَد [1] .
الفقيه أَبُو عليّ الواسطيّ، الشّافعيّ، المعدَّل، المعروف بابن
البُوقيّ [2] .
وُلِد سنة ثلاثٍ وعشرين وخمسمائة.
وتفقّه عَلَى أَبِيهِ، وبرع فِي المذهب.
وسَمِع من: أَبِي الكَرَم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مَخْلَد، وأبي
عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ الجلابي [3] ، وسعد بْن عَبْد الكريم
الغَنْدَجَانيّ [4] .
__________
[1] انظر عن (الحسن بن هبة الله) في: الكامل في التاريخ 12/ 94، وإكمال
الإكمال لابن نقطة (مخطوطة الظاهرية) ورقة 53، وتاريخ ابن الدبيثي
(مخطوطة باريس 5922) ورقة 20، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 173، 174 رقم
171، والمختصر المحتاج إليه 2/ 28، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/
223 (7/ 72) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 264، 265، وطبقات الشافعية
لابن كثير (مخطوط) ورقة 140 أ، والوافي بالوفيات 12/ 292 رقم 264،
وتوضيح المشتبه 1/ 465.
وقد ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 228 ولم يترجم
له.
[2] البوقي: بالباء الموحّدة المضمومة وسكون الواو، وكسر القاف، نسبة
إلى بوقة قرية من قرى أنطاكية. (معجم البلدان 1/ 510، 511) .
[3] الجلّابي: بضم الجيم وتشديد اللام وفي آخرها الباء المنقوطة
بواحدة. نسبة إلى الجلّاب، (الأنساب 3/ 400) .
[4] الغندجاني: بفتح الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة
والجيم وفي آخرها النون. نسبة إلى غندجان وهي بلدة من كور الأهواز من
بلاد الخوز. (الأنساب 9/ 179) .
(41/295)
وسَمِع ببغداد منَ: الوزير أَبِي المظفَّر
بْن هُبَيْرة، وأبي الفتح بْن البَطّيّ، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ.
وكان إِلَيْهِ الفتوى بواسط.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي سادس شعبان.
292- الْحُسَيْن بْن يَوْحن [1] بْن أَبَويْه بْن النُّعْمَان [2] .
أَبُو عَبْد الله الباوَرِيّ [3] ، اليمنيّ. وباوَر جزيرة فِي البحر
باليمن.
سَمِع ببغداد: أَبَا الفضل مُحَمَّد بْن عُمَر الأُرْمَوِيّ، وابن
ناصر، وابن الزّاغونيّ.
ودخل أصبهان وسكنها، وسَمِع بها من: أَبِي الخير الباغْبَان، ومَسْعُود
الثَّقَفيّ، وجماعة.
ثُمَّ قدِم بغداد، وسَمِع ولديه: الْحَسَن، وعليّا من شُهْدَة.
سَمِع منه: عَبْد اللَّه الْجُبّائيّ، وعَلِيّ بْن يعيش القَوَاريريّ.
وكان صالحا صوفيّا، كتب الكثير.
كَانَ الشَّيْخ عَبْد الرّزّاق الْجِيليّ بثني عليه كثيرا.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، وغيره.
قَالَ ابن النّجّار: تُوُفّي سنة ثمانٍ وثمانين بأصبهان، وَقَدْ نيّف
عَلَى الثّمانين، رحِمَه اللَّه [4] .
- حرف الخاء-
293- خَالِد بْن مُحَمَّد بْن نصر بْن صغير [5] .
__________
[1] في الأصل: «بوجن» ، وهو تحريف.
[2] تقدّمت هذه الترجمة برقم (251) .
[3] الباوري: بفتح الباء الموحّدة وبعد الألف واو مفتوحة وراء مهملة
مكسورة مخفّفة.
(المنذري 1/ 154) .
[4] ذكره المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229، وقيّده
محقّقاه بضم الياء المثنّاة من تحت «يوحن» ، والصحيح بالفتح «يوحن» كما
قيّد في (التكملة للمنذري) .
[5] انظر عن (خالد بن محمد) في: العبر 4/ 266، وتكملة إكمال الإكمال
لابن الصابوني
(41/296)
الرئيس موفّق الدّين أبو البقاء ابن الأديب
البارع أَبِي عَبْد اللَّه، المخزوميّ، الخالديّ، الحلبيّ، ابن
القّيْسَرانيّ، الكاتب، وزير السّلطان نور الدّين.
كَانَ صدرا نبيلا، وافر الجلالة، بارع الكتابة، يكتب الخطّ المحقّق
كتابة ينفرد بها.
بعثه نور الدّين رسولا إلى الدّيار المصريّة، فسمع من: عَبْد اللَّه
بْن رفاعة، والسِّلَفيّ.
وسَمِع بدمشق منَ: ابن عساكر.
وحدَّث بحلب.
رَوَى عَنْهُ: الموفّق يعيش النَّحْويّ، وغيره.
ومات في جمادى الآخرة بحلب.
- حرف الزين-
294- زينب ستّ النّاس [1] .
وتُدعَى مباركة، بِنْت الشَّيْخ أَبِي الفَتْح عَبْد الوهَّاب بْن
مُحَمَّد الصَّابونيُّ، الخفّاف، الحنبليّ.
سمَّعَها أبوها من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وقُراتِكين بْن الأسعد،
وأحمد بن البنّاء.
رَوَى عَنْهَا: ابنها عُمَر بْن كرم الدِّينَوَرِيّ، والْحَسَن بْن
مُحَمَّد بْن حمدون.
وتُوُفِّيَت فِي ذي القعدة. وهي أخت عبد الخالق.
__________
[ () ] 244- 246 رقم 38، وتلخيص مجمع الآداب 5/ رقم 1939، والبداية
والنهاية 14/ 31 (في ترجمة حفيده) ، والوافي بالوفيات 13/ 282، 283 رقم
343، والمقفّى الكبير 3/ 740، 745 رقم 1351، وبغية الوعاة 7/ 98- 105
رقم 996، والأعلام 2/ 340.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229 ولم
يترجم له.
[1] انظر عن (زينب ست الناس) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 261 رقم
1403، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 176 رقم 177، والمشتبه 2/ 566.
(41/297)
- حرف السين-
295- ستّ الدّار بِنْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيّ بْن الأشقر [1] .
الحربيّة.
رَوَت عَنْ: أبيها، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف.
296- سعد السُّعْود بْن أَحْمَد بْن هِشَام بْن إدريس [2] .
أَبُو الْوَلِيد الأُمَويّ، الأندلسيّ، اللَّبْليّ. ويُعرف بابن
عُفَيْر.
رَوَى عَنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي مُحَمَّد بْن كوثر، وأبي
الْحَسَن بْن مؤمن، وأبي الْعَبَّاس بْن أَبِي مَرْوَان واختصَّ بِهِ
ولزِمه.
وسَمِع من جماعة آخرين.
قَالَ الأَبّار [3] : وكان فقيها ظاهريا، محدّثا، نظّارا، أديبا،
شاعرا.
حدَّث عَنْهُ ابنه أَبُو أُميَّة إِسْمَاعِيل، وأبو الْعَبَّاس
النباتيّ، وأَبُو عَبْد اللَّه بْن خَلْفُون.
وتُوُفّي فِي ذِي القعدة بقرية برجلاته من قرى لَبْلَة. وعاش خمسا
وسبعين سنة، رحِمَه اللَّه تَعَالَى.
- حرف الطاء-
297- طاهر بْن مكارم بن أحمد بن سعد [4] .
__________
[1] انظر عن (ست الدار) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 177 رقم 179،
والمشتبه 1/ 58 (البرني) وفيها اسم أبيها: «علي بن عبد الرحمن بن
الأشقر بن البرني» ، وتوضيح المشتبه 1/ 417 وصحّح اسم أبيها كما هنا.
[2] انظر عن (سعد السعود) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 764 رقم
2012، والوافي بالوفيات 15/ 183، 184 رقم 255.
[3] في تكملة الصلة 2/ 764.
[4] انظر عن (طاهر بن مكرم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 175 رقم 173،
وتاريخ إربل 1/ 167 في ترجمة ابنه علي، ومعجم البلدان 4/ 310، وتاريخ
ابن الدبيثي (مخطوطة كمبرج) ورقة 121، وسير أعلام النبلاء 21/ 302 رقم
158.
(41/298)
أَبُو مَنْصُور الْمَوْصِلِيّ، القلانِسيّ،
المؤدّب، البقّال.
سَمِع «مُسْنَد» المُعَافى [1] بْن أَبِي القاسم نصر بْن أحمد بن صفوان
في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بن الأثير، والحافظ
ابن خليل، وغيرهما.
تُوُفّي فِي رابع رمضان بالموصل.
- حرف العين-
298- عَبْد السّلام بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَلِيّ بْن
قريش [2] .
القاضي الوجيه أَبُو المعالي الْقُرَشِيّ، المخزوميّ، الْمَصْرِيّ
الكاتب.
تُوُفّي بالقدس ودُفِن بِهِ.
كتب للملك العادل مدّة.
299- عَبْد الواحد بْن عَلِيّ ابْن القُدْوَة أَبِي عَبْد اللَّه
مُحَمَّد بْن حَمُّوَية [3] .
أَبُو سعد الْجُوَيْنيّ، البحيراباذيّ، الشّافعيّ، الصُّوفيّ.
وُلِد سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
وسَمِع من: وجيه الشّحّاميّ.
وببغداد من: أَبِي الوقت، وبَهَمَذَان من: شَهْرَدار بْن شيرُوَيْه،
وأبي الفضل أحمد بن سعد.
__________
[1] في الأصل: «المعافا» .
[2] انظر عن (عبد السلام بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 168 رقم
162، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 159.
[3] انظر عن (عبد الواحد بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 76 رقم
885، والتاريخ المجدّد لمدينة السلام، لابن النجار (مخطوطة الظاهرية)
ورقة 50، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 80- 82، والتكملة لوفيات
النقلة 1/ 178، 179 رقم 181، والعقد المذهب (المخطوط) ورقة 159، وطبقات
الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 141 ب، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/
97، 98، وقد وقع نقص في الترجمة فورد فقط:
«عبد الواحد بن الشيخ ... أبي الحسن علي بن الإمام علم الزهاد بن عبد
الله محمد بن حمويه ... » .
(41/299)
وحدَّث ببغداد، ومكّة، ودمشق.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيّ بْن المفضّل الحافظ، والتّاج بْن أَبِي جَعْفَر،
وآخرون.
وتُوُفّي بالرّيّ.
ومِمَّن رَوَى عَنْهُ: ابن أخته تاج الدّين عَبْد السّلام، وأَبُو طاهر
الحسن بن أحمد التّميميّ.
ووهم من قال إنَّه تُوُفّي سنة خمسٍ وثمانين. وَقَدْ ذكر أَبُو حامد
بْن الصّابونيّ [1] أنّ سنة ثمانٍ وهْمٌ أيضا، وقَالَ: فَإِن شيخنا
أَبَا طاهر التَّمِيمِيّ سَمِع منه مشيخة وجيه فِي المحرَّم سنة تسعٍ
وثمانين.
300- عَبْد الوهَّاب بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ [2] .
أَبُو الفتح ابْن الكتّانيّ، الواسطيّ.
رَوَى عَنِ: الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن السّواديّ، وخميس بْن عَلِيّ
الحّوْزِيّ الواسطيّين.
مات في صفر.
301- عبد الوهّاب بن هبة الله بن أبي ياسر عبد الوهّاب بن عليّ بن أبي
حبّة [3] .
أبو ياسر الدّقّاق، الطّحّان، البغداديّ.
سمع الكثير من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء، وأبي
الحسن بن الفرّاء، وهبة الله بن الطّبر، ومحمد بن الحسين المزرفيّ،
وزاهر الشّحّاميّ، وخلق كثير.
__________
[1] في تكملة إكمال الإكمال 82.
[2] انظر عن (عبد الوهاب بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 169
رقم 164.
[3] انظر عن (عبد الوهاب بن هبة الله) في: التقييد لابن نقطة 372، 373
رقم 477، والتكملة لوفيات النقلة 2/ 169 رقم 165، ومشيخة النعال 110،
111، وتاريخ إربل 229، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 15/ 262،
والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 74، والمختصر
المحتاج إليه، ورقة 80، والمشتبه 1/ 213، والإعلام بوفيات الأعلام 242،
والعبر 4/ 266، 267، وسير أعلام النبلاء 21/ 227، 228، رقم 114، وشذرات
الذهب 4/ 293، وتاج العروس (حب) ، وتوضيح المشتبه 3/ 79.
(41/300)
وروى الكثير. وحدَّث بمُسْنَد أَحْمَد
بحرّان.
وكان فقيرا قانعا.
قَالَ ابن النجّار [1] : كَانَ لا بأسَ بِهِ، صَبُورًا عَلَى فقْره.
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ [2] : كَانَ فقيرا، صبورا، صحيح السّماع [3] ،
وُلِد سنة ستّ عشرة وخمسمائة، وأدركه أجَلُه بحرّان فِي الحادي
والعشرين من ربيع الأوّل.
قُلْتُ: حدَّث ببغداد، والموصل، وحرّان.
وأَبُو حبّة: بباء موحّدة.
رَوَى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وعَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد
بْن صُديق.
302- عُبَيْد الله بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن السّمين [4]
.
أَبُو جَعْفَر بْن أَبِي المعالي الْبَغْدَادِيّ.
من أولاد المحدّثين.
سَمِع: هبة اللَّه الحريريّ، ومحمد بْن عَبْد الباقي الْأَنْصَارِي،
وعبد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد
اليُوسُفيّ، وعبد الملك الكَرُوخيّ، وطائفة سواهم.
وكتب بخطّه الكثير لنفسه وللنّاس.
وخرَّج، وحدَّث ببغداد والموصل. وولد سنة ثلاثٍ وعشرين وخمسمائة.
قَالَ أَبُو الْحَسَن القَطِيعيّ: كتبتُ عَنْهُ، وكان ثقة من أهل
التّقشّف والصّلاح.
__________
[1] في التاريخ المجدّد، ورقة 74.
[2] في ذيل تاريخ بغداد 15/ 262، والمختصر المحتاج إليه، ورقة 80.
[3] وقال ابن نقطة نحوه في (التقييد) .
[4] انظر عن (عبيد الله بن أحمد) في: مشيخة النعّال 111- 113، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 175 رقم 174، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922)
ورقة 116، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 82،
والمختصر المحتاج إليه 2/ 189 رقم 831، والذيل على طبقات الحنابلة 1/
293، وشذرات الذهب 4/ 293.
(41/301)
كتب الكثير، وأكل من كسْب يده.
قُلْتُ: وروى عَنْهُ الْإِمَام أَبُو عَمْرو بْن الصّلاح.
وتُوُفّي فِي رمضان.
303- عَرَفة بْن عَلِيّ بْن أَبِي الفضل [1] .
أَبُو المعالي بْن البَقَليّ الْمُقْرِئ، الزَّاهد.
شيخ عابد منقطع فِي مسجده، يلقّن القرآن.
روى عَنْ: أَبِي نصر الْحَسَن بْن مُحَمَّد اليونارتيّ، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن مقبل.
وعاش تسعا وثمانين سنة.
304- عَلِيّ بْن أَحْمَد ابْن صاحب القلاع الهَكّاريَّة أَبِي الهيجاء
بْن عَبْد اللَّه بْن المرزُبان بْن عَبْد اللَّه [2] .
الأمير الكبير، مقدَّم الجيوش، سيف الدّين الهَكّاريّ المشطوب.
وُلّي نيابة عكّا، ثُمَّ أقطعه السّلطان صلاح الدّين القدس. وخلّص منَ
الفِرَنج الَّذِين أسروه من عكّا قبل موته بنحوٍ من ستّة أشهر.
ولم يكن فِي أمراء الدّولة أحدٌ يُدانيه حشمة وجلالة. كَانَ يُلَقَّب
بالأمير الكبير. ولمّا استفكّ منَ الأسر وصل إلى السّلطان وهو بالقدس
في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر عن (عرفة بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 176، 177 رقم
178، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 34، وأخبار
الزهاد لابن الساعي (مخطوط) ورقة 84.
[2] انظر عن (علي بن أحمد) في: النوادر السلطانية 239، 240، والفتح
القسّي 53، 442، 457، 505، 513، 588، 613، والكامل في التاريخ 11/ 15،
ومفرّج الكروب 2/ 410، والروضتين 2/ 209، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 420،
والمختصر في أخبار البشر 3/ 83، والدرّ المطلوب 100، 107، وتاريخ ابن
الوردي 2/ 106، ومرآة الجنان 3/ 328، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 92
وفيه «سيف الدين بن علي بن أحمد المشطوب» ، وج 4 ق 2/ 98، 99، وفيه
«علي بن أحمد الهكاري» وكنيته: أبو الحسن، والنجوم الزاهرة 6/ 117،
وشفاء القلوب 179، وشذرات الذهب 4/ 294.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229 ولم
يترجم له.
(41/302)
قَالَ ابن شدّاد [1] : دخل عَلَى السّلطان
بغتة وعنده أخوه الملك العادل، فنهض واعتنقه، وسُرَّ بِهِ سرورا عظيما،
وأخلى المكان، وتحدّث معه طويلا.
قُلْتُ: وقيل إنّ خبزه كَانَ يعمل ثلاثمائة ألف دينار. وقيل: إنَّه
استفكّ نفسه منَ الفِرَنج بخمسين ألف دينار، وجاء فأعطاه السّلطان
نابلس، فظلَم أهلها قليلا، فَشَكوه إلى السّلطان، فعتب عليه. ثمّ مات
عن قريب.
وأقطع السّلطان وَلَده عماد الدّين أَحْمَد بْن سيف الدّين المشطوب ثلث
نابلس.
وأمّا سيف الدّين فتُوُفّي بالقدس فِي شوّال. وكان ابنه عماد الدّين
ابن المشطوب من كبار أمراء الدّولة الكامليَّة.
305- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
الحَدِيثيّ، أخو قاضي القضاة رَوْح.
سَمِع: قاضي المَرِسْتان، وعبد الرَّحْمَن القزّاز، وبدر الشّيحيّ.
وعنه: يوسف بْن خليل، وغيره.
مات فِي ربيع الآخر.
306- عَلِيّ بْن مرتضى بن عليّ بن محمد ابن الدّاعي [2] .
الشّريف الأجلّ أَبُو الْحَسَن بْن الشّريف أَبِي الْحُسَيْن
الْمُرْتَضَى الحُسَينيّ، الأصبهانيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ، الفقيه
الحنفيّ، المعروف بالأمير السّيّد.
وُلِد سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وتفقّه وحدَّث عَنْ: أَبِي سعد
أَحْمَد بْن محمد، البغدادي. ودرّس مدّة.
__________
[1] في النوادر السلطانية 239، 240.
[2] انظر عن (علي بن مرتضى) في: الكامل في التاريخ 12/ 94، والتاريخ
المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس 1231) ورقة 37، وتلخيص مجمع الآداب
ج 1/ 266، والمختصر المحتاج إليه 3/ 144 رقم 1061، وخريدة القصر (قسم
شعراء العراق) 1/ 195، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 172، 173 رقم 169،
والوافي بالوفيات 22/ 190، 191 رقم 139، والطبقات السنية، 2/ رقم
الورقة 867، 868.
(41/303)
وكان من سراة النّاس وأعيانهم.
رَوَى عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، وغيره [1] .
307- عَوْن بْن عَبْد الواحد بْن شُنَيْف [2] .
الْبَغْدَادِيّ، الرجل الصّالح.
رَوَى عَنْ: أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وغيره.
وكان عارفا بالفرائض رحِمَه اللَّه تَعَالَى،
- حرف الفاء-
308- فارس بْن أَبِي القاسم بْن فارس بْن أَبِي سعد [3] .
أَبُو مُحَمَّد الحربي الحفّار، الشَّيْخ الصّالح.
ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وسَمِع: عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي يَعْلَى الكوفيّ، وأَحْمَد بْن
الْحُسَيْن بْن قريش، ومحمد بْن محمد المهْديّ، وهبة الله بْن
الحُصَيْن [4] ، وجماعة.
__________
[1] قرأ الفقه لأبي حنيفة وبرع فيه وفي الخلاف، وقرأ الأدب، وحصّل منه
طرفا، وسمع الحديث، وولي التدريس، بجامع السلطان، وانتهت إليه رئاسة
الحنفية، وكان متديّنا، زاهدا في الولايات، كريم النفس، داره مجمع
الفضلاء. وكان يكتب خطا مليحا، وله كتب كثيرة أصول بخطوط المشايخ. حدّث
باليسير.
ومن شعره:
صن حاضر الوقت عن تضييعه ثقة ... أن لا بقاء لمخلوق على الدوام
وهبك أنك باق بعده أبدا ... فلن يعود إلينا عين ذا اليوم
ومنه:
لا تحزننّ لذاهب ... أبدا ولا تجزع لآت
واغنم لنفسك حظّها ... في البين من قبل الفوات
[2] انظر عن (عون بن عبد الأحد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 173 رقم
170.
[3] انظر عن (فارس بن أبي القاسم) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 159 رقم
1102، والتقييد لابن نقطة 426 رقم 572، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 175،
176 رقم 176.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229 ولم
يترجم له.
[4] وقال ابن نقطة: سمع مسند الإمام أحمد من أبي القاسم هبة الله بن
محمد بن الحصين
(41/304)
وهو آخر من سَمِع مِن ابن قُريش.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وغيره.
وتُوُفّي فِي شوّال.
- حرف القاف-
309- قاسم بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه [1] .
أَبُو إِبْرَاهِيم المقدسيّ، ثُمَّ الْمَصْرِيّ، الشّافعيّ. الشَّيْخ
الصّالح.
وُلِد فِي حدود سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
وسَمِع من: عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن صولة، وعبد الغنيّ بْن طاهر
الزَّعْفَرانيّ، وابن رفاعة الفَرَضيّ.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيّ بْن المفضّل الحافظ، وأَبُو نزار ربيعة اليمنيّ،
ومحمد بْن عبد اللَّه بْن مزيبل، وأَبُو محمد عَبْد المحسن بْن عَبْد
الْعَزِيز المخزوميّ ابْن الصَّيْرفيّ، وعثمان بْن مكّيّ الشّارعيّ،
وعبد الغنيّ بْن نبين، وآخرون.
تُوُفّي فِي ثالث عشر المحرَّم.
310- قُراجا [2] .
الأمير أبو مَنْصُور الصّلاحيّ، أمير الإسكندريّة.
دُفِن بداره بالإسكندريّة فِي جُمادى الأولى.
وسَمِع من: أبي طاهر السّلفيّ.
__________
[ () ] الشيبانيّ، وحدّث به في سنة سبع وثمانين وخمسمائة، سمعه منه
جماعة منهم الشيخ أحمد بن سليمان الحربي المعروف بالسّكّر، وسماعه
صحيح. (التقييد) .
[1] انظر عن (قاسم بن إبراهيم) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 168 رقم
162، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 142 أ، والعقد المذهب
لابن الملقن (مخطوط) ورقة 159.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229 دون
ترجمة.
[2] انظر عن (قراجا) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 170 رقم 167.
(41/305)
311- قِلج أرسلان بْن مَسْعُود بْن قِلج
أرسلان بْن سُلَيْمَان بْن قُتُلْمِش بْن إسرائيل بْن سَلْجُوق بْن
دُقاق [1] .
التُّرْكمانيّ، السّلطان عزّ الدّين.
وقيل والد قُتُلْمِش هُوَ رسلان بْن بيغو بْن سَلْجُوق، وقيل:
قُتُلْمِش بْن أرسلان بيغو بْن سَلْجُوق بْن دُقاق. فبيغو بالعربيّ
هُوَ إِسْرَائِيل.
السّلجوقيّ ملك الروم.
كَانَ فِيهِ عدل وحُسْن سياسة، وسداد رأي.
طالت أيّامه. وَهُوَ والد الجهة السّلجوقيَّة زَوْجَة النّاصر لدين
اللَّه.
وتسلطن بعده ولده السّلطان غياث الدّين كيخسرُو.
وقيل إنَّه قُتِلَ. وَهُوَ منَ السّلاطين السَّلْجوقيَّة، وكان قَدْ
قوي عليه أولاده، حَتَّى لَمْ يبق لَهُ معهم إلّا مجرّد الاسم، لكونه
شاخ.
تُوُفّي بقونية فِي منتصف شعبان.
ورّخه ابن الأثير [2] ، وقَالَ: كَانَ لَهُ منَ البلاد قونية، وأقصرا،
وسِيواس، ومَلَطْية. وكانت مدّة ملكه تسعا وعشرين سنة. وكان ذا سياسة،
وعدْل، وهيبةٍ عظيمة وغزوات كثيرة فِي الرّوم. ولمّا كبر فرَّق بلاده
عَلَى أولاده، فحجر عليه ابنه قُطْب الدّين، فهرب إلى ابنه الآخر،
فتبرَّم بِهِ. ثُمَّ أكرمه ولده كيخسْرُو وسار فِي خدمته. وندم هُوَ
عَلَى تفريق بلاده عَلَى أولاده.
وكان ملكه بضْعًا وثلاثين سنة.
__________
[1] انظر عن (قلج أرسلان) في: الكامل في التاريخ 12/ 87، 88، والروضتين
2/ 209، وتاريخ مختصر الدول 223، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 420، والمختصر
في أخبار البشر 3/ 84، والفتح القسّي 211، 560، 623، 625، والعبر 4/
267، والإعلام بوفيات الأعلام 242، ودول الإسلام 2/ 100، وسير أعلام
النبلاء 21/ 211، 212 رقم 103، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة (مخطوط)
ورقة 74، والدرّ المطلوب 111، والبداية والنهاية 12/ 352، والعسجد
المسبوك 2/ 218- 220، والسلوك ج 1 ق 1/ 112، والنجوم الزاهرة 6/ 117.
وشذرات الذهب 4/ 295.
[2] في الكامل 12/ 87.
(41/306)
- حرف الميم-
312- مُحَمَّد بْن أسعد بْن عَلِيّ بْن معمّر بْن عُمَر بْن عَلِيّ بْن
الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن
الْحَسَن بْن مُحَمَّد الْجَوَّانيّ بْن عُبَيْد اللَّه بْن حُسَيْن
بْن زين العابدين بْن الْحُسَيْن [1] .
الشّريف أَبُو عَلِيّ ابْن الشّريف الأجلّ أَبِي البركات العَلَويّ،
الحُسَينيّ، العُبَيْدليّ، الجوّانيّ، المصريّ.
ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وقرأ عَلَى والده، وعلى: الفقيه عَبْد
الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن الجبّاب، وعبد المنعم بْن مَوْهوب
الواعظ، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم الكيزانيّ.
وحدَّث عَنْ: عَبْد اللَّه بْن رفاعة، والسِّلَفيّ.
قَالَ الحافظ عبد العظيم [2] : ثنا عَنْهُ غير واحد. وولّي نقابة
الأشراف مدةٌ بمصر، وذُكِر أَنَّهُ صنّف كتاب «طبقات الطّالبيّين» [3]
، وكتاب «تاج [4] الأنساب ومنهاج الصّواب» ، وغير ذَلِكَ.
وكان علّامة النَّسَب فِي عصره. أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ ثقة الدّولة أَبِي
الْحُسَيْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن حيدرة الحسيني الأرقطيّ.
ومُحَمَّد هَذَا منسوب إلى الْجَوَّانيَّة [5] ، وهي من عمل المدينة من
جهة الفرع.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أسعد) في: خريدة القصر (قسم شعراء مصر) 1/ 117،
ومعجم البلدان 2/ 137، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 177، 178 رقم 180،
وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 100- 104، والوافي بالوفيات 2/
202، والعسجد المسبوك 2/ 220، ولسان الميزان 5/ 74- 76، والنجوم
الزاهرة 6/ 119، وتاج العروس 9/ 169، وكشف الظنون 268، 1104، 1862،
وإيضاح المكنون 2/ 517، 542، 544، ومصفّى المقال لآقا بزرك 393،
والأعلام 6/ 256، ومعجم المؤلفين 9/ 49.
وقد ذكره المؤلف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 229 ولم
يترجم له.
[2] في التكملة 1/ 178.
[3] في التكملة 1/ 178 «طبقات النسابين الطالبين» .
[4] في التكملة 1/ 178: «تاريخ» .
[5] الجوّانية: بفتح الجيم وتشديد الواو وفتحها وبعد الألف نون وياء
آخر الحروف مشدّدة.
(41/307)
ذكر أنّ السّلطان صلاح الدّين وقَّع لأبي
عليّ بربعها وأنّه وكّل عليها من يستغلها لَهُ.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ يُونُس بْن مُحَمَّد الفارقيّ هَذِهِ القصيدة
الّتي مَدَح بها القاضي أَبَا سعد بْن عَصْرُون، وهي:
هَتَفَتْ فمادت بالفروع غصونُ ... وبَكَتْ فجادتْ بالدّموعِ عيونُ
مرحت بها قضب الأراكة فانْثَنَى ... غصْنٌ يَمِيسُ بها وماد غَصونُ
ما لي وما للهاتفات ترنُّمًا ... يصبو لهنَّ فؤادي المحزون
وهي قصيدة طويلة.
313- مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عُبَيْد اللَّه بْن ودَعة [1] .
الفقيه أَبُو عَبْد اللَّه بْن البقّال، الْبَغْدَادِيّ، الشّافعيّ،
مُعيد النظاميَّة.
كَانَ بارعا فِي المذهب والخلاف. واخترمته المنيّة شابّا [2] .
__________
[ () ] وقيّدها بعضهم بالتخفيف.
[1] انظر عن (محمد بن إسماعيل) في: تلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 1/ رقم 399
وج 5/ رقم 247، والمختصر المحتاج إليه (بالملحق) 2/ 250، 251 رقم 39،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 174 رقم 172، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة
باريس 5921) ورقة 25، و (مخطوطة شهيد علي) ورقة 23، وطبقات الشافعية
الكبرى للسبكي 4/ 66 (6/ 94، 95) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 269،
وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 142 أ، والوافي بالوفيات 2/
217، والعقد المذهب (مخطوط) ورقة 159، 160، ومعجم الشافعية لابن عبد
الهادي (مخطوط) ورقة 32، وإيضاح المكنون 2/ 325، ومعجم المؤلفين 9/ 58.
[2] وقال ابن الدبيثي: من أهل الظّفريّة، فقيه متميّز من أصحاب
الشافعيّ. تفقّه في مدّة قريبة، وحصّل طرفا حسنا من المذهب والخلاف
وكان حسن الكلام في المسائل، له يد جيّدة في الجدال، أعاد بالمدرسة
النظامية والمدرّس بها أبو الحسن علي بن علي الفارقيّ، وخرج عن بغداد
سنة ثمان وثمانين وخمسمائة متوجّها إلى الشام وناظر الفقهاء في طريقه
وظهر كلامه واستحسن إيراده، ودخل دمشق مريضا فبقي بها أياما وتوفي في
النصف من شعبان منها بدمشق، وكان شابا (المختصر المحتاج إليه) .
وقال ابن الفوطي: كان فقيها أديبا فاضلا مقيدا بالنظاميّة. وصنّف كتاب
«المقترح في المصطلح» في علم البندق وطرائقه ومعرفة أصوله ومذاهبه،
صنّفه للإمام الناصر لدين الله. (تلخيص مجمع الآداب) .
(41/308)
314- مُحَمَّد بْن الْإِمَام أَبِي
الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن هُذَيل [1] .
الشَّيْخ أبو عَبْد اللَّه البَلَنْسيّ.
سَمِع من: أَبِيهِ، وأبي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد، وأبي الْوَلِيد بْن
الدّبّاغ.
وحجّ سنة تسعٍ وثلاثين فسمع منَ: السِّلَفيّ.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو عُمَر بْن عُبَاد، وابناه مُحَمَّد وأَحْمَد،
وأبو الرَّبِيع بْن سالم الكَلاعيّ، وأَبُو بَكْر بْن مُحْرِز،
وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ الأَبّار [2] : وكان فِي غاية الصّلاح والورع، وَلَهُ حظٌّ من
علم التّعبير.
عاش تسعا وستّين سنة [3] .
315- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن شَهْراشُوب بْن أَبِي نصر [4] .
أَبُو جَعْفَر السّروريّ، المازندرانيّ، رشيد الدّين الشّيعيّ. أحد
شيوخ الشّيعة، لا بارك الله فيهم.
قال ابن أبي طيِّئ فِي «تاريخه» [5] : نشأ فِي العِلم والدّراسة وحفظ
القرآن وَلَهُ ثمان سِنين. واشتغل بالحديث، ولقي الرجال، ثُمَّ تفقّه
وبلغ النّهاية فِي فقه أَهْل البيت، ونبغ فِي علم الأصول حَتَّى صار
رَحْلةً. ثُمَّ تقدَّم فِي علم القرآن، القراءات، والغريب، والتّفسير،
والنّحو، وركب المِنْبر للوعظ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أبي الحسن) في: تكملة الصلة لابن الأبار، وغاية
النهاية 2/ 208 رقم 3276، والمقفّى الكبير 6/ 340 رقم 2819، وشجرة
النور الزكية 147 رقم 441.
[2] في تكملة الصلة.
[3] وقع في غاية النهاية أنه توفى سنة 614 هـ.
[4] انظر عن (ابن شهرآشوب) في: روضات الجنات 602، وتنقيح المقال
للمامقاني 3/ 156، 157، وبغية الوعاة 1/ 77، والوافي بالوفيات 4/ 164،
ولسان الميزان 5/ 310، والفوائد الرضوية لعباس القمّي 568- 571، وكشف
الظنون 27، 1269، 1584، وإيضاح المكنون 1/ 69، 103 و 2/ 228، 421، 427،
452، 560، وهدية العارفين 2/ 102، ومصفّى المقال 414، 415، وطبقات
أعلام الشيعة (الثقات العيون في سادس القرون) 273، 274، وأعيان الشيعة
46/ 136.
[5] مفقود حتى الآن.
(41/309)
ونَفَقَتْ سُوقُه عِنْد الخاصّة والعامّة.
وكان مقبول الصّورة، مستعْذَب الألفاظ، مليح الغَوْص عَلَى المعاني.
حَدَّثَنِي قَالَ: صار لي سوقٌ بمازندران حَتَّى خافني صاحبها، فأنفذ
يأمرني بالخروج عَنْ بلاده، فصرتُ إلى بغداد فِي أيّام المقتفي، ووعظت،
فعظُمَتْ منزِلتي واستُدْعيت، وخلع عليّ، وناظَرْت، واستظهرت عَلَى
خصومي، فَلُقِّبْتُ برشيد الدّين، وكنتُ أُلقَّبُ بعزّ الدّين. ثُمَّ
خرجت إلى المَوْصِل، ثُمَّ أتيت حلب.
قَالَ: وكان نزوله عَلَى والدي فأكرمه، وزوَّجه ببنت أخته، فرُبّيتُ
فِي حجْره، وغذّاني من عِلمه، وبصّرني فِي ديني.
وكان إمامَ عصره، وواحد دهره. وكان الغالب عليه علم القرآن والحديث،
كشف وشرح، وميّز الرجال، وحقّق طريق طالبي الإسناد، وأبانَ مراسيل
الأحاديث منَ الآحاد، وأوضح المفترق منَ المتفِق، والمؤتِلف منَ
المختلِف، والسّابق منَ اللّاحق، والفصل منَ الوصل، وفرَّق بَيْنَ رجال
الخاصّة ورجال العامّة.
قُلْتُ: يعني بالخاصّة الشّيعة، وبالعامّة السُّنَّة.
حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ما زال أصحابنا بحلب لا يعرفون الفرق بَيْنَ
ابن بُطَّة الشّيعيّ منَ ابنَ بَطَّة الحنبليّ، حَتَّى قدِم الرشيد
فَقَالَ: ابنُ بَطة الحنبليّ بالفتح، والشّيعي بضمّها.
وكان عِنْد أصحابنا بمنزلة «الخطيب» للعامّة، وكيحيى بْن مَعيِن فِي
معرفة الرجال.
وَقَدْ عارض كُلّ عِلم من علوم العامّة بِمِثْلِهِ، وبرز عليهم بأشياء
حسنة لَمْ يصلوا إليها. وكان بَهيّ المنظر، حَسَن الوجه والشّيْبَة،
صدوق اللهجة، مليح المحاورة، واسع العلم، كثير الفنون، كثير الخشوع
والعبادة والتّهجُّد، لا يجلس إلّا عَلَى وضوء.
تُوُفّي ليلة سادس عشر شعبان سنة ثمانٍ وثمانين، ودُفِن بجبل جَوْشن
عِنْد مشهد الْحُسَيْن.
(41/310)
316- محمود بْن مُحَمَّد بْن كرم.
أَبُو المجد الْبَغْدَادِيّ، الضّرير، الْمُقْرِئ.
رَوَى عَنْ: أَبِي غالب بن البناء.
روى عنه: عبد الله بن أَحْمَد الخباز.
تُوُفّي فِي شهر رجب.
- حرف النون-
317- نَصْر بْن مَنْصُور [1] بْن الْحَسَن بْن جوشن [2] بْن مَنْصُور
بْن حُمَيد.
الأمير أَبُو المُرْهَف النُّمَيْرِيّ، الشّاعر المشهور. من أولاد
أمراء العرب.
وأُمّه بنَّة بِنْت سالم بْن مالك بْن بدران بْن مقلّد بْن مُسيَّب
العُقَيْليّ.
ولد بالرّافقة سنة إحدى وخمسمائة، ونشأ بالشّام، وخالط أهل الأدب، وقال
الشّعر الفائق وَهُوَ مراهق. وأصابَه جُدّريّ وَلَهُ أربع عشرة سنة،
فضعف بصره، فكان لا يُبصر إلّا شيئا قريبا منه. ثُمَّ وقع الاختلاف
بَيْنَ عشيرته بعد موت والده، واختلّ أمرهم. فسار إلى بغداد طامعا فِي
مداواة عينيه، فأيأسته الأطبّاء من ذَلِكَ، فاشتغل بالقرآن فحفظه،
وتفقّه عَلَى مذهب أَحْمَد، وقرأ العربيّة عَلَى أَبِي مَنْصُور بْن
الجواليقيّ.
وسَمِع من: أبي القاسم بن الحصين، وأبي بكر الْأَنْصَارِيّ، ويَحْيَى
بْن عَبْد الرَّحْمَن الفارقيّ، وعَبْد الرحمن الأنماطيّ.
__________
[1] انظر عن (نصر بن منصور) في: معجم الأدباء 7/ 208، وذيل الروضتين 2/
211، وتلخيص مجمع الآداب 21/ رقم 476، وتاريخ إربل 1/ 177، ومرآة
الزمان 8/ 421 وفيه: «نصر بن مسعود» ، ووفيات الأعيان 5/ 383، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 170 رقم 166، والمختصر المحتاج إليه 3/ 213، وسير
أعلام النبلاء 21/ 213، 214 رقم 104، ومرآة الجنان 3/ 438، والبداية
والنهاية 12/ 352، ونكت الهميان 300، والذيل على طبقات الحنابلة 1/
374، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 99- 101، وعقد الجمان (مخطوط) 17/
ورقة 158، والنجوم الزاهرة 6/ 7118 وشذرات الذهب 4/ 297، وكشف الظنون
817، وهدية العارفين 2/ 491، وديوان الإسلام 4/ 325 رقم 2107، والأعلام
8/ 29، ومعجم المؤلفين 13/ 92.
[2] تصحّف في تاريخ ابن الفرات إلى «جوش» .
(41/311)
وقوّض ما تبقّى من بصره من ألمٍ أصابه،
وصحِب الصّالحين والأخيار، ومدح الخلفاء والوزراء.
وكان فصيح القول، حسن المعاني، وفيه دِين وتسنُّن.
رَوَى عَنْهُ: عُثْمَان بْن مقبل، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ويوسف بْن
خليل، ومُحَمَّد بْن سَعِيد الدُّبِيثيّ، وعليّ بْن يوسف الحمّاميّ،
وآخرون.
قَالَ أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أحمد القَطِيعيّ: منع الوزير ابن
هُبَيْرة الشّعراء من إنشاد الشّعر بمجلسه، فكتب النُّمَيْرِيّ
إِلَيْهِ قصيدة، فكتب الوزير عليها:
هَذَا لو كَانَ الشّعراء كلّهم مثله فِي دِينه وقوله لَمْ يُمنعوا،
وإنّما يقولون ما لا يحلّ الإقرار عليه، وَهُوَ فالصَّديق، وما يذكره
يوقف عليه، ورسومه تزار.
قُلْتُ: وَفِي ديوانه عدّة قصائد مدح بها المقتفي لأمر اللَّه، فَمنْ
ذَلِكَ:
جوّى بَيْنَ أثناء الحشاء ما يزايلُه ... ودمعٌ إذا كفكفته لجَّ
هاملُهْ
يضيق لبُعْد النّازلين عَلَى الشَّرى ... بمرفضّ دمع العين منّي
مُسائلُهْ
وهل أنسين الحيَّ من آل جَنْدَلِ ... تجاوَب ليلا بُزْله وصواهلُهْ
تُبوِّئهُ الثَّغرَ المَخُوفَ محلّه طوالُ ... ردينياته ومناصلُهْ
وتقتنص الأعداءَ جهْرًا رجالُه ... كَمَا اقتنصت حر باز شهب أجادلُهْ
وكنت أرى أنّي صبورٌ عَلَى النَّوى ... فَلَمَّا افترقنا غالَ صبري
غوائلُهْ
أَفُرسانَ قيسٍ من نُمَيْرٍ إذا القنا ... تولّج لبّاه الكُماة
عواملُهْ
هَلِ السَّفْح من نجم المعاقل بالشّرى ... عَلَى العهدِ منكم أمْ
تعفَّت منازلُه؟
وهل ما يُقضَى من زمان اجتماعِنا ... بمردودٍ أسحارُهُ وأصائلُهْ
بكم يأمنَ الجاني جريرةَ ماضي ... ويَرْوي منَ الخُطى فِي الحرب
ناهلُهْ
وأوهن طولُ البُعد عنكم تجلُّدي ... وغادر ليلي سَرْمَدًا متطاولُهْ
ولم أتّخِذْ إلْفًا منَ النّاس بعدكم ... وهل يألف الْإِنْسَان مَنْ لا
يُشاكله
وَلَهُ فِيهِ:
لولا القنا والصّوارم الخدمُ ... ما أقلعتْ عَنْ عنادها العجمُ
توهَّموا المُلْك بالعراق وما ... شارفه مُسْلَمَ الحمَى لهم
(41/312)
وما دروا أنَّ دون حَوْزِتهِ ... مِنَ
المنايا لأمرِهِ خَدَمُ
تتابعوا فِي عجاجتي لَجَبٌ ... تضيق عَنْهُ البِطاحُ والأكمُ
لا يحسبون الإمامَ من مُضَرٍ ... مرصده للعِدى بِهِ النَّقَمُ
حَتَّى إذا أبصروا كتائبَه ... حاروا فَمَا أقدموا ولا انهزموا
وقد تلقّاهم بمرهفة ... ما برحت من غمودها القممُ
فناشدوهُ الأمانَ والتزموا ... لأمره الطاعَة الّتي التزموا
وردَّ عَنْهُمْ عقابَه ملكٌ ... شِيمتُه العفْو حين يحتكمُ
للَّه دَرّ النّفوس هادية ... إذا أناسٌ عَنِ الرشاد عَمُوا
هُوَ الدّواء الَّذِي تزول بِهِ ... عَنِ القلوب الشّكوك والتُّهَمُ
ما ابتسمت والخطوب مظلمة ... إلّا انْجلَتْ بابتسامها الظُّلَمُ
يسمع إنشادها إذا ارْتَحَلَتْ ... غرائبُ الموت مَنْ بِهِ صَمَمُ
وَلَهُ:
يزهّدني فِي جُمَيْع الأنام ... قِلَّةُ إنصافِ مَن يُصحَبُ
وهل عرف النّاس ذو نُهْيَةٍ [1] ... فأمسى لهم فيهمُ مأرَب [2]
هم النّاس ما لم تجرّ بهم ... وطلس الذّئاب [3] إذا جرّبوا
ولَيْتَكَ تَسْلَمُ عِنْد [4] البِعادِ ... منهم فكيف إذا قُرِّبُوا
[5] ؟
أنْشَدنا مُحَمَّد بْن عَلِيّ الواسطيّ: أنشدنا عَبْد الرَّحْمَن بْن
إِبْرَاهِيم، أنشدنا نصر بْن مَنْصُور لنفسه:
أُحِبُّ عليّا والبَتُولَ ووُلْدَها ... ولا أجحد الشَّيخيْن حقَّ
التَّقدُّمِ
وأبْرأُ مِمَّنْ نال عُثْمَانَ بالأَذَى ... كَمَا أتبرّأ من ولاء ابن
ملجم
__________
[1] في الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 376 «نهبة» .
[2] في الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 376 «مرغب» .
[3] في الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 376 «الذباب» .
[4] في سير أعلام النبلاء 21/ 214 «رحال» ، والمثبت يتفق مع ذيل طبقات
الحنابلة.
[5] في الذيل على طبقات الحنابلة: «يقربوا» .
(41/313)
ويُعجبني أهلُ الحديثِ لصِدْقِهم ... مَدَى
الدَّهر فِي أفعالهم والتَّكَلُّمِ
[1] تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ربيع الآخر وَلَهُ ثمانٌ وثمانون سنة.
318- نَصْر بْن أَبِي مَنْصُور [2] .
المؤدّب المعروف بالحَكَم الشّاعر.
تُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة أيضا.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ من شِعره ابن الدُّبِيثيّ هذين البيتين:
ولمّا رَأَى ورْدًا بخدّيه يُجْتَنَى ... ويُقطَفُ أحيانا بغير اختياره
أقام عليه حارسا من جُفُونِهِ ... وسَلَّ عليه مُرْهفًا من عِذارِه
قُلْتُ: لو قَالَ «وسيّجه صونا بآسِ عِذاره» لكان أحسَن.
- حرف الياء-
319- يَحْيَى بْن عَبْد الجليل [3] بْن مُجْبَر [4] .
أَبُو بَكْر الفِهْريّ، المُرْسِيّ، ثُمَّ الإشبيليّ، شاعر الأندلس فِي
زمانه بلا مُدافعة.
أَخَذَ الأدب عَنْ شيوخ مُرْسِيَة، ومدح الملوك والأمراء، وشهد لَهُ
بقوّة عارضته، وسلامة طبْعه قصائدُهُ البديعة الّتي سارت أمثالا،
وبَعُدت عَلَى قُربها منالا.
__________
[1] الأبيات في الذيل على طبقات الحنابلة باختلاف ألفاظ.
[2] انظر عن (نصر بن أبي منصور) في: ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي ج
15.
[3] انظر عن (يحيى بن عبد الجليل) في: بغية الملتمس 503، 504 رقم 1480،
وتكملة الصلة لابن الأبّار 3/ 132، ووفيات الأعيان 7/ 13، 14، (في
ترجمة يعقوب بن عبد المؤمن سلطان المغرب) ، وزاد المسافر للتجيبي 9،
والروض المعطار 201، 202، 342، 343، 415، 479، 568، والعبر 4/ 267،
وسير أعلام النبلاء 21/ 215، 216 رقم 105، وفوات الوفيات 4/ 275- 277
رقم 570، ونفح الطيب للمقّري 3/ 237، وكشف الظنون 768، وهدية العارفين
2/ 521، والأعلام 9/ 187، 188، ومعجم المؤلفين 13/ 204.
[4] تحرّف في معجم المؤلفين إلى: «مجير» .
(41/314)
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن حسّان،
وغيره.
تُوُفّي بمَرّاكُش ليلة عيد النَّحْر فِي الكهولة.
وقيل: تُوُفّي سنة سبْع [1] الماضية.
وَلَهُ:
لا تغبط المُجْدِبَ فِي عِلْمِهِ ... وإنْ رأيتَ الخِصْبَ فِي حالِهِ
إنّ الَّذِي ضيَّع من نفسِهِ ... فوقَ الَّذِي ثَمَّرَ من مالِهِ
وَلَهُ أيضا:
إن الشدائدَ قَدْ تَغشى الكريمَ ... لأنْ تبين فضلَ سجاياه وتوضحُه
كمِبْرَدِ القين إذْ يَعْلُو الحديدَ بِهِ ... وليس يأكُلُهُ إلّا
ليُصْلحُه
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي «تكملة الصّلة» [2] وبالغ فِي
وصفه.
ولابن مُجْبَر ديوان أكثر ما فِيهِ منَ المدائح فِي السّلطان يعقوب
صاحب المغرب. فَمنْ ذَلِكَ هَذِهِ القصيدة البديعة:
أتُراه يتركَ الغَزَلا [3] ... وعليه شبَّ واكْتَهَلا
كلِفٌ بالغِيد ما عِلقَت [4] ... نفسْهُ السلوانَ مُذْ عَقَلا
غير راضٍ عَنْ سجيَّةِ مَنْ ... ذاقَ طعَمَ الحُبّ ثُمّ سلا
أيُّها اللُّوّامُ ويْحَكُمُ ... إنّ لي عَنْ لَوْمكُم شُغُلا
نَظَرَتْ عيني لشِقْوَتِها ... نظراتٍ وافقَتْ أَجَلا
غادة لمّا مَثَلْتُ لها ... تركتني في الهوى مثلا
__________
[1] بها ورّخه ابن خلّكان 7/ 14.
[2] ج 3/ 132.
[3] في هامش الأصل كتب بالخط نفسر: «العذلا» ، وكذا في سير أعلام
النبلاء. و P المثبت
يتفق مع: وفيات الأعيان، وفوات الوفيات.
[4] في وفيات الأعيان 7/ 13 «عقلت» ، والمثبت من الأصل، وسير أعلام
النبلاء، وفوات الوفيات.
(41/315)
خشيت [1] أنّي سأحرقها [2] ... إذ رأيت
رأسي قَدِ اشتعلا
يا سراةَ الحيّ مثلُكُم ... يتَلافَى الحادثَ الْجَلَلا
قَدْ نزلنا فِي جواركُم ... فشَكَرْنا ذَلِكَ النُّزُلا
ثُمّ واجهْنا ظِباءكُم ... فلقِينا الهَوْلَ والوَهَلا
أَضَمِنْتُم أمْنَ جِيرتكمْ ... ثُمّ ما أمّنْتُمُ [3] السُّبُلا
ليتنا نلقى [4] السيوفَ ولم ... نلقَ تِلْكَ الأعينَ النُّجُلا
أشرعوا الأعطاف مايسة [5] ... حين أشرعنا القنا الذُّبُلا
واستفزَّتنا عيونُهُم ... فخلعنا البَيْضَ والأَسَلا
نُصروا بالحُسْن فانْتَهَبُوا ... كُلّ قلبٍ بالهوى خُذِلا [6]
عطَّلَتْني الغِيدُ مِن جَلَدي ... وأنا حلَّيْتُها الغَزَلا
حملت نفسي عَلَى فَنَنٍ [7] ... سُمْتها صبْرًا فَمَا احتملا
ثُمّ قَالَت [8] سوف نتركها ... سَلَبًا للحبّ أو نقلا
قلتُ: أمّا وَهْيَ قَدْ علِقَتْ [9] ... بأميرِ المؤمنين، فلا
ما عدا تأميلها ملْكًا ... مَنْ رآه أدْرَكَ الأَمَلا
فإذا ما الجودُ حركَّه ... فاض في كفّيه [10] فانهملا
__________
[1] هكذا في الأصل، وسير أعلام النبلاء 21/ 216، وفي وفيات الأعيان،
وفوات الوفيات:
«حسبت» .
[2] في فوات الوفيات: «سأحزنها» .
[3] في وفيات الأعيان 7/ 14: «آمنتم» ، والمثبت يتفق مع: فوات الوفيات
4/ 276.
[4] في وفيات الأعيان 7/ 14: «خضنا» ، ومثله في: فوات الوفيات.
[5] في وفيات الأعيان 7/ 14: «ناعمة» ، ومثله في: فوات الوفيات، وسير
أعلام النبلاء.
[6] في وفيات الأعيان 7/ 14: «جذلا» ، والمثبت يتفق مع: سير أعلام
النبلاء، وفوات الوفيات.
[7] في وفيات الأعيان: «فتن» .
[8] في سير أعلام النبلاء: «قالوا» ، والمثبت يتفق مع: وفيات الأعيان،
وفوات الوفيات.
[9] في سير أعلام النبلاء: «قلت أو ما وهي عالقة» ، والمثبت يتفق مع:
وفيات الأعيان، وفوات الوفيات.
[10] في وفيات الأعيان: «فاض من يمناه» .
(41/316)
وهي مائة وتسعة [1] أبيات.
وَلَهُ يمدح يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن أيضا.
دعا الشوقُ قلبي والرّكائب والرّكبا ... فلبَّوا جميعا وَهُوَ أوّل من
لبَّى [2]
وظَلْنا نَشَاوَى للّذي بقلوبنا ... نخال الهوى كأسا وتحَسبُنا شرْبا
أرق نفوسا عند ما نصف الهوى ... وأقسى قلوبا عند ما نشهدُ [3] الحربا
ويؤلمنا لَمْعُ البُرُوقِ إذا بدا ... ويَصْرَعُنا نَفْحُ النسيمِ إذا
هبّا
يقولون: داوِ القلب تسل [4] عن الهوى ... فقلت: لَنِعْمَ الرأيُ لو أنّ
لي قلْبا
[5] 320- يزيد بْن مُحَمَّد بْن يزيد بْن رفاعة [6] .
أَبُو خَالِد اللَّخْميّ، الغَرْناطيّ، المحدّث.
قَدْ مرَّ فِي سنة خمسٍ وثمانين.
وقَالَ ابن الزّبير: كان من جلّة الشّيوخ، وثقات الرّواة، عارفا
بالأسانيد، يعط ويُقرِئ. وكان مُكثرًا. أكثرَ عَنْ أَبِي مُحَمَّد
الرشاطيّ. وسمّى جماعة.
ثُمّ افتقر واحتاج بدخول النَّصارى المَرِيَّة، فجلس يؤدّب.
مات من عَطْسةٍ في المحرّم سنة ثمان وثمانين.
__________
[1] في وفيات الأعيان: 7/ 14 «مائة وسبعة أبيات» .
[2] في الأصل: «لبّا» .
[3] في الأصل: «نسهد» .
[4] في سير أعلام النبلاء «يسل» .
[5] في سير أعلام النبلاء 21/ 216 البيتان الأول والأخير فقط، وفي
الروض المعطار 343 الأول والثاني، وذكر بيتا ثالثا ليس هنا:
إذا القضب هزّتها الرياح تذكّروا ... قدود الحسان البيض فاعتنقوا
القضبا
[6] تقدّمت ترجمته برقم (199) .
(41/317)
[مواليد السنة] وفيها وُلِد:
إِسْمَاعِيل بْن عَبْد القويّ بْن عزون، وتاج الدّين عَلِيّ بْن أحمد
بن القسطلانيّ، والصّاحب كمال الدّين عُمَر بْن العديم، والضّياء زُهير
بْن عُمَر الزُّرَعيّ، والكمال إِسْحَاق بْن خليل الشَّيْبَانِيّ قاضي
زُرَع، وعمر بْن أَبِي الفتح بْن عوة الْجَزَريّ التّاجر، ويحيى بْن
شجاع بن ضرغام صاحب ابن المفضّل المَقْدسيّ.
(41/318)
سنة تسع وثمانين
وخمسمائة
- حرف الألف-
321- أَحْمَد بْن أسعد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد.
أَبُو المعالي الأصبهانيّ، المَدِينيّ.
سَمِع: أَبَا الطّاهر إِسْحَاق بْن أَحْمَد الراشتينانيّ [1] .
وأجاز لَهُ غانم البُرْجيّ، وأَبُو عليّ الحدّاد.
وتُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى.
322- أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حُسَيْن بْن
السَّكَن [2] .
أَبُو الفتح بْن أَبِي غالب بْن المعوّج.
سَمِع: أَبَاه، وأبا القاسم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وأبا الْحَسَن بْن
عَبْد السّلام، وجماعة كثيرة.
وطلب، ونسخ، وحصّل.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه الدُّبِيثيّ، ويوسف بْن خليل.
وكان صحيح السّماع، صالحا.
323- إبراهيم بن إسماعيل بن سعيد [3] .
__________
[1] الراشتيناني: الشين معجمة ثم التاء المثنّاة من فوقها، وياء آخر
الحروف ساكنة، ونون، وآخره نون. نسبة إلى راشتينان: من قرى أصبهان.
(معجم البلدان 3/ 15) .
[2] انظر عن (ابن السكن) في: مشيخة النعال 115، 116، والتكملة لوفيات
النقلة 1/ 193، 194 رقم 215، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5921)
ورقة 221، والمختصر المحتاج إليه 1/ 208.
[3] تقدّمت ترجمته في السنة الماضية برقم (289) .
(41/319)
الفقيه أَبُو إِسْحَاق الْقُرَشِيّ،
الهاشميّ، الْمَصْرِيّ، المالكيّ.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وحدَّث عَنْ: أَبِي القاسم بْن عساكر، وعبد المولى بْن مُحَمَّد
المالكيّ.
وكان إمام مسجد الزبير بن العوّام بمصر، وبه يعرف.
توفّي في ربيع الآخر، وله مجاميع في الرّقائق وغيرها. رحمه الله تعالى.
324- إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد بْن يحيى بْن مُحَمَّد بن الخشّاب [1] .
القاضي الرئيس أبو طاهر الحلبيّ، من أعيان الحلبيّين وكبرائهم.
كان فاضلا، أديبا، شاعرا، منشئا، له نظر في العلوم، إلّا أنّه كَانَ من
أجلّاء الشّيعة المعروفين. وكان دمِث الأخلاق، ظريفا، مطبوعا. وَهُوَ
والد المولى الصّدر بهاء الدّين الحَسَن بْن الخشّاب.
تُوُفّي فِي ذِي القعدة، وَلَهُ ثمانٌ وخمسون سنة.
325- أسعد بْن نَصر بْن أسعد [2] .
أَبُو مَنْصُور بْن العَبَرْتيّ، الأديب.
أَخَذَ النَّحْو عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بْن الخَشَّاب، والكمال عَبْد
الرَّحْمَن الأنباريّ.
وعلَّم النّاسَ العربيّة. وكان لَهُ شِعْر حَسَن وتواليف، ومآخذ عَلَى
النّحاة.
توفّي رحمه الله في رمضان [3] .
__________
[1] انظر عن (إبراهيم بن سعيد) في: طبقات أعلام الشيعة (الثقات العيون
في سادس القرون) ص 2، وأعيان الشيعة (الطبعة الجديدة) 2/ 140.
[2] انظر عن (أسعد بن نصر) في: معجم البلدان 3/ 604، والتكملة لوفيات
النقلة 1/ 191، 192 رقم 210، وتاريخ ابن الدّبيثي (مخطوطة باريس 5921)
ورقة 254، وإنباه الرواة 1/ 235، والتلخيص لابن مكتوم (مخطوط) ورقة 42،
43، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 108، وبغية الوعاة 1/
441، 442. وقد تقدّم برقم (248) .
[3] وقع في معجم البلدان 3/ 604 أنه توفي في حدود سنة 570، ولعلّه أراد
سنة 590 هـ.
فتصحّفت.
(41/320)
- حرف الباء-
326- بُزْغُش [1] .
أَبُو عليّ عتيق أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن عَلِيّ الْأَنْصَارِيّ،
الدّبّاس.
سَمِع: أبا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء، وأبا
الْحُسَيْن بْن الفرّاء.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل.
وتُوُفّي فِي ذِي القعدة.
327- بُكْتمر [2] .
سيف الدّين صاحب خِلاط. مملوك صاحبها.
تُوُفّي فِي أوّل جُمادى الأولى.
وكان قَدْ أسرف فِي إظهار الشّماتة بموت صلاح الدّين، وفرح، وعمل
تخْتًا جلس عليه. ولقَّب نفسه بالسّلطان المعظَّم صلاح الدّين، وسمّى
نفسه عَبْد الْعَزِيز. وظهر منه رُعُونة. وتجهَّز لقصد ميّافارقين.
وكان مملوكٌ لشاه أرمن قَدْ تزوّج بابنة بُكْتمر، وطمع فِي المُلْك،
فجهّز عَلَى بُكْتمر مَن قتله، وتمَّلك بعده.
قَالَ ابن الأثير [3] : وكان بُكْتمر خيِّرًا، صالحا، كثير الصَّدَقة،
مُحِبًّا للصّوفيّة، حسن السّيرة في الرعيّة.
__________
[1] في الأصل (بزعش) بالعين المهملة، والتصحيح من: تاريخ ابن الدبيثي
(باريس 5921) ورقة 283، 284، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 194، 195 رقم
217، والمختصر المحتاج إليه 1/ 264.
[2] انظر عن (بكتمر) في: الكامل في التاريخ 12/ 102، 103، والفتح
القسّي 334. 567، 637، 640، وتاريخ مختصر الدول 224، وإنسان العيون
لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 46، والدرّ المطلوب 126، 127 (سنة 591
هـ.) ، ومفرّج الكروب 3/ 19، والأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 58، 80، 108 و
2/ 459، 540، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 423 والمختصر في أخبار البشر 3/
88، وزبدة الحلب 3/ 121، ودول الإسلام 2/ 100، والعبر 4/ 268، وسير
أعلام النبلاء 21/ 277، 278 رقم 150، وتاريخ ابن الوردي 2/ 109،
والبداية والنهاية 2، 13/ 7، والعسجد المسبوك 2/ 223، وشفاء القلوب
202، والنجوم الزاهرة 6/ 132، وشذرات الذهب 4/ 297، ومعجم الأنساب
والأسرات الحاكمة 341.
[3] في الكامل 12/ 103.
(41/321)
- حرف الحاء-
328- حاتم بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُفَرِّج بْن حاتم [1] .
الفقيه أَبُو المحاسن المقدسيّ، الأصل، الإسكندرانيّ. ابن عمّ الحافظ
عَلِيّ بْن المفضل.
تُوُفّي فِي الكهولة. ولا أعلمه رَوَى شيئا.
329- حَرَميّ بْن مَغْفر [2] .
أَبُو مُحَمَّد الشّاهد البزّاز، الْمَصْرِيّ.
سَمِع: مُنْجِبًا المرشديّ.
330- الْحَسَن بْن أَبِي سعْد المظفَّر بْن الْحَسَن بْن المظفّر ابن
السِّبْط الهَمَذَانيّ [3] .
أَبُو مُحَمَّد، ويُقَالُ اسمه ثَابِت. وَهُوَ بكنيته أشهر.
شيخ بغداديّ، رَوَى عَنْ جَدّه، عَنْ أَبِي عليّ.
سَمِع منه: أَحْمَد بْن طارق، وَجَعْفَر بن أحمد العبّاسيّ.
وتوفّي في رجب.
331- الحسن بن أبي نصر بن أبي حنيفة [4] بن القارض [5] .
أخو الحسين. وسمّاه بعضهم: المبارك [6] .
__________
[1] انظر عن (حاتم بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 186 رقم 197.
[2] انظر عن (حرميّ بن مغفر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 186 رقم
196.
[3] انظر عن (الحسن بن المظفّر) في: تاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921)
ورقة 289، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 188 رقم 202، وتلخيص مجمع الآداب
5/ رقم 125، والمختصر المحتاج إليه 1/ 268.
[4] انظر عن (الحسن بن أبي نصر) في: تاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922)
ورقة 22، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 189 رقم 205، والمشتبه 2/ 493،
والطبقات السنيّة (مخطوط) 1/ ورقة 880 وسيعاد باسم «المبارك» برقم
(362) .
[5] في الأصل: «الفارض» ، والتصحيح من المصادر.
[6] المنذري في التكملة 1/ 189.
(41/322)
روى عَنْ: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وغيره.
332- الْحُسَيْن بْن عبد الرحمن بن الحسين بن علي بن الخَضِر بْن
عَبْدان.
الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ، أَبُو عَبْد اللَّه المحدّث.
لَهُ سماعات كثيرة وإجازات.
وتُوُفّي فِي رابع رمضان.
- حرف الدال-
333- دَاوُد بْن عِيسَى بْن فُلَيْتَة بْن قاسم بْن مُحَمَّد بن أبي
هاشم [1] .
العلوي، الحسني [2] ، صاحب مكة.
تُوُفّي فِي رجب.
قَالَ ابن الأثير [3] : وما زالت إمرة مكّة تكون لَهُ تارة ولأخيه
مُكْثِر [4] تارة إلى أن مات.
- حرف الراء-
334- أَبُو رجال بْن غلبون.
المُرْسِيّ الكاتب.
رَوَى عَنْ: أَبِي جَعْفَر بْن وضّاح، وحَمَل عَنِ ابن خفاجة «ديوانه»
.
__________
[1] انظر عن (داود بن عيسى) في: الكامل في التاريخ 12/ 104، وخريدة
القصر (قسم شعراء الشام) 3/ 11 وفيه وفاته سنة 585 هـ.، وعمدة الطالب
في أنساب آل أبي طالب، لابن عتبة (توفي 828 هـ.) ، بتصحيح الطالقانيّ،
طبعة النجف 1380 هـ. / 1916 م.
ص 138، 139، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 156، والمختصر
في أخبار البشر 3/ 89، والروضتين 2/ 195، والعبر 4/ 268، وتاريخ ابن
الوردي 2/ 109، ومرآة الجنان 3/ 438، والوافي بالوفيات 13/ 587،
والعسجد المسبوك 2/ 226، ومآثر الإنافة 2/ 66، و 2/ 314، 367، وشذرات
الذهب 4/ 297، والأعلام 2/ 334،
[2] في مرآة الجنان 3/ 438 «الحسيني» .
[3] في الكامل 12/ 104.
[4] تصحّف في مآثر الإنافة 2/ 66 إلى «شكر» .
(41/323)
وكان أديبا، بليغا، فصيحا.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو الرَّبِيع بْن سالم. وأجاز لأبي عَبْد اللَّه
الأَبّار «ديوان» أَبِي إِسْحَاق بْن خَفَاجة.
توفّي فِي ذِي الحجَّة.
335- رجب بْن مذكور بْن أرنب [1] .
أَبُو الحُرُم [2] ، ويُقَالُ أَبُو عُثْمَان الأَزَجّي الأكّاف [3] .
شيخٌ أُمّيّ، صحيح السَّماع، عالي الرّواية.
سَمِع هُوَ، وأخوه ثعلب من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأَحْمَد بْن
الْحَسَن البنّاء، وأبي العزّ أَحْمَد بْن كادش، وعَلِيّ بْن أَحْمَد
بْن المُوّحِّد، وقُراتِكِين بْن الأسعد، وجماعة.
سَمِع منه: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، ومات قبله بأربع عشرة سنة.
وروى عَنْ رجب: يوسف بْن خليل، وسالم بْن صَصْرى، والبهاء عَبْد
الرَّحْمَن، وابن الدُّبِيثيّ [4] .
قَالَ ابن النّجّار: شيخ لا بأس بِهِ.
تُوُفّي فِي ثالث عشر رمضان.
- حرف الزاي-
336- زبيدة [5] .
__________
[1] انظر عن (رجب بن مذكور) في: مشيخة النعال 113، 114، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 190، 191 رقم 209، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ،
ورقة 52، 53، والمختصر المحتاج إليه 2/ 69، 70 رقم 666، والإعلام
بوفيات الأعلام 242، والمعين في طبقات المحدّثين 181 رقم 1921،
والمشتبه 1/ 114، وسير أعلام النبلاء 21/ 229، 230 رقم 115.
[2] أبو الحرم: بضم الحاء والراء المهملتين.
[3] الأكّاف: بفتح الألف وتشديد الكاف. هذه اللفظة لمن يعمل أكاف
البهائم. (الأنساب، اللباب) .
[4] وهو قال: وكان أمّيّا لا يعرف شيئا.
[5] انظر عن (زبيدة) في: الوافي بالوفيات 15/ 178 رقم 243.
(41/324)
ابنة المقتضي لأمر اللَّه الّتي تزوّج بها
السّلطان مَسْعُود السَّلْجُوقيّ عَلَى مَهْر مائة ألف دينار، ولم يدخل
بها.
عاشت إلى هَذَا العام.
- حرف السين-
337- سالم بْن سلامة [1] .
أَبُو مُحَمَّد السُّوسيّ، المغربيّ، نزيل سجلْماسة.
سَمِع بفاس «صحيح الْبُخَارِيّ» من أَبِي عَبْد اللَّه بْن الرّمّامة.
وكان حافظا لمذهب مالك، زاهدا، خيّرا، يورد الفقه بالَبْربريّ.
قَالَ الأَبّار: وَقَدْ نيّف عَلَى المائة سنة.
- سلطان شاه الخُوارَزْميّ.
اسمه محمود. يأتي فِي موضعه [2] .
338- سِنان [3] بْن سَلْمان [4] بْن مُحَمَّد.
أَبُو الْحَسَن الْبَصْرِيّ، كبير الإسماعيليّة وصاحب الدّعوة
النّزاريّة.
وكان أديبا، فاضلا، عارفا بالفلسفة وشيء من الكلام والشّعر والأخبار.
__________
[1] انظر عن (سالم بن سلامة) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] انظر رقم (365) .
[3] انظر عن (سنان بن سلمان) في: الكامل في التاريخ 11/ 419، 436 و 12/
78، ورحلة ابن جبير 229، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 419، والمختصر في أخبار
البشر 3/ 85، والدرّ المطلوب 120، 121، والتذكرة لابن العديم (مخطوط
بدار الكتب المصرية) ورقة 244، 306، وزبدة الحلب، له 3/ 22، 31- 33،
38، والعبر 4/ 269، ودول الإسلام 2/ 100، والإعلام بوفيات الأعلام 242،
وسير أعلام النبلاء 21/ 182- 190 رقم 93، وتاريخ ابن الوردي 2/ 106
ومرآة الجنان 3/ 438، والوافي بالوفيات 15/ 463- 470 رقم 632، والعسجد
المسبوك 2/ 226، 227، والنجوم الزاهرة 5/ 117، وشذرات الذهب 4/ 294،
والأعلام 3/ 206.
[4] في مرآة الجنان 3/ 438 «سليمان» ، وهو تصحيف.
(41/325)
تفسير الدَّعوة النِّزاريَّة وكانت فِي
حدود الثّمانين وأربعمائة فيما أحسب. وهي نسبةٌ إلى نزار بْن المستنصر
باللَّه معد بن الظاهر علي بن الحاكم العُبَيْديّ.
وكان نزار قَدْ بايع لَهُ أَبُوهُ، وبثَّ لَهُ الدُّعاة فِي البلاد
بِذَلِك، منهم صبّاح صاحب الدّعوة. وكان صبّاح ذا سَمْتٍ، وذلْقٍ [1] ،
وإظهارِ نُسْكٍ، وَلَهُ أتباعٌ من جنسِه، فدخل الشّام والسّواحل، فلم
يتمّ لَهُ مراد، فتوجّه إلى بلاد العجم، وتكَّلم مَعَ أَهْل الجبال
والغُتْمَ [2] الْجَهَلة من تِلْكَ الأراضي، فقصد قلعة المَوْت [3] ،
وهي قلعة حصينة، أهلُها ضِعاف العقول، فُقَراء، وفيهم قوّة وشجاعة.
فَقَالَ لهم: نَحْنُ قوم زُهَّاد نعبُدُ اللَّه فِي هَذَا الجبل،
ونشتري منكم نصف القلعة بسبعة آلاف دينار. فباعوه إيّاها، وأقام بها.
فَلَمَّا قوي استولى عَلَى الجميع. وبلغت عدّة أصحابه ثلاثمائة
ونيِّفًا.
واتّصل بملك تِلْكَ النّاحية: إنّ هاهنا قوما يفسدون عقائد النّاس، وهم
فِي تزيُّد، ونخافُ من غائلتهم. فَنَهَدَ إليهم، ونزل عليهم، وأقبلَ
عَلَى سُكْرِه ولّذَّاته. فَقَالَ رَجُلٌ من قوم صبّاح اسمه عليّ
البَعْقوبيّ [4] : أَيِّ شيء يكون لي عندكم إنْ أنا كَفَيْتُكم مئونة
هَذَا العدوّ؟ قَالُوا: يكون لك عندنا ذُكْران. أَيِّ نذكرك فِي
تسابيحنا.
قَالَ: رَضِيتُ. فأمرهم بالنّزول منَ القلعة ليلا، وقسَّمهم أرباعا فِي
نواحي العسكر، ورتّب معهم طُبُولًا وقَالَ: إذا سمعتم الصّياح فاضْربوا
الطُّبول، ثُمّ انتهز عليّ البَعْقوبيّ الفرصة من غِرَّة الملك، وهجم
عليه فقتله، وصاحَ أصحابه، فقتلَ الخواصّ عليّا، وضرب أولئك بالطّبول،
فأرجفوا
__________
[1] في الأصل: «دلق» بالدال المهملة، والصحيح ما أثبتناه.
[2] الغتم: بضم الغين المعجمة والتاء المثنّاة الساكنة، الذين لا
يفصحون شيئا.
[3] انظر عن (الموت) في: آثار البلاد وأخبار العباد، للقزويني 301،
302.
[4] هكذا «البعقوبي» بالباء الموحّدة في الموضعين. وفي سير أعلام
النبلاء 21/ 184.
«اليعقوبي» بالياء المثنّاة، والله أعلم.
(41/326)
الجيش، فهجّوا عَلَى وجوههم، وتركوا الخيام
بما فيها، فنُقِل الجميع إلى القلعة، وصار لهم أموال وأعتاد، واستفحل
أمرهم.
وأمّا نزار، فَإِن عَمَّتَه خافت منه، فعاهدت أعيان الدّولة عَلَى أن
توَلّي أخاه الآمر، وَلَهُ ستّ سِنين، وخاف نزار فهرب إلى الإسكندريّة،
وجَرَت لَهُ أمور، ثُمّ قُتِلَ بالإسكندريّة. وصار أَهْل الألَموت
يدعون إلى نزار، فأخذوا قلعة أخرى، وتسرّع أهل الجبل منَ الأعاجم إلى
الدّخول فِي دعوتهم، وبايَنوا المصريّين لكونهم قتلوا نزارا. وبنوا
قلعة، واتَّسَع بلاؤهم وبلادُهم، وأظهروا شُغُلَ الهجوم بالسّكّين
الّتي سنّها لهم عليّ البعقوبيّ، فارتاع منهم الملوك، وصانعوهم
بالتُّحَف والأموال.
ثُمّ بعثوا داعيا من دعاتهم في حدود الخمسمائة أَوْ بعدها إلى الشّام،
يُعرف بأبي مُحَمَّد، فجرت لَهُ أمور، إلى أن ملك قِلاعًا من بلد جبل
السُّمّاق [1] ، كَانَتْ فِي يد النُّصّيْريَّة. وقام بعده سِنان
هَذَا، وكان شَهْمًا، مهِيبًا، وَلَهُ فُحُوليَّة، وذكار، وغَور.
وكَانَ لا يُرى إلّا ناسكا، أَوْ ذاكرا، أَوْ واعظا، كَانَ يجلس عَلَى
حَجَر، ويتكلّم كأَنَّه حجر، لا يتحرَّك منه إلّا لسانه، حَتَّى اعتقد
جُهَّالهم فِيهِ الإلهيَّة. وحصَّل كُتُبًا كثيرة.
وأمّا صبّاح فَإنَّهُ قرَّر عِنْد أصحابه أنّ الْإِمَام هُوَ نِزار.
فَلَمَّا طال انتظارهم لَهُ، وتقاضيهم بِهِ قَالَ: إنَّه بَيْنَ أعداء،
والبلاد شاسِعة، ولا يمكنه السّلوك، وَقَدْ عزم أن يختفي فِي بطنِ
حاملٍ، ويجيء سالما، ويستأنف الولادة. فرضوا بِذَلِك. اللَّهمّ ثبِّت
علينا عقولنا وإيماننا.
ثُمّ إنَّه أحضر جارية مصريّة قَدْ أَحْبَلها وقَالَ: إنَّه قَدِ اختفى
فِي بطن هَذِهِ فأخذوا يعظّمونها، ويتخشّعون لرؤيتها، ويرتقبون
الْإِمَام المنتظَر أن يَخْرُج منها، فولدت ولدا، فسمّاه حَسَنًا.
فَلَمَّا تسلطن خُوارزم شاه مُحَمَّد بْن تكش، واتّسع ملكه، وفخم أمره،
__________
[1] بنواحي حلب.
(41/327)
قصد بلاد هَؤُلَاءِ الملاحدة، وهي قلاع
حصينة، منيعة، كبيرة، يُقَالُ إنّها ممتدَّة إلى أطراف الهند. وَقَدْ
حكم عَلَى الملاحدة بعد صبّاح ابنه مُحَمَّد، ثُمّ بعده الْحَسَن بْن
مُحَمَّد بْن صبّاح المذكور، فرأى الْحَسَن منَ الحزم أن يتظاهر
بالإسلام، وذَلِكَ فِي سنة سبْع وستّمائة، فادّعى، أَنَّهُ رَأَى عليّا
عَلَيْهِ السَّلامَ فِي النّوم يأمره أن يُعيد شعارَ الْإِسْلَام منَ
الصلاة، والصيام، والأذان، وتحريم الخمر. ثُمّ قصَّ المنام عَلَى
أصحابه وقَالَ: أليس الدّينُ لي؟
قَالُوا: بلى.
قَالَ: فتارة أرفع التكاليف، وتارة أضعها.
قَالُوا: سمعا وطاعة.
فكتب بِذَلِك إلى بغداد والنّواحي، واجتمع بمن جاوره مِنَ الملوك،
وأدخل بلادَه القرّاء، والفُقهاء، والمؤذّنين، واستخدم فِي ركابه أَهْل
قَزْوين.
وذلك منَ العجائب.
وجاء رسوله ونائبة فِي صُحبة رسول الخليفة إلى الملك الظّاهر إلى حلب،
بأنْ يقتل النّائب الأوّل ويقيم هَذَا النّائب لَهُ عَلَى قِلاعهم
الّتي بالشّام.
فأنفق عليهم الظّاهر وأكرمهم، وخلّصوا بإظهار الْإِسْلَام من يد
خُوارزم شاه.
رجعنا إِلَى أخبار سنان. كَانَ أعرج لحَجَرٍ وقع عليه منَ الزّلزلة
الكائنة فِي دولة نور الدّين. فاجتمع إِلَيْهِ مُحُّبوه، عَلَى ما ذكر
الموفّق عَبْد اللّطيف، لكي يقتلوه. فَقَالَ لهم: ولِمَ تقتلوني؟.
قَالُوا: لترجع إلينا صحيحا، فإنّا نكره أن يكون فينا أعرج.
فشكرهم ودعا لهم، وقَالَ: اصبروا عليَّ، فَلَيْس هَذَا وقته.
ولاطَفَهم.
ولمّا أراد أن يُحِلّهم منَ الْإِسْلَام، ويُسقط عَنْهُمُ التّكاليف
لأمرٍ جاءه منَ
(41/328)
الأَلَمُوت عَلَى عهد إلْكِيّا [1]
مُحَمَّد، نزل إِلَى مَقْثَأَةٍ [2] فِي شهر رمضان، فأكل منها، فأكلوا
معه، واستمرّ أمرهم عَلَى ذَلِكَ.
وأوّل قدوم سِنان كَانَ إِلَى حلب، فذكر سعْد الدّين عبد الكريم، رسول
الإسماعيليّة، قَالَ: حكى سِنان صاحب الدّعوة قَالَ: لمّا وردتُ الشّام
اجتزتُ بحلب، فصلّيت العصر بمشهد عليّ بظاهر باب الْجِنان، وثَمَّ شيخ
مُسِنّ، فسألته: من أَيْنَ يكون الشَّيْخ؟ قَالَ: من صبيان حلب.
وقَالَ الصّاحب كمال الدّين فِي «تاريخ حلب» [3] : أخبرني شيخ أدرك
سِنانًا أنّ سِنانًا كَانَ من أَهْل البصْرة، وكان يعلّم الصّبيان،
وأَنَّهُ مرّ وَهُوَ طالع إِلَى الحصون عَلَى حمارٍ حين ولّاه إيّاها
صاحب الأَلَمُوت، فمرّ بإقمِيناس [4] ، فأراد أهلها أَخْذَ حماره، فبعد
جَهْد تركوه، وبلغ من أمره ما بلغ. وكان يُظْهِر لهم التَّنَسُّك
حَتَّى انقادوا لَهُ، فأحضرهم يوما وأوصاهم، وقَالَ: عليكم بالصّفاء
بعضكم لبعض، ولا يمنعنّ أحدُكم أخاه شيئا هُوَ لَهُ. فنزلوا إِلَى جبل
السُّمّاق وقالوا: قَدْ أمرنا بالصّفاء، وأن لا يمنع أحدُنا صاحبَه
شيئا هُوَ لَهُ.
فأخذ هَذَا زوجَة هَذَا، وهذا بِنْت هَذَا سِفاحًا، وسمّوا أنفُسهم
«الصُّفاة» .
فاستدعاهم سِنان إِلَى الحصون، وَقُتِلَ منهم مقتلة عظيمة.
قَالَ الصاحب كمال الدّين: وتمكّن فِي الحصون، وانقادوا لَهُ ما لَمْ
ينقادوا لغيره، وتمكّن. وأخبرني عَلِيّ بْن الهوّاريّ أنّ الملك صلاح
الدّين سيَّر إِلَيْهِ رسولا، وَفِي رسالته تهديد، فَقَالَ للرسول:
سأريك الرجال الَّذِين ألقاه بهم. وأشار إِلَى جماعةٍ من أصحابه بأن
يُلقوا أنفسهم من أعلى [5] الحصن، فألقوا أنفسهم وهلكوا.
قَالَ: وبلغني أَنَّهُ أحلّ لهم وطء أمّهاتهم، وأخواتهم، وبناتهم،
وأسقط
__________
[1] الكيا: الرئيس.
[2] مقثأة: الموضع الّذي يزرع فيه القثّاء.
[3] في الجزء الضائع من «بغية الطلب في تاريخ حلب» .
[4] في الأصل: «اقمناس» ، والتصحيح من (معجم البلدان) وقال: هي قرية
كبيرة من أعمال حلب في جبل السّمّاق، أهلها إسماعيلية.
[5] في الأصل: «أعلا» .
(41/329)
عَنْهُمْ صوم رمضان.
قَالَ: وقرأت بخطّ أَبِي غالب بْن الحُصَيْن فِي «تاريخه» : وفيه، يعني
محرّم سنة تسع وثمانين، هلك سِنان صاحب دار الدّعوة النِّزاريَّة
بالشّام بحصن الكهف [1] . وكان رَجُلًا عظيما، خَفِيّ الكّيْد، بعيد
الهمّة، عظيم المخاريق، ذا قُدرة عَلَى الإغواء، وخديعة القلوب،
وكتْمان السّرّ، واستخدام الطَّغَام والغَفَلَة فِي أغراضه الفاسدة.
وأصلُه من قريةٍ من قرى البصرة، وتُعرف بعُقْر السّدف. خَدَم رؤساء
الإسماعيليّة بالأَلَمَوت، وراضَ نفسه بعلوم الفلسفة. وقرأ كثيرا من
كُتُب الجدل والمغالطة، و «رسائل» إخوان الصّفا وما شاكلها منَ الفلسفة
الإقناعيّة المشوّقة غير المبرهنة.
بني بالشّام حصونا لهذه الطّائفة، بعضها مُسْتَجَدَّة، وبعضها كَانَتْ
قديمة، فاحتال فِي تحصيلها وتحصينها، وتوعير مسالكها.
وسالَمَتْهُ الأيّام، وخافته الملوك من أجل هجوم أصحابه عليهم. ودام
لَهُ الأمر بالشّام نيِّفًا وثلاثين سنة. وسيَّر إِلَيْهِ داعي دُعاتهم
من أَلَمُوت جماعة فِي عدّة مِرار ليقتلوه، خوفا منَ استبداده عليه
بالرئاسة، فكان سِنان يقتلهم، وبعضهم يخدعه سِنان، ويُثنيه عمّا سُيِّر
لأجله.
قَالَ كمال الدّين: وقرأتُ بخطّ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الفضل
الرَّازيّ فِي «تاريخه» قَالَ: حَدَّثَنِي الحاجب معين الدّين مودود
أَنَّهُ حضَرَ عِنْد الإسماعيلية سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وأَنَّهُ
خلا بسِنان، وسأله عَنْ سبب كونه فِي هَذَا المكان، فَقَالَ: إنّني
نشأت بالبصرة، وكان والدي من مقدّميها. فوقع هَذَا الْحَدِيث فِي قلبي،
فجرى لي مَعَ إخوتي أمرٌ أحوجني إِلَى الانصراف عَنْهُمْ، فخرجتُ بغير
زاد ولا ركوب، فتوصَّلتُ حَتَّى بلغت الأَلَمُوت، فدخلتها وبها
إلْكِيّا مُحَمَّد متحكِّم، وكان لَهُ ابنان سمّاهما: الْحَسَن،
والحسين، فأقعدني معهما فِي المكتب، وكان يَبُرُّني بِرَّهُما،
ويساويني بهما. وبقيت حَتَّى مات، وولي بعده ابنُه الْحَسَن، فأنفذني
إِلَى الشّام.
__________
[1] ويقال: حصن «الكف» بغير هاء. قلعة بالقرب من القدموس على نحو ساعة.
تقوم على نشز عال فوق جبل مرتفع يرى على بعد. (صبح الأعشى 4/ 147)
بجبال العلويّين.
(41/330)
قَالَ: فخرجت مثل خروجي منَ البصرة، فلم
أقارب بلدا إلّا فِي القليل. وكان قَدْ أمرني بأوامر، وحمّلني رسائل.
فدخلت المَوْصِل، ونزلت مَسْجِد التّمّارين، وسرتُ من هناك إِلَى
الرَّقَّة، وكان معي رسالة إِلَى بعض الرّفاق بها، فأدّيت الرسالة،
فزوّدني، واكترى لي بهيمة إِلَى حلب. ولقيت آخر أوصلتُ إِلَيْهِ رسالة،
فاكترى لي بهيمة، وأنفذني إِلَى الكهْف. وكان الأمر أنْ أقيم بهذا
الحصْن. فأقمت حَتَّى تُوُفّي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي الجبل، وكان
صاحب الأمر، فتولّي بعده الخواجة [1] عَلِيّ بْن مَسْعُود بغير نصٍّ،
إلّا باتّفاق بعض الجماعة. ثُمّ اتّفق الرئيس أَبُو مَنْصُور بْن
أَحْمَد بْن الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد، والرئيس فهْد، فأنفذوا مَنْ
قتله، وبقي الأمر شورى، فجاء الأمر منَ الأَلَمُوت بقتْل قاتله، وإطلاق
فهْد، ومعه وصيَّة، وأُمِر أن يقرأها عَلَى الجماعة، وهذه نسخة
المكتوب: «هَذَا عهّدٌ عهِدْناه إِلَى الرئيس ناصر الدّين سِنان،
وأمرناه بقراءته عَلَى سائر الرّفاق والإخوان، أعاذكم اللَّه جميعَ
الإخوان منَ اختلاف الآراء، واتّباع الأهواء، إذ ذاك فتنةُ الأوّلين،
وبلاء الآخرين، وفيه عبرة للمُعْتَبِرين، مَنْ تبرَّأ من أعداء اللَّه،
وأعداء ولّيه ودينه، عليه مُوالاة أولياء اللَّه، والاتّحاد بالوحْدة
سُنَّة جوامع الكِلم، كلمة اللَّه والتّوحيد والإخلاص، لا إله إلّا
اللَّه، عُروة اللَّه الوُثقى، وحبْله المتين، ألا فتمسّكوا بِهِ،
واعتصموا، عبادَ اللَّه الصّالحين فبِهِ صلاح الأوَّلين، وفَلاح
الآخرين. أجمعوا آراءكم لتعليم شخصٍ معيّن بنصٍّ منَ اللَّه ووليّه،
فتلقّوا ما يُلْقيه إليكم من أوامره ونواهيه بِقَبُولٍ، فلا وربِّ
العالَمين لا تؤمنون حَتَّى تحكّموه فيما شَجَرَ بينكم، ثُمّ لا تجدوا
فِي أنفسكم حَرَجًا ممّا قضى، وتسلّموا تسليما [2] . فذلك الاتّحاد به
بالواحدة الّتي هِيَ آية الحقّ، المُنْجية منَ المهالك، المؤدّية إلى
السّعادة السّرمديّة، إذ الكثرة علامة الباطل، المؤديَّة إِلَى
الشّقاوة المخزية، والعياذ
__________
[1] في الأصل: «الأخواجة» .
[2] اقتباس من سورة النساء، الآية 65: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في
أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً 4: 65.
(41/331)
باللَّه من زواله، وبالوحدة من آلِهةٍ
شتَّى، وبالوحدة منَ الكَثْرة، وبالنّصّ والتّعليم منَ الأدواء
والأهواء المختلفة، وبالحقّ منَ الباطل، وبالآخرة الباقية منَ
الدُّنْيَا الملعونة، الملعون ما فيها، إلّا ما أُريد بِهِ وجه اللَّه،
ليكون عِلمكم وعلمكم خالصا لوجهه الكريم. يا قوم إنّما دنياكم ملْعبةٌ
لأهلها، فتزوّدوا منها للآخرة، وخير الزّاد التَّقْوى» .
إِلَى أن قَالَ: «أطيعوا أميركم ولو كَانَ عبدا حبشيّا، ولا تزكُّوا
أنفُسَكم» .
قَالَ كمال الدّين: وكتب سِنان إِلَى سابق الدّين صاحب شَيْزَر يُعزّيه
عَنْ أَخِيهِ شمس الدّين صاحب قلعة جَعْبَر:
إنّ المنايا لا يطأن [1] بمنسمِ ... إلّا عَلَى أكتاف أَهْل
السُّؤْدُدِ
فَلَئِنْ صَبَرْتَ فأنتَ سيّد مَعْشرٍ ... صُبُرٍ [2] وإنْ تَجْزَعْ
فغيرُ مُفَنَّدِ
هَذَا التّناصُرُ باللّسان ولو أتى ... غيرُ الحِمام أتاكَ نصري باليدِ
وهي لأبي تمّام.
وقَالَ: ذُكِر أنّ سِنان كتب إِلَى نور الدّين محمود بْن زنكي، والصحيح
أَنَّهُ إلى صلاح الدّين:
يا ذا الَّذِي بقراع السّيف هدَّدنا ... لا قام مصرعُ جنْبي حين تصرعُه
قام الحَمَام إِلَى البازيّ يُهدِّدُهُ ... واستيقظَتْ لأُسُود البَرّ
أضبعُه
أضحى يسدّ فم الأفعى بإصبعه ... يكفيه ما قد تلاقي منه إصبعه
[3] «وَقَفْنَا عَلَى تفصيله وجُمَله، وعلمنا ما هدَّدنا بِهِ من قوله
وعمله، وباللَّه العَجَب من ذُبابة تطِنّ فِي أُذُنِ فيل، وبعوضة تُعدّ
فِي التّماثيل، ولقد قَالَها قومٌ من قبلك آخرون، فدمّرنا عليهم ما
كَانَ لهم ناصرون، أَلِلْحَقّ تدحضون، وللباطل تنصرون، سيعلم الَّذِين
ظلموا أيَّ مُنْقَلبٍ ينقلبون. ولَئْن صدر قولك فِي قطْع رأسي، وقلْعك
لقلاعي منَ الجبال الرّواسي، فتلك أمانيّ كاذبة،
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 21/ 188 «لا تطا» .
[2] في سير أعلام النبلاء 21/ 188 «صبروا» .
[3] ستأتي هذه الأبيات بصيغة مختلفة بعد قليل.
(41/332)
وخيالات غير صائبة، فإنّ الجواهر لا تزول
بالأعراض، كَمَا أنّ الأرواح لا تضمحلّ بالأمراض. وإن عُدنا إِلَى
الظّواهر، وعدلنا عَنِ البواطن، فلنا فِي رَسُول اللَّهِ أُسْوة
حَسَنَة: ما أُوذي نبيُّ ما أُوذِيتُ. وَقَدْ علِمتم ما جرى عَلَى
عتُرته وشِيعته، والحال ما حال، والأمرُ ما زال، وللَّه الأمرُ فِي
الآخرة والأولى. وَقَدْ علِمتم ظاهر حالنا، وكيفيَّة رجالنا، وما
يتمنَّونَه منَ الفَوْت، ويتقرّبون بِهِ إلى حِياض الموت، وَفِي
المّثَل: «أَوَ لِلْبَطّ تهدّد بالشّطّ» ؟ فهيّئ للبلايا أسبابا،
وتدرّع للرّزايا جِلْبابا، فلأَظْهَرَنّ عليك منك، وتكون كالباحث عَنْ
حتْفه بظلفِه، وما ذَلِكَ عَلَى اللَّه بعزيز، فإذا وقفت عَلَى كتابنا
هَذَا، فكُن لأمرنا بالمرصاد، ومن حالك عَلَى اقتصاد، وأقرأ «النَّحل»
[1] وآخر، «ص» [2] .
وقَالَ كمال الدّين: حَدَّثَنِي النَّجم مُحَمَّد بْن إِسْرَائِيل
قَالَ: أخبرني المُنْتَجبُ بْن دفتر خوان قَالَ: أرسلني صلاح الدّين
إلى سِنان زعيم الإسماعيليّة حين وثبوا عَلَى صلاح الدّين للمرَّة
الثّالثة بدمشق، ونعى القُطْب النَّيْسابوريّ، وأرسل معي تهديدا
وتخويفا، فلم يُجِبْه، بل كتب عَلَى طُرَّة كتاب صلاح الدّين، وقَالَ
لنا: هَذَا جوابكم.
جاء الغرابُ إِلَى البازيّ يهدّدهُ ... ونبهت لصراع الأُسْد أضبعُه
يا مَنْ يهدّدني بالسِّيف خُذْهُ وقُمْ ... لا قام مِصْرعُ جنْبي حين
تصرعُه
يا مَنْ يسدّ فم الأَفْعَى بإصبعه ... يكفيه ما لَقِيَتْ من ذاك أصبعُه
[3] ثُمّ قَالَ: إنّ صاحبكم يحكم عَلَى ظواهر جُنْده، وأنا أحكم عَلَى
بواطن جُنْدي، ودليله ما تشاهد الآن. ثُمّ دعا عشرة من صبيان القاعة،
وكان عَلَى حصنه المُنِيف، فاستخرج سكّينا وألقاها إِلَى الخندق،
وقَالَ: مَنْ أراد هَذِهِ فلْيُلْقِ نفسَه خلفها. فتبادَروا جميعا
وثْبًا خلفها، فتقطّعوا. فعُدنا إِلَى السّلطان صلاح الدّين وعرّفناه،
فصالحه.
__________
[1] أول سورة النحل: «أتى أمر الله فلا تستعجلوه ... » .
[2] آخر سورة ص: «ولتعلمنّ نبأه بعد حين» .
[3] تقدّمت هذه الأبيات بصيغة مختلفة قبل قليل.
(41/333)
وذكر الشَّيْخ قُطْب الدّين فِي «تاريخه»
أنّ سنانا سيَّر إِلَى صلاح الدّين- رحِمَه اللَّه- رسولا، وأمره أن لا
يؤدّي رسالته إلّا خَلْوةً، ففتَّشه صلاح الدّين، فلم يجد معه ما
يخافه، فأخلى لَهُ المجلس، إلّا نفر يسير، فامتنع من أداء الرسالة
حَتَّى يخرجوا، فأخرجهم كلَّهم، سوى مملوكين، فَقَالَ: هاتِ رسالتك.
فَقَالَ: أُمِرْت أن لا أقولها إلّا فِي خَلْوة. فَقَالَ: هذان ما
يخرجان، فإنْ أردتَ تذكر رسالتَك، وإلّا فقُمْ. قَالَ: فلِمَ لا
يَخْرُج هذان [1] ؟ قَالَ:
لأنهما مثل أولادي.
فالتفت الرَّسُول إليهما، وقَالَ لهما: إذا أمرتكما عَنْ مخدومي بقتل
هَذَا السّلطان تقتلانه؟ قَالا: نعم. وجَذَبا سيفيهما. فبُهت السّلطان،
وخرج الرَّسُول وأخذهما معه. وجَنَحَ صلاح الدّين إِلَى الصُّلح
والدّخول فِي مَرَاضيه.
قُلْتُ: هَذِهِ حكاية مرسَلَة، واللَّه أعلم بصحّتها.
وقَالَ كمال الدّين: أنشدني الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن الخشّاب
قَالَ: أنشدني شيخ الإسماعيليّة قَالَ: أنشدني سِنان لنفسه:
ما أكثرَ النّاسَ وما أَقَلَّهُمْ ... وما أقلَّ فِي القليل النُّجَبَا
ليتَهُمْ إذْ لَمْ يكونوا خُلِقُوا ... مُهذَّبين صَحِبُوا مُهَذَّبَا
قَالَ: وقرأتُ عَلَى ظهر كتابٍ لسِنان صاحب الدّعوة:
أَلْجَأَني الدّهرُ إِلَى مَعْشَرٍ ... ما فيهم للخير مستَمتَعُ
إنْ حدَّثوا لَمْ يُفهِموا سامِعًا ... أَوْ حُدِّثوا مَجُّوا ولم
يَسْمَعُوا [2]
تقدُّمي أخَّرني فيهُمُ ... مَنْ ذَنْبُه الإحسانُ ما يصنع؟
[3]
__________
[1] في الأصل: «هاذان» .
[2] البيتان فقط في التذكرة لابن العديم، ورقة 244.
[3] ومن شعر سنان:
لو كنت تعلم كلّ ما علم الورى ... طرّا لكنت صديق كلّ العالم
لكن جهلت فصرت تحسب أنّ من ... يهوى خلاف هواك ليس بعالم
(41/334)
- حرف الشين-
339- شمس النّهار بِنْت كامل [1] .
البغداديَّة.
رَوَت عَنْ: أَبِي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَبِي يَعْلَى الفرّاء.
تُوُفّيت فِي تاسع ربيع الآخر.
- حرف الطاء-
340- طُغْدي بْن خُتْلُغ بْن عَبْد اللَّه [2] .
أَبُو مُحَمَّد الأميريّ، الْبَغْدَادِيّ، الفَرَضيّ، ويُسمّى عَبْد
المحسن، وَهُوَ بطُغْدي أشهر.
وُلِد سنة 534، وقرأ القراءات عَلَى: عَلِيّ بْن عساكر البَطَائحيّ زوج
أُمّه، وَهُوَ الَّذِي ربّاه. وسَمِع بإفادته مِنْ: أَبِي الفضل
الأُرْمَوِيّ، وابن باجة، وهبة اللَّه بْن أَبِي شُرَيك، وأبي الوقت.
وكان أستاذا فِي الفرائض، قدِم الشّامَ واستوطنها وحدَّث بها [3] .
وتُوُفّي فِي المحرَّم.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، والضّياء مُحَمَّد.
__________
[ () ]
فاستح إنّ الحق أصبح ظاهرا ... عمّا تقول وأنت شبه النائم
(التذكرة، ورقة 306) .
وقد ورّخ ابن تغري بردي وفاته في سنة 588 هـ. ثم عاد وذكره في سنة 589
هـ.
[1] انظر عن (شمس النهار) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 185 رقم 192.
[2] انظر عن (طغدي بن ختلغ) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 122، 123 رقم
744 وفيه «ختلج» ، والوافي بالوفيات 16/ 453، 454 رقم 488، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 181، 182 رقم 186.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 230 ولم
يترجم له.
[3] وقال ابن الدبيثي: حدّث ببغداد وحدّث بحرّان في طريقه إلى دمشق،
وسكن دمشق وحدّث بها.
(41/335)
- حرف الظاء-
341- ظَفَر بْن أَحْمَد بْن ثَابِت بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو الغنائم ابن الحافظ أَبِي الْعَبَّاس الطَرْقيّ، ثُمّ اليَزْديّ.
سَمِع من: أَبِيهِ، وأبي عليّ الحدّاد، وجماعة.
وقدم بغدادَ حاجّا فحدَّث بها.
وطَرْق [2] : بُلَيْدة من نواحي أصبهان.
- حرف العين-
342- عَبْد اللَّه بْن الحُسين بْن الخَضِر بْن عَبْدان.
الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ.
رَوَى شيئا يسيرا عَنْ: أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن أشْليها، وأبي
يَعْلَى بْن الحُبُوبيّ.
تُوُفّي فِي المحرَّم.
343- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ هبة اللَّه بْن
عَبْد السّلام [3] .
أَبُو مَنْصُور بْن أَبِي الفتح الْبَغْدَادِيّ، الكاتب.
من بيت حديث وكتابه. وُلِد فِي جُمادى الأولى أَوْ في ربيع الآخر سنة
ستّ وخمسمائة.
وسَمِع من: أَبِي القاسم هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وقبله من: أَبِي
القاسم بْن بيان، وسماعه منه حضورا.
__________
[1] انظر عن (ظفر بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 124 رقم 878،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 196، 197 رقم 222.
[2] طرق: بفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وآخرها قاف.
[3] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 184، 185
رقم 190، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 102، والمختصر المحتاج
إليه 2/ 160، 161 رقم 796، وسير أعلام النبلاء 21/ 235، 236 رقم 121،
والمعين في طبقات المحدّثين 181 رقم 1922، والإعلام بوفيات الأعلام
242، 243، والعبر 4/ 269، والنجوم الزاهرة 6/ 133.
(41/336)
ومن: أَبِي عَلِيّ بْن نَبْهان، ومُحَمَّد
بْن عَبْد الباقي الدُّوري، وعبد القادر بْن يوسف، وجَعْفَر بْن المحسن
السَّلَمَاسيّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَهُوَ والد الفتح مُسْنِد بغداد فِي زمانه.
تُوُفّي فِي تاسع ربيع الأوّل.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، والشّيخ الموفّق، والجلال عَبْد اللَّه
بْن الْحَسَن قاضي دِمياط، وعَلِيّ بْن عَبْد اللّطيف بْن الخَيْميّ،
ومُحَمَّد بْن نفيس الزّعيميّ، وأَحْمَد بْن شُكْر الكِنْديّ، وآخرون.
قَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن الأخضر: سمعتُ منه، ومن أَبِيهِ وجَدّه [1]
.
344- عبد الله بن المبارك بن أبي نصر المبارك بن زوما [2] .
أبو بكر الأزجيّ، البزّاز.
روى عَنْ: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وزاهر الشّحّاميّ.
روى عنه: تميم بن أحمد، ويوسف بن خليل، وغيرهما.
وتوفّي بعد الّذي قبله بيومين.
345- عبد الخالق بن أبي هاشم محمد بن المبارك [3] .
الشّريف أبو جعفر الهاشميّ، الكفويّ، القصريّ، قصر الكوفة.
روى عَنْ: هبة الله بْن الحُصَيْن.
346- عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مَيْلا.
الحربي، الخَبَّاز.
روى عن: سعيد بن البنّاء.
__________
[1] المختصر المحتاج إليه 2/ 161.
[2] انظر عن (عبد الله بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 166
رقم 803، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 185 رقم 191، وتاريخ ابن الدبيثي
(باريس 5922) ورقة 106.
[3] انظر عن (عبد الخالق بن أبى هاشم) في: معجم البلدان 4/ 121،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 187، 188 رقم 201.
(41/337)
وتُوُفّي فِي سابع شعبان.
رَوَى عَنْهُ: ابن خليل.
347- عَتِيق بْن هِبَة الله بْن ميمون بْن عتيق بْن ورْدان [1] .
أَبُو الفضل. من ذرّيّة عِيسَى بْن ورْدان التّابعيّ، الْمَصْرِيّ.
حدَّث عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبائه بنسخةٍ مُنكَرَةٍ بعيدة عَنِ الصّحَّة.
رَوَى عَنْهُ: ولده المحدّث أَبُو الميمون عَبْد الوهَّاب، وغيره.
تُوُفّي فِي العشرين من شعبان.
348- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن كوثر [2] .
أَبُو الْحَسَن المحارِبيّ، الغَرْناطيّ.
سَمِع من: أَبِيهِ أَبِي الْعَبَّاس.
وحجّا معا، فسمِعا بمكّة من أَبِي الفتح الكَرُوخيّ سنة سبْعٍ وأربعين
«جامع» أَبِي عِيسَى.
وأخذ القراءات بمكّة عَنْ: أَبِي عَلِيّ بْن العرجاء القَيْروانيّ،
وأبي الْحَسَن بْن رضا البَلَنْسيّ الضّرير، وسَمِع منهما.
ومن: أَبِي الفضل الشَّيْبَانِيّ، وأبي بَكْر بْن أَبِي الْحَسَن
الطُّوسيّ.
وقرأ بمصر عَلَى أَحْمَد بْن الحُطَيْئة سنة ثلاثٍ وخمسين، وعَلَى
الشّريف أَبِي الفُتُوح الخطيب.
وأخذ العربية عَنِ ابن برّيّ.
__________
[1] انظر عن (عتيق بن هبة الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 189 رقم
204، ولسان الميزان 4/ 129 رقم 295.
[2] انظر عن (علي بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/
ورقة 69، (والمطبوع) 673، 674، والذيل والتكملة للمراكشي 5/ 173، 174،
وصلة الصلة لابن الزبير 111، 112، ومعرفة القراء الكبار 2/ 563، 564
رقم 518، وغاية النهاية 1/ 524، ومعجم المؤلفين 7/ 28.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 230 دون
أن يترجم له.
(41/338)
وحمل عَنِ السِّلَفيّ كثيرا، وتصدَّر
بغَرْناطة للإقراء والرّواية. وصنّف فِي القراءات، وأخذ النّاس عَنْهُ.
وتُوُفّي فِي ربيع الآخر رحِمَه اللَّه.
349- عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن قَنَان بْن أَبِي بَكْر بْن خطّاب [1]
.
أَبُو الْحَسَن الأنباريّ ثُمّ الْبَغْدَادِيّ السّمسار الرّبّي [2] .
ولد سنة خمسمائة.
سَمِع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر، وهبة اللَّه بن
الطّبر، وهبة اللَّه الشُّرُوطيّ، ويَحْيَى وأَحْمَد ابني البنّاء،
وجماعة كثيرة.
وحجّ نحوا من أربعين حَجَّة.
350- عَلِيّ بْن أَبِي شجاع بْن هبة اللَّه بْن رَوْح.
الأمينيّ أَبُو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، الشّاعر.
تُوُفّي فِي هَذَا العام.
وَلَهُ:
لكُمْ عَلَى الدّنف العليل ... حكم العزيز على الذّليل
ما لي إذا ما جُرْتُمُ ... يوما سِوَى الصَّبْرِ الجميلِ
مَنْ لَحْظه سِحْرُ العُيُونِ ... ولفْظهِ شِرْكُ العقولِ
كيف السَّبيلُ إِلَى لِماهُ ... ورشْف ذاك السَّلْسَبيلِ
ما لي عُدُولٌ عَنْ هواهُ ... فَدَعْ مَلامَكَ يا عَذُولي
351- عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم.
أبو الحسن الفهريّ، البلنسيّ المقرئ.
__________
[1] انظر عن (علي بن الحسين) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 123 رقم 999،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 196 رقم 221.
[2] بضم الراء المشدّدة. (المشتبه 1/ 215) .
(41/339)
أَخَذَ القراءاتِ عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن
هُذَيْل.
وروى الْحَدِيث عَنْ: أَبِي الْوَلِيد بْن الدّبّاغ، وجماعة.
وكان صالحا، منعزلا عَنِ النّاس.
رَوَى عنه: أبو الربيع بن سالم وقال: توفي في حدود التّسعين وخمسمائة.
352- عِيسَى بْن الصّالح عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن الفضل [1] .
الورّاق أَبُو شجاع العتّابيّ [2] ، الْبَغْدَادِيّ.
سَمِع من: جَدّه لأمّه أَبِي السُّعْود أَحْمَد بْن عَلِيّ المُجَليّ،
وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأَحْمَد بْن ملوك الورّاق.
وحدَّث. رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل.
وأجاز لابن الدُّبِيثيّ.
- حرف الميم-
353- مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الْحَسَن بْن الفضل بْن الْحَسَن [3] .
الأَدَميّ، أَبُو الفضل الأصبهانيّ.
سَمِع من: أَبِي عليّ الحدّاد، وأجاز لَهُ.
وتُوُفّي فِي ذِي القعدة.
354- مُحَمَّد بْن الفقيه أَبِي عليّ الْحُسَيْن بْن مفرّج بْن حاتم
[4] .
المقدسيّ. ثُمّ الإسكندرانيّ رشيد الدّين الواعظ.
وُلِد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
__________
[1] انظر عن (عيسى بن عبد الرحمن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 195
رقم 219، والمختصر المحتاج إليه (باريس) ورقة 103.
[2] العتّابيّ: بتشديد التاء. نسبة إلى العتّابين المحلّة المشهورة
بغربيّ بغداد. (المنذري 1/ 195) .
[3] انظر عن (محمد بن أبي علي الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 193
رقم 214.
[4] انظر عن (محمد بن الحسين) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 192 رقم
211.
(41/340)
وسَمِع من أَبِيهِ.
رَوَى عَنْهُ: ابن عمّه الحافظ أَبُو الْحَسَن.
وتُوُفّي في رمضان.
355- مُحَمَّد بْن ساكن بْن عِيسَى بْن مخلوف [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الحِمْيَريّ، الْمَصْرِيّ.
شيخ جليل عالم. جمع لنفسه مشيخة ذكر أَنَّهُ قرأ فيها القرآن عَلَى
أَبِي الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد الرَّوْحانيّ، والشّريف أَبِي
الفُتُوح ناصر بْن الْحَسَن، وأبي الْعَبَّاس بْن الحُطَيْئة،
ومُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الكِيزانيّ.
وأَنَّهُ سَمِع من: عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن الْحباب، والفقيه
عُمَر بْن مُحَمَّد البَلَويّ الذّهبيّ، وعبد اللَّه بْن رفاعة،
والسِّلَفيّ، وطائفة.
وحدَّث وألَّف مجاميع، وتصدَّر بجامع مصر، وخطب بجيزة الفُسْطاط مدَّة.
تُوُفّي فِي أوائل شوّال.
356- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الفقيه مُجَلّي بْن الْحُسَيْن بْن
عَلِيّ بْن الْحَارِث [2] .
الرمليّ الأصل، الْمَصْرِيّ، الفقيه الشّافعيّ، القاضي أَبُو عَبْد
الله.
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
ناب فِي القضاء بمصر نحْوًا من عشرين سنة.
وسَمِع من: أَبِي الفتح سلطان بْن إِبْرَاهِيم الفقيه، وأبي صادق مرشد
بْن يَحْيَى، وابن رفاعة.
وحدَّث. وكان يُقَالُ لَهُ حسّون.
__________
[1] انظر عن (محمد بن ساكن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 192، 193 رقم
212.
[2] انظر عن (محمد بن عبد الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 182، 183
رقم 188، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 142 ب.، والعقد
المذهب (مخطوط) ورقة 160.
(41/341)
وَهُوَ والد القاضي أَبِي مُحَمَّد عبد
اللَّه.
وكان جَدّه الفقيه مُجَلي قَدْ سَمِع منَ القاضي الخلَعيّ. وولّي عقد
الأَنْكِحَة بالرملة.
357- مُحَمَّدِ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْنُ مُحَمَّدِ بْن مَنْصُور بْن
مُحَمَّد بْن الفَضْلُ بْن مَنْصُور بْن أحمد بن يونس بن عبد الرحمن بن
اللّيث بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن المغيث بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن
العلاء بْن الْحَضْرَمِيّ [1] .
الفقيه أَبُو عَبْد اللَّه ابن الشَّيْخ أَبِي القاسم بْن أَبِي عَبْد
اللَّه الْحَضْرَمِيّ، العلائيّ، الصَّقَلّيّ، ثُمّ الإسكندرانيّ،
المالكيّ.
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة بالإسكندريّة.
وسَمِع من: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرَّازيّ.
وتفقّه عَلَى مذهب مالك. وكان فِي القضاء بالثّغر مدّة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل، وابن رواح، وعبد الرَّحْمَن
بْن يَحْيَى بْن علاس القصديريّ، وعَلِيّ بْن إِسْمَاعِيل بْن سُكَيْن،
وعَلِيّ بْن عُمَر بْن ركّاب الإسكندرانيّون [2] .
358- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد [3] .
أَبُو بَكْر السَّرْخَسِيّ، ثُمّ الْبَغْدَادِيّ، الخيّاط المعروف
بالخاتونيّ.
سَمِع من: أَبِي القاسم سَعِيد بن البَنّاء، وَأَبِي بَكْر بْن
الزَّاغُونيّ، وجماعة.
وحدَّث.
359- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الحميد بْن الْحَارِث.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الرحمن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 189،
190 رقم 206، والعبر 4/ 269، وحسن المحاضرة 1/ 214، وشذرات الذهب 4/
297.
[2] وقال المنذري: وهو من بيت الحديث، حدّث هو، وأبوه، وجدّه، وأخوه
أبو الفضل أحمد.
[3] انظر عن (محمد بن علي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن
الدبيثي 2/ 134 رقم 365، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 196 رقم 220.
(41/342)
أَبُو عبد اللَّه وأَبُو بَكْر اليعمُريّ،
الأندلسيّ، الأديب، الشّاعر.
رَوَى عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخصال.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن الصّفّار، وغير واحد.
360- الْمُبَارَك بْن كامل بْن مُقَلَّد بْن عَلِيّ بْن نصر بْن منقذ
[1] .
الأمير سيف الدّولة أَبُو الميمون الكِنانيّ، الشَّيزَرِيّ.
وُلِد بشَيْزَر سنة ستّ وعشرين وخمسمائة، وسمع بمكّة قليلا من أَبِي
حَفْص الميانِشِيّ.
رَوَى عَنْهُ ولده الأمير إِسْمَاعِيل.
وَقَدْ وُلّي سيف الدّولة أمر الدّواوين بمصر مدّة، وَلَهُ شعر يسير
[2] .
وكان مع شمس الدّولة توران شاه أَخِي السّلطان لمّا ملك اليمن، فناب
فِي مدينة زَبِيد عَنْهُ. ثُمّ رجع معه، واستناب أخاه حطّان، فَلَمَّا
مات شمس الدّولة حبسه السّلطان، لأنّه بلغه عَنْهُ أَنَّهُ قتل باليمن
جماعة، وأخذ أموالهم، فصادره، وضيّق عليه، وأخذ منه مائة ألف دينار،
وذلك فِي سنة سبْعٍ وسبعين.
ولمّا توجّه سيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين إِلَى اليمن، تحصّن الأمير
حطّان فِي قلعةٍ وعصى، فخدعه سيف الْإِسْلَام حَتَّى نزل إِلَيْهِ،
فاستصفى أمواله وسجنه، ثمّ أعدمه.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن كامل) في: الروضتين 2/ 25، وتاريخ إربل 1/
416، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 190 رقم 208، ووفيات الأعيان 3/ 291،
وتلخيص مجمع الآداب 1/ 237 (في الملقّبين: مجد الدين) ، والسلوك ج 1 ق
1/ 105.
[2] قال أَبُو القَاسِم عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه
بْن الْحُسَيْن بْن رواحة الصقلّي المتوفى سنة 646 هـ. أنشدنا أبو
الميمون المبارك بن كامل بن علي بن منقذ، وكان أميرا كبيرا فصيحا،
جميلا:
لما نزلت الدّبر قلت لصاحبي: ... قم فاخطب الصّهباء من شمّاسه
فأتى وفي يمناه كأس خلتها ... مقبوسة في الليل من أنفاسه
وكأنّ ما في كأسه من خدّه ... وكأنّ ما في خدّه من كاسه
(تاريخ إربل 1/ 416) .
(41/343)
وقيل إنَّه أَخَذَ منه سبعين غلاف
زَرَدِيَّة مملوءا ذَهَبًا.
تُوُفّي سيف الدّولة فِي رمضان بالقاهرة.
361- الْمُبَارَك بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي العزّ [1] .
أَبُو الفتح الْبَغْدَادِيّ، الْمُقْرِئ المعروف بابن غلام الدّيك،
وابن الدّيك [2] .
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة [3] .
وسمع من: أبي القاسم بن الحصين، وأبي القاسم بْن الطّبر، وأبي
السُّعْود أَحْمَد بْن المُجَليّ، وأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن
الفرّاء، وجماعة.
وكان واعظا فاضلا.
سَمِع منه: مُحَمَّد بْن مشّق، وتميم البَنْدَنِيجيّ، وجماعة.
واسم أبيه أَحْمَد.
تُوُفّي فِي المحرَّم.
362- الْمُبَارَك بْن أَبِي نصر بْن أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي ظاهر
بْن أَبِي حنيفة [4] أَبُو مُحَمَّد بْن الفارض الْبَغْدَادِيّ،
الحريميّ.
ويُقَالُ اسمه الْحَسَن.
سَمِع من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وجماعة.
وتُوُفّي فِي شعبان.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن أبي بكر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 167 رقم
1119، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 181 رقم 185، وغاية النهاية 2/ 37.
[2] في غاية النهاية: «صاحب الديك» .
[3] في غاية النهاية: «ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة» .
[4] تقدّمت ترجمة (المبارك بن أبي نصر) ومصادرها باسم «الحسن بن أبي
نصر» برقم (331) .
(41/344)
363- مبشّر بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ [1] .
أَبُو الرّشيد الرَّازيّ، ثُمّ الْبَغْدَادِيّ، الفَرَضيّ، الحاسب.
لَهُ مصنّفات مفيدة.
رَوَى عَنْ: أَبِي الوقت.
وتُوُفّي برأس عين فِي ذِي القعدة.
وانتفع عليه جماعة.
ولقد بالغ ابن النّجّار في تقريظه وقَالَ: كَانَ إماما فِي الجبر،
والمقابلة، والمساحة، وخواصّ الأعداد، واستخراج الضّمير، وحساب الوقف،
وقسمة الفرائض، والمنطق، والفلسفة، والهيئة.
صنّف فِي جُمَيْع ذَلِكَ، وكان شديد الذّكاء، شُدّت إِلَيْهِ الرحال.
إِلَى أن قَالَ: وكان يُرمى بفساد العقيدة وإنكار البعيث، ويتهاون
بالفرائض.
نُفَّذ منَ الدّيوان رسولا إِلَى الشّام، فمات برأس العين [2] .
364- محاسن بْن أَبِي بَكْر بْن سَلْمان بْن أَبِي شَريك [3] .
أَبُو البدر الحربيّ.
رَوَى عَنْ: عَبْد اللَّه بْن أحمد اليُوسُفيّ.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى [4] .
__________
[1] انظر عن (مبشر بن أحمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 195 رقم 218،
وأخبار الحكماء للقفطي 269، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 298- 300
(7/ 376) ، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 591، والعقد المذهب لابن
الملقّن (مخطوط) ورقة 261، ولسان الميزان 5/ 12، وكشف الظنون 1245،
وهدية العارفين 2/ 4، ومعجم المؤلفين 8/ 175.
[2] رأس العين: مدينة كبيرة مشهورة من مدن الجزيرة بين حرّان ونصيبين
ودنيسر. (معجم البلدان) .
[3] انظر عن (محاسن بن أبي بكر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 200 رقم
1227، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 186 رقم 195.
[4] وقال ابن الدبيثي: والد عبد الله. سمع ابن الطلّاية. كتب عنه ابن
أخته أحمد بن سلمان واستجازه لنا في سنة سبع وثمانين وخمسمائة.
(41/345)
365- محمود بْن خُوارزم شاه أرسلان بْن
خُوارزم شاه أتْسِز بْن مُحَمَّد بْن أنوشْتِكِين [1] .
السّلطان الخُوارزميّ، ولَقَبُه: سلطان شاه. وَهُوَ أخو علاء الدّين
خُوارزم شاه تكش.
تملَّك بعد والده فِي سنة ثمانٍ وستّين، وجَرَت لَهُ أمورٌ يطول
شَرحُها.
وكان أخوه قَدْ سلَّم إِلَيْهِ أَبُوهُ بعضَ المدائن، فحشد وجمع وقصد
أخاه، فترك خُوارزم وهرب. وذلك مذكورٌ فِي الحوادث.
ثُمّ إنَّه استولى عَلَى مملكة مَرْو. وكان نظيرا لأخيه فِي الحزْم
والعزْم والرأي والشّجاعة. وحضر غير مصافّ. واستعان بجيش الخَطَا.
وافتتح جماعة مدائن. وكان السّيف بينه وبَيْنَ أَخِيهِ، لأنّه أَخَذَ
منه خُوارزم، والتقاه فهزمه، وأسرَ أُمّه أمّ محمود فقتلها، واستولى
عَلَى أكثر حواصل أبيها، أعني علاء الدّين.
ونقل ابن الأثير فِي «كامله» فصلا طويلا فِي أخبارها استطرادا. وحكى
فِيهِ عَنْ بعض المؤرّخين أنّ سلطان شاه أَخَذَ مَرْو، ودفع الغُزّ
عَنْهَا، ثُمّ تجمّعوا لَهُ وأخرجوه، وانتهبوا خزائنه، وقتلوا أكثر
رجاله، فاستنجد بالخَطَا، وجاء بعسكرٍ عظيم، وأخرج الغُز عَنْ مَرْو،
وسَرْخَس، ونَسَا، وأَبِيوَرْد، وتملّكها، ورجعت الخطا إلى بلادها
بالأموال.
ثمّ كاتب غياث الدّين الغوريّ ليسلّم إليه هراة، وبعث إليه غياث الدّين
أيضا، فأمره أن يخطب لَهُ ببلاده، فسار وشنّ الغارات، ونهب بلاد
الغوريّ، وظلم وعَسَف، فجهّز الغُوريّ لحربه ابن أَخِيهِ بهاء الدّين
وصاحب سِجِسْتَان، فتقهقر سلطان شاه إِلَى مَرْو بعد أن عمل كُلّ قبيح
بالقُرى، فتحزّب لقصده
__________
[1] انظر عن (محمود بن خوارزم) في: الكامل في التاريخ 12/ 104،
والمختصر في أخبار البشر 3/ 89، ودول الإسلام 2/ 100، والعبر 4/ 268،
269، وسير أعلام النبلاء 21/ 218، 219 رقم 108، ومرآة الجنان 3/ 438،
والعسجد المسبوك 2/ 424، وتاريخ ابن الوردي 2/ 109، وشذرات الذهب 4/
297، وأخبار الدول وآثار الأول 2/ 464.
(41/346)
غِياث الدّين وأخوه شهاب الدّين صاحب
الهند. وجمع سلطان شاه العساكر، واستخدم الغُزَّ وأُولي الطّمع، وعسكر
بمروالرّوذ، وعسكر الغُوريُّون بالطّالقان.
وبقوا كذلك شهرين، وتردّدت الرُسُل فِي معنى الصُّلْح، فلم ينتظم أمر.
ثُمّ التقى الْجَمْعان، وصبر الفريقان، ثُمّ انهزم جيش سلطان شاه، ودخل
هُوَ مَرْو فِي عشرين فارسا، فانتهز أخوه تكش الفرصة، وسار فِي عسكر،
وبعث عسكرا إِلَى حافّة جَيْحُون يمنعون أخاه منَ الدّخول إِلَى
الخَطَا إنْ أرادهم، فَلَمَّا ضاقت السُّبُل عَلَى سلطان شاه، خاطر
وسار إِلَى غياث الدّين، فبالغ فِي إكرامه واحترامه، وأنزله معه. فبعث
علاء الدّين تكش إِلَى غياث الدّين يأمره بالقبض عليه، فلم يفعل. فبعث
علاء الدّين يتهدّده بقصد بلاده، فتجهَّز غياث الدّين وجمع العساكر،
فلم ينشب سلطان شاه أن تُوُفّي فِي سلْخ رمضان فِي سنة تسعٍ هَذِهِ،
فاستخدم غياث الدّين أكثر أجناده، وأنعم عليهم، وجرى بعده لعلاء الدّين
تكش ولغياث الدّين اختلاف وائتلاف طمعت بسبب ذَلِكَ الغُزّ، وعادوا
إِلَى النَّهْب والتّخريب، فتجهَّز علاء الدّين تكش، وسار ودخل مَرْو،
وسَرْخَس، ونَسَا، وتطرّق إِلَى طُوس.
قُلْتُ: وساق ابن الأثير رحِمَه اللَّه قولا آخر مخالِفًا لهذا فِي
أماكن، واعتَذَرَ عَنْهُ ببُعْد الدّيار، واختلاف النَّقَلَة منَ
السُّفّار.
366- مَسْعُود بْن الملك مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر [1] .
السّلطان عزّ الدّين أَبُو المظفَّر صاحب المَوْصِل.
وصل إِلَى حلب قبل السّلطان مُنْجِدًا لابن عمّه الصّالح إسماعيل بن
نور
__________
[1] انظر عن (مسعود بن مودود) في: الكامل في التاريخ 12/ 101، 102،
ومفرّج الكروب 3/ 19- 22، والأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 54، 57، 80، 107،
121، 134، 174، 176- 179، 228 و 2/ 437، وتاريخ إربل 1/ 67، ومرآة
الزمان ج 8 ق 1/ 423، 424، والمختصر في أخبار البشر 3/ 88، ووفيات
الأعيان 5/ 203- 209، والدرّ المطلوب 125، ودول الإسلام 2/ 101، وسير
أعلام النبلاء 21/ 237- 239 رقم 122، والإعلام بوفيات الأعلام 243،
والعبر 4/ 269، وتاريخ ابن الوردي 2/ 108، 109، ومرآة الجنان 3/ 438،
439، والعسجد المسبوك 212، 213 و 22، 223، والبداية والنهاية 13/ 7،
وشذرات الذهب 4/ 297، ومعجم الأنساب والأسرات الحاكمة 2/ 341، وأخبار
الدول وآثار الأول 2/ 477.
(41/347)
الدّين عَلَى السّلطان صلاح الدّين،
وليُرهب صلاح الدّين، لئلّا يطمع ويقصد المَوْصِل، فانضمّ إِلَيْهِ
عسكر حلب، وسار فِي جَمْعٍ كثير، فوقع المصافّ عَلَى قُرُون حماه،
فكسره صلاح الدّين، وأسَر جماعة من أمرائه فِي سنة سبعين، كَمَا ذكرناه
فِي الحوادث.
وعاد صلاح الدّين فنازل المَوْصِل ثالثا، فمرض فِي الحَرّ مرضا أشفى
منه عَلَى الموت، فترحّل إِلَى حَرَّان، فسيّر صاحب المَوْصِل عزّ
الدّين رسولا، وَهُوَ القاضي بهاء الدّين يوسف بْن شدّاد إِلَى صلاح
الدّين فِي الصُّلْح. فأجاب وحلف لَهُ وَقَدْ تماثل من مرضهِ. ووفى
لَهُ إِلَى أن مات. فلم تطُلْ مدّة عزّ الدّين بعد صلاح الدّين، وعاش
أشهرا.
وتُوُفّي فِي شعبان فِي التّاسع والعشرين منه.
قَالَ ابن الأثير [1] : وكان قَدْ بَقِيّ ما يزيد عَلَى عشرة أيّام لا
يتكلّم إلّا بالشّهادتين وتلاوة القرآن، وَإِذَا تكلَّم بغيرها استغفر
اللَّه، ثُمّ عاد إِلَى التّلاوة، فرُزق خاتمة سعيدة.
وكان خيّر الطَّبْع، كثير الخير والإحسان، يزور الصّالحين ويقرّبهم
ويشفّعهم. وكان حليما حيِّيًّا، لَمْ يكلّم جليسه إلّا وَهُوَ مُطْرِق.
وكان قَدْ حجّ، ولبس بمكّة خِرْقَةَ التَّصَوُّف. فكان يلبس تِلْكَ
الخِرْقة كُلّ ليلة، ويخرج إِلَى مَسْجِد داره، فيصلّي فِيهِ إلى نحو
ثلث اللّيل. وكان رقيق القلب، شَفوقًا عَلَى الرّعيّة.
قُلْتُ: ودُفِنَ فِي مدرسته بالموصل، وهي مدرسة كبيرة عَلَى الشّافعيّة
والحنفيّة، وتسلطن بعده ولده نور الدّين إِلَى أن مات عَنْ ولدين وهما:
القاهر عزّ الدين مَسْعُود، والمَنْصُور عماد الدّين زنكي.
وقسّم البلاد بينهما، فأعطى القاهر المَوْصِل، وأعطى المنصور قلاعا.
وقد توفّي القاهر صاحب المَوْصِل فجأة فِي سنة خمس عشرة وستّمائة، ودفن
بمدرسته.
__________
[1] في الكامل 12/ 101، 102.
(41/348)
وأمّا زنكي فانتقل إِلَى إربل، وتزوَّج
بابنة صاحبها مظفَّر الدّين. وكان من أحسن النّاس صورة، ثُمّ قبض عليه
مظفَّر الدّين لأمور جَرَت، وسيَّره إِلَى الملك الأشرف مُوسَى، ثُمّ
أطلقه وعاد. وأُعطي بلده شَهْرَزُور وأعمالها.
وتُوُفّي في حدود سنة ثلاثين وستّمائة، وقام بعده ولده قليلا، ومات.
367- المكرَّم بْن هبة اللَّه بْن المكرَّم [1] .
أَبُو مُحَمَّد الصُّوفيّ، أخو أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد.
شيخ معروف سَمِع: أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، وعَلِيّ بْن
عَلِيّ بْن سُكَيْنَة، وأبا سَعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الزَّوْزَنيّ،
وشيخ الشّيوخ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سَعْد، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: الشَّيْخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والضّياء
مُحَمَّد، والزَّيْن بْن عَبْد الدّائم.
وحدَّث بدمشق، وبغداد.
وتوفّي فِي رجب.
368- مَنْصُور بْن الْمُبَارَك بْن الفضل بْن أَبِي نُعَيم [2] .
أَبُو المظفَّر الواسطيّ، الواعظ، الملقّب بجرادة.
سَمِع من: أَبِي الوقت السَّجْزيّ، وذُكِر أَنَّهُ سَمِع «المقامات» من
أَبِي مُحَمَّد الحريريّ، وَلَهُ فصول وعظيّة.
وكان شيخا مُسِنًّا، يُقَالُ إنَّه جاوز المائة، والصّحيح أَنَّهُ عاش
سبْعًا وثمانين سنة.
__________
[1] انظر عن (المكرّم بن هبة الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 188،
189 رقم 203، والمشتبه 2/ 611، وتوضيح المشتبه 8/ 253، 254.
وقد ذكره المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 21/ 230 ولم
يترجم له.
[2] انظر عن (منصور بن المبارك) في: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 424، 425،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 197 رقم 223، وعقد الجمان للعيني (مخطوط)
17/ ورقة 184، 185، وشذرات الذهب 2/ 300.
(41/349)
وَلَهُ نظم ونثْر ودُعابة. وكان يعِظ فِي
الأعزية ببغداد.
ذكره ابن النّجّار [1] .
369- مُوسَى بْن حَجاج [2] .
أَبُو عِمْرَانَ الأَشِيريّ.
دخل الأندلس فِي سنة بضع وثلاثين وخمسمائة.
وسمع بقرطبة من: أبي عبد الله محمد بْن أصْبَغ الفقيه، وأبي مَرْوَان
بْن مَسَرَّة.
وسَمِع بإشبيليّة مِنْ: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح.
وبالمَرِيَّة من: عَبْد الحقّ بْن عطيّة.
وعُني بالرّواية.
قال الأبّار: إلّا أَنَّهُ عديم الضَّبْط، نزل الجزائر وأمَّ بها.
وحدَّث بها.
وتُوُفّي فِي صَفَر.
- حرف الهاء-
370- هبة اللَّه بْن عَبْد المحسن بْن عَلِيّ [3] .
__________
[1] وقال سبط ابن الجوزي: وكان يعظ في المساجد وعظا مطبوعا، وكان كيسا
ظريفا، وله واقعات عجيبة. جلس يوما بباب أبرز وذكر حديث النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ حية كان له قيراطان
من الأجر، ومن قتل عقربا كان له قيراط» فقام واحد وقال: يا سيّدنا، ومن
يقتل جرادة؟ قال: يصلب على باب المسجد. وسأله رجل يوما في المجلس فقال:
أين يقف جبريل من العرش؟ وأين يقف ميكائيل وإسرافيل وعزرائيل؟ فكاسر
ساعة، ووقع في المحلّة خباط، فقال لبعض الناس: قم واخرج واكشف لنا ما
هذا. فخرج الرجل وعاد فقال: إنسان قد ضرب زوجته. فقوي الصراخ، فقال
لآخر: قم أنت واكشف لنا ما هذا. فقام وخرج وعاد فقال: رجل قد مات
والورثة يتضاربون على التركة. فقال: يا فعلة يا صنعة، بينكم وبين باب
المسجد خطوات وما فيكم من يخبر بما فيه على الحقيقة، من أين أعرف أنا
أين يقف جبريل وأين يقف ميكائيل والملائكة؟ فضحك الناس.
[2] انظر عن (موسى بن حجّاج) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] انظر عن (هبة الله بن عبد المحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/
194 رقم 216، وتوضيح المشتبه 2/ 43، وهو مما استدركه على كتاب المؤلّف
الذهبي- رحمه الله- «المشتبه في الرجال» .
(41/350)
الفقيه أَبُو البركات الْأَنْصَارِيّ،
المالكيّ، الْمَصْرِيّ.
مدرّس المدرسة المجاورة لجامع مصر العتيق.
تفقَّه عليه جماعة. وكان مشهورا بالصّلاح والعِلم.
تُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ذِي القعدة.
- حرف الياء-
371- يَحْيَى بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن [1] .
أَبُو زكريّا القَيْسيّ، الْمَصْرِيّ، المالكيّ.
سَمِع من: عَبْد اللَّه بْن رفاعة.
وتصدَّر بالجامع العتيق بمصر.
372- يوسف السّلطان الملك النّاصر صلاح الدّين [2] .
__________
[1] انظر عن (يحيى بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 186 رقم 194.
[2] انظر عن (السلطان صلاح الدين) في: الفتح القسّي 627، 628، والنوادر
السلطانية 241، والتاريخ الباهر 185- 189، والكامل في التاريخ 12/ 95-
97، والأعلاق الخطيرة ج 2/ انظر فهرس الأعلام، ص 329 وج 3 ق 1/ 57، 80،
96، 107، 108، 117، 121، 134، 177، 180، 227 وق 2/ 448- 451، 453، 459،
473، 513- 518، 527، 533، 540، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 425- 434،
والمختصر في أخبار البشر 3/ 85- 87، ونهاية الأرب 28/ 437- 440، وزبدة
الحلب 3/ 124، 125، وديوان ابن الدهان 25، وغيرها، وآثار البلاد وأخبار
العباد للقزويني 155، 222- 224، 259، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 183،
184 رقم 189، ومفرّج الكروب 1/ 168 وما بعدها حتى نهاية الجزء الثاني،
ووفيات الأعيان 7/ 139- 212، والزيارات للهروي 16، 93، ورحلة ابن جبير
14، 16، 23، 25، 33، 38، 45، 54، 73، 80، 124، 149، 207، 216، 222،
257، 260، 270، 272، 282، والمغرب في حلى المغرب 194، والدرّ المطلوب
113- 115، ونهاية الأرب 28/ 437- 440، وتاريخ الزمان لابن العبري 225،
7226 والروضتين 2/ 212، وتاريخ مختصر الدول 223، والعبر 4/ 270، ودول
الإسلام 2/ 106، والإعلام بوفيات الأعلام 243 ووقع فيه: «السلطان بن
صلاح الدين» ، وسير أعلام النبلاء 21/ 278- 291 رقم 151، والإعلام
والتبيين 42- 44، وتاريخ ابن الوردي 2/ 106، 107، وطبقات الشافعية
الكبرى للسبكي 4/ 325- 341، وأمراء دمشق في الإسلام 102 رقم 300، ومرآة
الجنان 3/ 439- 466، والاجتهاد في طلب الجهاد لابن كثير 91، والبداية
والنهاية 13/ 2- 6، والجوهر الثمين لابن دقماق 2/ 13- 19، والعسجد
المسبوك 2/ 220، 221، وتاريخ
(41/351)
أَبُو المظفَّر بْن الأمير نجم الدين أيوب
بْن شاذي بْن مَرْوَان بْن يعقوب الدُّوِينيّ الأصل، التّكريتيّ
المولد. ودُوِين بطرف أَذَرْبَيْجان من جهة أرّان والكَرَج، أهلها
أكراد رَوَاديَّة. والرَوَاديَّة بطن منَ الهَذَبّانيَّة.
وُلِد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة إذْ أَبُوهُ والي تكريت.
وسَمِع من: أَبِي طاهر السِّلَفيّ، والإمام أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن
إِبْرَاهِيم بْن المسلّم ابْن بِنْت أَبِي سَعْد، وأبي الطاهر بْن
عَوْف، وعبد اللَّه بْن برّيّ النَّحْويّ، والقُطْب مَسْعُود
النَّيْسابوريّ، وجماعة.
وروى الْحَدِيث، وملك البلاد، ودانت لَهُ العباد، وافتتح الفتوحات،
وكسر الفِرَنج مرّات، وجاهد فِي سبيل اللَّه بنفسه ومالِهِ. وكان خليقا
للمُلك.
وأقام فِي السّلطنة أربعا وعشرين سنة.
رَوَى عَنْهُ: يُونُس بْن مُحَمَّد الفارقيّ، والعماد الكاتب، وغيرهما.
وتُوُفّي بقلعة دمشق بعد الصُّبْح من يوم الأربعاء السّابع والعشرين من
صَفَر. وحَضَر وفاته القاضي الفاضل.
__________
[ () ] ابن خلدون 5/ 330، ومشارع الأشواق 2/ 934- 949، وطبقات الشافعية
لابن كثير (مخطوط) ورقة 145 أ- 146 ب، ومآثر الإنافة 2/ 61- 66، وشفاء
الغرام (بتحقيقنا) 2/ 314 315، 336، 368، 369، 421، وشرح رقم الحلل
لابن الخطيب 130، 143، 144، والفوائد الجليّة في الفرائد الناصرية 57،
والسلوك ج 1 ق 1/ 112- 114، وثمرات الأوراق لابن حجّة 225، وتحفة
الأحباب للسخاوي 41، 42، وشفاء القلوب 179- 196، والنجوم الزاهرة 6/
20- 61، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 206- 209، والدارس في تاريخ
المدارس 2/ 432، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 247- 250، والأنس الجليل 1/
395، والعقد المذهب لابن الملقن (مخطوط) ورقة 161، وعقد الجمان للعيني
(مخطوط) 17/ ورقة 161- 182، وشذرات الذهب 4/ 298- 300، وترويح القلوب
للزبيدي 42 رقم 25، وأخبار الدول للقرماني (طبعة حيدرآباد) 194، 195،
وتاريخ الأزمنة للدويهي 196، وغيره.
وأخباه ومآثره مبثوثة في المصادر التاريخية التي تتحدّث عن عصره، رحمه
الله، والأمّة تفتقده، وندعو الله تعالى أن يقيّض لها ناصرا لدينها،
ينتهج نهجه، ويوحّد بين أقطار الأمّة، ويحرّر بيت المقدس مجدّدا من
أيدي الصهيونية العالمية، وليس ذلك على الله بعزيز.
(41/352)
وذُكِر أَبُو جَعْفَر القُرْطُبيّ إمام
الكلّاسة أَنَّهُ لمّا انتهى فِي القراءة إِلَى قوله تَعَالَى: هُوَ
اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ
59: 22 [1] سمعه وَهُوَ يَقُولُ: صحيح. وكان ذهنه غائبا قبل ذَلِكَ.
ثُمّ تُوُفّي. وهذه يقظة عِنْد الحاجة.
وغسّله الدَّوْلِعيّ، وأُخرج فِي تابوت، وصلّى عليه القاضي محيي الدّين
بْن الزَّكيّ، وأُعيد إِلَى الدّار الّتي فِي البستان الّتي كَانَ
متمرّضا فيها.
ودُفِن بالضّفّة الغربيّة منها. وارتفعت الأصوات بالبكاء، وعظُم
الضّجيج، حَتَّى إنّ العاقل يتخيّل أنّ الدُّنْيَا كلّها تصيح صوتا
واحدا.
وغَشِيَ النّاس منَ البكاء والعويل ما شغلهم عَنِ الصَّلاة، وصلّى عليه
النّاس أَرسالًا، وتأسَّف النّاسُ عليه، حَتَّى الفِرَنج، لِما كَانَ
عليه من صِدْق وفائه إذا عاهد. ثُمّ بنى ولده الملك الأفضل صاحب دمشق
قبّة شماليّة إِلَى الجامع، وهي الّتي شبّاكها القِبْلي إِلَى
الكلّاسة، ونقله إليها يوم عاشوراء من سنة اثنتين وتسعين، ومشى بَيْنَ
يدي تابوته. وأراد العلماء حمله عَلَى أعناقهم، فَقَالَ الأفضل: يكفيه
أدْعِيتكم الصّالحة. وحمله مماليكه، وأُخرِج إِلَى باب البريد، فصُلّي
عليه قُدّام النَّسْر. وتقدّم في الإمامة القاضي محيي الدّين بإذْن
ولده. ودخل الأفضل لَحْدَه، وأودعه وخرج، وسدّ الباب. وجلس هناك للعزاء
ثلاثة أيّام، وذلك خلاف العادة، وخلاف السُّنَّة.
كَانَ رحِمَه اللَّه كريما، جوادا، بطلا، شجاعا، كامل العقل والقُوَى،
شديد الهيبة، افتتح بسيفه وبأقاربه منَ اليمن إِلَى المَوْصِل، إِلَى
أوائل الغرب، إِلَى أسوان.
وَفِي «الروضتين» [2] لأبي شامة إنّ السّلطان رحِمَه اللَّه لَمْ يخلّف
فِي خزائنه منَ الذَّهَب والفضّة إلّا سبعة وأربعين درهما، ودينارا
واحدا صوريّا.
ولم يخلّف ملكا ولا عقارا، وخلّف سبعةَ عشر ولدا ذكرا، وابنة صغيرة.
__________
[1] سورة الحشر، الآية 22.
[2] ج 2/ 262.
(41/353)
ومن إنشاء العماد الكاتب إِلَى الخليفة
عَلَى لسان الأفضل: «أصدر العبدُ هَذِهِ الخدمة وصدرهُ مشروح بالولاءِ،
وقلبه مغمور بالضياءِ، ويده مرفوعة إِلَى السّماء، ولسانه ناطق بالشّكر
والدُّعاء، وجَنَانه ثَابِت منَ المهابة والمحبَّة عَلَى الخوف
والرجاء، وطرفه مغمض منَ الحياء. وَهُوَ للأرض يقبِّل، وللفرض متقبّل،
يمتُّ بما قدّمه منَ الخدمات، وذخَره ذخر الأقوات لهذه الأوقات.
وَقَدْ أحاطت العلوم الشّريفة بأنّ الوالد السّعيد الشّهيد الشّديد
السّديد المبيد للشّرك المبيد، لَمْ يزل مستقيما عَلَى جدد الجدّ، ومصر
بل الأمصار باجتهاده فِي الجهاد شاهده، والأنجاد والأغوار فِي نظر عزمه
واحده، والبيتُ المُقَدَّسُ من فتوحاته والمُلك العقيم من نتائج
عزماته، وَهُوَ الَّذِي ملك ملوك الشّرق، وغلَّ أعناقها، وأسرَ طواغيت
الكُفر، وشدّ خناقها، وقَمَعَ عَبَدَةَ الصُّلْبان، وقطع أصلابها، وجمع
كلمة الْإِيمَان وَعَصَم جنابها، وقُبِضَ وعدلُه مبسوط، ووِزْره محطوط،
وعمله بالصّلاح منوط، وخرج منَ الدُّنْيَا وَهُوَ فِي الطّاعة
الإماميّة داخلْ» .
قَالَ العماد الكاتب: لمّا تُوُفّي وملكت أولاده كَانَ العزيز عُثْمَان
بمصر يقرِّب أصحاب أَبِيهِ ويكُرمهم، والأفضل بدمشق يفعل بضدّ ذَلِكَ.
وأشار عليه جماعة كالوزير الْجَزَريّ الَّذِي استوزره، يعني الضّياء
ابن الأثير.
وفيه يَقُولُ فتيان الشّاغوريّ:
مَتَى أرَى وزيرَكم ... وما لَهُ من وَزَرِ
يقلعه اللَّه فذا ... أوانُ قلْع الْجَزَرِ
ومن كتاب فاضليّ: «أمّا هَذَا البيت، فَإِن الآباء منه اتفقوا فملكوا،
وأنّ الأبناء منه اختلفوا فهلكوا» .
قُلْتُ: خلَّف منَ الأولاد صاحب مصر السّلطان الملك الْعَزِيز، والملك
الأفضل عليّ صاحب دمشق، والملك الظّافر مظفَّر الدّين خضر، والملك
الزّاهر مجير الدّين دَاوُد، والملك المفضّل قُطْب الدّين مُوسَى،
والملك الأشرف عزيز الدّين مُحَمَّد، والملك المحسن ظهير الدّين
أَحْمَد، والملك المعظّم فخر الدّين
(41/354)
توران شاه، والجواد ركن الدّين أيّوب،
والغالب نصير الدّين ملك شاه، وعماد الدّين شاذي. ونُصْرة الدّين
مَرْوَان، والمَنْصُور أَبُو بَكْر، ومؤنسة زَوْجَة الكامل.
هَؤُلَاءِ كلّهم عاشوا بعده، وكان أكثرهم بحلب عند الظّاهر، وآخرهم
موتا توران شاه، تُوُفّي بعد أخْذ حلب، وكان بقلعتها.
قَالَ الموفّق عَبْد اللّطيف: أتيت الشّام، والملك صلاح الدّين بالقدس،
فأتيته فرأيته ملكا عظيما، يملأ العيون روعَةً، والقلوب محبّة، قريبا،
بعيدا، سَهْلًا، مُجيبًا، وأصحابه يتشبّهون بِهِ، يتسابقون إِلَى
المعروف كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ من غِلٍّ 15: 47 [1] . وأوّل ليلةٍ
حَضَرْتُهُ وجدتُ مجلسا حفِلًا بأهل العلم يتذاكرون فِي أصناف العلوم،
وَهُوَ يُحْسن الاستماع والمشاركة ويأخذ فِي كيفيّة بناء الأسوار،
وحفْر الخنادق، ويتفقّه فِي ذَلِكَ، ويأتي بكلّ معنى بديع.
وكان مهتمّا فِي بناء سور القدس، وحفْر خندقه، يتولّى ذَلِكَ بنفسه،
وينقل الحجارة عَلَى عاتقه، ويتأسّى بِهِ جُمَيْع النّاس، الأغنياء،
والفقراء، والأقوياء، والضّعفاء، حَتَّى العماد الكاتب والقاضي الفاضل.
ويركب لذلك قبل طلوع الشّمس إِلَى وقت الظُّهْر، ويأتي دارَه فيمدّ
السِّماط، ثُمّ يستريح، ويركب العصر، ويرجع فِي ضوء المشاعل، ويُصرّف
أكثر اللّيل فِي تدبير ما يعمل نهارا.
وقَالَ لَهُ بعض الصُّنّاع: هَذِهِ الحجارة الّتي تُقطع من أسفل
الخندق، ويُبنى بها السّور رخْوة. قَالَ: نعم، هَذِهِ تكون الحجارة
الّتي تلي القرار والنّداوة، فإذا ضربتها الشّمس صَلُبَت.
وكان رحِمَه اللَّه يحفظ «الحماسة» ، ويظنّ أنّ كُلّ فقيه يحفظها، فكان
ينشد القطعة، فإذا توقّف فِي موضعٍ أستطعم فلم يُطعَم. وجرى لَهُ
ذَلِكَ مَعَ القاضي الفاضل، ولم يكن يحفظها، فخرج من عنده، فلم يزل
حَتَّى حفظها.
وكتب لي صلاح الدّين بثلاثين دينارا فِي الشّهر عَلَى ديوان الجامع
__________
[1] سورة الحجر، الآية 47.
(41/355)
بدمشق، وأطلق لي أولاده رواتب، حَتَّى
تقرَّر لي فِي كُلّ شهر مائة دينار.
ورَجَعْتُ إلى دمشق، وأكبّت عَلَى الاشتغال وإقراء النّاس بالجامع.
قَالَ: وكان عمّه أسد الدّين شِيركُوه من أمراء دولة نور الدّين، وكان
أَبُوهُ أيّوب معروفا بالصّلاح. وكان شيركوه معروفا بالشّجاعة، وكان
لأيّوب بنون وبنات، ولم يكن صلاح الدّين أكبرهم. وكان شِحْنَة دمشق،
ويشرب الخمر، فمُذْ باشَر المُلْك طلّق الخمر واللّذّات. وكان
محبَّبًا، خفيفا إِلَى نور الدّين، يلاعبه بالكُرَة. وملك مصر.
وكانت وقعته مَعَ السّودان سنة بضْع وستّين، وكانوا نحو مائتي ألف،
ونُصِر عليهم، وَقُتِلَ أكثرهم، وهرب الباقون، وابتنى سورَ القاهرة
ومصر عَلَى يد الأمير قَراقُوش.
وَفِي هَذِهِ الأيّام ظهر ملك الخَزَر، ومَلَكَ دُوِين وَقُتِلَ منَ
المسلمين ثلاثين ألفا.
ثُمّ فِي سنة سبْعٍ قطع صلاح الدّين خطبة العاضد بمصر، وخطب للمستضيء.
ومات العاضد، واستولى صلاح الدّين عَلَى القصر وذخائره، وقبض عَلَى
الفاطميّين.
وَفِي سنة ثمانٍ وستّين فتح أخوه شمس الدّولة بَرْقة ونَفُوسَا.
وَفِي سنة تسعٍ مات أَبُوهُ، ونور الدّين، وافتتح أخوه شمس الدّولة
اليمن، وقبض عَلَى المتغلّب عليها عَبْد النَّبِيّ بْن مهْديّ المهديّ،
وكان شابا أسود.
وَفِي سنة سبعين سار من مصر، وملك دمشق.
وَفِي سنة إحدى وسبعين حاصَرَ عَزَاز. قَالَ ابن واصل [1] : حاصر
عَزَاز ثمانية وثلاثين يوما بالمجانيق، وَقُتِلَ عليها كثير من عسكره.
وكانت لجاولي الأمير خيمة، كَانَ السّلطان يحضر فيها، ويحضّ الرجال
عَلَى الحرب، فحضرها والباطنيّة، الَّذِين هُمُ الإسماعيليّة، فِي زي
الأجناد، وقوفٌ، إذ قفَزَ عليه واحد
__________
[1] في مفرّج الكروب.
(41/356)
منهم، فضرب رأسه بسِكين، فلولا المِغْفَر
الزَّرَد، وكان تحت القَلَنْسُوَة، لقتله. فأمسك السّلطان يد الباطنيّ
بيديه، فبقي يضرب فِي عُنقه ضرْبًا ضعيفا، والزّرَدُ يمنع، فأدرك
السّلطان مملوكُه يازكوج الأمير، فأمسك السِّكين فجرحته، وما سيّبها
الباطنيّ حَتَّى بضّعوه. ووثب آخر، فوثب عليه الأمير دَاوُد بْن
منكلان، فجرحه الباطنيّ الآخر فِي جنْبه فمات وَقُتِلَ الباطنيّ، ثُمّ
جاء باطنيٌّ ثالث، فماسَكَه الأمير عَلِيّ بْن أَبِي الفوارس، فضمّه
تحت إبطه، وبقيت يد الباطنيّ من ورائه [1] لا يقدر عَلَى الضَّرْب
بالسِّكين، ونادى: اقتلوني معه، فقد قتلني وأذهب قوّتي. فطعنه ناصر
الدّين مُحَمَّد بْن شِيركُوه فقتله، وانهزم آخر فقطّعوه، وركب
السّلطان إِلَى مخيّمه ودمه سائل عَلَى خدّه، واحتجب فِي بيت خشب، وعرض
الْجُنْد، فَمنْ أنكره أبعده. ثُمّ تسلَّم القلعة بالأمان.
وَفِي سنة ثلاثٍ كسرته الفِرَنج على الرملة، وفرّ عند ما بَقِيّ فِي
نفرٍ يسير.
وَفِي سنة خمسٍ وسبعين كسرهم، وأسَرَ ملوكهم وأبطالهم.
وَفِي سنة ستّ أمَرَ ببناء قلعة القاهرة عَلَى جبل المقطّم.
وَفِي سنة ثمانٍ عَبَر الفرات، وفتح حرَان، وسَرُوج، والرّها،
والرَّقَّة، والبيرة، وسنجار، ونصيبين، وآمِد، وحاصر المَوْصِل، وملك
حلب، وعوّض عَنْهَا سِنْجار لصاحبها عماد الدّين زنكي الَّذِي بنى
العماديّة بالمَوْصِل.
ثُمّ إنّ صلاح الدّين حاصر المَوْصِل ثانيا وثالثا، ثُمّ هادنه صاحبها
عزّ الدّين مَسْعُود، ودخل فِي طاعته. ثُمّ تسلّم صلاح الدّين
البوازيج، وشَهْرَزُور، وأنزل أخاه الملك العادل عَنْ قلعة حلب،
وسلّمها لولده الملك الظّاهر، وعمره إحدى عشر سنة. وسيّر العادل إِلَى
ديار مصر نائبا عَنْهُ، وكان بها ابن أَخِيهِ تقيّ الدّين عُمَر بْن
شاهنشاه، فغضب حيث عزله، وأراد أن يتوجّه إِلَى المغرب، وكان شهْمًا
شجاعا، فخاف صلاح الدّين من مَغَبَّة أمره، فلاطَفَه بكلّ وجهٍ حَتَّى
رجع مُغضبًا وقَالَ: أَنَا أفتح بسيفي ما أستغني بِهِ عمّا فِي أيديكم.
وتوجّه إِلَى خلاط،
__________
[1] في الأصل: «من وراءه» .
(41/357)
وفيها بُكْتمر، فالتقى هُوَ وبُكْتمر،
فانكسر بُكْتمر شرّ كسره، وسيّر تقيّ الدّين عَلَمَه وفَرَسَه إِلَى
دمشق وأنا بها، وكان يوما مشهودا.
وَفِي سنة ثلاثٍ وثمانين فتح صلاح الدّين طبريَّة، ونازل عسقلان، وكانت
وقعة حِطِّين، واجتمع الفِرَنج، وكانوا أربعين ألفا، عَلَى تلّ حِطّين،
وسبقَ المسلمون إِلَى الماء، وعطش الفِرَنج، وأسلموا أنفسهم وأخذوا عن
بكرة أبيهم، وأُسِرت ملوكهم.
ثُمّ سار فأخذ عكّا، وبيروت، وقلعة كَوْكَب، والسّواحل. وسار فأخذ
القدس بالأمان بعد قتالٍ لَيْسَ بالشّديد.
ثُمّ إنّ قَراقُوش التّركيّ مملوك تقيّ الدّين عُمَر المذكور توجّه
إِلَى المغرب لمّا رجع عَنْهَا مولاه، فاستولى عَلَى أطراف المغرب،
وكسر عسكر تونس، وخطب لبني الْعَبَّاس. وإنّ ابن عَبْد المؤمن قصد
قَراقُوش، ففرَّ منه ودخل البرّيّة. ثُمّ دخل إليه مملوك آخر يسمّى
بُوزبَّةُ، واتّفقا، ثُمّ اختلفا، ولو اتّفقا مَعَ المايرقيّ لأخذوا
المغرب بأسره. ووصلت خيل المايرقيّ إِلَى قريب مَرّاكُش، وتهيّأ
الموحّدون للهرب، لكنْ أرسلوا رَجُلًا يُعرف بعبد الواحد لَهُ رأي
ودهاء، فقاوم المايرقيّ بأنْ أفسد أكثر أصحابه والعرب الَّذِين حوله
بالأموال، وكسره مرّات، وجَرَت أمورٌ لَيْسَ هَذَا موضعها.
ثُمّ إنّ الفِرَنج نازلوا عكّا مدّة طويلة، وكانوا أُممًا لا
يُحْصَوْن، وتعب المسلمون، واشتدّ الأمر.
قَالَ: ومدّة أيّامه لَمْ يختلف عليه أحدٌ من أصحابه، وفُجع النّاس
بموته. وكان النّاس فِي زمانه يأمنون ظُلمه، ويرجون رِفْده. وأكثر ما
كَانَ عطاؤه يصل إِلَى الشّجعان، وإلى أَهْل العلم، وأهل البيوتات. ولم
يكن لمُبْطِلٍ، ولا لصاحب هزْلٍ عنده نصيب.
ووُجد فِي خزائنه بعد موته دينارٌ صوريّ، وثلاثون درهما.
وكان حسن الوفاء بالعهود، حسن المقدرة إذا قدر، كثير الصّفح. وإذا
(41/358)
نازل بلدا، وأشرف عَلَى أخْذِه، ثُمّ طلبوا
منه الأمان أمَّنهم، فيتألَّم جيشه لذلك لفوات حظّهم. وقد عاقد الفرنج
وهادنهم عند ما ضرس عسكره الحرب وملّوا.
قَالَ القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد: قَالَ لي السّلطان فِي بعض
محاوراته فِي الصُّلح: أخاف أنْ أصالح، وما أدري أَيّ شيءٍ يكون منّي،
فيقوى هَذَا العدوّ، وَقَدْ بقيت لهم بلادٌ فيخرجون لاستعادة ما فِي
أيدي المسلمين، وترى كُلّ واحدٍ من هَؤُلَاءِ، يعني أخاه وأولاده
وأولاد أَخِيهِ، قَدْ قعد فِي رأس تلةٍ، يعني قلعته، وقَالَ لا أنزل.
ويهلك المسلمون.
قَالَ ابن شدّاد: فكان واللَّه كَمَا قَالَ. تُوُفّي عَنْ قريبٍ،
واشتغل كُلّ واحدٍ من أَهْل بيته بناحية، ووقع الخُلْف بينهم.
وبعد، فكان الصُّلح مصلحة، فلو قُدِّر موتُه والحربُ قائمةٌ لكان
الْإِسْلَام عَلَى خَطَر.
ومات رحِمَه اللَّه قبل الرابع عشر، ووَجِدَ النّاس عليه شبيها بما
يجدونَه عَلَى الأنبياء. وما رَأَيْت ملكا حزن النّاس لموته سواه،
لأنّه كَانَ محبَّبًا، يحبّه البَرّ والفاجر، والمسلم والكافر.
ثُمّ تفرّق أولاده وأصحابه أيادي سبإ، ومُزقوا فِي البلاد.
قُلْتُ: ولقد أجاد فِي مدحه العماد رحِمَه اللَّه حيث يَقُولُ:
وللنّاس بالمالك النّاصر ... الصّلاح صلاح ونصر كبير
هُوَ الشّمس أفلاكه فِي البلاد ... ومطلعه وسرْجُه والسريرُ
إذا ما سطا أَوْ حبا واحتبى ... فَمَا الليثُ مَنْ حاتم ما ثبير
وقد طوّل القاضي شمس الدّين ترجمته [1] فعملها في تسع وثلاثين ورقة
بالقطع الكبير، فممّا فيها بالمعنى أنّ صلاح الدّين قدم به أبوه وهو
رضيع، فناب أبوه ببعلبكّ لمّا أخذها الأتابك زنكي في سنة ثلاث وثلاثين
[2] .
__________
[1] في وفيات الأعيان.
[2] انظر: ذيل تاريخ دمشق 269، 270، ووفيات الأعيان 7/ 144.
(41/359)
وقيل إنّهم خرجوا من تَكْريت فِي اللّيلة
الّتي وُلِد فيها صلاح الدّين، فتطيّروا بِهِ، ثُمّ قَالَ بعضُهم: لعلّ
فِيه الخِيَرَة وأنتم لا تعلمون.
ثُمّ خدم نجم الدّين أيّوب وولَدَه صلاح الدّين السلطانُ نورُ الدّين،
وصيرهُما أميرين، وكان أسد الدّين شيركوه أخو نجم الدّين أرفع منهما
منزلة عنده، فَإنَّهُ كَانَ مقدّم جيوشه.
وولّي صلاح الدّين وزارة مصر، وهي كالسّلطنة فِي ذَلِكَ الوقت، بعد موت
عمّه أسد الدّين سنة أربعٍ وستّين. فَلَمَّا هلك العاضد فِي أول سنة
سبْعٍ، اشتغل بالأمر، مَعَ مُداراة نور الدّين ومراوغته، فَإِن نور
الدّين عزم عَلَى قصد مصر ليُقيم غيره فِي نيابته، ثُمّ فَتَر. ولما
مات نور الدين سار صلاح الدّين إِلَى دمشق مظهرا أَنَّهُ يقيم نفسَه
أتابكا لولد نور الدّين لكونه صبيّا، فدخلها بلا كلْفة، واستولى عَلَى
الأمور فِي سلْخ ربيع الأوّل سنة سبعين. ونزل بالبلد بدار أَبِيهِ
المعروفة بالشّريف العقيقيّ الّتي هِيَ اليوم الظّاهريّة.
ثُمّ تسلّم القلعة، وصعِد إليها، وشال الصبيَّ منَ الوسط. ثُمّ سار
فأخذ حمص، ولم يشتغل بأخذ قلعتها، فِي جُمادى الأولى.
ثُمّ نازل حلب في سلخ الشّهر، وهي الوقعة الأولى، فجهَّز السّلطان غازي
بْن مودود أخاه عزّ الدّين مَسْعُود فِي جيشٍ كبيرٍ لحرْبه، فترحّل
عَنْ حلب، ونزل عَلَى قلعة حمص فأخذها. وجاء عزّ الدّين مَسْعُود، فأخذ
معه عسكر حلب، وساق إِلَى قرون حماه، فراسلهم وراسلوه، وحرص عَلَى
الصُّلْح، فأبوا، ورأوا أنّ المصافّ معه ينالون بِهِ غرضهم لكثرتهم،
فالتقوا، فكانت الهزيمة عليهم، وأسَر جماعة. وذلك فِي تاسع عشر رمضان.
ثُمّ ساق وراءهم، ونزل عَلَى حلب ثانيا، فصالحوه وأعطوه المَعَرَّة،
وكَفَرْطاب، وبارين.
وجاء صاحب المَوْصِل غازي فحاصر أخاه عماد الدّين زنكي بسنْجار، لكونه
انتمى إِلَى صلاح الدّين، ثُمّ صالحه لمّا بلغ غازي كسرةُ أَخِيهِ
مَسْعُود،
(41/360)
ونزل بنصيبين، وجمع العساكر، وأنفق
الأموال، وعبر الفُرات. وقدِم حلب، فخرج إلى تلقّيه ابن عمّه الصّالح
بْن نور الدّين. وأقام عَلَى حلب مدّة، ثُمّ كَانَتْ وقعة تلّ
السّلطان، وهي منزلة بَيْنَ حلب وحماه، جرت بَيْنَ صلاح الدّين وبَيْنَ
غازي صاحب المَوْصِل فِي سنة إحدى وسبعين، فنُصِر صلاح الدّين، ورجع
غازي فعدّى [1] الفُرات، وأعطى صلاح الدّين لابن أخيه عزّ الدّين فرّخ
شاه بْن شاهنشاه صاحب بِعْلَبَكّ خيمة السّلطان غازي. ثُمّ سار فتسلَّم
مَنْبِج وحاصر قلعة عزاز، ثُمّ نازل حلب ثالثا فِي آخر السّنة، فأقام
عليها مدّة، فأخرجوا ابنة صغيرة لنور الدّين إِلَى صلاح الدّين،
فسأَلَتْه عَزاز، فوهبها لها.
ثُمّ دخل الدّيار المصريّة واستعمل عَلَى دمشق شمس الدّولة توران شاه،
وكان قَدْ جاء مِنَ اليمن.
وخرج سنة ثلاثٍ من مصر، فالتقى الفرنج عَلَى الرملة، فانكسر المسلمون
يومئذٍ، وثبت صلاح الدّين، وتحيّز بمن معه، ثُمّ دخل مصر ولمَّ شعث
العسكر.
وتقدّم أكثر هَذَا القول مفرَّقًا.
ونازل حلب فِي أوّل سنة تسعٍ، فطلب منه عماد الدّين زنكي بْن مودود أن
يأخذ ما أراد منَ القلعة، ويعطيه سِنْجار، ونصيبين، وسروج، وغير
ذَلِكَ.
فحلف لَهُ صلاح الدّين عَلَى ذَلِكَ. وكان صلاح الدّين قَدْ أَخَذَ
سنْجار مِنْ أربعة أشَهر، وأعطاها لابن أَخِيهِ تقيّ الدّين عُمَر،
ثُمّ عوّضه عَنْهَا. ودخل حلب، ورتَّب بها ولده الملك الظّاهر، وَجَعَل
أتابكه يازكوج الأَسَديّ.
ثُمّ توجّه لمحاصرة الكَرَك. وجاء أخوه العادل من مصر، فحشدت الفِرَنج،
وجاءوا إِلَى الكَرَك نجدة، فسيَّر صلاح الدّين تقيّ الدّين عُمَر يحفظ
لَهُ مصر. ثُمّ رحل عَنِ الكَرَك فِي نصف شعبان. وأعطى أخاه العادل
حلب، فدخلها فِي أواخر رمضان، وقدم الظّاهر وأتابكه، فدخلا دمشق فِي
شوّال.
وقيل أعطاه عوض حلب ثلاثمائة ألف دينار.
__________
[1] في الأصل: «فعدّا» .
(41/361)
ثُمّ إنّ صلاح الدّين رَأَى أنّ عَوْد
العادل إِلَى مصر، وعَوْد الظّاهر إِلَى حلب أصلح. وعوّض بعدُ العادل
بحرّان، والرُّها، وميّافارقين.
وَفِي شعبان سنة إحدى وثمانين نزل صلاح الدّين عَلَى المَوْصِل،
وتردّدت الرُّسُل بينه وبَيْنَ صاحبها عزّ الدّين.
ثُمّ مرض صلاح الدّين، فرجع إِلَى حَرّان، واشتدّ مرضه حَتَّى أَيِسوا
منه، وحلفوا لأولاده بأمره، وَجَعَل وصيَّه عليهم أخاه العادل وكان
عنده. ثُمّ عوفي ومرَّ بحمص وَقَدْ مات بها ابن عمّه ناصر الدّين
مُحَمَّد بْن شيركوه، فأقطعها لولده شيركوه. ثُمّ استعرض الترِكة فأخذ
أكثرها.
قَالَ عزّ الدّين ابن الأثير: وكان عُمَر شيركوه اثنتي عشرة سنة.
ثُمّ إنَّه حضر بعد سنة عِنْد صلاح الدّين، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ بلغت
فِي القرآن؟ قَالَ: إلى قوله تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ
أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ ناراً
4: 10 [1] فعجب الحاضرون من ذكائه.
وَفِي سنة اثنتين وثمانين عاد الظّاهر فدخل حلب، وزوّجه أَبُوهُ بغازية
بِنْت أَخِيهِ الملك العادل، فدخل بها بحلب فِي السّنة.
وَفِي سنة ثلاثٍ افتتح صلاح الدّين بلاد الفِرَنج، وقهرهم وأباد
خضراءهم، وأسَرَ ملوكهم، وكسرهم عَلَى حِطّين. وافتتح القدس، وعكّا،
وطبريّة، وغير ذَلِكَ.
وكان قَدْ نذر أن يقتل البرنس أَرْناط صاحب الكَرَك، فكان مِمَّنْ وقع
فِي أسرهْ يومئذٍ، وكان قَدْ جاز بِهِ قومٌ من مصر فِي حال الهدنة،
فغدر بهم، فناشدوه الصّلح الّذي بينه وبَيْنَ المسلمين، فَقَالَ ما
فِيهِ استخفاف بالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتلهم،
فاستحضرهم صلاح الدّين، ثُمّ ناول الملك جفري شربة من جُلاب وثلج،
فشرب، وكان فِي غاية العَطَش، ثُمّ ناولها البرنْس أرناط، فشرب.
فَقَالَ السّلطان للتَّرجُمان: قُلّ للملك جفْري، أَنْت الَّذِي سقيته،
وإلّا أنا فما سقيته.
__________
[1] سورة التوبة، الآية 34.
(41/362)
ثُمّ استحضر البرنس فِي مجلسٍ آخر وقَالَ:
أَنَا انتصر لمحمد منك. ثُمّ عَرَضَ عليه الْإِسْلَام، فامتنع فسَلَّ
النّيمجاه [1] ، وحلّ بها كتِفَه، وتمّمه بعض الخاصّة.
وافتتح فِي هَذَا العام مِنَ الفتوحات ما لَمْ يفتحه ملك قبله، وطار
صيتُه فِي الدُّنْيَا، وهابته الملوك.
ثُمّ وقع المأتم والنَّوح فِي جزائر الفِرَنج، وإلى رومية العُظْمَى،
ونودي بالنّفير إِلَى نُصرة الصّليب، فأُتي السلطانَ من عساكر الفِرَنج
ما لا قِبَل لَهُ بِهِ، وأحاطوا بعكّا يحاصرونها، فسار السّلطان إليها
ليكشف عَنْهَا، فعِيلَ صبرُه، وبذل فوق طاقته، وجرت لَهُ أمورٌ وحروبٌ
قَدْ ذكرتُها فِي الحوادث. وبقي مرابطا عليه نحوا من سنتين، فاللَّه
يُثيبه الْجَنَّة برحمته.
وكتب القاضي الفاضل بطاقة إِلَى ولده الملك الظّاهر صاحب حلب: لَقَدْ
كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ 33: 21 [2] ، إِنَّ
زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ 22: 1 [3] .
كتبتُ إِلَى مولانا السّلطان الملك الظّاهر أحسن اللَّه عزاءه، وجَبَرَ
مُصابه، وَجَعَل فِيهِ الخَلَفَ فِي السّاعة المذكورة، وَقَدْ زُلزِل
المسلمون زلزالا شديدا، وَقَدْ حفرت الدموعُ المحاجر، وبلغت القلوبُ
الحناجر. وَقَدْ ودَّعت أباكَ ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده، وقبّلت
وجهه عنّي وعنك، وأسلمته إِلَى اللَّه تَعَالَى، مغلوبَ الحيلة، ضعيف
القوّة، راضيا عَنِ اللَّه، ولا قوَّة إلّا باللَّه، وبالباب مِنَ
الجنود المجنَّدة، والأسلحة المعمّدة [4] ، ما لَمْ يدفع البلاء ولا ما
[5] يردّ القضاء، تدمع العين، ويخشع الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا
مَا يُرضِي الرَّبَّ، وإنّا بك [6] يا يوسف لمحزونون [7] . وأمّا
الوصايا
__________
[1] هكذا بالياء.
[2] سورة الأحزاب، آية 21.
[3] سورة الحج، الآية 1.
[4] في وفيات الأعيان 7/ 205 «المعدّة» .
[5] في وفيات الأعيان 7/ 205 «ولا ملك» .
[6] في وفيات الأعيان 7/ 205 «وإنّا عليك» .
[7] في وفيات الأعيان 7/ 205 «لمحزونون يا يوسف» .
(41/363)
فَمَا تحتاج إليها، والآراء فقد شغلني
المُصاب عَنْهَا، وأمّا لائح الأمر فإنّه إن وقع اتفاقٌ فَمَا عدِمتم
إلّا شخصَه الكريم، وإنْ كَانَ غيره فالمصائب المستقبلة أهونها موته،
وَهُوَ الهولُ العظيم» .
وَقَدْ كتب إِلَى صلاح الدّين ابن التّعاويذيّ يمتدحه:
إنْ كَانَ دينك فِي الصَّبابة ديني ... فقِفِ المطيَّ برملَتيْ يبرينِ
[1]
وألثم ثَري لو شارفتْ بي هَضْبَةُ ... أيدي المطيّ لثمته بجفوني
وأنشد فؤادي فِي الظّباء معرّضا ... فبغير غزْلان الصّريم جنوني
ونشيدتي بَيْنَ الخيام، وإنّما ... غالطتُ عَنْهَا بالظباءِ العينِ
للَّه ما اشتملتْ عليهِ قبابُهمْ ... يوم النَّوَى من لؤلؤٍ مكنونِ
مِنْ كُلّ تائهةٍ عَلَى أترابها ... فِي الحُسْن غانية عَنِ التّحسين
خَوْدٍ تَرى قمرَ السّماء إذا بدت ... ما بَيْنَ سالفةٍ لها وجبين
يا سَلْمَ إنْ ضاعت عهودي عندكم ... فأنا الَّذِي استودعتُ غيرَ أمين
هيهات ما للبِيض فِي ودّ امرِئٍ [2] ... أَرَبٌ وَقَدْ أربى عَلَى
الخمسين
ليت الضّنين عَلَى المحبّ بوصلهِ ... لقن السّماحة من صلاح الدّين
[3] ولعلَم الدّين حَسَن الشّاتانيّ فِيهِ قصيدةٌ مطلعها:
أرى النّصْرَ مقرونا برايتك الصَّفْرا ... فسِرْ واملكِ الدُّنْيَا
فأنْت بها أحرى
وللمهذّب عمر بن محمد ابن الشِّحْنة الْمَوْصِلِيّ قصيدة فِيهِ مطلعها:
سلامُ مَشُوقٍ قَدْ براه التَّشَوُّقُ ... عَلَى جيرة الحيّ الَّذِين
تفرّقوا
منها:
وإنّي امرؤٌ أحببتكم لمكارم ... سمعتُ بها والأذْن كالعينِ تعشقُ
وقالت لي الآمال: إنْ كنتَ لاحقا ... بأبناء أيّوب فأنت الموفّقُ
[4]
__________
[1] في الأصل: «يبريني» .
[2] في الأصل: «امرء» .
[3] ديوان ابن التعاويذي 420- 424.
[4] وفيات الأعيان 7/ 211.
(41/364)
وللقاضي السّعيد هبة اللَّه بْن سنا الملك
فِيهِ:
لستُ أدري بأيّ فتح تُهَنّا ... يا منيل الإسلام ما قد تمنّى [1]
أنهنّيك إذ تملكت شاما ... أم نهنيك إذ تبوّأت عدنا
قَدْ ملكت الجنان قصرا فقصرا ... إذْ فتحت الشامَ حصْنًا فحصْنا
لَمْ تَقِفْ قطُّ فِي المعارك إلّا ... كُنْت يا يوسف كيوسف حُسْنا
قصدَتْ نحوك الأعادي، فردّ ... اللَّه ما أمّلوه عنك وعنّا
حملوا كالجبال عُظما ولكنْ ... جَعَلَتْها حملاتُ خَيْلك عِهْنا
كُلّ من يجعل الحديدَ لَهُ ثوبا ... وتاجا وطيلسانا ورُدْنا
خانهم ذَلِكَ السّلاح فلا الرُّمْحُ ... تَثَنَّى، ولا المهنّد طنّا
وتولّت تِلْكَ الخيولُ وكم يُثنَى ... عليها بأنّها لَيْسَ تُثنَى [2]
وتصيّدتهم لحلقة صيدٍ ... تجمع اللَّيْثَ والغزال الأَغَنّا
وجَرَت منهم الدّماء بِحارًا ... فَجَرَت فوقها الجزائرُ سُفنا
صُنعت فيهم وليمة وحشٍ ... رقص المشرفيّ فيها وغنّى [3]
وحوى الأسرُ كُلّ ملك يظنّ ... الدَّهْر يَفْنَى وملكه لَيْسَ يفنى [4]
والملكُ العظيمُ فيهم أسير ... يتثنّى فِي أَدْهَمٍ يتثنّى [5]
كم تمنّى اللّقاء حَتَّى رآهُ ... فتمنّى لَهُ أَنَّهُ ما تمنّى [6]
رقّ من رحمةٍ لَهُ القّيْدُ والغلّ ... عليه فكُلّما أنّ أنّا
واللّعين البرنس أرناط مذبوح ... بيُمْنَى مَنْ بات للدِّين يُمنى [7]
أَنْت ذكَّيْته فوفيت نذرا ... كنت قدّمته فجوزيت حسنا
__________
[1] في الأصل: «تمنّا» .
[2] في الأصل: «تثنا» .
[3] في الأصل: «غنّا» .
[4] في الأصل: «يفنا» .
[5] في الأصل: «يتثنّا» .
[6] في الأصل: «تمنّا» .
[7] في الأصل: «يمنا» .
(41/365)
قَدْ ملكت البلادَ شرقا وغربا ... وحَوَيت
الآفاقَ سهْلًا وحَزْنا
واغْتَدَى الوصْفُ فِي عُلاك حسِيرًا ... أَيُّ لفظٍ يُقَالُ أَوْ
أَيُّ مَعْنى
فَمنْ فتوحاته: افتتح أوّلا الإسكندريّة سنة أربعٍ وستّين، وقاتل معه
أهلها لمّا حاصرتهم الفِرَنج أربعة أشهر، ثُمّ كشف عنه عمّه أسد الدّين
شيركوه، وفارقاها وقدِما الشّام.
ثُمّ تملّك وزارة العاضد بعد عمّه شيركوه سنة أربع وستّين، وَقُتِلَ
شاور، وحارب السّودان، واستتبّ لَهُ أمرُ ديار مصر، فأعاد بها الخطبة
العبّاسيّة، وأباد بني عُبَيْد، وَعَبيدهم.
ثُمّ تملَّك دمشق بعد نور الدّين، ثُمّ حمص، وحماه، ثُمّ حلب، وآمِد،
وميافارِقين، وعدّة بلاد بالجزيرة، وديار بَكْر.
وأرسل أخاه فافتتح لَهُ اليمن. وسار بعض عسكره فافتتح لَهُ بعض بلاد
إفريقية.
ثُمّ لَمْ يزل أمره فِي ارتقاء، وملكه فِي ارتفاع، إلى أن كَسَرَ
الفِرَنج نوبة حِطّين، وأسرَ ملوكهم.
ثمّ افتتح طبريَّة، وعكّا، وبيروت، وصيدا، ونابلس، والنّاصرة،
وقَيْساريَّة، وصَفُّوريَّة، والشَّقِيف، والطّور، وحيفا، ومَعْليا،
والفولة، وغيرها منَ البلاد المجاورة لعكّا، وسبَسْطية الّتي يُقَالُ
لها قبر زكريّا، وتبْنين، وجُبَيل، وعسقلان، وغزّة، وبيت المَقْدِس.
ثُمّ نازل صور مدّة أشهُر، فلم يقدر عليها وترحّل عَنْهَا، وافتتح
هونين، وكوكب، وأنْطَرَسُوس، وجَبَلَة، وبكسرائيل، واللّاذقيَّة،
وصهيون، وقلعة العيذو، وقلعة الجماهريّة، وبَلاطُنُس، والشَّغْر،
وبَكّاس، وسرمانية، وبَرْزَيَة، ودربْساك، وبغراس، وكانا كالجناحين
لأنطاكيّة.
ثُمّ عقد هدنة مَعَ إبرنس أنطاكية، ثُمّ افتتح الكَرَك، والشَّوْبك،
وصَفَد، والشَّقِيف المنسوب إلى أرنون.
(41/366)
وحضر مصافاتٍ عدّة ذكرتُ سائرها فِي
الحوادث، رحِمَه اللَّه تَعَالَى وأسكنه جنّتَه بفضلِه.
[مواليد السنة] وَفِي سنة تسعٍ وُلِد: تقيّ الدّين إِسْمَاعِيل بْن
أَبِي اليُسْر، والكمال عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد، والتّاج مظفَّر بْن
عَبْد الكريم الحنبليّ، والشّهاب مُحَمَّد بْن يعقوب بْن أَبِي
الدّنية، والزّين أحمد بْن أَبِي الخير سلامة، والنّجيب محاسن بْن
الْحَسَن السُّلَميّ، والزّكيّ إِسْرَائِيل بْن شُقَيْر، والعلّامة عزّ
الدِّين عَبْد الرّزّاق بْن رزق اللَّه الرّسْعَنيّ، وسعد اللَّه بْن
أَبِي الفضل التّنُوخيّ البزّاز، والشّيخ زين الدّين الزّواويّ، وعبد
الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن ناصر بْن طُغان الطّريفيّ، والجمال
مُحَمَّد بْن عَبْد الحقّ بْن خَلَف، وإمام الدّين مُحَمَّد بْن عُمَر
بْن الْحَسَن الفارسيّ، وقاضي القُضاة صدر الدّين أَحْمَد بْن سنيّ
الدّولة.
(41/367)
سنة تسعين وخمسمائة
- حرف الألف-
373- أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل بْن يوسف [1] .
أَبُو الخير الطّالقانيّ القزْوينيّ، الفقيه الشّافعيّ، الواعظ، رضيّ
الدّين، أحد الأعلام.
وُلِد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة بقزوين.
وتفقّه عَلَى الفقيه أَبِي بَكْر بْن مَلَكداذ بْن عَلِيّ العَمْركيّ،
ثُمّ ارتحل إِلَى نيسابور.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن إسماعيل) في: الأنساب 8/ 178، 179، واللباب 2/
269، ورحلة ابن جبير 197، 198، والتقييد لابن نقطة 131 رقم 147، وتاريخ
ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 163، 164، ومشيخة النعال 116- 118،
ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 443، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 200- 202 رقم
224، وذيل الروضتين 6، والتدوين في أخبار قزوين 2/ 144- 148، وتاريخ
إربل 1/ 123، ووفيات الأعيان 4/ 396، 401، وآثار البلاد وأخبار العباد
402، والمختصر المحتاج إليه 1/ 174- 176، وتذكرة الحفاظ 4/ 1356،
والعبر 4/ 271، 272، والإعلام بوفيات الأعلام 243، وسير أعلام النبلاء
21/ 190- 193 رقم 94، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 7- 13، وطبقات
الشافعية الوسطى، له (مخطوط) ورقة 24 أ، ومرآة الجنان 3/ 466، وطبقات
الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 139 ب، والبداية والنهاية 13/ 9،
وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 322، 323، والعقد المذهب لابن الملقن
(مخطوط) ورقة 69، والوافي بالوفيات 6/ 253، والمستفاد من ذيل تاريخ
بغداد 46- 48 رقم 33، والعسجد المسبوك 2/ 225، 226، وطبقات الشافعية
لابن قاضي شهبة 2/ 357، 358، رقم 323، وغاية النهاية 1/ 39، وذيل
التقييد للفاسي 1/ 297 رقم 592، وعقد الجمان للعيني (مخطوط) 17/ ورقة
186، 195، والنجوم الزاهرة 6/ 134 و 136، وطبقات المفسّرين للسيوطي 11،
وطبقات المفسّرين للداوديّ 1/ 32، وشذرات الذهب 4/ 300، وسلّم الوصول
لحاجي خليفة (مخطوط) ورقة 72، وهدية العارفين 1/ 88، والرسالة
المستطرفة 160، والأعلام 1/ 93، ومعجم المؤلفين 1/ 168، ومعجم طبقات
الحفاظ والمفسّرين 211 رقم 29.
(41/368)
وتفقّه عَلَى مُحَمَّد بْن يَحْيَى الفقيه
حَتَّى برع فِي المذهب.
وسَمِع الكثير من: أَبِيهِ، ومن: أَبِي الْحَسَن بْن عَلِيّ الشّافعيّ
القَزْوينيّ، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن الفضل الفُرَاوِيّ، وزاهر
الشّحّاميّ، وعبد المنعم بْن القُشَيْريّ، وعبد الغافر بْن إِسْمَاعِيل
الفارسيّ، وعبد الجبّار الخواريّ، وهبة اللَّه بْن سهل السّيّديّ، وأبي
نصر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الأَرْغِيانيّ، ووجيه بْن طاهر.
وسَمِع بالطَّابَرَان من: مُحَمَّد بْن المنتصر المَتُّوثيّ [1] :
وببغداد من: أَبِي الفتح بْن البَطّيّ. ودرّس ببلده مدّة، ثُمّ درّس
ببغداد فِي سنة بضعٍ وخمسين ووعظ، وخُلِع عليه، وعاد إِلَى بلده، ثُمّ
قدمها قبل السّبعين وخمسمائة. ودرّس بالنّظاميّة.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ رئيس أصحاب الشّافعيّ، وكان إماما فِي
المذهب، والخلاف، والأصول، والتّفسير، والوعظ.
حدّث بالكتب الكبار ك «صحيح مسلم» ، و «مسند إسحاق» ، و «تاريخ
نيسابور» للحاكم، و «السّنن الكبير» [2] للبيهقيّ، و «دلائل النّبوّة»
و «البعث والنُّشُور» لَهُ [3] أيضا. وأملى عدّة مجالس، ووعظ، ونَفَقَ
كلامه عَلَى النّاس، وأقبلوا عليه لحسن سَمْته، وحلاوة منطقه، وكثْرة
محفوظاته.
ثُمّ قدِم ثانيا، وعقد مجلس الوعظ، وصارت وجوه الدّولة ملتفتة
إِلَيْهِ، وكثُر التَّعصُب لَهُ منَ الأمراء والخواصّ، وأحبّه العوامّ.
وكان يجلس بالنّظاميّة، ويجامع القصر، ويحضر مجلسه أممٌ. ثُمّ وُلّي
تدريس النّظاميّة سنة تسعٍ وستّين، وبقي مدرّسها إِلَى سنة ثمانين
وخمسمائة، ثمّ عاد إلى بلده [4] .
__________
[1] المتّوثي: بفتح الميم، وضم التاء المثلّثة المشدّدة ثالث الحروف،
وفي آخرها الثاء المثلّثة. هذه النسبة إلى متّوث، وهي بليدة بين قرقوب
وكور الأهواز. (الأنساب 11/ 125، 126) .
[2] مطبوع باسم «السنن الكبرى» .
[3] أي للبيهقي، وقد نشره مركز الخدمات والأبحاث الثقافية، بيروت 1406
هـ. / 1986 م.
بتحقيق الشيخ عامر أحمد حيدر.
[4] المستفاد 47.
(41/369)
وكان كثير العبادة والصَّلاة، دائم الذّكر،
قليل المأكل. وكان مجلسه كثير الخير، مشتملا عَلَى التّفسير، والحديث،
والفقه، وحكايات الصّالحين من غير سَجَع، ولا تزويقِ عبارةٍ ولا شِعْر.
وَهُوَ ثقة فِي روايته.
وقيل إنَّه كَانَ لَهُ في كلّ يومٍ ختْمةٌ مَعَ دوام الصّوم. وقيل
إنَّه يُفْطِر عَلَى قُرْصٍ واحد [1] .
وقَالَ ابن الدُّبِيثيّ [2] : أملى عدّة مجالس، وكان مقبِلًا عَلَى
الخير، كثير الصَّلاة، لَهُ يدٌ باسطةٌ فِي النّظر، واطّلاع عَلَى
العلوم، ومعرفة بالحديث.
وكان جمّاعة للفنون، رحِمَه اللَّه.
رجع إِلَى بلده سنة ثمانين، فأقام بها مشتغلا بالعبادة إِلَى أن
تُوُفّي فِي محرَّم سنة تسعين.
وقَالَ الحافظ عَبْد العظيم [3] : حكى عَنْهُ غيرُ واحدٍ أَنَّهُ كَانَ
لا يزال لسانه رطبا من ذكر اللَّه [4] .
تُوُفّي فِي الثّالث والعشرين منَ المحرَّم.
وأنبأني ابن البُزُوريّ أَنَّهُ أوّل من تكلّم بالوعظ بباب بدر
الشّريف.
__________
[1] وقال ابن الدمياطيّ نقلا عن ابن النجار: وكان كثير العبادة، دائم
الذكر، كثير الصلاة والصيام والتهجّد والتقلّل من الطعام، حتى ظهر ذلك
على وجهه وغيّر لونه. وكان لا يفتر لسانه من التسبيح في جميع حركاته
وسائر أحواله. (المستفاد 47) .
[2] في تاريخه، ورقة 163، والمختصر 1/ 175.
[3] في التكملة 1/ 201.
[4] قاله أيضا ابن نقطة في التقييد 131.
وقال الرافعي القزويني: إمام كثير الخير والبركة، نشأ في طاعة الله،
وحفظ القرآن وهو ابن سبع على ما بلغني، وحصّل بالطلب الحثيث العلوم
الشرعية، حتى برع فيها رواية ودراية، وتعليما وتذكيرا وتصنيفا، وعظمت
بركته وفائدته بين المسلمين، وكان مديما للذكر وتلاوة القرآن في مجيئه
وذهابه، وقيامه وقعوده، وعامّة أحواله.
سمعت غير واحد ممن حضر عنده، بعد ما قضى نحبه، ولقيه على المغتسل، قبل
أن ينقل إليه أن شفتيه كانت تتحرّكان كما كان يحرّكهما طول عمره، بذكر
الله تعالى، وكان يقرأ عليه العلم وهو يصلّي، ويقرأ القرآن ويصغي مع
ذلك إلى القراءة، وقد ينبّه القارئ على زلّته.
(التدوين) .
(41/370)
قُلْتُ: هُوَ مكان كَانَ يحضر فِيهِ وعظه
الْإِمَام المستضيء من وراء حجاب، وتحضر الخلائق، فكان يعظ فِيهِ
القَزْوينيّ مرّة، وابن الجوزيّ مرةً.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ «مُسْنَد إِسْحَاق بْن راهَوَيْه» [1] أَبُو
البقاء إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد المؤدّب البغداديّ.
وروى عَنْهُ: ابن الدُّبِيثيّ، ومُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي سهل
الواسطيّ، والموفّق عَبْد اللّطيف بْن يوسف، وبالغ فِي الثّناء عليه
وقَالَ: كَانَ يعمل فِي اليوم واللّيلة، ما يعجز المجتهد عَنْ عملهِ
فِي شهر، ولمّا ظهر التَّشَيُّع فِي زمان ابن الصّاحب التمس العامّة
منه يوم عاشوراء عَلَى المِنْبر أن يلعن يزيد فامتنع، ووثبوا عليه
بالقتل مرّات، فلم يُرَعْ، ولا زَلَّ لَهُ لسانٌ ولا قَدَم، وخلص
سليما. وسافر إِلَى قزوين.
قَالَ: وَفِي أيّام مجد الدّين ابن الصّاحب صارت بغداد بالكَرْخ،
وجماعةُ منَ الحنابلة تشيّعوا، حَتَّى إنّ ابن الجوزيّ صار يسجع
ويُلْغِز، إلّا رَضِيَ الدّين القَزْوينيّ، فَإنَّهُ تصلّب فِي دِينه
وتشدّد [2] .
__________
[1] هو تحت الطبع حاليا في دار الكتاب العربيّ، بيروت، بتحقيق السيد
«محمد المفتي» .
[2] وقال الإمام زكريا القزويني في آثار البلاد وأخبار العباد- ص 402)
: حكي (عن أبي الخير) أنه كان في بدء أمره يتفقّه، فأستاذه يلقّنه
الدرس ويكرّر عليه مرارا حتى يحفظه، فما حفظ، حتى ضجر الأستاذ وتركه
لبلادته، فانكسر هو من ذلك ونام الأستاذ، فرأى رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ له: لم آذيت أحمد؟ قال: فانتبهت،
وقلت: تعال يا رضيّ الدين حتى ألقنك! فقال: بشفاعة النبيّ تلقّنني!
ففتح الله تعالى عليه باب الذكاء حتى صار أوحد زمانه علما وورعا، ودرس
بالمدرسة النظامية ببغداد مدّة، وأراد الرجوع إلى قزوين فما مكّنوه،
فاستأذن للحجّ وعاد إلى قزوين بطريق الشام. وكان له بقزوين قبول ما كان
لأحد قبله ولا بعده. يوم وعظه يأتي الناس بالوضوء حتى يحصّلوا المكان.
ويشتري الغنيّ المكان من الفقير الّذي جاء قبله. وما سمعوا منه يروونه
عنه كما كانت الصحابة تروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وحكي أن الشيخ كثيرا ما كان يتعرّض للشيعة، وكان على باب داره شجرة
عظيمة ملتفّة الأغصان، فإذا في بعض الأيام رأوا رجلا على ذلك الشجر،
فإذا هو من محلّة الشيعة، قالوا: إن هذا جاء لتعرّض الشيخ! فهرب الرجل،
وقال الشيخ: لست أقيم في قزوين بعد هذا!.
وخرج من المدينة، فخرج بخروجه كل أهل المدينة والملك أيضا. فقال: لست
أعود إلّا بشرط أن تأخذ مكواة عليها اسم أبي بكر وعمر، وتكوي بها جباه
جمع من أعيان الشيعة الذين أعيّن عليهم. فقبل منه ذلك وفعل، فكان أولئك
يأتون والعمائم إلى أعينهم حتى لا يرى الناس الكيّ.
(41/371)
قُلْتُ: ورّخه فِي هَذِهِ السّنة ابن
الدُّبِيثيّ [1] ، والزّكيّ المُنْذريّ [2] .
وورَّخه ابن النّجّار سنة تسعٍ وثمانين فِي المحرّم [3] ، ورواه عَنْ
ولده أَبِي المناقب مُحَمَّد بْن أَحْمَد، رحِمَه اللَّه [4] .
374- أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه [5] .
أَبُو الْعَبَّاس الشّافعيّ، الواعظ، فخر الدّين بْن فُويرة [6] .
قدِم دمشق ووعظ بها، وبمصر. وحصل لَهُ قبول تامّ. وكان حُلْوَ الإيراد.
تُوُفّي فِي شوال [7] .
375- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ [8] .
أَبُو بكر الأصبهانيّ، الْجُورْتانيّ [9] ، الحنبليّ الحمّاميّ.
سَمِع من: سَعِيد بْن أَبِي الرجاء الصَّيْرفيّ، وغيره.
وتُوُفّي قبل والده بأيّام أو بأشهر.
__________
[1] في تاريخه، ورقة 164.
[2] في التكملة 1/ 201.
[3] انظر المستفاد لابن الدمياطيّ 48.
[4] ذكره ابن السمعاني في (الأنساب) فقال: كان شابا صالحا، سديد
السيرة، سمع معنا الحديث بنيسابور عن أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاوِيّ،
وأبي القاسم الشّحّاميّ، وسمع معنا الكتب الكبار، ورحل إلى طوس معي
لسماع «التفسير» للثعالبي، وحمدت سيرته وصحبته، وشرع في الوعظ، وقبله
الناس، وخرج إلى بلاده، ونفق سوقه بها، وقد بلغني عنه الخبر في سنة
نيّف وأربعين وخمسمائة أنه نعي بقزوين. والله أعلم!.
[5] انظر عن (أحمد بن عبد الله) في: طبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط)
ورقة 139 ب، 140 أ، وتاريخ ابن الفرات ج 4 ق 2/ 102. والتكملة لوفيات
النقلة 1/ 211 رقم 245،
[6] هكذا في الأصل. وفي طبقات ابن كثير: «ابن النويرة» .
[7] ومولده سنة 522 هـ.
[8] انظر عن (أحمد بن محمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 213 رقم 251،
وفيه أضاف صديقنا الدكتور بشار عوّاد معروف (معجم البلدان) إلى مصادره،
فوهم بذلك لأن المذكور في المعجم هو «المصلح محمد» والد صاحب هذه
الترجمة، وسيأتي برقم 403 وهو المولود سنة 405 هـ. ولم يذكر ياقوت
«أحمد» هذا.
[9] الجورتاني: قال ياقوت: بعد الراء تاء مثنّاة، وألف، ونون، من قرى
أصبهان.
(41/372)
376- أَحْمَد بْن يوسف بْن مُحَمَّد بْن
أَحْمَد بْن عَلِيّ [1] .
أَبُو الْعَبَّاس بْن المأمون الهاشميَ الْعَبَّاسيّ، المأمونيّ.
نقيب العبّاسيّين. ببغداد، ويُعرف بابن الزّوال.
تُوُفّي ببغداد فِي صَفَر، وَلَهُ سماعٌ نازِلٌ من أَبِي بَكْر
مُحَمَّد بْن ذاكر الأصبهانيّ.
377- إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن يعقوب بْن
أَحْمَد [2] .
أَبُو إِسْحَاق الْأَنْصَارِيّ، البَلَنْسيّ، المحدّث، نزيل
الإسكندريّة، يُعرف بابن الجمش.
رحل وحجّ واستوطن الإسكندريّة، فأكثر الكتابة عَنِ: السِّلَفيّ، وبدر
الحبشيّ، وأبي طاهر بن عوف.
وخطّه كيّس مغربيّ، رفيع. نسخ شيئا كثيرا، وزهد فيما بعد وتنسّك، وأقبل
على شأنه.
وكان ينفق في الشّهر أقلّ من درهمين يتقنّع بها. وكان حافظا، فهما،
متيقّظا.
توفّي في آخر السّنة في ذي الحجّة، وقيل في السّابع والعشرين من ذي
القعدة.
378- إبراهيم بن مسعود بن حسّان [3] .
أبو إسحاق الضّرير، الرّصافيّ، النّحويّ المعروف بالوجيه الذّكيّ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن يوسف) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 203 رقم 227،
وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 237.
[2] انظر عن (إبراهيم بن عبد الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 211،
212 رقم 247.
[3] انظر عن (إبراهيم بن مسعود) في: معجم الأدباء 1/ 321، وتاريخ ابن
الدبيثي (باريس 5921) ورقة 267، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 206 رقم
234، وإنباه الرواة 1/ 189، والمختصر المحتاج إليه 1/ 237، والتلخيص
لابن مكتوم (مخطوط) ورقة 34، ونكت الهميان 91، والوافي بالوفيات 6/ 146
رقم 2589، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 77، وبغية الوعاة
1/ 432.
(41/373)
أخذ العربيّة عَنْ مُصدق بْن شبيب
النَّحْويّ.
وتُوُفّي شابّا [1] فِي جُمادى الأولى.
وكان قَدْ برع فِي الأدب.
- حرف التاء-
379- تميم بْن سَلْمان بْن معالي [2] .
أَبُو كامل العُبَاديّ [3] ، الرَّبَعيّ، ربيعة الفَرَس، الأَزَجّي.
حدَّث عَنْ: أَبِي الكرم الشّهْرَزُوريّ.
رَوَى عَنْهُ: تميم البَنْدَنِيجيّ، وابن خليل.
- حرف الجيم-
380- جاكير الزَّاهد [4] .
أحد شيوخ العراق. كَانَ كبير القدر، صاحب أحوال، وكرامات، واتّباع،
وسُنَّة، وعبادة، وَلَهُ أصحاب مشهورون فيهم دِين وتعبُّد.
بلغني أَنَّهُ صحِب الشَّيْخ عليّ الهيْتيّ.
وتُوُفّي فِي هَذَا العام أَوْ بعده بسنة رحِمَه اللَّه.
وذكر لي الشَّيْخ شُعيب التُّرْكمانيّ أحد منَ اختصي وخدم بيت الشَّيْخ
فِي صباه، أنّ اسم الشَّيْخ جاكير مُحَمَّد بْن دَشَم الكُرديّ
الحنبليّ، وأنّه لَمْ يتزوَّج.
ثُمّ ذكر لي عَنْهُ كرامات، وأنّ زاويته وضريحه بقرية راذان، وهي عَلَى
بريدٍ من سامرّا. وأنّ أخاه الشَّيْخ قعد فِي المسجد بعده، ثمّ بعده
ابنه الغرس.
__________
[1] يقال إنه توفي وهو ابن سبع وعشرين سنة وثلاثة أشهر. (المنذري) .
[2] انظر عن (تميم بن سلمان) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 207 رقم
235، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 286، 287، وتلخيص مجمع
الآداب 4/ رقم 44، والمختصر المحتاج إليه 1/ 267.
[3] العبادي: بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحّدة.
[4] انظر عن (جاكير الزاهد) في: العبر 4/ 275، ومرآة الجنان 3/ 471،
472 وقد قيّده بالحروف فقال: جاكير، بالجيم والمثنّاة من تحت بين الكاف
والراء.، وشذرات الذهب 4/ 305.
(41/374)
ثُمّ وُلّي المشيخة بعد الغَرْس ولدُه
مُحَمَّد، ثُمّ ولدُه الآخر أَحْمَد. ثُمّ جلس فِي المسجد بعد أَحْمَد
ابنه عَلِيّ بْن أَحْمَد، وَهُوَ حيٌّ، وفيه مخالطة للتّتار، مُخَلِّطٌ
عَلَى نفسه، كثير الخباط، وَقَدِ ابْيَض رأسُه ولحيتُه وَهُوَ فِي آخر
الكُهولة.
- حرف الحاء-
381- حَازم بْن عَلِيّ بْن هبة اللَّه [1] .
أَبُو القاسم ابن الكنانيّ، الواسطيّ، المعروف بابن أَبِي الدّبس.
سَمِع: أبا عليّ الفارقيّ، وابن شيراز.
وببغداد من: إِسْمَاعِيل بْن السَّمَرْقَنْدِيّ.
وقرأ عَلَى سِبْط الخيّاط.
سَمِع منه: ابن الدُّبِيثيّ، وقَالَ: مات بواسط فِي ربيع الأوّل سنة
تسعين.
- حرف الزاي-
382- زكريّا بْن عُمَر بْن أَحْمَد.
أَبُو الْوَلِيد الْأَنْصَارِيّ، الخَزْرجيّ، القُرْطُبيّ.
رَوَى عَنْ: أَبِي الْحَسَن بْن مَوْهَب، وأبي القاسم بْن ورد، وأبي
بكر بن العربيّ، وَغَيْرُهُمْ بالإجازة.
- حرف السين-
383- سلامة بْن عَبْد الباقي بْن سلامة [2] .
العلّامة أَبُو الخير الأنباريّ النَّحْويّ الْمُقْرِئ الضّرير، نزيل
مصر، والمتصدّر بجامع عمرو.
__________
[1] انظر عن (حازم بن علي) في: المختصر المحتاج إليه، ج 1.
[2] انظر عن (سلامة بن عبد الباقي) في: معجم الأدباء 11/ 232 رقم 72،
والوافي بالوفيات 15/ 329 رقم 466، وبغية الوعاة 1/ 259، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 212، 213 رقم 249، وطبقات النحاة لابن قاضي شهبة
(مخطوط) ورقة 153، وكشف الظنون 1789، ومعجم المؤلفين 4/ 236:
(41/375)
لَهُ تصانيف «شرح المقامات» .
وروى عَنْ: أَبِي الكَرَم السَّرَويّ، وسعد الخير.
وعنه: عَبْد الوهَّاب بن وردان.
ولد سنة ثلاث وخمسمائة. ومات رحِمَه اللَّه فِي ذِي الحجَّة عَنْ ثمانٍ
وثمانين سنة.
384- سَلْمان بْن يوسف بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن [1] .
أَبُو نصر وأَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، الطحّان، النُّعَيْميّ،
البزّاز، المعروف جدّهم بابن صاحب الذّهبية.
ولد سنة ثلاث وخمسمائة، وسمع من: هبة الله بن الحصين، وأبي السُّعْود
أَحْمَد بْن المُجَليّ، وأبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
أَخَذَ عَنْهُ: عُمَر بْن عَلِيّ الْقُرَشِيّ، ومُحَمَّد بْن مشّق،
ويوسف بْن خليل، وآخرون.
وَقَدْ حدَّث هُوَ وأَبُوه، وجَدّه، وجدُّ أبيه.
وكان يسكن بسكّة النُّعَيْميَّة، محلّة ببغداد.
وتُوُفّي فِي الثّاني والعشرين من ربيع الآخر.
- حرف الطاء-
385- طُغْريل شاه بْن أرسلان شاه بْن طُغْريل بن محمد بن ملك شاه [2] .
__________
[1] انظر عن (سلمان بن يوسف) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 98 رقم 708،
وإكمال الإكمال لابن نقطة (مخطوط) ورقة 54، 55، وتاريخ ابن الدبيثي
(باريس 5922) ورقة 71، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 205 رقم 231.
[2] انظر عن (طغريل شاه) في: الكامل في التاريخ 12/ 106- 108 وفيه:
«طغرل» ، وذيل الروضتين 6، وإنسان العيون، لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة
52، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 444، 445، والمختصر في أخبار البشر 3/ 89،
90، وذيل الروضتين 6، وسير أعلام النبلاء 21/ 267، 268 رقم 140،
والإعلام بوفيات الأعلام 243، والعبر 4/ 272، وتاريخ ابن الوردي 2/
109، 110، والوافي بالوفيات 16/ 456، 457 رقم
(41/376)
السّلطان، آخر الملوك السَّلْجُوقيَّة سوى
صاحب الرّوم.
وطُغْريل هَذَا هُوَ الَّذِي خرج عَلَى الخليفة النّاصر لدين اللَّه،
وخافه أَهْل بغداد، فسار وزير الخليفة ابن يُونُس فِي جيش بغداد
فالتقاه بأرض هَمَذَان، فانهزم جيش الخليفة، وأُسِر الوزير، كَمَا
ذكرنا فِي الحوادث.
ثُمّ إنّ خُوارزم شاه كاتب الخليفة وطلب منه أن يُسَلْطِنه ويقلّده،
ففعل.
وسار خوارزم شاه بعساكره، وقصد طغريل، فكان المصافّ بينهما على الرّيّ،
فقتل طغريل، وقطع رأسه، وبعث به إلى بغداد، فدخلوا به على رمح، وكوساته
مشقّقة، وسنجقه منكّس.
وكان من أحسن النّاس صورة، فيه إقدام وشجاعة زائدة.
وكان عدد الملوك السّلجوقيّة نيّفا وعشرين ملكا، أوّلهم طغرلبك الّذي
أعاد القائم إلى بغداد، وقطع دعوة بني عبيد بعد أن خطب لهم مدّة أشهر،
وآخرهم هَذَا. ومدّة دولتهم مائة وستّون سنة.
ويُقَالُ طُغْرل بحذف الياء، واللَّه أعلم.
ومن أخباره أَنَّهُ أُقيم فِي السّلطنة بعد موت والده، وكان أتابكه
البهْلوان هُوَ الكلّ، فمات، وكبر طُغْريل، فالتفت عليه الأمراء، وطلب
السّلطنة منَ الخليفة، وأن يأتي إِلَى بغداد كآبائه، ويأمر وينهى. ثُمّ
آل أمره إِلَى أنْ ظفر بِهِ قُزُل أخو البلهوان وسجنه، ثُمّ خلّص، وعاث
في البلاد، وتملّك هَمَذَان، وغيرها.
وكان خُوارزم شاه قَدْ سار إِلَى الرّيّ، واستولى عليها ورجع إِلَى
بلاده، فقصدها طُغْريل فِي أوّل هَذِهِ السّنة وأغار عليها، فجمع
خُوارزم شاه جيوشه، وسار إِلَيْهِ، وانضمّ إِلَيْهِ قتلغ إينانج ولد
البلهوان ابن ألْدِكِز، فَلَمَّا سَمِع طُغْريل بقدومهما كَانَتْ لَهُ
عساكر متفرّقة، فلم يقف لجمْعها، فَقِيل لَهُ: هَذَا ما هُوَ مصلحة،
والأَوْلَى أن تجمع العساكر. فما التفت لفرط شجاعته، والتقاهم
__________
[ () ] 492، والعسجد المسبوك 2/ 228، ومآثر الإنافة 2/ 58، والسلوك ج 1
ق 1/ 114 (توفي 589 هـ.) ، والنجوم الزاهرة 6/ 134، وشذرات الذهب 4/
301.
(41/377)
وحمل بنفسه، وشقّ العساكر، فأحاطوا بِهِ،
ورَمَوه عَنْ جواده، وَقُتِلَ فِي الرابع والعشرين من ربيع الأوّل.
وملك الخُوارَزْميّ تِلْكَ البلاد، واستناب عليها قُتُلغ، وأقطع كثيرا
منها لمماليكه.
- حرف العين-
386- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن سُفْيَان
[1] .
التُّجَيْبيّ الشّاطبيّ، التّونكيّ.
سَمِع: أبا الْوَلِيد بْن الدّبّاغ، وابن هُذَيْل، وابن النّعمة،
وخلْقًا سواهم.
وأتقن الفقه والعربيّة. وكان فصيحا، بليغا، مفوَّهًا، لَهُ النَّظْم
والنَّثْر.
وُلّي قضاء لُورقة.
وحدَّث عَنْهُ: أَبُو عِيسَى بْن أَبِي السّداد، وأبو الرَّبِيع بْن
سالم الكَلاعيّ.
قال الأبّار: توفّي في حدود التّسعين وخمسمائة.
387- عَبْد اللَّه بْن أَبِي المعالي الْمُبَارَك بْن هبة اللَّه بْن
سَلْمان [2] .
أَبُو جَعْفَر بْن الصّبّاغ، الْبَغْدَادِيّ، الشّمعيّ، المعروف
أَبُوهُ بابن سُكَّرَة.
سمّعه أَبُوهُ منَ القاضي: أَبِي بَكْر، ويحيى بْن الطراح، وأبي
مَنْصُور مُحَمَّد بْن خيرون، وأبي عَبْد اللَّه السّلّال، وجماعة
كثيرة.
ولأبيه رواية عَنْ أَبِي طَالِب بْن يوسف.
رَوَى عَنْ عَبْد اللَّه: تميم البَنْدَنِيجيّ، ويوسف بْن خليل.
388- عَبْد الحميد بْن أَبِي المكارم عَبْد المجيد بْن مُحَمَّد بْن
أَبِي الرجاء الكوسج [3] .
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، وسيعاد
في المتوفّين ظنّا، برقم (426) .
[2] انظر عن (عبد الله بن أبي المعالي) في: المختصر المحتاج إليه 2/
166، 167 رقم 804، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 202 رقم 225، وتاريخ ابن
الدبيثي (باريس 5922) ورقة 860.
[3] انظر عن (عبد الحميد بن أبي المكارم) في: الوافي بالوفيات 18/ 76
رقم 79.
(41/378)
أَبُو بَكْر التَّمِيمِيّ، الأصبهانيّ [1]
.
وُلِد سنة أربع وخمسمائة.
وسَمِع إِسْمَاعِيل السّرّاج.
وأجاز لَهُ أَبُو عليّ الحدّاد، وأبو طَالِب بْن يوسف.
وتوفّي فِي شوّال. قاله المهذّب بْن زينة [2] .
389- عَبْد الخالق بْن فيروز بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد المَلِك بْن
داود [3] .
أبو المظفّر الجوهريّ، الواعظ، الهَمَذَانيّ الأصل، الْبَغْدَادِيّ.
قَالَ ابن النّجّار: كذا رأيت نسبه بخطّه.
سَمِع بخُراسان، وأصبهان، وبغداد. ودخل الشّام. وسكن مصر، وحدَّث بها
ووعظ.
وذَكَرَ أَنَّهُ سَمِع من: أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاوِيّ، وأبي
القاسم الشّحّاميّ، وإسماعيل القارئ، وأبي بكر الأنصاريّ، ويحيى بن
البنّاء، والأُرْمَوِيّ، وابن ناصر.
وبأصبهان من: أَبِي الخير الباغْبَان، وجماعة.
وخرّج لنفسه عَنْهُمْ جزءا سمعه منه الحافظ بن المفضّل.
__________
[1] ولقبه: مختصّ الدين.
[2] وقال الصفدي: كان من أئمة أصبهان الشافعية، قال العماد الكاتب:
فارقته بها حيّا ولم أسمع بعد ذلك سوى خبر سلامته شيئا. وأورد له:
ألا يا ليت دهري صار شخصا ... ويدرك فهمه رتب الكلام
لا عرف منه في سرّ لماذا ... أصرّ على معاداة الكرام
وأورد له أيضا:
إمام العصر في أحصي ثناء ... عليك فأنت أكرم من ثنائي
وإني فيك معترف بعجزي ... ولكن لا أقلّ من الدعاء
[3] انظر عن (عبد الخالق بن فيروز) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 54، 55
رقم 836، والعبر 4/ 272، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 153، 154 رقم
108، ولسان الميزان 3/ 491، وشذرات الذهب 4/ 291.
(41/379)
قَالَ: ولم يكن موثوقا بِهِ. ولإخوته سماع
من بعض هَؤُلَاءِ، فلعلّه وثب عَلَى سماعهم [1] .
ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن السَّخَاويّ، ومُحَمَّد بْن جبريل
الصُّوفيّ، وأحمد بْن مُحَمَّد الأَبَرْقُوهيّ الهَمَذَانيّ، والضّياء
مُحَمَّد، وابن عَبْد الدّائم، وإِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّود الضّرير،
وآخرون.
وتُوُفّي بعد المحرَّم، فَإنَّهُ أجاز فِيهِ لبعضهم.
وقرأ عليه فِي هَذِهِ السّنة جزء الْأَنْصَارِيّ الحافظ عَبْد الغنيّ.
وقَالَ الضّياء: تكلّموا فِي سماعه لجزء الْأَنْصَارِيّ.
390- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن
المُسلْم بْن الحَسَن بْن هلال [2] .
أَبُو عليّ الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ، المعدَّل.
شيخ جليل من رؤساء دمشق.
سَمِع من: أَبِيهِ أَبِي المكارم.
وتُوُفّي فِي ذِي القعدة عَنْ ثمانٍ وستّين سنة.
وروى أيضا عَنْ أَبِي الدّرّ ياقوت.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وغيره.
391- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَبِي طالب عبد القادر بن محمد
[3] .
__________
[1] وقال ابن الدبيثي: بلغنا أنه خلط في شيء من مسموعاته، وادّعى سماع
ما لم يسمعه وتكلّموا فيه، ولم يحدّث ببغداد. روى عنه السخاوي، وابن
عبد الدائم، وجماعة، وقرأ عليه الحافظ عبد الغني سنة تسعين وخمسمائة
وهو آخر العهد به جزء الأنصاري فسمعه الضياء بن عبد الواحد، والشمس
محمد بن سعد، وابن عبد الدائم، وقال الضياء: تكلّم الناس في سماعه لجزء
الأنصاري هل يصحّ؟ (المختصر المحتاج إليه) .
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن عبد الواحد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/
211 رقم 246.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: مشيخة النعال 118- 120، وتاريخ
ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 125، والمختصر المحتاج إليه 2/ 211،
212، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 206
(41/380)
أَبُو الفَرَج اليُوسُفيّ، الْبَغْدَادِيّ.
أجاز لَهُ جَدّه، وسَمِع من: هبة [1] اللَّه بْن الحُصَيْن، وابن
الطّبر، وقاضي المَرِسْتان.
وَهُوَ من بيت الْحَدِيث والإسناد.
وُلِد سنة ستّ عشرة.
وتُوُفّي فِي مُسْتَهَل جُمادى الأولى.
رَوَى عَنْهُ: ابن خليل.
392- عَبْد الرّزّاق بْن النّفيس بْن الْحُسَيْن [2] .
الفقيه أَبُو شجاع الواسطيّ، الخَرَزيّ [3] . المعروف بابن الخيميّ.
تُوُفّي فِي شوّال بواسط.
سَمِع من: أَبِي الوقت، وغيره [4] .
393- عَبْد السّلام بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ [5] .
أَبُو أَحْمَد الْبَصْرِيّ، الكَوَّاز [6] .
حدَّث بواسط عن: أبي عبد الله محمد بن أحمد ابْن أَخِي طَلْحَةَ
الشّاهد الْبَصْرِيّ.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.
394- عَبْد الملك بْن نصر اللَّه بن جهبل [7] .
__________
[ () ] رقم 233.
[1] في الأصل: «هبتي» .
[2] انظر عن (عبد الرزاق بن النفيس) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 211
رقم 244، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5922) ورقة 158.
[3] هكذا ضبطه في الأصل.
[4] وقال المنذري: حدّث بأناشيد.
[5] انظر عن (عبد السلام بن أحمد) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 205
رقم 232.
[6] الكوّاز: بفتح الكاف وتشديد الواو وفتحها وبعد الألف زاي.
[7] انظر عن (عبد الملك بن نصر) في: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/
188، 189،
(41/381)
الفقيه أَبُو الْحُسَيْن الحلبيّ
الشّافعيّ، الزَّاهد العابد.
مدرّس الزّجّاجيّة بحلب.
حدَّث بغداد لمّا حجّ عَنِ ابن ياسر الْجَيّانيّ.
تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.
395- عَبْد الوهَّاب بْن عَليّ بْن الخَضِر بْن عَبْد اللَّه بْن
عَلِيّ [1] .
العدل أَبُو مُحَمَّد الْقُرَشِيّ، الأَسَديّ، الزُّبَيْريّ،
الدّمشقيّ، الشُّرُوطيّ، ويُعرف بالحَبَقْبَق [2] .
أخو القاضي أَبِي المحاسن عُمَر بْن عَلِيّ الحافظ. نزيل بغداد ووالد
كريمة، وصفيّة.
ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وسَمِع: أَبَا الْحَسَن بْن المسلّم السُّلَميّ، وأبا الفتح نصر اللَّه
المَصِّيصيّ، وأبا الدرّ ياقوت التّاجر، وأبا يَعْلَى بْن الحُبُوبيّ،
وخلْقًا سواهم.
رَوَى عَنْهُ: أخوه أَبُو المحاسن، وولداه عليّ وكريمة، وأَبُو المواهب
بْن صَصْرى، ويوسف بْن خليل، وآخرون.
وتُوُفّي فِي ثالث صَفَر، رحِمَه اللَّه.
396- عَبْد الْوَاحِدِ بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن.
أَبُو أَحْمَد المقدسيّ، الْجَمَاعيليّ، والد الشّمس أَحْمَد، المعروف
بالبخاريّ، والضّياء مُحَمَّد الحافظ.
وُلِد سنة ثلاثين، أو إحدى وثلاثين وخمسمائة.
__________
[ () ] وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 371.
[1] انظر عن (عبد الوهاب بن علي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 202 رقم
226، والعبر 4/ 272، 273، وسير أعلام النبلاء 21/ 230، 231 رقم 116،
وشذرات الذهب 4/ 301.
[2] في تكملة المنذري 1/ 202 «المعروف بابن الحبقبق» .
(41/382)
وسَمِع ببغداد من: سَعْد اللَّه بْن نجا
بْن الفُرَاوِيّ، وأبي الْحُسَيْن عَبْد الحقّ.
وحدَّث.
ولم يرو عَنْهُ ابنه.
رَوَى عَنْهُ: عَبْد الرحمن بْن سلامة المقدسيّ، ومُحَمَّد بْن طرخان.
وروى ابنه عَنْهُمَا عَنْهُ.
وقَالَ ابنه الضّياء: قُتِلَ مظلوما فِي تاسع شعبان، رحِمَه اللَّه
تَعَالَى.
397- عَلِيّ بْن بختيار.
أَبُو الْحَسَن الْبَغْدَادِيّ، الكاتب.
تنقّل فِي الخِدَم إِلَى أن وُلّي أستاذ داريّة الخلافة مُدّيْدَة،
ثُمّ عُزِل فلزِم بيته.
وتُوُفّي فِي خامس وعشرين شوّال. ودُفِن إِلَى جانب رباطه.
398- عَلِيّ بْن يَحْيَى بْن إِسْمَاعِيل [1] .
أَبُو المكارم الْبَغْدَادِيّ الكاتب.
لَهُ إجازات عالية.
رَوَى بالإجازة عَنْ: أَبِي سَعْد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المطرّز،
وَهُوَ آخر من حدَّث عَنْهُ، وغانم بْن أَبِي نصر البُرْجيّ، وأبي عليّ
الحدّاد، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وغيره [2] .
ومولده بعد الخمسمائة.
وتُوُفّي فِي ذِي الحجَّة.
- حرف القاف-
399- القاسم بْن فيرّه بن خلف بن أحمد [3] .
__________
[1] انظر عن (علي بن يحيى) في: التاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة
باريس 2131) ورقة 73، والمختصر المحتاج إليه 3/ 147، 148 رقم 1070،
والتكملة لوفيات النقلة 1/ 212 رقم 248.
[2] وقال ابن الدبيثي: سمع منه جماعة وجدوا له إجازة من أبي سعد
المطرّز، وغانم البرجي، وأبي علي الحدّاد، ولم يكن له سماع.
[3] انظر عن (القاسم بن فيّرة) في: معجم الأدباء 16/ 293، وذيل
الروضتين 7، وتكملة
(41/383)
أَبُو مُحَمَّد وأَبُو القاسم
الرُّعَيْنيّ، الأندلسيّ، الشّاطبيّ، الضّرير، الْمُقْرِئ.
أحد الأعلام، مَنْ جعل كنيته أَبَا القاسم لَمْ يجعل لَهُ اسما سواها.
وكذلك فعل أبو الحسن السّخاويّ. والأصحّ أنّ اسمه القاسم وكنيته أَبُو
مُحَمَّد. كذا سمّاه جماعة كثيرة.
وذكره ابن الصّلاح فِي «طبقات الشّافعيّة» [1] .
وُلِد فِي آخر سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة، وقرأ القراءات بشاطبة عَلَى
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي العاص
المقرئ النّفريّ المعروف بابن اللَّايُهْ.
وارتحل إِلَى بَلَنْسِية فقرأ القرآن، وعرض التّفسير حفظا عَلَى أَبِي
الْحَسَن بْن هُذَيْل.
وسَمِع منه، ومن: أَبِي الْحَسَن بْن النّعمة، وأبي عَبْد اللَّه بْن
سعادة، وأبي مُحَمَّد بْن عاشر، وأبي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم،
وأبي مُحَمَّد عليم بْن عَبْد الْعَزِيز، وأبي عَبْد اللَّه بْن حميد.
وارتحل ليحجّ، فسمع من: أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وغيره.
وكان إماما علّامة، نبيلا، محقِّقًا، ذكيّا، واسع المحفوظ، كثير
الفنون، بارِعًا فِي القراءات وعِلَلها، حافظا للحديث، كثير العناية
بِهِ، أستاذا في
__________
[ () ] الصلة لابن الأبّار (مخطوطة الأزهر) 3/ ورقة 101، ووفيات
الأعيان 3/ 234- 236، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 207 رقم 237، وطبقات
الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 2/ 665، 666 رقم 256، ودول الإسلام 2/
102، ومعرفة القراء الكبار 2/ 573- 575 رقم 531، والعبر 4/ 273، 274،
وسير أعلام النبلاء 21/ 261- 264 رقم 136، والإعلام بوفيات الأعلام
243، والوفيات لابن قنفذ 296 رقم 589، (وفيه وفاته سنة 589 هـ.) ، ونكت
الهميان 228، 229، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 297 (7/ 270) ،
والبداية والنهاية 13/ 10، ومرآة الجنان 3/ 467، 468، وطبقات الشافعية
لابن قاضي شهبة 2/ 368، 369 رقم 336، وغاية النهاية 2/ 20- 23، ومفتاح
السعادة 1/ 387، والنجوم الزاهرة 6/ 136، ونفح الطيب 1/ 339، والعقد
المذهب لابن الملقّن (مخطوط) ورقة 159، وعقد الجمان للعيني (مخطوط) 17/
ورقة 195، وحسن المحاضرة 1/ 236، وبغية الوعاة 2/ 260، وكشف الظنون
646، 647، وشذرات الذهب 4/ 301- 303، وتاريخ الخميس 2/ 409، وتاريخ
الخلفاء 457، وديوان الإسلام 3/ 156 رقم 1258، وهدية العارفين 1/ 828،
والأعلام 5/ 180 (6/ 14) ، ومعجم المؤلفين 8/ 110.
[1] ج 2/ 665، 666.
(41/384)
العربيّة. وقصيدتاه فِي القراءات والرسم
ممّا يدلّ عَلَى تبحّره. وَقَدْ سار بهما الركبان، وخضع لهما فحولُ
الشّعراء، وحُذَّاق القرّاء، وأعيان البُلغاء. ولقد سهّل بهما الصَّعْب
من تحصيل الفنّ، وحفظهما خلْق كثير.
وَقَدْ قرأتهما عَلَى أصحاب أصحابه.
وكان إماما قُدْوة، زاهدا، عابدا، قانتا، منقبضا، مَهِيبًا، كبير
الشّأن.
استوطن القاهرة، وتصدَّر للإقراء بالمدرسة الفاضليَّة، وانتفع بِهِ
الخلْق.
وكان يتوقّد ذكاء.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن خيرة ووصفه من قوّة الحِفْظ بأمرٍ
معجب.
وروى عَنْهُ أيضا: أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يَحْيَى الجنجاليّ،
وأَبُو بَكْر بْن وضّاح، وأبو الحسن علي بن هبة الله بن الْجُمَّيْزيّ،
وأبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن عَبْد الوارث المعروف بابن فار اللّبن،
وَهُوَ آخر من رَوَى عَنْهُ.
وقرأ عليه القراءات: أَبُو موسى عيسى بْن يوسف بْن إِسْمَاعِيل
المقدِسي، وأَبُو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد الشّافعيّ، وأَبُو
الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد السَّخَاويّ، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد
بْن عُمَر القُرْطُبيّ، والزّين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد
الْمُقْرِئ الكرديّ، والسّديد أَبُو القاسم عِيسَى بْن مكّيّ العامريّ،
والكمال عَلِيّ بْن شجاع الْعَبَّاسيّ، الضّرير، وآخرون.
فحكى الْإِمَام أَبُو شامة [1] أنّ أَبَا الْحَسَن السَّخَاويّ أخبره
أنّ سبب انتقال الشّاطبيّ من شاطبة إِلَى مصر، أَنَّهُ أُريد عَلَى أن
يولّى الخطابة بشاطبة، فاحتجّ بأنّه قَدْ وجب عليه الحجّ، وأنّه عازمٌ
عليه، وتركها ولم يعدُ إليها تورّعا، لما كانوا يُلزمون بِهِ الخُطباء
من ذِكرهم عَلَى المنابر بأوصافٍ لَمْ يرها سائغة شرْعًا، وصَبَر عَلَى
فَقْرٍ شديد.
وسَمِع بالثّغر [2] منَ السِّلَفيّ، ثُمّ قدِم القاهرة، فطلبه القاضي
الفاضل
__________
[1] في ذيل الروضتين 7.
[2] أي بالإسكندرية.
(41/385)
للإقراء بمدرسته، فأجاب بعد شروطٍ اشترطها.
وَقَدْ زار البيت المقدس قبل موته بثلاثة أعوام، وصام بِهِ شهر رمضان.
قَالَ السَّخَاويّ: أقطعُ بأنّه كَانَ مكاشَفًا، وأنّه سَأَلَ اللَّه
تَعَالَى كفاف حاله، ما كَانَ أحدٌ يعلم أَيّ شيءٍ هُوَ.
قَالَ الأَبّار فِي «تاريخه» [1] : تصدّر للإقراء بمصر، فعظُم شأنه،
وبَعُدَ صِيته، وانتهت إِلَيْهِ الرئاسة فِي الإقراء. ثُمّ قَالَ:
وقفتُ عَلَى نسخةٍ من إجازته، حدَّث فيها بالقراءات عَنِ ابن
اللَّايُهْ، عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد. ولم يحدِّث عَنِ ابن
هُذَيْل.
قَالَ: وتُوُفّي بمصر فِي الثّامن والعشرين من جُمادى الآخرة [2] .
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ الْيُونَيْنِيِّ [3] ببعلبكّ: أخبرك
أبو الحسن بن الجمّيزيّ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ الرُّعَيْنِيُّ، أَنَا
ابْنَ هُذَيْلٍ، أَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ نَجَاحٍ، أَنَا
أَبُو عمر ابن عَبْدِ الْبَرِّ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ: ثنا
قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، نا يَحْيَى بْنُ
يَحْيَى، ثنا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي
عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي
الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لا
نُنَازِعَ الأَمْرَ أهله، وأن نقول بالحقّ حيث ما كنّا، لَا نَخَافُ
فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [4] .
ومن شِعره:
قلْ للأميرِ نصيحة ... لا تركننّ إلى فقيه
__________
[1] تكملة الصلة 3/ ورقة 101.
[2] وقال ابن قنفذ: صاحب «حرز الأماني» وغيره. وكان يحفظ وقر بعير من
الكتب، وكان إذا سئل عن مسألة في غير علم القراءة يقول: ليس للعميان
إلا حفظ القرآن. (الوفيات 296) .
[3] اليونيني: بضم الياء وسكون الواو، ونون مكسورة. نسبة إلى يونين:
بلدة قريبة من مدينة بعلبكّ.
[4] في الفتن 8/ 88، والأحكام 8/ 122، ومسلم في الإمارة، باب وجوب طاعة
الأمراء في غير معصية (41) والنسائي 7/ 139 باب البيعة على القول
بالحق، وأحمد في المسند 2/ 381 و 3/ 441 و 5/ 314 و 316 و 319 و 321 و
6/ 403.
(41/386)
إنّ الفقيه إذا أتى ... أبوابَكُم لا خيرَ
فيهِ
400- قيترمش المستنجديّ.
أبو سَعِيد. أحد الأمراء الكبار.
وُلّي شِحنكيَّة بغداد فهذَّبها وقمع المفسدين. ثمّ أعطي دقوقا، فمرض
بها، فجيء بِهِ إِلَى بغداد، فمات بظاهرها. فكتم أصحابه موتَه وأدخلوه،
ثُمّ أشاعوا موته، وحضره الأمراء وأربابُ الدّولة.
وولّي شِحنكيَّة بغداد خمس عشرة سنة.
- حرف الميم-
401- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن
سَعِيد [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه بْن عروس الغَرْناطيّ، السُّلَميّ.
سمع من: أبي الحسن بن الباذش، وأبي عَبْد اللَّه الموالِشِيّ، وأبي
بَكْر بْن الخلوف وقرأ عليه القراءات.
وسَمِع من: أَبِي بَكْر بْن العربيّ أيضا.
وتصدّر للإقراء ببلده، وإسماع الْحَدِيث. وولّي الخطابة.
وكان من أَهْل التّجويد، والثّقة، والضّبط، والصّلاح.
أَخَذَ النّاس عَنْهُ كثيرا.
وتُوُفّي فِي منتصف رجب.
وكان مولده فِي سنة تسع [2] وخمسمائة أَوْ فِي حدودها.
402- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حامد.
أَبُو البركات ابْن الصّائغ الحربيّ العامل.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار،
وغاية النهاية 2/ 81 رقم 2781.
[2] في غاية النهاية: ذكره الأبّار وأثنى عليه وقال: ولد سنة سبع
وخمسمائة، وقيل سنة اثنتي عشرة.
(41/387)
سَمِع بإفادة مؤدّبه أَبِي البقاء مُحَمَّد
بْن طَبَرْزَد من: عَلِيّ بْن طِراد، وأبي مَنْصُور بْن خيرون، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن طَلْحة، وغيرها.
ومات فِي شوّال.
403- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو عَبْد الله الأصبهانيّ، الجورتانيّ، الحمّاميّ، الأديب، المعروف
بالمُصْلح.
وُلِد فِي سنة خمسمائة.
وسَمِع من: أَبِي عليّ الحدّاد، وأبي نَهْشَل عَبْد الصَّمد بْن
أَحْمَد العَنْبريّ، وسعيد بْن أَبِي الرجاء الصَّيْرفيّ،
وَغَيْرُهُمْ.
وحجّ سنة تسعٍ وستّين، فحدّث ببغداد، وأخذ عَنْهُ عُمَر بْن عَلِيّ
الْقُرَشِيّ، والكبار، وعاد إِلَى أصبهان، وبقي إِلَى هَذَا الوقت.
تُوُفّي فِي حادي عشر ربيع الآخر.
وكان فقيها حنْبليًا، أديبا، ذا زُهْد وعبادة، يختم كُلّ يومٍ ختمة.
404- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن خَلَف [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه بْن الفخّار الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، المالقيّ،
الحافظ.
سَمِع: أبا بكر بن المَعَافِرِي، ولزِمه واختصّ بِهِ، وأبا جَعْفَر
البطْرُوجيّ،
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن علي) في: معجم البلدان 2/ 180، والتكملة
لوفيات النقلة 1/ 204، رقم 230، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي
1870) ورقة 13، 14، والمختصر المحتاج إليه 1/ 14، وتذكرة الحفاظ 4/
1356، والوافي بالوفيات 2/ 108، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 380،
381، وذيل التقييد للفاسي 1/ 58 رقم 48، وشذرات الذهب 4/ 304.
وقد تقدّمت ترجمة ابنه «أحمد» برقم (375) .
[2] انظر عن (محمد بن إبراهيم بن خلف) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/
547، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 209، 210 رقم 242، والعبر 4/ 274،
وتذكرة الحفاظ 4/ 1355، 1356، ومرآة الجنان 3/ 469، وطبقات النحاة لابن
قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 2، وشذرات الذهب 4/ 303.
(41/388)
وأبا عَبْد اللَّه بْن الأحمر، وأبا
الْحَسَن شريحا، وأبا مَرْوَان بْن مَسَرَّة، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد
بْن عَبْد الرَّحْمَن الْقُرَشِيّ، وجماعة.
قَالَ أَبُو عبد اللَّه الأَبّار [1] : كَانَ صدرا فِي الحِفْظ،
مقدَّمًا، معروفا، يسردُ المُتُون والأسانيد، مَعَ معرفةٍ بالرجال،
وذِكْرٍ للغريب. سَمِع منه جِلة. وحدَّث عَنْهُ أئمّة.
وسَمِعْتُ أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه يَقُولُ عَنْهُ: إنَّه
حفظ فِي شبيبته «سُنن» أَبِي دَاوُد السّجِسْتانيّ. وأمّا فِي مدّة
لقائي إيّاه، فكان يذكر «صحيح مُسْلِم» ، أَوْ أكثره.
قَالَ الأَبّار: وذُكِر أَبُو جَعْفَر بْن عُمَيْرة أَنَّهُ كَانَ يحفظ
«صحيح مُسْلِم» ، وكان موصوفا بالوَرَع والفضل، مسلَّمًا لَهُ فِي
جلالة القدْر، ومتانة العدالة، استُدْعي إِلَى حضرة السّلطان
بمَرّاكُش، ليسمع عليه بها، فتوفّي هناك فِي شعبان.
قُلْتُ: وولد سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
405- مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن زُرْقان [2] .
الفقيه أبو عَبْد اللَّه الشّافعيّ. تلميذ أَبِي الْحَسَن بْن الخَلّ.
وَقَدْ أعاد لأبي طَالِب الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك الكَرْخيّ. وشهد
عِنْد قاضي القضاء أبي طالب عليّ بن البخاريّ، وناب عنه في القضاء.
وسَمِع من: أَبِي الوقت، وغيره.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه بنواحي خلاط فِي هَذِهِ السّنة تقريبا.
406- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن عبد الرحيم [3] .
__________
[1] في تكملة الصلة 2/ 547.
[2] انظر عن (محمد بن الحسن) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 215 رقم
256، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي 1870) ورقة 31، 32، والمختصر
المحتاج إليه 1/ 35، 36، والمشتبه في الرجال 1/ 108، وطبقات الشافعية
لابن كثير (مخطوط) ورقة 142 ب، والعقد المذهب لابن الملقّن (مخطوط)
ورقة 160، وتوضيح المشتبه 4/ 290.
[3] انظر عن (محمد بن عبد الله المراغي) في: التكملة لوفيات النقلة 1/
215 رقم 255، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي 1870) ورقة 54، وذيل
تاريخ مدينة السلام بغداد، له
(41/389)
صدر الدّين أَبُو بَكْر المَرَاغيّ قاضي
مَرَاغة.
كَانَ من أعيان أَهْل بلده فضلا وتقدُّمًا.
قدِم بغداد، وسَمِع بِهَا من: أَبِي البركات إِسْمَاعِيل بْن أَبِي
سَعْد النَّيْسابوريّ، وغيره.
ثُمّ قدِم بغداد سنة سبعٍ وسبعين حاجّا. وكان كثير المال والجاه
والحشمة. وَلَهُ آثار حَسَنة منَ البرّ، لكنّه كَانَ يلبس الحرير
والذَّهب، اللَّه يسامحه المسكين.
تُوُفّي بمَرَاغَة، ونقِل إِلَى مدينة الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدفِن برباطٍ أنشأه بها.
407- مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زاهر.
أَبُو عَبْد اللَّه البَلَنْسيّ، الخطيب.
قرأ القراءات عَلَى ابن هُذَيْل، وسَمِع منه، ومنَ ابن النّعمة.
وكان من أَهْل الصّلاح الكامل، والورع التّام.
أقرأ القرآن طولَ عمره. وسَمِع منه: ابنه أَبُو حامد مُحَمَّد، وغيره.
وتُوُفّي فِي ربيع الأوّل عَنْ ثلاثٍ وستّين سنة.
408- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الحُسين بْن عَلِيّ بْن نصر بْن
أحمد بْن محمد بْن جعفر [1] .
أبو الفتح، وأبو عَبْد اللَّه البرمكيّ، الهَرَويّ، الحنبليّ.
ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة.
وسَمِع بَهَمَذَان من: أَبِي الوقت عَبْد الأوّل، وأبي الفضل أَحْمَد
بْن سَعْد، وأبي المحاسن هبة الله بن أحمد بن السّمّاك.
__________
[ () ] 2/ 19 رقم 223، والمختصر المحتاج إليه 1/ 58، وتاريخ ابن الفرات
ج 4 ق 2/ 103.
[1] انظر عن (مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن) في: معجم
البلدان 1/ 282، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 213، 214 رقم 253، وتاريخ
ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي 1870) ورقة 55، والمختصر المحتاج إليه 1/
60، 61، والذيل على طبقات الحنابلة 1/ 381، 382، والعقد الثمين للفاسي
2/ 52، وشذرات الذهب 4/ 304، 305.
(41/390)
وببغداد من: أبي المعالي مُحَمَّد بْن
مُحَمَّد بْن اللّحّاس، وابن البَطّيّ، وخلق.
وبالثَّغْر منَ السِّلَفيّ.
وأَمَّ بالحنابلة بالحَرَم مدّة.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الثّناء حامد بْن أَحْمَد الأرتاحيّ، وغيره.
وتُوُفّي بمكّة فِي حدود سنة تسعين.
409- مُحَمَّد بن عبد الملك [1] بن بونه [2] بن سعيد.
أَبُو عَبْد اللَّه العَبْدَريّ، المالقيّ، نزيل غرناطة. ويعرف بابن
البيطار.
ولد سنة ستّ وخمسمائة.
وسَمِع: أَبَاه، وأبا مُحَمَّد بْن عتّاب، وغالب بْن عطيّة، وأبا بحر
بْن العاص، وأبا الْوَلِيد بْن طريف.
وَهُوَ آخر من رَوَى بالإجازة عَنْ أَبِي عَلِيّ بْن سُكَّرَة
الصَّدَفيّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم الملّاحيّ، وآخرون.
وتُوُفّي فِي جُمادى الأولى، ذكره الأَبّار. وكان أسند مَنْ بَقِيّ.
410- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن شعيب [3] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الملك) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، والعبر
4/ 274، وتوضيح المشتبه 1/ 670، والعسجد المسبوك 2/ 230 وفيه قال
محقّقه بالحاشية رقم (40) : «لم يترجم له ابن الأثير، ولم نعثر على
ترجمة لهذا الاسم فيما تيسّر لنا من مصادر» !.
[2] بونه: بضم النون. كما قال المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في المشتبه
1/ 104 حيث ذكر أباه «عبد الملك بن بونه» ، لكنه قال: يروي عنه ابن
دحية.
أقول: تابعه ابن ناصر الدين في ضمّ «بونه» ، وقال: الهاء من بونه
ساكنة.
وعلّق على قول المؤلّف «يروي عنه ابن دحية» فقال: إنما شيخ ابن دحية
أبو محمد عَبْد الحقّ بْن عَبْد الملك بْن بُونُهْ القرشي العبدري، قرأ
عليه صحيح مسلم، بسماعه من أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتّاب، وقرأ
عليه أيضا «صحيح» أبي جعفر العقيلي. إلخ. (توضيح المشتبه 1/ 670) .
[3] انظر عن (محمد بن علي بن شعيب) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 214،
215 رقم 254، وإنباه الرواة 3/ 193، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 2386،
ووفيات الأعيان، رقم 655، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 134، 135
رقم 366، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة (مخطوط) ورقة 51 و 233، والعبر
4/ 274، 275، والتلخيص لابن مكتوم
(41/391)
فخر الدّين أَبُو شجاع بْن الدّهّان
الْبَغْدَادِيّ، الفرضيّ، الأديب، الحاسب.
خرج من بغداد، وجال فِي الجزيرة، والشّام، ومصر، وسكن دمشق مدّة.
وهو أوّل من وضع الفرائض عَلَى شكل المِنْبر، وجمع تاريخا جيّدا، وصنّف
«غريب الْحَدِيث» فِي عدّة مجلّدات.
وكانت لَهُ يدٌ طُولى فِي النّجوم، وحلّ الزَّيْج، نسأل اللَّه
العافية.
وَلَهُ أبيات فِي التّاج الكِنْديّ.
تُوُفّي فجأة بالحِلة السَّيْفيَّة فِي صَفَر.
روى عنه أبو الفتوح محمد بن علي الْجَلاجليّ شيئا من شِعره. وَقَدْ مدح
ملوكا وأمراء. وكان من أذكياء بني آدم.
411- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سَعْد اللَّه بْن القلّاس [1] .
الْبَغْدَادِيّ، الكَرْخيّ، الشّاعر المعروف بابن مَلاوي، ويُلقّب
قَوْس النّدف.
مدح الخلفاء والوزراء، وعاش دهرا وَلَهُ مدائح فِي المستنجد باللَّه،
وَفِي ابن هُبَيْرة. وكان مستثقل الجملة.
ذكره صاحب «خريدة القصر» ، وابن النّجّار، وأوردا من شِعره.
412- مُحَمَّد بْن الفقيه أَبِي جَعْفَر هبة اللَّه بْن يحيى بن
البوقيّ [2] .
__________
[ () ] (مخطوط) ورقة 225، 226، ومرآة الجنان 3/ 468، والوافي بالوفيات
3/ 164، 165، وفوات الوفيات 2/ 483، والعقد المذهب لابن الملقّن
(مخطوط) ورقة 168، 169، والعسجد المسبوك 2/ 230، وطبقات النحاة لابن
قاضي شهبة (مخطوط) ورقة 44، 45، والنجوم الزاهرة 6/ 136- 139، وبغية
الوعاة 1/ 180، 181، وكشف الظنون 378، وشذرات الذهب 4/ 304، وهدية
العارفين 2/ 121، 122، ومعجم المؤلفين 11/ 29.
[1] انظر عن (محمد بن محمد) في: خريدة القصر (قسم شعراء العراق) ج 3،
والوافي بالوفيات 1/ 151 رقم 66.
[2] انظر عن (محمد بن هبة الله) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 210 رقم
243، وتاريخ ابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 157، والمختصر المحتاج إليه
1/ 156، والوافي بالوفيات 5/ 155 رقم 782، وتوضيح المشتبه 1/ 465.
و «البوقي» : بضم الباء الموحّدة وسكون الواو وبعدها قاف نسبة إلى بوقة
وهي بالقرب من أنطاكية.
(41/392)
الفقيه أَبُو العلا الواسطيّ، المعدَّل،
كاتب الإنشاءات فِي ديوان المجلس، عَنِ الوزير أَبِي جَعْفَر بْن
البلدي. ثُمّ عاد إِلَى واسط بعد هلال أَبِي جَعْفَر [1] .
تُوُفّي فِي ثاني عشر رمضان.
413- الْمُبَارَك بْن أَبِي سَعْد عَلِيّ بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد
بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيّ [2] .
أَبُو القاسم الكتّانيّ، الواسطيّ.
وُلِد سنة سبع وخمسمائة. وقرأ القرآن عَلَى عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن
شيران وسَمِع منه، ومن: أَبِي عليّ الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ،
وَأَبِي الْحَسَن عَلِيِّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السّلام،
والجلّابيّ.
وسَمِع ببغداد من: أَبِي القاسم بْن السَّمَرْقَنْدِيّ، وغيره.
وحدَّث بواسط.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن الدُّبِيثيّ، وغيره.
وتُوُفّي رحِمَه اللَّه فِي ربيع الأوّل [3] .
414- محمود بْن أَبِي نصر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن [4] .
الأديب، أَبُو الفتح الفَرُوخيّ، الأَوَانيّ، الكاتب.
وُلِد سنة ثلاثٍ وعشرين وخمسمائة.
لَهُ النَّظْم والنَّثْر.
حدَّث بشيءٍ من شِعره.
وأَوَانا عَلَى يومٍ من بغداد، وهي قرية كبليدة.
__________
[1] وكان والده إماما في الفقه والزهد، وأبو العلاء هذا كانت له معرفة
تامة بالفقه والخلاف والفرائض والحساب، وله فيه مصنّفات، قدم بغداد
وسكنها مدّة، وتكلّم مع الفقهاء في مسائل الخلاف، وناب فِي ديوان
المجلس عَنِ الوزير أَبِي جَعْفَر ابن البلدي في أيام المستنجد، وسمع
الحديث بواسط.
[2] انظر عن (المبارك بن أبي سعد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 173 رقم
1141، والتكملة لوفيات النقلة 1/ 203 رقم 228.
[3] وله ثلاث وثمانون سنة.
[4] انظر عن (محمود بن أبي نصر) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 208، 209
رقم 239.
(41/393)
415- مُفَوَّز بْن طاهر بْن حَيدرة بْن
مُفَوَّز.
القاضي أَبُو بَكْر الشّاطبيّ، قاضي شاطبة.
سَمِع: أباه، وأبا الوليد بن الدّبّاغ، وأبا عامر بْن حبيب.
وأخذ القراءات عَنْ: أَبِي الحسن بن أبي العيش، وابن أبي العاص
النَّفريّ.
وتفقّه بأبي مُحَمَّد بْن عاشر، وغيره.
وأجاز لَهُ السِّلَفيّ.
وكان فصيحا، فاضلا، حَسَن السَّمْت.
مات فِي شعبان عَنْ ثلاثٍ وسبعين سنة.
416- مكيّ بْن الْإِمَام أَبِي الطّاهر إِسْمَاعِيل بْن عَوْف [1] .
الزُّهْرِيّ، الفقيه، الزَّاهد، أَبُو الحَرَم، ابن شيخ المالكيّة
بالإسكندريّة.
وُلِد سنة تسع عشرة وخمسمائة.
وروى بالإجازة عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه الفُرَاوِيّ، وأبي الْحَسَن
عَبْد الغافر الفارسيّ، وذُكِر أنّ أَبَا بَكْر الطُّرْطُوشيّ أجاز
لَهُ.
تُوُفّي فِي شعبان.
- حرف النون-
417- نصر بْن يَحْيَى [2] بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن حُمَيْلَة
[3] .
أَبُو السُّعْود الْبَغْدَادِيّ، الحربيّ، المعروف بابن الشنّاء.
وُلِد سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وسمع من: هبة الله بن الحصين، وأبي الْحَسَن مُحَمَّد بْن القاضي أَبِي
يَعْلَى، وأبي بكر القاضي، وجماعة.
__________
[1] انظر عن (مكي بن إسماعيل) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 209 رقم
240.
[2] انظر عن (نصر بن يحيى) في: التقييد 466 رقم 627، والمختصر المحتاج
إليه 3/ 214 رقم 1260، والمشتبه في الرجال 1/ 7117 والتكملة لوفيات
النقلة 2081 رقم 238، وذيل تاريخ بغداد للدبيثي 15/ 376، وتوضيح
المشتبه 2/ 449.
[3] حميلة: بالحاء المهملة المضمومة، وفتح الميم، وسكون الياء. وقد
تحرّفت في المختصر إلى «خميلة» بالخاء المعجمة.
(41/394)
وحدَّث.
رَوَى عَنْهُ: يوسف بْن خليل، وأحمد بْن أَبِي شريك.
وتوفّي فِي رجب.
وسَمِع منه: مبارك بْن مَسْعُود الرصافيّ «مُسْند» أحمد بْن حنبل.
- حرف الواو-
418- الْوَلِيد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن جَهْوَر [1] .
أَبُو مُحَمَّد القُرْطُبيّ.
كبير الشّهود المعدّلين بقُرْطُبة. كَانَ فاضلا متواضعا عَلَى منهاج
السّلف.
سَمِع من: أَبِي مَرْوَان بْن مَسَرَّة، وَأَبِي بَكْر بْن سمجون.
وعاش قريبا من ثمانين سنة، رحِمَه اللَّه.
- حرف الياء-
419- يَحْيَى بْن عَبْد الجبّار بْن يَحْيَى بْن يوسف [2] .
أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، المالقيّ، المعروف بالأبّار.
قاضي مالقة.
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار فِي «تاريخه» فَقَالَ: كَانَ جزلا
فِي أحكامه، مَهِيبًا، ورِعًا، فقيها، بصيرا بالشُّروط.
سَمِع: أبا عَبْد اللَّه بْن الأصبغ، وأبا جَعْفَر بْن عَبْد
الْعَزِيز، وأبا عَبْد اللَّه بْن نجاح الذّهبيّ بقُرْطُبة.
ورحل إِلَى إشبيلية فسمع «صحيح» الْبُخَارِيّ من أَبِي الْحَسَن
شُرَيْح.
وسَمِع من: أَبِي بَكْر بْن العربيّ.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو سليمان بْن حَوْط اللَّه، وأَبُو يَحْيَى بن هانئ،
وغيرهما.
__________
[1] انظر عن (الوليد بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبار 2/ 254.
[2] انظر عن (يحيى بن عبد الجبار) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/
456.
(41/395)
وتوفّي سنة تسعين فِي ذِي الحجَّة، وَلَهُ
خمسٌ وثمانون سنة.
420- يَحْيَى بْن مَنْصُور بْن أَبِي القاسم [1] .
أَبُو زكريّا البَجَّائيّ، المالكيّ، الزَّاهد.
حكى عَنْهُ الزَّاهد أَبُو النُّور عَبْد النّور بْن عَلِيّ
التَّمِيمِيّ.
[مواليد السنة] وفيها وُلِد: السّيف يحيى بن النّاصح ابن الحنبليّ،
والشّرف سُلَيْمَان بْن بيمان الإربليّ الشّاعر.
والشّرف مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن البكريّ، ومُحَمَّد بْن مرتضى بْن
أَبِي الجود، والصّفيّ خليل المراغيّ، والجمال ابن شعيب التَّمِيمِيّ،
وقاضي نابلس نجم الدّين مُحَمَّد بن سالم الْقُرَشِيّ، وعبد الْعَزِيز
بْن إِسْمَاعِيل بْن مَسْلَمَةَ الدّمشقيّ.
__________
[1] انظر عن (يحيى بن منصور) في: التكملة لوفيات النقلة 1/ 216 رقم
258.
(41/396)
وممن كَانَ فِي هَذَا الوقت ولم تتصل بِي
وفاته
- حرف الألف-
421- أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أحمد [1] .
الأنصاريّ، أبو العبّاس ابن الفقيه السَّرَقُسْطيّ. نزيل الإسكندريّة.
سَمِع: الكَرُوخيّ، وابن ناصر، وجماعة.
وحدَّث باليسير عَنْ: أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الدَّانيّ ابن
الفرس.
وَلَهُ شعر جيّد.
حدّث عنه: أبو الحجّاج ابن الشَّيْخ، وعَلِيّ بْن الفضل الحافظ، وأَبُو
بَكْر بْن عَلِيّ الإشبيليّ.
وكأَنَّه تُوُفّي بعد الثّمانين.
422- إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن هلال بْن
المحسّن [2] .
أَبُو نصر بْن الصّابيء، الكاتب الْبَغْدَادِيّ.
من بيت كتابة، وبلاغة، وترسُّل.
كَانَ شيخا حَسَنًا.
قَالَ ابن الدُّبِيثيّ: تُوُفّي بعد الثّمانين.
- حرف الحاء-
423- الْحَسَن بْن مَنْصُور بن محمود [3] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 125،
والذيل والتكملة لابن عبد الملك 1/ 293، 294 رقم 377.
[2] انظر عن (إسحاق بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[3] انظر عن (الحسن بن منصور) في: تاج التراجم لابن قطلوبغا 22، ومفتاح
السعادة
(41/397)
الْبُخَارِيّ، الحنفيّ، العلّامة، شيخ
الحنفيّة، قاضي خان الأُوزْجَنْدِيّ [1] ، صاحب التّصانيف.
رَأَيْت مجلّدا من أماليه فِي سنة سبْعٍ، وسنة ثمانٍ، وسنة تسعٍ
وثمانين وخمسمائة.
وسَمِع كثيرا منَ الْإِمَام ظهير الدّين حسن بْن عَلِيّ بْن عَبْد
الْعَزِيز، وإبراهيم بْن إِسْمَاعِيل الصّفّاريّ.
رَوَى عَنْهُ: العلّامة جمال الدّين محمود بْن أَحْمَد بْن عَبْد
السّيّد الحصيريّ تلميذه [2] .
- حرف الشين-
424- شعيب بن الحسين [3] .
__________
[ () ] 2/ 278، والجواهر المضيّة 2/ 93، 94 رقم 485، وكتائب أعلام
الأخيار، رقم 381، والطبقات السنية رقم 735، وكشف الظنون 1/ 47، 165،
562، 569، 962 و 2/ 1227، 1456، 1999، وشذرات الذهب 4/ 308، والفوائد
البهية 64، 65، وديوان الإسلام 4/ 8، 9 رقم 1667، وهدية العارفين 1/
280، ومعجم المؤلفين 3/ 297.
[1] الأوزجندي: الأوزكندي، بالضم، والواو والزي ساكنان، نسبة إلى
أوزكند أوزجند بلد بما وراء النهر من نواحي فرغانة. و «كند» بلغة أهل
تلك البلاد معناه القرية، كما يقول أهل الشام: «الكفر» . وهي آخر مدن
فرغانة. (معجم البلدان 1/ 280) .
[2] وهو قال عنه: سيّدنا القاضي الإمام، والأستاذ فخر الملّة، ركن
الإسلام، بقيّة السلف، مفتي الشرق.
وقال ابن أبي ألوفا القرشي: توفي ليلة الإثنين خامس عشر رمضان سنة
اثنتين وتسعين وخمسمائة، ودفن عند القضاة السبعة.
«أقول» : على هذا يقتضي أن تتحوّل هذه الترجمة إلى الطبقة التالية.
ثم قال ابن أبي الوفاء: وله «الفتاوى» أربعة أسفار كبار، و «شرح الجامع
الصغير» في مجلّدين كبار. (الجواهر المضية 2/ 94) .
[3] انظر عن (شعيب بن الحسين) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 2015،
والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 4/ 127، وجذوة الاقتباس
للمكناسي 530، والبستان لابن مريم 108، وعنوان الدراية للغبريني 55،
وسلوة الأنفاس للكتّاني 1/ 346، والتشوّف إلى رجال التصوّف للتادلي
316، والعبر 4/ 475، ومرآة الجنان 3/ 469- 471، وفيه: «شعيب بن الحسن
وقيل: ابن الحسين» ، والوافي بالوفيات 16/ 163 رقم
(41/398)
أَبُو مَدْيَن الأندلسيّ، الزَّاهد، شيخ
أَهْل المغرب رحِمَه [1] اللَّه عليه.
أصله من أعمال إشبيلية من حصن مَنتوجَبْ. جال وساح وسكن بجاية مدّة،
ثُمّ سكن تلمسان. وكان كبير الصّوفيّة والعارفين فِي عصره.
ذكره أَبُو عَبْد اللَّه الأَبّار، ولم يؤرّخ لَهُ موتا وقَالَ: كَانَ
من أهل العمل والاجتهاد، منقطع القرين فِي العبادة والنُّسك.
قَالَ: وتُوُفّي بتلمسان فِي نحو التّسعين وخمسمائة. وكان آخر كلامه:
اللَّه الحيّ. ثُمّ فاضت نفسه.
- حرف العين-
425- عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن خَلَف.
المحاربيّ، الغَرْناطيّ، أَبُو مُحَمَّد.
رَوَى عَنْ: أَبِيهِ، وشُرَيْح، وابن العربيّ.
وعنه: سُلَيْمَان بْن حَوْط.
وتُوُفّي سنة بضْعٍ وثمانين.
426- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن سُفْيَان
[2] .
التُّجَيْبيّ، الشّاطبي، الفقيه، النَّحْويّ، قاضي لُورقَة.
سمع: أبا الوليد بن الدباغ، وابن هذيل، وطبقتهما.
وكان بليغا مفوَّهًا، لَهُ النَّظْم والنَّثْر.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عِيسَى بْن أَبِي السّداد، وأبو الربيع بن سالم.
__________
[ () ] 190، وشذرات الذهب 4/ 303، والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 170،
ونفح الطيب 7/ 136، وتعريف الخلف للحفناوي 2/ 172، وشجرة النور الزكية
1/ 164.
وقد وضع ابن قنفذ كتابا خاصّا بشعيب بن الحسين وأصحابه سمّاه: «أنس
الفقير وعزّ الحقير» . طبعة الرباط 1965.
[1] في الأصل: «رحمت» .
[2] تقدّم في وفيات سنة 590 هـ. برقم (386) .
(41/399)
بقي إلى حدود التّسعين وخمسمائة.
427- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ وهب [1] .
القضاعيّ، المؤدّب، أَبُو مُحَمَّد الإشبيليّ، نزيل سبتة.
أخذ عن: أَبِي الْحَسَن شُرَيْح، وعَمْرو بْن بطّال.
وكان عارفا بالقراءات والنَّحْو، جيّد التفهُّم.
أَخَذَ عَنْهُ: أَبُو الْعَبَّاس العزفيّ والد صاحب سَبْتَه.
428- عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى بْن الْحُسَيْن [2] .
أَبُو القاسم الأُمَويّ، الإشبيليّ، الزَّاهد.
رَوَى عَنْ: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي القاسم الهَوْزنيّ،
وشُرَيْح، وجماعة.
ونزل بجاية منَ المغرب، وألّف «الجمع بَيْنَ الصّحيحين» وأتى فِيهِ
بالأسانيد.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو ذرّ الخشنيّ، وغيره.
وبالإجازة أَبُو عليّ الشّلوبينيّ.
قَالَ الأَبّار: كَانَ مقرئا، محدّثا، زاهدا، ورِعًا.
توفّي بعد الثّمانين وخمسمائة.
429- عَلِيّ بْن مسافر [3] .
الحلّيّ، الشّيعيّ. عالم الشّيعة وفقيههم بالحلَّة.
رحلت إِلَيْهِ الرّوافض منَ النّواحي للأخذ عنه.
وروى عن: العماد أبي جعفر الطّبريّ، وغيره.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن محمد بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن يحيى) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، ولم
يذكره «كحّالة» في معجم المؤلفين، مع أنه من شرطه.
[3] لم يذكره محسن الأمين في (أعيان الشيعة) ، ولا آغا بزرك الطهراني
في (طبقات أعلام الشيعة) ، وأرجّح أن المؤلّف- رحمه الله- نقل الترجمة
عن كتاب (رجال الشيعة) لابن أبي طيِّئ وهو مفقود.
(41/400)
وهلك بعد الثّمانين.
430- عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم [1] .
الفِهْريّ، أَبُو الْحَسَن البَلَنْسيّ، الْمُقْرِئ.
أَخَذَ القراءات عَنِ ابن هُذَيْل.
وروى عَنْ: أَبِي الْوَلِيد بْن الدّبّاغ، وطبقته.
وكان صالحا متقطعا عَنِ النّاس.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الربيع بن سالم، وقال: توفي في حدود التّسعين
وخمسمائة.
431- عَلِيّ بْن عَبْد الكريم بْن أَبِي العلاء [2] .
أَبُو الكَرَم العَطَّار، الْعَبَّاسيّ، الهَمَذَانيّ، مُسْنِد
هَمَذَان فِي وقته.
كَانَ بها فِي سنة خمسٍ وثمانين وخمسمائة فِي قيد الحياة، فحدّث عَنْ:
فنْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الشَّعْرانيّ، وأبي غالب أَحْمَد بْن
مُحَمَّد العدل صاحب ابن شبابة، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ عَلِيّ بْن إسْفَهْسِلار الرَّازيّ، والشّمس أَحْمَد بْن
عَبْد الواحد الْبُخَارِيّ، والحافظ عَبْد القادر الرّهاويّ، وغيرهم.
وسماعاته بعد الخمسمائة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُنَادِي، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْوَاحِدِ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ
بِقِرَاءَتِي، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدْلُ سَنَةَ سِتٍّ
وَخَمْسِمَائَةٍ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
شَبَابَةَ: ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ
بْنِ عُبَيْدٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا أَبُو
الْيَمَانِ، ثنا عُفَيْرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ [3] بْنِ عَامِرٍ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ» . عُفَيْرٌ هُوَ ابْنُ
معدان، كنيته: أبو عائذ، ضعيف [4] .
__________
[1] انظر عن (علي بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار. وقد تقدم
برقم (351)
[2] انظر عن (علي بن عبد الكريم) في: العبر 4/ 275.
[3] في ميزان الاعتدال 3/ 83 «سليم» .
[4] وقال المؤلّف- رحمه الله- في الميزان: وقال أبو حاتم: يكثر عن
سليم، عن أبي أمامة بما لا
(41/401)
432- عَلِيّ بْن المظفَّر بْن عَبَّاس.
أَبُو الْحَسَن الواسطيّ، الْمُقْرِئ، خطيب شافيا.
قرأ بالرّوايات العَشْر عَلَى أَبِي العزّ القَلانِسِيّ.
وتصدّر للإقراء.
قرأ عليه القراءات: أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن باسُوَيْه، والموفّق
عَلِيّ بْن خطّاب بْن مقلّد الضّرير.
- حرف الميم-
433- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن حزب اللَّه [1] .
الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه بْن النّقّار الفاسيّ.
أَخَذَ عَنْ: أَبِي عَبْد الله بْن الرّمّامة المُتَوَفّي سنة سبْعٍ
وستّين.
وعن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن خليل، وجماعة.
وكان فقيها، محدّثا، زاهدا.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن القطّان الحافظ، وتفقّه بِهِ، وأجاز
بِهِ، وأجاز له في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
- حرف الياء-
434- يزيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [2] .
أَبُو الْوَلِيد المَخْلَدِيّ، البَقَويّ، القُرْطُبيّ، والد أَبِي
القاسم أَحْمَد بْن بَقِيّ.
رَوَى عَنْ: جَدّه أَحْمَد بْن مُحَمَّد، وأبيه، وأبي بَكْر بْن
العربيّ، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي القاسم بْن رضا، وجماعة سواهم.
حدَّث عَنْهُ: ابنه أَبُو القاسم، وأَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه،
وأبو زَيْدٍ القازارنيّ.
__________
[ () ] أصل له.
[1] انظر عن (محمد بن إبراهيم) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] انظر عن (يزيد بن عبد الرحمن) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/
603.
(41/402)
وولّي القضاء ببَسْكرة، بُلَيْدة من بلاد
الزّاب.
قال الأبّار: توفّي بعد الثّمانين وخمسمائة.
435- يوسف بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن جزء [1] .
أَبُو الحَكَم الكلبيّ، الغَرْناطيّ.
رَوَى عَنْ: أبيه أبي بكر، وعمّ أبيه أبي الوليد بن جزء، وأبي الحسن بن
الباذش، والقاضي أبي بكر بن العربيّ، والقاضي عياض، وجماعة.
حدّث عنه: ابنه أبو العبّاس.
وتوفّي في حدود التّسعين.
آخر الطبقة التاسعة والخمسين من تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير
والأعلام للحافظ شمس الدين الذّهبي، ومن خطّه نقلت وقدّمت من الأسماء
وأخّرت على شرطه ما يجب، والحمد للَّه وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
[1] انظر عن (يوسف بن عبد الرحمن) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/
613.
(41/403)
(بفضل الله وعونه، تمّ تحقيق هذه الطبقة من
«تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» لمؤرّخ الإسلام الحافظ شمسُ
الدين مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْن عثمان بن قايماز المعروف بالذهبي-
رحمه الله-، وقد ضبط النص، وحرّره، وصحّحه، وخرّج أحاديثه، وأشعاره،
ووثّق مادّته، وأحال إلى المصادر، وصنع الفهارس، بقدر ما يسّره الله
وفتحه عليه، طالب العلم وخادمه، أفقر العباد، الحاج أبو غازي، الأستاذ
الدكتور «عمر بن عبد السلام بن عبد الله تدمري» ، أستاذ التاريخ
الإسلامي في الجامعة اللبنانية، عضو الهيئة العربية العليا لإعادة
كتابة تاريخ الأمّة في اتحاد المؤرّخين العرب، الطرابلسي مولدا وموطنا،
الحنفيّ مذهبا. وكان الفراغ من كتابة هذه النبذة في مساء الثلاثاء
السابع والعشرين من شهر صفر الخير 1416 هـ. / الموافق للخامس والعشرين
من شهر تموز (يوليو) 1995 م. وذلك في منزله بساحة النجمة من ثغر طرابلس
الشام المحروسة، جعلها الله وديار الإسلام بلدا آمنا مطمئنا بحفظه
وحرزه. والحمد للَّه رب العالمين) .
(41/404)
|