أَرْبَعِينَ رَجُلًا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا،
فَحَدَّثَنِي مَنْ كَانَ فِي قَافِلَةٍ قَالَ: جَاءُونَا
يَقُودُونَ خُيُولَهُمْ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بِلَالٍ فَقَالَ: قَدْ
رَأَيْتُمْ مَا كَانَ يُؤْتَى إِلَيْنَا، وَلَعَلَّنَا لَوْ
صَبَرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَنَا، وَقَدْ أَصَابَتْنَا خَصَاصَةٌ1،
فَتَصَدَّقُوا، إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، قَالَ:
فَجَاءَهُ التُّجَّارُ بِالْبُدَرِ2، فَوَضَعُوهَا بَيْنَ
يَدَيْهِ، فَقَالَ: لَا، إِلَّا دِرْهَمَيْنِ لِكُلِّ رَجُلٍ،
فَلَعَلَّنَا لَا نَأْكُلُهَا حَتَّى نُقْتَلَ، فَأَخَذَ
ثَمَانِينَ دِرْهَمًا لَهُمْ، قَالَ: فَسَارَ إِلَيْهِمْ جُنْدٌ
فَقَتَلُوهُمْ3.
وَقَالَ عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ: كَانَ أَبُو بِلَالٍ صَدِيقًا
لِأَبِي الْعَالِيَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا الْعَالِيَةِ
خُرُوجُهُ، أَتَاهُ فَكَلَّمَهُ فَمَا نَفَعَ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَبُو بِلَالٍ يَلْبَسُ سِلَاحَهُ
فِي اللَّيْلِ، وَيَرْكَبُ فَرَسَهُ، فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى
السَّمَاءِ وَيَقُولُ:
إِنِّي وَزَنْتُ الَّذِي يَبْقَى لِأَعْدِلَهُ ... مَا لَيْسَ
يَبْقَى فَلَا وَاللَّهِ مَا اتَّزَنَا
خَوْفُ الْإِلَهِ وَتَقْوَى اللَّهِ أَخْرَجَنِي ... وَيَبِيعُ
نَفْسِي بِمَا لَيْسَتْ لَهُ ثَمَنَا
وَخَرَجَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ فِي آخِرِ خِلَافَةِ يَزِيدَ،
فَاعْتَرَضَ النَّاسُ، فَانْتَدَبَ لَهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ مَعَ
مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْسٍ الْعَبْشَمِيِّ الْقُرَشِيِّ، فَقُتِلَا
كِلَاهُمَا.
قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي فِي جَيْشِ
ابْنِ عُبَيْسٍ، فَلَقَيْنَاهُمْ بِدُولَابٍ، فَقُتِلَ مِنَّا
خَمْسَةُ أُمَرَاءَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: قُتِلَ فِي الْوَقْعَةِ قُرَّةُ بْنُ إياس
المزني وأبو معاوية، وله صحبة ورواية.
وقال أبو اليقطان: قَتَلَ رَبِيعَةُ السَّلِيطِيُّ مُسْلِمَ بْنَ
عُبَيْسٍ فَارِسَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ
الْأَزْرَقِ رَأَّسَتِ الْخَوَارِجُ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ مَاحُوزٍ، فَسَارَ بِهِمْ إِلَى الْمَدَائِنِ.
وَلَمَّا قُتِلَ مَسْعُودٌ الْمُعَنَّى غَلَبُوا عَلَى
الْأَهْوَازِ وَجَبُوا الْمَالَ، وَأَتَتْهُمُ الْأَمْدَادُ مِنَ
الْيَمَامَةِ وَالْبَحْرَيْنِ، وَخَرَجَ طَوَّافُ بْنُ الْمُعَلَّى
السَّدُوسِيُّ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ، فَخَرَجَ فِي يَوْمِ
عِيدٍ، فَحَكَّمَ أُبَيَّ قَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا عِنْدَ قَصْرِ
أَوْسٍ، فَرَمَاهُ النَّاسُ بِالْحِجَارَةِ، وَقَاتَلَهُ ابْنُ
زِيَادٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قُتِلَ وَتَمَزَّقَ جمعه4.
__________
1 خصاصة: شدة.
2 البدر: أكياس أو صرر الأموال، والبدرة فيها عشرة آلاف.
3 تاريخ خليفة "256".
4 تاريخ خليفة "259".
(5/24)
حوادث سنة أربع
وستين: المتوفون في هذه السنة
تُوُفِّيَ فِيهَا: رَبِيعَةُ الْجُرَشِيُّ فِي ذِي الْحِجَّةِ
بِمَرْجِ رَاهِطٍ1، وَشَقِيقُ بْنُ ثَوْرٍ السَّدُوسِيُّ،
وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ
الْفِهْرِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَمَعْنُ بْنُ يَزِيدَ
السُّلَمِيُّ، وَابْنُهُ ثَوْرٌ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ فِي
آخرها، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَالْوَلِيدُ
بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الأموي، وَالْمُنْذِرُ بْنُ
الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَمُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ، وَمُسْلِمُ
بْنُ عُقْبَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: لَمَّا فَرَغَ مُسْلِمُ بْنُ
عُقْبَةَ الْمُرِّيُّ مِنَ الْحَرَّةِ، تَوَجَّهَ إِلَى مَكَّةَ،
وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ رَوْحَ بْنَ زِنْبَاعٍ
الْجُذَامِيَّ، فَأَدْرَكَ مُسْلِمًا الْمَوْتُ، وَعَهِدَ
بِالْأَمْرِ إِلَى حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرِ، فَقَالَ: انْظُرْ يَا
بَرْذَعَةَ الْحِمَارِ، لَا تُرْعِ سَمْعَكَ قُرَيْشًا، وَلَا
تَرُدَّنَّ أَهْلَ الشَّامِ عَنْ عَدُوِّهِمْ، وَلَا تُقِيمَنَّ
إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى تُنَاجِزَ ابْنَ الزُّبَيْرِ الْفَاسِقَ،
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَعْمَلْ عَمَلًا قَطُّ
بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ قَتْلِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ، وَلَا أَرْجَى عِنْدِي مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ،
فَقَدِمَ حُصَيْنٌ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ بَايَعَهُ
أَهْلُ الْحِجَازِ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،
وَقَدِمَ عَلَيْهِ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ الْحَنَفِيُّ
الْحَرُورِيُّ، فِي أُنَاسٍ مِنَ الْخَوَارِجِ، فَجَرَّدَ أَخَاهُ
الْمُنْذِرَ لِقِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ مِمَّنْ شَاهَدَ
الْحَرَّةَ، ثُمَّ لَحِقَ بِهِ فَقَاتَلَهُمْ سَاعَةً، ثُمَّ دعى
إلى الْمُبَارَزَةِ، فَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَخَرَّ
مَيِّتًا، وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى
قُتِلَ، صَابَرَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى الْقِتَالِ إِلَى
اللَّيْلِ، ثُمَّ حَاصَرُوهُ بِمَكَّةَ شَهْرَ صَفَرَ، وَرَمَوْهُ
بِالْمَنْجَنِيقِ، وَكَانُوا يُوقِدُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ،
فَأَقْبَلَتْ شَرَرَةٌ هَبَّتْ بِهَا الرِّيحُ، فَأَحْرَقَتِ
الْأَسْتَارَ وَخَشَبَ السَّقْفِ، سَقْفُ الْكَعْبَةِ، وَاحْتُرِقَ
قَرْنَا الْكَبْشِ الَّذِي فَدَى اللَّهُ به إِسْمَاعِيلَ، وكانا
فِي السَّقْفِ. قَالَ: فَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ
مَوْتُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَنَادَى بِأَهْلِ الشَّامِ:
إِنَّ طَاغِيَتَكُمْ قَدْ هَلَكَ، فَغَدَوْا يُقَاتِلُونَ، فَقَالَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ لِلْحُصَيْنِ بن نُمَيْرٍ: أُدْنُ مِنِّي
أُحَدِّثُكَ، فَدَنَا، فَحَدَّثَهُ، فَقَالَ: لَا نُقَاتِلُكَ،
فَائْذَنْ لَنَا نَطُفْ بِالْبَيْتِ وَنَنْصَرِفْ، فَفَعَلَ.
وَذَكَرَ عَوَانَةُ بْنُ الْحَكَمِ، أَنَّ الْحُصَيْنَ سَأَلَ
ابْنَ الزُّبَيْرِ مَوْعِدًا بِاللَّيْلِ، فَالْتَقَيَا
بِالْأَبْطَحِ، فَقَالَ لَهُ الْحُصَيْنُ: إِنْ يَكُ هَذَا
الرَّجُلُ قد هلك، فأنت أحق الناس بهذا
__________
1 إحدى أشهر الأماكن في ديار الشام، وكانت عنده مواقع حاسمة.
(5/25)
الأمر، هلم نبايعك، ثم اخرج معي إلى
الشَّامِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وُجُوهُ أَهْلِ الشَّامِ
وَفُرْسَانُهُمْ، فَوَاللَّهِ لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ اثْنَانِ،
وَأَخَذَ الْحُصَيْنُ يُكَلِّمُهُ سِرًّا، وَابْنُ الزُّبَيْرِ
يَجْهَرُ جَهْرًا، وَيَقُولُ: أَفْعَلُ، فَقَالَ الْحُصَيْنُ:
كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ لَكَ رَأْيًا، أَلَا أَرَانِي أُكَلِّمُكَ
سِرًّا وَتُكَلِّمُنِي جَهْرًا، وَأَدْعُوكَ إِلَى الْخِلَافَةِ
وَتَعِدُنِي الْقَتْلَ! ثُمَّ قَامَ وَسَارَ بِجَيْشِهِ، وَنَدِمَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ فَأَرْسَلَ وَرَاءَهُ يَقُولُ: لَسْتُ أَسِيرُ
إِلَى الشَّامِ، إِنِّي أَكْرَهُ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ،
وَلَكِنْ بَايِعُوا لِي الشَّامَ، فَإِنِّي عَادِلٌ عَلَيْكُمْ،
ثُمَّ سَارَ الْحُصَيْنِ، وَقَلَّ عَلَيْهِمُ الْعَلْفُ،
وَاجْتَرَأَ عَلَى جَيْشِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ
الْحِجَازِ، وَجَعَلُوا يَتَخَطَّفُونَهُمْ وَذُلُّوا، وَسَارَ
مَعَهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ1.
وَقَالَ غَيْرُهُ: سَارَ مُسْرِفُ بْنُ عُقْبَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ
مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا صَدَرَ عَنِ الْأَبْوَاءِ هَلَكَ،
وَأَمَّرَ عَلَى جَيْشِهِ حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ الْكِنْدِيَّ،
فَقَالَ: قَدْ دَعَوْتُكَ، وَمَا أَدْرِي أَسْتَخْلِفُكَ عَلَى
الْجَيْشِ، أَوْ أُقَدِّمُكَ فَأَضْرِبُ عُنُقَكَ، قَالَ: أصلحك
اللَّهُ، سَهْمُكَ، فَارْمِ بِهِ حَيْثُ شِئْتَ، قَالَ: إِنَّكَ
أَعْرَابِيٌّ جِلْفٌ جَافٌّ، وَإِنَّ قُرَيْشًا لَمْ يُمَكِّنْهُمْ
رَجُلٌ قَطُّ مِنْ أُذُنِهِ إِلَّا غَلَبُوهُ عَلَى رَأْيِهِ،
فَسِرْ بِهَذَا الْجَيْشِ، فَإِذَا لَقِيتَ الْقَوْمَ فَاحْذَرْ
أَنْ تُمَكِّنَهُمْ مِنْ أُذُنَيْكَ، لَا يَكُونُ إِلَّا
الْوِقَافُ ثُمَّ الثِّقَافُ ثُمَّ الانصراف2.
وفاة يزيد بن معاوية:
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ
أَبِي عَوْنٍ قَالَ: جَاءَ نَعْيُ يَزِيدَ لَيْلًا، وَكَانَ أَهْلُ
الشَّامِ يَرُدُّونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، قال ابن عون: فقمت فِي
مَشْرَبةٍ لَنَا فِي دَارِ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَصِحْتُ
بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا أَهْلَ الشَّامِ، يَا أَهْلَ النِّفَاقِ
وَالشُّؤْمِ، قَدْ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَاتَ
يَزِيدُ، فَصَاحُوا وَسَبُّوا وَانْكَسَرُوا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا
جَاءَ شَابٌّ فَاسْتَأْمَنَ، فَأَمَّنَّاهُ، فَجَاءَ ابْنُ
الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ، وَأَشْيَاخٌ
جُلُوسٌ فِي الْحِجْرِ، وَالْمِسْوَرُ يَمُوتُ فِي الْبَيْتِ،
فَقَالَ الشَّابُّ: إِنَّكُمْ مَعْشَرُ قُرَيْشٍ، إِنَّمَا هَذَا
الْأَمْرُ أَمْرُكُمْ، وَالسُّلْطَانُ لَكُمْ، وَإِنَّمَا
خَرَجْنَا فِي طَاعَةِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، وَقَدْ هَلَكَ، فَإِنْ
رَأَيْتُمْ أَنْ تَأْذَنُوا لَنَا فَنَطُوفُ بِالْبَيْتِ
وَنَنْصَرِفُ إِلَى بِلَادِنَا، حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى رَجُلٍ.
فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَا، وَلَا كَرَامَةَ، فَقَالَ ابْنُ
صَفْوَانَ: لِمَ! بَلَى نَفْعَلُ ذَلِكَ، فَدَخَلَا على المسور
__________
1 خبر ضعيف: فيه انقطاع. وانظر: تاريخ الطبري "5/ 502، 503".
2 تاريخ خليفة "254"، "255".
(5/26)
فَقَالَ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ
مَسَاجِدَ اللَّهِ} [آل عمران: 114] ، الْآيَةَ، قَدْ خَرَّبُوا
بَيْتَ اللَّهِ، وَأَخَافُوا عُوَّادَهُ، فَأَخِفْهُمْ كَمَا
أَخَافُوا عُوَّادَهُ، فَتَرَاجَعُوا، وَغُلِبَ الْمِسْوَرُ
وَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ1.
قُلْتُ: وَكَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ قَدْ أَصَابَهُ مِنْ
حَجَرِ الْمَنْجَنِيقِ شَقَّهُ فِي خَدِّهِ فَهَشَمَ خَدُّهُ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ جَمَاعَةٍ، أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ
دَعَاهُمْ إِلَى نَفْسِهِ، فَبَايَعُوهُ، وَأَبَى عَلَيْهِ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَا: حَتَّى تَجْتَمِعَ لَكَ
الْبِلَادُ وَمَا عِنْدَنَا خِلَافٌ، فَكَاشَرَهُمَا ثُمَّ غَلَظَ
عَلَيْهِمَا سنة سِتَّ وستين2.
البيعة لابن الزبير:
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا بَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ مَوْتُ يَزِيدَ
بَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، لَمَّا خَطَبَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى
نَفْسِهِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ إِنَّمَا يَدْعُو إِلَى الشورى،
فبايعوه في رجب.
البيعة لمعاوية بن يزيد:
وَلَمَّا هَلَكَ يَزِيدُ بُويِعَ بَعْدَهُ ابْنُهُ مُعَاوِيَةُ
بْنُ يَزِيدَ، فَبَقِيَ فِي الْخِلَافَةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا
وَقِيلَ: شَهْرَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ مُتَمَرِّضًا، والضحاك بْنُ
قَيْسٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا احْتُضِرَ قِيلَ لَهُ: أَلَا
تَسْتَخْلِفُ؟ فَأَبى وَقَالَ: مَا أَصَبْتُ مِنْ حَلَاوَتِهَا،
فَلَمْ أَتَحَمَّلْ مَرَارَتَهَا3! وَكَانَ لَمْ يُغَيِّرْ أَحَدًا
مِنْ عُمَّالِ أَبِيهِ.
وَكَانَ شَابًّا صَالِحًا، أبيض جميلًا وَسِيمًا، عَاشَ إِحْدَى
وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَنْبَسَةَ
بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَرَادَتْ بَنُو أُمَيَّةَ عُثْمَانَ
هَذَا عَلَى الْخِلَافَةِ، فَامْتَنَعَ وَلَحِقَ بِخَالِهِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
وقَالَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ عِنْدَ
موت معاوية: أقيموا أمركم قبل أن
__________
1 خبر ضعيف: فيه الواقدي.
2 انظر السابق.
3 خبر صحيح: أخرجه أبو زرعة "757" في تاريخ دمشق، وانظر: البداية
"8/ 256"، وتاريخ الخلفاء "ص/ 334" للسيوطي.
(5/27)
يَدْخُلَ عَلَيْكُمْ شَامَكُمْ، فَتَكُونُ
فِتْنَةً، فَكَانَ رَأْيُ مَرْوَانَ أَنْ يُرَدَّ إِلَى ابْنِ
الزُّبَيْرِ فَيُبَايِعُهُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
زِيَادٍ هَارِبًا مِنَ الْعِرَاقِ، وَكَانَ عِنْدَمَا بَلَغَهُ
مَوْتُ يَزِيدَ خَطَبَ النَّاسَ، وَنَعَى إِلَيْهِمْ يَزِيدَ
وَقَالَ: اخْتَارُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَمِيرًا، فقَالُوا:
نَخْتَارُكَ حَتَّى يَسْتَقِيمَ أَمْرُ النَّاسِ، فَوَضَعَ
الدُّيُونَ وَبَذَلَ الْعَطَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ سَلَمَةُ
الرياحي بِنَاحِيَةِ الْبَصْرَةِ، فَدَعَا إِلَى ابْنِ
الزُّبَيْرِ، فَمَالَ النَّاسُ إِلَيْهِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَزْدِيُّ: قَالَ عُبَيْدُ
اللَّهِ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ: اخْتَارُوا لِأَنْفُسِكُمْ،
قَالُوا: نَخْتَارُكَ، فَبَايَعُوهُ وَقَالُوا: أَخْرِجْ لَنَا
إِخْوَانَنَا، وَكَانَ قَدْ مَلَأَ السُّجُونَ مِنَ الْخَوَارِجِ،
فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّهُمْ يُفْسِدُونَ عَلَيْكُمْ،
فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَهُمْ، فَجَعَلُوا يُبَايِعُونَهُ،
فَمَا تَتَامَّ آخِرُهُمْ حَتَّى أَغْلَظُوا لَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا
فِي نَاحِيَةِ بَنِي تَمِيمٍ1.
وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّهُمْ خَرَجُوا،
فَجَعَلُوا يَمْسَحُونَ أَيْدِيَهُمْ بِجُدُرِ بَابِ الْإِمَارَةِ،
وَيَقُولُونَ: هَذِهِ بَيْعَةُ ابْنِ مَرْجَانَةَ، وَاجْتَرَأَ
عَلَيْهِ النَّاسُ حَتَّى نَهَبُوا خَيْلَهُ مِنْ مَرْبَطِهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: فَهَرَبَ بِاللَّيْلِ، فَاسْتَجَارَ بِمَسْعُودِ
بْنِ عَمْرِو رَئِيسِ الْأَزْدِ، فَأَجَارَهُ.
ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ بَايَعُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيَّ بَبَّةَ، وَرَضُوا بِهِ
أميرًا عليهم، واجتمع الناس لتتمة الْبَيْعَةِ، فَوَثَبَتِ
الْحَرُوريَّةُ عَلَى مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَتَلُوهُ،
وَهَرَبَ النَّاسُ، وَتَفَاقَمَ الشَّرُّ، وَافْتَرَقَ الْجَيْشُ
فرقتين، وكانوا نحوًا من خَمْسِينَ أَلْفًا، وَاقْتَتَلُوا
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَكَانَ عَلَى الْخَوَارِجِ نَافِعُ بْنُ
الْأَزْرَقِ.
وَقَالَ الزُّبَيْرِ بْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ إِنَّ
مَسْعُودًا جَهَّزَ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ مِائَةً
مِنَ الْأَزْدِ، فَأَقْدَمُوهُ الشَّامَ.
وَرَوَى ابْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ، عَنِ الْحَارِثِ
بْنِ قَيْسٍ الْجَهْضَمِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ زِيَادٍ: إِنِّي
لَأَعْرِفُ سُورًا كَانَ فِي قَوْمِكَ، قَالَ الْحَارِثُ:
فَوَقَفْتُ عَلَيْهِ فَأَرْدَفْتُهُ عَلَى بَغْلَتِي، وَذَلِكَ
لَيْلًا، وَأَخَذَ عَلَى بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟
قُلْتُ: بَنُو سُلَيْمٍ، قَالَ: سَلِمْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ،
ثُمَّ مَرَرْنَا عَلَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ جُلُوسٌ مَعَهُمُ
السِّلَاحُ، فَقَالُوا: مَنْ ذَا؟ قُلْتُ: الْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ،
قَالُوا: امْضِ رَاشِدًا، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا وَاللَّهِ ابْنُ
مَرْجَانَةَ خَلْفَهُ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ، فَوَضَعَهُ فِي كَوْرِ
عِمَامَتِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدُ من هؤلاء؟ قلت:
__________
1 تاريخ الطبري "5/ 505".
(5/28)
الَّذِينَ كُنْتُ تَزْعُمُ أَنَّهُمْ مِنْ
قُرَيْشٍ، هَؤُلَاءِ بَنُو نَاجِيَةَ، فَقَالَ: نَجَوْنَا إِنْ
شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ قَدْ أَحْسَنْتَ
وَأَجْمَلْتَ، فَهَلْ تَصْنَعُ مَا أُشِيرَ بِهِ عَلَيْكَ، قَدْ
عَرَفْتَ حَالَ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو وَشَرَفَهُ وَسِنَّهُ،
وَطَاعَةَ قَوْمِهِ لَهُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَذْهَبَ بِي إِلَيْهِ،
فَأَكُونُ فِي دَارِهِ، فَهِيَ أَوْسَطُ الْأَزْدِ دَارًا،
فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ تَصَدَّعَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ، فَأُشْعِرَ مَسْعُودٌ وَهُوَ
جَالِسٌ يُوقِدُ لَهُ بِقَصَبٍ عَلَى لَبِنَةٍ، وَهُوَ يُعَالِجُ
أَحَدَ خُفَّيْهِ بِخَلْعِهِ، فَعَرَفَنَا فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ
كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ طَوَارِقِ السُّوءِ، فَقُلْتُ لَهُ:
أَفَتُخْرِجُهُ بَعْدَمَا دَخَلَ عَلَيْكَ بَيْتَكَ! فَأَمَرَهُ،
فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَ ابْنِهِ عَبْدِ الْغَافِرِ، وَرَكِبَ
مَعِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَطَافَ فِي الْأَزْدِ
فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ زِيَادٍ قَدْ فُقِدَ، وَإِنَّا لَا نَأْمَنُ
أَنْ نُلْطَخَ بِهِ، فَأَصْبَحَتِ الْأَزْدُ فِي السِّلَاحِ،
وَأَصْبَحَ النَّاسُ قَدْ فَقَدُوا ابْنَ زِيَادٍ فَقَالُوا:
أَيْنَ تَوَجَّهَ، مَا هُوَ إِلَّا فِي الْأَزْدِ؟ قَالَ
خَلِيفَةُ: قَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ: فَسَارَ مَسْعُودٌ
وَأَصْحَابُهُ يُرِيدُونَ دَارَ الْإِمَارَةِ، وَدَخَلُوا
الْمَسْجِدَ، وَقَتَلُوا قَصَّارًا كَانَ فِي نَاحِيَةِ
الْمَسْجِدِ، وَنَهَبُوا دَارَ امْرَأَةٍ، وَبَعَثَ الْأَحْنَفُ
حِينَ عَلِمَ بذَلِكَ إِلَى بَنِي تَمِيمٍ، فَجَاءُوا، وَدَخَلَتِ
الْأَسَاوِرَةُ الْمَسْجِدَ فَرَمَوْا بِالنُّشَّابِ، فَيُقَالُ:
فَقَأُوا عَيْنَ أَرْبَعِينَ نَفْسًا. وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
تَمِيمٍ إِلَى مَسْعُودٍ فَقَتَلَهُ، وَهَرَبَ مَالِكُ بْنُ
مِسْمَعٍ، فَلَجَأَ إِلَى بَنِي عَدِيٍّ، وَانْهَزَمَ النَّاسُ1.
وقال الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَدِمَ
الشَّامَ، وَقَدْ بَايَعَ أَهْلُهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزُّبَيْرِ، مَا خَلَا أَهْلِ الْجَابِيَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ
بَنِي أُمَيَّةَ، فَبَايَعَ هُوَ وَمَرْوَانُ وَبَنُو أُمَيَّةَ
خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهِ
مُعَاوِيَةَ، فِي نِصْفِ ذِي الْقَعْدَةِ، ثُمَّ سَارُوا
فَالْتَقَوْا هُمْ وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ الْفِهْرِيُّ
بِمَرْجِ رَاهِطٍ، فَاقْتَتَلُوا أَيَّامًا فِي ذِي الْحِجَّةِ،
وَكَانَ الضَّحَّاكُ فِي سِتِّينَ أَلْفًا، وَكَانَ مَرْوَانُ فِي
ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفًا، فَأقَامُوا عِشْرِينَ يَوْمًا
يَلْتَقُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
زِيَادٍ لِمَرْوَانَ: إِنَّ الضَّحَّاكَ فِي فُرْسَانِ قَيْسٍ،
وَلَنْ تَنَالَ مِنْهُمْ مَا تُرِيدَ إِلَّا بِمَكِيدَةٍ،
فَسَلْهُمُ الْمُوَادَعَةَ، وَأَعِدَّ الْخَيْلَ، فَإِذَا كَفُّوا
عَنِ الْقِتَالِ فادهمهم2، قَالَ: فَمَشَتْ بَيْنَهُمُ
السُّفَرَاءُ حَتَّى كَفَّ الضَّحَّاكُ عَنِ الْقِتَالِ، فَشَدَّ
عَلَيْهِمْ مَرْوَانُ فِي الْخَيْلِ، فَنَهَضُوا لِلْقِتَالِ مِنْ
غَيْرِ تَعْبِئَةٍ، فَقُتِلَ الضَّحَّاكُ، وَقُتِلَ مَعَهُ
طَائِفَةٌ مِنْ فُرْسَانِ قَيْسٍ3. وسنورد من أخباره في اسمه.
__________
1 تاريخ خليفة "258".
2 أي فجأهم بغتة.
3 تاريخ خليفة "259".
(5/29)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَمَّا مَاتَ
يَزِيدُ انْتَقَضَ أَهْلُ الرَّيِّ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ عَامِرُ
بْنُ مَسْعُودٍ أَمِيرُ الْكُوفَةِ مُحَمَّدَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ
عُطَارِدٍ الدَّارَمِيَّ. وَكَانَ إِصْبَهْبَذَ
الرَّيِّ1يَوْمَئِذٍ الْفَرُّخَانُ، فَانْهَزَمَ الْفَرُّخَانُ
وَالْمُشْرِكُونَ.
وَفِيهَا ظَهَرَتِ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ بِمِصْرَ، ودعوا إلى عبد
اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانُوا يَظُنُّونَهُ عَلَى
مَذْهَبِهِمْ، وَلَحِقَ بِهِ خَلْقٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى الْحِجَازِ،
فَبَعَثَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مِصْرَ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
جَحْدَمٍ الْفِهْرِيَّ، فَوَثَبُوا عَلَى سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ
فَاعْتَزَلَهُمْ.
وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ هُرُوبِ ابْنِ
زِيَادٍ اصْطَلَحُوا عَلَى عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ الْجُمَحِيِّ،
فَأَقَرَّهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ.
وَفِيهَا هَدَمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْكَعْبَةَ لَمَّا
احْتَرَقَتْ، وَبَنَاهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا -الْحَدِيثَ
الْمَشْهُورَ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَمَتْنُهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَا
عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ
لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَأَدْخَلْتُ الْحِجْرَ فِي الْبَيْتِ،
وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ، بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ،
وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ" 2، وَقَالَ: "إِنَّ قُرَيْشًا
قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ، فَتَرَكُوا مِنْ أَسَاسِ
إِبْرَاهِيمَ الْحِجْرَ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى هَذَا"، وَقَالَ:
"إِنَّ قَوْمَكِ عَمِلُوا لَهَا بَابًا عَالِيًا، لِيُدْخِلُوا
مَنْ أَرَادُوا، أَوْ يَمْنَعُوا مَنْ أَرَادُوا".
فَبَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَبِيرًا، وَأَلْصَقَ بَابَهُ
بِالْأَرْضِ، فَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَوُلِّيَ
الْحَجَّاجُ عَلَى مَكَّةَ أَعَادَ الْبَيْتَ عَلَى مَا كَانَ فِي
زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَقَضَ
حَائِطَهُ مِنْ جِهَةِ الْحِجْرِ فَصَغَّرَهُ، وَأَخْرَجَ مِنْهُ
الْحِجْرَ، وَأَخَذَ مَا فَضَلَ مِنَ الْحِجَارَةِ، فَدَكَّهَا فِي
أَرْضِ الْبَيْتِ، فَعَلَا بَابُهُ، وسد الباب الغربي3.
__________
1 إصبهبذ: هو رئيس بلاد طبرستان، وكل من يتولى الحكم فيها يطلق
عليه ذلك اللقب.
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "2/ 180"، ومسلم "1333"، والنسائي "5/
216"، وأحمد "6/ 239، 253، 262"، والبيهقي "5/ 89" في سننه الكبري.
3 انظر: تاريخ خليفة "ص/ 261"، وتاريخ الطبري "5/ 524، 530، 540"
صحيح التوثيق "5/ 96".
(5/30)
حوادث سنة خمس
وستين: المتوفون في هذه السنة
تُوُفِّيَ فِيهَا: أُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ،
وَعَبْدُ الله بن عمرو بن العاص، ومروان ابن الْحَكَمِ،
وَسُلَيْمَان بْنُ صُرَدَ، وَالْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ،
وَمَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السُّكُونِيُّ، وَلَهُ صُحْبَةٌ،
وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، وَقِيلَ: فِي
آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الهمداني
الأعور.
البيعة لمروان بن الحكم:
وَلَمَّا انْقَضَتْ وَقْعَةُ مَرْجِ رَاهِطٍ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ
بَايَعَ أَكْثَرُ أَهْلِ الشَّامِ لِمَرْوَانَ، فَبَقِيَ تِسْعَةُ
أَشْهُرٍ، وَمَاتَ، وَعَهِدَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَفِيهَا: دَخَلَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْأَزْدِيُّ
خُرَاسَانَ أَمِيرًا عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ،
فَكَلَّمَهُ أَمِيرُهَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ فِي قِتَالِ الْأَزَارِقَةِ1
وَالْخَوَارِجِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ،
وَأَمَدُّوهُ بِالْجُيُوشِ، فَسَارَ وَحَارَبَ الْأَزَارِقَةَ
أَصْحَابَ ابْنِ الْأَزْرَقِ، وَصَابَرَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ
حَتَّى كَسَرَهُمْ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ أربع آلَافِ
وَثَمَانِمِائَةٍ.
وَفِيهَا: سَارَ مَرْوَانُ بِجُيُوشِهِ إِلَى مِصْرَ، وَقَدْ كَانَ
كَاتِبُهُ كُرَيْبُ بْنُ أَبْرَهَةَ، وَعَابِسُ بْنُ سَعِيدٍ
قَاضِي مِصْرَ، فَحَاصَرَ جَيْشَهُ وَالِي مِصْرَ لِابْنِ
الزُّبَيْرِ، فَخَنْدَقَ عَلَى الْبَلَدِ، وَخَرَجَ أَهْلُ مِصْرَ،
وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ يَوْمَ التَّرَاوِيحِ؛
لِأَنَّ أَهْلَ مِصْرَ كَانُوا يَنْتَابُونَ الْقِتَالَ
وَيَسْتَرِيحُونَ، وَاسْتَحَرَّ الْقَتْلَ فِي الْمَعَافِرِ،
فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يزيد بن معديكرب الْكَلَاعِيُّ، أَحَدُ الْأَشْرَافِ، ثُمَّ
صَالَحُوا مَرْوَانَ، فَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا بِيَدِهِ،
وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَأَخَذُوا فِي دفن قتلاهم وفي البكاء، ثم
تجهز إلى مِصْرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَحْدَمٍ، وَأَسْرَعَ
إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَضَرَبَ مَرْوَانُ عُنُقَ ثمانين
رَجُلًا تَخَلَّفُوا عَنْ مُبَايَعَتِهِ. وَضَرَبَ عُنُقَ
الْأُكَيْدِرِ بْنِ حَمَامٍ اللَّخْمِيِّ سَيِّدِ لَخْمٍ
وَشَيْخِهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَكَانَ مَنْ قَتَلَةِ
عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ فِي نِصْفِ جُمَادِي
الْآخِرَةِ، يَوْمَ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو -رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا. وَمَا قَدَرُوا يَخْرُجُونَ بِجِنَازَةِ عَبْدِ
اللَّهِ، فَدَفَنُوهُ بِدَارِهِ.
وَاسْتَوْلَى مَرْوَانُ عَلَى مِصْرَ، وَأَقَامَ بِهَا شَهْرَيْنِ،
ثُمَّ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا ابْنَهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ، وَتَرَكَ
عِنْدَهُ أَخَاهُ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ، وَمُوسَى بْنَ نُصَيْرِ
وَزِيرًا، وَأَوْصَاهُ بِالْمُبَايَعَةِ فِي الإحسان إلى الأكابر،
ورجع إلى الشام.
__________
1 من الفرق الضالة كالخوارج، بل هي طائفة منهم.
(5/31)
وَفِيهَا وَفَدَ الزُّهْرِيُّ عَلَى
مَرْوَانَ، قَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ: وَفَدْتُ عَلَى مَرْوَانَ وَأَنَا مُحْتَلِمٌ.
قُلْتُ: وَهَذَا بَعِيدٌ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ وِفَادَتَهُ
أَوَّلَ شَيْءٍ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فِي أَوَاخِرِ إِمَارَتِهِ.
وَفِيهَا وَجَّهَ مَرْوَانُ حُبَيْشُ بْنُ دُلْجَةَ الْقَيْنِيَّ
فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ
عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ، فَسَارَ
وَمَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ أَخُو مَرْوَانَ،
وَأَبُو الْحَجَّاجُ يُوسُفُ الثَّقَفِيُّ، وَابْنُهُ الْحَجَّاجُ
وَهُوَ شَابٌّ، فَجَهَّزَ مُتَوَلِّي الْبَصْرَةِ مِنْ جِهَةِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ
جيشاُ مِنَ الْبَصْرَةِ، فَالْتَقَوْا هُمْ وَحُبَيْشٌ
بِالرَّبَذَةِ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ، فَقُتِلَ حُبَيْشُ بْنُ
دُلْجَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ
الْجَيْشِ، وَهَرَبَ مَنْ بَقِيَ، فَتَخَطَّفَتْهُمُ الْأَعْرَابُ،
وَهَرَبَ الْحَجَّاجُ1 رِدْفَ أَبِيهِ2.
وفيها دعا ابن الزيبر إِلَى بَيْعَتِهِ مُحَمَّدَ بْنَ
الْحَنَفِيَّةِ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَحَصَرَهُ فِي شِعْبِ بَنِي
هَاشِمٍ فِي جَمَاعَةِ مِنْ بَيْتِهِ وَشِيعَتِهِ وَتَوَعَّدَهُمْ.
وفِيهَا خَرَجَ بَنُو مَاحُوزٍ بِالْأَهْوَازِ وَفَارِسٍ،
وَتَقَدَّمَ عَسْكَرُهُمْ، فَاعْتَرَضُوا أَهْلَ الْمَدَائِنِ،
فَقَتَلُوهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى أَصْبَهَانَ،
وَعَلَيْهَا عَتَّابُ بْنُ وَرْقَاءَ الرِّيَاحِيُّ، فَقَتَلَ
ابْنُ مَاحُوزٍ، وَانْهَزَمَ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ مَعَهُ، ثُمَّ
أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ قَطَرِيَّ بْنَ الفُجَاءَةِ.
وَأَمَّا نَجْدَةُ الْحَرُورِيُّ3 فَإِنَّهُ قَدِمَ فِي الْعَامِ
الْمَاضِي فِي جُمُوعِهِ مِنَ الْحَرُورِيَّةِ عَلَى ابْنِ
الزُّبَيْرِ، وَقَاتَلُوا مَعَهُ، فَلَمَّا ذَهَبَ أَهْلُ الشَّامِ
اجْتَمَعُوا بِابْنِ الزُّبَيْرِ وَسَأَلُوهُ: مَا تَقُولُ فِي
عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: تَعَالَوُا الْعَشِيَّةَ حَتَّى أُجِيبَكُمْ،
ثُمَّ هَيَّأَ أَصْحَابَهُ بِالسِّلَاحِ، فَجَاءَتِ الْخَوَارِجُ،
فَقَالَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ لِأَصْحَابِهِ: قَدْ خَشِيَ
الرَّجُلُ غَائِلَتَكُمْ، ثُمَّ دَنَا مِنْهُ فَقَالَ: يَا هَذَا
اتَّقِ اللَّهَ، وَابْغَضِ الْجَائِرَ، وَعَادِ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ
الضَّلَالَةَ، وَخَالِفْ حُكْمَ الْكِتَابِ، وَإِنْ خَالَفْتَ
فَأَنْتَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَمْتَعُوا بخلافهم، وَأَذْهَبُوا
طَيِّبَاتِهِمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا.
ثُمَّ تَكَلَّمَ خطيب القوم عبيدة بن هلال، فأبلغ.
__________
1 ردف: خلف سائق الدابة.
2 تاريخ الطبري "5/ 611، 612".
3 نسبة إلى بلدة حروراء بالعراق، وبها نشأت الخوارج واعتزلت.
(5/32)
ثُمَّ تَكَلَّمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ،
فَقَالَ فِي آخِرِ مَقَالَتِهِ: أَنَا وَلِيُّ عُثْمَانَ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قالوا: فبريء الله منك يا عدو الله،
فقال: وبريء مِنْكُمْ يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ، فَتَفَرَّقُوا عَلَى
مِثْلِ هَذَا.
وَرَحَلُوا، فَأَقْبَلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ الْحَنْظَلِيُّ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ السَّعْدِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ
بْنِ إِبَاضٍ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ بَيْهَسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ،
وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَابْنُ الْمَاحُوزِ الْيَرْبُوعِيُّ، حَتَّى
قَدِمُوا الْبَصْرَةَ، وَانْطَلَقَ أَبُو طَالُوتَ، وَأَبُو
فُدَيْكٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَوْرٍ، وَعَطِيَّةُ الْيَشْكُرِيُّ،
فَوَثَبُوا بِالْيَمَامَةِ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى
نَجْدَةَ بْنِ عَامِرٍ الْحَنَفِيِّ الْحَرُورِيِّ.
وَلَمَّا رَجَعَ مَرْوَانُ إِلَى دِمَشْقَ إِذَا مُصْعَبُ بْنُ
الزُّبَيْرِ قَدْ قَدِمَ فِي عَسْكَرٍ مِنَ الْحِجَازِ يَطْلُبُ
فِلَسْطِينَ، فَسَرَّحَ مَرْوَانُ لِحَرْبِهِ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ
الْأَشْدَقِ، فَقَاتَلَهُ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ مُصْعَبٍ.
وَوَرَدَ أَنَّ مَرْوَانَ تَزَوَّجَ بِأُمِّ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ
بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَجَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ،
ثُمَّ بَعْدَهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ، ثُمَّ لَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ.
وَفِيهَا: بَايَعَ جُنْدُ خُرَاسَانَ سَلْمَ بْنَ زِيَادِ بْنِ
أَبِيهِ، بَعْدَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ، وَأَحَبُّوهُ
حَتَّى يُقَالُ: سَمَّوْا بِاسْمِهِ تِلْكَ السَّنَةَ أَكْثَرَ
مِنْ عِشْرِينَ أَلْفَ مَوْلُودٍ، فَبَايَعُوهُ عَلَى أَنْ يَقُومَ
بِأَمْرِهِمْ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى خَلِيفَةٍ، ثُمَّ
نَكَثُوا وَاخْتَلَفُوا، فَخَرَجَ سَلْمُ وَتَرَكَ عَلَيْهِمُ
الْمُهَلَّبَ بْنَ أَبِي صُفْرَةَ، فَلَقِيَهُ بِنَيْسَابُورَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ السُّلَمِيُّ فَقَالَ: مَنْ وَلَّيْتَ
عَلَى خُرَاسَانَ؟ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: مَا وَجَدْتُ فِي مِصْرَ
رَجُلًا تَسْتَعْمِلْهُ حَتَّى فَرَّقْتَ خُرَاسَانَ بَيْنَ بَكْرِ
بْنِ وَائِلٍ وَأَزْدِ عُمَانَ! وَقَالَ: اكْتُبْ لِي عَهْدًا
عَلَى خُرَاسَانَ، فَكَتَبَ لَهُ، وَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفِ
دِرْهَمٍ، فَأَقْبَلَ إِلَى مَرْوَ، فَبَلَغَ الْمُهَلَّبَ
الْخَبَرُ، فَتَهَيَّأَ وَغَلَبَ ابْنَ خَازِمٍ عَلَى مَرْوَ،
ثُمَّ صَارَ إِلَى سُلَيْمَان بْنِ مَرْثَدٍ، فَاقْتَتَلُوا
أَيَّامًا، فَقُتِلَ سُلَيْمَانُ، ثُمَّ سَارَ ابْنُ خَازِمٍ إِلَى
عَمْرِو بْنِ مَرْثَدٍ وَهُوَ بِالطَّالَقَانِ1 في سبعمائة، فبلغ
عمرًا، فَسَارَ إِلَيْهِ، فَالْتَقَوْا فَقُتِلَ عَمْرٌو، وَهَرَبَ
أَصْحَابُهُ إِلَى هَرَاةَ، وَبِهَا أَوْسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ،
فَاجْتَمَعَ لَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَقَالُوا: نُبَايِعُكَ، عَلَى
أَنْ تُشِيرَ إِلَى ابْنِ خَازِمٍ فَيُخْرِجَ مُضَرَ مِنْ
خُرَاسَانَ كُلِّهَا، فَقَالَ: هَذَا بَغْيٌ، وَأَهْلُ الْبَغْيِ
مَخْذُولُونَ، فَلَمْ يُطِيعُوهُ، وَسَارَ إِلَيْهِمُ ابْنُ
خَازِمٍ،
__________
1 بلدة من أعمال خراسان.
(5/33)
فَخَنْدَقُوا عَلَى هَرَاةَ، فَاقْتَتَلُوا
نَحْوَ سَنَةٍ، وَشَرَعَ ابْنُ خَازِمٍ يَلِينُ لَهُمْ، فَقَالُوا:
لَا، إِلَّا أَنْ تُخْرِجَ مُضَرَ مِنْ خُرَاسَانَ، وَإِمَّا أَنْ
يَنْزِلُوا عَنْ كُلِّ سِلَاحٍ وَمَالٍ، فَقَالَ ابْنُ خَازِمٍ،
وَجَدْتُ إِخْوَانَنَا قَطْعًا لِلرَّحِمِ، قَالَ: قَدْ
أَخْبَرْتُكَ أَنَّ رَبِيعَةَ لَمْ تَزَلْ غَضَابًا عَلَى رَبِّهَا
مُذْ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنْ مُضَرَ1.
ثُمَّ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْسٍ بَعْدَ الْحِصَارِ
الطَّوِيلِ وَقْعَةٌ هَائِلَةٌ، أَثْخَنَ2 فِيهَا أَوْسٌ
بِالْجَرَّاحَاتِ، وَقُتِلَتْ رَبِيعَةُ قَتْلًا ذَرِيعًا،
وَهَرَبَ أَوْسٌ إِلَى سِجِسْتَانَ فَمَاتَ بِهَا، وَقُتِلَ مِنْ
جُنْدِهِ يَوْمَئِذٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ،
وَاسْتَخْلَفَ ابْنُ خَازِمٍ وَلَدَهُ عَلَى هَرَاةَ، وَرَجَعَ
إِلَى مَرْوَ.
وَفِيهَا: سَارَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدِ الثَّقَفِيِّ
فِي رَمَضَانَ مِنْ مَكَّةَ، وَمَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَمِيرًا مِنْ قِبَلِ ابْنِ
الزُّبَيْرِ عَلَى خَرَاجِ الْكُوفَةِ، فَقَدِمَ المختار والكوفة
وَالشِّيعَةُ، قَدِ اجْتَمَعَتْ عَلَى سُلَيْمَان بْنِ صُرَدَ،
فَلَيْسَ يَعْدِلُونَ بِهِ، فَجَعَلَ الْمُخْتَارُ يَدْعُوهُمْ
إِلَى نَفْسِهِ، وَإِلَى الطَّلَبِ بِدَمِ الْحُسَيْنِ، فَتَقُولُ
الشِّيعَةُ: هَذَا سُلَيْمَانُ شَيْخُنَا، فَأَخَذَ يَقُولُ
لَهْمُ: إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ قِبَلِ الْمَهْدِيِّ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، فَصَارَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ
الشِّيعَةِ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى الْكُوفَةُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ مِنْ قِبَلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَنَبَّهُوهُ
عَلَى أَمْرِ الشِّيعَةِ، وَأَنَّ نِيَّتَهُمْ أَنْ يَتُوبُوا،
فَخَطَبَ الماس، وَسَبَّ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ قَالَ:
لَيْسَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ وَلْيَخْرُجُوا ظَاهِرِينَ إِلَى
قَاتِلِ الْحُسَيْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَقَدْ
أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ، وَأَنَا لَهُمْ عَلَى قِتَالِهِ ظَهِيرٌ،
فَقِتَالُهُ أَوْلَى بِكُمْ، فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ طَلْحَةَ، فَنَقَمَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَعَابَهَا،
فَقَامَ إِلَيْهِ الْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ فَسَبَّهُ،
وَشَرَعُوا يَتَجَهَّزُونَ لِلْخُرُوجِ إِلَى مُلْتَقَى عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ.
وَقَدْ كَانَ سُلَيْمَان بْنُ صُرَدَ الْخُزَاعِيُّ،
وَالْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ الْفَزَارِيُّ -وَهُمَا مِنْ شِيعَةِ
عَلِيٍّ وَمِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ- خَرَجَا فِي رَبِيعِ الْآخَرَ
يَطْلُبُونَ بِدَمِ الْحُسَيْنِ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ فِي
أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَنَادَوْا: يَا لِثَارَاتِ الْحُسَيْنِ،
وَتَعَبَّدُوا بِذَلِكَ، وَلَكِنْ ثَبَّطَ جَمَاعَةٌ وَقَالُوا:
إِنَّ سُلَيْمَانَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا، إِنَّمَا يُلْقِي
بِالنَّاسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَلَا خِبْرَةَ لَهُ بِالْحَرْبِ،
وَقَامَ سُلَيْمَانُ فِي أَصْحَابِهِ، فَحَضَّ عَلَى الْجِهَادِ
وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا فَلَا يَصَحَبْنَا، وَمَنْ
أَرَادَ وَجْهَ اللَّهِ وَالثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ فَذَلِكَ،
وَقَامَ صَخْرُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْمُزَنِيُّ فقال: آتاك الله
__________
1 مضر: من أشهر قبائل العرب، ومنها النبي -صلى الله عليه وسلم.
2 أثخن: بالغ في الأمر، وأثخن في العدوة بالغ في قتاله.
(5/34)
الرُّشْدَ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا
أَخْرَجَتْنَا التَّوْبَةُ مِنْ ذُنُوبِنَا، وَالطَّلَبُ بِدَمِ
ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّنَا لَيْسَ مَعَنَا دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ،
إِنَّمَا نُقْدِمُ عَلَى حَدِّ السُّيُوفِ.
وَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ الْأَزْدِيُّ
فِي قَوْمِهِ، فَدَخَلَ عَلَى سُلَيْمَان بْنِ صُرَدَ فَقَالَ:
إِنَّمَا خَرَجْنَا نَطْلُبُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ، وَقَتَلَتِهِ
كُلِّهِمْ بِالْكُوفَةِ، عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَشْرَافُ
الْقَبَائِلِ، فَقَالُوا: لَقَدْ جَاءَ بِرَأْيٍ، وَمَا نَلْقَى
إِنْ سِرْنَا إِلَى الشَّامِ إِلَّا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ
زِيَادٍ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: أَنَا أَرَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي
قَتَلَهُ، وَعَبَّأَ الْجُنُودَ وَقَالَ: لَا أَمَانَ لَهُ عِنْدِي
دُونَ أَنْ يَسْتَسْلِمَ، فَأَمْضِي فِيهِ حُكْمِي، فَسِيرُوا
إِلَيْهِ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ
خَائِفًا، لَا يَبِيتَ إِلَّا فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ، فَخَرَجَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدٍ فَأَتِيَا سُلَيْمَان بْنَ صُرَدَ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ
أَحَبُّ أَهْلِ بَلَدِنَا إِلَيْنَا، فَلَا تَفْجَعُونَا
بِأَنْفُسِكُمْ، وَلَا تُنْقِصُوا عَدَدَنَا بِخُرُوجِكُمْ،
أَقِيمُوا مَعَنَا حَتَّى نَتَهَيَّأَ، فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّ
عَدُوَّنَا قَدْ شَارَفَ بِلَادَنَا خَرَجْنَا كُلُّنَا
فَقَاتَلْنَاهُ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: قَدْ خَرَجْنَا لِأَمْرٍ،
وَلَا نَرَانَا إِلَّا شَاخِصِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ:
فَأَقِيمُوا حَتَّى نَعُبِّئَ مَعَكُمْ جَيْشًا كَثِيفًا، فَقَالَ:
سَأَنْظُرُ وَيَأْتِيكَ رَأْيِي.
ثُمَّ سَارَ، وَخَرَجَ مَعَهُ كُلُّ مُسْتَمِيتٍ1، وَانْقَطَعَ
عَنْهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: مَا أَحَبَّ أَنْ
مَنْ تَخَلَّفَ عَنْكُمْ مَعَكُمْ، وَأَتَوْا قَبْرَ الْحُسَيْنِ
فَبَكَوْا، وَقَامُوا يَوْمًا وَلَيْلَةً يُصَلُّونَ عَلَيْهِ
وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ: يَا رَبِّ إِنَّا
قَدْ خَذَلْنَاهُ، فَاغْفِرْ لَنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا.
ثُمَّ أَتَاهُمْ كتاب عبد الله بن يزيد مِنَ الْكُوفَةِ
يَنْشُدُهُمُ اللَّهَ وَيَقُولُ: أَنْتُمْ عَدَدٌ يَسِيرٌ، وَإِنَّ
جَيْشَ الشَّامِ خَلْقٌ، فَلَمْ يَلْوُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمُوا
قَرْقِيسِيَاءَ، فَنَزَلُوا بِظَاهِرِهَا وَبِهَا زُفَرُ بْنُ
الْحَارِثِ الْكِلَابِيُّ قَدْ حَصَّنَهَا، فَأَتَى بَابِهَا
الْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ، فَأَخْبَرُوا بِهِ زُفَرَ فَقَالَ:
هَذَا وَفَارِسُ مُضَرَ الْحَمْرَاءِ كُلِّهَا، وَهُوَ نَاسِكُ
دِينٍ، فَأَذِنَ لَهُ وَلَاطَفَهُ، فَقَالَ: مِمَّنْ نَتَحَصَّنُ،
إِنَّا وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ نُرِيدُ، فَأَخْرِجُوا لَنَا
سُوقًا، فَأَمَرَ لَهُمْ بِسُوقٍ، وَأَمَرَ لِلْمُسَيَّبِ
بِفَرَسٍ، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِهِ بِعَلَفٍ كَثِيرٍ،
وَبَعَثَ إِلَى وُجُوهِ الْقَوْمِ بِعَشْرِ جَزَائِرَ وَعَلَفٍ
وَطَعَامٍ، فَمَا احْتَاجُوا إِلَى شِرَاءِ شَيْءٍ مِنَ السُّوقِ،
إِلَّا مِثْلَ سَوْطٍ أَوْ ثَوْبٍ، وَخَرَجَ فَشَيَّعَهُمْ
وَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ بَعَثَ خَمْسَةَ أُمَرَاءَ قَدْ فَصَلُوا
مِنَ الرَّقَّةِ: حُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ السَّكُونِيَّ،
وَشُرَحْبِيلَ بْنَ ذِي الْكَلَاعِ، وَأَدْهَمَ بْنَ مُحْرِزٍ
الْبَاهِلِيَّ، وَرَبِيعَةَ بْنَ الْمُخَارِقِ الْغَنَوِيَّ،
وَجَبَلَةَ الْخَثْعَمِيَّ، فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ
سُلَيْمَانُ: عَلَى الله توكلنا، قال زفر:
__________
1 مستميت: أي مقاوم عنيد.
(5/35)
فَتَدْخُلُونَ مَدِينَتَنَا، وَيَكُونُ
أَمْرُنَا وَاحِدًا، وَنُقَاتِلُ مَعَكُمْ، فقال: قد أردنا أَهْلُ
بَلَدِنَا عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ نَفْعَلْ، قَالَ: فبادروهم إلى
عَيْنِ الْوَرْدَةِ، فَاجْعَلُوا الْمَدِينَةَ فِي ظُهُورِكُمْ،
وَيَكُونُ الرُّسْتَاقُ والماء فِي أَيْدِيكُمْ، وَلَا تُقَاتِلُوا
فِي فَضَاءٍ، فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْكُمْ، فَيُحِيطُونَ بِكُمْ،
وَلَا تُرَامُوهُمْ، وَلَا تَصِفُّوا لَهُمْ، فَإِنِّي لَا أَرَى
مَعَكُمْ رَجَّالَةً وَالْقَوْمُ ذَوُو رِجَالٍ وَفُرْسَانٍ،
وَالْقَوْمُ كَرَادِيسُ1.
قَالَ: فَعَبَّأَ سُلَيْمَان بْنُ صُرَدَ كِنَانَتَهُ، وَانْتَهَى
إِلَى عَيْنِ الْوَرْدَةِ، فَنَزَلَ فِي غَرَبِيَّهَا، وَأَقَامَ
خَمْسًا، فَاسْتَرَاحُوا وَأَرَاحُوا خُيُولَهُمْ، ثُمَّ قَالَ
سُلَيْمَانُ: إِنْ قُتِلْتُ فَأَمِيرُكُمُ الْمُسَيَّبُ، فَإِنْ
أُصِيبَ فَالْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ،
فَإِنْ قُتِلَ فَالْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ وَالٍ، فَإِنْ
قُتِلَ فَالْأَمِيرُ رِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ، رَحِمَ اللَّهُ مَنْ
صَدَقَ مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَهَّزَ الْمُسَيَّبُ
بْنُ نَجَبَةَ فِي أَرْبِعِمِائَةٍ، فَانْقَضُّوا عَلَى
مُقَدِّمَةِ الْقَوْمِ، وَعَلَيْهَا شُرَحْبِيلُ بْنُ ذِي
الْكَلَاعِ، وَهُمُ غَارُّونَ، فَقَاتَلُوهُمْ فَهَزَمُوهُمْ،
وَأَخَذُوا مِنْ خَيْلِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ وَرَدُّوا، فَبَلَغَ
الْخَبَرُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ. فَجَهَّزَ إِلَيْهِمْ
الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ فِي اثْنَى عَشَرَ أَلْفَا، ثُمَّ
رَدَفَهُمْ بِشُرَحْبِيلَ فِي ثَمَانِيَةِ آلَافٍ، ثُمَّ
أَمَدَّهُمْ مِنَ الصَّبَاحِ بِأَدْهَمَ بْنِ مُحْرِزٍ فِي
عَشَرَةِ آلَافٍ، وَوَقَعَ الْقِتَالُ، وَدَامَ الْحَرْبُ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قِتَالًا لَمْ يُرَ مِثْلَهُ، وَقُتِلَ مِنَ
الشَّامِيِّينَ خَلْقٌ كَثِيرٌ. وَقُتِلَ مِنَ التَّوَّابِينَ
-وَكَذَا كَانُوا يُسَمَّوْنَ؛ لِأَنَّهُمْ تَابُوا إِلَى اللَّه
مِنْ خِذْلَانِ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَاسْتُشْهِدَ
أُمَرَاؤُهُمُ الْأَرْبَعَةُ، لَمْ يُخْبِرْ رِفَاعَةُ بِمَنْ
بَقِيَ وَرُدَّ إِلَى الْكُوفَةِ، وَكَانَ الْمُخْتَارُ فِي
الْجَيْشِ، فَكَتَبَ إِلَى رِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ: مَرْحَبًا
بِمَنْ عَظَّمَ اللَّهُ لَهُمُ الْأَجْرَ، فَأَبْشِرُوا إِنَّ
سُلَيْمَانَ قَضَى مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكْنُ بِصَاحِبِكُمُ
الَّذِي بِه تُنْصَرُونَ، إِنِّي أَنَا الْأَمِيرُ الْمَأْمُونُ،
وَقَاتِلُ الْجَبَّارِينَ، فَأَعِدُّوا وَاسْتَعِدُّوا، وَكَانَ
قَدْ حَبَسَهُ الْأَمِيرَانِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
طَلْحَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ، فَبَقِيَ
أَشْهُرًا، ثُمَّ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَشْفَعُ
فِيهِ إِلَى الْأَمِيرَيْنِ، فَضَمِنَهُ جَمَاعَةٌ وَأَخْرَجُوهُ،
وَحَلَّفُوهُ فَحَلَفَ لَهُمَا مُضْمِرًا لِلشَّرِّ، فَشَرَعَتِ
الشِّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ وَأَمْرُهُ يُسْتَفْحَلُ.
وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ احْتَرَقَتْ فِي الْعَامِ الْمَاضِي مِنْ
مَجْمَرٍ، عَلِقَتِ النَّارُ فِي الْأَسْتَارِ، فَأَمَر ابْنُ
الزُّبَيْرِ فِي هَذَا الْعَامِ بِهَدْمِهَا إِلَى الْأَسَاسِ،
وَأَنْشَأَهَا مُحْكَمَةً، وَأَدْخَلَ مِنَ الْحِجْرِ فِيهَا
سِعَةَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ، لِأَجْلِ الْحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثَتْهُ
خَالَتُهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا
نَقَضَهَا وَوَصَلُوا إِلَى الْأَسَاسِ، عَايَنُوهُ آخِذًا
بَعْضَهُ بِبَعْضٍ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ، وأن
__________
1 كراديس: كتائب.
(5/36)
الستة أذرع مِنْ جُمْلَةِ الْأَسَاسِ،
فَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَأَلْصَقُوا
دَاخِلَهَا بِالْأَرْضِ، لَمْ يَرْفَعُوا دَاخِلَهَا، وَعَمِلُوا
لَهَا بَابًا آخَرَ فِي ظَهْرِهَا، ثُمَّ سَدَّهُ الْحَجَّاجُ،
فَذَلِكَ بَيِّنٌ لِلنَّاظِرِينَ، ثُمَّ قَصَّرَ تِلْكَ السِّتَّةَ
الْأَذْرُعَ، فَأَخْرَجَهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَدَكَّ تِلْكَ
الْحِجَارَةَ فِي أَرْضِ الْبَيْتِ، حَتَّى عَلَا كَمَا هُوَ فِي
زَمَانِنَا، زَادَهُ اللَّهُ تَعْظِيمًا.
وَغَلَبَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ عَلَى
خُرَاسَانَ، وَغَلَبَ مُعَاوِيَةُ الْكِلَابِيُّ عَلَى السِّنْدِ،
إِلَى أَنْ قَدِمَ الْحَجَّاجُ الْبَحْرَيْنِ، وَغَلَبَ نَجْدَةُ
الْحَرُورِيُّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَعَلَى بَعْضِ الْيَمَنِ.
وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فَإِنَّهُ بَعْدَ وَقْعَةِ
عَيْنِ الْوَرْدَةِ مَرِضَ بِأَرْضِ الْجِزِيرَةِ، فَاحْتُبِسَ
بِهَا وَبِقِتَالِ أَهْلِهَا عَنِ الْعِرَاقِ نَحْوًا مِنْ سَنَةٍ،
ثُمَّ قَصَدَ الْمَوْصِلَ، وَعَلَيْهَا عَامِلُ الْمُخْتَارِ كما
يأتي1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "5/ 612"، والبداية "8/ 281"، وصحيح التوثيق
"5/ 116".
(5/37)
حوادث سنة ست وستين:
المتوفون في هذه السنة
تُوُفِّيَ فِيهَا: جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ
عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَهُبَيْرَةُ بْنُ يَرِيمَ،
وَأَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ الْفَزَارِيُّ، وَقُتِلَ عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِيهِ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ ذِي
الْكَلَاعِ، وَحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ السَّكُونِيُّ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا قُتِلُوا فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ.
وَفِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ عَزَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ
الْكُوفَةِ، أَمِيرَهَا وَأَرْسَلَ عَلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
مُطِيعٍ، فَخَرَجَ مِنَ السِّجْنِ الْمُخْتَارُ، وَقَدِ الْتَفَّ
عَلَيْهِ خَلْقٌ مِنَ الشِّيعَةِ، وَقَوِيَتْ بَلِيَّتُهُ1،
وَضَعُفَ ابْنُ مُطِيعٍ مَعَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَوَثَّبَ
بِالْكُوفَةِ، فَنَاوَشَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ
الْقِتَالَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ، وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسٍ، وَغَلَبَ عَلَى الْكُوفَةِ،
وَهَرَبَ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ إِلَى ابْنِ
الزُّبَيْرِ، وَجَعَلَ يَتْبَعُ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ، وَقَتَلَ
عُمَرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَشِمْرَ بْنَ ذِي
الْجَوْشَنِ الضَّبَابِيَّ وَجَمَاعَةً، وَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ
أَنَّهُ يأتيه
__________
1 بليته: مصيبته.
(5/37)
جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، فَلِهَذَا، قِيلَ
لَهُ: الْمُخْتَارُ الْكَذَّابُ، كَمَا قَالُوا: مُسَيْلَمَةَ
الْكَذَّابَ. وَلَمَّا قَوِيَتْ شَوْكَتُهُ فِي هَذَا الْعَامِ،
كَتَبَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ يَحِطُّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُطِيعٍ، وَيَقُولُ: رأيته مداهنًا1 لبني أُمَيَّةَ، فَلَمْ
يَسَعْنِي أَنْ أَقِرَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَا عَلَى طَاعَتِكَ،
فَصَدَّقَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِوِلَايَةِ
الْكُوفَةِ، فَكَفَاهُ جَيْشُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ،
وَأَخْرَجَ مِنْ عِنْدِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الأشتر، وقد جهزه
للحرب ابْنِ زِيَادٍ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَشَيَّعَهُ الْمُخْتَارُ
إِلَى دَيْرِ ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ، وَاسْتَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ
أَصْحَابَ الْمُخْتَارِ قَدْ حَمَلُوا الْكُرْسِيَّ الَّذِي قَالَ
لَهُمُ الْمُخْتَارُ: هَذَا فِيهِ سِرٌّ، وَإِنَّهُ آيَةٌ لكم كما
التَّابُوتُ آيَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: وَهُمْ يَدْعُونَ
حَوْلَ الْكُرْسِيِّ وَيَحُفُّونَ بِهِ، فَغَضِبَ ابْنُ
الْأَشْتَرِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ
السُّفَهَاءُ مِنَّا، سُنَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا عَكَفُوا
عَلَى الْعِجْلِ2.
فَائِدَةٌ:
وَافْتَعَلَ الْمُخْتَارُ كِتَابًا عَنِ ابْنِ الحنفية يأمره فيه
بِنَصْرِ الشِّيعَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْأَشْرَافِ إِلَى ابْنِ
الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ انْتَصَرَ لَنَا
بِمَنْ شَاءَ، فَوَثَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ، وَكَانَ
بَعِيدُ الصَّوْتِ كَثِيرُ الْعَشِيرَةِ، فَخَرَجَ وَقَتَلَ
إِيَاسَ بْنَ مُضَارِبٍ أَمِيرَ الشُّرْطَةِ، وَدَخَلَ عَلَى
الْمُخْتَارِ فَأَخْبَرَهُ، فَفَرِحَ وَنَادَى أَصْحَابَهُ فِي
اللَّيْلِ بِشِعَارِهِمْ، وَاجْتَمَعُوا بِعَسْكَرِ الْمُخْتَارِ
بِدِيرِ هِنْدٍ، وَخَرَجَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ فَنَادَى:
يَا ثَارَاتِ الْحُسَيْنِ، أَلَا إِنَّ أَمِيرَ آلِ مُحَمَّدٍ قَدْ
خَرَجَ.
ثُمَّ الْتَقَى الْفَرِيقَانِ مِنَ الْغَدِ، فَاسْتَظْهَرَ
الْمُخْتَارُ، ثُمَّ اخْتَفَى ابْنُ مُطِيعٍ، وَأَخَذَ
الْمُخْتَارُ يَعْدِلُ وَيُحْسِنُ السِّيرَةَ، وَبَعَثَ فِي
السِّرِّ إِلَى ابْنِ مُطِيعٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ صَدِيقُهُ
قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: تَجَهَّزْ بِهَذِهِ وَاخْرُجْ، فَقَدْ
شَعَرْتُ أَيْنَ أَنْتَ، وَوَجَدَ الْمُخْتَارُ فِي بَيْتِ
الْمَالِ سَبْعَةَ آلَافٍ، فَأَنْفَقَ فِي جُنْدِهِ قُوَّاهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ
طَلْحَةَ: حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنِي طُفَيْلُ
بْنُ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ: كَانَ لِجَارٍ لِي زَيَّاتٍ،
كُرْسِيٌّ، وَكُنْتُ قَدِ احْتَجْتُ، فَقُلْتُ لِلْمُخْتَارِ:
إِنِّي كُنْتُ أَكْتُمُكَ شَيْئًا، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ
أَذْكُرَهُ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: كُرْسِيٌّ كَانَ أَبِي
يَجْلِسُ عَلَيْهِ، كَانَ يَرَى أَنَّ فِيهِ أثرة من علم، قال:
سبحان الله!
__________
1 المداهن: المنافق.
2 تاريخ الطبري "6/ 7".
(5/38)
أَخَّرْتَهُ إِلَى الْيَوْمِ، قَالَ:
وكَانَ رَكِبَهُ وَسَخٌ شَدِيدٌ، فَغُسِلَ وَخَرَجَ عَوَّادًا
نَضَّارًا، فَجِيءَ بِهِ وقد غشي، فأمر لهم بِاثْنَى عَشَرَ
أَلْفًا، ثُمَّ دَعَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعُوا
فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ أَمْرٌ
إِلَّا وَهُوَ كَائِنٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ
كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ التَّابُوتُ، وَإِنَّ فِينَا مِثْلَ
التَّابُوتِ، اكْشِفُوا عَنْهُ، فَكَشَفُوا الْأَثْوَابَ،
وَقَامَتِ السَّبَائِيَّةُ1 فَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ، فَقَامَ
شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ يُنْكِرُ، فَضُرِبَ.
فَلَمَّا قُتِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، وَخَبَرَهُ
الْمَقْتَلَة الْآتِيَةَ، ازْدَادَ أَصْحَابُهُ بِهِ فِتْنَةً،
وَتَغَالُوا فِيهِ حَتَّى تَعَاطُوا الْكُفْرَ، فَقُلْتُ: إِنَّا
لِلَّهِ، وَنَدِمْتُ عَلَى مَا صَنَعْتُ، فَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي
ذَلِكَ، فَغُيِّبَ، قَالَ مَعْبَدٌ: فَلَمْ أَرَهُ بَعْدُ2.
قَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ جَرِيرٍ: وَوَجَّهَ الْمُخْتَارُ فِي ذِي
الْحِجَّةِ ابْنَ الْأَشْتَرِ لِقِتَالِ ابْنِ زِيَادٍ، وَذَلِكَ
بَعْدَ فراغ الْمُخْتَارِ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ السَّبِيعِ وَأَهْلِ
الْكُنَاسَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى الْمُخْتَارِ،
وَأَبْغَضُوهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَأَوْصَى ابْنَ
الْأَشْتَرِ وَقَالَ: هَذَا الْكُرْسِيُّ لَكُمْ آيَةٌ،
فَحَمَلُوهُ عَلَى بَغْلٍ أَشْهَبَ، وَجَعَلُوا يَدْعُونَ حَوْلَهُ
ويَضَجُّونَ، وَيَسْتَنْصِرُونَ بِهِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ
الشَّامِ، فَلَمَّا اصْطَلَمَ3 أَهْلُ الشَّامِ ازْدَادَ شِيعَةُ
الْمُخْتَارِ بِالْكُرْسِيِّ فِتْنَةً، فَلَمَّا رَآهُمْ كَذَلِكَ
إبراهيم بن الأشتر تألم وقال: الله لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ
السُّفَهَاءُ مِنَّا، سُنَّةُ بني إسرائيل إذ عَكَفُوا عَلَى
العِجْلِ.
وَكَانَ الْمُخْتَارِ يَرْبِطُ أَصْحَابَهُ بِالْمُحَالِ
وَالْكَذِبِ، وَيَتَأَلَّفُهُمْ بِمَا أَمْكَنَ، وَيَتَأَلَّفُ
الشِّيعَةُ بِقَتْلِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي مَعَ
الْمُخْتَارِ مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ لَنَا: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ
شُرْطَةَ اللَّهِ قَدْ حَسُوهُمْ بِالسُّيُوفِ بِنَصِيبِينَ أَوْ
بِقُرْبِ نَصِيبِينَ، فَدَخَلْنَا الْمَدَائِنَ، فوالله إنه
ليخطبنا إذ جَاءَتْهُ الْبُشْرَى بِالنَّصْرِ، فَقَالَ: أَلَمْ
أُبَشِّرْكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا: بَلَى وَاللَّهِ.
قَالَ: يَقُولُ لِي رَجُلٌ هَمْدَانِيٌّ مِنَ الْفُرْسَانِ:
أَتُؤْمِنُ الْآنَ يَا شَعْبِيُّ؟ قُلْتُ: بِمَاذَا؟ قَالَ:
بِأَنَّ الْمُخْتَارَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ، أَلَمْ يَقُلْ:
إِنَّهُمُ انْهَزَمُوا، قُلْتُ: إِنَّمَا زَعَمَ أَنَّهُمْ
هُزِمُوا بِنَصِيبِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِالْخَازَرِ مِنَ
الْمَوْصِلِ، فَقَالَ لِي: وَاللَّهِ لَا تُؤْمِنُ حتى ترى
__________
1 السبائية: أتباع عبد الله بن سبأ، اليهودي الذي أظهر الإسلام،
ليطعن فيه، ويوقع بين أهله.
2 تاريخ الطبري "6/ 83".
3 اصطلم: انهزم، أو رجعوا منهزمين.
(5/39)
الْعَذَابَ الْأَلِيمَ يَا شَعْبِيَّ1.
وَرُوِيَ أَنَّ أَحَدَ عُمُومَةِ الْأَعْشَى كَانَ يَأْتِي
مَجْلِسَ أَصْحَابِهِ، فَيَقُولُونَ: قَدْ وُضِعَ الْيَوْمَ وَحيُ
مَا سَمِعَ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا يَكُونُ مِنْ
شَيْءٍ.
وَعَنْ مُوسَى بْنِ عَامِرٍ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَصْنَعُ لَهُمْ
ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَوْفٍ وَيَقُولُ: إِنَّ الْمُخْتَارَ
أَمَرَنِي بِهِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ الْمُخْتَارُ.
وَفِي الْمُخْتَارِ يَقُولُ سُرَاقَةُ بْنُ مِرْدَاسٍ
الْبَارِقِيُّ الْأَزْدِيُّ:
كَفَرْتُ بِوَحْيِكُمُ وَجَعَلْتُ نَذْرًا ... عَلَيَّ هِجَاكُمْ
حَتَّى الْمَمَاتِ
أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ تبصراه ... كلانا عالم بالترهات
تفشي الطاعون بمصر:
وَفِيهَا: وَقَعَ بِمِصْرَ طَاعُونٌ هَلَكَ فِيهِ خَلْقٌ من أهلها.
ضرب الدنانير بمصر:
وَفِيهَا: ضَرَبَ الدَّنَانِيرَ بِمِصْرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
مَرْوَانَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَهَا فِي الْإِسْلَامِ.
وَفِي ذِي الْحِجَّةِ الْتَقَى عَسْكَرُ الْمُخْتَارِ، وَكَانُوا
ثلاثة آلاف، وعسكر ابن زياد فقتل قائد أَصْحَابُ ابْنِ زِيَادٍ،
وَاتَّفَقَ أَنَّ قَائِدَ عَسْكَرِ الْمُخْتَارِ كَانَ مَرِيضًا
فَمَاتَ مِنَ الْغَدِ، فَانْكَسَرَ بموته أصحابه وتحيزوا2.
__________
1 انظر: السير "3/ 542"، والبداية "8/ 304".
2 انظر: تاريخ الطبري "6/ 38"، والبداية "8/ 293".
(5/40)
حوادث سنة سبع
وستين: المتوفون في هذه السنة
فِيهَا تُوُفِّيَ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وَالْمُخْتَارُ بْنُ
أَبِي عُبَيْدٍ الْكَذَّابُ، وَعُمَرُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَائِدَةُ بْنُ عُمَيْرٍ
الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ
الْكِنْدِيُّ، قُتِلَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ فِي حَرْبِ
الْمُخْتَارِ، وَقُتِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَأَمُرَاؤُهُ فِي
أَوَّلِ الْعَامِ.
ذِكْرُ وَقْعَةِ الْخَازَرِ:
فِي الْمُحَرَّمِ، وَقِيلَ: كَانَتْ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ،
بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ، وَكَانَ فِي ثَمَانِيَةِ
آلَافٍ مِنَ الْكُوفِيِّينَ، وَبَيْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
زِيَادٍ، وَكَانَ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنَ الشَّامِيِّينَ،
فَسَارَ ابْنُ الْأَشْتَرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُسْرِعًا يُرِيدُ
أَهْلَ الشَّامِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا أَرْضِ الْعِرَاقِ،
فَسَبَقَهُمْ وَدَخَلَ الْمَوْصِلَ، فَالْتَقَوْا عَلَى خَمْسَةِ
فَرَاسِخَ مِنَ الْمَوْصِلِ بِالْخَازَرِ، وَكَانَ ابْنُ
الْأَشْتَرِ قَدْ عَبَّأَ جَيْشَهُ، وَبَقِيَ لَا يَسِيرُ إِلَّا
عَلَى تُقْيَةٍ1، فَلَمَّا تَقَارَبُوا أَرْسَلَ عُمَيْرُ بْنُ
الْحُبَابِ السُّلَمِيُّ إِلَى ابْنِ الْأَشْتَرِ: إِنِّي مَعَكَ.
قَالَ: وَكَانَ بِالْجِزِيرَةِ خَلْقٌ مِنْ قَيْسٍ، وَهِمْ أَهْلُ
خِلَافٍ لِمَرْوَانَ، وَجُنْدُ مَرْوَانَ يَوْمَئِذٍ كَلْبٌ2،
وَسَيِّدُهُمُ ابْنُ بَحْدَلٍ، ثُمَّ أَتَاهُ عمير ليلًا فبايعه،
وأخبره أنه على مسيرة ابْنِ زِيَادٍ، وَوَعَدَهُ أَنْ يَنْهَزِمَ
بِالنَّاسِ، فَقَالَ ابْنُ الْأَشْتَرِ: مَا رَأْيُكَ أُخَندِقُ
عَلَى نَفْسِي؟ قَالَ: لَا تَفْعَلْ، إِنَّا للَّهِ، هَلْ يُرِيدُ
القوم إلا هذه، إن طاولوك وماطلوك فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، هُمْ
أَضْعَافُكُمْ، وَلَكِنْ نَاجِزِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ
مُلِئُوا مِنْكُمْ رُعْبًا، وَإِنْ شَامُوا أَصْحَابَكَ
وَقَاتَلُوهُمْ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ أَنِسُوا بِهِمْ
وَاجْتَرَءُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ
نَاصِحٌ لِي، وَالرَّأْيُ مَا رَأَيْتَ، وَإِنَّ صَاحِبِي بهذا
الأمر أَمَدَّنِي، ثُمَّ انْصَرَفَ عُمَيْرُ، وَأتْقَنَ ابْنُ
الْأَشْتَرِ أَمْرَهُ وَلَمْ يَنَمْ، وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ
بِغَلَسٍ، ثُمَّ زَحَفَ بِهِمْ حَتَّى أَشْرَفَ مِنْ تَلٍّ عَلَى
الْقَوْمِ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَإِذَا أُولَئِكَ لَمْ يَتَحَرَّكْ
مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَقَامُوا عَلَى دَهَشٍ وَفَشَلٍ، وَسَاقَ ابْنُ
الْأَشْتَرِ عَلَى أُمَرَائِهِ يُوصِيهِمْ وَيَقُولُ: يَا
أَنْصَارَ الدِّينِ وَشِيعَةَ الْحَقِّ، هَذَا عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ مَرْجَانَةَ قَاتِلُ الْحُسَيْنِ، حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْفُرَاتِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ هُوَ وَأَوْلَادُهُ وَنِسَاؤُهُ،
وَمَنَعَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى بَلَدِهِ، وَمَنَعَهُ أَنْ
يَأْتِيَ ابْنَ عَمِّهِ يَزِيدَ فَيُصَالِحُهُ حَتَّى قَتَلَهُ،
فَوَاللَّهِ مَا عَمِلَ فِرْعَوْنُ مِثْلَهُ، وَقَدْ جَاءَكُمُ
الله به، وإني لأرجو أن يشفي صدروكم، وَيُسْفِكَ دَمَهُ عَلَى
أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ نَزَلَ تَحْتَ رَايَتِهِ، فَزَحَفَ إِلَيْهِ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، وَعَلَى مَيْمَنَتِهِ الْحُصَيْنُ
بْنُ نُمَيْرٍ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ عُمَيْرُ بْنُ الْحُبَابِ،
وَعَلَى الْخَيْلِ شُرَحْبِيلُ بْنُ ذِي الْكَلَاعِ، فَحَمَلَ
الْحُصَيْنُ عَلَى مَيْسَرَةِ ابْنِ الْأَشْتَرِ فَحَطَّمَهَا،
وَقَتَلَ مُقَدِّمَهَا عَلِيُّ بْنُ مَالِكٍ الْجُشَمِيُّ،
فَأَخَذَ رَايَتَهُ قُرَّةُ بْنُ عَلِيٍّ، فَقُتِلَ أَيْضًا،
فَانْهَزَمَتِ الْمَيِسرَةُ، وَتَحَيَّزَتْ مَعَ ابْنِ
الْأَشْتَرِ، فَحَمَلَ وَجَعَلَ يَقُولُ لِصَاحِبِ رَايَتِهِ:
انْغَمِسْ بِرَايَتِكَ
__________
1 تقية: خفاء أو سرية.
2 كلب: اشتدوا، وحرصوا على الشيء.
(5/41)
فِيهِمْ، ثُمَّ شُدَّ ابْنَ الْأَشْتَرِ،
فَلَا يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ رَجُلًا إِلَّا صَرَعَهُ، وَاقْتَتَلُوا
قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَثُرَتِ الْقَتْلَى، فَانْهَزَمَ أَهْلُ
الشَّامِ، فَقَالَ ابْنُ الْأَشْتَرِ: قَتَلْتُ رَجُلًا وَجَدْتُ
مِنْهُ رَائِحَةَ الْمِسْكِ، شَرَّقَتْ يَدَاهُ وَغَرَّبَتْ
رِجْلَاهُ، تَحْتَ رَايَةٍ مُنْفَرِدَةٍ عَلَى جَنْبِ النَّهْرِ،
فَالْتَمَسُوهُ فَإِذَا هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، قَدْ
ضَرَبَهُ فَقَدَّهُ1 بِنِصْفَيْنِ، وَحَمَلَ شَرِيكٌ
التَّغْلِبِيُّ عَلَى الْحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ فَاعْتَنَقَا،
فَقَتَلَ أَصْحَابُ شَرِيكٍ حُصَيْنًا، ثُمَّ تَبِعَهُمْ أَصْحَابُ
ابْنِ الْأَشْتَرِ، فَكَانَ مَنْ غَرِقَ فِي الْخَازَرِ أَكْثَرُ
مِمَّنْ قُتِلَ، ثُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْأَشْتَرِ دَخَلَ
الْمَوْصِلَ، وَاسْتُعْمِلَ عَلَيْهَا وَعَلَى نصيبين ودارًا
وسنجار، وبعث برؤوس عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالْحُصَيْنِ،
وَشُرَحْبِيلَ بْنِ ذِي الْكَلَاعِ إِلَى الْمُخْتَارِ،
فَأَرْسَلَهَا فنُصِبَتْ بِمَكَّةَ.
وَمِمَّنْ قُتِلَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ: هُبَيْرَةُ بْنُ يَرِيمَ،
وَمِمَّنْ قَتَلَهُ الْمُخْتَارُ حَبِيبُ بْنُ صُهْبَانَ
الْأَسَدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ
بِالْكُوفَةِ.
وَفِيهَا وَجَّهَ الْمُخْتَارُ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ،
عَلَيْهِمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُدَلِيُّ، وَعُقْبَةُ بْنُ
طَارِقٍ، فَكَلَّمَ الْجُدَلِيُّ عَبْدَ الله بن الزبير في محمد بن
الحنيفة، وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الشِّعْبِ، وَلَمْ يَقْدِرِ ابْنُ
الزُّبَيْرِ عَلَى مَنْعِهِمْ، وَأَقَامُوا فِي خِدْمَةِ مُحَمَّدٍ
ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، حَتَّى قُتِلَ الْمُخْتَارُ، وَسَارَ
مُحَمَّدٌ إِلَى الشَّامِ.
فَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ غَضَبَ عَلَى الْمُخْتَارِ،
وَبَعَثَ لِحَرْبِهِ أَخَاهُ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ،
وَوَلَّاهُ جَمِيعَ الْعِرَاقِ، فَقَدِمَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَشَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ إِلَى
الْبَصْرَةِ يستنصران على المختار، فسير المختار إلى الْبَصْرَةِ
أَحْمَرَ بْنَ شُمَيْطٍ، وَأَبَا عَمْرَةَ كَيْسَانَ فِي جَيْشٍ
مِنَ الْكُوفَةِ، حَتَّى نَزَلُوا الْمَدَارِ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ
مُصْعَبُ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَعَلَى مَيْمَنَتِهِ
وَمَيْسَرَتِهِ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ، الْأَسَدِيُّ.
وَعُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمُ
الْمُهَلَّبِ، فَأَلْجَأَهُمْ إِلَى دِجْلَةَ، وَرَمَوْا
بِخُيُولِهِمْ فِي الْمَاءِ، وَانْهَزَمُوا، فَاتَّبَعُوهُمْ
حَتَّى أَدْخَلُوهُمُ الْكُوفَةَ، وَقُتِلَ أَحْمَرُ بْنُ شُمَيْطٍ
وَكَيْسَانُ، وَقُتِلَ مِنْ عَسْكَرِ مُصْعَبٍ: مُحَمَّدُ بْنُ
الْأَشْعَثِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
وَدَخَلَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ الْكُوفَةَ، فَحَصَرُوا الْمُخْتَارَ
فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ، فَكَانَ يَخْرُجُ فِي رِجَالِهِ،
فَيُقَاتِلُ وَيَعُودُ إِلَى الْقَصْرِ، حَتَّى قتله طريف وطرف
أَخَوَانِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةِ، فِي رَمَضَانَ، وَأَتَيَا
بِرَأْسِهِ إِلَى مُصْعَبٍ، فَأَعْطَاهُمَا ثَلَاثِينَ أَلْفًا،
وَقُتِلَ بين الطائفتين سبعمائة.
__________
1 قده: قطعه أو شقه.
(5/42)
وَيُقَالُ: كَانَ الْمُخْتَارُ فِي
عِشْرِينَ أَلْفًا، فَقُتِلَ أَكْثَرُهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَتَلَ مُصْعَبٌ خَلْقًا بِدَارِ الْإِمَارَةِ غَدْرًا بَعْدَ
أَنْ أمَّنَهُمْ، وَقَتَلَ عَمْرَةَ بِنْتَ النُّعْمَانِ بْنِ
بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ امْرَأَةَ الْمُخْتَارِ صبرًا؛ لأنها شهدت
في المختار عَبْدٌ صَالِحٌ.
وَبَلَغَنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ
الْكُوفَةِ لَمَّا بَلَغَهُمْ مَجِيءُ مُصْعَبٍ تَسَرَّبُوا1
إِلَيْهِ إِلَى الْبَصْرَةِ، مِنْهُمْ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٌّ،
وَتَحْتَهُ بَغْلَةٌ قَدْ قَطَعَ ذَنَبَهَا وَأُذُنَهَا، وَشَقَّ
قِبَاءَهُ، وَهُوَ يُنَادِي: يَا غَوْثَاهْ، وَجَاءَ أَشْرَافُ
أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَخْبَرُوا مُصْعَبًا بِمَا جَرَى،
وَبِوُثُوبِ عَبِيدُهُمْ وَغُلْمَانُهُمْ عَلَيْهِمْ مَعَ
الْمُخْتَارِ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ
الْأَشْعَثِ، وَلَمْ يَكُنْ شَهِدَ وَقْعَةَ الْكُوفَةِ، بَلْ
كَانَ فِي قصر له بقرب القادسية، فأكرمه مصعب وأدناه لِشَرَفِهِ،
ثُمَّ كَتَبَ إِلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ -وَكَانَ
عَامِلُ فَارِسٍ- لِيَقْدُمَ، فَتَوَانَى2 عَنْهُ، فَبَعَثَ
مُصْعَبٌ خَلْفَهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ، فَقَالَ لَهُ
الْمُهَلَّبُ: مِثْلُكَ يَأْتِي بَرِيدًا؟ قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ
مَا أَنَا بَرِيدُ أَحَدٍ، غَيْرَ أَنَّ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا
غَلَبَنَا عَلَيْهِمْ عِبْدَاؤُنَا وَمَوَالِينَا، فَأَقْبَلَ
الْمُهَلَّبُ بِجُيُوشٍ وَأَمْوَالٍ عَظِيمَةٍ، وَهَيْئَةٍ لَيْسَ
بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَلَمَّا انْهَزَمَ جَيْشُ
الْمُخْتَارِ انْهَدَّ لِذَلِكَ، وَقَالَ لِنَجِيٍّ لَهُ: مَا مِنَ
الْمَوْتِ بُدٌّ، وَحَبَّذَا مَصَارِعَ الْكِرَامِ، ثُمَّ حُصِرَ
الْقَصْرُ، وَدَامَ الْحِصَارُ أَيَّامًا، ثُمَّ فِي أَوَاخِرِ
الْأَمْرِ كَانَ الْمُخْتَارُ يَخْرُجُ فَيُقَاتِلُ هُوَ
وَأَصْحَابُهُ قِتَالًا ضَعِيفًا، ثُمَّ جَهَدُوا وَقَلَّ
عَلَيْهِمُ الْقُوتُ وَالْمَاءُ، وَكَانَ نِسَاؤُهُمْ يَجِئْنَ
بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ خِفْيَةً، فَضَايَقَهُمْ جَيْشُ مُصْعَبٍ،
وَفتَّشُوا النِّسَاءَ، فَقَالَ الْمُخْتَارُ: وَيْحَكُمُ
انْزِلُوا بِنَا نُقَاتِلُ حَتَّى نُقْتَلَ كِرَامًا، وَمَا أَنَا
بِآيِسٍ إِنْ صَدَقْتُمُوهُمْ أَنْ تُنْصَرُوا، فَضَعُفُوا،
فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَا وَاللَّهِ لَا أُعْطِي بِيَدِي،
فَأَمَّلَسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ
الْمَخْزُومِيُّ فَاخْتَبَأَ، وَأَرْسَلَ الْمُخْتَارُ إِلَى
امْرَأَتِهِ بِنْتِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ
بِطِيبٍ كَثِيرٍ، ثُمَّ اغْتَسَلَ وَتَحَنَّطَ3 وَتَطَيَّبَ، ثُمَّ
خَرَجَ حَوْلَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فِيهِمُ السَّائِبُ بْنُ
مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ خَلِيفَتُهُ عَلَى الْكُوفَةِ، فَقَالَ
السَّائِبُ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَنَا أَرَى أَمِ اللَّهُ يَرَى!
قَالَ: بَلِ اللَّهُ يَرَى، وَيْحَكَ أَحْمَقُ أَنْتَ، إِنَّمَا
أَنَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ انْتَزَى
عَلَى الْحِجَازِ، وَرَأَيْتُ نَجْدَةَ انْتَزَى4 عَلَى
الْيَمَامَةِ، وَرَأَيْتُ مَرْوَانَ انتزى
__________
1 تسربوا: تسللوا.
2 توانى: تباطأ.
3 تحنط: لبس كفنه استعدادا للموت.
4 انتزى: وثب.
(5/43)
عَلَى الشَّامِ، فَلَمْ أَكُنْ
بِدُونِهِمْ، فَأَخَذْتُ هَذِهِ الْبِلَادَ، فَكُنْتُ
كَأَحَدِهِمْ، إِلَّا أَنِّي طَلَبْتُ بِثَأْرِ أهل البيت، فقالت:
عَلَى حَسَبِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ نِيَّةً، قَالَ: إنّا
لِلَّهِ، وَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِحَسَبِي! وَقَالَ لَهُمُ
الْمُخْتَارُ: أَتُؤَمِّنُونِي؟ قَالُوا: لَا، إِلَّا عَلَى
الْحُكْمِ، قَالَ: لَا أَحْكُمُكُمْ فِي نَفْسِي، ثُمَّ قَاتَلَ
حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ أَمْكَنَ أَهْلَ الْقَصْرِ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُصْعَبٌ: عبّادَ بْنَ
الْحُصْيَنِ، فَكَانَ يُخْرِجُهُمْ مُكَتَّفِينَ، ثُمَّ قُتِلَ
سَائِرُهُمْ. فَقِيلَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ قَالَ لِمُصْعَبٍ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ابْتَلَانَا بِالْإِسَارِ، وَابْتَلَاكَ
أَنْ تَعْفُوَ عَنَّا، فَهُمَا مَنْزِلَتَانِ إِحْدَاهُمَا رِضَا
اللَّهِ والثانية سخطه، من عفا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ
عَاقَبَ لَمْ يَأْمَن الْقِصَاصَ، يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ نَحْنُ
أَهْلُ قِبْلَتِكُمْ وعلى ملتكم، لسنا تركًا ولا ديمًا، فَإِنْ
خَالَفْنَا إِخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ، فَإِمَّا أَنْ
نَكُونَ أَصَبْنَا وَأَخْطَأُوا، وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ
أَخْطَأْنَا وَأَصَابُوا. فَاقْتَتَلْنَا كَمَا اقْتَتَلَ أَهْلُ
الشَّامِ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا وَاجْتَمَعُوا، وَقَدْ
مَلَكْتُمْ فَاسْجِحُوا، وقد قدرتم فاعفوا، فرق لهم مصعب، وأرد أن
يخلي سبيلهم، فقام عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْأَشْعَثِ، فَقَالَ: تُخَلِّي سَبِيلَهُمْ! اخْتَرْنَا
وَاخْتَرْهُمْ، وَوَثَبَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْهَمْدَانِيُّ فَقَالَ: قُتِلَ أَبِي وَخُمْسُمِائَةٍ مِنْ
هَمْدَانَ وَأَشْرَافِ الْعَشِيرَةِ ثُمَّ تُخَلِّهُمْ، وَوَثَبَ
كل أهل البيت، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَنَادُوا: لَا تَقْتُلْنَا
وَاجْعَلْنَا مُقَدِّمَتَكَ إلى أهل الشام غدًا، فواله مَا بِكَ
عَنَّا غَنَاءُ، فَإِنْ ظَفِرْنَا فَلَكُمْ، وَإِنْ قُتِلْنَا لَمْ
نُقْتَلْ حَتَّى نَرُقَّهُمْ لَكُمْ، فَأَبَى، فَقَالَ مُسَافِرُ
بْنُ سَعِيدٍ: مَا تَقُولُ لِلَّهِ غَدًا إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِ،
وَقَدْ قَتَلْتَ أُمَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ صَبْرًا، حَكَّمُوكَ
فِي دِمَائِهِمْ، فَكَانَ الْحَقُّ فِي دِمَائِهِمْ أَنْ لَا
تَقْتُلَ نَفْسًا مُسْلِمَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَإِنْ كُنَّا
قَتَلْنَا عِدَّةَ رِجَالٍ مِنْكُمْ، فَاقْتُلُوا عِدَّةً مِنَّا،
وَخَلُّوا سَبِيلَ الْبَاقِي، فَلَمْ يَسْتَمِعْ لَهُ، ثُمَّ
أَمَرَ بِكَفِّ الْمُخْتَارِ، فَقُطِعَتْ وَسُمِّرَتْ إِلَى
جَانِبِ الْمَسْجِدِ، وَبَعَثَ عُمَّالَهُ إِلَى الْبِلَادِ،
وَكَتَبَ إِلَى ابْنِ الْأَشْتَرِ يَدْعُوهُ إِلَى طَاعَتِهِ
وَيَقُولُ: إِنْ أَجَبْتَنِي فَلَكَ الشَّامُ وَأَعِنَّةُ1
الْخَيْلِ.
وَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَيْضًا إِلَى ابْنِ
الْأَشْتَرِ: إِنْ بَايَعْتَنِي فَلَكَ الْعِرَاقُ، ثُمَّ
اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فَتَرَدَّدُوا، ثُمَّ قَالَ: لَا أُؤْثِرُ
عَلَى مِصْرِي وَعَشِيرَتِي أَحَدًا، وَسَارَ إِلَى مُصْعَبٍ.
قَالَ أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: ثنا إِسْحَاقُ
بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَ مُصْعَبُ إِلَى ابْنِ
عُمَرَ، يَعْنِي لَمَّا وَفَدَ عَلَى أَخِيهِ ابْنِ الزبير، فقال:
أي عم، أسألك عن
__________
1 أعنة: مقاليد.
(5/44)
قَوْمٍ خَلَعُوا الطَّاعَةَ وَقَاتَلُوا،
حَتَّى إِذَا غُلِبُوا تَحَصَّنُوا وَسَأَلُوا الْأَمَانَ،
فَأُعْطُوا، ثُمَّ قُتِلُوا بَعْدُ، قال: كم الْعَدَدُ؟ قَالَ:
خَمْسَةُ آلَافٍ، قَالَ: فَسَبّحَ ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ قَالَ:
عَمْرَكَ اللَّهِ يَا مُصْعَبٍ، لَوْ أَنَّ امْرَءًا أَتَى
مَاشِيَةَ لِلزُّبَيْرِ، فَذَبَحَ مِنْهَا خَمْسَةَ آلَافِ شَاةٍ
فِي غَدَاةٍ، أَكُنْتَ تُعِدُّهُ مُسْرِفًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
فَتَرَاهُ إِسْرَافًا فِي الْبَهَائِمِ، وَقَتَلْتَ مَنْ وَحَّدَ
اللَّهَ، أَمَا كَانَ فِيهِمْ مُسْتَكْرِهٌ أَوْ جَاهِلٌ تَرْجَى
تَوبَتُهُ! أَصِبْ يَا ابْنَ أَخِي مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ مَا
اسْتَطَعْتَ فِي دُنْيَاكَ1.
وَكَانَ الْمُخْتَارُ مُحْسِنًا إِلَى ابْنِ عُمَرَ، يَبْعَثُ
إِلَيْهِ بِالْجَوَائِزِ وَالْعَطَايَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ زَوْجَ
أُخْتِ الْمُخْتَارِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَكَانَ
أَبُوهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ رَجُلًا صَالِحًا،
اسْتُشْهِدَ يَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَالْجِسْرُ مُضَافٌ
إِلَيْهِ، وَبَقِيَ وَلَدَاهُ بِالْمَدِينَةِ.
فَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، ثنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جعفر، عن أم بكر بِنْتِ الْمِسْوَرِ، وَعْنَ رَبَاحِ
بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قالوا: قدم أبو عبيد الله مِنَ
الطَّائِفِ، وَنَدَبَ عُمَرُ النَّاسَ إِلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ،
فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَيْهِا فَقُتِلَ، وَبَقِيَ
الْمُخْتَارُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ غُلَامًا يُعْرَفُ
بِالِانْقِطَاعِ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ خَرَجَ فِي آخِرِ
خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَأَقَامَ بِهَا
يُظْهَرُ ذِكْرَ الْحُسَيْنِ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُبَيْدَ
اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، فَأَخَذَهُ وَجَلَدَهُ مِائَةً، وَبَعَثَ
بِهِ إِلَى الطَّائِفِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قَامَ ابْنُ
الزُّبَيْرِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ2.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ: كَانَتِ الشِّيعَةُ تَكْرَهُ
الْمُخْتَارَ، لِمَا كَانَ مِنْهُ فِي أمر الحسن بن علي يوم طعن،
لما قَدِمَ مُسْلِمُ بْنُ عُقَيْلٍ الْكُوفَةَ بَيْنَ يَدَيِ
الْحُسَيْنِ نَزَلَ دَارَ الْمُخْتَارِ، فَبَايَعَهُ وَنَاصَحَهُ،
فَخَرَجَ ابْنُ عُقَيْلِ يَوْمَ خَرَجَ وَالْمُخْتَارُ فِي
قَرْيَةٍ لَهُ، فَجَاءَهُ خَبَرُ ابْنِ عُقَيْلٍ أَنَّهُ ظَهَرَ
بِالْكُوفَةِ، وَلَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُ عَلَى مِيعَادٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ، إِنَّمَا خَرَجَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ هَانِئَ بْنَ
عُرْوَةَ قَدْ ضُرِبَ وَحُبِسَ، فَأَقْبَلَ الْمُخْتَارُ فِي
مَوَالِيهِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ، فَلَمَّا رَأَى الْوَهْنَ نَزَلَ
تَحْتَ رَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: إِنَّمَا
جِئْتُ لِتَنْصُرَ مُسْلِمَ بْنَ عُقَيْلٍ، قَالَ: كَلا، فَلَمْ
يَقْبَلْ مِنْهُ، وَضَرَبَهُ بِقَضِيبٍ شَتَرَ عَيْنَيْهِ،
وَسَجَنَهُ.
ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَتَبَ فِيهِ إِلَى
يَزِيدَ، لَمَّا بَكَتْ صَفِيةُ أُخْتُ الْمُخْتَارِ عَلَى
زَوْجِهَا ابْنِ عُمَرَ، فَكَتَبَ: إِنَّ ابْنَ زِيَادٍ حَبَسَ
الْمُخْتَارِ، وهو صهري، وأنا أحب أن
__________
1 تاريخ الطبري "6/ 113".
2 خبر ضعيف: فيه الواقدي. وأخرجه ابن سعد "5/ 148".
(5/45)
يُعَافِيَ وَيُصْلِحَ، قَالَ: فَكَتَبَ
يَزِيدُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ، وَقَالَ: إِنْ
أَقَمْتَ بِالْكُوفَةِ بَعْدَ ثَلَاثٍ بَرِئَتْ مِنْكَ الذِّمَّةُ،
فَأَتَى الْحِجَازَ، وَاجْتَمَعَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَحَضَّهُ
عَلَى أَنْ يُبَايِعَ النَّاسَ، فَلْمَ يَسْمَعْ مِنْهُ، فَغَابَ
عَنْهُ بِالطَّائِفِ نَحْوَ سَنَةٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ
فَرَحَّبَ بِهِ، وَتَحَادَثًا، ثُمَّ إِنَّ الْمُخْتَارَ خَطَبَ
وَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ لِأُبَايِعَكَ عَلَى أَنْ لَا تَقْضِيَ
الْأُمُورَ دُونِي، وَإِذَا ظَهَرْتَ اسْتَعَنْتَ بِي عَلَى
أَفْضَلِ عَمَلِكِ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أُبَايِعُكَ عَلَى
كِتَابِ اللَّهِ وَسَنَّةِ نَبِيِّهِ، فَبَايَعَهُ ابْنُ
الزُّبَيْرِ عَلَى مَا طَلَبَ، وَشَهِدَ مَعَهُ حِصَارَ حُصَيْنِ
بْنِ نُمَيْرٍ لَهُ، وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا، وَأَنْكَى فِي
عَسْكَرِ الشَّامِ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَتْهُ الْأَخْبَارُ أَنَّ الْكُوفَةَ
كَغَنَمٍ بِلَا رَاعٍ، وَكَانَ رَأْيُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنْ لَا
يَسْتَعْمِلَهُ، فَمَضَى بِلَا أَمْرٍ إِلَى الْكُوفَةِ،
وَدَخَلَهَا مُتَجَمِّلًا فِي الزِّينَةِ وَالثِّيَابِ
الْفَاخِرَةِ، وَجَعَلَ كُلَّمَا مَرَّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ
الشِّيعَةِ الْأَشْرَافِ قَالَ: أَبْشِرُ بِالنَّصْرِ وَالْيُسْرِ،
ثُمَّ يَعِدُهُمْ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهِمْ فِي دَارِهِ، قَالَ: ثم
أظهر لهم أن المهدي بن محمد الْوَصِيَّ، يَعْنِي ابْنَ
الْحَنَفِيَّةِ، بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ أَمِينًا ووزيرًا وأميرًا،
وأمني بِقِتَالِ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ، وَالطَّلَبِ بِدِمَاءِ
أَهْلِ الْبَيْتِ، فَهَوِيَتْهُ طَائِفَةٌ، ثُمَّ حَبَسَهُ
مُتَوَلِّي الْكُوفَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، ثُمَّ إِنَّهُ
قَوِيَتْ أَنْصَارُهُ، وَاسْتَفْحَلَ شَرُّهُ، وَأَبَادَ طَائِفَةً
مِنْ قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ، وَاقْتَصَّ اللَّهُ مِنَ الْظَّلَمَةِ
بِالْفَجَرَةِ، ثُمَّ سَلَّطَ عَلَى الْمُخْتَارِ مُصْعَبًا، ثُمَّ
سَلَّطَ عَلَى مُصْعَبٍ عبد الملك: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ
وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] .
وَاسْتَعْمَلَ مُصْعَبُ عَلَى أَذْرَبَيْجَانَ وَالْجِزِيرَةِ
الْمُهَلَّبَ بْنَ أبي صفرة الأزدي1.
__________
1 انظر: تاريخ خليفة "ص/ 265"، والسير "3/ 543"، والبداية "8/
310"، وصحيح التوثيق "5/ 124".
(5/46)
حوادث سنة ثمان
وستين: المتوفون في هذه السنة
تُوُفِّيَ فِيهَا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو شُرَيْحٍ
الْخُزَاعِيُّ، وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ، وَمَلِكُ الرُّومِ
قُسْطَنْطِينُ بْنُ قُسْطَنْطِينَ، لَعَنَهُ اللَّهُ.
وَتُوُفِّيَ فِيهَا فِي قَوْلٍ: زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ،
وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ.
وَفِيهَا: عَزَلَ ابْنُ الزُّبْيَرِ أَخَاهُ مُصْعَبًا عَنِ
الْعِرَاقِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهَا وَلَدَه حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ جَابِرَ بن الأسود
الزهري، فأراد من سعيد ابن الْمُسَيِّبِ أَنْ يُبَايِعَ لِابْنِ
الزُّبَيْرِ، فَامْتَنَعَ، فَضَرَبَهُ سِتِّينَ سَوْطًا. كَذَا
قَالَ خَلِيفَةُ.
وَقَالَ الْمُسَبِّحِيُّ: عَزَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مِنَ
الْمَدِينَةِ، لِكَوْنِهِ ضرب سعيد بْنَ الْمُسَيِّبِ سِتِّينَ
سَوْطًا فِي بَيْعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَامَهُ ابْنُ
الزُّبَيْرِ عَلَى ذَلِكَ وَعَزَلَهُ.
وَفِيهَا: كَانَ مَرْجِعُ الْأَزَارِقَةِ مِنْ نَوَاحِي فَارِسٍ
إِلَى الْعِرَاقِ، حَتَّى قَارَبُوا الْكُوفَةَ وَدَخَلُوا
الْمَدَائِنَ، فَقَتَلُوا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَعَلَيْهِمُ
الزُّبَيْرُ بْنُ الْمَاحُوزِ، وَقَدْ كَانَ قَاتَلَهُمْ عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ بِسَابُورَ،
وَصَاحَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِأَمِيرِهِمُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، الْمُلَقَّبُ بِالْقُبَاعِ،
وَقَالُوا: انْهَضْ، فَهَذَا عَدُوٌّ لَيْسَتْ لَهُ تُقْيَةٌ،
فَنَزَلَ بِالنُّخَيْلَةِ، فَقَامَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
الْأَشْتَرِ فَقَالَ: قَدْ سَارَ إِلَيْنَا عَدُوٌّ يَقْتُلُ
الْمَرْأَةَ وَالْمَوْلُودَ، وَيُخَرِّبُ الْبِلَادَ، فَانْهَضْ
بِنَا إِلَيْهِ، فَرَحَلَ بِهِمْ، وَنَزَلَ دَيْرَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، فَأَقَامَ أَيَّامًا حَتَّى دَخَلَ شَبَثُ بْنُ
رِبعِيُّ، فَكَلَّمَهُ بِنَحْوِ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ، فَارْتَحَلَ
وَلَمْ يَكَدْ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ بُطْءَ سَيْرِهِ رَجَزُوا
فَقَالُوا:
سَارَ بِنَا الْقُبَاعُ سَيْرًا نُكْرًا ... يَسِيرُ يَوْمًا
وَيُقِيمُ شَهْرًا
فَأَتَى الصَّرَاةَ، وَقَدِ انْتَهَى إِلَيْهَا الْعَدُوُّ،
فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدْ سَارُوا
إِلَيْهِمْ، قَطَعُوا الْجِسْرَ، فَقَالَ ابْنُ الْأَشْتَرِ
لِلْحَارِثِ الْقُبَاعِ: انْدُبْ مَعِي النَّاسَ حَتَّى أعبر إلى
هؤلاء الكلاب، فأجيئك برؤوسهم السَّاعَةَ، فَقَالَ شَبَثُ بْنُ
رِبْعِيُّ، وَأَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ، دَعْهُمْ فَلْيَذْهَبُوا،
لَا تَبْدَأُوهُمْ بِقِتَالٍ، وَكَأَنَّهُمْ حَسَدُوا ابْنَ
الْأَشْتَرِ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْحَارِثَ عَمِلَ الْجِسْرَ، وَعَبَرَ
النَّاسُ إِلَيْهِمْ فَطَارُوا حَتَّى أَتَوْا الْمَدَائِنَ،
فَجَهَّزَ خَلْفَهُمْ عَسْكَرًا، فَذَهَبُوا إِلَى إِصْبَهَانَ،
وَحَاصَرُوهَا شَهْرًا، حَتَّى أَجْهَدُوا أَهْلَهَا، فَدَعَاهُمْ
مُتَوَلِّيهَا عَتَّابُ بْنُ وَرْقَاءَ، وَخَطَبَهُمْ وَحَضَّهُمْ
عَلَى مُنَاجَزَةِ1 الْأَزْارِقَةِ، فَأَجَأَبُوهُ، فَجَمَعَ
النَّاسَ وَعَشَّاهُمْ وَأْشَبَعَهُمْ، وَخَرَجَ بِهِمْ سَحَرًا،
فَصَبَّحُوا الْأَزَارِقَةَ بَغْتَةً، وَحَمَلُوا حَتَّى وَصَلُوا
إِلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْمَاحُوزِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فِي
جَمَاعَةٍ مِنْ عِصَابَتِهِ، فَانْحَازَتِ الْأَزَارِقَةُ إِلَى
قَطَريِّ بْنِ الْفُجَاءَةِ، فَبَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ،
فَرَحَلَ بِهِمْ، وَأَتَى نَاحِيَةَ كِرْمَانَ، وَجَمَعَ
الْأَمْوَالَ وَالرِّجَالَ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْأَهْوَازِ،
فَسَيَّرَ مُصْعَبَ لِقِتَالِهِمْ، لَمَّا أَكْلَبُوا النَّاسَ،
الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ، فَالْتَقَوْا بِسُولَافَ2
غَيْرَ مَرَّةٍ، وَدَامَ الْقِتَالُ ثمانية أشهر.
__________
1 مناجزة: محاربة.
2 اسم قرية من قرى خوزستان بخراسان. كما في معجم البلدان "3/ 285".
(5/46)
وَفِيهَا: كَانَ مَقْتَلُ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ الْحُرِّ، وَكَانَ صَالِحًا عَابِدًا كُوفِيًّا، فَخَرَجَ
إِلَى الشَّامِ فَقَاتَلَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ
عَلِيٌّ، -رَضِيَ الله عنه، رجع إلى الْكُوفَةِ، وَخَرَجَ عَنِ
الطَّاعَةِ، وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ، فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ
قَوِيَ وَصَارَ مَعَهُ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ، وَعَاثَ فِي مَالِ
الْخَرَاجِ بِالْمَدَائِنِ، وَأَفْسَدَ بِالسَّوَادِ فِي أَيَّامِ
الْمُخْتَارِ، فَلَمَّا كَانَ مُصْعَبُ ظَفِرَ بِهِ وَسَجَنَهُ،
ثُمَّ شَفَعُوا فِيهِ فَأَخْرَجُوهُ، فَعَادَ إِلَى الْفَسَادِ
وَالْخُرُوجِ، فَنَدِمَ مُصْعَبُ وَوَجَّهَ عَسْكَرًا لحربه،
فكسرهم، ثم في الآخر قتل1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "6/ 122، 123"، البداية "8/ 316"، صحيح
التوثيق "5/ 128".
(5/48)
حَوَادِثُ سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ:
تُوُفِّيَ فِيهَا: قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ الْكُوفِيُّ، وَأَبُو
الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ صَاحِبِ النحو.
الطاعون بالبصرة:
وَكَانَ فِي أَوَّلِهَا طَاعُونُ الْجَارِفِ1 بِالْبَصْرَةِ،
فَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: حَدَّثَنِي مَنْ أَدْرَكَ الْجَارِفَ
قَالَ: كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَمَاتَ فِيهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ
نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا.
قَالَ خَلِيفَةُ: قَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ: مَاتَ لِأَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ فِي طَاعُونِ الْجَارِفِ ثَمَانُونَ وَلَدًا، وَيُقَالُ:
سَبْعُونَ.
وَقِيلَ: مَاتَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ
أَرْبَعُونَ وَلَدًا، وَقَلَّ النَّاسُ جِدًّا بِالْبَصْرَةِ،
وَعَجَزُوا عَنِ الْمَوْتَى، حَتَّى كَانَتِ الْوُحُوشُ تَدْخُلُ
الْبُيُوتَ فَتُصِيبَ مِنْهُمْ.
وَمَاتَتْ أُمُّ أَمِيرِ الْبَصْرَةِ، فَلَمْ يَجِدُوا مَنْ
يَحْمِلُهَا إِلَّا أَرْبَعَةٌ.
وَمَاتَ لِصَدَقَةَ بْنِ عَامِرٍ المازني فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ
سَبْعَةُ بَنِينَ، فقال: اللهم إني مسلم مُسْلِمٌ، وَلَمَّا كَانَ
يَوْمُ الْجُمُعَةِ خَطَبَ الْخَطِيبُ بْنُ عَامِرٍ، وَلَيْسَ فِي
الْمَسْجِدِ إِلَّا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ: مَا
فَعَلَتِ الْوُجُوهُ؟ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: تَحْتَ التُّرَابِ.
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ عِشْرُونَ أَلْفِ
عَرُوسٍ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ في رابع يوم ولم يَبْقَ حَيًّا
إِلَّا الْقَلِيلُ، فَسُبْحَانَ مَنْ بِيَدِهِ الْأَمْرُ.
وَمِمَّنْ قِيلَ إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِيهَا: يَعْقُوبُ بْنُ
بُجَيْرِ بْنُ أُسَيْدٍ، وَقَيْسُ بْنُ السَّكَنِ، ومالك
__________
1 الجارف: الذي يموت فيه الكثيرون، كالسيل الجارف، الذي يأخذ كل ما
أمامه.
(5/48)
ابن يُخَامِرَ السَّكْسَكِيُّ،
وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَحَسَّانُ بْنُ فَائِدٍ الْعَبْسِيُّ،
وَمَالِكُ بْنُ عَامِرٍ الوادعي، وَحُرَيْثُ بْنُ قَبِيصَةَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ
حَبِيبِ بْنِ فُلَيْحٍ قَالَ: ركبني دين، فجلست يومًا إلى سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ
كَأَنِّي أَخَذْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، فَوَتَدْتُ
فِي ظَهْرِهِ أَرْبَعَةَ أَوْتَادٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ ذَا،
فَأَخْبِرْنِي مَنْ رَآهَا؟ قَالَ: أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ ابْنُ
الزُّبَيْرِ بِهَا، قَالَ: يَقْتُلُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ،
وَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ
يَكُونُ خَلِيفَةُ، فَرَكِبْتُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَسُرَّ
بِذَلِكَ، وَأَمَرَ لِي بِخَمْسِمِائَةِ دِيَنارٍ وَثِيَابٍ1.
وَفِيهَا: أَعَادَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَخَاهُ مُصْعَبًا إِلَى
إِمْرَةِ الْعِرَاقِ، لِضَعْفِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ
الْأُمُورِ وَتَخْلِيطِهِ، فَقَدِمَهَا مُصْعَبٌ، فَتَجَهَّزَ
وَسَارَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي جَيْشٍ كَبِيرٍ، وَسَارَ إِلَى
حَرْبِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ، فَسَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى آخِرِ
وِلَايَتِهِ، وَهَجَمَ عَلَيْهِمَا الشِّتَاءُ فَرَجَعَا.
قَالَ خليفة: كانا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ، حَتَّى
قُتِلَ مصعب، واستناب مصعب على عمله إبراهيم بن الأشتر.
فتح قرطاجنة:
وَفِيهَا: عَقَدَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ أَمِيرُ مِصْرَ
لِحَسَّانٍ الْغَسَّانِيِّ عَلَى غَزْوِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَسَارَ
إِلَيْهَا فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ، فَافْتَتَحَ قُرْطَاجَنَّةَ2،
وَأَهْلُهَا إِذْ ذَاكَ رُومٌ عُبَّادُ صَلِيبٍ.
وَفِيهَا: قُتِلَ نَجْدَةُ الْحَرُورِيُّ، مَالَ عَلَيْهِ
أَصْحَابُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وقيل: اختلف عليه أصحابه فقتلوه.
__________
1 خبر ضعيف: من رواية الواقدي.
2 قرطاجنة: هي أصل بلدة مدينة تونس اليوم.
(5/49)
حوادث سنة سبعين:
المتوفون في هذه السنة
تُوُفِّيَ فِيهَا: عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
وَمَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ، وَبَشِيرُ بْنُ النَّضْرِ قَاضِي
مِصْرَ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْأَشْدَقِ، وَبِخُلْفٍ
الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ. وَفِيهَا: أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ سَهْلِ
بْنِ الْأَبْرَدِ الْأَنْصَارِيِّ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُبَابِ،
وَبَشِيرُ بْنُ عَقْرَبَةَ، وَيُقَالُ: بِشْرُ الْجُهَنِيُّ
صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثَانِ، وَأَبُو الْجَلْدِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ طَاعُونَ الْجَارِفِ الْمَذْكُورَ كَانَ فِيهَا.
وَفِيهَا: كَانَ الْوَبَاءُ بِمِصْرَ، فَهَرَبَ مِنْهُ عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى الشَّرْقِيَّةِ، فَنَزَلَ
حُلْوَانَ وَاتَّخَذَهَا مَنْزِلًا، وَاشْتَرَاهَا مِنَ الْقِبْطِ
بِعَشَرَةِ آلَافِ دِيَنارٍ، وَبَنَى بِهَا دَارَ الْإِمَارَةِ
وَالْجَامِعَ، وَأَنْزَلَهَا الْجُنْدَ وَالْحَرَسَ.
وَفِيهَا: سَارَتِ الرُّومُ وَاسْتَجَاشُوا1 عَلَى أَهْلِ
الشَّامِ، وَعَجَزَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عَنْهُمْ،
لِاشْتِغَالِهِ بِخَصْمِهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَصَالَحَ مَلِكَ
الرُّومِ، عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ
أَلْفَ دِينَارٍ.
وَفِيهَا: وَفَدَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى
مَكَّةَ عَلَى أَخِيهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْد اللَّهِ
بِأَمْوَالٍ عَظِيمَةٍ، وَتُحَفٍ وَأَشْيَاءَ فَاخِرَةٍ2.
ذِكْرُ أَهْلِ هَذِهِ الطبقة مرتبين على الأحرف.
"حَرْفُ الْأَلِفِ":
1- الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، -ع- التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ3
أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ. وَرَّخَهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ
يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ، وَالْأَصَحُّ وَفَاتُهُ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ.
2- أُسَامَةُ بْنُ شَرِيكٍ، الذُّبْيَانِيُّ الثَّعْلَبِيُّ4.
لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ.
رَوَى عَنْهُ: زِيَادَةُ بْنُ عِلَاقَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ
الْأَقْمَرِ، وَغَيْرُهُمَا.
حَدِيثُهُ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَعِدَادُهُ فِي
الْكُوفِيِّينَ.
3- أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ، بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ
بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، أبو حسان،
__________
1 استجاشوا: تجرأوا وهجموا.
2 انظر: تاريخ الطبري "6/ 150"، والبداية "8/ 236"، وصحيح التوثيق
"5/ 129".
3 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 93"، الاستيعاب "1/ 126"، أسد الغابة
"1/ 55".
4 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 27"، الاستيعاب "1/ 60"، أسد الغابة
"1/ 66، 67".
(5/50)
وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ:
أَبُو هِنْدٍ1.
مِنْ أَشْرَافِ الْكُوفَةِ.
رَوَى عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.
وعنه: ابنه مالك، وعلي بن ربيعة.
وله وفادة على عبد الملك بن مروان، وفيه يَقُولُ الْقُطَامِيُّ:
إِذَا مَاتَ ابْنُ خَارِجَةَ بْنُ حِصْنٍ ... فَلَا مَطَرَتْ عَلَى
الْأَرْضِ السَّمَاءُ
وَلَا رَجَعَ الْبَرِيدُ بِغُنْمِ جَيْشٍ ... وَلَا حَمَلَتْ عَلَى
الطُّهْرِ النِّسَاءُ2
قَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ
قَالَ: فَاخَرَ أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ رَجُلًا فَقَالَ: أَنَا
ابْنُ الْأَشْيَاخِ الْكِرَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بن إسحاق -ذبيح الله- بن إِبْرَاهِيمَ
الْخَلِيلِ3.
إِسْنَادُهُ ثَابِتٌ.
وَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ عُثْمَانَ
بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ الْفَزَارِيُّ: أَتَيْتُ
الْأَعْمَشُ، فَانْتُسِبْتُ لَهُ فَقَالَ: لَقَدْ قَسَّمَ جَدُّكَ
أَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ قَسْمًا، فَنَسِيَ جَارًا لَهُ،
فَاسْتَحْيَا أن يُعْطِيَهُ، وَقَدْ بَدَأَ بِآخَرَ قَبْلَهُ،
فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَالَ صَبًّا،
أَفَتَفْعَلُ أَنْتَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟ 4.
قَالَ خَلِيفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ.
4- أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ-4، بْنِ السَّكَنِ، أُمُّ عَامِرٍ،
وَيُقَالُ: أُمُّ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ الْأَشْهَلِيَّةُ5.
بَايَعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَرَوَتْ جُمْلَةَ أَحَادِيثَ، وقتلت بعمود خبائها يوم اليرموك
__________
1 انظر: البداية "9/ 43"، تهذيب ابن عساكر "3/ 44"، السيرة "5/
535".
2 أوردها ابن سلام في طبقاته "539" وعزاهما للقطامي.
3 إسناده ضعيف: وأورده المصنف في السير "3/ 536، 537"، وفيه عنعنة
أبي إسحاق، وهو من المدلسين.
4 السير "3/ 536".
5 انظر: الاستيعاب "4/ 1787"، أسد الغابة "7/ 18"، الإصابة "12/
124".
(5/51)
تِسْعَةً مِنَ الرُّومِ، وَسَكَنَتْ
دِمَشْقَ.
رَوَى عَنْهَا: شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَمَوْلَاهَا
مُهَاجِرٌ، وَابْنُ أَخِيهَا مَحْمُودُ بْنُ عَمْرٍو، وَإِسْحَاقُ
بْنُ رَاشِدٍ.
قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ هِيَ: أُمُّ
سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ.
قُلْتُ: وَقَبْرُ أُمِّ سَلَمَةَ بِبَابِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ هَذِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا شَهِدَتِ
الْحُدَيْبِيَةَ، وَبَايَعَتْ يَوْمَئِذٍ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، وَأَخُوهُ عَمْرٌو، عَنْ
أَبِيهِمَا، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بِنْتِ عَمِّ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ، قَالَتْ: قَتَلْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ تِسْعَةً1.
أُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ-4-، بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ
الْأَوْسِيُّ2.
ابْنُ عَمِّ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَقِيلَ: ابْنُ أَخِيهِ،
وَأَخُو عَبَّادِ بْنِ بَشِيرٍ لِأُمِّهِ.
شَهِدَ الْخَنْدَقَ وَغَيْرَهَا، وَأَبُوهُ عَقَبِيٌّ.
لِأُسَيْدٍ أَحَادِيثُ، رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ رَافِعٌ،
وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ بْنِ خَالِدٍ، وَغَيْرُهُمْ.
عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وروى عَنْ رَافِعِ بْنِ
خَدِيجٍ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ.
6- أَفْلَحُ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ -م-3.
رَوَى عَنْ: أَبِي أَيُّوبَ، وَعُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
روى عنه: محمد بن سيرين، وعبد الله بن الحارث، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.
وثقه أحمد بن عبد الله العجلي، وقتل يوم الحرة هو وابنه كثير بن
أفلح.
قال الواقدي: هو من سبي عين التمر، في خلافة أبي بكر.
__________
1 خبر صحيح: أخرجه الطبراني، ورجاله ثقات، قاله الهيثمي في المجمع
"9/ 260"، وأورده المصنف "2/ 297" في السير.
2 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 369"، وأسد الغابة "1/ 94"، والإصابة
"1/ 123".
3 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 86"، والتاريخ الكبير "2/ 52"، والجرح
والتعديل "2/ 323".
(5/52)
قال هشام بن حسان، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ: إِنَّ أَبَا أَيُّوبَ كَاتَبَ أَفْلَحَ عَلَى
أَرْبَعِينَ ألفاُ، فَجَعَلُوا يُهَنِّئُونَهُ، فَنَدِمَ أَبُو
أَيُّوبَ وقال: أحب أن ترد الكتاب وَتَرْجِعَ كَمَا كُنْتَ،
فَجَاءَهُ بِمُكَاتَبَتِهِ، فَكَسَرَهَا، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ
اللَّهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوبَ: أَنْتَ حُرٌّ، وَمَا كَانَ
لَكَ مِنْ مَالٍ فَهُوَ لَكَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً، يُكْنَى أَبَا كَثِيرٍ.
7- إِيَاسُ بْنُ قَتَادَةَ الْعَبْشَمِيُّ1.
ابْنُ أُخْتِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، بَصْرِيٌّ نَبِيلٌ، وَلِيَ
قَضَاءَ الرَّيِّ.
"حرف الْبَاءِ":
8- بُرَيْدَةُ بن الحصيب -ع، بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ،
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَسْلَمِيُّ2.
نَزِيلُ الْبَصْرَةِ، أَسْلَمَ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَهُ
عِدَّةُ مَشَاهِدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَعِدَّةُ أَحَادِيثَ، سَكَنَ مَرْوَ فِي آخِرِ
عُمْرِهِ، وَبِهَا قَبْرُهُ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَسُلَيْمَانُ،
وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو الْمَلِيحِ بْنُ أسامة، وجماعة.
توفي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: غَزَا خُرَاسَانَ زَمَنَ عُثْمَانَ.
أَنْبَأَ أَبُو النصر: ثنا شُعْبَةُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي
يَعْقُوبَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيَّ
وَرَاءَ نَهْرِ بَلْخٍ وَهُوَ يَقُولُ:
لَا عَيْشَ إِلَّا طِرَادَ الْخَيْلِ بِالْخَيْلِ3
وَقَالَ بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ،
عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ،
فَكُنْتُ فِيمَنْ شَهِدَ الثُّلْمَةَ4، فَقَاتَلْتُ حَتَّى رُئِيَ
مكَانِي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 128"، الإصابة "1/ 90".
2 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 241"، والاستيعاب "2/ 173"، وأسد
الغابة "1/ 175".
3 إسناده ضعيف: الطبقات الكبرى "4/ 243" سنده فيه جهالة أحد
الرواة.
4 الثلمة: هي الموضع الذي انثلم، ويقال: ثلم الجدار، ثلما أحدث فيه
شقا. المعجم الوجيز "ص/ 87".
(5/53)
أحمر، فما أعلم أني ركبت في الْإِسْلَامَ
ذَنْبًا أَعْظَمَ عَلَيَّ مِنْهُ لِلشُّهْرَةِ1.
قُلْتُ: رُوِيَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ حَدِيثًا.
9- بَشِيرُ بْنُ عَقْرَبَةَ، وَيُقَالُ: بِشْرُ، أَبُو الْيَمَانِ
الْجُهَنِيُّ2.
صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثَانِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثنا ابْنُ الْحَارِثِ الرَّمْلِيُّ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ الْكِنَانِيِّ، عَامِلُ
الرَّمْلَةِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: شَهِدْتُ
عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ لِبِشْرِ بْنِ عَقْرَبَةَ
يَوْمَ قَتْلِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ: قَدِ احْتَجْتُ يَا أَبَا
الْيَمَانِ إِلَى كَلَامِكَ الْيَوْمَ فَقُمْ، فَقَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
"مَنْ قَامَ بِخُطْبَةٍ لَا يَلْتَمِسُ إِلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً
وَقَفَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَوْقِفَ رياء وسمعة" 3.
10- بشير بن النضر، بن بَشِيرِ بْنِ عَمْرٍو.
قَاضِي مِصْرَ، تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعِينَ، وَوَلِيَ
الْقَضَاءَ بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْخَوْلَانِيُّ، وَكَانَ
رِزْقَهُ فِي الْعَامِ أَلْفَ دِينَارٍ.
"حرف التَّاءِ":
11- تَمِيمُ بْنُ حَذْلَمٍ، أَبُو سَلَمَةَ الضَّبِّيُّ4
الْكُوفِيُّ الْمُقْرِئُ.
عَرَضَ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَرَوَى عَنْهُ: عُثْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَإِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ. قَالَ جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ تَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ قَالَ: قَرَأْتُ القرآن عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ
تَمِيمَ بْنَ حَذْلَمَ الضَّبِّيَّ قَرَأَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ،
فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِ إِلَّا قوله: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ}
[النحل: 87] مده تميم، وقصره ابن
__________
1 خبر صحيح: أخرجه البخاري "3/ 177 تعليقا"، وابن سعد "7/ 117"، في
طبقاته.
2 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 429"، والاستيعاب "1/ 152"، وأسد
الغابة "1/ 197".
3 حديث حسن: أخرجه أحمد "3/ 500"، والطبراني "1227" في الكبير،
وقال الهيثمي في المجمع "2/ 191": رجاله موثقون.
4 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 206"، والإصابة "1/ 187".
(5/54)
مَسْعُودٍ، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ
كُذِبُوا} [يوسف: 110] ، قَرَأَهَا ابن مسعود مخففة1.
وقد أدرك تميم أن أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ.
رَوَى عَنْهُ أَيْضًا: الْعَلَاءُ بْنُ بَدْرٍ، وَالرُّكَيْنُ بْنُ
عَبْدِ الْأَعْلَى، وَابْنُهُ أَبُو الْخَيِر بْنُ تَمِيمٍ،
وَغَيْرُهُمْ.
"حرف الثَّاءِ":
12- ثور بن معن، بن يَزِيدَ بْنِ الْأَخْنَسِ السُّلَمِيُّ2.
أَحَدُ الْأَشْرَافِ، قُتِلَ بِمَرْجِ رَاهِطٍ مَعَ الضَّحَّاكِ،
وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، وَقَدْ عَاشَ بَعْدَ ثَوْرٍ أَبُوهُ.
"حرف الْجِيمِ":
13- جَابِرُ بن سمرة، -ع- بْنِ جُنَادَةَ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ.
وَيُقَالُ: أَبُو خالد السوائي3، وَقِيلَ: اسْمُ جُنَادَةَ:
عَمْرٌو، وَلَهُ وَلأَبِيهِ سَمُرَةَ صُحْبَةٌ، نَزَلَ الْكُوفَةَ.
وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَعَنْ: خَالِهِ سَعْدِ بْنِ أبي وقاص، وأبي أيوب.
روى عَنْهُ: تَمِيمُ بْنُ طَرَفَةَ، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ،
وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، وَجَمَاعَةٌ، وَحَدِيثُهُ فِي
الْكُتُبِ كَثِيرٌ.
قِيلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ.
14- جابر بن عتيك بن قَيْسٍ، وَيُقَالَ: جَبْرٌ، أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ4، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مِنْ
كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا.
وَتُوُفِّيَ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَلَهُ إِحْدَى
وَتِسْعُونَ سَنَةً.
وَرَّخَ مَوْتَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَخَلِيفَةُ، وَابْنُ زَبْرٍ،
وَابْنُ مَنْدَهْ، وَغَيْرُهُمْ. وَكَانَتْ مَعَهُ رَايَةُ بَنِي
مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الأَوْسِ يَوْمَ الْفَتْحِ.
__________
1 إسناده ضعيف: فيه عنعنة هشيم، والمغيرة، وكلاهما من المدلسين.
2 انظر: الكامل "4/ 147"، والإصابة "1/ 205".
3 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 24"، والاستيعاب "1/ 224"، وأسد الغابة
"1/ 254".
4 انظر: الاستيعاب "1/ 223"، والطبقات الكبرى "3/ 469"، وأسد
الغابة "1/ 258".
(5/55)
وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِر بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ جَدِّهِ
لأُمِّهِ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ
عَتِيكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ
قَدْ غُلِبَ، فَاسْتَرْجَعَ1.
قُلْتُ: هُوَ آخِرُ الْبَدْرِيِّينَ مَوْتًا.
15- جَرْهَدُ الأَسْلَمِيُّ -د ت-2 الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ
لِلَّهِ: "غَطِّ فَخْذَكَ" 3. رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ: عَبْدُ
اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وحفيده زرعة.
توفي سنة إحدى وستين. له دار بالمدينة.
16- جَعْفَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ4 قُتِلَ شَابًّا
هُوَ وَإِخْوَتُهُ مَعَ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللَّهُ عنهم- أجمعين.
17- جندب بن عبد الله -ع- بن سفيان البجلي العلقي5.
وَعَلَقَةُ: حَيٌّ مِنْ بَجِيلَةَ، أَقَامَ بِالْبَصْرَةِ
وَبِالْكُوفَةِ، لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ كَثِيرَةٌ.
رَوَى عَنْهُ: الْحَسَنُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَأَنَسُ
بْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، وَعَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، وَالأَسْوَدُ
بْنِ قَيْسٍ، وَآخَرُونَ.
18- جُنْدُبُ الْخَيْرِ: هُوَ جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
-وَيُقَالُ: ابن كعب- الأزدي6، له صحبة ورواية.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه مالك "1/ 181" في الموطأ، وأحمد "5/ 445"، وأبو
داود "3111"، والنسائي "4/ 13، 14"، وابن ماجه "2803"، وابن حبان
"1616"، والحاكم "1/ 352".
2 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 298"، والاستيعاب "1/ 254"، وأسد
الغابة "1/ 277".
3 حديث حسن لغيره: أخرجه أبو داود "4/ 40"، والترمذي "2947"،
"2948"، وقال: حديث حسن، وأحمد "3/ 478، 479"، والحميدي "857"،
"858"، وابن حبان "353"، وأورده البخاري "1/ 105"، تعليقا، وقال:
روى عن ابن عباس، وجرهد، ومحمد بن جحش عن النبي -صلى الله عليه
وسلم: "الفخذ عورة"، قال أنس: حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن
فخذه، وحديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط حتى نخرج من اختلافهم.
4 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 34"، والاستيعاب "1/ 210"، وأسد الغابة
"1/ 286".
5 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 35"، والاستيعاب "1/ 256"، وأسد الغابة
"1/ 304".
6 انظر: الاستيعاب "1/ 258"، وأسد الغابة "1/ 305"، والسير "3/
175".
(5/56)
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ: عَلِيٍّ،
وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَتَمِيمُ بْنُ
الْحَارِثِ، وَحَارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
فَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ"1.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: كَانَ سَاحِرٌ يَلْعَبُ
عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَيَأْخُذُ
سَيْفَهُ فَيَذْبَحُ نَفْسَهُ وَلا يَضُرُّهُ، فَقَامَ جُنْدُبٌ
فَأَخَذَ السَّيْفَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، ثُمَّ قَرَأَ
{أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] .
إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ2.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ: إِنَّ
الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ كَانَ بِالْعِرَاقِ يَلْعَبُ بَيْنَ
يَدَيْهِ سَاحِرٌ، فَكَانَ يَضْرِبُ عُنُقَ الرَّجُلِ، ثُمَّ
يَصِيحُ بِهِ، فَيَقُومُ، فَتَرْتَدُّ إِلَيْهِ رَأْسُهُ، فَقَالَ
النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ يُحْيِي الْمَوْتَى! فَرَآهُ رَجُلٌ
مِنْ صَالِحِي الْمُهَاجِرِينَ، فَاشْتَمَلَ مِنَ الْغَدِ عَلَى
سَيْفهِ، فَذَهَبَ السَّاحِرُ يَلْعَبُ لُعْبَهُ ذَلِكَ،
فَاخْتَرَطَ الرَّجُلُ سَيْفَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَقَالَ: إِنْ
كَانَ صَادِقًا فَيُنَجِّي نَفْسَهُ، فَأَمَرَ بِهِ الْوَلِيدُ
فَسَجَنَهُ، فَأُعْجِبَ السَّجَّانُ نَحْوَ الرَّجُلِ فَقَالَ:
أتستطيع أن تهرب؟ فقال: نَعَمْ، قَالَ: فَاخْرُجْ، لا يَسْأَلُنِي
اللَّهُ عَنْكَ أَبَدًا3.
19- جَنْدَرَةُ بْنُ خَيْشَنَةَ أَبُو قِرْصَافَةَ الْكِنَانِيُّ4،
صَحَابِيٌّ نَزَلَ الشَّامَ وَاسْتَوْطَنَ عَسْقَلانَ، لَهُ
أَحَادِيثُ.
روى عنه: حفيدته عزة بنت عياض بنت جَنْدَرَةَ، وَيَحْيَى بْنُ
حَسَّانٍ الْفِلَسْطِينِيُّ، وَشَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، وَزِيَادُ
بْنُ سَيَّارٍ، وَعَطِيَّةُ بْنُ سَعِيدٍ الكنانيان، وزياد بن أبي
جعد.
ليس له في الكتب الستة شيء.
__________
1 حديث ضعيف: أخرجه الترمذي "1460"، والحاكم "4/ 360"، والدارقطني
"3/ 114" فيه إسماعيل المكي، وهو في عداد الضعفاء.
2 خبر صحيح: أخرجه الطبراني "1725" في الكبير.
3 السير "3/ 176"، وفيه ابن لهيعة متكلم فيه.
4 انظر: الجرح والتعديل "2/ 545"، والاستيعاب "1/ 274".
(5/57)
"حرف الْحَاءِ":
20- الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ الأَعْوَرُ
الْكُوفِيُّ أَبُو زُهَيْرٍ1، صَاحِبُ عَلِيٍّ.
رَوَى عَنْ: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَكَانَ فَقِيهًا فَاضِلا
مِنْ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ، وَلَكِنَّهُ لين الحديث.
روى عنه: الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن مرة، وأبو إسحاق
السبيعي، وغيرهم.
قال أَبُو حَاتِمٍ: لا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ:
لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ الْحَارِثُ: تَعَلَّمْتُ الْقُرْآنَ
فِي سَنَتَيْنِ، وَالْوَحْيَ فِي ثَلاثِ سِنِينَ. وَقَالَ
الشَّعْبِيُّ، وعلي بن المديني، وأبو خيثمة: الحارث كذاب.
قلت: هذا محمول من الشعبي على أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكَذِبِ
الْخَطَأَ وَإلا فَلأَيِّ شَيْءٍ يَرْوِي عَنْهُ، وَأَيْضًا
فَإِنَّ النَّسَائِيَّ مَعَ تَعَنُّتِهِ فِي الرِّجَالِ قَدِ
احْتَجَّ بِالْحَارِثِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ أَبُو إِسْحَاقَ مِنَ الْحَارِثِ
إِلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ.
وَرَوَى مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: الْحَارِثُ يَهِمُ.
وقَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ. قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ:
كَانَ الْحَارِثُ أفْقَهَ النَّاسِ، وَأفْرَضَ النَّاسِ،
وَأَحْسَبَ النَّاسِ، تَعَلَّمَ الْفَرَائِضَ مِنْ عَلِيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَهُمْ
يُقَدِّمُونَ خَمْسَةً، مَنْ بَدَأَ بِالْحَارِثِ الأَعْوَرِ
ثَنَّى بِعُبَيْدَةَ، وَمَنْ بَدَأَ بِعُبَيْدَةَ ثَنَّى
بِالْحَارِثِ، ثُمَّ عَلْقَمَةَ، ثُمَّ مَسْرُوقٍ، ثُمَّ شُرَيْحٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: الْحَارِثُ لَيْسَ بِهِ بأٍس. وَقَالَ
مَرَّةً: ثِقَةٌ.
21- الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو الْهُذَلِيُّ الْمَدَنِيُّ2 وُلِدَ
فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وحدث عن
عمر بن الخطاب. قال ابْنُ سَعْدٍ.
* الْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ قَدْ ذُكِرَ.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 168"، والسير "4/ 152".
2 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 59"، والتاريخ الكبرى "2/ 276".
(5/58)
22- حبشي بن جنادة -د ت ق- أبو الجنوب
السلولي1، نَزَلَ الْكُوفَةَ، لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ. رَوَى
عَنْهُ الشَّعِبيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ. وَقَدْ بَالَغَ ابْنُ
عَدِيٍّ في الثقات له بذكره في الضعفاء، ثم طرز بذلك بِقَوْلِهِ:
أَرْجُو أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى: أَنْبَأَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ" 2 الْحَدِيثَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
غَرِيبٌ.
وَقَالَ مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ حُبْشِيٍّ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهُوَ
وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، فَذَكَرَ حَدِيثًا فِي تَحْرِيمِ
الْمسأَلَةِ3.
وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
حُبْشِيٍّ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاثَةَ مَشَاهِدَ، وَشَهِدْتُ مَعَ عَلِيٍّ
ثَلاثَةَ مَشَاهِدَ مَا هُنَّ بِدُونِهَا4.
قُلْتُ: وَلِحُبْشِيٍّ أَحَادِيثُ أُخَرَ، وَمَا أَدْرِي لأَيِّ
شَيْءٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِسْنَادُهُ فِيهِ نَظَرٌ.
23- حَسَّانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ بَحْدَلِ بْنِ أُنَيْفٍ
الْأَمِيرُ5 أَبُو سُلَيْمَانَ الْكَلْبِيُّ. وَكَانَ عَلَى
قُضَاعَةِ الشَّامِ بين صِفِّينَ، وَهُوَ الَّذِي قَامَ بِأَمْرِ
الْبَيْعَةِ لِمَرْوَانَ. وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ أَنَّهُمْ
سَلَّمُوا بِالْخِلافَةِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً عَلَى حَسَّانِ بْنِ
مَالِكٍ، ثُمَّ سَلَّمَهَا إِلَى مَرْوَانَ وَقَالَ:
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَّا الْخَلِيفَةُ نَفْسُهُ ... فَمَا
نَالَهَا إِلا وَنَحْنُ شُهُودٌ
وَقَصْرُ حَسَّانٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ قَصْرُ الْبَحَادِلَةِ، ثُمَّ
صَارَ يُعْرَفُ بِقَصْرِ ابْنِ أَبِي الْحَدِيدِ.
24- الْحُسَيْنُ بْنُ علي -رضي الله عنه-6 بن أَبِي طَالِبٍ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ رَيْحَانَةُ رَسُول اللهِ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابن بِنْتِهِ فَاطِمَةَ، السَّعِيدُ
الشَّهِيدُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. استشهد بكربلاء وله ست
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 37"، والاستيعاب "1/ 391"، وأسد الغابة
"1/ 366".
2 حديث صحيح: وأخرجه أحمد "4/ 165"، والترمذي "916"، والطبراني
"3509"، "3510" في الكبير، وله شواهد.
3 حديث حسن: أخرجه أحمد "4/ 165"، والترمذي "648"، "649"،
والطبراني "3504"، في الكبير.
4 حديث ضعيف: وأخرجه ابن عدي "2/ 848" في الكامل للضعفاء.
5 انظر: تاريخ الطبري "5/ 531"، وتهذيب تاريخ دمشق "4/ 148"، السير
"3/ 537".
6 انظر: الحلية "2/ 39"، الاستيعاب "392"، أسد الغابة "2/ 18"،
الإصابة "1/ 332".
(5/59)
وَخَمْسُونَ سَنَةً. وَقَدْ حَفِظَ عَنْ
جَدِّهِ، وَرَوَى عَنْهُ، وَعَنْ أَبَوَيْهِ، وَخَالِهِ هِنْدِ
بْنِ أَبِي هَالَةَ.
رَوَى عَنْهُ: أَخُوهُ الْحَسَنُ، وَابْنُهُ عَلِيٌّ، وَابْنُ
ابْنِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ، وَبِنْتُهُ فَاطِمَةُ
بِنْتُ الْحُسَيْنِ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ،
وَالْفَرَزْدَقُ هَمَّامٌ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ
الْعُقَيْلِيُّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: مَوْلِدُهُ فِي
خَامِسِ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: كَانَ بَيْنَ الْحَسَنِ
وَالْحُسَيْنِ طُهْرٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيُّ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ"؟ قُلْتُ
حَرْبًا. قَالَ: "بَلْ هُوَ حَسَنٌ"، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ:
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: "إِنَّمَا سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ
وَلَدِ هَارُونَ شَبَرٍ وَشُبَيْرٍ ومشبر"1.
قلت: وكان وقد وَلَدَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَهُمَا وَلَدًا فَسَمَّاهُ
مُحْسِنًا.
وَرَوَى الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ: كُنْتُ أُحِبُّ الْحَرْبَ، فَلَمَّا وُلِدَ الحسن
هَمَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ حَرْبًا فَسَمَّاهُ الْحُسَيْنَ،
وَقَالَ: "سَمَّيْتُ ابْنَيَّ هَذَيْنِ بِاسْمِ ابْنَيْ هَارُونَ
شَبَرٍ وَشُبَيْرٍ"2. رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ عِيسَى التَّمِيمِيُّ،
عَنِ الأَعْمَشِ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، لَكِنَّهُ
مُنْقَطِعٌ.
وقال عكرمة: لما ولد فَاطِمَةُ حَسَنًا أَتَتْ بِهِ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمَّاهُ حَسَنًا، فَلَمَّا
وَلَدَتْ حُسَيْنًا أَتَتْ بِهِ فَسَمَّاهُ، وَقَالَ: "هَذَا
أَسَنُّ مِنْ هَذَا"3، فَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ حُسَيْنٌ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
الْحَسَنُ أَشْبَهُ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ،
والحسين أشبه الناس بِرَسُولِ اللَّهِ، مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ
ذَلِكَ4.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ:
حَدَّثَنِي أخي موسى، عن أبي، عن
__________
1 حديث ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 98، 118"، والطبراني "2773"، "2774"،
في الكبير، وفيه عنعنة أبي إسحاق.
2 حديث ضعيف: وأخرجه الطبراني "2777" في الكبير.
3 حديث ضعيف: إسناده مرسل. السير "3/ 248".
4 أخرجه الترمذي "3781"، وابن حبان "2235" وفيه عنعنة أبي إسحاق
السبيعي.
(5/60)
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ
الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أخذ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَقَالَ: "مَنْ أَحَبَّنِي
وَأَحَبَّ هَذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي
دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ"1.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي
زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ،
عَنْهُ.
وَفِي الْمُسْنَدِ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ
أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي" 2.
وَقَالَ عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَانِ
ابْنَايَ مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي" 3. لَهُ عِلَّةٌ،
وَهِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَرْسَلَهُ، وَأَسْقَطَ مِنْهُ عَبْدَ
اللَّهِ.
وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ أمِّ سَلَمَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَّلَ عَلِيًّا،
وَحَسَنًا، وَحُسَيْنًا، وَفَاطِمَةَ، كِسَاءً، ثُمَّ قَالَ:
"اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي، اللَّهُمَّ
أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا" 4. لَهُ
طُرُقٌ صِحَاحٌ عَنْ شَهْرٍ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ هَذِهِ
الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ، يَعْنِي {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33] .
وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي
أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ" 5. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ
حَسَنٍ، وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ
بِإِسْنَادَيْنِ جَيِّدَيْنِ. وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ،
وَأَنَسٍ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ مَرْدَانُبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أبي سعيد الخدري
__________
1 حديث منكر: أخرجه الترمذي "3734"، وقال المصنف في السير "3/
245": إسناده ضعيف والمتن منكر.
2 حديث حسن: أخرجه أحمد "2/ 531"، والحاكم "3/ 171"، والبيهقي "4/
28" في سننه الكبرى.
3 حديث حسن: يشهد له السابق.
4 حديث صحيح لغيره: أخرجه أحمد "6/ 298، 304"، والترمذي "3205"،
والطبراني "2664"، "2665" في الكبير، وله شواهد كثيرة.
5 حديث صحيح لغيره: وأخرجه الترمذي "3856".
(5/61)
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا
شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ" 1. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ: ثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَعْلَى
بْنِ مُرَّةَ قَالَ: جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَسْعَيَانِ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَوَصَلَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الآخَرِ، فَجَعَلَ يَدَهُ على رقبته،
ثم ضمه إلى إِبِطِهِ، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَضَمَّهُ إِلَى
إِبِطِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ قَبَّلَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي
أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا". وَقَالَ: "إِنَّ الْوَلَدَ
مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ مَجْهَلَةٌ" 2. رَوَى بَعْضَهُ مَعْمَرٌ،
عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ فَقَالَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ
خَلَفٍ.
وَقَالَ كَامِلٌ أَبُو الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاةِ الْعِشَاءِ، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ
رَكِبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ
رَأْسَهُ رَفَعَ رَفْعًا رَفِيقًا، ثُمَّ إِذَا سَجَدَ عَادَا،
فَلَمَّا صَلَّى قُلْتُ: أَلا أَذْهَبُ بِهِمَا إِلَى أُمِّهِمَا؟
قَالَ: "لا" فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَلَمْ يَزَالا فِي ضَوْئِهَا
حَتَّى دَخَلا عَلَى أُمِّهِمَا3.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، ثنا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عثمان بْن
خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُسَيْنٌ مِنِّي
وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا
حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ" 4. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ حُسَيْنُ بْنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ
وَالْحُسَيْنُ، عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ
وَيَقُومَانِ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "صَدَقَ الله" {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ
وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}
__________
1 حديث صحيح: أخرجه أحمد "3/ 3، 62، 64، 84"، والترمذي "3768"،
والحاكم "3/ 166"، وله شواهد.
2 حديث حسن: أخرجه أحمد "4/ 172"، وابن ماجه "3696"، وله شواهد.
3 حديث ضعيف: أخرجه أحمد "2/ 513"، والطبراني كما في المجمع "1/
186"، والحاكم "3/ 167" فيه أحد المجهولين.
4 حديث حسن: أخرجه أحمد "4/ 172"، واتمذي "3775"، وابن ماجه "144"،
والحاكم "3/ 177"، وصححه، وأقره الذهبي.
(5/62)
[التغابن: 15] رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ
أَصْبِرْ ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ1 إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو شِهَابٍ مَسْرُوقٌ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَمْشِي عَلَى
أَرْبَعٍ، وَعَلَى ظَهْرِهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَهُوَ
يَقُولُ: "نِعْمَ الْحَمْلُ حَمْلُكُمَا وَنِعْمَ الْعَدْلانِ
أَنْتُمَا"2. تَفَرَّدَ بِهِ هَذَا عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَهُوَ
حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
مَهْدِيُّ بْنُ ميمون: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاةٍ فَجَاءَ الْحَسَنُ أَوِ
الْحُسَيْنُ -قَالَ مَهْدِيٌّ: وَأَكْبَرُ ظني أنه الحسين- فركب
عُنُقَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَطَالَ السُّجُودَ بِالنَّاسِ حَتَّى
ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ
قَالُوا لَهُ، فَقَالَ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا ارْتَحَلَنِي
فَكَرِهْتُ أَنْ أَعْجَلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ" 3.
مُرْسَلٌ.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَخَلَ
الْحُسَيْنُ فَقَالَ جَابِرٌ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى
رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا4،
أَشْهَدُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُهُ. تَفَرَّدَ بِهِ الرَّبِيعُ، وَهُوَ
صَدُوقٌ جُعْفِيٌّ.
أَبُو نُعَيْمٍ: ثنا سَلْمٌ الْحَدَّاءُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
سَالِمِ بْن أَبِي الْجَعْدِ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَقَدْ أَحَبَّنِي،
وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي" 5. إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ
وَسَلْمٌ لَمْ يُضَعَّفْ وَلا يَكَادُ يُعْرَفُ وَلَكِنْ قَدْ
رَوَى مِثْلَهُ أَبُو الْجَحَّافِ، عن أبي حازم.
__________
1 حديث حسن: أخرجه أبو داود "1109"، والترمذي "3774"، وابن ماجه
"3600"، والنسائي "3/ 193"، وأحمد "5/ 354".
2 حديث ضعيف: أخرجه الطبراني "2661"، وانظر المجمع "9/ 182".
3 حديث صحيح: وإسناده مرسل. وأخرجه أحمد "3/ 493، 494"، والنسائي
"2/ 229، 230"، وله شواهد.
4 إسناده منقطع: وهو من أنواع الضعيف. رواه أبو يعلى كما في المجمع
"9/ 587"، وفيه ابن سابط لم يسمع من جابر -رضي الله عنه.
5 سبق تخريجه.
(5/63)
وقال أبو الحجاف، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ،
وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: "أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ سَلْمٌ
لِمَنْ سَالَمَكُمْ"1. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَهُ
شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ زيد بن أرقم.
وقال بقية، عن بحير، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ
الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَسَنٌ مِنِّي وَحُسَيْنٌ
مِنْ عَلِيٍّ"2.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يعقوب، عن ابن
أبي نعم قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عن
دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ قال: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَ:
انْظُرُوا إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ
قَتَلُوا ابْنَ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ
الدُّنْيَا" 3.
صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ على رسول
الله صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ
يَلْعَبَانِ عَلَى صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَتُحِبُّهُمَا؟ قَالَ: "وَكَيْفَ لا أُحِبُّهُمَا وَهُمَا
رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا" 4.
وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِّ قَالَ: قال رسول
الله صلى الهه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ
الأَسَبَاطِ، مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ حُسَيْنًا" 5. رَوَاهُ
أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ
هَذَيْنِ" 6. وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وابن
عباس، وسلمان، وغيرهم.
__________
1 حديث ضعيف: أخرجه الطيالسي "2/ 129، 130"، وأحمد "1/ 101"،
والطبراني "2622" في الكبير.
2 حديث ضعيف: أخرجه الطبراني "2628" في الكبير، وفيه عنعنة بقية.
3 حديث صحيح: أخرجه البخاري "7/ 77، 78"، وأحمد "2/ 93، 114"،
والترمذي "3770".
4 حديث حسن لغيره: أخرجه الطبراني "3890"، في الكبير، وانظر المجمع
"9/ 181".
5 سبق تخريجه.
6 سبق تخريجه.
(5/64)
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ
اللَّهَبِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَوْضِعَ الْجَنَايِزِ، فَطَلَعَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ
فَاعْتَرَكَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "إِيهًا حَسَنٌ خُذْ حُسَيْنًا". فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى حُسَيْنٍ تُؤَلِّبُهَ وَحَسَنٌ أَكْبَرُ!
فَقَالَ: "هَذَا جِبْرِيلُ يَقُولُ: إِيهًا حُسَيْنٌ"1. وَرَوَاهُ
الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ في مسنده بِإِسْنَادٍ آخَرَ، مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ
عُبَيْدِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ:
صَعِدْتُ الْمِنْبَرَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ:
انْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي وَاذْهَبْ إِلَى مِنْبَرِ أَبِيكَ،
فَقَالَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْبَرٌ، فَأَقْعَدَنِي
مَعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ ذَهَبَ بِي إِلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ:
أَيْ بُنَيَّ من علمك هذا؟ قلت: ما عَلَّمَنِيهِ أَحَدٌ، قَالَ:
أَيْ بُنَيَّ وَهَلْ أَنْبَتَ على رؤوسنا الشَّعْرَ إِلا أَنْتُمْ،
لَوْ جَعَلْتَ تَأْتِينَا وَتَغْشَانَا2.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ: إِنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَطَاءَ
حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ مِثْلَ عَطَاءِ أَبِيهِمَا خَمْسَةُ آلافٍ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَسَا عُمَرُ أَبْنَاءَ الصَّحَابَةِ،
فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يَصْلُحُ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ،
فَبَعَثَ إِلَى الْيَمَنِ فَأَتَى لَهُمَا بِكِسْوَةٍ، فَقَالَ:
الآنَ طَابَتْ نَفْسِي3.
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن
أَبِي إِدْرِيسَ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ نَجَبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ
عَلِيًّا يَقُولُ: أَلا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ
بَيْتِي: أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فَصَاحِبُ لَهْوٍ،
وَأَمَّا الْحَسَنُ فَصَاحِبُ جَفْنَةٍ وَخِوَانُ فَتًى مِنْ
فِتْيَانِ قُرَيْشٍ لَوْ قَدِ الْتَقَتْ حَلَقَتَا الْبِطَانِ لَمْ
يُغْنِ عَنْكُمْ فِي الْحَرْبِ شَيْئًا، وَأَمَّا أَنَا وَحُسَيْنٌ
فَنَحْنُ مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنَّا4.
وَيُرْوَى أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ لِلْحُسَيْنِ: أَيْ أَخِي
وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بَعْضَ شِدَّةِ قَلْبِكَ،
فَيَقُولُ الْحُسَيْنُ: وَأَنَا وَاللَّهِ وَدِدْتُ أن لي بعض بسط
لسانك5.
__________
1 حديث ضعيف جدًّا: فيه اللهبي في عداد المتروكين.
2 خبر صحيح: أخرجه الخطيب "1/ 141"، وصححه ابن حجر في الإصابة "1/
333".
3 إسناده ضعيف: السير "3/ 285".
4 حديث ضعيف: وأخرجه الطبراني "2801" في الكبير، فيه عنعنة الأعمش،
وابن أبي ثابت، وكلاهما من المدلسين.
5 السير "3/ 287".
(5/65)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنَا
كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
الْمُهَزِّمِ قَالَ: كُنَّا فِي جِنَازَةِ امْرَأَةٍ، مَعَنَا
أَبُو هُرَيْرَةَ، فَلَمَّا أَقْبَلْنَا أَعْيَا الْحُسَيْنُ،
فَقَعَدَ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْفُضُ
التُّرَابَ عَنْ قَدَمَيْهِ بِطَرفِ ثَوْبِهِ، فَقَالَ
الْحُسَيْنُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَنْتَ تَفْعَلَ هَذَا!
فَقَالَ: فَوَاللَّهِ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مِثْلَ مَا أَعْلَمُ
لَحَمَلُوكَ عَلَى رِقَابِهِمْ1.
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُبَيْدٍ، ثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُدْرَكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ نُجَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ
صَاحِبَ مَطْهَرَتِهِ، فَلَمَّا حَاذَى نِينَوَى وَهُوَ سَائِرٌ
إِلَى صِفِّينَ فَنَادَى: اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِشَطِّ
الْفُرَاتِ. قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَيْنَاهُ
تَفِيضَانِ فَقَالَ: "قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيلُ فَحَدَّثَنِي
أَنَّ الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ وَقَالَ: هَلْ لَكَ
أَنْ أَشُمَّكَ مِنْ تُرْبَتِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَبَضَ
قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَعْطَانِيهَا فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ
أَنْ فَاضَتَا" 2. وَرَوَى نَحْوَهُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ
الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ
الشَّعْبيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ وَهُوَ بِشَطِّ الْفُرَاتِ:
صَبْرًا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وقال عمارة بن زاذان: ثنا ثابت، عن أَنَسٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ
مَلَكُ الْقَطْرِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي يَوْمِ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: "يَا أُمَّ
سَلَمَةَ احْفَظِي عَلَيْنَا الْبَابَ لا يَدْخُلُ عَلَيْنَا
أَحَدٌ"، فَبَيْنَا هِيَ عَلَى الْبَابِ إِذْ جَاءَ الْحُسَيْنُ
فَاقْتَحَمَ الْبَابَ وَدَخَلَ، فَجَعَلَ يَتَوَثَّبُ عَلَى ظَهْرِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْثِمُهُ،
فَقَالَ الْمَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: فَإِنَّ
أُمَّتَكَ سَتَقْتُلُهُ، إِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ
الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ، قَالَ: "نَعَمْ" فَجَاءَهُ بِسهْلَةٍ أَوْ
تُرَابٍ أَحْمَرَ3.
قَالَ ثَابِتٌ: فَكُنَّا نَقُولُ: إِنَّهَا كَرْبَلاءُ.
عُمَارَةُ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، رَوَاهُ النَّاسُ، عَنْ شَيْبَانَ،
عَنْهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنِي أَبِي،
ثَنَا أَبُو غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنِسَائِهِ: "لا
تُبْكُوا هَذَا الصَّبِيَّ" يَعْنِي حُسَيْنًا، فَكَانَ يوم أم
سلمة،
__________
1 السير "3/ 287".
2 حديث حسن: أخرجه أحمد "1/ 85"، والبزار كما في المجمع "9/ 187"،
والطبراني "2811" في الكبير، وله شواهد.
3 حديث حسن في الشواهد: وأخرجه أحمد "3/ 242، 265"، والبزار، وأبو
يعلى كما في المجمع "9/ 187"، والطبراني "3/ 28" وله شواهد.
(5/66)
فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُمِّ سَلَمَةَ: "لا
تَدَعِي أَحَدًا يَدْخُلُ". فَجَاءَ حُسَيْنٌ فَبَكَى، فَخَلَّتْهُ
أُمُّ سَلَمَةَ يَدْخُلُ، فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ فِي حِجْرِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
جِبْرِيلُ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلُهُ، قَالَ: "يَقْتُلُونَهُ
وَهُمْ مُؤْمِنُونَ" 1! قال: نعم، وأراه تربته. رواه
الطَّبَرَانِيُّ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بن إسحاق،
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ: ثَنَا مُوسَى
بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ كِلاهُمَا عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ:
أَخْبَرَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ فَاسْتَيْقَظَ
وَهُوَ خَاثِرٌ، ثُمَّ اضْطَجَعَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ
دُونَ الْمَرَّةِ الأُولَى، ثُمَّ رَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَفِي
يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ، وَهُوَ يُقَلِّبُهَا، فَقُلْتُ: مَا
هَذِهِ التُّرْبَةُ؟ قَالَ: "أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ
الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ، وَهَذِهِ تُرْبَتُهَا"
2.
وَقَالَ وَكِيعٌ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ شَكَّ عَبْدِ
اللَّهِ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ لَهَا: "دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ
عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنًا
مَقْتُولٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الأَرْضِ
الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا".
رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي هِنْدٍ مِثْلَهُ، إِلا أَنَّهُ قَالَ أُمُّ سَلَمَةَ
وَلَمْ يَشُكَّ.
وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّاسُ.
وَرُوِيَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، وَأَبِي وَائِلٍ، كِلاهُمَا
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ نَحْوَهُ.
وَرَوَى الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ شَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أُمِّ
الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ.
وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِتُرَابٍ مِنْ تُرَابِ الْقَرْيَةِ الَّتِي
يُقْتَلُ فِيهَا الْحُسَيْنُ، وَقِيلَ لَهُ: اسْمُهَا كَرْبَلاءُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"كَرْبٌ وَبَلاءٌ"3. كِلا الإِسْنَادَيْنِ مُنْقَطِعٌ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ: عَنْ هَانِئِ بْنِ هانئ،
عن علي قال: ليقتلن الحسين
__________
1 حديث حسن: وانظر السير "3/ 289".
2 حديث حسن لغيره: أخرجه الطبراني "2821" في الكبير، وله شواهد.
3 حديث ضعيف: وأخرجه الطبراني "2819"، "2902" في الكبير، وفيه
إرسال.
(5/67)
قَتْلا، وَإِنِّي لأَعْرِفُ تُرْبَةَ
الأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، يُقْتَلُ بِقَرْيَةٍ قَرِيبٍ
مِنَ النَّهْرَيْنِ1.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَفَدَ الْحُسَيْنُ عَلَى مُعَاوِيَةَ
وَغَزَا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ مَعَ يَزِيدَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: دَخَلَ الْحَسَنُ
وَالْحُسَيْنُ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَمَرَ لَهُمَا فِي وَقْتِهِ
بِمِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: شَهِدْتُ
ابْنَ زِيَادٍ حَيْثُ أُتِيَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ فَجَعَلَ
يَنْكُتُ بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: أَمَا إنه كان أشهبهها
بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2. رَوَاهُ
هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ: رَأَيْتُ
الْحُسَيْنَ أَسْوَدَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ إِلا شَعَرَاتٍ فِي
مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَطَاءٍ يَقُولُ:
رَأَيْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يَصْبُغُ بِالْوَسْمَةِ، أَمَّا
هُوَ فَكَانَ ابْنَ سِتِّينَ سَنَةٍ، وَكَانَ رَأْسُهُ
وَلِحْيَتُهُ شَدِيدَي السَّوَادِ.
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ الْحُسَيْنُ
يَتَخَتَّمُ فِي الْيَسَارِ.
الْمُطَّلِبُ بْنُ زِيَادٍ: عَنِ السُّدِّيِّ: رَأَيْتُ
الْحُسَيْنَ وَلَهُ جُمَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تَحْتِ عِمَامَتِهِ.
يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ:
رَأَيْتُ عَلَى الْحُسَيْنِ مِطْرَفًا مِنْ خَزٍّ، قَدْ خَضَبَ
رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
الشَّعْبِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عَلَى الْحُسَيْنِ جُبَّةً
مِنْ خَزٍّ.
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: أُصِيبَ الْحُسَيْنُ
وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ.
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: رَأَيْتُ
الْحُسَيْنَ يَخْضِبُ بِالوَسْمَةِ يَتَخَتَّمُ فِي شَهْرِ
رَمَضَانَ.
وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الْحُسَيْنَ كَانَ يَخْضِبُ
بِالْوَسْمَةِ.
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ قَيْسٍ مَوْلَى خَبَّابٍ
قَالَ: رَأَيْتُ الْحُسَيْنَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
وَقَالَ طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَشَارَنِي
الْحُسَيْنُ فِي الخروج، فقلت: لولا
__________
1 إسناده ضعيف: وأخرجه الطبراني "2824" في الكبير، وفيه عنعنة أبي
إسحاق، وهو مدلس.
2 إسناده ضعيف: أخرجه الطبراني "2878" وفيه ابن جدعان من الضعفاء.
(5/68)
أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ لَنَشَبْتُ يَدِي
فِي رَأْسِكَ، فَقَالَ: لأَنْ أُقْتَلَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذا
أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَسْتَحِلَّ حُرْمَتَهَا -يَعْنِي
الْحَرَمَ- فَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي سَلَى نَفْسِي عَنْهُ1.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لَوْ أَنَّ الْحُسَيْنَ لَمْ
يَخْرُجْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا كَانَ رَأْيُ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ،
وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَجَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ، وَكلَّمُوهُ
فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَصْرَعِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي
الْحَوَادِثِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ الرَّأْسَ قُدِمَ بِهِ
عَلَى يَزِيدَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي حَمْزَةُ
بْنُ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ امْرَأَةً مِنْ
أَجْمَلِ النِّسَاءِ وَأَعْقَلِهِنَّ يُقَالُ لَهَا: رَيَّا
حَاضِنَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، يُقَالُ: بَلَغَتْ مِائَةَ
سَنَةٍ، قَالَتْ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى يَزِيدَ، فَقَالَ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْشِرْ فَقَدْ مَكَّنَكَ اللَّهُ مِنَ
الْحُسَيْنِ، فَحِينَ رآه خمر وجهه كأنه يشم منه رَائِحَةٍ، قَالَ
حَمْزَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: أَقْرَعَ ثَنَايَاهُ بِقَضِيبٍ؟
قَالَتْ: إِيْ وَاللَّهِ2.
ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وَقَدْ كَانَ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِهَا
أَنَّهُ رَأَى رَأْسَ الْحُسَيْنِ مَصْلُوبًا بِدِمَشْقَ ثَلاثَةَ
أَيَّامٍ، وَحَدَّثَتْنِي رَيَّا أَنَّ الرَّأْسَ مَكَثَ فِي
خَزَائِنِ السِّلاحِ حَتَّى وَلِيَ سُلَيْمَانُ الْخِلافَةَ،
فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَجِيءَ بِهِ وَقَدْ بَقِيَ عَظْمًا أَبْيَضَ،
فَجَعَلَهُ فِي سَفَطٍ وَكَفَّنَهُ وَدَفَنَهُ فِي مَقَابِرِ
الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا دخلت الْمُسَوِّدَةَ سَأَلُوا عَنْ
مَوْضِعِ الرَّأْسِ فَنَبَشُوهُ وَأَخَذُوهُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ
مَا صُنِعَ بِهِ3. وَذَكَرَ الْحِكَايَةَ وَهِيَ طَوِيلَةٌ
قَوِيَّةُ الإِسْنَادِ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
نَصْرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ
الْمَذْكُورِ.
وَعَنْ أَبِي قَبِيلٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ احْتَزُّوا
رَأْسَهُ وَقَعَدُوا فِي أَوَّلِ مَرْحَلَةِ يَشْرَبُونَ
النَّبِيذَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ قَلَمٌ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ حَائِطٍ
فَكَتَبَ بِسَطْرِ دَمٍ:
أَتَرْجُو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْنًا ... شَفَاعَةَ جَدِّهِ يوم
الحساب
فهربوا وتركوا الرأس4.
وسئل نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ قَبْرِ الْحُسَيْنِ،
فلم يعلم أين هو.
__________
1 خبر صحيح: أخرجه الطبراني "2859" في الكبير، وانظر المجمع "9/
192".
2 السير "3/ 319".
3 إسناده ضعيف: السير "3/ 319" في سنده جهالة بعض الرواة.
4 خبر ضعيف: أخرجه الطبراني "2873" في الكبير، وفيه انقطاع.
(5/69)
وَقَالَ الْجَمَاعَةُ: قُتِلَ يَوْمَ
عَاشُورَاءِ، زَادَ بَعْضُهُمْ يَوْمَ السَّبْتِ. قُلْتُ:
فَيَكُونَ عُمْرُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَارِيخِ مَوْلِدِهِ
سِتًّا وَخَمْسِينَ سَنَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةَ
أَيَّامٍ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ قَتَّةَ يَرْثِيهِ:
وَإِنَّ قَتِيلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَذَلَّ رِقَابًا
مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ
فَإِنْ يَتَّبِعُوهُ عَائِذَ الْبَيْتِ يُصْبِحُوا ... كَعَادٍ
تَعَمَّتْ عَنْ هُدَاهَا فَضَلَّتِ
مَرَرْتُ عَلَى أَبْيَاتِ آلِ مُحَمَّدٍ ... فَأَلْفَيْتُهَا
أَمْثَالَهَا حِينَ حَلَّتِ
وَكَانُوا لَنَا غَنَمًا فعادوا رزية ... لقد عظمت تلك الزوايا
وَجَلَّتِ
فَلا يُبْعِدُ اللَّهُ الدِّيَارَ وَأهْلَهَا ... وَإِنْ
أَصْبَحَتْ مِنْهُمْ بِرَغْمِي تَخَلَّتِ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الأَرْضَ أَضْحَتْ مَرِيضَةً ... لِفَقْدِ
حُسَيْنٍ وَالْبِلادُ اقْشَعَرَّتِ1
يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: أَذَلَّ رِقَابًا، أَيْ ذَلَّلَهَا، يَعْنِي
أنهم لا يزعمون عن قتل قرشي بعد الحسين، وعائذ إلى الْبَيْتِ هُوَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ.
25- حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ السَّكُونِيُّ2 أَحَدُ أُمَرَاءِ
الشَّامِ، وَهُوَ الَّذِي حَاصَرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ مَرَّ
مِنْ أَخْبَارِهِ فِي الْحَوَادِثِ وَأنَّهُ قُتِلَ بِالْجِزِيرَةِ
سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّينَ.
26- الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيُّ3 تُوُفِّيَ سَنَةَ
سَبْعٍ وَسِتِّينَ.
27- حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَسْلَمِيُّ4 -م د ن- الَّذِي لَهُ
صُحْبَةٌ ورواية. وروى أيضا عن: أبي بكر، وعمر.
روى عنه: عروة بن الزبير، وسليمان بن سياه، وحنظلة بن علي الأسلمي،
وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابنه محمد بن حمزة.
وهو كان البشير إلى أبي بكر بوقعة أجنادين، أخرج له مسلم، وأبو
داود،
__________
1 انظر: الاستيعاب "1/ 379"، وتهذيب تاريخ دمشق "4/ 345"، والبداية
"8/ 211"، والسير "3/ 318".
2 انظر: تهذيب تاريخ دمشق "4/ 374"، والبداية والنهاية "8/ 224".
3 سبقت الترجمة له.
4 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 315"، الاستيعاب "1/ 276"، أسد الغابة
"2/ 50".
(5/70)
والنسائي، وتوفي سنة إحدى وستين، وَقَدْ
أَمَّرَهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- على سرية، وَكَانَ رَجُلا
صَالِحًا يَسْرُدُ الصَّوْمَ.
ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ.
وَقَالَ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ الأَسْلَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَتَفَرَّقْنَا
فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ دِحْمَسَةٍ، فَأَضَاءَتْ أَصَابِعِي حَتَّى
جَمَعُوا عَلَيْهَا ظَهْرَهُمْ "وَمَا هَلَكَ مِنْهُمْ"1 وَإِنَّ
أَصَابِعِي لَتُنِيرُ2.
28- حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ أَبُو مثنى الْهِلَالِيُّ3، شَاعِرٌ
مَشْهُورٌ إِسْلامِيُّ. أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالسِّنِّ، وَقَالَ الشِّعْرَ فِي أَيَّامِ
عُمَرَ، وَوَفَدَ عَلَى مَرْوَانَ وَابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ
وَكَانَ يُشَبِّبُ بِجَمَلٍ، وَهُوَ مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ
الْمَذْكُورِينَ.
رَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ أَبِيهِ، أنَّ حُمَيْدَ
بْنَ ثَوْرٍ وَفَدَ عَلَى بَعْضِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ: مَا
جَاءَ بِكَ؟ فَقَالَ:
أَتَاكَ بِيَ اللَّهُ الَّذِي فَوْقَ عَرْشِهِ ... وخير معروف
عَلَيْكَ دَلِيلُ
وَمَطْوِيَّةُ الأَقْرَابِ أَمَّا نَهَارُها ... فَسَيْبٌ وَأَمَّا
لَيْلُهَا فَذَمِيلُ
وَيَطْوِي عَلَيَّ اللَّيْلُ حِصْنَيْهِ إنني ... لذاك إذا هاب
الرجال فغول4
"حرف الذَّالِ":
29- ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ5 -ع- رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بْنُ
الْحُسَيْنِ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَجَمَاعَةٌ. وَكَانَ
قَارِئًا، فَصِيحًا، عَالِمًا.
"حرف الرَّاءِ":
30- رَبِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو6 وَيُقَالُ: ابْنُ الْحَارِثِ
الْجُرَشِيُّ، أبو الغاز.
__________
1 زيادة من "التاريخ الكبير" للبخاري.
2 حديث ضعيف: أخرجه الطبراني "2991"، في الكبير، وفيه كثير بن زيد
متكلم فيه، وانظر المجمع "9/ 411".
3 انظر: الاستيعاب "1/ 367"، وأسد الغابة "1/ 53، 54".
4 إسناده منقطع.
5 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 295"، والجرح والتعديل "3/ 451"،
والتهذيب "3/ 220".
6 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 438"، الجرح والتعديل "3/ 472"، أسد
الغابة "2/ 170".
(5/71)
أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: لَهُ صُحْبَةٌ.
وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ.
رَوَى عَنْهُ: خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، وَعَلِيُّ بْنُ رَبَاحٍ،
وَأَبُو هِشَامٍ الْغَازُ بْنُ رَبِيعَةَ وَلَدُهُ: قَالَ أَبُو
الْمُتَوَكِّلِ الناجي: سألت عن ربيعة الجرشي وكان فقيه النَّاسُ
فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: فُقِئَتْ عَيْنُ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ يَوْمَ
صِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَقُتِلَ يَوْمَ مَرْجِ رَاهِطٍ مَعَ
الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ1.
وَقَالَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ،
إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ
الْخَيْرَ مِنْ أَحَدِكُمْ كَشِرَاكِ نَعْلِهِ، وَجَعَلَ الشَّرَّ
مِنْهُ مُدَّ بَصَرِهِ.
31- رَبِيعَةُ بْنُ كعب -م 4- أبو فراس الأسلمي2.
المدني، مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ. خَدَمَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَزَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى
بَرِيدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، لَهُ أَحَادِيثُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَنُعَيْمٌ
الْمُجْمِرُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، وَأَبُو
عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ.
تُوُفِّيَ أَيَّامَ الْحَرَّةِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْأَلُ مُرَافَقَتَكَ فِي
الْجَنَّةِ، فَقَالَ: "أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ
السُّجُودِ" 3.
32- الربيع بن خثيم -ع إلا هـ-.
أبو يزيد الثوري الكوفي4. مِنْ سَادَةِ التَّابِعِينَ
وَفُضَلائِهِمْ.
رَوَى عَنْ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ
الأَنْصَارِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ.
روى عنه: إبراهيم النخعي، والشعبي، وهلال بن يساف، وآخرون.
وكان يعد من عقلاء الرجال، توفي قبل سنة خمس وستين.
__________
1 الطبقات الكبرى "7/ 438".
2 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 313"، والاستيعاب "1/ 506"، أسد الغابة
"2/ 171، 172".
3 حديث صحيح: أخرجه مسلم "489"، والبخاري في الأدب المفرد "1218"،
وأحمد "4/ 59"، وأبو داود "1306"، والترمذي "3476"، والنسائي "2/
209، 227".
4 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 182"، والسير "4/ 258".
(5/72)
وعن أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ إِذَا
دَخَلَ عَلَى أَبِي لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِذْنٌ لأَحَدٍ حَتَّى
يَفْرُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ، فقال عبد اللَّهِ: يَا
أَبَا يَزِيدَ، لَوْ رَآكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَأَحَبَّكَ وَمَا رَأَيْتُكَ إِلا ذَكَرْتُ
الْمُخْبِتِينَ1.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ:
كَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ إِذَا أَتَاهُ الرَّجُلُ قَالَ:
اتَّقِ اللَّهَ فِيمَا عَلِمْتَ، وَمَا اسْتُؤْثِرَ بِهِ عَلَيْكَ،
فَكِلْهُ إِلَى عَالِمِهِ؛ لأَنَا عَلَيْكُمْ فِي الْعَمْدِ
أخْوَفُ مِنِّي عَلَيْكُمْ فِي الْخَطَإِ2.
وَعَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: مَا لا نَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ
يَضْمَحِلُّ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ
أَشَدُّ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَعًا.
"حرف الزَّاي":
33- زيد بن أرقم -ع- بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ،
أَبُو عمرو، وَيُقَالُ: أَبُو عَامِرٍ، وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيدٍ،
وَيُقَالُ: أَبُو أُنَيْسَةَ، الأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ3،
نَزِيلُ الْكُوفَةِ.
قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ
" الله قد "4 صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ"، وَكَانَ قَدْ نُقِلَ إِلَيْهِ
أَنَّ ابْنَ أُبَيٍّ قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: {لَئِنْ
رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا
الْأَذَلَّ} [المنافقون: 8] ، فَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفْلِهِ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ
بِتَصْدِيقِهِ5.
وَقَالَ زَيْدٌ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً.
وَلِزَيْدٍ رِوَايَةٌ كَثِيرَةٌ، روى عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى،
وأبو عمرو الشيباني -واسمه سعيد بْنُ إِيَاسٍ- وَطَاوُسٌ،
وَعَطَاءٌ، وَيَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ ابْنُ إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عَنْ بَعْضِ
قَوْمِهِ، عَنْ زَيْدِ بْن أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ يَتِيمًا فِي
حِجْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَخَرَجَ بِي مَعَهُ إِلَى
مُؤْتَةَ مردفي
__________
1 خبرٌ صحيحٌ: وأخرجه أبو نعيم "2/ 106" في الحلية، وابن سعد "6/
182، 183"، في طبقاته.
2 خبر حسن: أخرجه ابن سعد "6/ 185"، وأبو نعيم "2/ 108".
3 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 18"، والاستيعاب "1/ 556"، وأسد الغابة
"2/ 319".
4 سقط من الأصل، والاستدراك من كتب الحديث.
5 حديث صحيح: أخرجه البخاري "8/ 494، 497"، ومسلم "2772"، وأحمد
"4/ 373".
(5/73)
عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ1.
وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: رَدَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ نَفَرًا اسْتَصْغَرَهُمْ،
مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ، وَأُسَامَةُ، وَالْبَرَاءُ، وَزَيْدُ بْنُ
ثَابِتٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَجَعَلَهُمْ حَرَسًا
لِلذَّرَارِي وَالنِّسَاءِ بِالْمَدِينَةِ2.
وَرَوى يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدٍ
قَالَ: رَمَدْتُ، فَعَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا زَيْدُ إِنْ كَانَتْ عَيْنَكَ
عَمِيَتْ لِمَا بِهَا كَيْفَ تَصْنَعُ"؟ قُلْتُ: أَصْبِرُ
وَأَحْتَسِبُ، قَالَ: "إِنْ فَعَلْتَ دَخَلْتَ الْجَنَّةَ" 3.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ.
وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أُنَيْسَةَ بِنْتِ
زَيْدِ بْنِ أرقم، أن أباها عمي بعد مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ
بَصَرَهُ4.
وَقَالَ أَبُو الْمِنْهَالِ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ عَنِ الصَّرْفِ،
فَقَالَ: سَلْ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنِّي،
وَأَعْلَمُ.
قَالَ خَلِيفَةُ، وَالْمَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ
وَسِتِّينَ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ
ثَمَانٍ وَسِتِّينَ.
34- زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ5 صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ.
قَالَ خَلِيفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ. سَيُعَادُ.
"حرف السِّينِ":
35- السَّائِبُ بْنُ الأَقْرَعِ بْنِ جَابِرِ بْنِ سُفْيَانَ
الثقفي6.
__________
1 إسناده ضعيف: السير "3/ 166" فيه جهالة بعض الرواة.
2 إسناده مرسل: وهو من أنواع الضعيف، وأخرجه الطبراني "4962" بنحوه
في الكبير، وفيه بعض المجاهيل.
3 حديث صحيح: أخرجه أحمد "4/ 375"، وأبو داود "3102"، والحاكم "1/
342" وصححه، وأقره، والطبراني "5052" في الكبير.
4 إسناده ضعيف: وأخرجه الطبراني "5126" في الكبير، وفيه بعض
المجاهيل.
5 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 344"، والاستيعاب "1/ 558"، وأسد
الغابة "2/ 228".
6 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 102"، والاستيعاب "2/ 104"، وأسد
الغابة "2/ 249".
(5/74)
ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً،
وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَسَحَ
بِرَأْسِهِ، وَوَلاهُ عُمَرُ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ
نَهَاوَنْدَ، وَاسْتَخْلَفَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ عَلَى
أَصْبَهَانَ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ بِأَصْبَهَانَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ
عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، الثَّقَفِيُّ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
36- سَعِيدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ بَحْدَلٍ الْكَلْبِيُّ1، أَخُو
حَسَّانٍ الْمَذْكُورِ. وَلِيَ إِمْرَةَ الْجِزِيرَةِ
وَقِنَّسْرِينَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ
دَيْرُ ابْنِ بَحْدَلٍ مِنْ إِقْلِيمِ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَانَ
شَرِيفًا مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ.
37- سُلَيْمَانُ بن صرد -ع- بن الجون الخزاعي، أبو مطرف الكوفي2.
لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
ورَوَى أَيْضًا عَنْ: أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَجُبَيْرِ بْنِ
مُطْعِمٍ.
ورَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، وَعَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ،
وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
وَكَانَ صالحًا دينًا، من أشراف قومه، خرج في جَمَاعَةٍ تَابُوا
إِلَى اللَّهِ مِنْ خِذْلانِهِمُ الْحُسَيْنَ وَطَلَبُوا بِدَمِهِ،
كَمَا تَقَدَّمَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، فَقُتِلَ إِلَى
رَحْمَةِ اللَّهِ هُوَ وَعَامَّةُ جُمُوعِهِ، وَسُمُّوا جَيْشَ
التَّوَّابِينَ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ حَوْشَبًا ذَا ظُلَيْمٍ
يَوْمَ صِفِّينَ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: كَانَ
مِمَّنْ كَاتَبَ الْحُسَيْنَ يَسْأَلُهُ الْقُدُومَ إِلَى
الْكُوفَةِ لِيُبَايِعُوهُ، فَلَمَّا عَجَزَ عَنْ نَصْرِهِ نَدِمَ.
قِيلَ: عَاشَ ثَلاثًا وَتِسْعِينَ سَنَةً.
38- سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ الأَزْدِيُّ، وَيُقَالُ: السَّدُوسِيُّ3.
وفد على النبي صلى الله عليه مِنْ نَوَاحِي الْبَلْقَاءِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: لَهُ صُحْبَةٌ رَوَى عَنْهُ: أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَسَعْدُ بْنُ جُبَيْرٍ،
سَمِعْتُ أَبِي يقول ذلك.
قلت: وروى ابْنُ عَسَاكِرَ حَدِيثَ إِسْلامِهِ، وَقِصَّتَهُ مَعَ
رِئْيِهِ من الجن من طريق:
__________
1 انظر: تهذيب تاريخ دمشق "6/ 173".
2 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 25"، والاستيعاب "2/ 63"، وأسد الغابة
"2/ 351".
3 انظر: الاستيعاب "2/ 123"، وأسد الغابة "2/ 375"، الإصابة "2/
96".
(5/75)
سعيد بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْهُ، وَأَرْسَلَهُ
أَبُو جَعْفَرٍ، وَإِسْنَادُ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ يَتَكَهَّنُ وَيَقُولُ
الشِّعْرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَقَدْ دَاعَبَهُ عُمَرُ يَوْمًا
فَقَالَ: مَا فَعَلَتْ كَهَانَتُكَ يَا سَوَادُ؟ فَغَضِبَ وَقَالَ:
مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنْ جَاهِلِيَّتِنَا وَكُفْرِنَا شَرٌّ مِنَ
الْكَهَانَةِ، فَاسْتَحْيَا عُمَرُ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِهِ
فِي بِدْءِ الإِسْلامِ، وَمَا أَتَاهُ بِهِ رِئْيُهُ مِنْ ظُهُورِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
"حرف الشِّينِ":
39- شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ2، قَدْ مَرَّ.
وَقِيلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ.
40- شُرَحْبِيلُ بْنُ ذِي الْكَلاعِ الْحِمْيَرِيُّ3 مِنْ كِبَارِ
أُمَرَاءِ الشَّامِ. قُتِلَ مَعَ ابْنِ زِيَادٍ.
41- شَقِيقُ بْنُ ثَوْرٍ -ن- أبو الفضل السدوسي4 البصري، رَئِيسُ
بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ فِي الإِسْلامِ، وَكَانَ حَامِلُ رَايَتِهِمْ
يَوْمَ الْجَمَلِ، وَشَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ. رَوَى عَنْ:
أَبِيهِ، وَعَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ.
رَوَى عَنْهُ: خَلادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّنْعَانِيُّ،
وَأَبُو وَائِلٍ.
وَلَهُ وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَقُتِلَ أَبُوهُ بِتُسْتَرَ
مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ.
وَقَالَ غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، إِنَّ
شَقِيقَ بْنَ ثَوْرٍ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: لَيْتَهُ
لَمْ يَكُنْ سَيِّدَ قَوْمِهِ، كَمْ مِنْ بَاطِلٍ قَدْ
حَقَّقْنَاهُ وَحَقٍّ قَدْ أَبْطَلْنَاهُ5.
تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ ظَنًّا.
42- شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ6 الضَّبَّابِيُّ الَّذِي احْتَزَّ
رَأْسَ الْحُسَيْنِ عَلَى الأشهر،
__________
1 خبر صحيح: أخرجه البخاري "3866"، والإسماعيلي في "مستخرجه" كما
في الفتح "7/ 179".
2 سبق الترجمة له.
3 انظر: تاريخ الطبر "5/ 535، 594"، والكامل "4/ 149، 180" في
التاريخ لابن الأثير.
4 انظر: الجرح والتعديل "4/ 372"، والسير "3/ 538".
5 السير "3/ 538".
6 انظر: تاريخ الطبري "6/ 52، 53"، ووفيات الأعيان "7/ 68".
(5/76)
كَانَ مِنْ أُمَرَاءِ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ زِيَادٍ، وَقَعَ بِهِ أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ فَبَيَّتُوهُ،
فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو
بِشْرٍ هَارُونَ الْكُوفِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَ شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ
يُصَلِّي مَعَنَا الْفَجْرَ، ثُمَّ يَقْعُدُ حَتَّى يُصْبِحَ،
ثُمَّ يُصَلِّي فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ شَرِيفٌ تُحِبُّ
الشَّرَفَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي شَرِيفٌ، فَاغْفِرْ لِي،
فَقُلْتُ: كَيْفَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، وَقَد خَرَجْتَ إِلَى
ابْنِ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأعَنْتَ عَلَى قَتْلِهِ؟ قَالَ: وَيْحَكَ، فَكَيْفَ نَصْنَعُ،
إِنَّ أُمَرَاءَنَا هَؤُلاءِ أَمَرُونَا بِأمرٍ، فَلَمْ
نُخَالِفْهُمْ، وَلَوْ خَالَفْنَاهُمْ كُنَّا شَرًّا مِنْ هَذِهِ
الْحُمُرِ1.
قُلْتُ: وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، اسْمُهُ شُرَحْبِيلُ، وَيُقَالُ:
أَوْسٌ، وَيُقَالُ: عُثْمَانُ الْعَامِرِيُّ الضَّبَابِيُّ،
وَكُنْيَتُهُ -أَعْنِي شِمْرَ: أَبُو السَّابِغَةِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
قَالَ: رَأَيْتُ قَاتِلَ الْحُسَيْنِ شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ،
مَا رَأَيْتُ بِالْكُوفَةِ أَحَدًا عَلَيْهِ طَيْلَسَانَ غَيْرَهُ.
وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى يَزِيدَ
مَعَ آلِ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
"حرف الصَّادِ":
43- صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ2 أَبُو الصَّهْبَاءِ الْعَدَوِيُّ
الْبَصْرِيُّ، الْعَابِدُ مِنْ سَادَةِ التَّابِعِينَ.
يُرْوَى لَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ وَاحِدٌ.
رَوَى عَنْهُ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمُعَاذَةُ الْعَدَوِيَّةُ
-وَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَثَابِتُ الْبُنَانِيُّ، وَحُمَيْدُ بْنُ
هِلالٍ، وَغَيْرُهُمْ حِكَايَاتٍ.
رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَكُونُ فِي أُمَّتِي
رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: صِلَةُ، يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ
كَذَا وَكَذَا"3. حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ كَمَا تَرَى.
جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، عَنْ
مُعَاذَةَ قَالَتْ: كان أبو الصهباء يصلي
__________
1 إسناده صحيح: تهذيب تاريخ دمشق "6/ 340".
2 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 134"، وأسد الغابة "4/ 34"، والسير "3/
497".
3 حديث ضعيف: وأخرجه أبو نعيم "2/ 241" في الحلية، وسنده معضل.
(5/77)
حَتَّى مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ
فِرَاشَهُ إِلا زَحْفًا1.
وَقَالَتْ مُعَاذَةُ: كَانَ أَصْحَابُ صِلَةَ إِذَا الْتَقَوْا
عَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا2.
وَقَالَ ثَابِتٌ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ يَنْعِي
أَخَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَدْنُ فَكُلْ، فَقَدْ نُعِيَ إِلَيَّ أَخِي
مُنْذُ حِينٍ3، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] .
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ ثَابِتٌ أَنَّ صِلَةَ كَانَ
فِي الْغَزْوِ، وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ
تَقَدَّمْ فَقَاتِلْ حَتَّى أَحْتَسِبَكَ، فَحَمَلَ فَقَاتَلَ
حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ هُوَ فَقُتِلَ، فَاجْتَمَعَ
النِّسَاءُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ،
فَقَالَتْ: إِنْ كُنْتُنَّ جئتن لتهنئتي فَمَرْحَبًا بِكُنَّ،
وَإِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ فارجعن4.
وفي الزهد لابن المبارك، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدِ
بْنِ هِلالٍ، عَنْ صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ قَالَ: خَرَجْنَا فِي
بَعْضِ قُرَى نَهْرِ تِيرَى وَأَنَا عَلَى دَابَّتِي فِي زَمَنِ
فُيُوضِ الْمَاءِ، فَأَنَا أَسِيرُ عَلَى مُسَنَّاةٍ5 فَسِرْتُ
يَوْمًا لا أَجِدُ شَيْئًا آكُلُهُ، فَلَقِيَنِي عِلْجٌ يَحْمِلُ
عَلَى عَاتِقِهِ شَيْئًا، فَقُلْتُ: ضَعْهُ، فَوَضَعَهُ، فَإِذَا
هُوَ خُبْزٌ، فَقُلْتُ: أَطْعِمْنِي، قَالَ: إنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ
فِيهِ شَحْمَ خِنْزِيرٍ، فَتَرَكْتُهُ، ثُمَّ لَقِيتُ آخَرَ
يَحْمِلُ طَعَامًا فَقُلْتُ: أَطْعِمْنِي، فَقَالَ: تَزَوَّدْتُ
بِهَذَا لِكَذَا وَكَذَا مِنْ يَوْمٍ، فَإِنْ أَخَذْتَ مِنْهُ
شَيْئًا أَجَعْتَنِي، فَتَرَكْتُهُ وَمَضَيْتُ، فَوَاللَّهِ إِنِّي
لأَسِيرُ إِذْ سَمِعْتُ خَلْفِي وَجْبَةً كَوَجْبَةِ الطَّيْرِ
فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا هُوَ شَيْءٌ مَلْفُوفٌ فِي سِبٍّ أَبْيَضَ
-أَيْ خِمَارٍ- فَنَزَلْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ دَوْخَلَّةٌ
مِنْ رُطَبٍ فِي زَمَانٍ لَيْسَ فِي الأَرْضِ رُطَبَةٌ، فَأَكَلْتُ
مِنْهُ، ثُمَّ لَفَفْتُ مَا بَقِيَ، وَرَكِبْتُ الْفَرَسَ
وَحَمَلْتُ مَعِي نَوَاهُنَّ6.
قَالَ جَرِيرٌ: فَحَدَّثَنِي أَوْفَى بْنُ دَلْهَمٍ قَالَ:
رَأَيْتُ ذَلِكَ السِّبَّ مَعَ امْرَأَتِهِ ملفوفًا فيه مصحف، ثم
فقد بعد.
__________
1 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "7/ 136" في الطبقات الكبرى.
2 السير "3/ 498".
3 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "7/ 137"، وأبو نعيم "2/ 238" في
الحلية.
4 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "7/ 137"، والحلية "2/ 239".
5 المسناة: سد تبنى للسيل لكي ترد الماء.
6 خبر صحيح: وأخرجه أبو نعيم "2/ 239" في الحلية.
(5/78)
قُلْتُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَى
نَحْوَهُ عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ
نَضْلَةَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: ثنا الْمُسْلِمُ بْنُ سَعِيدٍ
الْوَاسِطِيُّ، أنا حَمَّادُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ
أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي غُزَاةٍ إِلَى كَابِلَ،
وَفِي الْجَيْشِ صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ، فَنَزَلَ النَّاسُ عِنْدَ
الْعَتْمَةِ، فَقُلْتُ: لأَرْمِقَنَّ عَمَلَهُ، فَصَلَّى، ثُمَّ
اضْطَجَعَ، فَالْتَمَسَ غَفْلَةَ النَّاسِ، ثُمَّ وَثَبَ فَدَخَلَ
غَيْضَةً، فَدَخَلْتُ فِي أَثَرِهِ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ
يُصَلِّي فَافْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَجَاءَ أَسَدٌ حَتَّى دَنَا
مِنْهُ فَصَعِدْتُ فِي شَجَرَةٍ قَالَ: أَفَتَرَاهُ الْتَفَتَ
إِلَيْهِ أَوِ اعْتَدَّ بِهِ حَتَّى سَجَدَ؟ فَقُلْتُ: الآنَ
يَفْتَرِسُهُ فَلا شَيْءَ، فَجَلَسَ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَالَ:
أَيُّهَا السَّبْعُ، اطْلُبْ رِزْقَكَ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ،
فَوَلَّى وَإِنَّ لَهُ لَزَئِيرًا، أَقُولُ: تصدع منه الجبال،
فَمَا زَالَ كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ جَلَسَ
فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَحَامِدَ لَمْ أَسْمَعْ بِمِثْلِهَا، إِلا مَا
شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ
تُجِيرَنِي مِنَ النَّارِ أَوْ مِثْلِي يَجْتَرِئُ أَنْ يَسْأَلَكَ
الْجَنَّةَ، ثُمَّ رجع، فأصبح كأنه بات على الحشايا، وَقَدْ
أَصْبَحْتُ وَبِي مِنَ الْفَتْرَةِ شَيْءٌ اللَّهُ به عليم1.
روى نحوها أبو النعيم فِي الْحِلْيَةِ بِإِسْنَادٍ لَهُ، إِلَى
مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ.
وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى،
حَدَّثَنِي الْعَلاءُ بْنُ هِلالٍ الْبَاهِلِيُّ أَنَّ رَجُلا
قَالَ لِصِلَةَ: يَا أَبَا الصَّهْبَاءِ، إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي
أُعْطِيتُ شَهَادَةً، وَأُعْطِيتَ شَهَادَتَيْنِ، فَقَالَ:
تُسْتَشْهَدُ، وَأُسْتَشْهَدُ أَنَا وَابْنِي، فَلَمَّا كَانَ
يَوْمُ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ لَقِيَهُمُ التُّرْكُ بسِجِسْتَانَ،
فَكَانَ أَوَّلُ جَيْشٍ انْهَزَمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ
صِلَةُ: يَا بُنَيَّ ارْجِعْ إِلَى أُمِّكَ، فَقَالَ: يَا أَبَتِ
تُرِيدُ الْخَيْرَ لِنَفْسِكَ وَتَأْمُرُنِي بِالرُّجُوعِ! ارْجِعْ
أنت، قال: وأما إذا قلت هذا فتقدم فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى
أُصِيبَ، فَرَمَى صِلَةُ عَنْ جَسَدِهِ، وَكَانَ رَجُلا رَامِيًا،
حَتَّى تَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَأَقْبَلَ حَتَّى أَقَامَ عَلَيْهِ
فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ2.
قُلْتُ: وَذَلِكَ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وستين.
__________
1 خبر ضعيف: أخرجه أبو نعيم "2/ 240" في الحلية، وابن المبارك
"813" في الزهد.
2 خبر صحيح: السير "3/ 500".
(5/79)
"حرف الضَّادِ":
44- الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ1 الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ، أخو
فاطمة بنت قيس وَعَنْهُ، وَكَانَتْ أَكْبَرُ مِنْهُ بِعَشْرِ
سِنِينَ، لَهُ صُحْبَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَرِوَايَةٌ، يُكْنَى
أَبَا أُمَيَّةَ، وَيُقَالُ: أَبَا أُنَيْسٍ، وَيُقَالُ: أَبَا
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ: أَبَا سَعِيدٍ.
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ: حَبِيبِ بْنِ مُسْلِمَةَ.
رَوَى عَنْهُ: مُعَاوِيَةُ -وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ،
وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُوَيْدٍ الْفِهْرِيُّ،
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ
سَعْدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ.
وَشَهِدَ فَتْحَ دمشق وسكنها، وكان على عسكر أهل الشام يَوْمَ
صِفِّينَ.
وَقَالَ حَجَّاجٌ الأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي،
مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ
أَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ
بْنُ قَيْسٍ -وَهُوَ عَدْلُ عَلَى نَفْسِهِ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لا يَزَالُ وَالٍ
مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى النَّاسِ"2.
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ: ثنا حَمَّادٌ، أنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ،
عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ كَتَبَ إِلَى
قَيْسِ بْنِ الْهَيْثَمِ حِينَ مَاتَ يَزِيدُ: سَلامٌ عَلَيْكَ،
أَمَّا بَعْدُ. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ
فِتَنًا كَقِطَعِ الدُّخَّانِ، يَمُوتُ فِيهَا قَلْبُ الرَّجُلِ
كَمَا يَمُوتُ بَدَنُهُ"3. وَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَدْ
مَاتَ، وَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا وَأَشِقَّاؤُنَا، فَلا
تَسْبِقُونَا بِشَيْءٍ حَتَّى نَخْتَارَ لأَنْفُسِنَا.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: كَانَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ
مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَوَلاهُ الْكُوفَةَ، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي
صَلَّى عَلَى مُعَاوِيَةَ وَقَامَ بِخِلافَتِهِ حَتَّى قَدِمَ
يَزِيدُ، وَكَانَ -يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِ يَزِيدُ- قَدْ دَعَا
إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَبَايَعَ لَهُ، ثُمَّ دَعَا لِنَفْسِهِ،
وَفِي بَيْتِ أُخْتِهِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّورَى، وَكَانَتْ
نَبِيلَةُ، وَهِيَ رَاوِيَةُ حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ4.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وُلِدَ الضَّحَّاكُ قَبْلَ وَفَاةِ
النَّبِيِّ -صَلَّى الله عليه وسلم- بسنتين.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 410"، والاستيعاب "2/ 205"، والسير "3/
241".
2 حديث ضعيف: في سنده ابن طلحة، وهو في عداد المجهولين.
3 حديث ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 453"، وابن سعد "7/ 410"، وفيه ابن
جدعان، وهو من الضعفاء.
4 السير "3/ 242".
(5/80)
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ سَمِعَ مِنْهُ.
وَذَكَرَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا،
فَغَلَطَ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: مَاتَ زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ سَنَةَ ثَلاثٍ
وَخَمْسِينَ بِالْكُوفَةِ، فَوَلاهَا مُعَاوِيَةُ الضَّحَّاكَ بْنَ
قَيْسٍ، ثُمَّ عَزَلَهُ مِنْهَا، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى دِمَشْقَ،
وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْكُوفَةِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أُمِّ
الْحَكَمِ، وَبَقِيَ الضَّحَّاكُ عَلَى دِمَشْقَ حَتَّى هَلَكَ
يَزِيدُ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الضَّحَّاكَ
خَطَبَ بِالْكُوفَةِ قَاعِدًا فَقَامَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ
فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِمَامُ قَوْمٍ مُسْلِمِينَ
يَخْطُبُ قَاعِدًا.
وَكَانَ الضَّحَّاكُ أَحَدَ الأَجْوَادِ، كَانَ عَلَيْهِ بُرْدٌ
قِيمَتُهُ ثَلاثُمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ لا يَعْرِفُهُ
فَسَاوَمَهُ بِهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَقَالَ: شُحٌّ
بِالرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ عِطَافَهُ، فَخُذْهُ فَالْبَسْهُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: أَظْهَرَ الضَّحَّاكُ بَيْعَةَ
ابْنِ الزُّبَيْرِ بِدِمَشْقَ وَدَعَا لَهُ، فَسَارَ عَامَّةُ
بَنِي أُمَيَّةَ وَحَشَمُهُمْ وَأَصْحَابُهُمْ حَتَّى لَحِقُوا
بِالأُرْدُنِّ، وَسَارَ مَرْوَانُ وَبَنُو بَحْدَلٍ إِلَى
الضَّحَّاكِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أنا الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
يَزِيدَ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ
مُحَارِبٍ، عَنْ حَرْبِ بْنِ خَالِدٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ: أَنَّ
مُعَاوِيَةَ بْنَ يَزِيدَ لَمَّا مَاتَ دَعَا النُّعْمَانُ بْنُ
بَشِيرٍ بِحِمْصَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَدَعَا زُفَرُ بْنُ
الْحَارِثِ أَمِيرُ قِنَّسْرِينَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَدَعَا
الضَّحَّاكُ بدمشق إلى ابْنِ الزُّبَيْرِ سِرًّا لِمَكَانِ بَنِي
أُمَيَّةَ وَبَنِي كليب، وَبَلَغَ حَسَّانَ بْنَ مَالِكِ بْنِ
بَحْدَلٍ وَهُوَ بِفِلَسْطِينَ، وَكَانَ هَوَاهُ فِي خَالِدِ بْنِ
يَزِيدَ، فَكَتَبَ إِلَى الضَّحَّاكِ كِتَابًا يُعَظِّمُ فِيهِ
حَقَّ بَنِي أُمَيَّةَ وَيَذُمُّ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ
لِلرَّسُولِ: إِنْ قَرَأَ الْكِتَابَ، وَإِلا فَاقْرَأْهُ أَنْتَ
عَلَى النَّاسِ، وَكَتَبَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ يُعْلِمُهُمْ،
فَلَمْ يَقْرَأِ الضَّحَّاكُ كِتَابَهُ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ
اخْتِلافٌ، فَسَكَّنَهُمْ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، وَدَخَلَ
الضَّحَّاكُ الدَّارَ، فَمَكَثُوا أَيَّامًا، ثُمَّ خَرَجَ
الضَّحَّاكُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَذَكَرَ يَزِيدَ فَشَتَمَهُ،
فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ كَلْبٍ فَضَرَبَهُ بِعَصًا،
فَاقْتَتَلَ النَّاسُ بِالسُّيُوفِ، وَدَخَلَ الضَّحَّاكُ داره،
وَافْتَرَقَ النَّاسُ ثَلاثَ فِرَقٍ، فِرْقَةٌ زُبَيْرِيَّةٌ،
وَفِرْقَةٌ بَحْدَلِيَّةٌ هَوَاهُمْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ،
وَفِرْقَةٌ لا يُبَالُونَ، وَأَرَادُوا أَنْ يُبَايِعُوا
الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَبَى وَهَلَكَ
تِلْكَ اللَّيَالِي، فَأَرْسَلَ الضَّحَّاكُ إِلَى مَرْوَانَ،
فَأَتَاهُ هُوَ وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الأَشْدَقُ، وَخَالِدٌ،
وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا يَزِيدَ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ:
اكْتُبُوا إِلَى حَسَّانٍ حَتَّى يَنْزِلَ الْجَابِيَةَ وَنَسِيرُ
إِلَيْهِ، ونستخلف أحدكم،
(5/81)
فَكَتَبُوا إِلَى حَسَّانٍ، فَأَتَى
الْجَابِيَةَ، وَخَرَجَ الضَّحَّاكُ وبنوا أُمَيَّةَ يُرِيدُونَ
الْجَابِيَةَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتِ الرَّايَاتُ مُوَجَّهَةً
قَالَ مَعْنُ بْنُ ثَوْرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَشْرَافِ قَيْسِ
لِلضَّحَّاكِ: دَعَوْتَنَا إِلَى بَيْعَةِ رَجُلٍ أَحْزَمِ
النَّاسِ رَأْيًا وَفَضْلا وَبَأْسًا، فَلَمَّا أَجَبْنَاكَ
خَرَجْتَ إِلَى هَذَا الأَعْرَابِيِّ تُبَايِعُ لابْنِ أَخِيهِ؟
قَالَ: فَمَا الْعَمَلُ؟ قَالُوا: تَصْرِفُ الرَّايَاتِ،
وَتَنْزِلُ فَتُظْهِرُ الْبَيْعَةَ لابْنِ الزُّبَيْرِ، فَفَعَلَ
وَتَبِعَهُ النَّاسُ، وَبَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَكَتَبَ
الضَّحَّاكُ بِإِمْرَةِ الشَّامِ، وَنَفْيِ مَنْ بِمَكَّةَ
وَالْمَدِينَةِ مِنَ الأُمَوِيِّينَ، فَكَتَبَ الضَّحَّاكُ إِلَى
الأُمَرَاءِ الَّذِينَ دَعَوْا إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ
فَأَتَوْهُ، فَلَمَّا رَأَى مَرْوَانُ ذَلِكَ سَارَ يُرِيدُ ابْنَ
الزُّبَيْرِ لِيُبَايِعَ لَهُ وَيَأْخُذَ الأَمَانَ لِبَنِي
أُمَيَّةَ، فَلَقِيَهُمْ بِأذْرِعَاتٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
زِيَادٍ مُقْبِلا مِنَ الْعِرَاقِ، فَحَدَّثُوهُ، فَقَالَ
لِمَرْوَانَ: سبحان الله: أرضيت لنفسك بهذا، أتبايع لِأَبِي
خُبَيْبٍ وَأَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ وَشَيْخُ بَنِي عَبْدِ
مَنَافٍ! وَاللَّهِ لأَنْتَ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ، قَالَ: فَمَا
تَرَى؟ قَالَ: الرَّأْيُ أَنْ تَرْجِعَ وَتَدْعُو إِلَى نَفْسِكَ،
وَأَنَا أُكْفِيكَ قُرَيْشًا وَمَوَالِيهَا، فَرَجَعَ وَنَزَلَ
عُبَيْدُ اللَّهِ بِبَابِ الْفَرَادِيسِ1، فَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى
الضَّحَّاكِ كُلَّ يَوْمٍ، فَعَرضَ لَهُ رَجُلٌ فَطَعَنَهُ
بِحَرْبَةٍ فِي ظَهْرِهِ، وَعَلَيْهِ مِنْ تَحْتِ الدِّرْعِ،
فَانْثَنَتِ الْحَرْبَةُ، فَرَجَعَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى
مَنْزِلِهِ، فَأَتَاهُ الضَّحَّاكُ يَعْتَذِرُ، وَأَتَاهُ
بِالرَّجُلِ فَعَفَا عَنْهُ، وَعَادَ يَرْكَبُ إِلَى الضَّحَّاكِ،
فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: يَا أَبَا أُنَيْسٍ، الْعَجَبُ لَكَ،
وَأَنْتَ شَيْخُ قُرَيْشٍ، تَدْعُو لابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنْتَ
أَرْضَى عِنْدَ النَّاسِ مِنْهُ؛ لِأَنَّكَ لَمْ تَزَلْ
مُتَمَسِّكًا بِالطَّاعَةِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ مُشَاقٌّ
مُفَارِقٌ لِلْجَمَاعَةِ! فَأَصْغِي إِلَيْهِ وَدَعَا إِلَى
نَفْسِهِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَالُوا: قَدْ أَخَذْتَ عُهُودَنَا
وَبَيْعَتَنَا لِرَجُلٍ، ثُمَّ تدعو إلى خَلْعِهِ مِنْ غَيْرِ
حَدَثٍ أَحْدَثَ! وَامْتَنَعُوا عَلَيْهِ، فعاد إلى الدُّعَاءِ
لابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ، فَقَالَ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ: مَنْ أَرَادَ مَا تُرِيدُ لَمْ
يَنْزِلِ الْمَدَائِنَ وَالْحُصُونَ، بَلْ يَبْرُزُ وَيَجْمَعُ
إِلَيْهِ الْخَيْلَ فَاخْرُجْ عَنْ دِمَشْقَ وَضُمَّ إِلَيْكَ
الْأَجْنَادَ، فَخَرَجَ وَنَزَلَ الْمَرْجَ، وَبَقِيَ ابْنُ
زِيَادٍ بِدِمَشْقَ، وَكَانَ مَرْوَانُ وَبَنُو أُمَيَّةَ
بِتَدْمُرَ، وَابْنَا يَزِيدَ بِالْجَابِيَةِ عِنْدَ حَسَّانٍ،
فَكَتَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى مَرْوَانَ: ادْعُ النَّاسَ إِلَى
بيعتك، ثم سر إلى الضحاك فقد أصحر لك، فبايع مروان بني أُمَيَّةَ،
وَتَزَوَّجَ بِأُمِّ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ،
وَهِيَ بِنْتُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَاجْتَمَعَ
خَلْقٌ عَلَى بَيْعَةِ مَرْوَانَ، وَخَرَجَ ابْنُ زِيَادٍ فَنَزَلَ
بِطَرَفِ الْمَرْجِ، وَسَارَ إِلَيْهِ مَرْوَانُ فِي خَمْسَةِ
آلافٍ، وَأَقْبَلَ مِنْ حُوَّارِينَ عباد بن زياد في ألفين من
موليه، وَكَانَ بِدِمَشْقَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي النِّمْسِ
فَأَخْرَجَ عَامِلُ الضَّحَّاكِ مِنْهَا، وَأَمَرَ مَرْوَانُ
بِسِلاحٍ وَرِجَالٍ، فَقَدِمَ إِلَى الضَّحَّاكِ زُفَرُ بْنُ
الْحَارِثِ الْكِلابِيُّ مِنْ قِنَّسْرِينَ، وَأَمَدَّهُ
النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ بِشُرَحْبِيلَ بْنِ ذِي الْكَلاعِ فِي
أَهْلِ حِمْصَ، فَصَارَ الضَّحَّاكُ فِي ثَلاثِينَ أَلْفًا،
وَمَرْوَانُ فِي ثَلاثَةَ
__________
1 أحد أبواب مدينة دمشق القديمة، ويقع شمال الجامع الأموي اليوم.
(5/82)
عَشَرَ أَلْفًا أَكْثَرِهِمْ مِنْ
رِجَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي عَسْكَرِ مَرْوَانَ غَيْرَ ثَمَانِينَ
عَتِيقًا نِصْفُهَا لِعَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ، فَأَقَامُوا
بِالْمَرْجِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَلْتَقُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ،
وَكَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ مَرْوَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
زِيَادٍ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الأَشْدَقُ،
فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: إِنَّا لا نَنَالُ مِنَ الضَّحَّاكِ إلا
بِمَكِيدَةً، فَادْعُ إِلَى الْمُوَادَعَةِ، فَإِذَا أَمِنُوا
فَكِرَّ عَلَيْهِمْ، فَرَاسَلَهُ مَرْوَانُ، فَأَمْسَكَ
الضَّحَّاكُ وَالْقَيْسِيَّةُ عَنِ الْقِتَالِ، وَهُمْ يَطْمَعُونَ
أَنَّ مَرْوَانَ يُبَايِعُ لابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَعَدَّ
مَرْوَانُ أَصْحَابَهُ وَشَدَّ عَلَى الضَّحَّاكِ، فَفَزِعَ
قَوْمُهُ إِلَى رَايَاتِهِمْ، وَنَادَى النَّاسُ: يَا أَبَا
أُنَيْسٍ أعَجْزًا بَعْدَ كَيْسٍ! فَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَعَمْ
أَنَا أَبُو أُنَيْسٍ عَجْزٌ لَعَمْري بَعْدَ كَيْسٍ، وَالْتَحَمَ
الْحَرْبُ، وَصَبَرَ الضَّحَّاكُ، فَتَرَجَّلَ مَرْوَانُ وَقَالَ:
قَبَّحَ اللَّهُ مَنْ يُوَلِّيهِمُ الْيَوْمَ ظَهْرَهُ حَتَّى
يَكُونَ الأَمْرُ لِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، فَقُتِلَ
الضَّحَّاكُ، وَصَبَرَتْ قَيْسُ عَلَى رَايَتِهَا يُقَاتِلُونَ
عندها، فَاعْتَرَضَهَا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، فَكَانَ إِذَا سَقَطَتِ
الرَّايَةُ تَفَرَّقَ أَهْلُهَا، ثُمَّ انْهَزَمُوا، فَنَادَى
مُنَادِي مَرْوَانَ لا تَتَّبِعُوا مُوَلِّيًا1.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قُتِلَتْ قَيْسُ بِمَرْجِ رَاهِطٍ مَقْتَلَةً
لَمْ يُقْتَلْ مِنْهَا قَطُّ، وَذَلِكَ فِي نِصْفِ ذِي الْحِجَّةِ
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ بِشْرٍ
الْكَلْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ شَهِدَ مَقْتَلَ الضَّحَّاكِ
قَالَ: مَرَّ بِنَا زَحْنَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الكلبي، لا يطعن
أحدًا إلا صرعه، إذ حَمَلَ عَلَى رَجُلٍ فَطَعَنَهُ فَصَرَعَهُ،
فَأَتَيْتُهُ فِإذَا هُوَ الضَّحَّاكُ، فَاحْتَزَزْتُ رَأْسُهُ
فَأَتَيْتُ بِهِ مَرْوَانَ، فَكَرِهَ قَتْلَهُ، وَقَالَ: الآنَ
حِينَ كَبِرَتْ سِنِّي واقترب أجلي، أقبلت بالكتائب أَضْرِبُ
بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، وَأَمَرَ لِي بِجَائِزَةٍ2.
"حرف العين":
45- عاصم بن عمرو بن الخطاب3 "ت م ق".
أبو عمر العدوي. وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ حَفْصٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَعُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لا يُرْوَى عَنْهُ إِلا حَدِيثٌ واحد.
__________
1 انظر: السير "3/ 243-245"، وتهذيب تاريخ دمشق "7/ 7، 9".
2 خبر ضعيف: فيه جهالة بعض الرواة.
3 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 15"، والاستيعاب
"3/ 136"، وأسد الغابة "3/ 76".
(5/83)
وَأُمُّهُ هِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ ثَابِتِ
بْنِ أَبِي الأَقْلَحِ الأَنْصَارِيَّةُ الَّتِي كَانَ اسْمُهَا
عَاصِيَةُ، فَغَيَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اسْمَهَا، وَتَزَوَّجَتْ بعمد عُمَرَ يَزِيدَ بْنَ
جَارِيَةَ الأَنْصَارِيَّ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ.
وَكَانَ عَاصِمٌ طَوِيلا جَسِيمًا، يُقَالُ: إِنَّ ذِرَاعَهُ كَانَ
ذِرَاعًا وَنَحْوًا مِنْ شِبْرٍ، وَكَانَ خَيِّرًا فَاضِلا
دَيِّنًا شَاعِرًا مُفَوَّهًا فَصِيحًا، وَهُوَ جَدُّ الْخَلِيفَةِ
الْعَادِلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لأُمِّهِ.
وَلَقَدْ رَثَاهُ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-
فَقَالَ:
فَلَيْتَ الْمَنَايَا كُنَّ خَلَّفْنَ عَاصِمًا ... فَعِشْنَا
جَمِيعًا أَوْ ذَهَبْنَ بِنَا مَعًا
وَقِيلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرِو، تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعِينَ.
46- عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ1 التَّمِيمِيُّ الْعَنْبَرِيُّ
الْبَصْرِيُّ الزَّاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: أَبُو
عَمْرٍو، عَابِدُ زَمَانِهِ.
رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ.
وعنه: الحسن، وابن سيرين، وأبو عبد الرحمن الحبلي وغيرهم.
قال أحمد العجلي: كان ثقة من كبار التابعين.
وقال أبو عبيد في القراءات: كان عامر بن عبد الله الذي يعرف بابن
عبد قيس يقرئ الناس.
ثنا عَبَّادٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عَامِرًا كَانَ
يَقُولُ: مَنْ أُقْرِئُ؟ فَيَأْتِيهِ نَاسٌ، فَيُقْرِئُهُمُ
الْقُرْآنَ، ثُمَّ يَقُومُ يُصَلِّي إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ
يُصَلِّي إِلَى الْعَصْرِ، ثُمَّ يُقْرِئُ النَّاسَ إِلَى
الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، ثُمَّ
يَنْصَرِفُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَأْكُلُ رَغِيفًا وَيَنَامُ
نَوْمَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يَقُومُ لِصَلاتِهِ، ثُمَّ يَتَسَحَّرُ
رَغِيفًا2.
وَقَالَ بِلالُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ
وُشِيَ بِهِ إِلَى زِيَادٍ، وقيل: إلى ابن عامر، فقالوا له: ههنا
رَجُلٌ قِيلَ لَهُ: مَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- خَيْرًا
مِنْكَ، فَسَكَتَ وَقَدْ تَرَكَ النِّسَاءَ، قَالَ: فَكَتَبَ فِيهِ
إِلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ، أَنِ انفه إلى الشام على قتب،
فلما
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 103"، والحلية "2/ 87"، والسير "4/
15".
2 إسناده حسن.
(5/84)
جَاءَهُ الْكِتَابُ أَرْسَلَ إِلَى عَامِرٍ
فَقَالَ: أَنْتَ قِيلَ لَكَ: مَا إِبْرَاهِيمُ خَيْرًا مِنْكَ،
فَسَكَتَّ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا سُكُوتِي إِلا تَعَجُّبًا
لَوَدِدْتُ إِنِّي غُبَارُ قَدَمَيْهِ، فَيَدْخُلُ بِي الْجَنَّةَ،
قَالَ: وَلِمَ تَرَكْتَ النِّسَاءَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا
تَرَكْتُهُنَّ إِلا إِنِّي قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهَا مَتَى تَكُونُ
امْرَأَةٌ فَعَسى أَنْ يَكُونَ وَلَدٌ، وَمَتَى يَكُونُ وَلَدٌ
تَشَعَّبَتِ الدُّنْيَا قَلْبِي، فَأَحْبَبْتُ التَّخَلِّي مِنْ
ذَلِكَ، فَأَجْلاهُ عَلَى قَتَبٍ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ
أَنْزَلَهُ مُعَاوِيَةُ مَعَهُ الْخَضْرَاءَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ،
بِجَارِيَةً، وَأَمَرَهَا أَنْ تُعْلِمَهُ مَا حَالُهُ، فَكَانَ
يَخْرُجُ مِنَ السَّحَرِ، فَلا تَرَاهُ إِلا بَعْدَ الْعَتْمَةِ،
فَيَبْعَثُ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِطَعَامٍ، فَلا يَعْرِضُ لَهُ،
وَيَجِيءُ مَعَهُ بِكِسْرٍ فَيَبِلُّهَا وَيَأْكُلُ مِنْهَا، ثُمَّ
يَقُومُ إِلَى أَنْ يَسْمَعَ النِّدَاءَ فيخرج، ولا تراه إلا
مِثْلِهَا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ يَذْكُرُ
حَالَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: أَنِ اجْعَلْهُ أَوَّلَ
دَاخِلٍ وَآخِرَ خَارِجٍ، وَمُرْ لَهُ بِعَشَرَةٍ مِنَ الدَّقِيقِ
وَعَشَرَةٍ مِنَ الظَّهْرِ، فَأَحْضَرَهُ وَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَ لَكَ بِكَذَا، قَالَ: إِنَّ عَلَيَّ
شَيْطَانًا قَدْ غَلَبَنِي، فَكَيْفَ أَجْمَعُ عَلَى عَشَرَةٍ1.
وَكَانَتْ لَهُ بَغْلَةٌ فَرَوَى بِلالُ بْنُ سَعْدٍ عَمَّنْ رَآهُ
بِأَرْضِ الرُّومِ يَرْكَبُهَا عُقْبَةُ، وَيَحْمِلُ الْمُهَاجِرُ
عُقْبَةَ.
قَالَ بِلالُ بْنُ سَعْدٍ: وَكَانَ إِذَا فَصَلَ غَازِيًا
يَتَوَسَّمُ -يَعْنِي مَنْ يُرَافِقَهُ- فَإِذَا رَأَى رِفْقَةً
تُعْجِبُهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يخدمهم، وأن يؤذن، وأن ينفق
عليهم طَاقَتَهُ2. رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِطُولِهِ فِي
الزُّهْدِ.
وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ عَامِرٌ يَسْأَلُ
رَبَّهُ أن يَنْزَعَ شَهْوَةَ النِّسَاءِ مِنْ قَلْبِهِ، فَكَانَ
لا يُبَالِي إِذَا لَقِيَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَسَأَلَ رَبَّهُ
أن يَمْنَعَ قَلْبَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ
فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: إِنَّ ذَلِكَ ذَهَبَ
عَنْهُ3.
وَعَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ الْمُجَاشِعِيِّ قَالَ: قِيلَ لِعَامِرِ
بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ. أَتُحَدِّثُ نَفْسَكَ فِي الصَّلاةِ؟ قَالَ:
نَعَمْ، أُحَدِّثُ نَفْسِي بِالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
تَعَالَى وَمُنْصَرفِي4.
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ
قَالَ: لَمَّا رَأَى كَعْبُ الأَحْبَارِ عَامِرًا بِالشَّامِ
قَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ، فَقَالَ
كَعْبٌ: هَذَا راهب هذه الأمة.
__________
1 خبر حسن: وأخرجه ابن المبارك "867" في الزهد.
2 الزهد "350" لابن المبارك.
3 خبر صحيح: وأخرجه ابن المبارك "867" في الزهد.
4 خبر حسن: أخرجه ابن المبارك "861".
(5/85)
وَرَوَى جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ
أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: قِيلَ لِعَامِرِ بْنِ عَبْدِ
قَيْسٍ: إِنَّكَ تَبِيتَ خَارِجًا، أَمَا تَخَافُ الأَسَدَ قَالَ:
إني لأستحيي مِنْ رَبِّي أن أَخَافَ شَيْئًا دُونَهُ1.
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ.
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ: لَقِيَ
رَجُلٌ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا هَذَا، أَلَمْ
يَقُلِ اللَّهُ {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}
[الرعد: 38] يَعْنِي: وَأَنْتَ لا تَتَزَوَّجُ، فَقَالَ: أَفَلَمْ
يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى2: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى
الأَزْدِيُّ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ السَّائِحِ، أنبأ أَبُو وَهْبٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ
عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ كَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْعَابِدِينَ،
فَفَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، يَقُومُ
عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَلا يَزَالُ قَائِمًا إِلَى الْعَصْرِ،
ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَقَدِ انْتَفَخَتْ سَاقَاهُ فَيَقُولُ: يَا
نَفْسُ إِنَّمَا خُلِقْتِ لِلْعِبَادَةِ، يَا أَمَّارَةَ بالسوء،
فَوَاللَّهِ لأَعْمَلَنَّ بِكِ عَمَلا يَأْخُذُ الْفِرَاشُ مِنْكِ
نَصِيبًا3.
وَهَبَطَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: وَادِي السِّبَاعِ، وَفِيهِ
عَابِدٌ حَبَشِيٌّ، فَانْفَرَدَ يُصَلِّي فِي نَاحِيَةٍ
وَالْعَابِدُ فِي نَاحِيَةٍ، أَرْبَعِينَ يَوْمًا لا يَجْتَمِعَانِ
إلا فِي صَلاةِ الْفَرِيضَةِ4.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنِ وَاسِعٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الشِّخِّيرِ: إن عامرًا كان يأخذ عطاءه، فيجعله فِي طَرَفِ
ثَوْبِهِ، فَلا يَلْقَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْمَسَاكِينَ إِلا
أَعْطَاهُ، فِإِذَا دَخَلَ بَيْتِهِ رَمَى بِهِ إِلَيْهِمْ،
فَيَعُدُّونَهَا فَيَجِدُونَهَا سَوَاءً كَمَا أُعْطِيهَا5.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ: ثَنَا مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ
أَنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ بَعَثَ إِلَيْهِ أَمِيرُ
الْبَصْرَةِ: مَا لَكَ لا تَزَوَّجُ النِّسَاءَ؟ قَالَ: مَا
تَرَكْتُهُنَّ، وَإِنِّي لَدَائِبٌ فِي الْخَطِيئَةِ، قَالَ: وَمَا
لَكَ لا تَأْكُلُ الْجُبْنَ؟ قَالَ: أَنَا بِأَرْضٍ فِيهَا
مَجُوسٌ، فَمَا شَهِدَ شاهدان من المسلمين
__________
1 خبر حسن: أخرجه ابن المبارك "860" في الزهد.
2 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "7/ 106، 107" في الطبقات.
3 خبر حسن: أخرجه أبو نعيم "2/ 88، 89" في الحلية.
4 الحلية "2/ 89".
5 خبر صحيح: أخرجه ابن المبارك "862" في الزهد.
(5/86)
أَنَّ لَيْسَ فِيهِ مَيْتَةٌ أَكَلْتَهُ،
قَالَ: وَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَأْتِيَ الأُمَرَاءَ؟ قَالَ: إِنَّ
لَدَى أَبْوَابِكُمْ طُلَّابَ الْحَاجَاتِ، فَادْعُوهُمْ وَاقْضُوا
حَوَائِجَهُمْ، وَدَعُوا مَنْ لا حَاجَةَ لَهُ إِلَيْكُمْ1.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: حَدَّثَنِي فُلانٌ أَنَّ عَامِرًا
مَرَّ فِي الرَّحَبَةِ وَإِذَا ذِمِّيٌّ، يُظْلَمُ، فَأَلْقَى
رِدَاءَهُ ثُمَّ قَالَ: لا أَرَى ذِمَّةَ اللَّهِ تُخْفَرُ وَأَنَا
حَيٌّ، فَاسْتَنْقَذَهُ2.
وَيُرْوَى أَنَّ سَبَبَ إِرْسَالِهِ إِلَى الشَّامِ كَوْنُهُ
أَنْكَرَ وَخَلَّصَ هَذَا الذِّمِّيَّ، فَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ: ثنا الْجُرَيْرِيُّ قَالَ: لَمَّا سُيِّرَ عَامِرُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ قَيْسٍ شَيَّعَهُ
إِخْوَانُهُ، وَكَانَ بِظَهْرِ الْمِرْبَدِ، فَقَالَ: إِنِّي دَاعٍ
فَأَمِّنُوا، قَالَ: اللَّهُمَّ مَنْ وَشَى بِي وَكَذَبَ عَلَيَّ
وَأَخْرَجَنِي مِنْ مِصْرِي وَفَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي،
فَأَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَصِحَّ جِسْمَهُ، وَأَطِلْ
عُمْرَهُ3.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: بُعِثَ بِعَامِرِ بْنِ عَبْدِ
قَيْسٍ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
حَشَرَنِي رَاكِبًا.
وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ
لَمَّا احْتُضِرَ جَعَلَ يَبْكِي، فَقِيلَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ:
وَاللَّهِ مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ، وَلا حِرْصًا عَلَى
الدُّنْيَا، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى ظَمَأِ الْهَوَاجِرِ وَقِيَامِ
اللَّيْلِ4.
رَوَى ضَمْرَةُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ،
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ قَبْرَ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ بِبَيْتِ
الْمَقْدِسِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ.
47- عَامِرُ بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو سَعْدٍ5، وَقِيلَ: أَبُو سَعِيدٍ
الزُّرَقِيُّ الْأَنْمَارِيُّ، مُختَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ. رَوَى
عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ
عَائِشَةَ.
وَعَنْهُ: يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ وَمَكْحُولٌ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ زَوْجُ أَسْمَاءَ بنت يزيد بن السكن، سكن
دمشق.
__________
1 خبر حسن: أخرجه أبو نعيم "2/ 90" في الحلية.
2 خبر ضعيف: أخرجه أبو نعيم "2/ 91" وفيه جهالة أحد الرواة.
3 خبر حسن: أخرجه أبو نعيم "2/ 91".
4 خبر صحيح.
5 انظر: أسد الغابة "5/ 209"، والاستيعاب "4/ 92"، والإصابة "4/
86".
(5/87)
48- عائذ بن عمرو -خ م ن- بن هلال أبو
هبيرة المزني1، لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، شَهِدَ بَيْعَةَ
الْحُدَيْبِيَةِ وَنَزَلَ الْبَصْرَةَ.
رَوَى عَنْهُ: الْحَسَنُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، وَأَبُو
جَمْرَةَ الضَّبُعِيُّ، وَأَبُو شِمْرٍ الضَّبُعِيُّ، وَأَبُو
عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ.
وَكَانَ مِنْ فُضَلاءِ الصَّحَابَةِ وَصَالِحِيهِمْ، وَأَوْصَى أن
يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ. وَقَدْ دَخَلَ
عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَوَعَظَهُ، وَقَالَ: إِنَّ
الدُّعَاءَ الْحُطَمَةُ2.
49- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ3 ابْنِ أَبِي عَامِرٍ عَبْدُ
عَمْرِو بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، ويقال: أبو بكر ابن الْغَسِيلِ غَسِيلُ الْمَلائِكَةِ
يَوْمَ أُحُدٍ، وَيُعْرَفُ أَبُو عَامِرٍ بِالرَّاهِبِ،
الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ الْمَدَنِيُّ.
أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَصَحِبَهُ، وَرَوَى عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الله بن يزيد الخطمي، وابن أبي ملكية،
وَضَمْضَمُ بْنُ جَوْسٍ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ
الْخَطَّابِ، وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ، وَكَعْبِ الأَحْبَارِ،
وَكَانَ رَأْسُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْحَرَّة.
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ: ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ،
عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ
بْنِ الرَّاهِبِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى نَاقَةٍ4.
تَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ، وَقَدْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَهُ سَبْعِ سِنِينَ،
وَأُصِيبَ يَوْمَ الْحَرَّةِ، وَأُمُّهُ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، وَلَدَتْهُ بعد مقتل أبيه.
50- عبد الله بن خثيمة الأَنْصَارِيُّ السَّالِمِيُّ5
الْخَزْرَجِيُّ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ أحدًا وبقي إلى دهر
يزيد بن معاوية.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 20"، أسد الغابة "3/ 98"، الإصابة "2/
262".
2 المعجم الكبير "18/ 18" للطبراني.
3 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 65"، والاستيعاب "2/ 286"، وأسد الغابة
"3/ 147".
4 حديث حسن: أخرجه الترمذي "3/ 264"، والنسائي "5/ 270"، وابن ماجه
"2/ 1009".
5 انظر: الطبقات الكبرى "3/ 627"، والإصابة "2/ 303".
(5/88)
51- عبد الله بن زيد بن عاصم
الأَنْصَارِيُّ1 النَّجَّارِيُّ الْمَازِنِيُّ الْمَدَنِيُّ، أَخُو
حَبِيبٍ الَّذِي قَتَلَهُ مُسَيْلَمَةُ الْكَذَّابُ، وَعَمِّ
عَبَّادٍ بْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ الَّذِي حَكَى وُضُوءَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، وَقِيلَ: إنه الذي قتل مسيلمة مع
وحشي، واشتركا فِي قَتْلِهِ، وَأَخَذَ بِثَأْرِ أَخِيهِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ أَخِيهِ عَبَّادٌ، وَسَعِيدُ بْنُ
الْمَسيِّبِ، وَوَاسِعُ بْنِ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ.
وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْحَرَّةِ.
52- عَبْدُ الله بن السائب -م- بن أَبِي السَّائِبِ صَيْفِيِّ بْنِ
عَابِدٍ الْمَخْزُومِيُّ2 الْعَابِدِيُّ، أَبُو السَّائِبِ
وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، الْمَكِّيُّ، قَارِئُ أَهْلِ
مَكَّةَ. لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَكَانَ أَبُو السَّائِبِ
شَرِيكَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ
الْمَبْعَثِ، وَأَسْلَمَ السَّائِبُ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَجَاءَ
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أمَّ النَّاسَ بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ
زَمَنَ عُمَرَ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عن ابن أبي ملكية قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ لَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَبْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
السَّائِبِ، وَقَامَ النَّاسُ عَنْهُ، قَامَ ابْنُ عَبَّاسٍ
فَوَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ فدعا له وانصرف3.
روى عنه: ابن أبي ملكية، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسِبْطُهُ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَآخَرُونَ. قَرَأَ عَلَى
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
وَقَرَأَ عَلَيْهِ: مُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُ، وَآخِرُ مِنْ رَوَى
عَنْهُ الْقُرْآنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ.
تُوُفِّيَ بَعْدَ السَّبْعِينَ، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ.
وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ.
53- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ أَبُو مَعْمرٍ الأَزْدِيُّ4
الْكُوفِيُّ، تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ، وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
وَرَوَى عَنْ: عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، والمقداد
بن الأسود، وخباب بن الأرت.
__________
1 انظر: أسد الغابة "3/ 167"، والاستيعاب "2/ 312"، السير "2/
377".
2 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 445"، والاستيعاب "2/ 380"، وأسد
الغابة "3/ 170".
3 إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد "5/ 445" فيه عنعنة ابن جريج، وهو
مدلس.
4 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 73"، والجرح والتعديل "5/ 68".
(5/89)
روى عنه: إبراهيم، ومجاهد، وعمارة بن
العمير التَّيْمِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ.
54- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاس1 بْن عَبْد المطّلب بن هاشم،
الحبر أَبُو الْعَبَّاسِ، ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو الْخُلَفَاءِ.
وُلِدَ فِي شِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلاثِ
سِنِينَ، وَذَكَر ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَوْمَ حَجَّةِ
الْوَدَاعِ كَانَ قَدْ نَاهَزَ الاحْتِلامَ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَقَدْ
قَرَأْتُ "الْمُحْكَمَ"، فَتَحَقَّقَ هَذَا.
وَصَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا
لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالْحِكْمَةِ مَرَّتَيْنِ.
وَقَالَ ابن مسعود: نعم ترجمان العرب الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ.
رَوَى عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيٍّ،
وَأَبِيهِ الْعَبَّاسِ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ
حَرْبٍ، وَطَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
رَوَى عَنْهُ: أَنَسٌ، وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَابْنُهُ
عَلِيٌّ، وَمَوَالِيهِ الْخَمْسَةُ: كُرَيْبٌ، وَعِكْرِمَةُ،
وَمِقْسَمٌ، وَأَبُو مَعْبَدٍ نافذ، وَدَفِيفٌ، وَمُجَاهِدٌ،
وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَعُرْوَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ،
وَالْقَاسِمُ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ،
وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ
يَسَارٍ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَأَبُو صَالِحٍ
السَّمَّانُ، وَأَبُو صَالِحٍ بَاذَامُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ
سِيرِينَ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَخُوهُ سَعِيدٌ، وَابْنُ
أَبِي مُلَيْكَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ،
وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالضَّحَّاكُ، وَشَهْرُ بْنُ
حَوْشَبٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، وَإِسْمَاعِيلُ
السُّدِّيُّ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، وَخَلْقٌ
سِوَاهُمْ.
وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: جَمَعْتُ الْمُحْكَمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُبِضَ وَأَنَا ابْنُ
عَشْرِ حِجَجٍ، قُلْتُ: وَمَا الْمُحْكَمُ؟ قَالَ: الْمُفَصَّلُ2.
خَالَفَهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ: فَرَوَى عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال:
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "2/ 365"، أسد الغابة "3/ 290"، السير "3/
331".
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "11/ 75"، وأحمد "1/ 253، 287، 337"،
والطيالسي "2/ 148".
(5/90)
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً،
وَأَنَا خَتِينٌ1.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ، وَأَنَا قَدْ نَاهَزْتُ
الاحْتِلامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى2.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: لا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا
أَنَّهُ وُلِدَ فِي الشِّعْبِ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثَ أَبِي بِشْرٍ
الْمَذْكُورَ فَقَالَ: هَذَا عِنْدِي حَدِيثٌ وَاهٍ، وَحَدِيثُ
أَبِي إِسْحَاقَ يُوَافِقُ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَهُ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: غَزَا ابْنُ عَبَّاسٍ إِفْرِيقِيَّةَ مَعَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، وَرَوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ
خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا.
وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ،
قَالَ: وَكَانَ أَبْيَضَ طَوِيلا مُشْرَبًا صُفْرَةً، جسيمًا،
وَسِيمًا، صَبِيحًا، لَهُ وَفْرَةٌ، يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ لَنَا عَطَاءٌ: مَا رَأَيْتُ
الْقَمَرَ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ إِلا ذَكَرْتُ وَجْهَ ابن
عباس3.
وقال إبراهيم بن الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ إِذَا مَرَّ فِي
الطَّرِيقِ قَالَتِ النِّسَاءُ عَلَى الْحِيطَانِ: أَمَرَّ
الْمِسْكُ أَمْ مَرَّ ابْنُ عَبَّاسٍ؟ 4.
وَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ فِي
بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَوَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُسْلا، فَقَالَ: "مَنْ وَضَعَ
هَذَا"؟ قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ
التَّأْوِيلَ وَفَقِّهْهُ فِي الدِّينَ" 5.
وَقَالَ وَرْقَاءُ: ثَنَا عُبْيَدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضُوءًا فَقَالَ: "اللَّهُمُّ
فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وعلمه التأويل" 6.
__________
1 إسناده فيه ضعف: أخرجه الطيالسي "2/ 149"، والحاكم "3/ 533"،
وفيه عنعنة أبي إسحاق.
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "1/ 472"، ومسلم "504"، وأحمد "1/
264".
3 السير "3/ 336، 337".
4 السابق.
5 حديث صحيح: أخرجه أحمد "1/ 216، 314، 328، 335"، والحاكم "3/
534" وصححه وأقره الذهبي، والطبراني "10587" في الكبير.
6 انظر السابق: وأخرجه البخاري "1/ 115"، و"7/ 78"، ومسلم "2477".
(5/91)
وَرَوَى أَبُو مَالِكٍ عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ الْحُسَيْنِ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ جِبْرِيلَ
مَرَّتَيْنِ، وَدَعَا لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحِكْمَةِ مَرَّتَيْنِ1.
أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ زَاجٌ: ثَنَا سَعْدَانُ الْمَرْوَزِيُّ،
ثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَالِدٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي
أَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَطْلُبُ الْإِدَامَ، وَعِنْدَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: "هُوَ ابْنُ
عَبَّاسٍ"2، قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا
فَإِنَّهُ حَبْرُ أُمَّتِكَ، أَوْ قَالَ: حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَعَبْدُ الْمُؤْمِنِ ثِقَةٌ، رَوَاهُ
أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ رَجُلٍ،
عَنْهُ.
قُلْتُ: جَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صُوَرَةِ
دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، فَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لَنْ يَمُوتَ عَبْدُ اللَّهِ
حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُهُ"3، فَكَانَ كَذَلِكَ.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنَ حُكَيْمٍ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ
الأَنْصَارِ: هَلُمَّ نَسْأَلُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ،
فَقَالَ: يَا عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَتَرَى النَّاسَ
يَحْتَاجُونَ إِلَيْكِ، وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
الله من ترى! فترك الرَّجُلَ وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْمُسَألَةِ،
فَإِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِي الْحَدِيثَ عَنِ الرَّجُلِ، فَآتِيهِ
وَهُوَ قَائِلٌ فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ، فَتَسْفِي
الرِّيحُ عَلَى التُّرَابِ فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم الرسول،
أَلا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟ فَأَقُولُ: أَنَا أَحَقُّ أن
آتيك فأسألك، قال: فعاش الرجل رَآنِي وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ
عَلَيَّ، فَقَالَ: هَذَا الْفَتَى أَعْقَلُ مِنِّي4.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ قَدْ
وَجَدُوا عَلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي إِدْنَائِهِ
ابْنَ عَبَّاسٍ دُونَهُمْ، قَالَ: وَكَانَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ
عُمَرُ: أَمَا إِنِّي سَأُرِيكُمُ الْيَوْمَ مِنْهُ مَا
تَعْرِفُونَ فَضْلَهُ بِهِ، فسألهم عن هذه السورة
__________
1 حديث حسن: أخرجه ابن سعد "2/ 365"، والترمذي "3823".
2 حديث منكر: وأخرجه أبو نعيم "1/ 316" في الحلية.
3 حديث ضعيف: أخرجه الطبراني "10586" في الكبير، وفيه أحد
المجاهيل.
4 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "2/ 367"، والحاكم "3/ 538" وصححه،
وأقره الذهبي.
(5/92)
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}
[النصر: 1] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمْرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِذَا
رَأَى النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا أَنْ
يَحْمَدَهُ وَيَسْتَغْفِرَهُ، فَقَالَ: تَكَلَّمْ يَا ابْنَ
عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعْلَمَهُ مَتَّى يَمُوتُ.
قَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ
النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 1، 2]
فَهِيَ آيَتُكَ من الموت1 {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} .
وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَأْذَنُ لِي مَعَ أَهْلِ بَدْرٍ.
وَقَالَ الْمُعَافَى بْنُ عِمَرانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنْ كُنْتُ لأَسْأَلُ عَنِ الأَمْرِ
الْوَاحِدِ ثَلاثِينَ من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم2.
وقال أبو بكر الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ ابْنُ
عَبَّاسٍ مِنَ الإِسْلامِ بِمَنْزِلٍ، وَكَانَ مِنَ الْقُرْآنِ
بِمَنْزِلٍ، وَكَانَ يَقُومُ عَلَى مِنْبَرِنَا هَذَا، فَيَقْرَأُ
الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَيُفَسِّرُهَا آيَةً آيَةً، وَكَانَ
عُمَرُ إذا ذكره قال: ذلكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وَقَلْبٌ
عَقُولٌ3.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ الْقُرْآنِ
أَعْلَمُهُ إِلا الرَّقِيمَ، وَغِسْلِينَ، وَحَنَانًا4.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لابْنِ
عَبَّاسٍ: لَقَدْ عَلِمْتَ عِلْمًا مَا عَلِمْنَاهُ5. سَنَدُهُ
صَحِيحٌ.
وَعَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ قال: كَانَ عُمَرُ يَسْتَشِيرُ ابْنَ
عَبَّاسٍ فِي الأَمْرِ يهمه ويقول: غواص6.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه البخاري "8/ 99"، وأحمد "1/ 337"، والترمذي
"3362"، والحاكم "3/ 539".
2 خبر صحيح: السير "3/ 344".
3 خبر ضعيف: أخرجه الطبراني "10620" في الكبير، وفيه أبو بكر
الهذلي من الضعفاء. وله طريق آخر عند الحاكم "3/ 539" وفيه انقطاع.
4 خبر حسن: أخرجه الطبري "15/ 199" في تفسيره.
5 خبر حسن: السير "3/ 345".
6 السير "3/ 346".
(5/93)
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ
عُمَرُ: لا يَلُومُنِي أَحَدٌ عَلَى حُبِّ ابْنِ عَبَّاسٍ1. وَعَنِ
الشَّعْبِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ
إِنَّ عُمَرَ يُدْنِيكَ، فَاحْفَظْ عَنِّي ثَلاثًا: لا تُفْشِيَنَّ
لَهُ سِرًّا، وَلا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا، وَلا
يُجَرِّبَنَّ عَلَيْكَ كَذِبًا2.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حَرَّقَ عَلَيَّ نَاسًا ارْتَدُّوا، فَبَلَغَ
ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ
أُحَرِّقْهُمْ بِالنَّارِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ"
وَلَقَتَلْتُهُمْ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: "مَنْ بَدَّلَ
دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" 3، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ:
وَيْحَ ابْنَ أُمِّ الْفَضْلِ، إِنَّهُ لَغَوَّاصٌ عَلَى
الْهَنَاتِ4.
وَعَنْ سعد بن أبي وقاص قال: ما رأيت أَحَدًا أَحْضَرَ فَهْمًا،
وَلا أَلَبَّ لُبًّا، وَلا أَكْثَرَ عِلْمًا، وَلا أَوْسَعَ
حِلْمًا مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ يَدْعُوهُ
لِلْمُعْضِلاتِ، فَلا يُجَاوِزُ قَوْلَهُ، وَإِنَّ حَوْلَهُ
لأَهْلُ بَدْرٍ5.
وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: لَقَدْ أُعْطِيَ ابن
عباس فهمًا لقنًا وَعِلْمًا، وَمَا كُنْتُ أَرَى عُمَرَ يُقَدِّمُ
عَلَيْهِ أَحَدًا6.
هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ.
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: لَوْ أَدْرَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْنَانَنَا مَا
عَشِرَهُ مِنَّا أَحَدٌ7.
وَفِي لَفْظٍ: مَا عَاشَرَهُ مِنَّا أَحَدٌ، وَكَذَا قَالَ
جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَغَيْرُهُ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ: لَو أن هذا الغلام أدرك ما
__________
1 السير "3/ 346".
2 إسناده ضعيف: وأخرجه أبو نعيم "1/ 318" في الحلية، والطبراني
"1069" في الكبير، وفيه مجالد من الضعفاء.
3 حديث صحيح: أخرجه البخاري "6/ 106"، وأبو داود "4351"، والنسائي
"7/ 104"، والترمذي "1458".
4 خبر صحيح: انظر السابق.
5 إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد "2/ 369" في الطبقات.
6 السابق "2/ 370".
7 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "2/ 366" في الطبقات، والحاكم "3/ 537"
وصححه وأقره الذهبي.
(5/94)
أَدْرَكْنَا، مَا تَعَلَّقْنَا مَعَهُ
بِشَيْءٍ1.
قَالَ الأَعْمَشُ: وَسَمِعْتُهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ قَالَ: وَلَنِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُبَيِّ
بْنِ كَعْبٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ، وَكَانَ عِنْدَهُ ابْنُ
عَبَّاسٍ، فَقَامَ فَقَالَ: هَذَا يَكُونُ حَبْرَ هَذِهِ
الأُمَّةِ، أَرَى عَقْلا وَفَهْمًا، وَقَدْ دَعَا لَهُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ يُفَقِّهَهُ
فِي الدِّينِ2.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا أَبُو بكر ابن أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ
مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: مَوْلاكَ وَاللَّهِ أَفْقَهُ مَنْ مَاتَ
وَمَنْ عَاشَ3.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ
بِالْحَجِّ4.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ مِثْلَ ابْنِ
عَبَّاسٍ، لَقَدْ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ، وَإِنَّهُ لَحَبْرُ هَذِهِ
الأُمَّةِ، كَانَ يُسمَّى الْبَحْرَ لِكَثْرَةِ عِلْمِهِ.
وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ ابْنُ
عَبَّاسٍ قَدْ فَاتَ النَّاسَ بِخِصَالٍ: بِعِلْمِ مَا سُبِقَ
إِلَيْهِ، وَفِقْهٍ فيما احتيج إليه، وحلم نسب وَنَائِلٍ، وَمَا
رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمُ بِمَا سَبَقَهُ مِنْ حَدِيثَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا بِقَضَاءِ أَبِي
بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، مِنْهُ، وَلا أَعْلَمُ بِمَا
مَضَى، وَلا أَثْقَبَ رَأْيًا فِيمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ مِنْهُ،
وَلَقَدْ كُنَّا نَحْضُرُ عِنْدَهُ، فَيُحَدِّثُنَا الْعَشِيَّةَ
كُلَّهَا فِي الْمَغَازِي، وَالْعَشِيَّةَ كُلَّهَا فِي النَّسَبِ،
وَالْعَشِيَّةَ كُلَّهَا فِي الشعر5.
رواه ابن أسعد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْهُ.
وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ
قُلْتُ: أَجْمَلُ النَّاسِ، وَإِذَا نَطَقَ قُلْتُ: أَفْصَحُ
النَّاسِ، وَإِذَا تَحَدَّثَ قُلْتُ: أَعْلَمُ النَّاسِ.
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: مَا رَأَيْتُ فِي مَجْلِسِ
ابْنِ عَبَّاسٍ باطلًا قط.
__________
1 خبر صحيح: السير "3/ 347".
2 خبر ضعيف: السير "3/ 348".
3 خبر ضعيف: السير "3/ 348" فيه الواقدي من الضعفاء.
4 خبر ضعيف: أخرجه ابن سعد "2/ 369".
5 خبر ضعيف: أخرجه ابن سعد "2/ 368" فيه الواقدي.
(5/95)
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ، عَنِ ابْنِ
أَبِي ملكية قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى
الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا نَزَلَ
قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ، وَيُرَتِّلُ الْقُرْآنَ حَرْفًا حَرْفًا،
وَيُكْثِرُ فِي ذَلِكَ مِنَ النَّشِيجِ وَالنَّحِيبِ1.
وَقَالَ مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ دِرْهَمٍ،
عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَسْفَلَ
مِنْ عَيْنَيْهِ مِثْلَ الشِّرَاكِ الْبَالِي مِنَ الْبُكَاءِ2.
وَجَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ.
وَقَدْ وَلِيَ الْبَصْرَةَ لِعَلِيٍّ، وَشَهِدَ مَعَهُ صِفِّينَ،
فَكَانَ عَلَى مَيْسَرَتِهِ، وَقَدْ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ
فَأَكْرَمَهُ وَأَجَازَهُ، وَجَاءَ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ حِلَّةً
بِأَلْفِ دِرْهَمٍ. أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ شَيْخٍ،
أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ شَهِدَ الْجَمَلَ مَعَ عَلِيٍّ.
وَقَالَ مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَقَامَ عَلِيٌّ بَعْدَ
الْجَمَلِ خَمْسِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْكُوفَةِ،
وَاسْتَخْلَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَلَمَّا قُتِلَ
عَلِيٌّ حَمَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَبْلَغًا مِنَ الْمَالِ وَلَحِقَ
بِالْحِجَازِ، وَاسْتُخْلِفَ عَلَى الْبَصْرَةِ3.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ رِشْدِينَ
بْنِ كريب، عن أبيه قال: رأين ابْنَ عَبَّاسٍ يعتم بِعِمَامَةٍ
سَوْدَاءَ خُرْقَانِيَّةٍ، وَيُرْخِيهَا شِبْرًا.
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ: كَانَ ابْنُ
عَبَّاسٍ إِذَا اتَّزَرَ أَرْخَى مُقَدَّمَ إِزَارِهِ، حَتَّى
تَقَعَ حَاشِيَتَهُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ.
ابْنُ جُرَيْجٍ: أنبأ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ ينهى عن كتاب العلم، وأنه
قال: إنها أَضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْكُتُبُ.
حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي الْعَطَّافِ -وَهُوَ وَاهٍ، عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكُتُبِ.
نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُمْ
كَلَّمُوا ابْنَ عَبَّاسٍ أَنْ يَحِجَّ بِهِمْ وَعُثْمَانَ
مَحْصُورٌ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فأَخْبَرَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحِجَّ
بِالنَّاسِ، فَحَجَّ بهم، فلما قدم وجد
__________
1 خبر صحيح: السير "3/ 352".
2 السير "3/ 352".
3 خبر ضعيف: السير "3/ 353" فيه مجالد من الضعفاء.
(5/96)
عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ:
إنْ أَنْتَ قُمْتَ بِهَذَا الأَمْرِ الآنَ أَلْزَمَكَ النَّاسُ
دَمَ عُثْمَانَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَرَّفَ
بِالْبَصْرَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ، كَانَ مَثِجًا، كَثِيرَ الْعِلْمِ،
قَالَ: فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَفَسَّرَهَا آيَةً آيَةً.
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ
قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا سُئِلَ عَنِ الأَمْرِ، فَإِنْ
كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ أَخْبَرَ بِهِ، وَإِلا
اجْتَهَدَ رَأْيَهُ.
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، وَيُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ قَالا: مَا نُحْصِي مَا
سَمِعْنَا ابْنَ عَبَّاسٍ يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ مِنَ
الْقُرْآنِ، فَيَقُولُ: هُوَ كَذَا، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ
يَقُولُ: كَذَا وَكَذا.
أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ:
كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ صَوْمُكَ؟
قَالَ: أَصُومُ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ.
مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ
يَلْبَسُ الْخَزَّ، وَيَكْرَهُ الْمُصْمَتَ منه.
أبو عوانة، عن أبي الجويرية: رأين إِزَارَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى
أَنْصَافِ سَاقَيْهِ1.
شَريِكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ طَوِيلَ
الشَّعْرِ أَيَّامَ مِنًى، أَظُنَّهُ قَصَّرَ، وَرَأَيْتُ فِي
إِزَارِهِ بَعْضَ الْإِسْبَالِ.
ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُصَفِّرُ،
يَعْنِي لِحْيَتَهُ.
يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُثْمَانُ عَلَى الْحَجِّ
وَهُوَ مَحْصُورٌ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا صَدَرَ عَنِ
الْمَوْسِمِ إِلَى الْمَدِينَةِ، بَلَغَهُ وَهُوَ بِبَعْضِ
الطَّرِيقِ قَتْلُ عُثْمَانَ، فَجَزِعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: يَا
ليتني لا أصل حتى يأتيني قَاتِلُهُ فَيَقْتُلُنِي، فَلَمَّا قَدِمَ
عَلَى عَلِيٍّ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ، يَعْنِي فِي
وَقْعَةِ الْجَمَلِ، وَلَمَّا سَارَ الْحُسَيْنُ إِلَى الْكُوفَةِ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ لَقِيَهُ
بِمَكَّةَ: خَلا لَكَ وَاللَّهِ يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ الْحِجَازُ،
فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تَرَوْنَ إِلا أَنَّكُمْ أَحَقُّ بِهَذَا
الأَمْرِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، وَتَكَالَمَا حَتَّى عَلَتْ
أصواتهما، حَتَّى سكَّنَهُمَا رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ
ابْنُ عباس وابن الحنيفة قَدْ نَزَلا بِمَكَّةَ فِي أَيَّامِ
فِتْنَةِ ابْنِ الزبير، فطلب منهما أبن يُبَايِعَاهُ، فَامْتَنَعَا
وَقَالا: أَنْتَ وَشَأْنُكَ لا نَعْرِضُ لك ولا لغيرك.
__________
1 خبر صحيح: السير "3/ 355".
(5/97)
وَعَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ أَنَّ ابْنَ
الزُّبَيْرِ أَلَحَّ عَلَيْهِمَا فِي الْبَيْعَةِ وَقَالَ:
وَاللَّهِ لَتُبَايِعَنَّ أَوْ لأَحُرِّقَنَّكُمْ بِالنَّارِ،
فَبَعَثَا أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ واثلة إلى شِيعَتِهِمْ
بِالْكُوفَةِ، فَانْتَدَبَ أَرْبَعَةَ آلافٍ، وَسَارُوا فَلَبِسُوا
السِّلاحَ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ، وَكَبَّرُوا تَكْبِيرَةً
سَمِعَهَا النَّاسُ، وَانْطَلَقَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ
الْمَسْجِدِ هَارِبًا، وَيُقَالُ: تَعَلَّقَ بِالأَسْتَارِ،
وَقَالَ: أَنَا عَائِذُ اللَّهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: فَمَثُلْنَا
إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ عَمِلَ
حَوْلَ دُورِهِمُ الْحَطَبَ لِيَحْرَقَهَا، فَخَرَجْنَا بِهِمْ
حَتَّى نَزَلْنَا بِهِمُ الطَّائِفَ1.
قُلْتُ: فَأَقَامَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ سَنَةً أَوْ
سنَتَيْنِ لم يبايع أحدًا.
وقال ابن الحنيفة لَمَّا دُفِنَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْيَوْمُ مَاتَ
رَبَّانِيُّ هذه الأمة.
رواه مسلم بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ أَبِي كُلْثُومٍ، عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ: لَمَّا مَاتَ ابْنُ
عَبَّاسٍ جَاءَ طَائِرٌ أَبْيَضُ فَدَخَلَ فِي أَكْفَانِهِ.
وَرَوَى عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
نحوه، وَزَادَ: فَمَا رُؤِيَ بَعْدُ2.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ،
وَلَهُ نَيِّفٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً.
رَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ عَاشَ إِحْدَى
وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ شُعَيْبِ بنِ
يَسَارٍ قَالَ: لَمَّا أُدْرِجَ ابن عباس في كفنه دخل فيه طَائِرٌ
أَبْيَضُ، فَمَا رُؤِيَ حَتَّى السَّاعَةِ.
عَفَّانُ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ،
عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مَاتَ
بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا أُخْرِجَ بِنَعْشِهِ، جَاءَ طَائِرٌ
عَظِيمٌ أَبْيَضُ مِنْ قِبَلِ وَجٍّ3 حتى خالط أكفانه، فلم يدر أين
يذهب، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ4.
55- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بن العاص5 بن وَائِلِ بْنِ
هَاشِمٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
الْقُرَشِيُّ السَّهْمِيُّ مِنْ نُجَبَاءِ الصَّحَابَةِ، وعلمائهم.
__________
1 خبر ضعيف: السير "3/ 355" وفيه عطية العوفي من الضعفاء.
2 خبر حسن بطرقه: أخرجه الفسوي "1/ 540" في تاريخه، والحاكم "3/
543".
3 اسم جبل.
4 السير "3/ 358".
5 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 261"، الاستيعاب "956"، أسد الغابة "3/
349".
(5/98)
كَتَبَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكَثِيرَ، وَرَوَى أَيْضًا عَنْ: أَبِيهِ،
وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ.
رَوَى عَنْهُ: حَفِيدُهُ شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ، وَطَاوُسٌ،
وَأَبُو سَلَمَةَ وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَجُبَيْرُ بْنُ
نُفَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَأَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُتْبَةَ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَالِمُ
بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، وَوَهْبُ بْنُ مُنَبَّهٍ، وَخَلْقٌ
سِوَاهُمْ.
وَأَسْلَمَ قَبْلَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَصْغَرَ مِنْ أَبِيهِ
إِلا بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ: بِإِحْدَى عَشْرَةَ
سَنَةً. وَكَانَ وَاسِعَ الْعِلْمِ، مُجْتَهِدًا فِي الْعِبَادَةَ،
عَاقِلا يَلُومُ أَبَاهُ عَلَى الْقِيَامِ مَعَ مُعَاوِيَةَ
بِأَدَبٍ وَتُؤَدَةٍ.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ رجُلا سَمِينًا.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنِ الْعُرْيَانِ
بْنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: وَفَدْتُ مَعَ أَبِي إِلَى يَزِيدَ،
فَجَاءَ رَجُلٌ طُوَالٌ، أَحْمَرُ، عَظِيمُ الْبَطْنِ، فَقُلْتُ:
مَنْ ذَا؟ قِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو1.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "نِعْمَ أَهْلُ الْبَيْتِ: عَبْدُ اللَّهِ،
وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ".
وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ مِشْرَحٍ،
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ
يُحَدِّثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُهُ
كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، فَقَالَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ" 2، قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَسْتَمْتِعُ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي،
فَأَبَى.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: ثنا قُتَيْبَةُ، ثنا ابْنُ
لَهِيعَةَ، عَنْ وَاهِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيِّ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ فِي
أَحَدِ إِصْبَعَي سَمْنًا، وَفِي الأُخْرَى عَسَلا، وَأَنَا
أَلْعَقُهُمَا، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "تَقْرَأُ الكتابين:
التوراة والفرقان3"، فكان يقرأهما.
__________
1 خبر ضعيف: وأخرجه ابن سعد "4/ 265" فيه ابن جدعان من الضعفاء.
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "9/ 84"، ومسلم "1159".
3 حديث ضعيف: أخرجه أحمد "2/ 222"، وأبو نعيم "1/ 286" في الحلية
وفيه ابن لهيعة، ورواية غير العبادلة عنه ضعيفة.
(5/99)
وَعَنْ شُفَيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَلْفَ مَثَلٍ1.
وَقَالَ أَبُو قَبِيلٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو
يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَكْتُبُ مَا يَقُولُ2.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْتُبُ
مَا أَسْمَعُ مِنْكَ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ؟ قَالَ: "نَعَمْ،
فَإِنِّي لا أَقُولُ إِلا حَقًّا" 3.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَ
حَدِيثًا مِنِّي، إلا ما كان من عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو،
فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَكُنْتُ لا أَكْتُبُ4.
وَقَالَ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو، فَتَنَاوَلْتُ صَحِيفَةً تَحْتَ رَأْسِهِ،
فَتَمَنَّعَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: تَمْنَعُنِي شَيْئًا مِنْ
كُتُبِكَ! فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّحِيفَةَ الصَّادِقَةَ
الَّتِي سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَحَدٌ، فَإِذَا
سَلِمَ لِي كِتَابُ اللَّهِ، وَسَلِمَتْ لِي هَذِهِ الصَّحِيفَةُ
وَالْوَهْطُ، لَمْ أُبَالِ مَا ضَيَّعْتُ الدُّنْيَا5.
الْوَهْطِ: بُسْتَانُه بِالطَّائِفِ.
وَقَالَ عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لأَنْ
أَكُونَ عَاشِرَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ عَاشِرَ عَشَرَةَ أَغْنِيَاءَ، فَإِنَّ
الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلا مَنْ
قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا، يَقُولُ: يَتَصَدَّقُ يَمِينًا
وَشِمَالا6.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كُنْتُ أَصْنَعُ الْكُحْلَ لِعَبْدِ الله بن
__________
1 حديث ضعيف: السير "3/ 87" فيه ابن لهيعة.
2 حديث صحيح: وأخرجه أبو زرعة "1514" في تاريخ دمشق، والسير "3/
87".
3 حديث صحيح: أخرجه أحمد "2/ 207، 215"، وأبو داود "3646"،
والدارمي "1/ 125"/ والحاكم "1/ 105، 106" وصححه، وأقره الذهبي.
4 حديث صحيح: أخرجه البخاري "1/ 184".
5 خبر ضعيف: وأخرجه ابن سعد "2/ 273"، والمصنف في السير "3/ 89".
6 خبر صحيح: أخرجه أبو نعيم "1/ 288" في الحلية.
(5/100)
عَمْرٍو، وَكَانَ يُطْفِئُ السِّرَاجَ
ثُمَّ يَبْكِي، حَتَّى رَسِعَتْ عَيْنَاهُ1.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتِي فَقَالَ: "أَلَمْ
أُخْبَرْ أَنَّكَ تَكَلَّفْتَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَصِيَامَ
النَّهَارِ"؟ قُلْتُ: إِنِّي لأَفْعَلُ. قَالَ: "إِنَّ مَنْ
حَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ" 2،
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى مَيْمَنَةِ
مُعَاوِيَةَ بِصِفِّينَ، وَقَدْ وَلاهُ مُعَاوِيَةُ الْكُوفَةَ،
ثُمَّ عَزَلَهُ بِالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،
ثنا الْعَوَّامُ، حَدَّثَنِي أَسْوَدُ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ
حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ
مُعَاوِيَةَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ
عَمَّارٍ، كُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لِيَطِبْ أَحَدُكُمَا بِهِ نَفْسًا
لِصَاحِبِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ
الْبَاغِيَةُ". فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا عَمْرُو أَلا تَرُدَّ
عَنَّا مَجْنُونَكَ، فَمَا بَالُكَ مَعَنَا! قَالَ: إِنَّ أَبِي
شَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: "أَطِعْ أَبَاكَ مَا دَامَ حَيًّا"،
فَأَنَا مَعَكُمْ، وَلَسْتُ أقاتل3.
وقال ابن أبي مليكة: قال ابن عمرو: ما لي ولصفين، ما لي
وَلِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، لَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهَا
بِعِشْرِينَ سَنَةً، أَمَّا وَاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ مَا ضَرَبْتُ
بِسَيْفٍ، وَلا رَمَيْتُ بِسَهْمٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَتِ
الرَّايَةُ بِيَدِهِ4.
وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي رَهْطٍ مِنْ
نُسَّاكِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَقُلْنَا: لَوْ
نَظَرْنَا رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُحَدِّثُنَا، فَدُلِلْنَا عَلَى عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَأَتَيْنَا مَنْزِلَهُ، فَإِذَا قَرِيبٌ
مِنْ ثَلاثِمِائَةِ رَاحِلَةٍ، فَقُلْنَا: عَلَى كُلِّ هَؤُلاءِ
حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ! قَالُوا: نَعَمْ، هُوَ وَمَوَالِيهِ
وَأَحِبَّاؤُهُ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْبَيْتِ، فَإِذَا رَجُلٌ
أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، بَيْنَ بُرْدَيْنِ
قِطْريَّيْنِ، عَلَيْهِ عِمَامَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ5.
__________
1 خبر حسن: وأخرجه أبو نعيم "1/ 290" في الحلية، ورسعت: تغيرت
وفسدت.
2 حديث صحيح: وله شواهد. أخرجه أحمد "2/ 200"، وأصله في الصحيحين.
3 حديث صحيح: أخرجه أحمد "2/ 164".
4 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 366".
5 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 267".
(5/101)
رَوَاهُ حُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ، عَنِ ابْنِ
بُرَيْدَةَ فَقَالَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ
الْغَنَوِيِّ.
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ
وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ بِمِصْرَ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقِيلَ: مَاتَ بِالطَّائِفِ. وَقِيلَ: مَاتَ بِمَكَّةَ. وَقِيلَ:
مَاتَ بِالشَّامِ.
56- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيُّ1 وَيُقَالُ:
ابْنُ مَسْعُودٍ، وَيُدْعَى صَاحِبَ الْجُيُوشِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ
أَمِيرًا عَلَى غَزْوِ الرُّومِ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَهُ صُحْبَةٌ.
وَقَالَ الْحَافِظُ ابن عَسَاكِرَ: لَهُ رُؤْيَةٌ، وَنَزَلَ
دِمَشْقَ وَبَعَثَهُ يَزِيدُ مُقَدَّمًا عَلَى جُنْدِ دِمَشْقَ فِي
جُمْلَةِ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ إِلَى الْحَرَّةِ، ثُمَّ بَايَعَ
مَرْوَانَ بِالْجَابِيَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عُثْمَانَ
بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعَدَةَ أَنّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَهَا فِي صَلاةٍ2، وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ.
وَقِيلَ: إِنَّ ابْنَ مَسْعَدَةَ مِنْ سَبْيِ فَزَارَةَ، وَهَبَهُ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابْنَتِهِ
فَاطِمَةَ، فَأَعْتَقَتْهُ.
وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: كَانَ
ابْنُ مَسْعَدَةَ شَدِيدًا فِي قِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ،
فَجَرَحَهُ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَمَا
عَادَ لِلْحَرْبِ حَتَّى انْصَرَفُوا.
57- عَبْدُ الله بن يزيد –ع.
ابْنِ زَيْدِ بْنِ حِصْنٍ الأَنْصَارِيُّ الأَوْسِيُّ
الْخَطْمِيُّ، أبو موسى3، شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَلَهُ سَبْعَ
عَشْرَةَ سَنَةً.
وَرَوَى أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم، وَعَنْ حُذَيْفَةَ،
وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ بِنْتِهِ عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ،
وَالشَّعْبِيُّ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيُّ، وَآخَرُونَ.
وَكَانَ مِنْ نُبَلاءِ الصَّحَابَةِ، كَانَ الشَّعْبِيُّ كَاتِبَهُ
وَشَهِدَ أَبُوهُ يَزِيدَ أُحُدًا، وَمَاتَ قَبْلَ الْفَتْحِ،
وَشَهِدَ أَبُو مُوسَى مَعَ عَلِيٍّ صِفَّينَ وَالنَّهْرَوانِ،
وَوَلَّى إِمْرَةَ الْكُوفَةِ لابْنِ الزُّبَيْرِ، فَاسْتَكْتَبَ
الشَّعْبِيَّ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، ثُمَّ
صُرِفَ بِعَبْدِ الله بن مطيع.
__________
1 انظر: أسد الغابة "3/ 367"، الاستيعاب "2/ 327"، والإصابة "2/
367".
2 حديث ضعيف: فيه عنعنة ابن جريج، وهو من المدلسين.
3 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 18"، والتاريخ الكبير "5/ 12، 13".
(5/102)
مِسْعَرٌ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ
قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ خَاتَمًا مِنْ
ذَهَبٍ، وَطَيْلَسَانًا مُدبَّجًا.
الْوَاقِدِيُّ: ثنا جَحَّافُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ،
أن الْفِيلَ لَمَّا بَرَكَ عَلَى أَبِي عُبَيْدِ يَوْمَ الْجِسْرِ
فَقَتَلَهُ، هَرَبَ النَّاسُ، فَسَبَقَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ فَقَطَعَ الْجِسْرَ وَقَالَ: قَاتِلُوا عَنْ
أَمِيرِكُمْ، ثُمَّ قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ فَأَسْرَعَ
السَّيْرُ، وَأَخْبَرَ عُمَرَ خَبَرَهُمْ1.
58- عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ2 بْنِ جَحْشِ بْنِ رَبَابٍ
الأَسَدِيُّ، اسْمُ أَبِيهِ عَبْدٌ.
أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيهِ، وَعَلِيٍّ، وَكَعْبِ الأَحْبَارِ،
وَغَيْرِهِمْ.
رَوَى عَنْهُ: سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحُسَيْنُ بْنُ
السَّائِبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأَشَجِّ.
وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ سَمْحًا جَوَّادًا، وَكَانَ
أَبُوهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي
أَحْمَدَ: قَدِمْتُ مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ بِثِلاثِمِائَةِ
أَلْفِ دِينَارٍ، فَأَقَمْتُ سَنَةً، وَحَاسَبْتُ قَوَّامِي
فَوَجَدْتُنِي قَدْ أَنْفَقْتُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، لَيْسَ
بِيَدِي مِنْهَا إِلا رَقِيقٌ وَغَنَمٌ وَقُصُورٌ، فَفَزِعْتُ مِنْ
ذَلِكَ، فَلَقِيتُ كَعْبَ الأَحْبَارِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ،
فَقَالَ: أَيْنَ أَنْتَ مِنَ النَّخْلِ3.
قُلْتُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَيُقَوِّي وَهْنَهُ أَنَّهُ
يَقُولُ فِيهِ: فَلَقِيتُ كَعْبًا، وَكَعْبُ قَدْ مَاتَ فِي
خِلافَةِ عُثْمَانَ، قَبْلَ أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ بِسِنِينَ.
59- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَزْهَرَ الزُّهْرِيُّ4 ابْنُ عَمِّ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَلَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ،
وشهد حنينًا.
روى عنه: ابناه عبد الرحمن، وَعْبَدُ الْحَمِيدِ، وَطَلْحَةُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ.
وَأُمُّهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وهُوَ مُقِلٌّ مِنَ
الرِّوَايَةِ، لَهُ أَرْبَعَةُ أحاديث.
__________
1 خبر ضعيف: من رواية الواقدي.
2 انظر: التاريخ الكبير "5/ 240"، والاستيعاب "2/ 406"، والإصابة
"2/ 389".
3 خبر ضعيف.
4 انظر: الجرح والتعديل "5/ 208"، والاستيعاب "2/ 406".
(5/103)
60- عبد الرحمن بن الأسود1 –خ د ق- ابْنِ
عَبْدِ يَغُوث بْنِ وَهْبٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ القرشي الزهري المدني.
رَوَى عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
رَوَى عَنْهُ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ،
وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ -وَهُمَا مِنْ طَبَقَتِهِ- وَأَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ. قِيلَ: إِنَّهُ شَهِدَ فَتْحَ
دِمَشْقَ، وَأنَّهُ مِمَّنْ عُيِّنَ فِي حُكُومَةِ الْحَكَمَيْنِ،
فَقَالُوا: لَيْسَ لَهُ وَلا لِأَبِيهِ هِجْرَةٌ، وَكَانَ ذَا
مَنْزِلَةٍ مِنْ عَائِشَةَ، وَأَبُوهُ مِمَّنْ نَزَلَ فيه {إِنَّا
كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} .
قَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ
التَّابِعِينَ.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ،
اطَّلَعَ مِنْ فَوْقِ دَارِهِ، فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهُ
يَسْتَعْمِلُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ
يَغُوثَ عَلَى الْعِرَاقِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ،
فَقَالَ: وَاللَّهِ لَرَكْعَتَيْنِ أَرْكَعُهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ
مِنْ إِمْرَةِ الْعِرَاقِ.
61- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ2 بْنِ
عَمْرٍو، وَأَبُو يَحْيَى اللَّخْمِيُّ، رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى عَنْ: أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ
الْجَرَّاحِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَوَالِدِهِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ يَحْيَى، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ.
وَكَانَ فَقِيهًا ثِقَةً. ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ.
62- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن حسان3 بن ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ
حَرَامٍ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ: أَبُو سَعْدٍ الأَنْصَارِيُّ
الْخَزْرَجِيُّ الْمَدَنِيُّ، الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ، ابْنُ
شَاعِرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يُقَالُ: إِنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِيهِ.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 7"، والإصابة "2/ 390".
2 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 64"، والاستيعاب "2/ 427"، والإصابة
"2/ 394".
3 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 266"، والجرح والتعديل "5/ 222".
(5/104)
وَأُمُّهُ شِيرِينُ الْقِبْطِيَّةُ أُخْتُ
مَارِيَةَ سَرِيَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأُمُّ إِبْرَاهِيمَ.
حَكَى مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، أَنَّ
مُعَاوِيَةَ قال له ابنه يزيد: ألا ترى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
حَسَّانٍ يُشَبِّبُ بِابْنَتِكَ؟ فَقَالَ: وَمَا يَقُولُ؟ قَالَ:
يَقُولُ:
هِيَ زَهْرَاءُ مِثْلَ لؤلؤة الغـ ... ـواص مِيزَتْ مِنْ جَوْهَرٍ
مَكْنُونِ
فَقَالَ: صَدَقَ، قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولَ:
فإذا مَا نسبتها لَمْ تجدها ... فِي سناء من المكارم دون
قَالَ: صَدَقَ، قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولَ:
ثُمَّ خَاصَرْتُهَا إِلَى الْقِبَّةِ الخض ... راء أَمْشِي فِي
مَرْمرٍ مَسْنونِ1
وَفِيهِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ:
فَمَنْ لِلْقَوَافِي بَعْدَ حَسَّانٍ وَابْنِهِ ... وَمَنْ
لِلْمَثَانِي بَعْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
63- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحكم2 بن أَبِي الْعَاصِ بْنِ
أُمَيَّةَ، أَبُو حَرْبٍ، وَيُقَالُ: أَبُو الْحَارِثِ
الأُمَوِيُّ، أَخُو مَرْوَانَ.
شَاعِرٌ مُحْسِنٌ، شَهِدَ يَوْمَ الدَّارِ مَعَ عُثْمَانَ -رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ. وَمِنْ شِعْرِهِ:
وَأَكْرَمُ مَا تَكُونُ عَلَيَّ نَفْسِي ... إِذَا مَا قَلَّ فِي
الْكُرُبَاتِ مَالِي
فَتَحْسُنُ سِيرَتِي وَيَصُونُ عِرْضِي ... وَيَجْمُلُ عِنْدَ
أَهْلِ الرَّأْيِ حَالِي
وَقَدْ عَاشَ إِلَى يَوْمِ مَرْجِ رَاهِطٍ، فَقَالَ ابْنُ
الأَعْرَابِيّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ:
لَحَا اللَّهُ قَيْسًا قَيْسُ عَيْلانَ إِنَّهَا ... أَضَاعَتْ
فُرُوجَ الْمُسْلِمِينَ وَوَلَّتِ
أَتَرْجِعُ كَلْبٌ قَدْ حَمَتْهَا رِمَاحُهَا ... وَتَتْرُكُ
قَتْلَى رَاهِطٍ مَا أحْنَتِ
فَشَاوِلْ بِقَيْسٍ فِي الطِّعَانِ وَلا تَكُنْ ... أَخَاهَا إِذَا
مَا الْمَشْرَفِيَّةُ سُلَّتِ
أَلا إِنَّمَا قَيْسُ بْنُ عَيْلانَ قِلَّةٌ ... إِذَا شَرِبَتْ
هَذَا الْعَصِيرَ تَغَنَّتِ
64- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الخطاب3 –ن.
__________
1 الأغاني "15/ 109" للأصفهاني.
2 انظر: تاريخ الطبري "4/ 535"، "5/ 544"، وتاريخ دمشق "1/ 56، 65"
لأبي زرعة.
3 انظر: الاستيعاب "2/ 425"، الطبقات الكبرى "5/ 49"، وفيات
الأعيان "6/ 274".
(5/105)
ابن نفيل بن عبد العزى العدوي.
أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيهِ، وَعَمِّهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، وَحُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَبُو جَنَابٍ
الْكَلْبِيُّ.
وَوَلَّى إِمْرَةَ مَكَّةَ لِيَزِيدَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِيمَا زَعَمُوا مِنْ
أَطْوَلِ الرِّجَالِ وَأَتَمِّهِمْ، وَكَانَ شَبِيهًا بِأَبِيهِ،
وَكَانَ عُمَرُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ:
أَخُوكُمْ غَيْرُ أَشْيَبَ قَدْ أَتَاكُمْ ... بِحَمْدِ اللَّهِ
عَادَ لَهُ الشَّبَابُ1
وَزَوَّجَهُ عُمَرُ بِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ
اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَهُ سِتُّ سِنِينَ، وَجَدُّهُ أَبُو
لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ. وَتُوُفِّيَ أَيَّامَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: وَلاهُ يَزِيدُ مَكَّةَ سَنَةَ ثَلاثٍ
وَسِتِّينَ.
65- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أبي عميرة -ت-2 المزني، صَحَابِيٌّ،
لَهُ أَحَادِيثُ، وَقَدْ سَكَنَ حِمْصَ وَتَاجَرَ.
رَوَى عَنْهُ: خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، وَالْقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَرَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الْقَصِيرُ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ تَابِعِيٌّ.
66- عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ3 بن عبيد الله الْمَعْرُوفُ
أبوه بِزِيَادِ بْنِ أَبِيهِ عِنْدَ النَّاسِ، وعند بني أمية بزياد
ابن أبي سفيان، فقد ذكرنا أن زيادًا استلحقه معاوية وجعله أخاه،
ولي أَبُو حَفْصٍ عُبَيْدَ اللَّهِ إِمْرَةَ الْكُوفَةِ
لِمُعَاوِيَةَ، ثُمَّ لِيَزِيدَ، ثُمَّ وَلاهُ إِمْرَةَ
الْعِرَاقِ.
وَقَدْ رَوَى عَنْ: سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَغَيْرِهِ.
__________
1 خبر ضعيف: إسناده منقطع.
2 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 417"، والاستيعاب "2/ 407"، والإصابة
"2/ 414".
3 انظر: وفيات الأعيان "6/ 344"، والبداية "8/ 283".
(5/106)
قَالَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: ذَكَرُوا
أن عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ كَانَ لَهُ وَقْتَ قُتِلَ الحسين
ثمان وعشرون سنة.
وقال ابن مَعِينٍ: هُوَ ابْنُ مَرْجَانَةَ وَهِيَ أُمَةٌ.
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى زِيَادٍ: أَنْ أَوْفِدْ
عَلَيَّ ابْنَكَ عُبَيْدَ اللَّهِ، فَفَعَلَ، فَمَا سَأَلَهُ
مُعَاوِيَةُ عَنْ شَيْءٍ إِلا أَنْفَذَهُ لَهُ، حَتَّى سَأَلَهُ
عَنِ الشِّعْرِ، فَلَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ: مَا
مَنَعَكَ مِنْ رِوَايَةِ الشِّعْرِ؟ قَالَ: كَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ
كَلامَ اللَّهِ وَكَلامَ الشَّيْطَانِ فِي صَدْرِي، فَقَالَ:
أُغْرُبْ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي الرِّكَابِ
يَوْمَ صِفِّينَ مِرَارًا، مَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْهَزِيمَةِ إِلا
أَبْيَاتُ ابْنِ الإِطْنَابَةَ، حَيْثُ يَقُولُ:
أَبَتْ لِي عِفَّتِي وَأَبَى بَلائِي ... وَأَخْذِي الْحَمْدَ
بِالثَّمَنِ الرَّبِيحِ
وَإِعْطَائِي عَلَى الإِعْدَامِ مَالِي ... وَإِقْدَامِي عَلَى
الْبَطَلِ الْمُشِيحِ
وَقُولِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ ... مكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ
تَسْتَرِيحِي1
وَكَتَبَ إِلَى أَبِيهِ فَرَوَّاهُ الشِّعْرَ، فَأَسْقَطَ عَلَيْهِ
مِنْهُ بَعْدَ شَيْءٍ.
قَالَ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: وَلَّى مُعَاوِيَةُ عُبَيْدَ
اللَّهِ الْبَصْرَةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، فَلَمَّا وَلِيَ
يَزِيدُ الْخِلافَةَ ضَمَّ إِلَيْهِ الْكُوفَةَ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: وَفِي سَنَةِ ثَلاثٍ وَخَمْسِينَ وَلَّى
مُعَاوِيَةُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ خُرَاسَانَ، وَفِي
سَنَةِ أَرْبَعٍ غَزَا عُبَيْدُ اللَّهِ خُرَاسَانَ وَقَطَعَ
النَّهْرَ إِلَى بُخَارَى عَلَى الإِبِلِ، فَكَانَ أَوَّلُ
عَرَبِيٍّ قَطَعَ النَّهْرَ، فَافْتَتَحَ رَامِينَ ونَسْفَ
وَبِيكَنْدَ مِنْ عَمَلِ بُخَارَى.
وَقَالَ أَبُو عَتَّابٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا أَحْسَنَ وَجْهًا
مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ.
وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ أُمَّ عُبَيْدِ اللَّهِ -يَعْنِي
مَرْجَانَةَ- كَانَتْ بِنْتُ بَعْضِ مُلُوكِ فَارِسٍ.
قَالَ أَبُو وَائِلٍ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ بِالْبَصْرَةِ،
فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ تَلُّ مِنْ وَرَقٍ، ثَلاثَةُ آلافِ أَلْفٍ
مِنْ خَرَاجِ أَصْبَهَانَ، فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ بِرَجُلٍ يَمُوتُ
وَيَدَعُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقُلْت: فَكَيْفَ إِذَا كَانَ غُلُولٌ!
قَالَ: ذَاكَ شَرٌّ عَلَى شَرٍّ.
وَرَوَى السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، أَمَّرَهُ عَلَيْنَا
مُعَاوِيَةُ، غُلامًا، سَفِيهًا، يَسْفِكُ الدِّمَاءَ سَفْكًا
شَدِيدًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ الله المزني
__________
1 الشعر والشعراء "1/ 126"، والعقد الفريد "1/ 104"، عيون الأخبار
"1/ 126".
(5/107)
فَقَالَ: انْتَهِ عَمَّا أَرَاكَ تَصْنَعُ،
فَإِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطْمَةُ، قَالَ: مَا أَنْتَ وَذَاكَ،
إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ حُثَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: وَهَلْ كَانَ فِيهِمْ
حُثَالَةٌ، لا أُمَّ لَكَ، بَلْ كَانُوا أَهْلَ بُيُوتَاتٍ
وَشَرَفٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ إِمَامٍ وَلا وَالٍ بَاتَ لَيْلَةً
غَاشًّا لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"
1. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَجَلَسْتُ
إِلَيْهِ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ فِي وَجْهِهِ مَا قَدْ لَقِيَ مِنْهُ،
فَقُلْتُ لَهُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَا زِيَادٍ، مَا كُنْتَ
تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس النَّاسِ! فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ
عِنْدِي عِلْمٌ خَفِيٌّ مِنْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ لا أَمُوتَ حَتَّى
أَقُولَ بِهِ عَلانِيَةَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ دَارَهُ وَسِعَتْ
أَهْلَ الْمِصْرِ، حَتَّى سَمِعُوا مَقَالَتِي وَمَقَالَتَهُ،
قَالَ: فَمَا لَبِثَ الشَّيْخُ أَنْ مَرِضَ، فَأَتَاهُ الْأَمِيرُ
عُبَيْدُ اللَّهِ يَعُودُهُ، قَالَ: أَتَعْهَدُ إِلَيْنَا شَيْئًا
نَفْعَلُ فِيهِ الَّذِي تُحِبَّ؟ قَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ لا
تُصَلِّيَ عَلَيَّ، وَلا تَقُومَ عَلَى قَبْرِي.
قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ رَجُلا جَبَانًا
فَرَكِبَ، فَإِذَا النَّاسُ فِي السِّكَكِ، فَفَزِعَ وَقَالَ: مَا
هَؤُلاءِ؟ قَالُوا: مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، فوقف حتى
مر بسريره، فقال: أما إنه لَوْ كَانَ سَأَلَنَا شَيْئًا
فَأَعْطَيْنَاهُ إِيَّاهُ لَسِرْنَا مَعَهُ.
لَهُ إِسْنَادٌ آخَرُ، وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ كَمَا أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ أَنَّ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ وَكَلَّمَهُ عَائِذُ بْنُ
عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ، وَلَعَلَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، فَقَالَ
جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: ثنا الْحَسَنُ، أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو
دَخَلَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: "شَرُّ الرِّعَاءِ الْحُطْمَةُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ
مِنْهُمْ" 2، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ: هَلْ هَؤُلاءِ كَانَ لَهُمْ
نُخَالَةٌ! إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ.
الْمُحَارِبيُّ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ أَحَدَ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ عُمَرُ إِلَى
الْبَصْرَةِ لِيُفَقِّهُوهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ: اعْهَدْ إِلَيْنَا أَبَا
زِيَادٍ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ يَنْفَعُنَا بِكَ، قَالَ:
هَلْ أَنْتَ فَاعِلٌ مَا آمُرُكَ بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
إِذَا مُتُّ لا تُصَلِّ عَلَيَّ3، وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الحديث.
__________
1 حديث صحيح: وأخرجه البخاري "8/ 107"، ومسلم "227"، وأحمد "5/
25".
2 انظر السابق.
3 إسناده ضعيف: فيه عنعنة ابن إسحاق، وسبق تخريجه.
(5/108)
وَقْد ذَكَرْنَا مَقْتَلَ عُبَيْدِ اللَّهِ
فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. كَذَا وَرَّخَهُ
أَبُو الْيَقْظَانِ.
وَرَوَى يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أبي الطفيل قال: عزلنا
سبعة رؤوس وَغَطَّيْنَاهَا، مِنْهَا رَأْسُ حُصَيْنِ بْنِ
نُمَيْرٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، فَجِئْتُ
فَكَشَفْتُهَا، فَإِذَا حَيَّةٌ فِي رَأْسِ عُبَيْدِ اللَّهِ
تَأْكُلُهُ.
رَوَى التِّرْمِذِيُّ نحوه، وصححه مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ، عَنْ
عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: جِيءَ بِرَأْسِ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ زِيَادٍ وَأَصْحَابِهِ، فَأَتَيْتُ وَهُمْ يَقُولُونَ:
جَاءَتْ، فَإِذَا حَيَّةٌ قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري
عُبَيْدِ اللَّهِ، فَمَكَثَتْ هُنَيْهَةً، ثَمَّ خَرَجَتْ،
فَذَهَبَتْ حَتَّى تَغَيَّبَتْ ثُمَّ قَالُوا: قَدْ جَاءَتْ قَدْ
جَاءَتْ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا1.
67- عَبْدُ المطلب بن ربيعة2 -م ت هـ ن- بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ بن عبد مناف.
لَهُ صُحْبَةٌ وَحَدِيثٌ رَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بن الحارث
بن نوفل، وروى عن عَلِيٌّ حَدِيثًا.
تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ، وَدَارَهُ بِزُقَاقِ الْهَاشِمِيِّينَ،
وَكَانَ شَابًّا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ أَبُوهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُوَلِّيَهُ عُمَّالَهُ3، وَالْحَدِيثُ فِي
مُسْلِمٍ.
وَفِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيِّ قَالَ مُصْعَبٌ
الزُّبَيْرِيُّ: أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ أَنْ يُزَوِّجَ
بِنْتَهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ، فَفَعَلَ وَسَكَنَ
الشَّامَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ4.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي دَوْلَةِ
يَزِيدَ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ.
68- عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ
الْهَاشِمِيُّ5، وَأُمُّهُ لَيْلَى بِنْتُ مَسْعُودِ بْنِ خَالِدِ
التَّمِيمِيِّ، أُخْتُ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه الترمذي "3869" وسبق تخريجه.
2 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 57"، وأسد الغابة "3/ 331"، والسير "3/
112".
3 صحيح مسلم "1072".
4 حديث ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 166"، وانظر السير "3/ 113".
5 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 117"، وتاريخ الطبري "6/ 104، 115".
(5/109)
قَدِمَ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ،
فَوَصَلَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قُتِلَ مَعَهُ فِي
مُحَارَبَةِ الْمُخْتَارِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ.
69- عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ1 –ع- بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ
بْنِ الْحَشْرَجِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، أَبُو
طَرِيفٍ الطائي، ويكنى أبا واهب، وَلَدُ حَاتِمٍ الْجُودِ.
وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ، فَأَكْرَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ سَيِّدُ قَوْمِهِ.
لَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ
عُمَرَ.
رَوَى عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَمُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ
الطَّائِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَخَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ،
وَتَمِيمُ بْنُ طُرْفَةَ، وَهَمَّامُ بْنُ الْحَارِثِ، وَمُصْعَبُ
بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَآخَرُونَ.
قَدِمَ الشَّامَ مَعَ خَالِدٍ مِنَ الْعِرَاقِ، ثُمَّ وَجَّهَهُ
خَالِدٌ بِالأَخْمَاسِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَسَكَنَ الْكُوفَةَ
مَرَّةً، ثُمَّ قَرْقِيسِيَاءَ.
وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ النَّاسَ
عَنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَهُوَ إِلَى جَنْبِي لا
آتِيهِ، فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: بُعِثَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ بُعِثَ
فَكَرِهْتُهُ أَشَدَّ مَا كَرِهْتُ شَيْئًا قَطُّ، حَتَّى كُنْتُ
فِي أَقْصَى أَرْضٍ مِمَّا يَلِي الرُّومَ، فَكَرِهْتُ مَكَانِي
ذَلِكَ، فَقُلْتُ: لَوْ أَتَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنْ كَانَ
كَاذِبًا لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ، وَإنْ كَانَ صَادِقًا اتَّبَعْتُهُ
فَأَقْبَلْتُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ اسْتَشْرَفَنِي
النَّاسُ، وَقَالُوا: جَاءَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، جَاءَ عَدِيُّ
بْنُ حَاتِمٍ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: "يَا عَدِيُّ، أَسْلِمْ
تَسْلَمْ"، قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: "أَلَسْتَ رُكُوسِيًّا 2
تَأْكُلُ الْمِرْبَاعَ؟ " 3؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ
ذَلِكَ لا يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ". فَتَضَعْضَعْتُ لِذَلِكَ،
ثُمَّ قَالَ: "يَا عَدِيُّ أسْلِمْ تَسْلَمْ، فَأَظُنُّ مِمَّا
يَمْنَعُكَ أَنْ تُسْلِمَ خَصَاصَةٌ تَرَاهَا بِمَنْ حَوْلِي،
وَأَنَّكَ تَرَى النَّاسَ عَلَيْنَا إِلْبًا وَاحِدًا، هَلْ
أَتَيْتَ الْحِيرَةَ"؟ قُلْتُ: لَمْ آتِهَا وَقَدْ عَلِمْتُ
مَكَانَهَا، قَالَ: "تُوشِكُ الظَّعِينَةُ أَنْ تَرْتَحِلَ مِنَ
الْحِيرَةِ بِغَيْرِ جَوَارٍ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ،
وَلَتُفْتَحَنَّ عَلَيْنَا كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ"،
قُلْتُ: كِسْرى بْنُ هُرْمُزَ؟! قَالَ: "كسرى بن هرمز". مرتين أو
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 22"، وأسد الغابة "3/ 392"، والإصابة
"2/ 468".
2 ركوسيا: هو دين بين النصارى والصابئة.
3 المرباع: ربع الغنيمة، وكانوا يسمونه في الجاهلية: المرباع.
(5/110)
ثَلاثًا، "وَلَيَفِيضَنَّ الْمَالُ حَتَّى
يُهِمَّ الرَّجُلُ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ مَالَه صَدَقَةً".
قَالَ عَدِيٌّ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَتَيْنِ، وَأَحْلِفُ
بِاللَّهِ لَتَجِيئَنَّ الثَّالِثَةَ، يَعْنِي فَيْضَ الْمَالِ.
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وغير، إِنَّ عَدِيَّ بْنَ
حَاتِمٍ جَاءَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ:
أَعْرِفُكَ، آمَنْتَ إِذَا كَفَرُوا، وَوَفَّيْتَ إِذَا غَدَرُوا،
وَأَقْبَلْتَ إِذَا أَدْبَرُوا. رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ
الشَّعْبِيِّ، وَكَانَ قَدْ أَتَى عُمَرَ يَسْأَلُهُ مِنَ
الْمَالِ1.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ
نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ أُسَيْدٍ، عَنْ نَائِلِ مَوْلَى عُثْمَانَ
قَالَ: جَاءَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ إِلَى بَابِ عُثْمَانَ وَأَنَا
عَلَيْهِ، فَمَنَعْتُهُ، فَلَمَّا خَرَجَ عُثْمَانُ إِلَى
الظُّهْرِ عَرَضَ لَهُ، فَلَمَّا رَآهُ عُثْمَانُ رَحَّبَ بِهِ
وَانْبَسَطَ لَهُ، فَقَالَ عَدِيٌّ: انْتَهَيْتُ إِلَى بَابِكَ
وَقَدْ عَمَّ إِذْنَكَ النَّاسَ، فَحَجَبَنِي هَذَا، فَالْتَفَتَ
عُثْمَانُ إِلَيَّ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: لا تَحْجُبْهُ
وَاجْعَلْهُ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ، فَلَعَمْرِي إِنَّا لَنَعْرِفُ
حَقَّهُ وَفَضْلَهُ وَرَأْيَ الْخَلِيفَتَيْنِ فِيهِ وَفِي
قَوْمِهِ، فَقَدْ جَاءَنَا بِالصَّدَقَةِ يَسُوقُهَا، وَالْبِلادُ
كَأَنَّهَا شُعَلُ النَّارِ، مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، فَحَمِدَهُ
الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَا رَأَوْا مِنْهُ2.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حُدِّثْتُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ
عَدِيٍّ قَالَ: مَا دَخَلَ وَقْتُ صَلاةٍ حَتَّى أَشْتَاقَ
إِلَيْهَا3.
وَعَنْ عَدِيٍّ قَالَ: مَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ
إِلا وَأَنَا عَلَى وُضُوءٍ4.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ عَلَى
طَيِّئٍ يَوْمَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ
قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: لا
تَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ، فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ
صِفِّينَ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قُلْتَ: لا تَنْتَطِحُ فِيهَا
عَنْزَانِ؟ فَقَالَ: بَلَى، وَتُفْقَأُ عُيُونٌ كَثِيرَةٌ5.
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَهُ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ عَدِيًّا رَجُلا جَسِيمًا
أَعْوَرَ، فَرَأَيْتُهُ يَسْجُدُ على جدار
__________
1 السير "3/ 164".
2 خبر ضعيف: من رواية الواقدي.
3 خبر ضعيف: السير "3/ 164" وفيه انقطاع.
4 السير "3/ 164".
5 السابق "3/ 165".
(5/111)
ارْتِفَاعُهُ مِنَ الأَرْضِ ذِرَاعٌ أَوْ
نَحْوُ ذِرَاعٍ1.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: قَالُوا: وَعَاشَ
عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ مِائَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً، فَلَمَّا
أَسَنَّ اسْتَأْذَنَ قَوْمَهُ فِي وِطَاءٍ يَجْلِسُ فِيهِ فِي
نَادِيهِمْ، وَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَظُنَّ أَحَدُكُمْ أَنِّي أرى
أن لي فَضْلا، وَلَكِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَرَقَّ عَظْمِي2.
وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ:
خَرَجَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْبَجَلِيُّ، وَحْنَظَلَةُ الْكَاتِبُ، مِنَ الْكُوفَةِ،
فَنَزَلُوا قَرْقِيسِيَاءَ وَقَالُوا: لا نُقِيمُ بِبَلَدٍ
يُشْتَمُ فِيهِ عُثْمَانُ3.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: تُوُفِّيَ عَدِيٌّ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ
وَسِتِّينَ، وَلَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً.
70- عروة بن الجعد -ع- ويقال: ابن أبي الجعد، البارقي الأسدي4
وَبَارِقٌ جَبَلٌ نَزَلَهُ قَوْمُهُ.
لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةُ وثلاثة أَحَادِيثَ.
اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى قَضَاءِ الْكُوفَةِ مَعَ عُثْمَانَ
بْنِ رَبِيعَةَ قَبْلَ شُرَيْحٍ.
قَالَهُ الشَّعْبِيُّ.
وروى عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَلَمَازَةُ بْنُ زَبَّارٍ،
وَالْعَيْزَارُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَشَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ، وَأَبُو
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدْ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَةً، فَاشْتَرَى لَهُ
شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَأَتَى النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا
لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ لَوِ
اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ فِيهِ5.
وَقَالَ شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ: رَأَيْتُ فِي دَارِ عُرْوَةَ
يَعْنِي الْبَارِقِيَّ سبعين فرسًا مربوطة.
__________
1 السير "3/ 165".
2 السابق.
3 إسناده منقطع: وأخرجه الخطيب "1/ 191" في تاريخه، وانظر السير
"3/ 165".
4 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 34"، والإصابة "3/ 476".
5 حديث صحيح: أخرجه البخاري "3642"، وأحمد "4/ 375، 376"، والحميدي
"843"، والطبراني "17/ 158" في الكبير.
(5/112)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ عُرْوَةُ
مُرَابِطًا، وَلَهُ أَفْرَاسٌ، فِيهَا فَرَسٌ أَخَذَهُ بِعِشْرِينَ
أَلْفَ دِرْهَمٍ1.
71- عَطِيَّةُ الْقُرَظِيُّ2 -4- لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ
قَلِيلَةٌ.
رَوَى عنه: مجاهد، وكثير من السَّائِبِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
عُمَيْرٍ.
وَقَالَ: كُنْتُ مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَكَانَ مَنْ
أَنْبَتَ قُتِلَ، فَكُتِبْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ، فَتُرِكْتُ.
72- عُقْبَةُ بن الحارث3 -خ د ت ن.
ابن عامر نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ أَبُو سروعة
القرشي النوفلي المكي.
أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ.
رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،
وَعُبَيْدُ بن أبي مريم المكي، وابن أبي ملكية، وَغَيْرُهُمْ.
وَهُوَ قَاتِلُ خُبَيْبٌ.
وَأَمَّا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ الَّذِي
رَوَى عَنْهُ ابن أبي ملكية. فَإِنَّ أَبَا سًرْوَعَةَ قَدِيمُ
الْوَفَاةِ.
حَمَّادُ بْنُ زيد: ثنا أيوب، عن ابن أبي ملكية: سَمِعْتُ عُقْبَةَ
بْنَ الْحَارِثِ، وَحَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي، وَأَنَا لِحَدِيثِ
صَاحِبِي أَحْفَظُ، قَالَ عُقْبَةُ: تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى
بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ، فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ،
فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْنَا جَمِيعًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْرَضَ
عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّهَا كَاذِبَةٌ، قَالَ: "وَمَا
يُدْرِيكَ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ! وَقَدْ قَالَتْ مَا قَالَتْ، دعها
عنك" 4.
__________
1 الطبقات الكبرى "6/ 34".
2 انظر: الاستيعاب "3/ 146"، والإصابة "2/ 485".
3 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 447"، والاستيعاب "3/ 107"، والإصابة
"2/ 488".
4 حديث صحيح: أخرجه البخاري "88"، "2052"، وأبو داود "3586"،
والترمذي "1161"، والنسائي "6/ 109"، وأحمد "4/ 7، 8"، وبلفظه
أخرجه الطبراني "17/ 353" في الكبير.
(5/113)
قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْكِ
الشُّبُهَاتِ، وَفِيهِ الرُّجُوعِ مِنَ الْيَقِينِ إِلَى الظَّنِّ
احْتِيَاطًا وَوَرَعًا، واستبراء للعرض والدين.
73- عقبة بن نافع1 بن عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطٍ الْقُرَشِيِّ
الْفِهْرِيُّ الْأَمِيرُ.
قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنِ يُونُسَ: يُقَالُ: إِنَّ لَهُ صُحْبَةً،
وَلَمْ يَصِحَّ، شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ وَاخْتَطَّ بِهَا، وَوَلَّى
الْمَغْرِبَ لِمُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ
الَّذِي بَنَى قَيْرَوَانَ إِفْرِيقِيَّةَ وَأَنْزَلَهَا المسلمين،
قتله الْبَرْبَرُ بِهَوْذَةَ مِنْ أَرْضِ الْمَغْرِبِ سَنَةَ
ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَوَلَدُهُ بِمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ.
وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ،
وَحَكَى عَنْ مُعَاوِيَةَ، رَوَى عَنْهُ قَوْلَهُ: ابْنُهُ أَبُو
عُبَيْدَةَ مَرَّةً وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ، وَعَلِيُّ
بْنُ رَبَاحٍ، وَعَمَّارُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ يَزِيدَ
بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ
الْمُسْلِمُونَ مِصْرَ بَعَثَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى
الْقُرَى الَّتِي حَوْلَهَا الْخَيْلُ يَطَأَوهُمْ، فَبَعَثَ
عُقْبَةُ بن نافع بن عبد قيس، وكان نافخ أَخَا الْعَاصِ بْنَ
وَائِلٍ السَّهْمِيَّ لأُمِّهِ، فَدَخَلَتْ خُيُولُهُمْ أَرْضَ
النُّوبَةِ غَزَاةً غَزْوًا كَصَوَائِفِ الرُّومِ، فَلَقِيَ
الْمُسْلِمُونَ مِنَ النُّوبَةِ قِتَالا شَدِيدًا، رَشَقُوهُمْ
بِالنَّبْلِ، فَلَقَدْ جُرِحَ عَامَّتُهُمْ، وَانْصَرَفُوا
بِحَدَقٍ مُفَقَّأَةٍ2.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا وُلِّيَ مُعَاوِيَةُ وَجَّهَ عُقْبَةَ
بْنَ نَافِعٍ عَلَى عَشَرَةِ آلافٍ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ،
فَافْتَتَحَهَا وَاخْتَطَّ قَيْرَوَانَهَا، وَقَدْ كَانَ
مَوْضِعُهُ غَيْضَةً لا تُرَامُ مِنَ السِّبَاعِ وَالْحَيَّاتِ،
فَدَعَا عَلَيْهَا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ إِلا خَرَجَ
هَارِبًا بِإِذْنِ اللَّهِ، حَتَّى إِنْ كَانَتِ السِّبَاعُ
وَغَيْرُهَا لَتَحْمِلُ أَوْلادَهَا، فحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ
عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَادَى عُقْبَةُ: "إِنَّا نَازِلُونَ
فَأَظْعِنُوا" فَخَرَجْنَ مِنْ جُحُورِهِنَّ هَوَارِبَ3.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ عُقْبَةُ بْنُ
نَافِعٍ إِفْرِيقِيَّةَ وَقَفَ وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْوَادِي
إِنَّا حالون إن شاء الله، فاظعنوا، ثلاث مرات، قال: فما رأينا
حجرا ولا شجرا إلا يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِهِ دَابَّةٌ، حَتَّى
هَبَطْنَ بَطْنَ الْوَادِي، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: انْزِلُوا
بِاسْمِ اللَّهِ.
__________
1 انظر: الاستيعاب "3/ 108"، وأسد الغابة "4/ 59"، والبداية "8/
217".
2 خبر ضعيف: فيه الواقدي من الضعفاء. وانظر السير "3/ 533".
3 خبر ضعيف: السابق "3/ 533".
(5/114)
وَعَنْ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ،
وَغَيْرِهِ قَالُوا: كَانَ عُقْبَةُ بْنِ نَافِعٍ مُجَابُ
الدَّعْوَةِ1.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ قَالَ: قَدِمَ عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ
عَلَى يَزِيدَ، فَرَدَّهُ وَالِيًا عَلَى إِفْرِيقِيَّةِ سَنَةَ
اثنين وَسِتِّينَ، فَخَرَجَ سَرِيعًا لِحِينِهِ عَلَى أَبِي
الْمُهَاجِرِ دِينَارٍ -هُوَ مَوْلَى مُسْلِمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ-
فَأَوْثَقَ أَبَا الْمُهَاجِرِ فِي الحديد، ثُمَّ غَزَا إِلَى
السُّوسِ الأَدْنَى، وَأَبُو الْمُهَاجِرِ مَعَهُ مُقَيَّدٌ، ثُمَّ
رَجَعَ وَقَدْ سَبَقَهُ أَكْثَرُ الْجَيْشِ، فَعَرَضَ لَهُ
كُسَيْلَةُ فِي جَمْعٍ مِنَ الْبَرْبَرِ وَالرُّومِ، فَالْتَقَوْا،
فَقُتِلَ عُقْبَةُ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو الْمُهَاجِرِ2.
74- عَلْقَمَةُ بْنُ قيس3 -ع- بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ،
أَبُو شِبْلٍ النَّخَعِيُّ الكوفي، الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ، خَالُ
إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَشَيْخُهُ، وَعَمُّ الأَسْوَدِ بْنِ
يَزِيدَ.
أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَسَمِعَ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ،
وَعَلِيًّا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَأَبَا الدَّرْدَاءِ، وَسَعْدَ
بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبَا مُوسَى، وَحُذَيْفَةَ،
وَتَفَقَّهَ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ.
رَوَى عَنْهُ: إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ،
وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ النّخَعِيُّ، وَهَنِيُّ بْنُ
نُوَيْرَةَ، وَأَبُو الضُّحَى مُسْلِمٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
يَزِيدَ النَّخَعِيُّ أَخُو الأَسْوَدِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ
مُخَيْمِرَةَ وَالْمُسَيَّبُ بْنُ رَافِعٍ، وَأَبُو ظَبْيَانَ.
وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ: يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ، وَعُبَيْدُ
بْنُ نَضْلَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَغَيْرُهُمْ.
وَكَانَ فَقِيهًا إِمَامًا مُقْرِئًا، طَيِّبَ الصَّوْتِ
بِالْقُرْآنِ، ثَبَتًا حُجَّةً، وَكَانَ أَعْرَجَ، دَخَلَ دِمَشْقَ
وَاجْتَمَعَ بِأَبِي الدَّرْدَاءِ بِالْجَامِعِ، وَكَانَ
الأَسْوَدُ أَكْبَرَ مِنْهُ، فَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ قَالَ: قَالَ
الأْسَوَدُ: إِنِّي لَأذْكُرُ لَيْلَةَ بُنِيَ بِأُمِّ عَلْقَمَةَ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ
عَلِيٍّ.
وَقَالَ مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَنَّى
عَلْقَمَةَ أَبَا شِبْلٍ، وَكَانَ عَلْقَمَةُ عَقِيمًا لا يُولَدُ
لَهُ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ
سَنَتَيْنِ.
وَقَالَ مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّ الأسود وعلمقة كانا
يسافران مع أبي بكر وعمر.
__________
1 السابق.
2 السابق.
3 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 86"، السير "4/ 53"، الإصابة "3/ 110".
(5/115)
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: ثنا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ
عَلْقَمَةُ يشبه بعبد الله ين مَسْعُودٍ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ
وَسَمْتِهِ1.
وَقَالَ الأَعْمَشُ: ثنا عُمَارَةُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي
مَعْمَرٍ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ قَالَ: كُنَّا
عِنْدَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِنَا إلى
أَشْبَهِ النَّاسِ هَدْيًا وَدَلًا وَأَمْرًا بِعَبْدِ اللَّهِ،
فَقُمْنَا مَعَهُ لَمْ نَدْرِ مَنْ هُوَ، حَتَّى دَخَلَ بِنَا
عَلَى عَلْقَمَةَ2.
وَقَالَ دَاوُدُ الأَوْدِيُّ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: أَخْبِرْنِي
عَنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ،
قَالَ: كَانَ عَلْقَمَةُ أبْطَنَ الْقَوْمِ بِهِ، وَكَانَ
مَسْرُوقٌ قَدْ خَلَطَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ الرَّبِيعُ
بْنُ خُثَيْمٍ أَسَدَّهُمِ اجْتِهَادًا، وَكَانَ عَبِيدَةَ
يُوَازِي شُرَيْحًا فِي الْعِلْمِ وَالْقَضَاءِ3.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ الذين
يقرأون وَيُفْتُونَ: عَلْقَمَةُ، وَمَسْرُوقٌ، وَالأَسْوَدُ،
وَعَبِيدَةُ، وَالْحَارِثُ بْنُ قيس، وعمرو بْنُ شُرَحْبِيلَ.
وَقَالَ مُرَّةُ بْنُ شَرَاحِيلَ: كَانَ عَلْقَمَةُ مِنَ
الرَّبَّانِيِّينَ.
وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
عَلْقَمَةَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا أَقْرَأُ شَيْئًا إِلا
وَعَلْقَمَةُ يَقْرَأُ.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَنْ عَلْقَمَةَ
وَالأَسْوَدِ، أيهما أفضل؟
فقال: كان علقمة من البطيء وَيُدْرِكُ السَّرِيعَ.
وَقَالَ أَبُو قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ: قُلْتُ لِأَبِي:
كَيْفَ تَأْتِي عَلْقَمَةَ، وَتَدَعُ أَصْحَابَ مُحَمَّدِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: يَا بَنِي إِنَّ أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ4.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانَ عَلْقَمَةُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي
خمس، والأسود في ست، وعبد الرحمن ين يَزِيدَ فِي سَبْعٍ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنْ كَانَ أهل بين خُلِقُوا لِلْجَنَّةِ
فَهُمْ أَهْلُ هَذَا الْبَيْتِ: عَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ.
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قُلْنَا لِعَلْقَمَةَ: لَوْ
صَلَّيْتَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ وَنَجْلِسُ مَعَكَ فَتُسْأَلُ،
قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يُقَالُ هَذَا
__________
1 خبر صحيح: وأخرجه ابن سعد "6/ 86".
2 خبر حسن: وأخرجه ابن سعد "6/ 86"، وأبو نعيم "2/ 98" في الحلية.
3 خبر حسن.
4 الحلية "2/ 98".
(5/116)
عَلْقَمَةُ، قَالُوا: لَوْ دَخَلْتَ عَلَى
الأُمَرَاءِ فَعَرَفُوا لَكَ شَرَفَكَ، قَالَ: أَخَافُ أَنْ
يَنْتَقِصُوا مِنِّي أَكْثَرَ مِمَّا أَنْتَقِصُ مِنْهُمْ1.
وَقَالَ عَلْقَمَةُ لِأَبِي وَائِلٍ وَقَدْ دَخَلَ عَلَى ابْنِ
زِيَادٍ: إِنَّكَ لَمْ تُصِبْ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئًا إلا
أَصَابُوا مِنْ دِينِكَ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، مَا أَحَبَّ
أَنَّ لِي مَعَ ألْفَيَّ أَلْفَيْنِ، وَإِنِّي مِنْ أَكْرَمِ
الْجُنْدِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ أَبَا بُرْدَةَ كَتَبَ عَلْقَمَةَ فِي
الْوَفْدِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ عَلْقَمَةُ: امْحُنِي
امْحُنِي.
وَقَالَ عَلْقَمَةُ: مَا حَفِظْتُ وَأَنا شَابٌّ، فَكَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي قِرْطَاسٍ.
قَالَ الْهَيْثَمُ: تُوُفِّيَ عَلْقَمَةُ فِي خلافة يزيد.
وقال أبو النعيم: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَخَلِيفَةُ، وَابْنُ
مَعِينٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو
حَفْصٍ الْفَلاسُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ.
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وغيره: توفي سنة اثتنين
وسبعين، وهو غلط.
75- عمر بن سعد2 –ن.
ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ، أَبُو حَفْصٍ
المدني نزيل الكوفة.
روى عنه: أَبِيهِ.
وَرَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ، وَابْنُ ابْنِهِ أَبُو
بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، وَالْعَيْزَارُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَأَبُو
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَأَرْسَلَ عَنْهُ قَتَادَةُ،
وَالزُّهْرِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ.
وَلِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ جَمَاعَةٌ إِخْوَةٌ: عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ،
أَحَدُ مِنْ قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ.
وَعُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ: قُتِلَ أَيْضًا يَوْمَ الْحَرَّةِ.
وَمُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَامِرُ بْنُ سَعْدٍ: مَاتَا بَعْدَ
الْمِائَةِ.
وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: وَلَهُ رِوَايَةٌ.
وَإِسْمَاعِيلُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى: ذكر تراجمهم ابن
سعد.
__________
1 إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد "6/ 88" فيه عنعنة الأعمش، وهو من
المدلسين.
2 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 168"، والجرح والتعديل "6/ 111"،
والبداية "8/ 273".
(5/117)
وقد مر أنه قَاتَلَ الْحُسَيْنَ -رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، وَشَهِدَ دُومَةَ الْجَنْدَلِ مَعَ أَبِيهِ.
وَقَالَ بُكَيْرِ بْنُ مِسْمَارٍ: سمعت عامر بن يَقُولُ: كَانَ
سَعْدُ فِي إبِلِهِ أَوْ غَنَمِهِ، فَأَتَاهُ ابْنُهُ عُمَرُ،
فَلَمَّا لاحَ قَالَ: أَعُوذُ بالله من شر هذا الراكب، فلما اتنهى
إِلَيْهِ قَالَ: يَا أَبَتِ أَرَضِيتَ أَنْ تَكُونَ أَعْرَابِيًّا
فِي إِبلِكَ وَالنَّاسُ يَتَنَازَعُونَ فِي الْمُلْكِ! فَضَرَبَ
صَدْرَهُ بِيَدِهِ وَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْخَفِيَّ الْغَنِيَّ" 1.
وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ سَالِمٍ، إِنْ
شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لِلْحُسَيْنِ:
إِنَّ قَوْمًا مِنَ السُّفَهَاءِ يَزْعُمُونَ إِنِّي قَاتِلُكَ،
قَالَ: لَيْسُوا بِسُفَهَاءَ وَلَكِنَّهُمْ حُلَمَاءُ، ثُمَّ
قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَقَرُّ عَيْنِي أَنَّكَ لا تَأْكُلُ
بُرَّ الْعِرَاقِ بَعْدِي إِلا قَلِيلا2.
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ بَعْضِ
أَصْحَابِهِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ لِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ: كَيْفَ
أَنْتَ إِذَا قُمْتَ مَقَامًا تُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ، فَتَخْتَارُ النَّارَ.
وَيُرْوَى عن عقبة بن سمعان قال: كان اللَّهِ قَدْ جَهَّزَ عُمَرَ
بْنَ سَعْدٍ فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ لِقِتَالِ الدَّيْلَمِ، وَكَتَبَ
لَهُ عَهْدَهُ عَلَى الرَّيِّ، فَلَمَّا أَقْبَلَ الْحُسَيْنُ
طَالِبًا لِلْكُوفَةِ دَعَا عُبَيْدُ اللَّهِ عُمَرًا وَقَالَ:
سِرْ إِلَى الْحُسَيْنِ، قَالَ: إِنْ تُعْفِينِي، قَالَ: فَرُدَّ
إِلَيْنَا عَهْدَنَا، قَالَ: فَأَمْهِلْنِي الْيَوْمَ أَنْظُرُ فِي
أَمْرِي، فَانْصَرَفَ يَسْتَشِيرُ أَصْحَابَهُ، فَنَهَوْهُ3.
وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ -وَلَيْسَ بِثِقَةٍ لَكِنْ لَهُ اعْتِنَاءٌ
بِالأَخْبَارِ: حَدَّثَنِي مُجَالِدٌ، وَالصَّقْعَبُ بْنُ زُهَيْرٍ
أَنَّهُمَا الْتَقَيَا مِرَارًا -الْحُسَيْنَ، وَعُمَرَ بْنَ
سَعْدٍ- قَالَ: فَكَتَبَ عُمَرُ إلى عبيد الله: أما بعد، فإن
بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَطْفَأَ الثَّائِرَةَ، وَجَمَعَ
الْكَلِمَةَ، وَأَصْلَحَ أَمْرَ الأُمَّةِ، فَهَذَا حُسَيْنٌ قَدْ
أَعْطَانِي أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي مِنْهُ أَتَى،
أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَضَعُ يَدَهُ فِي
يَدِهِ، أَوْ أَنْ يَسِيرَ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ،
فَيَكُونُ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَهُ مَا لَهْمُ
وَعَلَيْهِ، وَفِي هَذَا لَكُمْ رِضًا، وَلِلأُمَّةِ صَلاحٌ.
فَلَمَّا قَرَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْكِتَابَ قَالَ: هَذَا كِتَابُ
نَاصِحٌ لِأَمِيرِهِ، مُشْفِقٌ عَلَى قَوْمِهِ، نَعَمْ قَدْ
قَبِلْتُ، فَقَامَ إِلَيْهِ شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ فَقَالَ:
أَتَقْبَلُ هَذَا منه وقد نزل بأرضك وإلى
__________
1 حديث صحيح: أخرجه مسلم "2965".
2 خبر ضعيف: فيه جهالة أحد الرواة.
3 تاريخ الطبري "5/ 409".
(5/118)
جَنْبِكَ: وَاللَّهِ لَئِنْ خَرَجَ مِنْ
بِلادِكَ وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي يَدِكَ لَيَكُونَنَّ أَوْلَى
بِالْقُوَّةِ وَالْعِزِّ، وَلْتَكُونَنَّ أَوْلَى بِالضَّعْفِ
وَالْعَجْزِ، فَلا تُعْطِهِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ فَإِنَّهَا مِنَ
الْوَهَنِ، وَلَكِنْ لِيَنْزِلْ عَلَى حُكْمِكَ هُوَ
وَأَصْحَابُهُ، فَإِنْ عَاقَبْتَ فَأَنْتَ وَلِيَّ الْعُقُوبَةِ،
وَإِنْ غَفَرْتَ كَانَ ذَلِكَ لَكَ، وَاللَّهِ لَقَدْ بَلَغَنِي
أَنَّ حُسَيْنًا وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ يَجْلِسَانِ بَيْنَ
الْعَسْكَرَيْنِ فَيَتَحَدَّثَانِ عَامَّةَ اللَّيْلِ، فَقَالَ
لَهُ: نِعْمَ مَا رَأَيْتُ الرَّأْيَ رَأْيَكَ1.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ": ثنا مُوسَى بْنُ إسماعيل،
ثنا سليمان بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ
الْعِجْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ طُعِنَ
فِي سُرَادِقِ الْحُسَيْنِ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، فَرَأَيْتُ عُمَرَ
وَوَلَدَيْهِ قَدْ ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ، ثُمَّ عُلِّقُوا عَلَى
الْخَشَبِ، ثُمَّ أُلْهِبَ فِيهِمُ النَّارُ2.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرِ الْبَاقِرِ: إِنَّمَا أَعْطَاهُ
الْمُخْتَارُ أَمَانًا بِشَرْطِ أَلا يُحْدِثُ -وَنَوَى
بِالْحَدَثِ دُخُولَ الْخَلاءِ- ثُمَّ قَتَلَهُ3.
وَقَالَ عِمْرَانُ بْنِ مِيثَمٍ: أَرْسَلَ الْمُخْتَارُ إِلَى
دَارِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ مَنْ قَتَلَهُ وَجَاءَهُ بِرَأْسِهِ،
بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمَّنَهُ، فَقَالَ ابْنُهُ حَفْصٌ لَمَّا رَأَى
ذَلِكَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فَقَالَ
الْمُخْتَارُ: اضْرِبْ عُنُقَهُ، ثُمَّ قَالَ: عُمَرُ
بِالْحُسَيْنِ، وَحَفْصُ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَلا
سَوَاءٌ4.
قُلْتُ: هَذَا عَلِيٌّ الأَكْبَرُ لَيْسَ هُوَ زَيْنُ
الْعَابِدِينَ.
قَالَ خَلِيفَةُ: وَسَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ قُتِلَ عُمَرُ بْنُ
سَعْدٍ عَلَى فِرَاشِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: سَنَةَ سَبْعٍ.
76- عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْد المطلب5
–ع-، وَهَذَا عُمَرُ الأَكْبَرُ قُتِلَ مَعَ الْمُخْتَارِ بْنِ
أَبِي عُبَيْدٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِيهِ.
رَوَى عَنْهُ: بَنُوهُ عَلِيٌّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَمُحَمَّدٌ،
وَأَبُو زرعة عمرو بن جابر
__________
1 خبر ضعيف جدًّا: انظر تاريخ الطبري "5/ 414".
2 خبر صحيح.
3 البداية والنهاية "8/ 273".
4 السابق.
5 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 117"، والجرح والتعديل "6/ 124"،
والسير "4/ 134".
(5/119)
الْحَضْرَمِيُّ، وَلابْنِهِ مُحَمَّدٍ
حَدِيثٌ عَنْهُ فِي السُّنَنِ.
قُتِلَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ سَنَةَ سَبْعٍ.
77- عَمْرُو بن الحارث -ع- بن أبي ضرار الخزاعي1 المصطلقي، أَخُو
أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ جُوَيْرِيَةَ.
لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، نَزَلَ الْكُوفَةَ، وَرَوَى أَيْضًا
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَوْجَتِهِ زَيْنَبَ.
رَوَى عَنْهُ: مَوْلاهُ دِينَارٌ، وَأَبُو وائل، وأبو عبيد بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ.
وَهُوَ صِهْرُ ابْنِ مَسْعُودٍ.
78- عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ2 بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ
الأَسَدِيُّ، وأمه أُمُّ خَلِدِ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ
الْأُمَوِيَّةِ.
سَمِعَ: أَبَاهُ وَأَخَاهُ، وَلا نَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً، وَلَهُ
وِفَادَةٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَابْنِهِ، وَكَانَتْ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ خُصُومَةٌ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ
عُثْمَانَ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو
بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ الْمُطَرِّفَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ
لَمَّا اسْتَشْرَفُوا جَمَالَهُ قَالُوا: هَذَا حَسَنٌ مُطْرَّفٌ
بَعْدَ عَمْرِو بْنِ الزُّبَيْرِ.
وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ مُنْقَطِعَ الْجَمَالِ، وَكَانَ
يُقَالُ: مَنْ يُكَلِّمُ عَمْرَو بن الزبير يندم، كان شديد
المعارضة، مَنِيعَ الْحَوْزَةِ، وَكَانَ يَجْلِسُ بِالْبِلادِ
وَيَطْرَحُ عَصَاهُ، فَلا يَتَخَطَّاهَا أَحَدٌ إِلا بِإِذْنِهِ،
وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ مِنَ الرَّقِيقِ مِائَتَيْنِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ،
عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ بكر، وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أَبِيهِ،
وَابْنِ أَبِي الزِّنَادِ قَالُوا: كَتَبَ يَزِيدُ إِلَى عَمْرِو
بْنِ سَعِيدٍ أَنْ يُوَجِّهَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ جُنْدًا،
فَسَأَلَ: مَنْ أعَدْى النَّاسِ لَهُ، فَقِيلَ: عَمْرُو أَخُوهُ،
فَوَلاهُ شُرْطَةَ الْمَدِينَةِ، فَضَرَبَ نَاسًا مِنْ قُرْيَشٍ
وَالأَنْصَارِ بِالسِّيَاطِ وَقَالَ: هَؤُلاءِ شِيعَةُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ تَوَجَّهَ فِي أَلْفٍ مِنْ أَهْلِ
الشَّامِ إِلَى قتال أخيه عبد الله، فنزل بذي
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 196"، وأسد الغابة "4/ 96"، والإصابة
"2/ 530".
2 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 185"، وتاريخ الطبري "4/ 460".
(5/120)
طُوَى، فَأَتَاهُ النَّاسُ يُسَلِّمُونَ
عَلَيْهِ، فَقَالَ: جِئْتُ لِأَنْ يُعْطِيَ أَخِي الطَّاعَةَ
لِيَزِيدَ وَيَبَرَّ قَسَمَهُ، فَإِنْ أَبَى قَاتَلْتُهُ، فَقَالَ
لَهُ جُبَيْرُ بْنُ شَيْبَةَ: كَانَ غَيْرُكَ أَوْلَى بِهَذَا
مِنْكَ، تَسِيرُ إِلَى حَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ، وَإِلَى أَخِيكَ
فِي سِنِّهِ وَفَضْلِهِ، تَجْعَلُهُ فِي جَامِعَةٍ! مَا أَرَى
النَّاسَ يَدْعُونَكَ وَمَا تُرِيدُ، قَالَ: إِنِّي أُقَاتِلُ مَنْ
حَالَ دُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَنَزَلَ دَارَهُ عِنْدَ
الصَّفَا، وَجَعَلَ يُرْسِلُ إِلَى أَخِيهِ، وَيُرْسِلُ إِلَيْهِ
أَخُوهُ، وَكَانَ عَمْرُو يَخْرُجُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ،
وَعَسْكَرَهُ بِذِي طُوَى، وَابْنُ الزُّبَيْرِ أَخُوهُ مَعَهُ
يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ وَيُكَلِّمُهُ فِي الطَّاعَةِ، وَيَلِينُ
لَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ، إِنِّي
لَسَامِعٌ مُطِيعٌ، أَنْتَ عَامِلُ يَزِيدَ، وَأَنَا أُصَلِّي
خَلْفَكَ مَا عِنْدِي خِلَافٌ، فَأَمَّا أَنْ تَجْعَلَ فِي عُنُقِي
جَامِعَةً، ثُمَّ أُقَادُ إِلَى الشَّامِ، فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي
ذَلِكَ، فَرَأَيْتُ لا يَحِلُّ لِي أَنْ أَحُلَّهُ بِنَفْسِي،
فَرَاجِعْ صَاحِبَكَ وَاكْتُبْ إِلَيْهِ، قَالَ: لا وَاللَّهِ، مَا
أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَهَيَّأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ
قَوْمًا وَعَقَدَ لَهُمْ لِوَاءً، وَأَخَذَ بِهِمْ من أسفل مكة،
فلم يشعر أنيس الأسلمي إلا بالقوم وهم على عسكر عمر، قالتقوا،
فَقُتِلَ أُنَيْسٌ، وَرَكِبَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ فِي طَائِفَةٍ إِلَى عَمْرِو، فَلَقَوْهُ، فانهزم
أصحابه والعسكر أيضًا، وجاء عبيد بْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهِ،
فَقَالَ: يَا أَخِي أَنَا أُجِيرُكَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَاءَ
بِهِ أَسِيرًا وَالدَّمُ يَقْطُرُ عَلَى قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ
أَجَرْتُهُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا حَقِّي فَنَعَمْ،
وَأمَّا حَقُّ النَّاسِ فَلأَقْتَصَّنَّ مِنْهُ لِمَنْ آذَاهُ
بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ: مَنْ كَانَ يَطْلُبُهُ بِشَيْءٍ
فَلْيَأْتِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي فَيَقُولُ: قَدْ نَتَفَ
شُفَارِيَ، فَيَقُولُ: قم فانتف أشفاره، وجعل الرجل يقول: قَدْ
نَتَفَ لِحْيَتِي، فَيَقُولُ: انْتِفْ لِحْيَتَهُ، فَكَانَ
يُقِيمُهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَدْعُو النَّاسَ لِلْقَصَاصِ مِنْهُ،
فَقَامَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: قَدْ جَلَدَنِي
مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَأَمَرَهُ فَضَرَبَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ،
فَمَاتَ، وَأَمَرَ بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَصُلِبَ. رَوَاهُ
ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ وَقَالَ: بَلْ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ
الضَّرْبُ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ
مِنَ السِّجْنِ، فَرآهُ جَالِسًا بِفِنَاءِ مَنْزِلِهِ فَقَالَ:
أَلا أَرَاهُ حَيًّا، فَأَمَرَ بِهِ فَسُحِبَ إِلَى السِّجْنِ،
فَلَمْ يَبْلُغْهُ حَتَّى مَاتَ، فَأَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ،
فَطُرِحَ فِي شِعْبِ الْخَيْفِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي صُلِبَ
فِيهِ عبد الله بعد1.
79- عمرو بن شرحبيل2 –ع سوى ق.
أبو ميسرة الهمداني الكوفي.
__________
1 خبر ضعيف: وأخرجه ابن سعد "5/ 185، 186" في الطبقات، وفيه
الواقدي.
2 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 106"، والحلية "4/ 41"، والسير "4/
135".
(5/121)
رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ
مَسْعُودٍ. وَكَانَ سَيِّدًا صَالِحًا عَابِدًا، إِذَا جَاءَهُ
عَطَاءٌ تَصَدَّقَ بِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو وَائِلٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْقَاسِمُ بْنُ
مُخَيْمِرَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ هَمْدَانيًا أَحَبَّ
إِليَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلاخِهِ، مِنْ عَمْرِو بْنِ
شُرَحْبِيلَ1.
شَريِكٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: مَا اشْتَمَلَتْ
هَمْدَانِيَّةُ عَلَى مِثْلِ أَبِي مَيْسَرَةَ، قِيلَ: وَلا
مَسْرُوقَ؟ فَقَالَ: وَلا مَسْرُوقَ2.
أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، وَقِيلَ لَهُ: مَا
يَحْبِسُكَ عِنْدَ الإِقَامَةِ؟ قَالَ: إِنِّي أُوتِرُ، وَلَمَّا
احْتُضِرَ أَوْصَى أَنْ لا يُؤْذَنَ بِجِنَازَتِهِ أَحَدٌ،
وَكَذَلِكَ أَوْصَى عَلْقَمَةَ3.
إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا
جُحَيْفَةَ فِي جِنَازَةِ أَبِي مَيْسَرَةَ آخِذًا بِقَائِمَةِ
السَّرِيرِ حَتَّى أُخْرِجَ، ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ: غَفَرَ اللَّهُ
لَكَ أَبَا مَيْسَرَةَ4.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي وِلَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ زِيَادٍ بالكوفة.
80- عمرو بن عبسة5 –م 4- ابْنِ عَامِرِ بْنِ خَالِدٍ، أَبُو
نَجِيحٍ السُّلَمِيُّ، نزيل حِمْصَ، وَأَخُو أَبِي ذَرٍّ لأُمِّهِ،
قدِم عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَكَّةَ، فَكَانَ رَابِعَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرَجَعَ ثُمَّ هَاجَرَ
فِيمَا بَعْدُ إِلَى الْمَدِينَةِ، لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيثَ.
رَوَى عَنْهُ: جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ، وَشَدَّادٌ أَبُو
عُمَارَةَ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ وَكَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ،
وَمَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَالْقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، وَحَبِيبُ بْنُ عُبَيْدٍ،
وضمرة بن حبيب، وأبو إدريس الخوني، وَخَلْقٌ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ مَسْعُودٍ -مَعَ جَلالَتِهِ- وَسَهْلُ
بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ.
__________
1 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "6/ 106" في طبقاته.
2 خبر حسن: وأخرجه ابن سعد "6/ 106".
3 إسناده ضعيف: فيه عنعنة أبي إسحاق.
4 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "6/ 109".
5 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 214"، والاستيعاب "2/ 498"، وأسد
الغابة "4/ 130"س.
(5/122)
ولا علم هَلْ مَاتَ فِي خِلافَةِ
مُعَاوِيَةَ أَوْ فِي خِلافَةِ يَزِيدَ، وَكَانَ أَحَدُ
الأُمَرَاءِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ.
رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي سَلامٍ الدِّمَشْقِيِّ، وعمرو
بن عبد الله، سمعنا أَبَا أُمَامَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ
قَالَ: رَغِبْتُ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
رَأَيْتُ أَنَّهَا آلِهَةٌ بِاطِلَةٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ1.
81- عمرو بن سعيد2 –م ت ن ق.
ابْنِ الْعَاصِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ الأموي،
أبو أمية المعروف بالأشدق.
وَلِيَ الْمَدِينَةَ لِيَزِيدَ، ثُمَّ سَكَنَ دِمَشْقَ، وَكَانَ
أَحَدَ الأَشْرَافِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَدْ رَامَ
الْخِلافَةَ، وَغَلَبَ عَلَى دِمَشْقَ، وَادَّعَى أَنَّ مَرْوَانَ
جَعَلَهُ وَلِيَّ الْعَهْدِ بَعْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ.
حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ.
رَوَى عَنْهُ: بَنُوهُ مُوسَى، وَأُمَيَّةُ، وَسَعِيدٌ، وَخُثَيْمُ
بْنُ مَرْوَانَ.
وَكَانَ زَوْجَ أُخْتِ مَرْوَانَ أُمِّ الْبَنِينِ شَقِيقَةِ
مَرْوَانَ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا
احْتُضِرَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- جَمَعَ
بَنِيهِ فَقَالَ: أيُّكُمُ يَكْفُلُ دَيْنِي؟ فَسَكَتُوا، فَقَالَ:
مَا لَكُمْ لا تُكَلِّمُونِ؟ فَقَالَ عَمْرُو الْأَشْدَقُ، وَكَانَ
عَظِيمَ الشِّدْقَيْنِ: وَكَمْ دَيْنُكَ يَا أَبَتِ؟ قَالَ:
ثَلاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، قَالَ: فِيمَ اسْتَدَنْتَهَا؟ قَالَ:
فِي كَرِيمٍ سَدَدْتُ فَاقَتَهُ3 وَلَئِيمٍ فَدَيْتُ عِرْضِي
مِنْهُ، فَقَالَ: هِيَ عَلَيَّ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُئِلَ عَنْ خُطَبَاءِ
قُرْيَشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: الأَسْوَدُ بْنُ
الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَسُئِلَ عَنْ
خُطَبَائِهِمْ فِي الإِسْلامِ فَقَالَ: مُعَاوِيَةُ، وَابْنُهُ،
وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَابْنُهُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ.
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ
جُدْعَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَيُرْعَفَنَّ عَلَى مِنْبَرِي جَبَّارٌ مِنْ
جبابرة
__________
1 خبر حسن: أخرجه ابن سعد "4/ 217" في طبقاته.
2 انظر: الاستيعاب "1177"، والبداية "8/ 310"، والإصابة "3/ 170".
3 الفاقة: الحاجة أو الشدة.
(5/123)
بَنِي أُمَيَّةَ"1. قَالَ عَلِيٌّ:
فَحَدَّثَنِي مَنْ رَأَى عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ رَعِفَ عَلَى
مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: كَانَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ
وَلاهُ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ وَلاهُ يَزِيدُ، فَبَعَثَ
عَمْرُو بَعْثًا لِقِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَكَانَ عَمْرُو
يَدَّعِي أَنَّ مَرْوَانَ جَعَلَ إِلَيْهِ الأَمْرَ بَعْدَ عَبْدِ
الْمَلِكِ، ثُمَّ نَقَضَ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ إِلَى عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ، فَلَمَّا شَخَصَ عَبْدُ الْمَلِكِ
إِلَى حَرْبِ مُصْعَبٍ إِلَى الْعِرَاقِ، خَالَفَ عَلَيْهِ عَمْرَو
بْنَ سَعِيدٍ، وَغَلَّقَ أَبْوَابَ دِمَشْقَ، فَرَجَعَ عَبْدُ
الْمَلِكِ وَأَحَاطَ بِهِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ أَمَانًا، ثُمَّ غَدَرَ
بِهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ عَمِّ
عَبْدِ الْمَلِكِ:
أَعَيْنَيَّ جُودِي بِالدُّمُوعِ عَلَى عَمْرِو ... عَشِيَّةَ
تُبْتَزُّ الْخِلافَةُ بِالْغَدْرِ؟
كَأَنَّ بَنِي مَرْوَانَ إِذْ يَقْتُلُونَهُ ... بِغَاثٍ من الطير
اجتمعن على صقر
غدرتم بعمرو يَا بَنِي خَيْطِ بَاطِلٍ ... وَأَنْتُمْ ذَوُو
قُرَبَائِهِ وَذَوُو صِهْرِ
فَرُحْنَا وَرَاحَ الشَّامِتُونَ عَشِيَّةً ... كَأَنَّ عَلَى
أَكْتَافِنَا فِلَقُ الصَّخْرِ
لَحَا اللَّهُ دُنْيَا يَدْخُلُ النَّارَ أَهْلُهَا ... وَتَهْتِكُ
مَا دُونَ الْمَحَارِمِ مِنْ سِتْرِ
وَكَانَ مَرْوَانَ يُلَقَّبُ بِخَيْطِ بَاطِلٍ.
وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ لَمَّا
سَارَ يَؤُمُّ الْعِرَاقَ، جَلَسَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ
مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ، فَتَذَاكَرَا مِنْ أَمْرِ
عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَسِيرِهِمَا مَعَهُ عَلَى خَدِيعَةٍ مِنْهُ
لَهُمَا، فَرَجَعَ عَمْرُو إِلَى دِمَشْقَ فَدَخَلَهَا وَسُورُهَا
وَثِيقٌ، فَدَعَا أَهْلَهَا إِلَى نَفْسِهِ، فَأَسْرَعُوا
إِلَيْهِ، وَفَقَدَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، فَرَجَعَ بِالنَّاسِ إِلَى
دِمَشْقَ، فَنَازَلَهَا سِتَّ عَشْرَةَ لَيْلةً حَتَّى فَتَحَهَا
عَمْرُو لَهُ وَبَايَعَهُ، فَصَفَحَ عَنْهُ عَبْدُ الْمَلِكِ؛
ثُمَّ أَجْمَعَ عَلَى قَتْلِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَوْمًا
يَدْعُوهُ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهَا رِسَالَةُ شَرٍّ،
فَزَلَفَ إِلَيْهِ فِيمَنْ مَعَهُ، لَبِسَ دِرْعًا مُتَكَفِّرًا
بِهَا، ثُمَّ دَخَلَ إِلَيْهِ، فَتَحَدَّثَا سَاعَةً، وَقَدْ كَانَ
عَهِدَ إِلَى يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ إِذَا
خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَيْهِ
فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ، مَا هَذِهِ الْغَوَائِلُ وَالزُّبَى
الَّتِي تُحْفَرُ لَنَا! ثُمَّ ذَكَّرَهُ مَا كَانَ مِنْهُ،
وَخَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ، وَلَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ يَحْيَى،
فَشَتَمَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، ثُمَّ أَقْدَمَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ
عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ2.
قَالَ خَلِيفَةُ: وَفِي سَنَةِ سَبْعِينَ خَلَعَ عَمْرُو بْنُ
سَعِيدٍ عَبْدَ الْمَلِكِ، وأخرج عامله عبد
__________
1 حديث ضعيف: أخرجه أحمد "2/ 522" وفيه ابن جدعان من الضعفاء.
2 الطبقات الكبرى "5/ 238".
(5/124)
الرَّحْمَنِ بْنَ أُمِّ الْحَكَمِ عَنْ
دِمَشْقَ، فَسَارَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ، ثُمَّ اصْطَلَحَا
عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ،
وَعَلَى أَنَّ لِعَمْرٍو مَعَ كُلِّ عَامِلٍ عَامِلًا، وَفَتَحَ
دِمَشْقَ، وَدَخَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ، ثُمَّ غَدَرَ بِهِ
فَقَتَلَهُ، فَحَدَّثَنِي أَبُو الْيَقْظَانِ قَالَ: قَالَ لَهُ
عَبْدُ الْمَلِكِ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ، لَوْ أعْلَمْ أَنَّكَ
تَبْقَى وَتُصْلِحُ قَرَابَتِي لَفَدَيْتُكَ وَلَوْ بِدَمِ
النَّوَاظِرِ، وَلَكِنَّهُ قَلَّمَا اجْتَمَعَ فَحَلانِ فِي إِبِلٍ
إِلا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: قُتِلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ.
82- عَمْرُو الْبِكَالِيُّ أَبُو عُثْمَانَ1، صَحَابِيٌّ، شَهِدَ
الْيَرْمُوكَ. وَرَوَى عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي الأَعْوَرِ
السُّلَمِيِّ، وَغَيْرِهِمَا.
وَعَنْهُ: مَعْدَانُ بْنُ أبي طلحة، وأبو تميمة الهجيمي طريف،
وأسماء الرَّحَبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَأَمَّ النَّاسَ بِمَسْجِدِ دِمَشْقَ، رَوَى الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ
أَبِي تَمِيمَةَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَإِذَا بِهِمْ يَطُوفُونَ
بِرَجُلٍ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: هَذَا أَفْقَهُ مَنْ
بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، هَذَا عَمْرُو الْبِكَالِيُّ، وَرَأَيْتُ أَصَابِعَهُ
مَقْطُوعَةً، فَقِيلَ: قُطِعَتْ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ2.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ: قَدِمَ عَمْرُو الْبِكَالِيُّ
مِصْرَ مَعَ مَرْوَانَ، فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
جُبَيْرَةَ.
وَقِيلَ: هُوَ أَخُو نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ: هُوَ تَابِعِيٌّ ثقة.
"حرف القاف":
83- قباث بن أشيم3 –ت.
الليثي، صَحَابِيٌّ، شَهِدَ الْيَرْمُوكَ أَمِيرًا، وَطَالَ
عُمْرُهُ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، وَأَبُو
الْحُوَيْرِثِ.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 421"، وأسد الغابة "4/ 89"، والإصابة
"3/ 23، 24".
2 خبر حسن: وأخرجه ابن عبد البر "2/ 533، 534" في الاستيعاب.
3 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 411"، والاستيعاب "3/ 168"، والإصابة
"3/ 221".
(5/125)
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: إِنَّهُ شَهِدَ
بَدْرًا مُشْرِكًا، وَشَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْضَ الْمَشَاهِدِ، وَكَانَ عَلَى
مُجَنَّبَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ.
وَقَالَ دُحَيْمٌ مَاتَ بِالشَّامِ، وَأَدْرَكَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ مَرْوَانَ، فَسَأَلَهُ عَنْ سِنِّهِ، فَقَالَ: أَنَا أَسَنُّ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَذَا
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، ثنا الزُّبَيْرُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي
الْحُوَيْرِثِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ يَقُولُ
لِقُبَاثِ بْنِ أشْيَمَ اللَّيْثِيِّ: يَا قُبَاثُ، أَنْتَ
أَكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْبَرُ، وَأَنَا أَسَنُّ مِنْهُ،
وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَامَ1 الْفِيلِ وَوَقَفَتْ بِي أُمِّي عَلَى رَوْثِ الْفِيلِ
مجيلًا أَعْقِلُهُ.
اسْمُ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُعَاوِيَةَ.
وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ
دُرَيْكٍ، عَنْ قُبَاثٍ قَالَ: انْهَزَمْتُ يَوْمَ بَدْرٍ،
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي، لَمْ يُرَ مِثْلَ هَذَا الْيَوْمِ قَطُّ،
فَلَمَّا أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِأَسْتَأْمِنَهُ قَالَ: قُلْتُ: لَمْ أَرَ مِثْلَ
أَمْرِ اللَّهِ قَطُّ فَرَّ مِنْهُ إِلا النِّسَاءَ، فَقُلْتُ:
أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَرَمْرَمَتْ بِهِ
شَفَتَايَ، وَمَا كَانَ إِلا شَيْءٌ عَرَضَ لِي فِي نَفْسِي2.
84- قبيصة بن جابر3 –ن- بن وَهْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَسَدِيُّ
الْكُوفِيُّ، أَبُو الْعَلاءِ، مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ.
رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَطَلْحَةَ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَجَمَاعَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَالْعُرْيَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ،
وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ.
وَشَهِدَ خُطْبَةَ عُمَرَ بِالْجَابِيَةِ، وَكَانَ أَخَا
مُعَاوِيَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَقَدْ وَفَدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ
كَاتِبَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْكُوفَةَ، وَكَانَ يُعَدُّ مِنَ
الْفُصَحَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً لَهُ أَحَادِيثُ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ قبيصة قال:
__________
1 سبق تخريجه.
2 إسناده منقطع.
3 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 145"، وأسد الغابة "4/ 191"، والجرح
والتعديل "7/ 125".
(5/126)
أَلا أُخْبِرُكُمْ عَمَّنْ صَحِبْتُ؟
صَحِبْتُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا
أَفْقَهَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْهُ، وَلا أَحْسَنَ مُدَارَسَةً
مِنْهُ، وصحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت أَحَدًا أَعْطَى
لِجَزِيلٍ مِنْهُ عَنْ غَيْرِ مُسَأَلَةٍ، وَصَحِبْتُ عَمْرَو بْنَ
الْعَاصِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَنْصَعَ ظَرْفًا مِنْهُ،
وَصَحِبْتُ مُعَاوِيَةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ حُلْمًا
وَلا أَبْعَدَ أَنَاةً مِنْهُ، وَصَحِبْتُ زِيَادًا، فَمَا
رَأَيْتُ أَكْرَمَ جَلِيسًا مِنْهُ، وَصَحِبْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ
شُعْبَةَ، فَلَوْ أَنَّ مَدِينَةً لَهَا أَبْوَابٌ لا يَخْرُجُ
مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْهَا إِلا بِالْمَكْرِ لَخَرَجَ مِنْ
أَبْوَابِهَا كُلِّهَا1.
قَالَ خَلِيفَةُ: مَاتَ قَبِيصَةُ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ.
85- قَيْسُ بْنُ ذَرِيحٍ2.
أَبُو يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ الشاعر الْمَشْهُورُ، مِنْ بَادِيَةِ
الْحِجَازِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يشبب بأم معمر لبني بنت الحباب
الكعبي، ثُمَّ إِنَّهُ تَزَوَّجَ بِهَا، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ
أَخَا الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِنَ الرَّضَاعَةِ.
قَالَ ثَعْلَبٌ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ، ثنا مُوسَى بْنُ
عِيسَى الْجَعْفَرِيُّ: أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ أَبِي جَهْمَةَ
اللَّيْثِيُّ، وَكَانَ مُسِنًّا، قَالَ: كَانَ قَيْسُ بْنُ ذَرِيحٍ
رَجُلا مَنًّا، وَكَانَ ظَرِيفًا شَاعِرًا، وَكَانَ يَكُونُ
بِقُدَيِدٍ بِسَرِفَ وَبِوَادِي مَكَّةَ، وَخَطَبَ لُبْنَى مِنْ
خُزَاعَةَ، ثُمَّ مِنْ بَنِي كَعْبٍ فَتَزَوَّجَهَا وَأُعْجِبَ
بِهَا، وَبَلَغَتْ عِنْدَهُ الْغَايَةَ، ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَ
أُمِّهِ وَبَيْنَهَا فَأَبْغَضَتْهَا، وَنَاشَدَتْ قَيْسًا فِي
طَلاقِهَا، فَأَبَى، فَكَلَّمَتْ أَبَاهُ، فأمر بِطَلاقِهَا،
فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: لا جَمَعَنِي وَإيِّاكَ سَقْفٌ أَبَدًا
حَتَّى تُطَلِّقَهَا، ثُمَّ خَرَجَ فِي يَوْمٍ قَيْظٍ فقَالَ: لا
أَسْتَظِلُّ حَتَّى تُطَلِّقَهَا، فَطَلَّقَهَا وَقَالَ: أَمَا
إِنَّهُ آخِرُ عَهْدِكَ بِي، ثُمَّ إِنَّه اشْتَدَّ عَلَيْهِ
فِرَاقُهَا وَجَهِدَ وَضَمُرَ، وَلَمَّا طَلَّقَهَا أَتَاهَا
رِجَالُهَا يَتَحَمَّلُونَهَا، فَسَأَلَ: مَتَى هُمْ رَاحِلُونَ؟
قَالُوا: غَدًا نَمْضِي، فَقَالَ:
وَقَالُوا غَدًا أَوْ بَعْدَ ذَاكَ ثَلاثَةٌ ... فِرَاقُ حَبِيبٍ
لَمْ يَبِنْ وَهُوَ بَائِنُ
فَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مَنِيَّتِي ... بِكَفِّي إِلا
أَنَّ مَا حَانَ حَائِنُ
ثُمَّ جَعَلَ يَأْتِي مَنْزِلَهَا وَيَبْكِي، فَلامُوهُ، فَقَالَ:
كَيْفَ السُّلُوُّ وَلا أَزَالُ أَرَى لها ... ربعًا كحاشية
اليماني المخلق
__________
1 خبرٌ حسنٌ: تهذيب تاريخ دمشق "5/ 413"، والبداية "8/ 135".
2 الأغاني "9/ 181".
(5/127)
ربعًا لواضحة الجبين به فِي عِزَّةٍ ...
كَالشَّمْسِ إِذ طَلَعَتْ رَخِيمَ الْمَنْطِقِ
قَدْ كُنْتُ أَعْهَدُهَا بِهِ فِي عِزَّةٍ ... وَالْعَيْشُ صَافٍ
وَالْعِدَى لَمْ تَنْطِقِ
حَتَّى إِذَا هَتَفُوا وَأذَّنَ فِيهِمُ ... دَاعِي الشَّتَاتِ
بِرِحْلَةٍ وَتَفَرُّقِ
خَلَتِ الدِّيَارُ فَزُرْتُهَا فَكَأَنَّنِي ... ذُو حَيَّةٍ مِنْ
سِمِّهَا لَمْ يَفْرُقِ1
وَهُوَ الْقَائِلُ:
وَكُلُّ مُلِمَّاتِ الزَّمَانِ وَجَدْتُهَا ... سِوَى فُرْقَةِ
الأَحْبَابِ هَيِّنَةَ الْخَطْبِ
وَمِنْ شعره:
ولو أنني أسطيع صَبْرًا وَسُلْوةً ... تَنَاسَيَتُ لُبْنَى غَيْرَ
مَا مُضْمِرٍ حِقْدَا
وَلَكِنَّ قَلْبِي قَدْ تَقَسَّمَهُ الْهَوَى ... شَتَاتًا فَمَا
أَلْفَى صَبُورًا وَلا جَلَدًا
سَلِ اللَّيْلَ عَنِّي كَيْفَ أَرْعَى نُجُومَهُ ... وَكَيْفَ
أُقَاسِي الْهَمَّ مُسْتَخْلِيًا فَرْدَا
كَأَنَّ هُبُوبُ الرِّيحِ مِنْ نَحْوِ أَرْضِكُمْ ... تُثِيرُ
قَنَاةَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ النَّدَا
وَعَنْ أبي عمرو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: خَرَجَ قَيْسُ بْنُ
ذَرِيحٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَامْتَدَحَهُ، فَأَدْنَاهُ وَأَمَرَ
لَهُ بِخْمَسَةَ آلافِ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْ وَقَالَ: كَيْفَ
وَجْدُكَ بِلُبْنَى؟ قَالَ: أشد وجد، قال: فترضى زواجها؟ قال: ما
لي فِي ذَلِكَ مِنْ حَاجَةٍ قَالَ: فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ:
تَأْذَنُ لِي فِي الإِلْمَامِ بِهَا، وَتَكْتُبُ إِلَى عَامِلِكَ،
فَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُفَرِّقَ الْمَوْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ،
وَأَنْشَدَهُ:
أَضَوْءُ سَنَا بَرْقٍ بَدَا لَكَ لَمْعُهُ ... بِذِي الأَثْلِ
مِنْ أَجْرَاعِ بثنة تَرْقُبُ
نَعَمْ إِنَّنِي صَبٌّ هُنَاكَ مُوَكَّلٌ ... بِمَنْ لَيْسَ
يُدَنِّينِي وَلا يَتَقَرَّبُ
مَرِضْتُ فَجَاءُوا بِالْمُعَالِجِ وَالرُّقَى ... وَقَالُوا:
بَصِيرٌ بِالدَّوَاءِ مُجَرَّبُ
فَلَمْ يُغْنِ عَنِّي مَا يَعْقِدُ طَائِلا ... وَلا مَا
يُمَنِّينِي الطَّبِيبُ الْمُجَرِّبُ
وَقَالَ أُنَاسٌ وَالظُّنُونُ كَثِيرَةً ... وَأَعْلَمُ شَيْءٍ
بِالْهَوَى مَنْ يُجَرِّبُ
أَلا إِنَّ فِي الْيَأْسِ الْمُفَرِّقُ رَاحَةً ... سَيُسْلِيكَ
عَمَّنْ نَفْعُهُ عنك يعزب
__________
1 خبر ضعيف: الأغاني "9/ 220" فيه انقطاع.
(5/128)
فَكُلُّ الَّذِي قَالُوا بَلَوْتُ فَلَمْ
أَجِدْ ... لِذِي الشَّجْوِ أَشْفَى مِنْ هَوَى حِينَ يَقْرُبُ
عَلَيْهَا سَلامُ اللَّهِ مَا هَبَّتِ الصِّبَا ... وَمَا لاحَ
وَهْنًا فِي دُجَى اللَّيْلِ كَوْكَبُ
فَلَسْتُ بِمُبْتَاعٍ وِصَالًا بَوَصْلِهَا ... وَلَسْتُ بِمُفْشِ
سِرَّهَا حِينَ أَغْضَبُ
وَقَالَ:
يَقُولُونَ: لُبْنَى فِتْنَةٌ، كُنْتَ قَبْلَهَا ... بِخَيْرٍ فَلا
تَنْدَمْ عَلَيْهَا وَطَلِّقِ
فَطَاوَعْتُ أَعْدَائِي وَعَاصَيْتُ نَاصِحِيَّ ... وَأَقْرَرْتُ
عَيْنَ الشَّامِتِ الْمُتَخَلِّقِ
وَدِدْتُ وَبَيْتِ اللَّهِ أَنِّي عَصَيْتُهُمْ ... وَحَمَلْتُ فِي
رِضْوَانِهَا كُلَّ مُوبِقِ
وَكُلِّفْتُ خَوْضَ الْبَحْرِ وَالْبَحْرُ زَاخِرٌ ... أَبِيتُ
عَلَى أَثْبَاجِ مَوْجٍ مُغَرَّقِ
كَأَنِّي أَرَى النَّاسَ الْمُحِبِّينَ بَعْدَهَا ... عُصَارَةَ
مَاءِ الْحَنْظَلِ الْمُتَفَلِّقِ
فَتُنْكِرُ عَيْنِي بَعْدَهَا كُلَّ مَنْظَرٍ ... وَيَكْرَهُ
سَمْعِي بَعْدَهَا كل منطق
فقال كعاوية: هَذَا وَأَبِيكَ الْحُبُّ، وَأَذِنَ لَهُ فِي
زِيَارَتِهَا، فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى امْرَأَةٍ
بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا: بُرَيْكَةُ، وَأَهْدَى لَهَا
وَلِلُبْنَى هَدَايَا وَأَلْطَافًا، وَأَخْبَرَهَا بِكِتَابِ
مُعَاوِيَةَ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ عَمِّ مَا تُرِيدُ إلى
الشُّهْرَةِ، فَأَقَامَ أَيَّامًا، فَبَلَغَ زَوْجَ لُبْنَى
قُدُومُهُ، فَمَنَعَ لُبْنَى بُرَيْكَةَ، وَأَيَسَ قَيْسٌ مِنْ
لِقَائِهَا، فَبَقِيَ مُتَرَدِّدًا فِي كِتَابِ مُعَاوِيَةَ،
فَرَآهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ يَوْمًا، فَقَالَ: يا أعرابي ما لي
أَرَاكَ مُتَحَيِّرًا؟ قَالَ: دَعْنِي بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ،
قَالَ: أَخْبَرْنِي بِشَأْنِكَ، فَإِنِّي عَلَى مَا تُرِيدُ،
وَأَلَحَّ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ وَقَالَ: لا أَرَانِي إِلا فِي
طَلَبِ مِثْلِكَ، وَانْطَلَقَ بِهِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ لَيْلَةً
يُحَدِّثُهُ وَيُنْشِدُهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ
رَكِبَ فَأَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
فَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، ارْكَبْ مَعِي فِي حَاجَةٍ،
فَرَكِبَ مَعَهُ، وَاسْتَنْهَضَ ثَلاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً مِنْ
وُجُوهِ قُرَيْشٍ، وَلا يَدْرُونَ مَا يُرِيدُ، حَتَّى أَتَى
بِهِمْ بَابَ زَوْجِ لُبْنَى، فَخَرَجَ فَإِذَا وُجُوهُ قُرَيْشٍ،
فَقَالَ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكُمْ، مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا:
حَاجَةٌ لابْنِ أَبِي عَتِيقٍ اسْتَعَانَ بِنَا عَلَيْكَ، فَقَالَ:
اشْهَدُوا أَنَّ حُكْمَهُ جَائِزٌ عَلَيَّ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي
عَتِيقٍ: اشْهَدُوا أَنَّ امْرَأَتَهُ لُبْنَى مِنْهُ طَالِقٌ،
فَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِرْأَسِهِ ثُمَّ قَالَ:
لِهَذَا جِئْتَ بِنَا! فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكُمْ، يُطَلِّقُ
هَذَا امْرَأَتَهُ وَيَتَزوَّجُ بِغَيْرِهَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ
يَمُوتَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَا إِذْ
فَعَلَ مَا فَعَلَ فَلَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ،
فَقَالَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ: وَاللَّهِ لا أَبْرَحُ حَتَّى
تَنْقُلَ مَتَاعَهَا، فَفَعَلَتْ، وَأَقَامَتْ فِي
(5/129)
أَهْلِهَا، حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا
وَتَزَوَّجَ بِهَا قَيْسٌ، وَبَقِيَا دَهْرًا بِأَرْغَدِ عَيْشٍ،
فَقَالَ قَيْسٌ:
جَزَى الرَّحْمَنُ أَفْضَلَ مَا يُجَازِي ... عَلَى الإِحْسَانِ
خَيْرًا مِنْ صَدِيقِ
فَقَدْ جَرَّبْتُ إِخْوَانِي جَمِيعًا ... فَمَا ألْفَيْتُ كَابْنِ
أَبِي عَتِيقِ
سَعَى فِي جَمْعِ شَمْلِي بَعْدَ صَدْعٍ ... وَرَأَيٍ حِدْتُ فِيهِ
عَنِ الطَّرِيقِ
وَأَطْفَأَ لَوْعَةً كَانَتْ بِقَلْبِي ... أَغَصَّتَنِي
حَرَارَتُهَا بِرِيقِي
هَذِهِ رِوَايَةٌ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ
عَبَايَةَ قَالَ: خَرَجَ قَيْسُ بْنُ ذَرِيحٍ إِلَى الْمَدِينَةِ
يَبِيعُ نَاقَةً، فَاشْتَرَاهَا زَوْجُ لُبْنَى وَهُوَ لا
يَعْرِفُهُ، فَقَالَ لِقَيْسٍ: انْطَلِقْ مَعِي لِتَأْخُذَ
الثَّمَنَ، فَمَضَى مَعَهُ، فَلَمَّا فَتَحَ الْبَابَ إِذَا
لُبْنَى اسْتَقْبَلَتْ قَيْسًا، فَلَمَّا رَآهَا وَلَّى هَارِبًا،
وَاتَّبَعَهُ الرَّجُلُ بِالثَّمَنِ، فَقَالَ: لا تَرْكَبْ لِي
مَطِيَّتَيْنِ أَبَدًا، قَالَ: وَأَنْتَ قَيْسُ بْنُ ذَرِيحٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَذِهِ لُبْنَى، فَقِفْ حَتَّى
أُخَيِّرُهَا، فَإِنِ اخْتَارَتَكَ طَلَّقْتُهَا، وَظَنَّ
الزَّوْجُ أَنَّ لَهُ فِي قَلْبِهَا مَوْضِعًا، فَخُيِّرَتْ
فَاخْتَارَتْ قَيْسًا، فَطَلَّقَهَا فَمَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ1.
وَلَقَدْ قِيلَ لِقَيْسٍ: إِنَّ مِمَّا يُسْلِيكَ عَنْهَا ذِكْرُ
مَعَايِبَهَا، فَقَالَ:
إِذَا عِبْتُهَا شَبَّهْتُهَا الْبَدْرَ طَالِعًا ... وَحَسْبُكُ
مِنْ عَيْبٍ بِهَا شِبْهُ الْبَدْرِ
لَهَا كَفَلٌ يَرْتَجُّ مِنْهَا إِذَا مَشَتْ ... وَمتْنٌ كَغُصْنِ
الْبَانِ مُضْطَمِرُ الْخِصْرِ
وَلِقَيْسٍ:
أُرِيدُ سُلُوًّا عَنْ لُبَيْنَى وَذِكْرِهَا ... فَيَأْبَى
فُؤَادِي الْمُسْتَهَامُ الْمُتَيَّمُ
إِذَا قُلْتُ أَسْلُوهَا تَعَرَّضَ ذِكْرُهَا ... وَعَاوَدَنِي
مِنْ ذَاكَ مَا اللَّهُ أَعْلَمُ
صَحَا كُلُّ ذِي وِدٍّ عَلِمْتُ مَكَانُه ... سِوَايَ فَإِنِّي
ذَاهِبُ الْعَقْلِ مُغْرَمُ
وَلَهُ:
هَلِ الْحُبُّ إِلا عَبْرةٌ بَعْدَ زَفْرَةٍ ... وَحِزٌ عَلَى
الأَحْشَاءِ لَيْسَ لَهُ بُرْدُ
وَفَيْضُ دُمُوعِ تَسْتَهِلُّ إِذَا بَدَا ... لَنَا علم من أرضكم
لم يكن يبدو
__________
1 خبر ضعيف: الأغاني "9/ 220".
(5/130)
86- قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ الأَسَدِيُّ
الْكُوفِيُّ1 –م ن.
سَمِعَ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَالْأَشْعَثَ بْنَ قيس.
روى عَنْهُ: عُمَارَةُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ،
وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو إِسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: تُوُفِّيَ فِي زَمَنِ مُصْعَبٍ.
87- قَيْسُ الْمَجْنُونُ2:
وَمَنْ بِهِ يُقَاسُ الْمُحِبُّونَ. هُوَ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوِّحِ
بْنِ مُزَاحِمٍ. وَقِيلَ: قَيْسُ بْنُ مُعَاذٍ، وَقِيلَ: اسْمُهُ
الْبُحْتُرِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهُوَ
مَجْنُونُ لَيْلَى بِنْتِ مَهْدِيٍّ أُمِّ مَالِكٍ
الْعَامِرِيَّةِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ،
وَقِيلَ: مِنْ بَنِي كَعْبٍ بْنِ سَعْدٍ.
سَمِعْنَا أَخْبَارَهُ فِي جُزْءٍ أَلَّفَهُ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ،
وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ لَيْلَى وَالْمَجْنُونَ، وَهَذَا
دَفَعَ بِالصَّدْرِ، فَلَيْسَ مَنْ لا يَعْلَمُ حُجَّةً عَلَى مَنْ
عَلِمَ، ولا الثبت كَالنَّافِي، فَعَنْ لَقِيطِ بْنِ بُكَيْرٍ
الْمُحَارِبِيِّ: أن الْمَجْنُونَ عَلِقَ لَيْلَى عَلاقَةَ
الصِّبَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا كانا صَغِيرَيْنِ يَرْعَيَانِ
أَغْنَامًا لِقَوْمِهِمَا، فَعَلِقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
الآخَرَ، وَكَبُرَا عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَبُرَا حُجِبَتْ
عَنْهُ، فَزَالَ عَقْلُهُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ:
تعلقت ليلة وَهِيَ ذَاتُ ذُؤَابَةٍ ... وَلَمْ يَبْدُ لِلأَتْرَابِ
مِنْ ثَدْيِهَا حَجْمُ
صَغِيرَيْنِ نَرْعَى الْبَهْمَ يَا لَيْتَ أَنَّنَا ... إِلَى
الْيَوْمِ لَمْ نَكْبَرْ وَلَمْ تَكْبَرِ الْبَهْمُ3
وَذَكَرَ ابْنُ دَآبٍ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ حَبِيبٍ الْعَامِرِيِّ
قَالَ: كَانَ فِي بَنِي عَامِرٍ جَارِيَةٌ مِنْ أَجْمَلِ
النِّسَاءِ، لَهَا عَقْلٌ وَأَدَبٌ، يُقَالُ لَهَا: لَيْلَى بِنْتُ
مَهْدِيٍّ، فَبَلَغَ الْمَجْنُونَ خَبَرُهَا، وَكَانَ صَبًّا
بِمُحَادَثَةِ النِّسَاءِ، فَلَبِسَ حُلَّةً ثُمَّ جَلَسَ
إِلَيْهِا وَتَحَادَثَا، فَوَقَعَتْ بِقَلْبِهِ، فَظَلَّ يَوْمَهُ
يُحَادِثُهَا، فَانْصَرَفَ فَبَاتَ بِأَطْوَلِ لَيْلَةٍ، ثُمَّ
بَكَّرَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهَا حَتَّى أَمْسَى، وَلَمْ
تَغْمُضْ لَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَيْنٌ، فَأَنْشَأَ يقول:
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 176"، والجرح والتعديل "7/ 98"، وتهذيب
الكمال "2/ 1135".
2 انظر: السير "4/ 5-7"، شذرات الذهب "1/ 277".
3 السير "4/ 6"، والأغاني "2/ 11، 12".
(5/131)
نَهَارِي نَهَارُ النَّاسِ حَتَّى إِذَا
بَدَا ... لِيَ اللَّيْلُ هَزّتْنِي إِلَيْكِ الْمَضَاجِعُ
أُقَضِّي نَهَارِي بِالْحَدِيثِ وَبِالْمُنَى ... وَيَجْمَعُنِي
وَالْهَمُّ بِاللَّيْلِ جَامِعُ1
وَوَقَعَ فِي قَلْبِهَا مِثْلُ الَّذِي وَقَعَ بِقَلْبِهِ، فَجَاءَ
يَوْمًا يُحَدِّثُهَا، فَجَعَلَتْ تُعْرِضُ عَنْهُ، تُرِيدُ أن
تَمْتَحِنَهُ، فَجَزِعَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَخَافَتْ عَلَيْهِ
وَقَالَتْ:
كِلانَا مُظْهِرٌ لِلنَّاسِ بُغْضًا ... وَكُلٌّ عِنْدَ صَاحِبِهِ
مَكِينُ
فَسُرِّيَ عَنْهُ، وَقَالَتْ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أن أَمْتَحِنَكَ،
وَأَنَا مُعْطِيَةٌ لِلَّهِ عَهْدًا: لا جَالَسْتُ بَعْدَ
الْيَوْمِ أَحَدًا سِوَاكَ، فَانْصَرَفَ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
أَظُنُّ هواها بتاركي بِمَضَلَّةٍ ... مِنَ الأَرْضِ لا مَالٌ
لَدَيَّ وَلا أَهْلُ
وَلا أَحَدٌ أُفْضِي إِلَيْهِ وَصِيَّتِي ... وَلا وَارِثٌ إِلا
الْمَطِيَّةُ وَالرَّحْلُ
مَحَا حُبُّهَا حُبَّ الأُلَى كُنَّ قَبْلَهَا ... وَحلَّتْ
مَكَانًا لَمْ يَكُنْ حُلَّ مِنْ قَبْلُ
قُلْتُ: ثُمَّ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ بِهَا، وَشَغَفَتْهُ حُبًّا،
وَوُسْوِسَ فِي عَقْلِهِ، فَذَكَرَ أبو عبيدة: أن الْمَجْنُونَ
كَانَ يَجْلِسُ فِي نَادِي قَوْمِهِ وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ،
فَيُقْبِلُ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ بَاهِتَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ
لا يَفْهَمُ مَا يُحَدِّثُ بِهِ، ثُمَّ يَثُوبُ إِلَيْهِ عَقْلُهُ،
فَيُسْأَلُ عَنِ الْحَدِيثِ فَلا يَعْرِفُهُ، حَتَّى قَالَ لَهُ
رَجُلٌ: إِنَّكَ لَمَخْبُولٌ، فَقَالَ:
إِنِّي لَأَجْلِسُ فِي النَّادِي أُحَدِّثُهُمْ ... فَأَسْتَفِيقُ
وَقَدْ غَالَتْنِي الْغُولُ
يَهْوِي بِقَلْبِي حَدِيثُ النفس نحوكم ... حتى يقول جليسي: أَنْتَ
مَخْبُولُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فَتَزَايَدَ بِهِ الأَمْرُ حَتَّى فُقِدَ
عَقْلُهُ، فَكَانَ لا يَقِرُّ فِي مَوْضِعٍ، وَلا يُؤْوِيهِ
رَحْلٌ، وَلا يَعْلُوهُ ثَوْبٌ، إِلا مَزَّقَهُ، وَصَارَ لا
يَفْهَمُ شَيْئًا مِمَّا يُكَلَّمُ بِهِ إِلا أن تُذْكَرَ لَهُ
لَيْلَى فَإِذَا ذُكِرَتْ لَهُ أَتَى بِالْبَدَائِهِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْمَ لَيْلَى شَكَوْا مِنْه إِلَى
السُّلْطَانِ، فَأَهْدَرَ دَمَهُ، ثُمَّ إِنَّ قَوْمَهَا
تَرَحَّلُوا مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، فَأَشْرَفَ فَرَأَى
دِيَارَهُمْ بَلاقِعَ، فَقَصَدَ مَنْزِلَهَا، وَأَلْصَقَ صَدْرَهُ
بِهِ، وَجَعَلَ يُمَرِّغُ خَدَّيْهِ عَلَى التُّرَابِ وَيَقُولُ:
أَيَا حَرَجَاتِ الْحَيِّ حَيْثُ تَحَمَّلُوا ... بِذِي سَلَمٍ لا
جَادَكُنَّ رَبِيعُ
__________
1 الأغاني "2/ 40".
(5/132)
وَخَيْمَاتُكِ اللَّاتِي بمُنْعَرَجِ
اللِّوَى ... بَلِينَ بَلَى لَمْ تَبْلَهُنَّ رُبُوعُ
نَدِمْتُ عَلَى مَا كَانَ مِنِّي نَدَامَةً ... كَمَا نَدِمَ
الْمَغْبُونُ حِينَ يَبِيعُ
قَالَ ابن المرزبان: قال أبو عمرو الشَّيْبَانِيُّ: لَمَّا ظَهَرَ
مِنَ الْمَجْنُونِ مَا ظَهَرَ، وَرَأَى قَوْمُهُ مَا ابْتُلِيَ
بِهِ اجْتَمَعُوا إِلَى أَبِيهِ وَقَالُوا: يَا هَذَا، تَرَى مَا
بِابْنِكَ، فَلَوْ خَرَجْتَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ فَعَاذَ بِبَيْتِ
اللَّهِ، وَزَارَ قَبْرَ رَسُولِهِ، وَدَعَا اللَّهَ رَجَوْنَا أن
يُعَافَى، فَخَرَجَ بِهِ أَبُوهُ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَجَعَلَ
يَطُوفُ بِهِ وَيَدْعُو لَهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
دَعَا الْمُحْرِمُونَ اللَّهَ يَسْتَغْفِرُونَهُ ... بِمَكَّةَ
وَهْنًا أَنْ تُحَطَّ ذُنُوبَهَا
فَنَادَيْتُ أَنْ يَا رَبُّ أَوَّلُ سُؤْلَتِي ... لِنَفْسِي
لَيْلَى ثُمَّ أَنْتَ حَسِيبُهَا
فَإِنْ أُعْطَ لَيْلَى فِي حَيَاتِي لا يَتُبْ ... إِلَى اللَّهِ
خَلْقٌ تَوْبَةً لا أَتُوبُهَا
حَتَّى إِذَا كَانَ بِمِنًى نَادَى مُنَادٍ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ
الْخِيَامِ: يَا لَيْلَى، فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ،
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ، وَنَضَحُوا عَلَى وَجْهِهِ
الْمَاءَ، وَأَبُوهُ يَبْكِي، فَأَفَاقَ وَهُوَ يَقُولُ:
وَدَاعٍ دَعَا إِذْ نَحْنُ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى ... فَهَيَّجَ
أَطْرَافَ الْفُؤَادِ وَمَا يَدْرِي
دَعا بِاسْمِ لَيْلَى غَيْرَهَا فَكَأَنَّمَا ... أَطَارَ
بِلَيْلَى طَائِرًا كَانَ فِي صَدْرِي1
وَنَقَلَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ قَالَ: لَمَّا شَبَّبَ الْمَجْنُونُ
بِلَيْلَى وَشَهَّرَ بِحُبِّهَا اجْتَمَعَ أَهْلُهَا وَمَنَعُوهُ
مِنْهَا وَمِنْ زِيَارَتِهَا، وَتَوَعَّدُوهُ بِالْقَتْلِ، وَكَانَ
يَأْتِي امْرَأَةً تَتَعَرَّفُ لَهُ خَبَرَهَا، فَنَهَوْا تِلْكَ
الْمَرْأَةَ، وَكَانَ يَأْتِي غَفَلاتِ الْحَيِّ فِي اللَّيْلِ،
فَسَارَ أَبُو لَيْلَى فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَشَكَوْا إِلَى
مروان مِنْ قَيْسِ بْنِ الْمُلَوِّحِ، وَسَأَلُوهُ الْكِتَابَ
إِلَى عامله يَمْنَعُهُ عَنْهُمْ وَيَتَهَدَّدُهُ، فَإِنْ لَمْ
يَنْتَهِ أَهْدَرَ دَمَهُ، فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى
عَامِلِ مَرْوَانَ، بعث إلى قيس وأبيه وأهل بيته، فجمعه وَقَرَأَ
عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ، وَقَالَ لِقَيْسٍ: اتَّقِ اللَّهَ فِي
نَفْسِكَ، فَانْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَلا حُجِبَتْ لَيْلَى وَآلَى أَمِيرُهَا ... عَلَيَّ يَمِينًا
جَاهِدًا لا أزورها
وَأَوْعَدَنِي فِيهَا رِجَالٌ أَبُوهُمُ ... أَبِي وَأَبُوهَا
خُشِّنَتْ لِي صُدُورُهَا
عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي أحبها ... وأن فؤادي عند ليلى
أسيرها
__________
1 ديوان المجنون "ص/ 190".
(5/133)
فَلَمَّا يَئِسَ مِنْهَا صَارَ شَبِيهًا
بِالتَّائِهِ، وَأَحَبَّ الْخَلْوَةَ وَحَدِيثَ النَّفْسِ،
وَجَزِعَتْ هِيَ أَيْضًا لِفِرَاقِهِ وَضَنِيَتْ1.
وَيُرْوَى أن أَبَا الْمَجْنُونِ قَيَّدَهُ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ
لَحْمَ ذِرَاعَيْهِ وَيَضْرِبُ بِنَفْسِهِ، فَأَطْلَقَهُ، فَكَانَ
يَدُورُ فِي الْفَلاةِ عُرْيَانًا2.
وَلَهُ:
كَأَنَّ الْقَلْبَ لَيْلَةً قِيلَ يُغْدَى ... بِلَيْلَى
الْعَامِرِيَّةِ أَوْ يُرَاحُ
قَطَاةٌ عَزَّهَا شَرَكٌ فَبَاتَتْ ... تُجَاذِبُهُ وَقَدْ عَلِقَ
الْجَنَاحُ
وَقِيلَ: إِنَّ لَيْلَى زُوِّجَتْ، فَجَاءَ الْمَجْنُونُ إِلَى
زَوْجِهَا فَقَالَ:
بِرَبِّكَ هَلْ ضَمَمْتَ إِلَيْكَ لَيْلَى ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ
أَوْ قَبَّلْتَ فَاهَا
وَهَلْ رَفَّتْ عَلَيْكَ قُرُونُ لَيْلَى
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِذْ حلَّفْتُنِي فَنَعَمْ، وَكَانَ بَيْنَ
يَدَيِ الزَّوْجِ نَارٌ يَصْطَلِي بِهَا، فَقُبِضَ الْمَجْنُونُ
بِكِلْتَيْ يَدَيْهِ مِنَ الْجَمْرِ، فَلْمَ يَزَلْ حَتَّى سَقَطَ
مَغْشِيًّا عَلَيْهِ3.
وكانت له داية يَأْنَسُ بِهَا، فَكَانَتْ تَحْمِلُ إِلَيْهِ إِلَى
الصَّحْرَاءِ رَغِيفًا وَكُوزًا، فَرُبَّمَا أَكَلَ وَرُبَّمَا
تَرَكَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ يَوْمًا فَوَجَدَتْهُ مُلْقًى بَيْنَ
الأَحْجَارِ مَيِّتًا، فاحتملوه إلى الحي فغسلوه فدفنوه، وَكَثُرَ
بُكَاءُ النِّسَاءِ وَالشَّبَابِ عَلَيْهِ، وَاشْتَدَّ
نَشِيجُهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ فِي الْمُنْتَظِمِ: رُوِينَا أَنَّهُ كان
يه فِي الْبَرِّيَّةِ مَعَ الْوَحْشِ يَأْكُلُ مِنْ بَقْلِ
الأَرْضِ، وَطَالَ شَعْرُهُ، وَأَلِفَهُ الْوَحْشُ، وَسَارَ حَتَّى
بَلَغَ حُدُودَ الشَّامِ، فَكَانَ إِذَا ثَابَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ،
سَأَلَ مَنْ يَمُرُّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَنْ نَجْدٍ،
فَيُقَالُ لَهُ: أَيْنَ أَنْتَ مِنْ نَجْدٍ، أَنْتَ قَدْ شَارَفْتَ
الشَّامَ، فَيَقُولُ: أَرُونِي الطَّرِيقَ، فَيَدُلُّونَهُ4.
وَشِعْرُ الْمَجْنُونِ كَثِيرٌ سَائِرٌ، وَهُوَ فِي الطَّبَقَةِ
الْعُلْيَا فِي الْحُسْنِ وَالرِّقَّةِ، وَكَانَ مُعَاصِرًا
لِقَيْسِ بْنِ ذَرِيحٍ صَاحِبِ لُبْنَى، وَكَانَ في إمرة ابن
الزبير، والله أعلم.
__________
1 الأغاني "2/ 68، 288".
2 خبرٌ منكرٌ.
3 الأغاني "2/ 25".
4 الأغاني "2/ 52".
(5/134)
"حرف الْكَافِ":
88- كَثِيرُ بْنُ أَفْلَحَ -ن- مَوْلَى أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ1،
أَحَدُ كُتَّابِ الْمَصَاحِفِ الَّتِي أَرْسَلَهَا عُثْمَانُ إِلَى
الأَمَصَارِ.
رَوَى عَنْ: عُثْمَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
روى عنه: محمد بن سيرين.
وقال النسائي: روى عنه الزهري مرسلا لم يلحقه، فإن كثيرا أصيب يوم
الحرة، وروى عنه ابنه.
"حرف الميم":
89- محمد بن الأشعث -د ن- بن قيس2 بن معديكرب، أبو القاسم الكندي
الكوفي، ابْنُ أُمِّ فَرْوَةَ أُخْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
لِأَبِيهِ، تَزَوَّجَ بِهَا الأَشْعَثُ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ.
حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ.
روى عنه: الشعبي، ومجاهد، وسليمان بن يسار، وابنه قيس بن محمد،
وغيرهم.
ووفد على معاوية. ومولده في حدود سنة ثلاث عشرة، وكان شريفا مطاعا
في قومه، قتل مع مصعب في سنة سبع وستين، فأقام ابنه مقامه.
90- محمد بن أبي بن كعب الأنصاري3.
أبو معاذ الأنصاري. وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيهِ، وَعُمَرَ.
رَوَى عَنْهُ: الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لاحِقٍ، وَبُسْرُ بن سعيد.
وكان ثقة، قتل بالحرة.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 198"، والجرح والتعديل "7/ 149"،
وتهذيب الكمال "3/ 1141".
2 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 65"، أسد الغابة "4/ 311"، والإصابة
"3/ 509".
3 انظر: الاستيعاب "3/ 325"، وأسد الغابة "4/ 310"، والإصابة "3/
471".
(5/135)
91- محمد بن ثابت بن قيس بن شماس1
الأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ. حَنَّكَهُ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِيقِهِ.
وَرَوَى عَنْ: رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَأَبِيهِ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حذيفة.
روى عنه: ابناه إسماعيل، ويوسف، وعاصم بْنُ عَمِّهِ بْنِ
قَتَادَةَ، وَأَرْسَلَ عَنْهُ الزُّهْرِيَّ.
قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةَ.
92- مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حزم2 -ن- بن يزيد الأنصاري
النجاري. وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ هُوَ الَّذِي كَنَّاهُ أَبَا عَبْدِ
الْمَلِكِ.
رَوَى عَنْ: أَبِيهِ، وَعُمَرَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ
أَفْلَحَ.
أُصِيبَ يَوْمَ الحرة.
الواقدي، عن ملك، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جده
اشْتَرَى مِطْرَفَ خَزٍّ بِسَبْعِمِائَةٍ، فَكَانَ يَلْبَسُهُ3.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ: صَلَّى
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَوْمَ الْحَرَّةِ،
وَجِرَاحُهُ تَثْعَبُ دَمًا، وَمَا قُتِلَ إِلا نَظْمًا
بِالرِّمَاحِ4.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ:
يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَصْدِقُوهُمُ الضَّرْبَ، فَإِنَّهُمْ
يُقَاتِلُونَ عَلَى طَمَعِ دُنْيَاهُمْ، وَأَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ
عَلَى الآخِرَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَحْمِلُ عَلَى الكتيبة مِنْهُمْ
فَيَفُضَّهَا حَتَّى قُتِلَ5.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: وَأَكْثَرَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو فِي أَهْلِ الشَّامِ الْقَتْلَ يَوْمَ
الْحَرَّةِ، كَانَ يَحْمِلُ عَلَى الْكُرْدُوسِ مِنْهُمْ
فَيَفُضَّهُ، وَكَانَ فارسًا، ثم حملوا عليه حتى
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 781"، والاستيعاب "3/ 321"، وأسد
الغابة "4/ 313".
2 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 69"، وأسد الغابة "4/ 327"والاستيعاب
"3/ 353".
3 خبر ضعيف: وأخرجه ابن سعد "5/ 69" وفيه الواقدي، وهو من الضعفاء.
4 الطبقات الكبرى "5/ 70".
5 السابق.
(5/136)
نَظَّمُوهُ بِالرِّمَاحِ، فَلَمَّا وَقَعَ
انْهَزَمَ النَّاسُ1.
93- مَالِكُ بْنُ عِيَاضٍ الْمَدَنِيُّ يُعْرَفُ بِمَالِكِ
الدَّارِ.
سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ عَوْنٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَأَبُو صَالِحٍ
السَّمَّانِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ.
وَكَانَ خَازِنًا لِعُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
94- مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّكُونِيُّ2.
لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةُ حَدِيثٍ وَاحِدٍ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْخَيْرِ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
اليزني، وَأَبُو الأَزْهَرِ الْمُغِيرَةُ بْنُ فَرْوَةَ.
وَوَلِيَ لِمُعَاوِيَةَ حِمْصَ، وَكَانَ عَلَى الرَّجَّالَةِ
يَوْمَ مَرْجِ رَاهِطٍ مَعَ مَرْوَانَ.
95- مَالِكُ بْنُ يخامر السكسكي3 -خ 4- الحمصي، يُقَالُ: لَهُ
صُحْبَةٌ، وَكَانَ ثِقَةً كَبِيرَ الْقَدْرِ مُتَأَلِّهًا.
رَوَى عَنْ: مُعَاذٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.
حدث عنه: معاوية على المنبر، وجبير بن نفير، وعمير بن هانئ،
ومكحول، وسليمان بن موسى، وخالد بن معدان، وآخرون.
قال أبو مسهر: أكبر أصحاب معاذ: مالك بن يخامر، كان رأس القوم.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ: تَابِعِيٌّ
ثِقَةٌ.
قَالَ أَبُو عبيد: توفي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ.
96- الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ4 الثَّقَفِيُّ الكّذَّابُ،
الَّذِي خَرَجَ بِالْكُوفَةِ، وَتَتَبَّعَ قَتَلَةَ الحسين يقتلهم.
__________
1 السابق.
2 انظر: التاريخ الكبير "7/ 304"، والجرح والتعديل "8/ 213".
3 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 441"، وأسد الغابة "4/ 297"، والإصابة
"3/ 358".
4 انظر: الاستيعاب "3/ 533"، وأسد الغابة "4/ 336"، والسير "3/
538".
(5/137)
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "يَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ" 1 فَكَانَ
أَحَدُهُمَا الْمُخْتَارُ، كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَادَّعَى أَنَّ
الْوَحْيَ يَأْتِيهِ، وَالآخَرُ: الْحَجَّاجُ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ": ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثنا عِيسَى
بْنُ عُمَرَ، ثنا السُّدِّيُّ، عَنْ رِفَاعَةَ الْفِتْيَانِيِّ
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمُخْتَارِ، فَأَلْقَى لِي وِسَادَةً
وَقَالَ: لَوْلا أَنَّ جِبْرِيلَ قَامَ عَنْ هَذِهِ لأَلْقَيْتُهَا
لَكَ، فَأَرَدْتُ أن أضرب عنقه، فتذكرت حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ
عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَمَّنَ مُؤْمِنًا
عَلَى ذِمَّةٍ فَقَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ" 2.
مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَقْرَأَنِي الأَحْنَفُ
كِتَابَ الْمُخْتَارِ إِلَيْهِ، يَزْعُمُ فِيهِ أَنَّهُ نَبِيٌّ3.
قُلْتُ: قُتِلَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ مُقْبِلا
غَيْرَ مُدْبِرٍ فِي هَوَى نفسه، كما قدمنا.
97- مروان بن الحكم4 -خ ع- ابن أبي العاص بن أمية بن عبد الملك
القرشي الأموي، وَقِيلَ: أَبُو الْقَاسِمِ، وَيُقَالُ: أَبُو
الْحَكَمِ.
وُلِدَ بِمَكَّةَ بَعْدَ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ،
وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّ لَهُ رِوَايَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَدْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَدِيثَ الْحُدَيْبِيَةِ بِطُولِهِ، وَفِيهِ إِرْسَالٌ، لكن
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ5.
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ.
رَوَى عَنْهُ: سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ،
وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو
بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عبد
الله، وابنه عبد الملك، ومجاهد.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه مسلم "2545"، والترمذي "2220"، "3944"، وأحمد
"2/ 26".
2 حديث صحيح: أخرجه أحمد "5/ 222، 223"، وابن ماجه "2688".
3 خبر ضعيف: فيه مجالد بن سعيد من الضعفاء.
4 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 35"، والاستيعاب "3/ 425"، وأسد الغابة
"4/ 348".
5 حديث صحيح: أخرجه البخاري "5/ 64".
(5/138)
وَكَانَ كَاتِبُ ابْنِ عَمِّهِ عُثْمَانَ،
وَوَلَّى إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ وَالْمَوْسِمِ لِمُعَاوِيَةَ
غَيْرَ مَرَّةٍ، وَبَايَعُوهُ بِالْخِلافَةِ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ
بْنِ يَزِيدَ، وَحَارَبَ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ، فَقُتِلَ
الضَّحَّاكُ فِي الْمَصَافِّ، وَسَارَ إِلَى مِصْرَ، فَاسْتَوْلَى
عَلَيْهَا وَعَلَى الشَّامِ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ
مُسْتَوْلِيًا عَلَى الْحِجَازِ كُلِّهِ وَخُرَاسَانَ وَغَيْرَ
ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِمَرْوَانَ ثَمَانِ سِنِينَ، وَلَمْ
يَحْفَظْ عَنْهُ شَيْئًا1.
وَأُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْكِنَانِيَّةُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَسْلَمَ الْحَكَمُ فِي الْفَتْحِ وَقَدِمَ
الْمَدِينَةَ، فَطَرَدَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ الطَّائِفَ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ المدينة، ومات زمن
عُثْمَانَ؛ لِأَنَّهُ زَوَّرَ عَلَى لِسَانِهِ كِتَابًا فِي شَأْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ: كَانَ مَرْوَانُ قَصِيرًا،
أَحْمَرَ الْوَجْهِ، أَوْقَصَ الْعُنُقِ، كَبِيرَ الرَّأْسِ
وَاللِّحْيَةِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ "خَيْطَ بَاطِلٍ" لِدِقَّةِ
عُنُقِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ:
سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ يَوْمَ
الْجَمَلِ: كَانَ عَلِيٌّ يَسْأَلُ عَنْ مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ
رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْهُ!
قَالَ: تَعْطِفُنِي عَلَيْهِ رَحِمٌ مَاسَّةٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ
سَيِّدٌ مِنْ شَبَابِ قُرَيْشٍ2.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال:
بَعَثَنِي زِيَادُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي حَوَائِجَ، فَقُلْتُ:
مَنْ تَرَى لِهَذَا الأَمْرِ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَسَمَّى جَمَاعَةً،
ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْقَارِئُ لِكِتَابِ اللَّهِ، الْفَقِيهُ
فِي دِينِ اللَّهِ، الشَّدِيدُ فِي حُدُودِ الله: مَرْوَانُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُقَالُ: كَانَ عِنْدَ مَرْوَانَ
قَضَاءٌ، وَكَانَ يَتْبِعُ قَضَاءَ عُمَرَ.
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ
ذُؤَيْبٍ: أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَنْحَرَ ابْنَهَا عِنْدَ
الْكَعْبَةِ، وَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ تَسْتَفْتِي، فَجَاءَتِ
ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: لا أَعْلَمُ فِي النَّذْرِ إِلا
الْوَفَاءَ، قَالَتْ: أَفَأَنْحَرُ ابْنِي؟ قَالَ: قَدْ نَهَى
اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، فَجَاءَتِ ابْنَ عَبَّاسٍ فقال: أمر الله
الوفاء بالنذر، وَنَهَاكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، وَقَدْ
كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ نَذَرَ إِنْ تَوَافَى لَهُ عَشَرَةُ
رَهْطٍ أَنْ يَنْحَرَ أَحَدَهُمْ، فَلَمَّا تَوَافَوْا أَقْرَعَ
بَيْنَهُمْ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ
أَحَبَّهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ، أَهُوَ أَوْ مِائَةٌ
مِنَ الإبل، ثم أقرع ثانية بين
__________
1 الطبقات الكبرى "5/ 36".
2 إسناده منقطعٌ.
(5/139)
الْمِائَةِ وَبَيْنَهُ، فَصَارَتِ
الْقُرَعَةُ عَلَى الإِبِلِ، فَأَرَى أَنْ تَنْحَرِي مِائَةً مِنَ
الإِبِلِ مَكَانَ ابْنِكِ، فَبَلَغَ الْحَدِيثُ مَرْوَانَ وَهُوَ
أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: مَا أَرَاهُمَا أَصَابَا، إِنَّهُ
لا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ
تَعَالَى وَتُوبِي إِلَيْهِ، وَاعْمَلِي مَا اسْتَطَعْتِ مِنَ
الْخَيْرِ، فَسُرَّ النّاسُ بِذَلِكَ وَأَعْجَبَهُمْ قَوْلُهُ،
وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ يُفْتُونَ بِأَنَّهُ لا نَذْرَ فِي
مَعْصِيَةِ اللَّهِ1.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي شُرَحْبيلُ بْنُ أَبِي عَوْنٍ،
عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ حَضَرَ ابْنَ
النَّبَّاعِ اللَّيْثِيَّ يَوْمَ الدَّارِ يُبَادِرُ مَرْوَانَ
فكأني أنظر إلى قِبَائِهِ قَدْ أَدْخَلَ طَرَفَيْهِ فِي
مَنْطِقَتِهِ، وَتَحْتَ القباء الدرع، فضرب مروان مَرْوَانُ عَلَى
قَفَاهُ ضَرَبَةً قَطَعَ عِلابِيَّ2 عُنُقِهِ، ووقع وجهه،
فَأَرَادُوا أَنْ يُدَفِّفُوا عَلَيْهِ، فَقِيلَ: أَتُبَضِّعُونَ
اللَّحْمَ، فَتُرِكَ3.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ أبيه، وذكر مروان
فقال: والله لقد ضربت كَعْبُهُ، فَمَا أَحْسَبُهُ إِلا قَدْ مَاتَ،
وَلَكِنَّ الْمَرْأَةَ أَحْفَظَتْنِي، قَالَتْ: مَا تَصْنَعُ
بِلَحْمِهِ أَنْ تُبَضِّعَهُ، فَأَخَذَنِي الْحُفَّاظُ،
فَتَرَكْتُهُ4.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: إِنَّ مَرْوَانَ وَلِيَ الْمَدِينَةَ سَنَةَ
إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ.
وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ
إِسْحَاقَ قال: كان مروان أميرا علينا سِتَّ سِنِينَ، فَكَانَ
يَسُبُّ عَلِيًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى
الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عُزِلَ بِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَبَقِيَ
سَعِيدٌ سَنَتَيْنِ، فَكَانَ لا يَسُبُّهُ، ثُمَّ أُعِيدَ
مَرْوَانُ، فَكَانَ يَسُبُّهُ، فَقِيلَ لِلْحَسَنِ: أَلا تَسْمَعُ
مَا يَقُولُ هَذَا! فَجَعَلَ لا يَرُدُّ شَيْئًا، قَالَ: وَكَانَ
الْحَسَنُ يَجِيءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَدْخُلُ فِي حُجْرَةِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه سلم فَيَقْعُدُ فِيهَا، فَإِذَا قُضِيَتِ
الْخُطْبةُ خَرَجَ فَصَلَّى، فَلَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ حَتَّى
أَهْدَاهُ لَهُ فِي بَيْتِهِ، قَالَ: فَإِنَّا لَعِنْدَهُ إِذْ
قِيلَ: فُلانٌ بِالْبَابِ، قَالَ: ائْذَنْ لَهُ، فَوَاللَّهِ
إِنِّي لأَظُّنُهُ قَدْ جَاءَ بِشَرٍّ، فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ،
فَقَالَ: يَا حَسَنُ، إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ سُلْطَانٍ وجئتك
بعزمه، قال: تكلم، قال: أرسل مرون وَيْكَ بِعَلِيٍّ وَبِعَلِيٍّ
وَبِعَلِيٍّ، وَيْكَ وَيْكَ وَيْكَ، وَمَا وَجَدْتُ مِثْلَكَ إِلا
مِثْلَ الْبَغْلَةِ، يُقَالُ لَهَا: مَنْ أَبُوكِ، فتَقُولُ:
أُمِّي الْفَرَسُ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنِّي
وَاللَّهِ لا أَمْحُو عَنْكَ شَيْئًا مِمَّا قلت، فَلَنْ
أَسُبَّكَ، ولكن موعدي موعدك اللَّهَ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا
فَجَزَاكَ اللَّهُ بِصِدْقِكَ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَاللَّهُ
أَشَدُّ نَقْمَةً، وَقَدْ أكرم الله جدي أن يكون
__________
1 خبر صحيح.
2 علابي: عروقي.
3 خبر ضعيف: أخرجه ابن سعد "5/ 37" وفيه الواقدي.
4 خبر ضعيف: وأخرجه ابن سعد "5/ 37".
(5/140)
مِثْلَهُ -أَوْ قَالَ مِثْلِي- مِثْلُ
الْبَغْلَةِ، فَخَرَجَ الرجل، فلما كان في الحجرة لقي الحسين،
فَقَالَ: مَا جِئْتَ بِهِ؟ قَالَ: رِسَالَةٌ. قَالَ: وَاللَّهِ
لَتُخْبِرُنِي أَوْ لَآمُرَنَّ بِضَرْبِكَ، فَقَالَ: ارْجِعْ،
فَرَجَعَ، فَلَمَّا رَآهُ الْحَسَنُ قَالَ: أَرْسِلْهُ، قَالَ:
إِنِّي لا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: إِنِّي قَدْ حَلَفْتُ،
قَالَ: قَدْ لَجَّ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَكَلَ فُلانٌ بَظْرَ
أُمِّهِ إِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ عَنِّي مَا أَقُولُ لَهُ، قُلْ لَهُ:
وَيْلٌ لك ولأبيك ولقومك، وَآيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ أَنْ
يَمْسِكَ مَنْكِبَيْكَ مِنْ لَعْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَ وَزَادَ1.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السائب، عن أبي
يحيى قَالَ: كُنْتُ بَيْنَ الْحَسْنِ وَالْحُسَيْنِ وَمَرْوَانَ،
وَالْحُسَيْنُ يُسَابُّ مَرْوَانَ، فَجَعَلَ الْحَسْنُ يَنْهَاهُ،
فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مَلْعُونُونَ،
فَغَضِبَ الْحُسَيْنُ وَقَالَ: وَيْلَكَ، قُلْتَ هَذَا،
فَوَاللَّهِ لَقَدْ لَعَنَ اللَّهُ أباك على لسان نبيه وأنت في
صلبه2.
رَوَاهُ جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى النَّخَعِيِّ.
وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ كانا يصليان خلف
مروان، فقيل: أما كانا يصليان إذا رجعا إلى منازلهما؟ قالا: لا
وَاللَّهِ3.
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا
بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ ثَلاثِينَ رَجُلا اتَّخَذُوا مَالَ
اللَّهِ دُوَلا، ودين الله دغلًا، وعبادة اللَّهِ خَوَلا"4.
سَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَكَانَ عَطِيَّةُ مَعَ ضَعْفِهِ شِيعِيًّا
غَالِيًا، لَكِنَّ الْحَدِيثُ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَوَاهُ الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْهُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
مَرْيَمَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: "إِذَا بَلَغَتْ بَنُو أُمَيَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلا
اتخذوا عبادة اللَّهِ خَوَلا، وَمَالَ اللَّهِ دُوَلا، وَكِتَابَ
اللَّهِ دغلًا"5. 6 إسناده منقطع.
__________
1 السير "3/ 478".
2 خبر ضعيف: السير "3/ 478".
3 خبر حسن: السير "3/ 478"، البداية والنهاية "8/ 358".
4 حديث ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 80".
5 دغلًا: فسادًا.
6 حديث ضعيف: أخرجه الحاكم "4/ 479" في المستدرك، وانظر البداية
"8/ 259".
(5/141)
وَذَكَرَ عَوَانَةُ بْنُ الْحَكَمِ، أَنَّ
مَرْوَانَ قَدِمَ بِبَنِي أُمَيَّةَ عَلَى حَسَّانِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ بحدل وهو بالجابية فقال: أتيتني بنفسك إذ أَبَيْتُ أَنْ
آتِيكَ، وَاللَّهِ لَأُجَادِلَنَّ عَنْكَ فِي قبائل اليمن، أو
أسلمها إِلَيْكَ، فَبَايَعَ حَسَّانُ أَهْلِ الأُرْدُنِّ
لِمَرْوَانَ، عَلَى أَنْ يُبَايِعَ مَرْوَانُ لِخَالِدِ بْنِ
يَزِيدَ، وَلَهُ إِمْرَةُ حِمْصَ، وَلِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ
إِمْرَةُ دِمَشْقَ، وَذَلِكَ فِي نِصْفِ ذِي الْقَعْدَةِ1.
وَقَالَ أَبُو مسهر: بايع مروان أَهْلِ دِمَشْقَ، وَسَائِرُ
النَّاسِ زُبَيْرِيُّونَ، ثُمَّ اقْتَتَلَ مَرْوَانُ وشيعة ابْنِ
الزُّبَيْرِ يَوْمَ رَاهِطٍ فَظَفِرَ مَرْوَانُ وَغَلَبَ عَلَى
الشَّامِ وَمِصْرَ، وَبَقِيَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَمَاتَ.
قَالَ اللَّيْثُ: تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَذْكُرُ مَرْوَانَ
يَوْمًا، فَقَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ
سَنَةً، ثُمَّ أصبحت فِيمَا أَنَا فِيهِ مِنْ هَرْقِ الدِّمَاءِ،
وَهَذَا الشَّأْنُ2.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانُوا يَنْقِمُونَ عَلَى عُثْمَانَ
تَقْرِيبَ مَرْوَانَ وَتَصَرُّفَهُ، وَكَانَ كَاتِبَهُ، وَسَارَ
مَعَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ يطلبون بدم عثمان، فقالت يَوْمَ
الْجَمَلِ أَشَدَّ قِتَالٍ، فَلَمَّا رَأَى الْهَزِيمَةَ رَمَى
طَلْحَةَ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، وَقَدْ أَصَابَتْهُ جِرَاحٌ
يَوْمَئِذٍ، وَحُمِلَ إِلَى بَيْتِ امْرَأَةٍ، فَدَاوُوهُ
وَاخْتَفَى، فَأَمَّنَهُ عَلِيٌّ، فَبَايَعَهُ وَانْصَرَفَ إِلَى
الْمَدِينَةِ، وَأَقَامَ بِهَا حَتَّى اسْتُخْلِفَ مُعَاوِيَةُ،
وَقَدْ كَانَ يَوْمَ الْحَرَّةِ مَعَ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ،
وَحَرَّضَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: وَكَانَ قَدْ
أَطْمَعَ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، وَعَقَدَ
لِوَلَدَيْهِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَخَذَ
يَضَعُ مِنْهُ وَيُزْهِدُ النَّاسَ فِيهِ، وَكَانَ يَجْلِسُ
مَعَهُ، فَدَخَلَ يَوْمًا فَزَبَرَهُ وَقَالَ: تَنَحَّ يَا ابْنَ
رَطْبَةِ الإست، والله ما لك عَقْلٌ، فَأَضْمَرَتْ أُمُّهُ
السُّوءَ لِمَرْوَانَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: هَلْ قَالَ
لَكِ خَالِدٌ شَيْئًا؟ فَأَنْكَرَتْ، وَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَ
بِهَا، فَقَامَ، فَوَثَبَتْ هِيَ وجواريها فعمدت إلى وِسَادَةٍ
فَوَضَعَتْهَا عَلَى وَجْهِهِ، وَغَمَرَتْهُ هِيَ وَالْجَوَارِي
حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ صَرَخْنَ وَقُلْنَ: مَاتَ فَجْأَةً3.
وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ مَرْوَانَ: مَاتَ مَطْعُونًا بِدِمَشْقَ.
__________
1 خبر ضعيف: فيه انقطاع.
2 السير "3/ 479".
3 السير "3/ 479".
(5/142)
98- مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ1 الَّذِي
يُقَالُ لَهُ: مُسْرِفُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ رَبَاحِ بْنِ أسَعْدَ،
أَبُو عُقْبَةَ الْمُرِّيُّ. أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ صِفِّينَ عَلَى الرَّجَّالَةِ مَعَ
مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ، وَدَارُهُ
بِدِمَشْقَ مَوْضِعُ الْخَشَبِ الْكَبِيرِ قِبْلِيَّ دَارِ
الْبِطِّيخِ، هَلَكَ بِالْمُشَلَّلِ بَيْنَ مَكَّةَ
وَالْمَدِينَةِ، وَهُوَ قَاصِدٌ إِلَى قِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ،
لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ.
وَرَوَى الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، أَظُنُّهُ
الْوَاقِدِيَّ قَالَ: قَالَ ذَكْوَانُ مَوْلَى مروان: شرب مسلم
دواء بعدما نَهَبَ الْمَدِينَةَ، وَدَعَا بِالْغَدَاءِ، فَقَالَ
لَهُ الطَّبِيبُ: لا تَعَجَّلْ، قَالَ: وَيْحَكَ إِنَّمَا كُنْتُ
أُحِبُّ الْبَقَاءَ حَتَّى أُشْفِيَ نَفْسِي مِنْ قَتَلَةِ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، فَقَدْ أَدْرَكْتُ مَا أَرَدْتُ،
فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْمَوْتِ عَلَى طَهَارَتِي،
فَإِنِّي لا أَشُكُّ أَنَّ اللَّهَ قَدْ طَهَّرَنِي مِنْ ذُنُوبِي
بِقَتْلِ هَؤُلاءِ الأَرْجَاسِ2.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ،
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: خَرَجَ مُسْرِفُ بْنُ
عُقْبَةَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَتَبِعَتْهُ أُمُّ وَلَدٍ لِيَزِيدَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ تَسِيرُ وَرَاءَهُمْ، وَمَاتَ
مُسْرِفٌ فَدُفِنَ بِثَنِيَّةِ الْمُشَلَّلِ، فَنَبَشَتْهُ ثُمَّ
صَلَبَتْهُ عَلَى الْمُشَلَّلِ3.
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: وَكَانَ قَدْ قُتِلَ مَوْلاهَا
أَبَا وَلَدِهَا.
وَقِيلَ: إِنَّهَا نَبَشَتْهُ، فَوَجَدَتْ ثُعْبَانًا يَمُصُّ
أَنْفَهُ، وَأنَّهَا أَحْرَقَتْهُ، فَرَضِيَ الله عنه- وَشَكَرَ
سَعْيَهَا.
99- مَسْرُوقُ بْنُ الأْجَدَعِ4 –ع- وَاسْمُ الأَجْدَعِ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكِ بْنِ أُمَيَّةَ، أَبُو عَائِشَةَ
الْهَمْدَانِيُّ، ثُمَّ الْوَادِعِيُّ الْكُوفِيُّ.
مُخَضْرَمٌ، سَمِعَ: أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ،
وَعَلِيًّا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذًا، وَأُبَيَّ بْنَ
كَعْبٍ، وَخَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ، وَعَائِشَةَ، وَطَائِفَةً.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو وَائِلٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو
الضُّحَى، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ،
وَأبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ،
وَآخَرُونَ.
وَقَدِمَ الشَّامَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَشَهِدَ الْحَكَمَيْنِ،
فَقَالَ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى
الْقَصِيرُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ مَسْرُوقٍ
قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي مُوسَى أَيَّامِ الْحَكَمَيْنِ،
وَفُسْطَاطِي إِلَى جَنْبِ فُسْطَاطِهِ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ ذَاتَ
يَوْمٍ قَدْ لَحِقُوا بِمُعَاوِيَةَ من الليل،
__________
1 انظر: وفيات الأعيان "3/ 438"، تاريخ الطبري "5/ 483- 496".
2، 3 خبر ضعيف: من رواية الواقدي.
4 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 76"، الحلية "2/ 95"، السير "4/ 63".
(5/143)
فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو مُوسَى رَفَعَ
رَفْرَفَ فُسْطَاطِهِ، فَقَالَ: يَا مَسْرُوقُ بْنَ الأَجْدَعِ،
قُلْتُ: لَبَّيْكَ أَبَا مُوسَى، قَالَ: إِنَّ الإِمَارَةَ مَا
أُؤْتُمِرَ فِيهَا، وَإِنَّ الْمُلْكَ مَا غُلِبَ عَلَيْهِ
بِالسَّيْفِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ مَسْرُوقٌ ثِقَةً، لَهُ أَحَادِيثُ
صَالِحَةٌ، وَقَدْ رَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيٍّ،
وَعَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْ عُثْمَانَ شيئًا.
قال الْبُخَارِيُّ: رَأَى أَبَا بَكْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ
الرَّازِيُّ: رَوَى عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ،
وَعَلِيٍّ.
وَقَالَ مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ: قَدِمْتُ
عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: مَسْرُوقُ بْنُ
الأَجْدَعِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "الْأَجْدَعُ شَيْطَانٌ". أَنْتَ
مَسْرُوقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ1.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: كَانَ الْأَجْدَعُ
أَفْرَسَ فَارِسٍ بِالْيَمَنِ. وابنه مسروق ابن أخت عمرو بن
معديكرب.
وقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ عَائِذٍ الطَّائِيُّ
قَالَ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: رَجُلٌ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ
ابْنَهُ، قَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ الْقَيَّاسِينَ، مَا عَلِمْتُ
أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أطْلَبَ للعلم فِي أُفُقٍ مِنَ
الآفَاقِ مِنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: لا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: مَا أُقَدِّمُ عَلَى
مَسْرُوقٍ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ، صَلَّى خَلْفَ
أَبِي بَكْرٍ، وَلَقِيَ عُمَرَ، وَعَلِيًّا، وَلَمْ يَرْوِ عَنْ
عُثْمَانَ شيئًا.
وعن مسروق قال: اخلتفت إِلَى عَبْدِ اللَّهِ مِنْ رَمَضَانَ إِلَى
رَمَضَانَ، مَا أَغُبُّهُ يَوْمًا.
وَقَالَ مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا مَسْرُوقُ إِنَّكَ مِنْ وَلَدِي، وَإِنَّكَ
لَمِنْ أَحَبَّهُمْ إِلَيَّ، فها عِنْدَكَ عِلْمٌ بِالْمُخْدَجِ2.
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ: سَمِعْتُ أَبَا السَّفَرِ يَقُولُ:
مَا وَلَدَتْ هَمْدَانِيَّةُ مِثْلَ مَسْرُوقٍ.
وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ إبراهيم قال: كان أصحاب عبد الله الذي
يُقْرِئُونَ النَّاسَ وَيُعَلِّمُونَهُمُ السُّنَّةَ: عَلْقَمَةُ،
وَالأَسْوَدُ، وَعُبَيْدَةُ، وَمَسْرُوقٌ، وَالْحَارِثُ بْنُ
قَيْسٍ، وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ3.
__________
1 حديث ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 31"، وأبو داود "4957" وفيه مجالد من
الضعفاء.
2 انظر: صحيح مسلم "1066".
3 خبر صحيح: أخرجه الخطيب "13/ 233".
(5/144)
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ،
عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ مَسْرُوقٌ أَعْلَمَ بِالْفَتْوَى
مِنْ شُرَيْحٍ، وَشُرَيْحٌ أَعْلَمُ مِنْهُ بِالْقَضَاءِ، وَكَانَ
شُرَيْحُ يَسْتَشِيرُ مَسْرُوقًا، وَكَانَ مَسْرُوقُ لا
يَسْتَشِيرُ شُرَيْحًا.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: بَقِيَ مَسْرُوقُ بَعْدَ
عَلْقَمَةَ لا يفضل عليه أحدًا.
وَقَالَ عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: إِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ
زِيَادٍ حِينَ قَدِمَ الْكُوفَةَ قَالَ: أَيُّ أَهْلِ الْكُوفَةِ
أَفْضَلُ؟ قَالُوا: مَسْرُوقٌ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إِنْ كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ خُلِقُوا
لِلْجَنَّةِ فَهَؤُلاءِ: الأَسْوَدُ، وَعَلْقَمَةُ، وَمَسْرُوقٌ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: لَمْ يَزَلْ شُرَيْحٌ عَلَى قَضَاءِ
الْكُوفَةِ، فَأَحْدَرَهُ مَعَهُ زِيَادٌ إِلَى الْبَصْرَةِ،
فَقَضَى مَسْرُوقٌ حَتَّى رَجَعَ شُريْحٌ، وَذَكَرَ أَنَّ
شُرَيْحًا غَابَ سَنَةً.
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: كَانَ مَسْرُوقٌ لا
يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ رِزْقًا.
عَارِمٌ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ مُجَالِدٍ: أن مَسْرُوقًا قَالَ:
لأَنْ أَقْضِيَ بِقَضِيَّةٍ فَأُوَافِقُ الْحَقَّ أَحَبُّ إِليَّ
مِنْ رِبَاطِ سَنَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ: لأَنْ
أُفْتِيَ يَوْمًا بِعَدْلٍ وَحَقٍّ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ
أَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سَنَةً1.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر بن أَخِي
مَسْرُوقٍ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدٍ
عَامِلَ الْبَصْرَةِ أَهْدَى إِلَى مَسْرُوقٍ ثَلاثِينَ أَلْفًا،
وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُحْتَاجٌ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا2.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَصْبَحَ مَسْرُوقٌ يَوْمًا وَلَيْسَ لِعِيَالِهِ رِزْقٌ،
فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ قَمِيرُ فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ،
إِنَّهُ مَا أَصْبَحَ لِعِيَالِكَ الْيَوْمَ رِزْقٌ، فَتَبَسَّمَ
وَقَالَ: وَاللَّهِ لَيَأْتِيَنَّهُمُ اللَّهُ بِرِزْقٍ3.
وَقَالَ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ: كَلَّمَ مَسْرُوقٌ زِيَادًا
لِرَجُلٍ فِي حَاجَةٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِوَصِيفٍ، فَرَدَّهُ،
وَحَلَفَ ألا يكلم له في حاجة أبدًا.
__________
1 خبر ضعيف: أخرجه ابن سعد "6/ 82" وفيه مجالد، من الضعفاء.
2 الطبقات الكبرى "6/ 79".
3 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "6/ 79".
(5/145)
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ
أَشْيَاخَنَا يَقُولُونَ: انْتَهَى الزُّهْدُ إلى ثمانية من
التابعين: عامر بن عبيد قَيْسٍ، وَهَرِمِ بْنِ حَيَّانَ،
وَأُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ،
وَالأَسْوَدِ، وَمَسْرُوقٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ،
وَالرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ مَسْرُوقًا
زَوَّجَ بِنْتَهُ بِالسَّائِبِ بْنِ الأَقْرَعِ عَلَى عَشَرَةِ
آلافٍ اشْتَرَطَهَا لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: جَهِّزْ أَنْتَ
امْرَأَتَكَ مِنْ عِنْدِكَ، وَجَعَلَهَا مَسْرُوقٌ فِي
الْمُجَاهِدِينَ وَالْمَسَاكِينَ.
وَقَالَ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ: غَابَ مَسْرُوقٌ
فِي السِّلْسِلَةِ سَنَتَيْنِ يَعْنِي عَامِلا عَلَيْهَا، فَلَمَّا
قَدِمَ نَظَرَ أَهْلُهُ فِي خَرْجِهِ فَأَصَابُوا فَأْسًا بِغَيْرِ
عُودٍ، فَقَالُوا: غِبْتَ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ جِئْتَنَا بِفَأْسٍ
بِغَيْرِ عُودٍ! قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ، تِلْكَ فَأْسٌ
اسْتَعَرْنَاهَا، نَسِينَا نَرُدُّهَا.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: بَعَثَهُ ابْنُ زِيَادٍ إِلَى
السِّلْسِلَةِ، فَانْطَلَقَ، فَمَاتَ بِهَا.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ:
وَاللَّهِ مَا عَمِلْتُ عَمَلا أَخْوَفَ عِنْدِي أَنْ يُدْخِلَنِي
النَّارَ مِنْ عَمَلِكُمْ هَذَا، وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ ظَلَمْتُ
فِيهِ مُسْلِمًا وَلا مُعَاهِدًا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا،
وَلَكِنَّ مَا أَدْرِي مَا هَذَا الْجَعْلُ الَّذِي لَمْ يَسُنَّهُ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا أَبُو
بَكْرٍ، وَلا عُمَرُ، قِيلَ: فَمَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: لَمْ
يَدَعْنِي زِيَادٌ، وَلا شُرَيْحٌ، وَلا الشَّيْطَانُ، حَتَّى
دَخَلْتُ فِيهِ1.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَالَ لِي مَسْرُوقٌ: مَا بَقِيَ
شَيْءٌ يُرْغَبُ فِيهِ إِلا أَنْ نُعَفِّرَ وُجُوهَنَا فِي
التُّرَابِ وَمَا آسَى عَلَى شَيْءٍ إِلا السُّجُودَ لِلَّهِ
تَعَالَى.
وَقَالَ إِسْحَاقُ: حَجَّ مَسْرُوقٌ، فَمَا نَامَ إِلا سَاجِدًا
حَتَّى رَجِعَ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ امْرَأَةِ
مَسْرُوقٍ قَالَتْ: مَا كَانَ مَسْرُوقٌ يُوجَدُ إِلا وَسَاقَاهُ
قَدِ انْتَفَخَتا مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَجْلِسُ
خَلْفَهُ، فَأَبْكِي رَحْمَةً لَهُ2.
وَرَوَاهُ أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، عَنِ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ.
وَقَالَ أَبُو الضُّحَى، عَنْ مسَرْوُقٍ: إِنَّهُ سُئِلَ عَنْ
بَيْتِ شِعْرٍ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَجِدَ في صحيفتي شعرًا3.
__________
1 السابق "6/ 83".
2 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "6/ 81" وغيره.
3 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "6/ 80".
(5/146)
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: شُلَّتْ يَدُ مَسْرُوقٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ،
وَأَصَابَتْهُ آمَّةُ1.
وَقَالَ أَبُو الضُّحَى، عَنْ مسَرْوُقٍ، وَكَانَ رَجُلا
مَأْمُومًا، فَقَالَ: مَا أَحَبَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِي،
لَعَلَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بِي، كُنْتُ فِي بَعْضِ هَذِهِ
الْفِتَنِ.
وَقَالَ وَكِيعٌ: لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ عَلِيٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ
إِلا سَعْدٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمَةَ، وَأُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمِنَ التَّابِعِينَ: مَسْرُوقٌ،
وَالأَسْوَدُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَأَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ
مَسْرُوقٌ إِذَا قِيلَ لَهُ: أَبْطَأْتَ عَنْ عَلِيٍ وَعَنْ
مَشَاهِدِهِ وَلَمْ يَكْنُ شَهِدَ مَعَهُ يَقُولُ: أُذَكِّرُكُمُ
اللَّهَ، أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّهُ صَفَّ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ،
وَأَخَذَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضِ السِّلاحِ، يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ
بَعْضًا، فَنَزَلَ مَلَكٌ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَقَالَ هَذِهِ
الآيَةَ: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 25] ، أَكَانَ ذَلِكَ حَاجِزًا لَكُمْ؟
قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِهَا مَلَكٌ
كَرِيمٌ، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ، وَإِنَّهَا لَمُحْكَمَةٌ مَا
نَسَخَهَا شَيْءٌ2.
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النُّجُودِ: ذُكِرَ أَنَّ مَسْرُوقًا
أَتَى صِفَّينَ، فَوَقَفَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، ثُمَّ قَالَ:
أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ مُنَادِيًا، فذكر نحوه، ثم ذهب.
وعن أَبِي لَيْلَى قَالَ: شَهِدَ مَسْرُوقٌ النَّهْروَانَ مَعَ
عَلِيٍّ.
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: مَا
مَاتَ مَسْرُوقٌ حَتَّى اسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ
عَلِيٍّ.
قَالَ أَبُو النعيم: تُوُفِّيَ مَسْرُوقٌ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ
وَسِتِّينَ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ
سَعْدٍ: سَنَةَ ثَلاثٍ.
وَقَالَ أَبُو شِهَابٍ الْخَيَّاطُ: هُوَ مَدْفُونٌ
بِالسِّلْسِلَةِ بواسط.
100- مسلمة بن مخلد3 -د.
ابن الصامت الأنصاري الخزرجي، أبو معن، وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيدٍ،
وَيُقَالُ: أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَيُقَالُ: أبو معمر، له صحبة
ورواية.
__________
1 خبر ضعيف جدًّا: السابق "6/ 77" فيه الكلبي من المتروكين، وابنه
من الضعفاء.
2 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "6/ 77، 78".
3 انظر: الاستيعاب "3/ 463"، السير "3/ 424".
(5/147)
قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِي عَشْرُ سِنِينَ1.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ مَعَ جَلالَتِهِ،
وَمَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ،
وَمُجَاهِدٌ، وَعَلِيُّ بْنُ رَبَاحٍ، وَأَبُو قَبِيلٍ حُيَيُّ
بْنُ هَانِئٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُمَاسَةَ، وَشَيْبَانُ
بْنُ أُمَيَّةَ وَآخَرُونَ.
وَكَانَ مِنْ أُمَرَاءِ مُعَاوِيَةَ يَوْمَ صِفِّينَ، كَانَ عَلَى
أَهْلِ فِلَسْطِينَ، وَقِيلَ: لَمْ يَفِدْ عَلَى مُعَاوِيَةَ إِلا
بَعْدَ انْقِضَاءِ صِفَّينَ، وَلَّى إِمْرَةَ مِصْرَ لِمُعَاوِيَةَ
وَلِيَزِيدَ، وَذَكَرَ أنَّ لَهُ صُحْبَةً جَمَاعَةً مِنْهُمْ:
ابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ الْبُخَارِيُّ كَتَبَ أَنَّ
لِمَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ صُحْبَةً، فَغَيَّرَ أَبِي ذَلِكَ،
وَقَالَ: لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ
عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُسْلِمَةَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، وأنا ابن أربع
سنين، توفي وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ2.
وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ مُوسَى بِخِلافِ ذَلِكَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
مَسْلَمَةَ فَقَالَ: وُلِدْتُ حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ.
وَرَجَعَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ ابْنِ
مَهْدِيٍّ، وَقَالَ: هُوَ أَقْرَبُ عَهْدًا بِالْكِتَابِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ
نُزِعَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ مِصْرَ، وَوُلِّيَ مُسْلِمَةُ،
فَبَقِيَ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صَلَّيْتُ خَلْفَ مُسْلِمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ،
فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَمَا تَرَكَ وَاوًا وَلا
أَلِفًا.
وَقَالَ اللَّيْثُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: فِي ذِي الْقَعْدَةِ
بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
101- الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ3 بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف
بْنِ زُهْرَةَ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلابٍ، أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ: أَبُو عُثْمَانَ الزُّهْريُّ بْنُ عاتكة
أخت عبد الرحمن بن عوف.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه ابن سعد "7/ 504".
2 انظر السابق.
3 انظر: أسد الغابة "4/ 365"، والإصابة "3/ 419".
(5/148)
له صحبة ورواية، روى أَيْضًا عَنْ: أَبِي
بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَخَالِهِ.
رَوَى عَنْهُ: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَعُرْوَةُ،
وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ،
وَوَلَدَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأُمُّ بَكْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ
بْنُ حُنَيْنٍ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ.
وَقَدِمَ بَرِيدًا لِدِمَشْقَ مِنْ عُثْمَانَ إِلَى مُعَاوِيَةَ
أَيَّامَ حَصْرِ عُثْمَانَ، وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي
خِلافَتِهِ، وَكَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُ عُمَرَ وَيَحْفَظُ عَنْهُ،
وَانْحَازَ إِلَى مَكَّةَ كَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَرِهَ إِمْرَةَ
يَزِيدَ، وَأَصَابَهُ حَجَرُ مَنْجَنِيقٍ لما حاصر الحصين بن نمير
ابن الزبير.
قال الزبير بن بكار: وكانت الْخَوَارِجُ تَغْشَاهُ وَتُعَظِّمُهُ
وَيَنْتَحِلُونَ رَأْيَهُ، حَتَّى قُتِلَ تِلْكَ الأَيَّامَ.
وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ: أَنْبَأَ عبد الله بن جعفر،
عن أم بكر أَنَّ أَبَاهَا احْتَكَرَ طَعَامًا، فَرَأَى سَحَابًا
مِنْ سَحَابِ الْخَرِيفِ فَكَرِهَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ
إِلَى السُّوقِ فَقَالَ: مَنْ جَاءَنِي وَلَّيْتُهُ، فَبَلَغَ
ذَلِكَ عُمَرَ، فَأَتَاهُ بِالسُّوقِ فَقَالَ: أَجُنِنْتَ يَا
مِسْوَرُ! قَالَ: لا وَاللَّهِ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ سَحَابًا مِنْ
سَحَابِ الْخَرِيفِ، فَكَرِهْتُهُ فَكَرِهْتُ أَنْ أَرْبَحَ فِيهِ،
وَأَرَدْتُ أَنْ لا أَرْبَحَ فِيهِ فَقَالَ عُمَرُ: جَزَاكَ
اللَّهُ خَيْرًا.
وَقَالَ إِسْحَاقُ الْكَوْسَجُ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: مِسْوَرُ
بْنُ مَخْرَمَةَ ثِقَةٌ، إِنَّمَا كَتَبْتُ هَذَا لِلتَّعَجُّبِ،
فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى صُحْبَةِ الْمِسْوَرِ، وَأَنَّهُ
سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: ثنا حَيْوَةُ، ثنا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ الْمِسْوَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ
قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَلا بِهِ
فَقَالَ: يَا مِسْوَرُ، مَا فَعَلَ طَعْنُكَ عَلَى الأَئِمَّةِ؟
قَالَ: دَعْنَا مِنْ هَذَا، وَأَحْسِنْ فِيمَا قَدِمْنَا لَهُ،
قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللَّهِ لَتُكَلِّمُنِي بِذَاتِ نَفْسِكَ
بِالَّذِي تَعِيبُ عَلَيَّ، قَالَ: فَلَمْ أَتْرُكْ شَيْئًا
أَعِيبُهُ عَلَيْهِ إِلا بَيَّنْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: لا أَبْرَأُ
مِنَ الذَّنْبِ، فَهَلْ تَعُدُّ لَنَا يَا مِسْوَرُ بِمَا نَلِي
مِنَ الإِصْلاحِ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ
بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، أَمْ تَعُدُّ الذُّنُوبَ وَتَتْرُكُ
الإِحْسَانَ! قُلْتُ: لا وَاللَّهِ مَا نَذْكُرُ إِلا مَا نَرَى
مِنَ الذُّنُوبِ، فَقَالَ: فَإِنَّا نَعْتَرِفُ لِلَّهِ بِكُلِّ
ذَنْبٍ أَذْنَبْنَاهُ، فَهَلْ لَكَ يَا مِسْوَرُ ذُنُوبٌ فِي
خَاصَّتِكَ تَخْشَى أَنْ تَهْلِكَكَ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ
لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا يَجْعَلُكَ بِرَجَاءِ
الْمَغْفِرَةِ أَحَقَّ مِنِّي فَوَاللَّهِ مَا أَلِي مِنَ
الإِصْلاحِ أَكْثَرَ مِمَّا تَلِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لا
أُخَيَّرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، بَيْنَ اللَّهِ وَغَيْرِهِ إِلا
اخْتَرْتُ اللَّهَ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَإِنِّي لَعَلَى دِينٍ
يُقْبَلُ فيه العمل، ويجزى فيه بالحسنات، ويجزى فيه بالذنوب، إِلا
أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهَا، وَإِنِّي أَحْتَسِبُ كُلَّ
حَسَنَةٍ عَمِلْتُهَا بِأَضْعَافِهَا مِنَ الأَجْرِ، وَأَلِي
أُمُورًا عِظَامًا مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ،
(5/149)
وَالْجِهَادِ، وَالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ
اللَّهُ. قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ خَصَمَنِي لَمَّا ذَكَرَ
ذَلِكَ. قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمْ أَسْمَعِ الْمِسْوَرَ ذَكَرَ
مُعَاوِيَةَ إِلا صَلَّى عَلَيْهِ1.
وَعَنْ أمِّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ كَانَ
يَصُومُ الدَّهْرَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ طَافَ لِكُلِّ
يَوْمٍ غَابَ عَنْهَا سَبْعًا، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ2.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا عَبْدُ الله بن جعفر، عن عتمة أُمِّ
بَكْرِ بِنْتِ الْمِسْوَرِ، عَنْ أَبِيهَا، أَنَّهُ وَجَدَ يَوْمَ
الْقَادِسِيَّةِ إِبْرِيقَ ذَهَبٍ عَلَيْهِ الْيَاقُوتُ
وَالزَّبَرْجَدُ، فَلَمْ يَدْرِ مَا هُوَ، فَلَقِيَهُ فَارِسيٌّ
فَقَالَ: آخُذُهُ بِعَشَرَةِ آلافٍ، فَعَرَفَ أَنَّهُ شَيْءٌ،
فَبَعَثَ بِهِ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَنَفَلَهُ
إِيَّاهُ، وَقَالَ: لا تَبِعْهُ بِعَشَرَةَ آلافٍ، فَبَاعَهُ لَهُ
سَعْدٌ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَدَفَعَهَا إِلَى الْمِسْوَرِ، وَلَمْ
يُخَمِّسْهَا3.
وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ قَالَ: لَحِقَ بِابْنِ
الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لا يَقْطَعُ
أَمْرًا دُونَهُ.
قَالَ الواقدي: وحدثني شرحبيل بن أبي عون. عن أَبِيهِ قَالَ:
لَمَّا دَنَا الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ أَخْرَجَ الْمِسْوَرُ
سِلاحًا قَدْ حَمَلَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَدُرُوعًا فَفَرَّقَهَا
فِي مَوَالٍ لَهُ كُهُولٍ فُرُسٍ جُلُدٍ، فَدَعَانيِ، ثُمَّ قَالَ
لِي: يَا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِسْوَرٍ، قُلْتُ:
لَبَّيْكَ، قَالَ: اخْتَرْ دِرْعًا، فَاخْتَرْتُ دِرْعًا وَمَا
يُصْلِحُهَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلامٌ حَدَثٌ، فَرَأَيْتُ
أُولَئِكَ الْفُرْسَ غَضِبُوا وَقَالُوا: تُخَيِّرُهُ عَلْيَنَا!
وَاللَّهِ لَوْ جَدَّ الْجِدُّ تَرَكَكَ، فَقَالَ: لَتَجِدَنَّ
عِنْدَهُ حَزْمًا، فَلَمَّا كَانَ الْقِتَالُ أَحْدَقُوا بِهِ،
ثُمَّ انْكَشَفُوا عَنْهُ، وَاخْتَلَطَ الناس، والمسور يَضْرِبُ
بِسَيْفِهِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ فِي الرَّعِيلِ الأَوَّلِ
يَرْتَجِزُ قَدَمًا، وَمَعَهُ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ عَوْفٍ يَفْعَلانِ الأَفَاعِيلَ، إِلَى أَنْ أَحْدَقَتْ
جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِالْمِسْوَرِ، فَقَامَ دُونَهُ مَوَالِيهِ،
فَذَبُّوا عنه كل الذب، وجعل يصيح بهم، فما خَلُصَ إِلَيْهِ،
وَلَقَدْ قَتَلُوا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَوْمَئذٍ نَفَرًا4.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عبدَ اللَّهِ بْن جَعْفَر، عَنْ أمِّ بَكْرٍ،
وَأَبِي عَوْنٍ قَالا: أمات المسور
__________
1 خبر صحيح: أخرجه عبد الرزاق "7/ 207" في مصنفه، والمصنف في السير
"3/ 150، 151، 392".
2 السير "3/ 392".
3 خبر ضعيف: فيه الواقدي.
4 خبر ضعيف: فيه الواقدي.
(5/150)
حَجَرُ الْمَنْجِنيقِ، ضُرِبَ الْبَيْتُ
فَانْفَلَقَ مِنْهُ فَلْقَةٌ، فَأَصَابَتْ خَدَّ الْمِسْوَرِ
وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَمَرِضَ مِنْهَا أَيَّامًا، ثُمَّ مَاتَ
فِي الْيَوْمِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ نَعْيُ يَزِيدَ، وَابْنُ
الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ لا يُسَمَّى بِالْخِلافَةِ، بَلِ الأَمْرُ
شُورَى1.
زَادَتْ أمُّ بَكْرٍ: كُنْتُ أَرَى الْعِظَامَ تُنْزَعُ مِنْ
صَفْحَتِهِ، وَمَا مَكَثَ إِلا خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَمَاتَ.
فَذَكَرْتُهُ لِشُرَحْبِيلَ بْنِ أَبِي عَوْنٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي قَالَ: قَالَ لِي الْمِسْوَرُ: هَاتِ دِرْعِي، فَلَبِسَهَا،
وَأَبِي أَنْ يَلْبَسَ الْمِغْفَرَ، قَالَ: وَتُقْبِلُ ثَلاثَةُ
أَحْجَارٍ، فَيَضْرِبُ الأَوَّلُ الرُّكْنَ الَّذِي يَلِي
الْحَجَرَ فَخَرَقَ الْكَعْبَةَ حَتَّى تَغَيَّبَ، ثُمَّ
اتَّبَعَهُ الثَّانِي فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ الثَّالِثُ فِينَا،
وَتَكَسَّرَ مِنْهُ كَسْرَةٌ، فَضَرَبَتْ خَدَّ الْمِسْوَرِ
وَصُدْغَهُ الأَيْسَرِ، فَهَشَّمَتْهُ هَشْمًا، فَغُشِيَ عَلَيْهِ،
وَاحْتَمَلْتُهُ أَنَا وَمَوْلًى لَهُ، وَجَاءَ الْخَبَرُ ابْنَ
الزُّبَيْرِ، فَأَقْبَلَ يَعْدُو، فَكَانَ فِيمَنْ حَمَلَهُ،
وَأَدْرَكَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُبيدُ بْنُ
عُمَيْرٍ، فَمَكَثَ يَوْمَهُ لا يَتَكَلَّمُ، فَأَفَاقَ مِنَ
اللَّيْلِ، وَعَهِدَ بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ، وَجَعَلَ عُبَيْدُ بْنُ
عُمَيْرٍ يَقُولُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَيْفَ تَرَى فِي
قِتَالِ هَؤُلاءِ؟ فَقَالَ: عَلَى ذَلِكَ قُتِلْنَا، فَكَانَ ابْنُ
الزُّبَيْرِ لا يُفَارِقُهُ بِمَرَضِهِ حَتَّى مَاتَ، فَوَلِيَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ غُسْلَهُ، وَحَمَلَهُ فِيمَنْ حَمَلَهُ إِلَى
الْحَجُونِ، وَإِنَّا لَنَطِأَ، بِهِ الْقَتْلَى وَنَمْشِي بَيْنَ
أَهْلِ الشَّامِ، فَصَلَّوْا مَعَنَا عَلَيْهِ2.
قُلْتُ: لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا يَوْمَئِذٍ بِمَوْتِ يَزِيدَ،
وَكَلَّمَ حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ
فِي أَنْ يُبَايِعَهُ بِالْخِلافَةِ، وَبَطُلَ الْقِتَالُ
بَيْنَهُمْ.
وَعَنْ أُمِّ بَكْرٍ قَالَتْ: وُلِدَ الْمِسْوَرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ
الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ، وَبِهَا تُوُفِّيَ لِهِلَالِ رَبِيعِ
الآخَرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ الْهَيْثَمُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعِينَ، وَهُوَ غَلَطٌ
مِنْهُ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِنْ
حَجَرِ الْمَنْجَنِيقِ، فَوَهِمَ أَيْضًا، اشْتُبِهَ عَلَيْهِ
بِالْحِصَارِ الأَخِيرِ. وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: يَحْيَى بن بكير،
وأبو عبيد، والفلاس، وغيرهم.
102- المسيب بن نجبة -ت- بْنِ رَبِيعَةَ الْفَزَارِيُّ3 صَاحِبُ
عَلِيٍّ. سَمِعَ: عَلِيًّا، وابنه الحسن، وحذيفة.
__________
1 خبر ضعيف: فيه الواقدي.
2 انظر السابق.
3 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 216"، والإصابة "3/ 495".
(5/151)
وروى عَنْهُ: عُتْبَةُ بْنُ أَبِي
عُتْبَةَ، وَسَوَّارُ أَبُو إِدْرِيسَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيُّ.
وَقَدِمَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مِنَ الْعِرَاقِ، وَشَهِدَ
حِصَارَ دِمَشْقَ، وَكَانَ أَحَدُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْكِبَارِ فِي
جَيْشِ التَّوَّابِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا يَطْلُبُونَ بِدَمِ
الْحُسَيْنِ، وَقُتِلَ بِالْجِزِيرَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ
كَمَا ذَكَرْنَا بَعْدَمَا قَاتَلَ قِتَالا شَدِيدًا.
103- مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ1،
أَحَدُ الْكِبَارِ الَّذِينَ كانوا مع ابن الزبير، وقتل معه فِي
الْحِصَارِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ.
كَانَ مُصْعَبٌ هَذَا قَدْ وُلِّيَ قَضَاءَ الْمَدِينَةَ،
وَشُرْطَتَهَا فِي إِمْرَةِ مَرْوَانَ عَلَيْهَا، ثُمَّ لَحِقَ
بِابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ بَطَلا شُجَاعًا، لَهُ مَوَاقِفُ
مَشْهُورَةٌ، قَتَلَ عِدَّةً مِنَ الشَّامِيِّينَ، ثُمَّ
تُوُفِّيَ، فَلَمَّا مَاتَ هُوَ وَالْمِسْوَرُ دَعَا ابْنُ
الزُّبَيْرِ إِلَى نَفْسِهِ.
104- مُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ أَبُو حَلِيمَةَ الأَنْصَارِيُّ2
الْمَدَنِيُّ الْقَارِئُ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُ سِيرِينَ، وَنَافِعٌ
مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ.
قَالَتْ عَمْرَةُ: مَا كَانَ يُوقِظُنَا مِنَ اللَّيْلِ إِلا
قِرَاءَةُ مُعَاذٍ الْقَارِئِ.
قُتِلَ مُعَاذٌ يَوْمَ الْحَرَّةِ.
105- مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ3 -ع- جَدُّ بَهْزِ
بْنِ حَكِيمٍ، لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، نزل بالبصرة ثُمَّ غَزَا
خُرَاسَانَ وَمَاتَ بِهَا.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ حَكِيمٌ، وَحُمَيْدٌ الْمُرِّيُّ رَجْلٌ
مَجْهُولٌ.
حَدِيثُهُ فِي السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ، أَعْنِي مُعَاوِيَةَ.
106- مُعَاوِيَةُ بْنُ يزيد4 بْن مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ
الأُمَوِيُّ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ: أَبُو يَزِيدَ،
وَيُقَالُ: أَبُو لَيْلَى، استُخْلِفَ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيهِ
عِنْدَ مَوْتِهِ فِي رَبِيعِ الأَوَّلِ، وَكَانَ شَابًّا صَالِحًا
لَمْ تَطُلْ خِلافَتُهُ، وَأُمُّهُ هِيَ أُمُّ هَاشِمٍ بِنْتُ
أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ
ثلاث وأربعين.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 157"، تاريخ الطبري "5/ 345، 497".
2 انظر: أسد الغابة "4/ 378"، وتهذيب الكمال "3/ 1339".
3 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 35"، وأسد الغابة "4/ 385"، والإصابة
"3/ 432".
4 انظر: البداية "8/ 256"، تاريخ الخلفاء "ص/ 334"، صحيح التوثيق
"5/ 106".
(5/152)
قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْخُطَبِيُّ: رَأَيْتُ
صِفَتَهُ فِي كِتَابٍ أَنَّهُ كَانَ أَبْيَضَ شَدِيدًا، كَثِيرَ
الشَّعْرِ، كَبِيرَ الْعَيْنَيْنِ، أَقْنَى الأَنْفِ، جَمِيلَ
الْوَجْهِ، مُدَوَّرَ الرَّأْسِ.
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: وَلِيَ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ
ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ، وَلَمْ يَزَلْ
مَرِيضًا، وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَزِيدَ
اسْتَخْلَفَهُ أَبُوهُ، فَوَلِيَ شَهْرَيْنِ، فَلَمَّا احْتُضِرَ
قِيلَ: لَوِ استَخْلفْتَ، فَقَالَ: كَفَلْتُهَا حَيَاتِي،
فَأَتَضَمَّنُهَا بَعْدَ مَوْتِي. وَأَبَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ1.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَأَبُو حَفْصٍ الْفَلاسِ: مَلَكَ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيُّ.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ، وَغَيْرُهُ: عَاشَ عِشْرِينَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ.
107- مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ2 لَهُ صُحْبَةٌ
وَرِوَايَةٌ، وَكَانَ حَامِلَ لِوَاءِ قَوْمِهِ يَوْمَ فَتْحِ
مَكَّةَ، وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ بَرْوَعَ.
رَوَى عَنْهُ: عَلْقَمَةُ، وَمَسْرُوقٌ، وَالأَسْوَدُ، وَسَالِمُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
وَكَانَ يَكُونُ بِالْكُوفَةِ، فَوَفَدَ عَلَى يَزِيدَ، فَرَأَى
مِنْهُ قَبَائِحَ، فَسَارَ إِلَى المدينة وخلع يزيد، وكان من رؤوس
أَهْلِ الْحَرَّةِ.
قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ: كُنْيَتَهُ أَبُو سِنَانٍ،
وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ،
وَيُقَالُ: أَبُو يَزِيدَ، مِنْ غَطْفَانَ، قُتِلَ صَبْرًا يَوْمَ
الْحَرَّةِ، فَقَالَ الشَّاعِرُ:
أَلا تِلْكُمُ الأَنْصَارُ تَبْكِي سَرَاتَهَا ... وَأَشْجَعُ
تَبْكِي مَعْقِلَ بْنَ سِنَانٍ
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عُثْمَانَ بْنِ زِيَادٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: كَانَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ قد صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَمَلَ لِوَاءَ قَوْمِهِ
يَوْمَ الْفَتْحِ، وَكَانَ شَابًّا طَرِيًّا، وَبَقِيَ بَعْدَ
ذَلِكَ، فَبَعَثَهُ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ
بِبَيْعَةِ يَزِيدَ، فَقَدِمَ الشَّامَ فِي وَفْدٍ مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ، فَاجْتَمَعَ مَعْقِلُ وَمُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ
فَقَالَ، وَكَانَ قَدْ آنَسَهُ وَحَادَثَهُ: إِنِّي خَرَجْتُ
كُرْهًا بِبَيْعَةِ هَذَا، وَقَدْ كَانَ مِنَ الْقَضَاءِ
وَالْقَدَرِ خُرُوجِي إِلَيْهِ
__________
1 سبق تخريجه.
2 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 282"، وأسد الغابة "4/ 397"، والإصابة
"3/ 446".
(5/153)
رَجُلٌ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَنْكِحُ
الْحُرُمَ، ثُمَّ نَالَ مِنْهُ وَاسْتَكْتَمَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ:
أَمَّا أَنْ أَذْكُرَ ذَلِكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمِي
هَذَا فَلا وَاللَّهِ، وَلَكِنْ لِلَّهِ عَلَيَّ عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ
إِنْ مُكِّنْتُ مِنْكَ لأَضْرِبَنَّ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ،
فَلَمَّا قَدِمَ مُسْلِمٌ الْمَدِينَةَ وَأَوْقَعَ بِهِمْ، كَانَ
مَعْقِلٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَأُتِيَ بِهِ
مَأْسُورًا، فَقَالَ: يَا مَعْقِلُ أَعَطِشْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قَالَ: أحْضِرُوا لَهُ شَرْبَةً بِبَلَّوَرٍ، فَفَعَلُوا،
فَشَرِبَ، وَقَالَ: أَرُويِّتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَّا
وَاللَّهِ لا تَتَهَنَّأُ بِهَا، يَا مُفَرِّجُ قُمْ فَاضْرِبْ
عُنُقَهُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ1.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَوَانَةَ، وَأَبِي زَكَرِيَّا
الْعَجْلانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ: إِنَّ مُسْلِمًا
لَمَّا دَعَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَيْعَةِ، يَعْنِي
بَعْدَ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ، قَالَ: لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ
مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ، وَكَانَ لَهُ مُصَافِيًا، فَخَرَجَ ناس من
أشجع، فأصابه فِي قَصْرِ الْعَرَصَةِ، وَيُقَالُ: فِي جَبَلِ
أُحُدٍ، فَقَالُوا لَهُ: الأَمِيرُ يُسْأَلُ عَنْكَ فَارْجِعْ
إِلَيْهِ، قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنْكُمْ، إِنَّهُ قَاتِلِي،
قَالُوا: كَلا، فَأَقْبَلَ مَعَهُمْ، فَقَالَ لَهُ: مَرْحبًا
بِأَبِي مُحَمَّدٍ، أَظُنُّكَ ظَمْآنَ، وَأَظُنُّ هَؤُلاءِ
أَتْعَبُوكَ، قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: شَوِّبُوا لَهُ عَسَلا
بِثَلْجٍ، فَفَعَلُوا وَسَقَوْهُ، فَقَالَ: سَقَاكَ اللَّهُ
أَيُّهَا الأَمِيرُ مِنْ شَرَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ: لا
جَرَمَ وَاللَّهِ لا تَشْرَبُ بَعْدَهَا حَتَّى تَشْرَبَ مِنْ
حَمِيمِ جَهَنَّمَ، قَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ، قَالَ:
أَلَسْتَ قُلْتَ لِي بِطَبَرِيَّةَ وَأَنْتَ مُنْصَرِفٌ مِنْ
عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ أَحْسَنَ جَائِزَتَكَ:
سِرْنَا شَهْرًا وَخَسِرْنَا ظَهْرًا، نَرْجِعُ إِلَى الْمَدِينَةِ
فَنَخْلَعُ الْفَاسِقَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، عَاهَدْتُ اللَّهَ
تِلْكَ اللَّيْلَةَ لا أَلْقَاكَ فِي حَرْبٍ أَقْدِرُ عَلَيْكَ
إِلا قَتَلْتُكَ، وَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ2.
108- مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ -ع- المزني البصري3، مِمَّنْ بَايَعَ
تَحْتَ الشَّجَرَةِ.
رَوَى عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مقرن.
روى عنه: عمران بْنُ حُصَيْنٍ مَعَ تَقَدُّمِهِ، وَأَبُو
الْمَلِيحِ بْنُ أُسَامَةَ الْهُذَلِيُّ، وَالْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّانِ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لا نَعْلَمُ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ يكنى أبا
علي سواه.
__________
1 خبر ضعيف: فيه الواقدي.
2 خبر ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 283".
3 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 14"، والاستيعاب "3/ 409"، والإصابة
"3/ 447".
(5/154)
109- مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ1 بْنِ الأَخْنَسِ
بْنِ حَبِيبٍ السُّلَمِيُّ، لَهُ وَلِأَبِيهِ وَجَدِّهِ الأَخْنَسِ
صُحْبَةٌ.
وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَدِيثًا أَوْ حَدِيثَيْنِ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ حِطَّانُ بْنُ خُفَافٍ
الْجَرْمِيُّ، وَسُهَيْلُ بْنُ ذَرَّاعٍ، وَغَيْرُهُمَا.
وَكَانَ مِنْ فُرْسَانِ قَيْسٍ، شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْقَ، وَلَهُ
بِهَا دَارٌ، وَشَهِدَ صِفَّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ، عَنْ مَعْنِ
بْنِ يَزِيدَ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَأَبِي، وَجَدِّي، فَأَنْكَحَنِي،
وَخَطَبَ عَلَيَّ.
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ: إِنَّ مَعْنَ
بْنَ يَزِيدَ بْنِ الأَخْنَسِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، كَانَ هُوَ
وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ تَمَامُ عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْرٍ، وَلا
أَعْلَمُ رَجُلا وَابْنَهُ وَابْنَ ابْنِهِ شَهِدُوا بَدْرًا
مُسْلِمِينَ غَيْرَهُمْ.
قُلْتُ: لا نَعْلَمُ لِيَزِيدَ مُتَابِعٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَضَّلُ الْغِلابِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لَهُمْ
صُحْبَةٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ الْجُمَحِيُّ: سَمِعْتُ بَكَّارَ
بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا
وَلَدَتْ قُرَشَيَّةٌ لِقُرَشِيٍّ خيرًا لها في دينها مِنْ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا وَلَدَتْ
قُرَشَيَّةٌ لِقُرَشِيٍّ خَيْرًا لَهَا فِي دُنْيَاهَا مني، فقال
معن بن يزيد: ما وَلَدَتْ قُرَشِيَّةٌ لِقُرَشِيٍّ شَرًّا لَهَا
فِي دُنْيَاهَا مِنْكَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ
عَوَّدْتَهُمْ عَادَةً كَأَنِّي بِهِمْ قَدْ طَلَبُوهَا مِنْ
غَيْرِكَ، فَكَأَنِّي بِهِمْ صَرْعَى فِي الطَّرِيقِ، قَالَ:
وَيْحَكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُكَاتِمُهَا نَفْسِي مُنْذُ كَذَا
وَكَذَا2.
قَالَ ابْنُ سُمَيْعٍ وَغَيْرُهُ: قُتِلَ مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ
الأَخْنَسِ، وَأَبُوهُ بِرَاهِطٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَقِيَ مَعْنٌ
يَسِيرًا بَعْدَ رَاهِطٍ.
110- الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي شِهَابٍ الْمَخْزُومِيُّ3 قَالَ
يَحْيَى الذِّمَارِيُّ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ، وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ عَلَى الْمُغِيرَةَ بْنِ أَبِي شِهَابٍ، وَقَرَأَ
الْمُغِيرَةُ عَلَى عُثْمَانَ بن عفان.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 36"، وأسد الغابة "4/ 401"، وتهذيب
الكمال "1358".
2 خبر ضعيف: وأخرجه الطبراني "19/ 440" برقم "1068"، وانظر المجمع
"9/ 355".
3 انظر: معرفة القراء "1/ 48، 49".
(5/155)
111- الْمُنْذِرُ بْنُ الْجَارُودِ
الْعَبْدِيُّ1 لِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، وَكَانَ سَيِّدًا جَوَّادًا
شَرِيفًا وَلِيَ إِصْطَخْرَ لِعَلِيٍّ، ثُمَّ وَلِيَ ثَغْرَ
الْهِنْدِ مِنْ قِبَلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَمَاتَ
هُنَاكَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَلَهُ سِتُّونَ سَنَةٌ.
وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الطَّبَقَةِ الآتية.
112- المنذر بْنُ الزُّبَيْرِ2 بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ
بْنِ أَسَدٍ، أَبُو عُثْمَانَ الأَسَدِيُّ، ابْنُ حَوَارِيِّ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمُّهُ
أَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ.
وُلِدَ فِي آخِرِ خِلافَةِ عُمَرَ، وَغَزَا القُسْطَنْطِينِيَّةَ
مَعَ يَزِيدَ، وَلَمَّا اسْتُخْلِفَ يَزِيدُ وَفَدَ عَلَيْهِ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: فَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ
عُثْمَانَ أَنَّ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ غَاضَبَ أَخَاهُ
عَبْدَ اللَّهِ، فَسَارَ إِلَى الْكُوفَةِ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى
مُعَاوِيَةَ، فَأَجَازَهُ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَقْطَعَهُ،
فَمَاتَ مُعَاوِيَةُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُنْذِرُ
الْجَائِزَةَ، وَأَوْصَى مُعَاوِيَةُ أَنْ يَدْخُلَ الْمُنْذِرُ
فِي قَبْرِه3.
وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ
أَخِيهَا الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا قَدِمَ أَخُوهَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنَ الشَّامِ قَالَ: وَمِثْلِي يُصْنَعُ بِهِ
هَذَا وَيُفْتَاتُ عَلَيْهِ! فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ،
فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ: مَا كُنْتُ لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِيه، فَقَرَّتْ
حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاقًا4.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ،
وَإِبْرَاهِيمُ، وَقَرِيبَةُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: لَمَّا وَرَدَ عَلَى يَزِيدَ
خِلافُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، كَتَبَ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ أَنْ
يَسْتَوْثِقَ مِنَ الْمُنْذِرِ وَيَبْعَثَ بِهِ، فَأَخْبَرَهُ
بِالْكِتَابِ، وَقَالَ: اذْهَبْ وَأَنَا أَكْتُمُ الْكِتَابَ
ثَلاثًا، فَخَرَجَ الْمُنْذِرُ، فَأَصْبَحَ اللَّيْلَةَ
الثَّامِنَةَ بِمَكَّةَ صَبَاحًا، فارتجز حاديه:
__________
1 انظر: وفيات الأعيان "6/ 349"، والإصابة "3/ 480".
2 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 182"، تاريخ الطبري "5/ 269، 344".
3 إسناده منقطع: وهو من أنواع الضعيف.
4 خبر صحيح: أخرجه مالك "1171" في الموطأ.
(5/156)
قَاسَيْنَ قَبْلَ الصُّبْحِ لَيْلا
مُنْكَرَا ... حَتَّى إِذَا الصُّبْحُ انْجَلَى وَأَسْفَرَا
أَصْبَحْنَ صَرْعَى بِالْكَثِيبِ حُسَّرَا ... لَوْ يَتَكَلَّمْنَ
شَكَوْنَ الْمُنْذِرَا
فَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ صَوْتَ الْمُنْذِرِ
عَلَى الصَّفَا، فَقَالَ: هَذَا أَبُو عُثْمَانَ حَاشَتْهُ
الْحَرْبُ إِلَيْكُمْ1.
فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالَ: كَانَ الْمُنْذِرُ
بْنُ الزبير، وعثمان تبن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ
يُقَاتِلانِ أَهْلَ الشَّامِ بِالنَّهَارِ، وَيُطْعِمَانهمْ
بِاللَّيْلِ.
وَقُتِلَ الْمُنْذِرُ فِي نَوْبَةِ الْحُصَيْنِ، وَلَهُ
أَرْبَعُونَ سَنَةً.
"حرف النُّونِ":
113- النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ2:
الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ أَبُو لَيْلَى، لَهُ صُحْبَةٌ
وَوِفَادَةٌ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: عَاشَ النَّابِغَةُ مِائَةَ
وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَمَاتَ بِأَصْبَهَانَ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّابِغَةَ قَالَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ:
المرء يهوى أن يعيـ ... ش وطول عمر قد يضره
وتتابع الأيام حـ ... تى ما يرى شيئًا يسره
تفنى بشاشته ويب ... قى بعد حلو العيش مره
ثم دخل بيته فلم يخرج حتى مات3.
وَقَالَ يَعْلَى بْنُ الأَشْدَقِ، وَلَيْسَ بِثِقَةٍ: سَمِعْتُ
النَّابِغَةَ يَقُولُ: أَنْشَدْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بَلَغَنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَجُدُودُنَا ... وَإِنَّا
لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
فَقَالَ: "أَيْنَ الْمَظْهَرُ يَا أَبَا لَيْلَى"؟ قُلْتُ:
الْجَنَّةُ، قَالَ: "أَجَلْ إِنْ شاء الله"، ثم قلت:
__________
1 خبر ضعيف: نسب قريش "245" للزبيري.
2 انظر: الاستيعاب "3/ 581"، أسد الغابة "5/ 2-4".
3 الأمالي للقالي "2/ 8".
(5/157)
وَلا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ
لَهُ ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا
وَلا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إِذَا
مَا أَوْرَدَ الأَمْرَ أَصْدَرَا
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا
يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ"1، مَرَّتَيْنِ.
قُلْتُ: كَانَ النَّابِغَةُ يَتَنَقَّلُ فِي الْبِلادِ وَيَمْدَحُ
الْكِبَارَ؛ وَعُمِّرَ دَهْرًا وَمَاتَ فِي أَيَّامِ عَبْدِ
الْمَلِكِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ: اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَدَسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَعْدَةَ.
رُوِيَ عَنْ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ
نابغة بني جَعْدَةَ لَمَّا أَقْحَمَتِ السَّنَةُ أَتَى ابْنَ
الزُّبَيْرِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ، فَأَنْشَدَهُ فِي
الْمَسْجِدِ:
حَكَيْتَ لَنَا الصِّدِّيقَ لَمَّا وَلِيتَنَا ... وَعُثْمَانَ
وَالْفَارُوقَ فَارْتَاحَ مُعْدَمُ
وَسَوَّيْتَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْحَقِّ فَاسْتَوَوْا ...
فَعَادَ صَبَاحًا حَالِكُ اللَّيْلِ مُظْلِمُ
فِي أَبْيَاتٍ، فَأَمَرَ لَهُ بِسَبْعِ قَلائِصَ وَرَاحِلَةِ
تَمْرٍ وَبُرٍّ، وَقَالَ لَهُ: لَكَ فِي مَالِ اللَّهِ حَقَّانِ،
حَقٌّ لِرُؤْيَتِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَحَقٌّ لِشَرِكَتِكَ أَهْلَ الإِسْلامِ2، وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ.
114- نجدة بن عامر الحنفي الحروري، من رؤوس الْخَوَارِجِ، مَالَ
عَلَيْهِ أَصْحَابُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَتَلُوهُ بِالْجِمَارِ.
وَقِيلَ: اخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَتَلُوهُ فِي سنة تسع
وستين.
115- النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرِ3 بْنِ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ،
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالَ: أَبُو مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ
الْخَزْرَجِيُّ، ابْنُ أُخْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ.
شَهِدَ أَبُوهُ بَدْرًا. وَوُلِدَ النُّعْمَانُ سنة اثْنَتَيْنِ
مِنَ الْهِجْرَةِ، وَحَفِظَ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم-
أحاديث.
روى عَنْهُ: ابْنُهُ مُحَمَّدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَحُمَيْدُ بْنُ
عَبْدِ الرحمن بن عوف، وأبو سلام
__________
1 حديث ضعيف: أخرجه أبو نعيم "1/ 74" في تاريخ أصفهان، والبيهقي
"5/ 251" في الدلائل.
2 خبر ضعيف: فيه انقطاع. وأخرجه ابن عبد البر "3/ 588" في
الاستيعاب.
3 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 322"، وأسد الغابة "5/ 32"، والاستيعاب
"3/ 550".
(5/158)
الأَسْوَدِ، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ،
وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَمَوْلاهِ حَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ، وَسَالِمُ
بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، وَأَبُو قِلابَةَ الْجَرْمِيُّ،
وَغَيْرُهُمْ.
وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى مُعَاوِيَةَ فَوَلاهُ الْكُوفَةَ
مُدَّةً، وَوَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْقَ بَعْد فَضَالَةَ بْنِ
عُبَيْدٍ، وَوَلِيَ إِمْرَةَ حِمْصَ مُدَّةً.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وُلِدَ عَامَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ
مَوْلُودٍ وُلِدَ لِلأَنْصَارِ.
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ أَعْشَى هَمْدَانَ وَفَدَ عَلَى النُّعْمَانِ
وَهُوَ أَمِيرُ حِمْصَ فَقَالَ لَهُ: مَا أقَدَمَكَ؟ قَالَ: جِئْتُ
لِتَصِلَنِي، وَتَحْفَظُ قَرَابَتِي، وَتَقْضِيَ دَيْنِي،
فَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ: هَهْ،
كَأنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا، فَقَامَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ:
يَا أَهْلَ حِمْصَ؟ وَهُمْ فِي الدِّيُوانِ عِشْرُونَ أَلْفًا
هَذَا ابْنُ عَمِّكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، وَالشَّرَفِ قَدِمَ
عَلَيْكُمْ يَسْتَرْفِدُكُمْ، فَمَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: أَصْلَحَ
اللَّهُ الأَمْيِرَ احْتَكَمَ لَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، قَالُوا:
فَإِنَّا قَدْ حَكَمْنَا لَهُ عَلَى أَنْفُسِنَا مِنْ كُلِّ رَجُلٍ
فِي الْعَطَاءِ بِدِينَارَيْنِ دِينَارَيْنِ، فَعَجَّلَهَا لَهُ
مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَبَضَهَا1.
حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ:
كَانَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَاللَّهِ مِنْ أَخْطَبَ مَنْ
سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا يَتَكَلَّمُ.
وَرُوِيَ أَنَّ النُّعْمَانَ لَمَّا دَعَا أَهْلَ حِمْصَ إِلَى
ابْنِ الزُّبَيْرِ احْتَزُّوا رَأْسَهُ2.
وَقِيلَ: قُتِلَ بِقَرْيَةِ بِيرِينَ، قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ
خَلِيٍّ بَعْدَ وَقْعَةِ مَرْجِ رَاهِطٍ فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ
وَسِتِّينَ.
116- نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيُّ3 -خ م ن- لَهُ
صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ وشهد الفتح، وغزا مَعَ الصِّدِّيقِ سَنَةَ
تِسْعٍ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُطِيعٍ، وَعِرَاكُ بْنُ
مَالِكٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ هِشَامٍ، وَنَزَلَ الْمَدِينَةَ فِي بَنِي الدِّيلِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: شَهِدَ بَدْرًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ
وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَكَانَ لَهُ ذِكْرٌ وَنِكَايَةٌ، قَالَ:
وَتُوُفِّيَ فِي خلافة معاوية.
__________
1 السير "3/ 412".
2 السير "3/ 412".
3 انظر: الاستيعاب "3/ 538"، وأسد الغابة "5/ 47"، والإصابة "3/
578".
(5/159)
وَقَالَ غَيْرُهُ: تُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ
يَزِيدَ.
وَقِيلَ: عَاشَ سِتِّينَ سَنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَسِتِّينَ
فِي الإِسْلامِ.
وَكَانَ سَلْمَى بْنُ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيِّ
جَوَّادًا مُمَدَّحًا، وَفِيهِ يَقُولُ الْجَعْفَرِيُّ:
يَسُودُ أَقْوَامٌ وَلَيْسُوا بِسَادَةٍ ... بَلِ السَّيِّدُ
الْمَحْمُودُ سَلْمَى بن نوفل
"حرف الهاء":
117- هبيرة بن بريم -ع- أَبُو الْحَارِثِ الشِّبَامِيُّ1
وَيُقَالُ: الْخَارِفِيُّ الْكُوفِيُّ.
روى عَنْ: عَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وأبو فاختة.
وقال الإمام أحمد: لا بَأْسَ بِحَدِيثِهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ.
وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: ضَعِيفٌ.
118- هَمَّامُ بْنُ قَبِيصَةَ بْنِ مَسْعُودِ2 بْنِ عُمَيْرٍ
النُّمَيْرِيُّ، أَحَدُ الأَشْرَافِ. كَانَ مِنْ أَبْطَالِ
مُعَاوِيَةَ، كَانَ عَلَى قَيْسِ دِمَشْقَ يَوْمَ صِفِّينَ،
وَكَانَ لَهُ بِدِمَشْقَ دَارٌ صَارَتْ لابْنِ جَوْصَا
الْمُحَدِّثِ، عِنْدَ حَمَّامِ الْجُبْنِ.
قُتِلَ يَوْمَ مَرْجِ رَاهِطٍ. وَلَهُ شِعْرٌ.
119- هِنْدُ بْنُ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيُّ3،
سِبْطُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، خديجة -رضي الله عنها- قُتِلَ مَعَ
مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ.
وَقِيلَ: مَاتَ فِي الطَّاعُونِ بِالْبَصْرَةِ.
"حرف الواو":
120- الوليد بْن عُتْبَة4 بْن أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ
الأُمَوِيُّ، وَلاه عَمُّهُ معاوية
__________
1 انظر: الطبقات "6/ 170"، الجرح والتعديل "9/ 109".
2 انظر: تاريخ الطبري "5/ 307"، وجمهرة أنساب العرب "279".
3 انظر: أسد الغابة "5/ 73"، والإصابة "3/ 612".
4 انظر: الجرح والتعديل "9/ 12"، والسير "3/ 534".
(5/160)
الْمَدِينَةَ، وَكَانَ جَوَّادًا حَلِيمًا
فِيهِ دِينٌ وَخَيْرٌ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يُوَلِّي عَلَى
الْمَدِينَةِ مَرَّةً مَرْوَانَ وَمَرَّةً الْوَلِيدَ بْنَ
عُتْبَةَ، وَكَذَا وَلاهُ يَزِيدُ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ،
وَأَقَامَ الْمَوْسِمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، آخِرُهَا سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: كَانَ الْوَلِيدُ رَجُلَ بَنِي
عُتْبَةَ، وَكَانَ حَلِيمًا كَرِيمًا، تُوُفِّيَ مُعَاوِيَةُ
فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولُ يَزِيدَ، فَأَخَذَ الْبَيْعَةَ عَلَى
الْحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا سِرًّا،
فَقَالا: نُصْبِحُ وَيَجْتَمِعُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ:
إِنْ خرجنا مِنْ عِنْدَكَ لَمْ نَرَهُمَا، فَنَافَرَهُ ابْنُ
الزُّبَيْرِ، وَتَغَالَظَا حَتَّى تَوَاثَبَا، وَقَامَ الْوَلِيدُ
يُحَجِّزُ بَيْنَهُمَا، فَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِيَدِ
الْحُسَيْنِ وَقَالَ: امْضِ بِنَا، وَخَرَجَا، وَتَمَثَّلَ ابْنُ
الزُّبَيْرِ:
لا تَحْسبَنِّي يَا مُسَافِرُ شَحْمَةً ... تَعَجَّلَهَا مِنْ
جَانِبِ الْقِدْرِ جَائِعُ
فَأَقْبَلَ مَرْوَانُ عَلَى الْوَلِيدِ يَلُومُهُ فَقَالَ: إِنِّي
أَعْلَمُ مَا تُرِيدُ، مَا كُنْتُ لأَسْفِكُ دِمَاءَهُمَا، وَلا
أَقْطَعُ أَرْحَامَهُمَا.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ بِشْرٍ،
عَنْ أَبِيهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَجَادٍ، وَغَيْرِهِمَا
قَالُوا: لَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ
أَرَادُوا الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ عَلَى الْخِلافَةِ، فَأَبَى
وَهَلَكَ تلك لليالي.
وَقَالَ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ: أَرَادَ أَهْلُ الشَّامِ
الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ عَلَى الْخِلافَةِ، فَطُعِنَ فَمَاتَ
بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ، وَلَمْ يَصِحَّ إِنَّهُ قَدِمَ للصة عَلَى
مُعَاوِيَةَ فَأَصَابَهُ الطَّاعُونُ فِي صَلاتِهِ، عَلَيْهِ،
فَلَمْ يُرْفَعْ إلا وَهُوَ مَيِّتٌ1.
"حرف الْيَاءِ":
121- يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ2 بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مُفَرِّغٍ الحميري
البصري الشاعر. كان أحد الشعراء الإسلاميين، وَكَانَ كَثِيرَ
الْهَجْوِ وَالشَّرِّ لِلنَّاسِ.
فَذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ
أَرَادَ قَتْلَ ابْنِ مُفَرِّغٍ لِكَوْنِهِ هَجَا أَبَاهُ زِيَادًا
ونِفَارُهُ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ، فَمَنَعَهُ مُعَاوِيَةُ مِنْ
قَتْلِهِ، وَقَالَ: أَدِّبْهُ: فَسَقَاهُ مُسْهِلا، وَأَرْكَبَهُ
عَلَى حِمَارٍ، وَطَوَّفَ بِهِ وَهُوَ يَسْلَحُ فِي الأَسْوَاقِ
عَلَى الحمار، فقال:
__________
1 السير "3/ 534".
2 انظر: السير "3/ 522، 523"، العقد الفريد "4/ 404"، "6/ 133".
(5/161)
يَغْسِلُ الْمَاءُ مَا صَنَعْتَ وَشِعْرِي
... رَاسِخٌ مِنْكَ فِي الْعِظَامِ الْبَوَالِي
وَقَالَ يُخَاطِبُ مُعَاوِيَةَ:
أَتَغْضَبُ أَنْ يُقَالَ: أَبُوكَ حُرٌّ ... وَتَرْضَى أَنْ
يُقَالَ: أَبُوكَ زَانِي
فَأَشْهَدُ أَنَّ رَحِمَكَ مِنْ زِيَادٍ ... كَرَحِمِ الْفِيلِ
مِنْ وَلَدِ الأَتَانِ1
مَاتَ ابْنُ مُفَرِّغٍ فِي طَاعُونِ الْجَارِفِ أَيَّامِ مُصْعَبٍ.
122- يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ2 بْنِ أَبِي سُفْيَان بْنِ حَرْبِ
بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أَبُو
خَالِدٍ الأُمَوِيُّ، وَأُمُّهُ مَيْسُونَ بِنْتُ بَحْدَلٍ
الْكَلْبِيَّةُ.
وَرَوَى عَنْ: أَبِيهِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ خَالِدٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
مَرْوَانَ.
بُويِعَ بِعَهْدِ أَبِيهِ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ
وَعِشْرِينَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ: كَانَ يَزِيدُ كَثِيرَ اللَّحْمِ،
ضَخْمًا، كَثِيرَ الشِّعْرِ.
وَقَالَ أَبُو مُسْهَرٍ: حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ الْكَلْبِيُّ قَالَ:
تَزَوَّجَ مُعَاوِيَةُ مَيْسَونَ بِنْتَ بَحْدَلٍ، وَطَلَّقَهَا
وَهِيَ حَامِلٌ بِيَزِيدَ، فَرَأَتْ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ قَمَرًا
خَرَجَ مِنْ قِبَلِهَا، فَقَصَّتْ رُؤْيَاهَا عَلَى أُمِّهَا،
فَقَالَتْ: لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ لَتَلِدِيَنَّ مَنْ
يُبَايَعُ لَهُ بِالْخِلافَةِ3.
وَفِي سَنَةِ خَمْسِينَ غَزَا يَزِيدُ أَرْضَ الرُّومِ وَمَعَهُ
أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: حَجَّ بِالنَّاسِ يَزِيدُ
سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَسَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَسَنَةَ
ثَلاثٍ.
وَقَالَ أَزْهَرُ السَّمَّانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ،
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عُقْبَةَ السَّدُوسِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَصَبْتُمُ اسْمَهُ،
عُمَرُ الْفَارُوقُ قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ أَصَبْتُمُ اسْمَهُ، ابْنُ
عَفَّانَ ذُو النُّورَيْنِ قُتِلَ مَظْلُومًا يُؤْتَى كِفْلَيْنِ
مِنَ الرَّحْمَةِ، مُعَاوِيَةُ وَابْنُهُ مَلَكَا الأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ، وَالسَّفَّاحُ، وَسَلامٌ، وَمَنْصُورٌ، وَجَابِرٌ
وَالْمَهْدِيُّ، وَالأَمِينُ، وَأَمِيرُ الْعُصَبِ، كُلُّهُمْ مِنْ
بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، كُلُّهُمْ صَالِحٌ، لا يُوجَدُ
مِثْلُهُ4.
__________
1 انظر: الأغاني "18/ 265، 271"، وفيات الأعيان "6/ 350".
2 انظر: وفيات الأعيان "6/ 347-349"، والأغاني "7/ 120".
3 خبر حسن.
4 إسناده ضعيف. في متنه نكارة، فإن ابن العاص لم يشهد الدولة
العباسية.
(5/162)
رَوَى نَحْوَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ
بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
سِيرِينَ.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرَ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ. وَقَالَ يَعْلَى
بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو حِينَ بَعَثَهُ يَزِيدُ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ،
فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لابْنِ الزُّبَيْرِ: تَعْلَمُ: إِنِّي أَجِدُ
فِي الْكِتَابِ أَنَّكَ سَتُعَنَّى وتُعَنَّى وَتَدَّعِي
الْخِلافَةَ وَلَسْتَ بِخَلِيفَةَ، وَإِنِّي أَجِدُ الْخَلِيفَةَ
يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ.
وَرَوَى زَحْرُ بْنُ حِصْنٍ، عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ
قَالَ: زُرْتُ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الحسن، فَخَلَوْتُ بِهِ
فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا تَرَى مَا النَّاسُ فِيهِ؟
فَقَالَ لِي: أَفْسَدَ أَمْرَ النَّاسِ اثْنَانِ: عَمْرُو بْنُ
الْعَاصِ يَوْمَ أَشَارَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بِرَفْعِ الْمَصَاحِفِ،
فَحُمِلَتْ، وَقَالَ: أَيْنَ الْقُرَّاءُ، فَحَكَمَ الْخَوَارِجُ،
فَلا يَزَالُ هَذَا التَّحْكِيمُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَإِنَّهُ كَانَ عَامِلَ مُعَاوِيَةَ
عَلَى الْكُوفَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: إِذَا قَرَأْتَ
كِتَابِي هَذَا فَأَقْبِلْ مَعْزُولا، فَأَبْطَأَ عَنْهُ، فلما
وَرَدَ عَلَيْهِ قَالَ: مَا أَبْطَأَ بِكَ؟ قَالَ: أَمْرٌ كُنْتُ
أُوَطِّئُهُ وَأُهَيِّئُهُ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْبَيْعَةُ
لِيَزِيدَ من بعدك، قال: أوفعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى
عَمَلِكَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: مَا وَرَاءَكَ؟
قَالَ: وَضَعْتُ رِجْلَ مُعَاوِيَةَ فِي غَرْزِ غَيٍّ لا يَزَالُ
فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ الْحَسَنُ: فَمِنْ أَجْلِ
ذَلِكَ بَايَعَ هَؤُلاءِ لِأَبْنَائِهِمْ، وَلَوْلا ذَلِكَ
لَكَانَتْ شُورَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَرَوَى هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ
وَفَدَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ: أُذَكِّرُكَ اللَّهَ فِي
أُمَّةِ مُحَمَّدٍ بِمَنْ تَسْتَخْلِفُ عَلَيْهَا، فَقَالَ:
نَصَحْتَ وَقُلْتُ بِرَأْيِكَ، وَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلا ابْنِي
وَأَبْنَاؤُهُمْ، وَابْنِي أَحَقُّ.
وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: خَطَبَ
مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ إِنَّمَا عَهِدْتُ
لِيَزِيدَ لَمَّا رأيت من فضله، فبلغه ما أملت وأعنه، وَإِنْ
كُنْتُ إِنَّمَا حَمَلَنِي حُبُّ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَأنَّهُ
لَيْسَ لِمَا صَنَعْتُ بِهِ أَهْلا، فَاقْبِضْهُ قَبْلَ أَنْ
يَبْلُغَ ذَلِكَ1.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ السَّعِيدِيُّ: أَنْبَأَ
مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخُزَاعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ
قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يعطي عبد الله بن
__________
1 خبر ضعيف: فيه ابن أبي مريم من الضعفاء.
(5/163)
جَعْفَرٍ كُلَّ عَامٍ أَلْفَ أَلْفٍ،
فَلَمَّا وَفَدَ عَلَى يَزِيدَ أَعْطَاهُ أَلْفَ أَلْفٍ، فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَأَمَرَ لَهُ بألفا ألف
أُخْرَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: وَاللَّهِ لا أَجْمَعُهُمَا
لِأَحَدٍ بَعْدَكَ.
مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، ثنا
عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، ثنا مُهَاجِرٌ أَبُو مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي
أَبُو الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو
الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ
بَنِي أُمَيَّةَ يُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ"1.
أَخْرَجَهُ الرُّويَانِيُّ فِي "مُسْنَدِه"، عَنْ بُنْدَارٍ،
وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عَوْفٍ، وَلَيْسَ فِيهِ أَبُو
مُسْلِمٍ.
وَفِي "مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى": ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، ثنا
الْوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "لا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي قَائِمًا بِالْقِسْطِ،
حَتَّى يَكُونَ أَوَّلُ مَنْ يَثْلَمُهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
أُمَيَّةَ يُقَالَ لَهُ: يَزِيدُ"2.
وَرَوَاهُ صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
الْغَازِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخَشْنِيِّ،
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ.
لَمْ يَلْقَ مَكْحُولٌ أَبَا ثَعْلَبَةَ، وَقَدْ أَدْرَكَهُ
وَصَدَّقَةُ السَّمِينُ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: أَخْبَرَنِي مُصْعَبُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الضَّحَّاكِ الْحِزَامِيُّ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ سَمِعَ
جُوَيْرِيَةَ تَلْعَبُ وَتُغَنِّي فِي يَزِيدَ بِقَوْلِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ:
لَسْتَ مِنَّا وَلَيْسَ خَالُكَ مِنَّا ... يَا مُضِيعَ الصَّلاةِ
لِلشَّهَوَاتِ
فَدَعَا بِهَا وَقَالَ: لا تَقُولِي: لَسْتَ مِنَّا قُولِي: أَنْتَ
مِنَّا.
وَقَالَ صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا
خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ بَنِيهِ
وَأَهْلَهُ، ثُمَّ تَشَهَّدَ وَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا
قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ
لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ،
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ أَلا يَكُونَ الإِشْرَاكُ
بِاللَّهِ أَنْ يُبَايِعَ رَجُلٌ رَجُلا على
__________
1 حديث ضعيف: فيه انقطاع.
2 حديث ضعيف: إسناده مرسل. وانظر المجمع "5/ 241".
(5/164)
بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ
يَنْكُثُ" 1 فَلا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَزِيدَ.
وَزَادَ فِيهِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ صَخْرٍ، عَنْ نَافِعٍ:
فَمَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية،
فأرادوا عَلَى خَلْعِ يَزِيدَ، فَأَبَى، وَقَالَ ابْنُ مُطِيعٍ:
إِنَّ يَزِيدَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَيَتْرُكُ الصَّلاةَ،
وَيَتَعَدَّى حُكْمَ الْكِتَابِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْهُ مَا
تَذْكُرُونَ، وَقَدْ أَقَمْتُ عِنْدَهُ، فَرَأَيْتُهُ مُوَاظِبًا
لِلصَّلاةِ، مُتَحَرِيًّا لِلْخَيْرِ، يَسْأَلُ عَنِ الْفِقْهِ،
قَالَ: كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَصَنُّعًا لَكَ وَرِيَاءً.
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: أَنْشَدَنِي عَمِّي لِيَزِيدَ:
آبَ هَذَا الْهَمُّ فَاكْتَنَعَا ... وَأَمَرَ النَّوْمَ
فَامْتَنَعَا
رَاعِيًا لِلنَّجْمِ أَرْقُبُهُ ... فَإِذَا مَا كَوْكَبٌ طَلَعَا
حَامَ حَتَّى إِنَّنِي لأَرَى ... أَنَّهُ بِالْغَوْرِ قَدْ
وَقَعَا
وَلَهَا بِالْمَاطِرُونَ إِذَا ... أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي
جَمَعَا
نَزْهَةٌ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ ... نَزَلَتْ مِنْ جِلَّقٍ بِيَعَا
فِي قِبَابٍ وَسْطَ دَسْكَرةٍ ... حَوْلَهَا الزَّيْتُونُ قَدْ
يَنَعَا
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غُنْيَةٍ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ أَبِي
الْفُرَاتِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
فَذَكَرَ رَجُلٌ يَزِيدَ فَقَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: تَقُولُ: أَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ! وَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عِشْرِينَ سَوْطًا.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَغَيْرُهُ: مَاتَ يَزِيدُ فِي
نِصْفِ رَبِيعِ الأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ.
123- يُوسُفُ بْنُ الْحَكَمِ الثَّقَفِيُّ2 وَالِدُ الْحَجَّاجِ.
قَدِمَ مِنَ الطَّائِفِ إِلَى الشَّامِ، وَذَهَبَ إِلَى مِصْرَ
وَإِلَى الْمَدِينَةِ.
لَهُ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقِيلَ:
عَنِ ابْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ.
وَكَانَ مَعَ مَرْوَانَ. وَتُوُفِّيَ سَنَةَ بِضْعٍ وَسِتِّينَ.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه أحمد "2/ 48".
2 انظر: تاريخ الطبري "5/ 612"، الكامل "4/ 191".
(5/165)
الكنى:
124- أبو الأسود الدؤلي1 "ع" ويقال: الديلي، قَاضِي الْبَصْرَةِ،
اسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى الأَشْهَرِ.
رَوَى عَنْ: عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَأُبَيِّ بْنِ كعب، وابن مسعود،
وأبي ذر، وَالزُّبَيْرِ.
قال الداني: وقرأ القرآن على: عثمان، وعلي.
قرأ عليه: ابنه أبو حرب، ونصر بن عاصم، وحمران بن أعين، ويحيى بن
يعمر.
روى عنه: ابنه أبو حرب، ويحيى بن يعمر، وعبد الله بن بريدة، وعمر
مولى غفرة.
قال أحمد العجلي: ثقة، وهو أول من تكلم في النحو.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: قَاتَلَ يَوْمَ الْجَمَلِ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ
مِنْ وُجُوهِ شِيعَتِهِ، وَمِنْ أَكْمَلَهُمْ رَأْيًا وَعَقْلا،
وَقَدْ أمره علي -رضي الله عنهم- بِوَضْعِ النَّحْوِ، فَلَمَّا
أَرَاهُ أَبُو الأَسْوَدِ مَا وَضَعَ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا
النَّحْوَ الَّذِي نَحَوْتَ، وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ النَّحْوُ
نَحْوًا.
وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَدَّبَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ
زِيَادٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ دَأْبٍ أَنَّ أَبَا الأْسَوَدِ وَفَدَ عَلَى
مُعَاوِيَةَ بَعْدَ مَقْتَلِ عَلِيٍّ -رَضِيَ الله عنهم، فَأَدْنَى
مَجْلِسَهُ وَأَعْظَمَ جَائِزَتَهُ.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
وَمَا طَلَبُ الْمَعِيشَةِ بِالتَّمَنِّي ... وَلَكِنْ أَلْقِ
دَلْوَكَ فِي الدلاء
نجيء بمثلها طَوْرًا وَطَوْرًا ... تَجِيءُ بِحِمْأَةٍ وَقَلِيلِ
مَاءٍ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ: أَبُو الأَسْوَدِ أَوَّلُ مَنْ
وَضَعَ بَابَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَالْمُضَافَ، وَحَرْفَ
الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ وَالْجَزْمِ، فَأَخَذَ عَنْهُ
ذَلِكَ يَحْيَى بن يعمر2.
__________
1 انظر: الأمالي "2/ 12، 202" للقالي، الطبقات الكبرى "7/ 99".
2 طبقات الشعراء "ص/ 12".
(5/166)
وقال أبو عبيدة ابن الْمُثَنَّى: أَخَذَ
عَنْ عَلِيٍّ الْعَرَبِيَّةَ أَبُو الأَسْوَدِ، فَسَمِعَ قَارِئًا
يَقْرَأُ: {إِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَرَسُولِهُ} [التوبة: 3] فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَمْرَ
النَّاسِ قَدْ صَارَ إِلَى هَذَا، فَقَالَ لِزِيَادِ الأَمِيرِ:
ابْغِنِي كَاتِبًا لَقِنًا، فَأَتَى بِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو
الأَسْوَدِ: إِذَا رَأَيْتَنِي قَدْ فَتَحْتَ فَمِي بِالْحَرْفِ
فَانْقُطْ نُقْطَةً أَعْلاهُ، وَإِذَا رَأَيْتَنِي ضَمَمْتُ فَمِي
فَانْقُطْ نُقْطَةً بَيْنَ يَدَيِ الْحَرْفِ، وَإِنْ كَسَرْتُ
فَانْقُطْ تَحْتَ الْحَرْفِ، فَإِذَا أَتْبَعْتُ شَيْئًا مِنْ
ذَلِكَ غُنَّةً فَاجْعَلْ مَكَانَ النُّقْطَةِ نُقْطَتَيْنِ.
فَهِذِهِ نُقَطُ أَبِي الأَسْوَدِ.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ ثنا الْمَازِنِيُّ قَالَ: السَّبَبُ الَّذِي
وُضِعَتْ لَهُ أَبَّوَابُ النَّحْوِ، أَنَّ ابْنَةَ أَبِي
الأَسْوَدِ قَالَتْ: مَا أَشَدُّ الْحَرِّ؟ قَالَ: الْحَصْبَاءُ
بِالرَّمْضَاءِ، قالت: إنما تعجبت من شدته، فقال: أوقد لَحَنَ
النّاسُ؟ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلِيًّا عَلَيْهِ الرُّضْوَانُ،
فَأَعْطَاهُ أُصُولا بَنَى مِنْهَا، وَعَمِلَ بَعْدَهُ عَلَيْهَا.
وهو أول من نقط المصاحف. وأخذ عنه النَّحْوِ عَنْبَسَةُ الْفِيلِ،
وَأَخَذَ عَنْ عَنْبَسَةَ مَيْمُونٌ الأَقْرَنُ، ثُمَّ أَخَذَهُ
عَنْ مَيْمُونٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ
الْحَضْرِميُّ، وَأَخَذَهُ عَنْهُ: عِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَأَخَذَهُ
عَنْهُ: عِيسَى الْخَلِيلُ، وَأَخَذَهُ عَنِ الْخَلِيلِ:
سِيبَوَيْهِ، وَأَخَذَهُ عَنْ سِيبَوَيْهِ: سَعِيدُ بْنُ
مَسْعَدَةَ الأَخْفَشُ1.
وَقَالَ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سَلْمٍ
الْبَاهِلِيُّ: ثنا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ فَرَأَيْتُهُ مُطْرِقًا، فَقُلْتُ
فِيمَ تُفَكِّرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ
بِبَلَدِكُمْ لَحْنًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ كِتَابًا فِي
أُصُولِ الْعَرَبِيَّةِ، فَقُلْتُ: إِنْ فَعَلْتَ هَذَا
أَحْيَيْتَنَا، فَأَتَيْتُهُ بَعْد أَيَّامٍ، فَأَلْقَى إِلَيَّ
صَحِيفَةٍ فِيهَا: الْكَلامُ كُلُّهُ: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ،
فَالاسْمُ مَا أَنْبَأَ عَنِ الْمُسَمَّى، وَالْفِعْلُ مَا
أَنْبَأَ عَنْ حَرَكَةِ الْمُسَمَّى، وَالْحَرْفُ مَا أَنْبَأَ
عَنْ مَعْنًى لَيْسَ بِاسْمٍ وَلا فِعْلٍ. ثُمَّ قَالَ:
تَتَبَّعْهُ وَزِدْ فِيهِ مَا وَقَعَ لَكَ، فَجَمَعْتُ أَشْيَاءَ،
ثُمَّ عَرَضْتُهَا عَلَيْهِ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: ثنا حَيَّانُ بْنُ بِشْرٍ، ثنا
يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: جَاءَ
أَبُو الأَسْوَدِ إِلَى زِيَادٍ فَقَالَ: أَرَى الْعَرَبَ قَدْ
خَالَطَتِ الْعَجَمَ، فَتَغَيَّرَتْ أَلْسِنَتُهُمْ، أَفَتَأْذَنُ
لِي أَنْ أَصْنَعَ لِلْعَرَبِ كَلامًا يُقِيمُونَ بِهِ كَلامَهُمْ؟
قَالَ: لا، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى زِيَادٍ فَقَالَ: أَصْلَحَ
اللَّهُ الأَمِيرَ، تُوُفِّيَ أَبَانَا وَتَرَكَ بَنُونٌ، فَقَالَ:
ادْعُ لِي أَبَا الأَسْوَدِ، فَقَالَ: ضَعْ لِلنَّاسِ الَّذِي
نهيتك عنه أن تضع لهم.
__________
1 الأغاني "12/ 298".
(5/167)
قَالَ الْجَاحِظُ: أَبُو الأَسْوَدِ
مُقَدَّمٌ فِي طَبَقَاتِ النَّاسِ، كَانَ مَعْدُودًا فِي
الْفُقَهَاءِ، وَالشُّعَرَاءِ، وَالْمُحَدِّثِينَ، وَالأَشَّرَافِ،
وَالْفُرْسَانِ، وَالأُمَرَاءِ، وَالزُّهَّادِ، وَالنُّحَاةِ،
وَالْحَاضِرِي الْجَوَابِ، وَالشِّيعَةِ، وَالْبُخَلاءِ،
وَالصُّلَعِ الأَشَّرَافِ.
تُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ الْجَارِفِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ،
وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سنة وقيل: قبل ذَلِكَ، وَأَخْطَأَ مَنْ
قَالَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ.
125- أَبُو بَشِيرٍ الأنصاري –خ م د-السَّاعِدِيُّ1، وَقِيلَ:
الْمَازِنِيُّ، اسْمُهُ: قَيْسٍ الأَكْبَرُ بْنُ عبيد. قَالَ
الدَّارَقُطْنِيُّ: لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ.
رَوَى عَنْهُ: عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ، وَضَمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ،
وَسَعِيدُ بْنُ نَافِعٍ.
لَهُ حَدِيثُ: "لا تَبْقَى فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلادَةٌ إِلا
قُطِعَتْ" 2، وَحَدِيثَانِ آخَرَانِ. وَقَدْ جُرِحَ يَوْمَ
الْحَرَّةِ جِرَاحَاتٍ.
126- أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ3 الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ،
الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"ائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، وَاذْهَبُوا بِهَذِهِ
الْخَمِيصَةِ إِلَيْهِ" 4، وَكَانَ لَهَا أَعْلامٌ.
وَاسْمُهُ عُبَيْدٌ، وَهُوَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، أُحْضِرَ
فِي تَحْكِيمِ الْخَصْمَيْنِ، وَكَانَ عَالِمًا بِالنَّسَبِ،
وَقَدْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مُصَدِّقًا، وَكَانَ مُعَمَّرًا بَنَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ
مَعَهُمُ الْكَعْبَةَ، ثُمَّ بَقِيَ حَتَّى بَنَى فِيهَا مَعَ
ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ابْتَنَى أَبُو جَهْمٍ بِالْمَدِينَةِ دَارًا
وكان عمر -رضي الله عنهم- قَدْ أَخَافَهُ وَأَشْرَفَ عَلَيْهِ
حَتَّى كَفَّ مِنْ غَرْبِ لِسَانِهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ
سُرَّ بِمَوْتِهِ، وَجَعَلَ يَوْمَئِذٍ يَحْتَبِشُ فِي بَيْتِهِ،
يَعْنِي يَقْفِزُ عَلَى رِجْلَيْهِ5.
وَقَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ: طَلَّقَنِي زَوْجِي
الْبَتَّةَ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ أَبْتَغِي النَّفَقَةَ،
فَقَالَ:
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 236"، والاستيعاب "4/ 24"، والإصابة
"4/ 20، 21".
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "4/ 18"، ومسلم "2115"، وأبو داود
"2552"، وأحمد "5/ 216".
3 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 451"، والاستيعاب "4/ 32"، وأسد الغابة
"5/ 162".
4 حديث صحيح: أخرجه البخاري "1/ 99"، ومسلم "565"، وأبو داود
"4052"، وأحمد "6/ 37، 199"، وابن ماجه "3550".
5 الطبقات الكبرى "5/ 451".
(5/168)
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ، وَعَلَيْكِ الْعِدَّةٌ،
انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ، وَلا تُفَوِّتِينِي بِنَفْسِكِ"
ثُمَّ قَالَ: "أُمُّ شَرِيكٍ يَدْخُلُ عَلَيْهَا إِخْوَتُهَا مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ، انْتَقِلِي إِلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ".
فَلَمَّا حَلَلْتُ خَطَبَنِي مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمِ بْنِ
حُذَيْفَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "أما معاوية فعائل لا شي له، وأما أبو جهم فإنه
ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ أُسَامَةَ" 1،
فَكَأَنَّ أَهْلَهَا كَرِهُوا ذَلِكَ، فَنَكَحَتْهُ.
وَقَدْ شَهِدَ أَبُو جَهْمٍ الْيَرْمُوكِ، وَوَفَدَ عَلَى
مُعَاوِيَةَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَرْوِ شَيْئًا مَعَ أَنَّهُ
تَأَخَّرَ.
وَحَكَى سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ أَنَّ أَبَا جَهْمِ بْنَ
حُذَيْفَةَ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَقْعَدَهُ مَعَهُ عَلَى
السَّرِيرِ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ فِيكَ
كَمَا قَالَ عَبْدُ الْمَسِيحِ:
نَمِيلُ عَلَى جَوَانِبِهِ كَأَنَّا ... نَمِيلُ إِذَا نَمِيلُ
عَلَى أَبِينَا
نُقَلِّبَهُ لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كَرَمًا وَلِينًا
فَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ مِائَةَ أَلْفٍ.
وَرَوَى الأَصْمَعِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ قَالَ: وَفَدَ
أَبُو جَهْمٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَكْرَمَهُ وَأَعْطَاهُ مِائَةَ
أَلْفٍ، وَاعْتَذَرَ فَلَمْ يَرْضَ بِهَا، فَلَمَّا وَلِيَ يَزِيدُ
وَفَدَ عَلَيْهِ، فَأَعْطَاهُ خَمْسِينَ أَلْفًا، فَقُلْتُ: غُلامٌ
نَشَأَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، وَمَعَ هَذَا فَابْنُ كَلْبِيَّةٍ،
فَأَيُّ خَيْرٍ يُرْجَى مِنْهُ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ ابْنُ
الزُّبَيْرِ أَتَيْتُهُ وَافِدًا، فَقَالَ: إِنَّ عَلَيْنَا
مُؤَنًا وَحِمَالاتٍ، وَلَمْ أَجْهَلْ حَقَّكَ، فَإِنِّي غَيْرُ
مُخَيِّبِ سَفَرَكَ، هَذِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاسْتَعِنْ بِهَا،
فَقُلْتُ: مَدَّ اللَّهُ فِي عُمْرِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،
فَقَالَ: لَمْ تَقُلْ هَذَا لِمُعَاوِيَةَ وَابْنِهِ، وَقَدْ
نِلْتَ مِنْهُمَا مِائَةً وَخَمْسِينَ أَلْفًا، قُلْتُ: نَعَمْ،
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قُلْتُ هَذَا، وَخِفْتُ إِنْ أَنْتَ هَلَكْتَ
أَنْ لا يَلِي أَمْرَ النَّاسِ بَعْدَكَ إِلا الْخَنَازِيرُ.
127- أمَّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ2 هندَ بنتَ أَبِي أُمَيّة
بْن المُغِيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْر بْن مَخْزُومٍ
الْمَخْزُومِيَّةُ بِنْتُ عَمِّ أَبِي جَهْلٍ، وَبِنْتُ عَمِّ
خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
بَنَى بِهَا النَّبِيُّ فِي سَنَةِ ثَلاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ،
وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ أَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ، وَهُوَ أَخُو النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاعة.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه مسلم "1480"، وابن ماجه "1869"، وأحمد "6/
412".
2 انظر: الطبقات الكبرى "8/ 86-98"، والاستيعاب "4/ 454"، وأسد
الغابة "5/ 588".
(5/169)
رَوَتْ عِدَّةَ أَحَادِيثَ.
رَوَى عَنْهَا: الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَسَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو وَائِلٍ شَقِيقٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو
صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، وَمُجَاهِدٌ،
وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ، وَنَافِعٌ مَوْلاهَا،
وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ،
وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ.
وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ، وَطَالَ عُمْرُهَا، وَعَاشَتْ
تِسْعِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ، وَهِيَ آخِرُ أُمَّهَاتِ
الْمُؤْمِنِينَ وَفَاةً، وَقَدْ حَزِنَتْ عَلَى الْحُسَيْنِ
-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَبَكَتْ عَلَيْهِ، وَتُوُفِّيَتْ
بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ،
وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ صَفْوَانَ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي خِلافَةِ يَزِيدَ.
وَأَبُوهَا أَبُو أمية يقال: اسمه حذيفة ويلقب بزاد الركب، وَكَانَ
أَحَدَ الأَجْوَادِ، وَوَهِمَ مَنْ قَالَ: اسْمَهَا رَمْلَةَ.
وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ
أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا سَعِيدُ
بْنُ زَيْدٍ، وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ صَلَّى عَلَيْهَا،
وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ سَعِيدًا
وَأَبَا هُرَيْرَةَ تُوُفِّيَا قَبْلَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، أَنْبَأَ ابْنُ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عائشة قَالَتْ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ سَلَمَةَ حَزِنْتُ حُزْنًا شَدِيدًا
-لَمَّا ذَكَرُوا لَهَا مِنْ جَمَالِهَا- فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى
رَأَيْتُهَا وَاللَّهِ أَضْعَافَ مَا وُصِفَتْ لِي فِي الْحُسْنِ
والجمال، فذكرت ذلك لحفصة -وكانت يَدًا وَاحِدَةً- فَقَالَتْ: لا
وَاللَّهِ إِنَّهَا الْغَيْرَةُ وَمَا هِيَ كَمَا تَقُولِينَ
إِنَّهَا لَجَمِيلَةٌ، فَرَأَيْتُهَا بَعْدُ فَكَانَتْ كَمَا
قَالَتْ حَفْصَةُ، وَلَكِنَّ كُنْتُ غَيْرَى1.
قَالَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِد الزَّنْجِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومِ قَالَتْ: لَمَّا
تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ
سَلَمَةَ قَالَ لَهَا: "إِنِّي قد أهديت إلى النجاشي أواق مِنْ
مِسْكٍ وَحُلَّةً، وَإِنِّي أَرَاهُ قَدْ مَاتَ، وَلا أَرَى
الْهَدِيَّةَ إِلا سَتُرَدُّ، فَإِذَا رُدَّتْ فهي لك"2.
__________
1 خبر ضعيف: أخرجه ابن سعد "8/ 94" في طبقاته.
2 حديث ضعيف: وأخرجه ابن سعد "8/ 94".
(5/170)
قَالَتْ: فَكَانَ كَمَا قَالَ، فَأَعْطَى
كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أُوقِيَّةً مِنْ مِسْكٍ، وَأَعْطَى
سَائِرَهُ أُمَّ سَلَمَةَ، وَأَعْطَاهَا الْحُلَّةَ.
الْقَعْنَبِيُّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ،
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ أَنْ
تُصَلِّيَ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكَانَ
يَوْمُهَا، فَأَحَبَّ أَنْ تُوَافِيَهُ1.
الْوَاقِدِيُّ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: صَلَّى
أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ.
قُلْتُ: هَذَا مِنْ غَلَطِ الْوَاقِدِيِّ، أَبُو هُرَيْرَةَ مَاتَ
قَبْلَهَا.
*أَبُو رُهْمٍ السَّمَاعِيُّ –د ن ق- ويقال: السمعي2.
اسمه أحزاب بن أسيد، ويقال: أسد، الظهري، ويقال: بِكَسْرِ
الظَّاءِ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ أَوْلادِ السَّمَعِ -وَيُقَالُ:
السَّمَعُ بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ- بْنِ مَالِكِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ.
رَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَدِيثًا خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، فَمَنْ قَالَ: لا صُحْبَةَ لَهُ
جَعَلَ الْحَدِيثَ مُرْسَلا.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، وَالْعِرْبَاضِ بْنِ
سَارِيَةَ.
رَوَى عَنْهُ: الْحَارِثُ بْنُ زِيَادٍ، وَخَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ،
وَأَبُو الْخَيْرِ مَرْثَدٌ الْيَزَنِيُّ، وَمَكْحُولٌ
الشَّامِيُّ، وَشُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ، وجماعة.
روى له أبو دَاوُدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
128- أَبُو الرَّبَابِ الْقُشَيْرِيُّ3 وَاسْمُهُ مُطَرِّفُ بْنُ
مَالِكٍ، بَصْرِيٌّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَثِقَاتِهِمْ.
لَقِيَ أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَكَعْبَ الأَحْبَارِ، وَأَبَا مُوسَى،
وَشَهِدَ فَتْحَ تُسْتَرَ.
رَوَى عَنْهُ: زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى، وَأَبُو عُثْمَانَ
النَّهْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بن سيرين.
__________
1 حديث ضعيف: إسناده مرسل. وأخرجه أحمد "6/ 291"، وابن سعد "8/ 95"
في الطبقات.
2 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 438"، أسد الغابة "5/ 196"، الإصابة
"4/ 75".
3 انظر: التاريخ الكبير "7/ 396"، والجرح والتعديل "8/ 312".
(5/171)
فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْنَا
عَلَى أَبِي الدرداء نعوده، وهو يومئذ أَمِيرٌ، وَكُنْتُ خَامِسَ
خَمْسَةٍ فِي الَّذِينَ وُلُّوا قَبْضَ السُّوسِ، فَأَتَانِي
رَجُلٌ بِكِتَابٍ فَقَالَ: بِيعُونِيهِ، فإنه كتاب الله أحسن أقرأه
ولا تُحْسِنُونَ، فَنَزَعْنَا دَفَّتَيْهِ، فَاشْتَرَاهُ
بِدِرْهَمَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ خَرَجْنَا إِلَى
الشَّامِ، وَصَحِبَنَا شَيْخٌ عَلَى حِمَارٍ بَيْنَ يَدَيْهِ
مُصْحَفٌ يَقْرَأُهُ ويبكي، فقلت: ما أشبه هذا المصحف بمصحف شأنه
كذا وكذا، فقال: إنه ذاك، قلت: فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أَرْسِلْ
إِلَيَّ كَعْبُ الأَحْبَارِ عَامَ أَوَّلَ فَأَتَيْتُهُ، ثُمَّ
أَرْسِلْ إِلَيَّ، فَهَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، قُلْتُ: فَأَنَا
مَعَكَ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا الشَّامَ، فَقَعَدْنَا
عِنْدَ كَعْبٍ، فَجَاءَ عِشْرُونَ مِنَ الْيَهُودِ فِيهِمْ شَيْخٌ
كَبِيرٌ يَرْفَعُ حَاجِبَيْهِ بِحَرِيرَةٍ فَقَالُوا: أَوْسَعُوا
أَوْسَعُوا، وَرَكِبْنَا أَعْنَاقَهُمْ، فَتَكَلَّمُوا فَقَالَ
كَعْبٌ: يَا نُعَيْمُ، أَتُجِيبُ هَؤُلاءِ أَوْ أُجِيبُهُمْ؟
قَالَ: دَعُونِي حَتَّى أَفْقَهَ هَؤُلاءِ مَا قَالُوا، ثُمَّ
أُجِيبُهُمْ، إِنَّ هَؤُلاءِ أَثْنَوْا عَلَى أَهْلِ مِلَّتِنَا
خَيْرًا، ثُمَّ قَلَبُوا أَلْسِنَتَهُمْ، فَزَعَمُوا أَنَّا
بِعْنَا الآخِرَةَ بِالدُّنْيَا، هَلُمَّ فَلْنُوَاثِقْكُمْ،
فَإِنْ جِئْتُمْ بِأَهْدَى مِنْهُ لَتَتَّبِعُنَّا، قَالَ:
فَتَوَاثَقُوا، فَقَالَ كَعْبٌ: أَرْسِلْ إِلَيَّ ذَلِكَ
الْمُصْحَفَ، فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ أن يَكُونَ
هَذَا بَيْنَنَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، لا يُحْسِنْ أَحَدٌ يَكْتُبُ
مِثْلَهُ الْيَوْمَ، فَدَفَعَ إِلَى شَابٍّ مِنْهُمْ، فَقَرَأَ
كَأَسْرَعِ قَارِئٍ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى مَكَانٍ مِنْهُ نَظَرَ
إِلَى أصحابه كَالرَّجُلِ يُؤْذِنُ صَاحِبَهُ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ
جَمَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ بِهِ، فَنَبَذَهُ، فَقَالَ كَعْبٌ: آهِ،
وَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، فَقَرَأَ، فَأَتى عَلَى آيَةٍ
مِنْهُ، فَخَرُّوا سُجَّدًا، وَبَقِيَ الشَّيْخُ يَبْكِي، فَقِيلَ:
وَمَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: وَمَالِي لا أَبْكِي، رَجُلٌ عَمِلَ فِي
الضَّلالَةِ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، وَلَمْ أَعْرِفِ الإِسْلامَ
حَتَّى كَانَ الْيَوْمَ.
هَمَّامٌ: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ: أَصَبْنَا دَانِيَالَ بِالسُّوسِ1 فِي بَحْرٍ مِنْ
صَفَرٍ، وَكَانَ أَهْلُ السُّوسِ إِذَا اسْتَقَوَا اسْتَخْرَجُوهُ
فاستسقوا به، وأصبنا معه ربطتي كِتَّانٍ، وَسِتِّينَ جَرَّةً
مَخْتُومَةً، فَفَتَحْنَا جَرَّةً، فَوَجَدْنَا فِي كُلِّ جَرَّةِ
عَشْرَةَ آلافٍ، وَأَصَبْنَا مَعَهُ رَبْعَةً فِيهَا كِتَابٌ،
وَكَانَ مَعَنَا أَجِيرٌ نَصْرَانِيُّ يُقَالُ لَهُ: نُعَيْمٌ،
فَاشْتَرَاهَا بِدِرْهَمَيْنِ.
قَالَ هَمَّامٌ: قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنِي أَبُو حَسَّانٍ
أَنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: حُرْقُوصٌ،
فَأَعْطَاهُ مُوسَى الرَّيْطَتَيْنِ وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، ثُمَّ
إِنَّهُ طَلَبَ أن يرد عليه الريطتين،
__________
1 السوس: بلدة من أعمال خراسان، وُجد بها قبر نبي الله دانيال
-عليه السلام.
(5/172)
فَأَبَى، فَشَقَّقَهُمَا عَمَائِمَ،
فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ
إِلَيْهِ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَعَا اللَّهَ أَنْ لا يَرِثَهُ
إِلا الْمُسْلِمُونَ، فَصَلِّ عَلَيْهِ وَادْفِنْهُ.
قَالَ هَمَّامٌ: وثنا فَرْقَدٌ، ثنا أَبُو تَمِيمَةَ أَنَّ كِتَابَ
عُمَرَ جَاءَ: أَنِ اغْسِلْهُ بِالسِّدْرِ وَمَاءِ الرَّيْحَانِ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ مُطَرِّفٍ قَالَ: فَبَدَا لِي أَنْ
آتِيَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَبَيْنَا أَنَا فِي الطريق إذ أَنَا
بِرَاكِبٍ شَبَّهْتُهُ بِذَلِكَ الْأَجِيرِ النَّصْرَانِيِّ،
فَقُلْتُ: نُعَيْمٌ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: مَا فَعَلَتْ
نَصْرَانِيَّتُكَ؟ قَالَ: تَحَنَّفْتُ بَعْدَكَ، ثُمَّ أَتَيْنَا
دِمَشْقَ، فَلَقِينَا كَعْبًا، فَقَالَ: إِذَا أَتَيْتُمْ بَيْتَ
الْمَقْدِسِ فَاجْعَلُوا الصَّخْرَةَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ
الْقِبْلَةِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا ثَلاثِينَ، حَتَّى أَتَيْنَا
أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ لِكَعْبٍ: أَلا
تُعْدِينِي عَلَى أَخِيكَ يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ النَّهَارَ،
فَجَعَلَ لَهَا مِنْ كُلِّ ثَلاثِ لَيَالٍ لَيْلَةً، ثُمَّ
انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَسَمِعَتِ
الْيَهُودُ بِنُعَيْمٍ وَكَعْبٍ، فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ كعب: إن
هذا كتاب قديم، وغنه بِلُغَتِكُمْ فَاقْرَأُوهُ، فَقَرَأَهُ
قَارِئُهُمْ، فَأَتَى عَلَى مَكَانٍ مِنْهُ، فَضَرَبَ بِهِ
الأَرْضَ، فَغَضِبَ نُعَيْمٌ، فَأَخَذَهُ وَأَمْسَكَهُ، ثم قَرَأَ
قَارِئُهُمْ حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانَ {وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ
فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] فَأَسْلَمَ
مِنْهُمُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ حَبْرًا، وَذَلِكَ فِي خِلافَةِ
مُعَاوِيَةَ فَفَرَضَ لَهُمْ مُعَاوِيَةُ وَأَعْطَاهُمْ.
قَالَ هَمَّامٌ: وَحَدَّثَنِي بِسْطَامُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا
مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، أَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا ذَلِكَ
الْكِتَابَ، فَمَرَّ بِهِمْ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ فَقَالَ: عَلَى
الْخَبِيرِ سَقَطْتُمْ، إِنَّ كَعْبًا لَمَّا احْتُضِرَ قَالَ:
أَلا رَجُلٌ أَئْتَمِنُهُ عَلَى أَمَانَةٍ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا،
فَدَفَعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْكِتَابَ وقال: راكب الْبُحَيْرَةَ،
فَإِذَا بَلَغْتَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَاقْذِفْهُ، فَخَرَجَ
مِنْ عِنْدِ كَعْبٍ فَقَالَ: هَذَا كِتَابٌ فِيهِ عِلْمٌ،
وَيَمُوتُ كَعْبٌ، لا أُفَرِّطُ بِهِ، فَأَتَى كَعْبًا وَقَالَ:
فَعَلْتُ مَا أَمَرْتَنِي، قَالَ: وَمَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: لَمْ
أَرَ شَيْئًا، فَعَلِمَ كَذِبَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ
وَيَطْلُبُ إِلَيْهِ حَتَّى رَدَّ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَلَمَّا
أَيْقَنَ كَعْبٌ بِالْمَوْتِ قَالَ: أَلا رَجُلٌ يُؤَدِّي
أَمَانَتِي؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَرَكِبَ سَفِينَةً، فَلَمَّا
أَتَى ذَلِكَ الْمَكَانَ ذَهَبَ لِيَقْذِفَهُ، فَانْفَرَجَ لَهُ
الْبَحْرُ حَتَّى رَأَى الأرض، فقذفه فأتاه وأخبره، فَقَالَ
كَعْبٌ: إِنَّهَا التَّوْرَاةُ كَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، مَا غُيِّرَتْ وَلا بُدِّلِتْ،
وَلَكِنْ خَشِيتُ أَنْ نَتَّكِلَ عَلَى مَا فِيهَا، وَلَكِنْ
قُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَلَقِّنُوهَا مَوْتَاكُمْ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ
هُدْبَةَ، ثنا هَمَّامٌ.
(5/173)
129- أَبُو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ
الْعَدَوِيُّ الْكَعْبِيُّ1، مِنْ عَرَبِ الْحِجَازِ، فِي اسْمِهِ
أَقْوَالٌ، أَشْهَرُهَا خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو.
أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَصَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَى عَنْهُ.
حَدَّثَ عَنْهُ: نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَأَبُو
سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، وَابْنُهُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ،
وَسُفْيَانُ بْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ بِالْمَدِينَةِ.
130- أُمُّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةُ نُسَيْبَةُ2، الَّتِي
أَمَرَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
تُغِسِّلَ بِنْتَهُ زَيْنَبَ3.
رَوَى عَنْهَا: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَأُخْتُهُ حَفْصَةُ،
وَأُمُّ شَرَاحِيلَ، وَعَلِيُّ بْنُ الأَقْمَرِ، وَعَبْدُ
الْمَلِكِ بن عمير.
هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ
عَطِيَّةَ قَالَتْ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبع غَزَوَاتٍ، فَكُنْتُ أَصْنَعُ لَهْمُ
طَعَامَهُمْ، وَأَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ، وَأُدَاوِي
الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى4.
وَعَنْ أُمِّ شَرَاحِيلَ مَوْلاةِ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كَانَ
علي -رضي الله عنهم- يقيل عِنْدِي، فَكُنْتُ أَنْتِفُ إبْطَهُ
بِوَرْسَةٍ.
131- أَبُو كَبْشَةَ –د ت ق- الْأَنْمَارِيُّ الْمَذْحِجِيُّ،
اسْمُهُ عُمَرُ5، وَقِيلَ: عَمْرُو بْنُ سعد.
له صحبة ورواية، نزل الشام.
روى عنه: ثَابِتُ بْنُ ثَوْبَانَ، وَسَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ،
وَأَبُو الْبَخْتَرِيُّ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ الطَّائِيُّ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ الْحَبْرَانِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يحيى أبو عامر الهوزني.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 295"، والاستيعاب "4/ 101"، والإصابة
"4/ 101".
2 انظر: الطبقات الكبرى "8/ 455"، وأسد الغابة "5/ 603"، والإصابة
"4/ 476".
3 حديث صحيح: أخرجه مالك "1/ 222"، والبخاري "3/ 102"، ومسلم
"939"، وأبو داود "3142"، والترمذي "990"، والنسائي "4/ 28"، وابن
ماجه "1458".
4 حديث صحيح: أخرجه مسلم "1812"، وابن سعد "8/ 455" في طبقاته.
5 انظر: أسد الغابة "5/ 281"، الاستيعاب "44/ 166"، الإصابة "4/
164".
(5/174)
132- أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ1 لَهُ
صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ. وَاسْمُهُ مختلف فيه، فقيل: كعب بن عاصم،
وَقِيلَ: عَامِرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقِيلَ: عَمْرُو بْنُ
الْحَارِثِ.
رَوَى أَحَادِيثُ.
رَوَى عَنْهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن غنم، وأم الدرداء، وربيعة
الجرشي، وأبو سلام الأسود، وشهر بن حوشب، وعطاء بن يسار، وشريح بن
عبيد.
وكان يكون بالشام.
قَالَ ابْنُ سُمَيْعٍ: أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ، قَدِيمُ
الْمَوْتِ بِالشَّامِ، اسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ أَبُو مَالِكٍ فِي خِلافَةِ
عُمَرَ.
وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ غَنْمٍ قَالَ: طُعِنَ
مُعَاذٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو مَالِكٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا رِوَايَةِ أَبِي سَلامٍ وَمَنْ بَعْدَهُ،
عَنْ أَبِي مالك مرسلة منقطعة، وهذا الإرسال كثير في حديث
الشاميين.
روى صفوان بن عمرو، عَنْ شُرَيْحٍ عَنْ عُبَيْدٍ، أَنَّ أَبَا
مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: يَا
سَامِعَ الأَشْعَرِيِّينَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "حُلْوَةٌ الدُّنْيَا
مُرَّةٌ الآخِرَةُ وَمُرَّةٌ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ الآخِرَةِ" 2، 3.
133- أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ4 الدَّارَانِيُّ الزَّاهِدُ،
سَيِّدُ التَّابِعِينَ بِالشَّامِ. اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
ثُوَبٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، وَقِيلَ: ابْنُ ثَوَابٍ، وَقِيلَ: ابْنُ عُبَيْدٍ،
وَقِيلَ: ابْنُ مُسْلِمٍ، وَقِيلَ: اسْمُهُ يَعْقُوبُ بْنُ عَوْفٍ.
قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ، وَقَدْ أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي
خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ.
وَرَوَى عَنْ: عُمَرَ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي عبيدة، وأبي ذر، وعبادة
بن الصامت.
__________
1 انظر: أسد الغابة "5/ 288"، والإصابة "3/ 294".
2 حديث حسن: أخرجه أحمد "5/ 342"، والحاكم "4/ 310"، والطبراني "3/
331" في الكبير.
3 في الأصل: ينبغي أن تحول ترجمته إلى طبقة معاذ، وحولت إلى طبقة
معاذ أخصر من هذا فليعلم، فمن أراد أن يكملها من هنا فليفعل.
4 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 448"، والاستيعاب "2/ 272"، والسير "4/
7".
(5/175)
رَوَى عَنْهُ: أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ
اللَّهِ الْخَوْلانِيُّ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ،
وَجُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ،
وَشُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَأَبُو قِلابَةَ الْجَرْمِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، وَعُمَيْرُ بْنُ
هَانِئٍ، وَعَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ، وَيُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ،
وَفِي بَعْضِ هَؤُلاءِ مِنْ رِوَايَتُهُ عَنْهُ مُرْسَلَةٌ.
قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ: ثنا شُرَحْبِيلُ بن مسلم قال:
أتى أبو مُسْلِمٌ الْخَوْلانِيُّ الْمَدِينَةَ وَقَدْ قُبِضَ
النَّبِيُّ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتُخْلِفَ
أَبُو بَكْرٍ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: ثنا شُرَحْبِيلُ أَنَّ الأَسْوَدَ تَنَبَّأَ
بِالْيَمَنِ، فَبَعَثَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، فَأَتَاهُ بِنَارٍ
عَظِيمَةٍ، ثُمَّ أَلْقَى أَبَا مُسْلِمٍ فِيهَا، فَلَمْ
تَضُرَّهُ، فَقِيلَ لِلأَسْوَدِ: إِنْ تَنْفِ هَذَا عَنْكَ
أَفْسَدَ عليك من اتبعك، فأمره بالرحيل، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ
وَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يُصَلِّي،
فَبَصُرَ بِهِ عُمَرُ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مِمَّنِ
الرَّجُلِ؟ قَالَ: مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ الَّذِي
حَرَّقَهُ الْكَذَّابُ بِالنَّارِ، قَالَ: ذَاكَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ ثُوبٍ، قَالَ: فَنَشَدْتُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ هُوَ؟ قَالَ:
اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَاعْتَنَقَهُ عُمَرُ وَبَكَى، ثُمَّ ذَهَبَ
بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّدِّيقِ
وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى
أَرَانِي فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مَنْ صُنِعَ بِهِ كَمَا صُنِعَ
بِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ1.
رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ،
وَهُوَ ثِقَةٌ، ثنا إِسْمَاعِيلُ، فذَكَرَهُ.
وَيُرْوَى عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ كَعْبًا رَأَى أَبَا
مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيَّ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو
مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ قَالَ: هَذَا حَكِيمُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهري قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْوَلِيدِ
بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَكَانَ يَتَنَاوَلُ عائشة، فَقُلْتُ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلا أُحَدِّثُكَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ
الشَّامِ كَانَ قَدْ أُوتِيَ حِكْمَةً؟ قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قُلْتُ:
أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ، سَمِعَ أَهْلَ الشَّامِ يَنَالُونَ
مِنْ عَائِشَةَ فَقَالَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَثَلِي وَمَثَلِ
أُمِّكُمْ هَذِهِ، كَمَثَلِ عَيْنَيْنِ فِي رَأْسٍ يُؤْذِيانِ
صَاحِبَهُمَا، وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعَاقِبَهُمَا إِلا
بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ لهما، فَسَكَتَ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِيهِ أَبُو إِدْرِيسَ
الْخَوْلانِيُّ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاتِكَةَ: عَلّقَ أَبُو مُسْلِمٍ
سَوْطًا فِي مَسْجِدِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: أَنَا أَوْلَى
بِالسَّوْطِ مِنَ الْبَهَائِمِ، فَإِذَا دَخَلَتْهُ فَتَرَةٌ
مَشَقَ سَاقَيْهِ سَوْطًا أَوْ سوطين.
__________
1 خبر حسن.
(5/176)
قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ
الْجَنَّةَ عِيَانًا وَالنَّارَ مَا كَانَ عِنْدِي مُسْتَزَادٌ1.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ: إِنَّ
رَجُلَيْنِ أَتِيَا أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيَّ فِي مَنْزِلِهِ،
فَلَمْ يَجِدَاهُ، فَأَتِيَا الْمَسْجِدَ فَوَجَدَاهُ يَرْكَعُ،
فَانْتَظَرَا انْصِرَافَهُ، وَأَحْصَيَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا:
إِنَّهُ رَكَعَ ثَلاثَمِائَةِ رَكْعَةٍ، وَالآخَرُ أَرْبَعَمِائَةِ
رَكْعَةٍ، قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ2.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ
أَبِي الْعَاتِكَةَ أن أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيَّ سَمِعَ
رَجُلا يَقُولُ: من سبق اليوم؟ فقل: أَنَا السَّابِقُ، قَالُوا:
وَكَيْفَ يَا أَبَا مُسْلِمٍ؟ قَالَ: أُدْلِجْتُ مِنْ دَارِنَا،
فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَكُمْ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ
قَيْسٍ، قَالَ: دَخَلَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ عَلَى أَبِي
مُسْلِمٍ وَهُوَ غَازٍ فِي أَرْضِ الرُّومِ، وَقَدِ احْتَفَرَ
جُوَرَةً فِي فُسْطَاطِهِ، وَجَعَلَ فِيهَا نَطْعًا، وَأَفْرَغَ
فِيهِ الْمَاءَ، وَهُوَ يَتَصَلِّقُ فِيهِ، قَالُوا: مَا حَمَلَكَ
عَلَى الصِّيَامِ وَأَنْتَ مُسَافِرٌ؟ قَالَ: لَوْ حضر قتال لأفطر
وَلَتَهَيَّأْتُ لَهُ وَتَقَوَّيْتُ، إِنَّ الْخَيْلَ لا تَجْرِي
الْغَايَاتَ وَهِيَ بُدَّنٌ، إِنَّمَا تَجْرِي وَهِيَ ضُمْرٌ، أَلا
وَإِنَّ أَمَامَنَا بَاقِيَةً جَائِيَةً لَهَا نَعْمَلُ3.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ: كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ
الْخَوْلانِيُّ يُكْثِرُ أَنْ يُرْفَعَ صَوْتُهُ بِالتَّكْبِيرِ،
حَتَّى مَعَ الصِّبْيَانِ، وَيَقُولُ: اذْكُرِ اللَّهَ حَتَّى
يَرَى الْجَاهِلُ أَنَّكَ مَجْنُونٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِي
مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ -وَأَرَاهُ مُنْقَطِعًا- أَنَّهُ كَانَ
إِذَا غَزَا أَرْضَ الرُّومِ، فَمَرُّوا بِنَهْرٍ قَالَ: أَجِيزُوا
بِاسْمِ اللَّهِ، وَيَمُرُّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَيَمُرُّونَ
بِالنَّهْرِ الْغَمْرِ، فَرُبَّمَا لَمْ يَبْلُغْ مِنَ الدَّوَابِّ
إِلا الرَّاكِبُ، فَإِذَا جَازُوا قَالَ: هَلْ ذَهَبَ لَكُمْ
شَيْءٌ، فَأَلْقَى بَعْضُهُمْ مِخْلَاتَهُ، فَلَمَّا جَاوَزُوا
قَالَ: مِخْلاتِي وَقَعَتْ، قَالَ: اتَّبِعْنِي، فَاتّبَعْتُهُ،
فَإِذَا بِهَا مُعَلَّقَةٌ بِعُودٍ فِي النَّهْرِ، فَقَالَ:
خُذْهَا4.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ:
إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ أَتَى عَلَى دِجْلَةَ، وَهِيَ تَرْمِي
بِالْخَشَبِ مِنْ مَدِّهَا، فَوَقَفَ عَلَيْهَا ثُمَّ حَمِدَ
اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ مسيرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
فِي الْبَحْرِ ثُمَّ لَهَزَ دَابَّتَهُ، فَخَاضَتِ الْمَاءَ،
وَتَبِعَهُ النَّاسُ حتى قطعوا، ثم قال:
__________
1 الحلية "2/ 127".
2 خبر ضعيف: الحلية "2/ 127" فيه جهالة الرجلين.
3 خبر ضعيف: فيه ابن أبي مريم من الضعفاء. حلية الأولياء "2/ 127".
4 خبر ضعيف: إسناده منقطع.
(5/177)
فقدتم شيئًا، فأدعوا اللَّهَ أَنْ
يَرُدَّهُ عَلَيَّ؟ 1.
وَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ إِذَا
اسْتَسْقَى سُقِيَ.
وَقَالَ بَقِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي
مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ: إِنَّ امْرَأَةً خَبَّبَتْ عَلَيْهِ
امْرَأَتَهُ، فَدَعَا عَلَيْهَا، فَذَهَبَ بَصَرُهَا، فَأَتَتْهُ،
فَاعْتَرَفَتْ وَقَالَتْ: إِنِّي لا أَعُودُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ
إِنْ كَانَتْ صَادِقَةً فَارْدُدْ بَصَرَهَا، فَأَبْصَرَتْ2.
وَقَالَ ضمرة بن ربيعة، عن بلال بن كعب قَالَ: قَالَ الصِّبْيَانُ
لِأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَحْبِسَ
عَلَيْنَا هَذَا الظَّبْيَ فَنَأْخُذُهُ، فَدَعَا اللَّهَ
فَحَبَسَهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَخَذُوهُ.
وَرَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ:
قَالَتِ امْرَأَةُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيّ: لَيْسَ لَنَا
دَقِيقٌ. فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: دِرْهَمٌ
بِعْنَا بِهِ غَزْلًا، قَالَ: ابْغِنِيهِ، وَهَاتِي الْجِرَابَ،
فَدَخَلَ السُّوقَ، فَأَتَاهُ سَائِلٌ وَأَلَحَّ، فَأَعْطَاهُ
الدِّرْهَمَ، وَمَلأَ الْجِرَابَ مِنْ نُحَاتَةِ النَّجَّارَةِ
مَعَ التُّرَابِ، وَأَتَى وَقَلْبُهُ مَرْعُوبٌ مِنْهَا، فَرَمَى
الْجِرَابَ وَذَهَبَ، فَفَتَحَتْهُ، فَإِذَا بِهِ دَقِيقٌ
حُوَّارَى فَعَجَنَتْ وَخَبَزَتْ، فَلَمَّا ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ
هَوِيٌّ جَاءَ فَنَقَرَ الْبَابَ، فَلَمَّا دَخَلَ وَضَعَتْ بَيْنَ
يَدَيْهِ خِوَانًا وَأَرْغِفَةً، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟
قَالَتْ: مِنَ الدَّقِيقِ الَّذِي جِئْتَ بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ
وَيَبْكِي3.
رَوَاهَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عُثْمَانَ.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَغَيْرُهُ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ اسْتَبْطَأَ خَبَرَ جَيْشٍ كَانَ
بِأَرْضِ الرُّومِ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، إِذْ
دَخَلَ طَائِرٌ فَوَقَعَ وَقَالَ: أَنَا رَتَبَايِيلُ مُسِلُّ
الْحُزْنَ مِنْ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ
ذَلِكَ الْجَيْشَ، فَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: مَا جِئْتَ حَتَّى
اسْتَبْطَأْتُكَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ
الْخَوْلانِيُّ يَرْتَجِزُ يَوْمَ صِفَّينَ ويقول:
__________
1 خبر حسن.
2 خبر ضعيف: فيه بقية، وهو مدلس. الحلية "2/ 129".
* وخببت: أفسدت.
3 إسناده ضعيف.
(5/178)
مَا عِلَّتِي مَا عِلَّتِي ... وَقَدْ
لَبِسْتُ دِرْعَتِي
أَمُوتُ عَبْدَ طَاعَتِي
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ: ثنا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ،
حَدَّثَنِي يُونُسُ الْهَرِمُ، أن أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيَّ
قَامَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا
مُعَاوِيَةُ، إِنَّمَا أَنْتَ قَبْرٌ مِنَ الْقُبُورِ، إِنْ جِئْتَ
بِشَيْءٍ كَانَ لَكَ شَيْءٌ، وَإِلا فَلا شَيْءَ لَكَ، يَا
مُعَاوِيَةُ، لا تَحْسَبُ أَنَّ الْخِلافَةَ جَمْعُ الْمَالِ
وَتفْرِقَتُهُ، إِنَّمَا الْخِلافَةُ الْقَوْلُ بِالْحَقِّ،
وَالْعَمَلُ بالْمَعْدَلَةُ، وَأَخْذُ النَّاسِ فِي ذَاتِ اللَّهِ،
يَا مُعَاوِيَةُ، إِنَّا لا نُبَالِي بِكَدَرِ الأَنْهَارِ إِذَا
صَفَا لَنَا رَأْسُ عَيْنِنَا، إِيَّاكَ أَنْ تَمِيلَ عَلَى
قَبِيلَةٍ، فَيَذْهَبُ حَيْفُكَ بِعَدْلِكَ، ثُمَّ جَلَسَ. فقال
مُعَاوِيَةُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ
قَيْسٍ قَالَ: دَخَلَ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَامَ
بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ فَقَالَ: السَّلامُ عَلْيَكَ أيها الأجير،
فقالوا: مه. قال: دعوه فَهُوَ أَعْرَفُ بِمَا يَقُولُ، وَعَلَيْكَ
السَّلامُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ، ثُمَّ وَعَظَهُ وَحَثَّهُ عَلَى
الْعَدْلِ1.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ: ثنا شُرَحْبِيلُ بْنُ
مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الرُّومَ لا
يَزَالُ فِي الْمُقَدِّمَةِ، حَتَّى يُؤْذَنَ لِلنَّاسِ، فَإِذَا
أُذِنَ لَهُمْ كَانَ فِي السَّاقَةِ، وَكَانَتِ الْوُلاةُ
يُتَيَمَّنُونَ بِهِ، فَيُؤَمِّرُونَهُ عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تُوُفِّيَ أَبُو مُسْلِمٍ
بِأَرْضِ الرُّومِ، وَكَانَ قَدْ شَتَّى مَعَ بُسْرِ بْنِ أَبِي
أَرْطَأَةَ، فَأَدْرَكَهُ أَجَلُهُ، فَأَتَاهُ بُسْرٍ في مرضه،
فقال له أبو مسل: اعْقُدْ لِي عَلَى مَنْ مَاتَ فِي هَذِهِ
الْغَزَاةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ آتِيَ
بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى لِوَائِهِمْ.
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: حُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ بَعْضِ مَشْيَخَةِ دِمَشْقَ قَالَ: أَقْبَلْنَا مِنْ
أَرْضِ الرُّومِ، فَمَرَرْنَا بِالْعُمَيْرِ، عَلَى أَرْبَعَةِ
أَمْيَالٍ مِنْ حِمْصَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَاطَّلَعَ الرَّاهِبُ
مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ أَبَا مُسْلِمٍ
الْخَوْلانِيَّ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: إِذَا أَتَيْتُمُوهُ
فَأَقْرِئُوهُ السَّلامَ، فَإِنَّا نَجِدُهُ فِي الْكُتُبِ رَفِيقَ
عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، أَمَّا إِنَّكُمْ لا تَجِدُونَهُ حَيًّا،
فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى الْغُوطَةِ بَلَغَنَا مَوْتُهُ2.
قَالَ الْحَافِظُ ابن عَسَاكِرَ: يَعْنِي سَمِعُوا ذَلِكَ.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِأَرْضِ الروم كما حكينا.
__________
1 خبر ضعيف: الحلية "2/ 125".
2 خبر ضعيف: الحلية "2/ 128" فيه جهالة بعض الرواة.
(5/179)
وَقَالَ ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ
بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: قَالَ
مُعَاوِيَةُ: إِنَّمَا الْمُصِيبَةُ كُلُّ الْمُصِيبَةِ بِمَوْتِ
أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ، وَكُرَيْبِ بْنِ سَيْفٍ
الأَنْصَارِيِّ1.
هَذَا حَدِيثٌ حسن الإسناد، يعطي أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ تُوُفِّيَ
قَبْلَ مُعَاوِيَةَ. وَقَدْ قَالَ الْمُفَضِّلُّ بْنُ غَسَّانَ:
تُوُفِّيَ عَلْقَمَةُ وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ سَنَةَ
اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ.
*- أَبُو مَيْسَرَةَ الْهَمْدَانِيُّ2 هُوَ عَمْرُو بْنُ
شُرَحْبِيلَ، مَرَّ.
134- أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِي3 -ع- لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ،
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَشَهِدَ فَتْحَ
مَكَّةَ، وَكَانَ يَكُونُ بِالْمَدِينَةِ وَبِمَكَّةَ، وَبِمَكَّةَ
تُوُفِّيَ.
رَوَى عَنْهُ: عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ،
وَعُرْوَةُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ، وَبُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو مُرَّةَ مولى عقيل
المدنيون.
__________
1 خبر حسن: أخرجه أبو زرعة "2/ 690" في تاريخه.
2 سبق ذكره.
3 انظر: الاستيعاب "4/ 215"، أسد الغابة "5/ 319"، الإصابة "4/
215".
(5/180)