تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ط التوفيقية

المجلد العشرون
الطبقة السابعة والعشرون
أحداث سنة إحدي وستين ومائتين
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبقة السابعة والعشرون:
أحداث سنة إحدى وستين ومائتين:
تُوُفيّ فيها: أَحْمَد بْن سُلَيْمَان الرَّهاويّ الحافظ، وأحمد بْن عَبْد الله بْن صالح العجْليّ الحافظ نزيل طرابلس المغرب، وقاضي القُضاة الحَسَن بْن محمد بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، وشُعيب بْن أيّوب الصَّريفينيّ، وأبو شُعيب السُّوسيّ، وعليّ بْن أشكاب، ومحمد بْن سَعِيد بْن غالب العطّار، ومسلم صاحب الصّحيح، وتمامُ خمسةٍ وخمسين رجلًا ضبطتُ وَفَيَاتهم فِي غير هَذِهِ البُقْعة.
مَيْل الدَّيلم إِلَى الصّفّار:
وفيها مالت الدَّيلم إِلَى يعقوب بْن اللَّيث الصّفّار، وتخلَّت عن الحَسَن بْن زَيْدٍ فأحرق الحَسَن منازلهم وصارَ إِلَى كرْمان.
كتاب المعتمِد لحجّاب خراسان:
وفيها كتب المعتمد كتابًا قُرِئ على من ببغداد من حُجّاج خُراسان والرِّيّ، مضمونه: انّي لم أولِّ يعقوبَ بْن اللَّيْث خُراسان، ويأمرهم بالبراءة منه.
وقعة الزَّنج بالأهواز:
وفيها ولّى المعتمد أبا السّاج الأهواز وحرْب صاحب الزَّنج، فسار إليها، فأقام بها. فبعث إليه قائد الزَّنج عليّ بْن أبان، وبعث إليه أبو السّاج صهره عَبْد الرحمن، فاقتتلوا وكانت وقعة عظيمة، قُتِلَ فيها القائد عَبْد الرَّحْمَن، وانحاز أبو السّاج إِلَى عسكر مكْرم، ودخل الزَّنج الأهواز، فقتلوا وسَبَوا.
ولاية أَحْمَد بْن أسد:
وفيها كتب المعتمد لأحمد بْن أسد بولاية بُخَارى وسَمَرْقَنْد وما وراء النهر.

(20/3)


هزيمة ابنُ واصل أمام ابنُ اللَّيْث:
وفيها سار يعقوب بْن اللَّيْث إِلَى فارس، فالتقى هُوَ وابن واصل، فهزمه يعقوب وفَلّ عسكره، وأخذ من قلعة له أربعين ألف ألف درهم فيما بَلَغَنا.
بيعة المعتمد للمفوّض:
وفيها: بايع المعتمد بولاية العهد بعده لابنه المفوّض إِلَى الله، وولّاه المغرب، والشّام، والجزيرة، وأرمينية وضمّ إليه مُوسَى بْن بُغا.
توليه الموفّق العهد:
وولّى أخاه الموفق العهد، بعد ابنه المفوّض جَعْفَر، وولّاه المشرق، والعراق، وبغداد، والحجاز، واليمن، وفارس، وإصبهان، والرِّيّ، وخُراسان، وطَبَرسْتان، وسجِسْتان، والسِّند. وعقد لكلّ واحدٍ منهما لواءين أبيض وأسود، وشرطَ إن حَدَث به حَدَثٌ أنّ الأمر لأخيه إن لم يكن ابنه جَعْفَر قد بلغ. وكتب العهد ونفذه مع قاضي القضاة الحَسَن بن أبي الشّوارب ليعلقه فِي الكعبة، فمات الحَسَن بمكّة بعد الصَّدر.
وَقِيلَ: توفّي ببغداد1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 512، 515"، الكامل "7/ 288-290"، البداية والنهاية "11/ 32-35"، النجوم الزاهرة "3/ 42، 44"، صحيح التوثيق "6/ 268".

(20/4)


أحداث سنة اثنتين وستّين ومائتين:
فيها تُوُفيّ: حاتم بْن اللَّيث الجوهريّ، وسعَدان بْن يزيد البِزّاز، وعَبّاد بْن الْوَلِيد العَنَزِيّ، وعُمَر بْن شَيْبة النُّميريّ، ومحمد بْن عاصم الثَّقفيّ، ومحمد بْن عَبْد الله بْن بَهْزاد، ومحمد بْن عَبْد الله بْن المستورد البغداديّ، ومحمد بْن عَبْد الله بْن ميمون البغداديّ نزيل الإسكندرية، ويعقوب بْن شَيْبة السَّدوسيّ.
محاربة ابنُ اللَّيْث للمعتمد وهزيمته:
وفيها أعيى الخليفة أمرُ يعقوب بن اللَّيْث، فكتب إليه بولاية خراسان وجُرْجان، فلم يرضَ حَتَّى تَوَافى باب الخليفة، وأضمر فِي نفسه الحكم على الخليفة، والاستيلاء على العراق والبلاد. وعلم المعتمد قصده فارتحل من سرَّ من رَأَى فِي شهر جمادى

(20/4)


الآخرة، واستخلف عليها ابنه جعفرًا، وضمّ إليه محمدا المولّد. ثُمَّ نزل المعتمد بالزَّعفرانية.
وسار يعقوب بْن اللَّيْث بجيشٍ لم يُرَ مثله، فَقِيلَ: كانوا سبعين ألفًا، وَقِيلَ: كَانَتْ خُرَّامِيَّة، وثِقَلُه على عشرة آلاف جمل، فدخل واسطًا فِي أواخر شهر جُمَادى الآخرة، فارتحل المعتمد من الزَّعفرانّية إلى سييب بني كوما وإيّاه مسرور البلْخيّ والعسكر. ثُمَّ زحف يعقوب من واسط إِلَى دير العاقول نحو المعتمد. فجهّز المعتمد أخاه الموفّق إِلَى حرب يعقوب، ومعه مُوسَى بْن بُغا ومسرور، فالتقى الجمعان فِي ثالث رجب بقرب دير العاقول، واقتتلوا قتالًا شديدًا، فكانت الهزيمة على الموفّق، ثُمَّ صارت على يعقوب، وولّى أصحابه مُدْبِرين. فَقِيلَ إنّهُ نهِبَ من عسكره عشرة آلاف فرس، ومن الذَّهب ألفا ألف دينار، ومن الدّراهم والأمتعة ما لا يُحصى. وخلّصوا محمد بْن طاهر، وكان مع يعقوب فِي القيود.
ثُمَّ عاد المعتمد إِلَى سامُرّاء، وصار يعقوب إِلَى فارس.
ورد المعتمد على محمد بن طاهر عمله، وأعطاه خمسمائه ألف درهم.
نَهْب الزَّنج للبطيحة:
وفيها بعث الخبيث رأس الزَّنج جيوشه عند اشتغال المعتمد إِلَى البطيحة، فنهبوها وقتلوا وأسروا.
القضاء بسُرّ من رأي:
وفيها ولي قضاء سرَّ مَن رَأَى عليّ بْن محمد بْن أبي الشّوارب.
قضاء بغداد:
وقضاء بغداد إسماعيل بْن إِسْحَاق القاضي.
غَلَبَةُ ابن اللَّيْث على فارس:
وفيها غلب يعقوب بْن اللَّيْث على فارس، وهرب عاملها ابنُ واصل إِلَى الأهواز، وتقوّى يعقوب.

(20/5)


وقوع قائد الزَّنج فِي الأسر:
وفيها كَانَتْ وقعة بين الزَّنج وبين الأمير أَحْمَد بْن ليثَويْه صاحب مسرور البلْخيّ، فقتل خلقًا كثيرًا من الزَّنج، وأسر قائدهم الَّذِي يُقَالُ له: الصُّعلوك1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 516-529"، الكامل "7/ 292-304"، البداية والنهاية "11/ 35"، النجوم الزاهرة "3/ 44، 45"، صحيح التوثيق "6/ 269".

(20/6)


أحداث سنة ثلاثٍ وستين:
تُوُفيّ فيها: أبو الأزهر أَحْمَد بْن الأزهر، وأحمد بْن حرب الطائي، والحسن بْن أبي الرَّبِيع، ومحمد بْن عليّ بن ميمون الرَّقّيّ، ومعاوية بْن صالح الأشعريّ الحافظ.
استيلاء ابنُ اللَّيْث على الأهواز:
وفيها سار يعقوب بْن اللَّيْث إِلَى الأهواز، وأسر الأمير ابنُ واصل، واستولى على الأهواز.
وزارة ابنِ مَخْلد:
وفيها استوزر الْحَسَن بْن مخلد بعد موت عُبَيْد الله بْن يحيى بْن خاقان الوزير.
وزارة ابنِ وهب:
ثُمَّ هرب الْحَسَن إِلَى بغداد خوفًا من مُوسَى بْن بُغا. فاستوزر سُلَيْمَان بْن وهْب.
إخراج ابنُ طاهر من نيسابور:
وفيها غلب أخو شركُب على نيسابور وأخرج عَنْهَا الْحُسَيْن بْن طاهر.
انتصار المسلمين بالأندلس:
وفيها كَانَتْ ملحمة كبيرة بالأندلس، نصر الله فيها الْإِسْلَام، واستشهد طائفة1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 530-532"، الكامل "7/ 310"، البداية والنهاية "11/ 35، 36"، النجوم الزاهرة "3/ 46، 47"، صحيح التوثيق "6/ 269".

(20/6)


أحداث سنة أربعٍ وستّين:
فيها تُوُفيّ: أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وهْب، وأحمد بْن يوسف السُّلميّ، وأبو إبراهيم المُرّيّ، ويونس بْن عَبْد الأعلى.
وفاة مُوسَى بْن بُغا:
وَفِي المحرَّم خرج أبو أَحْمَد الموفق، ومعه مُوسَى بْن بُغا إِلَى قُتِلَ الزَّنج. فَلَمَّا نزلا بغداد مات مُوسَى وحُمِل إِلَى سامُرّاء، فَدُفِن بها.
وفاة قبيحة أمِّ المعتزّ:
وَفِي ربيع الأوّل تُوُفيّت قبيحة أمُّ المعتز بالله بسامُرّاء، وكان المعتمد قد أعادها إليها من مكّة وأكرمها.
أسر الروم لعبد الله بْن رشيد بْن كاوس:
وفيها أسرت الروم عَبْد الله بْن رشيد بْن كاوس، وكان قد دخل الروم فِي أربعة آلاف، فأوغلَ فيها وأسرَ وغنِم ورجع، فلمّا نزل البَذَنْدون أقام به ثُمَّ رحل. وتَبِعَتْه البطارقة من كلّ صَوْب وأحْدَقوا به، فنزل جماعة من المسلمين فعرقبوا دوابّهم وقاتلوا إلا خمسمائةٍ من المسلمين انهزموا، وأسر عبد الله بعدما جُرِح جراحات.
الوقعة بين محمد المولدّ والزنّج:
وفيها ولي واسطًا محمد المولّد، فحاربته الزَّنج، فهزمهم محمد، ثُمَّ غلبت الزَّنج ودخلت واسطًا، فهرب أهلُها حُفاةً عراةً، ونهبها الزَّنج وأحرقوها.
غضب المعتمد على الوزير ابنِ وهْب:
وفيها غضب المعتمد على الوزير سُلَيْمَان بْن وهْب وقيّده وانتهب أمواله، واستوزر الْحَسَن بْن مَخْلَد.
عصيان الموفّق:
وفيها أظهر أبو أَحْمَد الموفَّق العصيان، فشخَصَ من بغداد ومعه عَبْد الله بن

(20/7)


سُلَيْمَان بْن وهْب، فَلَمَّا قَرُب من سامُرّاء، تحوّل المعتمد إِلَى الجانب الغربيّ، فعسكر به. فنزل أَحْمَد بظاهر سامُراء، ثُمَّ تراسلا واصطلحا فِي آخر السنة، وأطلق سُلَيْمَان بْن وهبْ، وهرب الْحَسَن بْن مَخْلد، وأحمد بْن صالح بن شيرزاد.
محنة الصوفية:
وفيها كانت المحنة على الصُّوفيّة بغلام خليل1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 533-541"، الكامل "7/ 316-321"، البداية والنهاية "11/ 36، 37"، النجوم الزاهرة "3/ 47، 48"، صحيح التوثيق "6/ 270".

(20/8)


أحداث سنة خمسٍ وستّين:
تُوُفيّ فيها: أَحْمَد بْن مَنْصُورٌ الرّماديّ، وإبراهيم بْن الْحَارِث البغداديّ، وإبراهيم بْن هانئ النَّيسابوريّ، وسَعْدان بْن نصر، وصالح بن أحمد بن حنبل، وعبد الله بن محمد بْن أيّوب المُخرّميّ، وعليّ بْن حرب الطائيّ، وأبو حَفْص النَّيسابوريّ الزّاهد عَمْرو بْن سَلْم، ومحمد بْن الحَسَن العسْكريّ من الأثني عشر، ومحمد بن هارون الفلّاس، وهارون بْن سُلَيْمَان الإصبهانيّ.
إيقاع ابنِ طولون بسيما الطويل فِي أنطاكية:
وفيها خرج أَحْمَد بْن طولون أمير مصر إِلَى الشّام، فحصَر سيما الطّويل بأنطاكيَة إِلَى أن افتتحها وقتل سِيما.
التحاق المولدّ بابن الصّفّار:
وفيها خامر محمد المولّد ولِحق بيعقوب بْن اللَّيْث وصار من خواصّه.
القبض على سُلَيْمَان بْن وهب وابنه:
وفيها قبض المعتمد على سُلَيْمَان بْن وهْب وابنه عُبَيْد الله واصطفى أموالهما، ثُمَّ صُولحا على تسعمائة ألف دينار.
وزارة ابنِ بُلْبُل:
واستوزر إِسْمَاعِيل بن بلبل.

(20/8)


وفاة يعقوب بْن اللَّيْث:
وفيها مات يعقوب بْن اللَّيث الصّفّار المتغلّب على خُراسان، وغيرها. تُوُفيّ بالأهواز، فخلفه أخوه عَمْرو بْن اللَّيْث، ودخل فِي الطاعة.
إطلاق ملك الروم لعبد الله بْن كاوس:
وفيها بعث ملك الروم بعبد الله بْن كاوس الَّذِي كان عامل الثغور فأسروه، مع عدّة مصاحف كانوا أخذوها من أَهْل أَذَنَة، إِلَى أحمد بْن طولون.
عصيان الْعَبَّاس على أَبِيهِ أَحْمَد بْن طولون:
ولما خرج أَحْمَد بْن طولون إِلَى الشّام قام ابنه الْعَبَّاس وجماعة من أمرائه فأخذ أموال أَبِيهِ وحَشَمه، وتوجّه نحو بَرْقَةَ إِلَى إفريقية، فنهب وفتك، فانتدب لحربه إلياس بْن مَنْصُورٌ النقرشيّ رأس الإباضيّة فِي اثني عشر ألفًا، وبعث صاحب أفريقية إيراهيم بْن أَحْمَد بن الأغلب جيشًا كثيفًا مع مولاه، فأطبق الجيشان على الْعَبَّاس فباشر الحرب بنفسه، وقُتِلت صناديده، ونُهِبَت خزائنه، وعاد إِلَى بَرْقَةَ. فبعث أَبُوهُ جيشًا فأسروه، وحملوه إِلَى أَبِيهِ، فقيدَّه وحبسه، وقتل جماعة ممّن كان حسَّن له العصْيان.
دخول الزَّنج النُّعمانيّة:
وفيها دخلت الزَّنج النُّعمانيّة، فأحرقوا وسبوا وقتلوا.
استنابة الموفّق لعمرو بْن اللَّيْث على الولايات:
وفيها استناب الموفّق عَمْرو بْن اللَّيْث على خُراسان، وكَرْمان، وفارس، وبغداد، وإصبهان، والسِّند، وسِجِسْتان، وبعث إليه بالتّقليد والخِلَع العظيمة.
وَقِيلَ، إنّ تَرِكَةَ أَخِيهِ يعقوب بْن اللَّيْث بلغت ألف ألف دينار وخمسين ألف ألف درهم ونُقل فَدُفِن بجُنْدَيْسابور وكُتِب على قبره: هَذَا قبر المسكين. وتحته:
أحسَنْتَ ظنَّك بالأيّام إذ حَسُنَتْ ... ولم تَخَفْ سُوء ما يأتي به القَدَر
فسالمَتْك اللّيالي فاغْتَرَرْت بها ... وعند صَفْوِ اللَّيَالِي يحدُث الكدر1
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 542، 543"، والكامل "7/ 316-328"، والبداية والنهاية "11/ 37، 38"، والنجوم "3/ 48، 51"، وصحيح التوثيق "6/ 271".

(20/9)


أحداث سنة ستٍّ وستّين:
فيها تُوُفيّ: إِبْرَاهِيم بْن أُورَمَة الحافظ، وصالح بْن أَحْمَد بْن حنبل بخُلْف، وهذا أصّح، ومحمد بْن شجاع الثلْجيّ الفقيه، ومحمد بْن عَبْد الملك الدّقيقيّ، وأبو السّاج الأمير.
نيابة عُبَيْد الله بْن طاهر على شرطة بغداد:
وفيها كتب عَمْرو بْن اللَّيْث الصّفّار إِلَى عُبَيْد الله بْن عَبْد الله بن طاهر بأن يكون نائبه على شرطة بغداد.
وصول الروم إِلَى ديار ربيعة:
وفيها وصلت عساكر الروم إِلَى ديار ربيعة، فقتلت جماعة من المسلمين، وهرب أهل الجزيرة والمَوْصِل.
استعمال ابنِ أبي الساج على الحَرَمَيْن:
وفيها استعمل الموفّق على الحَرَمَيْن محمد بْن أبي السّاج.
وقعة الزَّنْج بعسكر الخليفة:
وفيها كَانَتْ وقعة بين الزَّنج وعسكر الخليفة، وظهرت الزَّنج، لعنهم الله.
مقتل الكرخي أمير حمص:
وفيها قتل أَهْل حمص أميرهم الكرْخيّ.
دعوة الحسن الأصغر لنفسه:
وفيها دعا الْحَسَن بْن محمد بْن جَعْفَر الأصغر أَهْل طَبَرِسْتان إِلَى نفسه.

(20/10)


هزيمة الْحَسَن بْن زَيْدٍ:
وفيها سار أَحْمَد بْن عَبْد الله الخُجُسْتانيّ إِلَى الْحَسَن بْن زَيْدُ، فهزمه أَحْمَد.
مقتل ابنِ الأصغر:
ثُمَّ سار الْحَسَن بْن زَيْدُ إِلَى الْحَسَن بن الأصغر، واحتال عليه حَتَّى قتله.
الحرب بين الخُجُسْتانيّ وابن اللَّيث:
وفيها حارب أَحْمَد بْن عَبْد الله الخُجُسْتانيّ عَمْرو بن اللَّيث، وظهر على عَمْرو، ودخل نَيْسابور، وقتل جماعة ممّن كان يميل إِلَى عَمْرو.
انتهاب الأعراب كسوة الكعبة:
وفيها وثبت الأعراب على كُسْوَة الكعبة فانتهبوها، وأصاب الوفد شدّة منهم.
دخول الزَّنج رامهُرْمُز:
وفيها دخلت الزَّنج رامهُرْمُز، فاستباحوها قتْلًا وسبيًا، فلا قوّة إلا بالله1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 549-556"، والكامل "7/ 332-335"، والبداية والنهاية "11/ 38-40"، والنجوم "3/ 50"، وصحيح التوثيق "6/ 273".

(20/11)


أحداث سنة سبعٍ وستّين:
فيها تُوُفيّ: إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الله السَّعديّ، وإسماعيل بن عَبْد الله سَمّوَيْه، وإسحاق بْن إِبْرَاهِيم الفارسيّ شاذان، وبحر بن نصر الخولانيّ، وعباس الرَّبعيّ، ومحمد بْن عزيز الَأيْليّ، ويحيى بْن الذُّهْليّ، ويونس بْن حبيب الإصبهانيّ.
وقْعة الزَّنج:
وفيها دخلت الزَّنج واسطًا، فاستباحوها وأحرقوا فيها، فجهّز الموفّق ابنه أبا الْعَبَّاس فِي جيشٍ عظيم، فكان بينه وبين الزَّنج وقْعة فِي المراكب فِي الماء، فهزمهم أبو الْعَبَّاس، وقتَل فيهم وأسر وغرَّق سُفُنَهم، وكان ذلك أوَّل النّصر. فنزل أبو الْعَبَّاس واسطًا

(20/11)


واجتمع قوّاد الخبيث صاحب الزَّنج سُلَيْمَان بْن مُوسَى الشّعْرانيّ، وعليّ بْن أبان، وسليمان بْن جامع، وحشدوا وأقبلوا، فالتقاهم أبو الْعَبَّاس، فهزمهم وفرَّقهم، ثُمَّ واقَعَهم بعد ذلك، فهزمهم أيضًا ومزَّقهم. ثُمَّ دامت مُصابَرَة القتال بينهم شهرين، ثُمَّ قذف الله الرُّعب فِي قلوب الزَّنج من أبي الْعَبَّاس وهابوه.
وتحصّن سُلَيْمَان بْن جامع بمكان، وتحصّن الشّعْرانيّ بمكانٍ آخر. فسار أبو الْعَبَّاس وحاصر الشّعْرانيّ، وجَرَت بينهم حروب صعْبة، إِلَى أن انهزمت الزَّنج، ورجع أبو الْعَبَّاس بجيوشه سالمًا غانمًا. وكان أكثر قتالهم فِي المراكب والسّماريّات، وغرق من الزَّنج خلْق سوى من قُتِلَ وأُسِر.
ثُمَّ سار الموفَّق من بغداد في جيوشه فِي السُّفن والسّماريّات فِي هيئةٍ لم يُرَ مثلها إِلَى واسط. فتلّقاه ولده أبو الْعَبَّاس، ثُمَّ سارا إِلَى قتال الزَّنج ليستأصلوهم، فواقعهم، فانهزم الزَّنج واستُنْقِذ منهم من المسلمات نحو خمسة آلاف امْرَأَة، وهُدِمت مدينة الشَّعْرانيّ فهرب فِي نفرٍ يسير مسلوبًا من الأهل والمال، وَوَصَلَ إِلَى المذار، فكتب إِلَى الخبيث سلطان الزَّنج بما جرى، فتردَّد الخبيث إِلَى الخلاء مرارًا فِي ساعة، ورجف قوّاده وتقطّعت كبدُه، وأيقن بالهلاك.
ثُمَّ إنّ الموفَّق سَأَلَ عن أصحاب الخبيث، فَقِيلَ له: مُعْظَمهُم مع سُلَيْمَان بْن جامع فِي بلد طَهِيثا، فسار الموفَّق إليها، وزحف عليها بجنوده، فالتقاه سُلَيْمَان بْن جامع وأحمد بْن مهديّ الْجُبائيّ فِي جموع الزَّنج، ورتّب الكُمَنَاء واستحرَّ القتال، فرمى أبو الْعَبَّاس بْن الموفق لأحمد بْن مهديّ بسهمٍ فِي وجهه هلك منه بعد أيامٍ. وكان أبو الْعَبَّاس راميًا مذكورًا.
ثُمَّ أصبح الموفَّق على القتال، وصلّى وابتهل إِلَى الله بالدّعاء، وزحف على البَلْدَة، وكان عليه خمسة أسوار، فَمَا كَانَتْ إلّا ساعة وانهزمت الزَّنج، وعمل فيهم السّيف وغرق أكثرهم. وهرب سُلَيْمَان بْن جامع.
واستنقذ الموفَّق من طَهِيثا نحو عشرة آلاف أسير فسيرهم إِلَى واسط، وأخذ من المدينة تُحَفًا وأموالًا، بحيث استغنى عسكره، وأقام بها الموفَّق أيّامًا ثُمَّ هدَمها.
مسير الموفَّق إِلَى الأهواز:
وكان المهلَّبيّ مقيمًا بالأهواز فِي ثلاثين ألف من الزَّنج، فسار إليها الموفَّق، فانهزم

(20/12)


المهلَّبيّ وتفرَّق جَمْعُه، وانهزم بَهْبُوذ الزَّنجيّ، وبعثوا يطلبون الأمان؛ لأنه كان قد ظفر بطائفةٍ كبيرة من أصحاب الخبيث وهو بنهر أبي الخصيب.
تمهيد الموفَّق للبلاد:
ثُمَّ سار الموفَّق إِلَى جُنْدَيْسابور ثُمَّ إِلَى تُسْتَر فنزلَها، وأنفق في الجند والموالي، ثم رحل عسكر مُكْرَم ومهّد البلاد، ثُمَّ رجع وبعث ابنه أَبَا الْعَبَّاس إِلَى نهر أبي الخصيب لقتال الخبيث. فبعث إليه الخبيث سُفُنًا، فاقتتلوا، فهزمهم أبو الْعَبَّاس، واستأمن إليه القائد مُنْتاب الزَّنجيّ، فأحسنَ إليه.
موقعة المختارة:
وكتب الموفَّق كتابًا إِلَى الخبيث يدعوه إِلَى التَّوبة إِلَى الله والإنابة إليه ممّا فعل من سَفْك الدّماء وسبي الحريم وانْتِحال النبوَّة والوحي، فَمَا زاده الكتاب إلّا تجبرًا وعتوًَّا.
وَقِيلَ: إنه قَتَلَ الرَّسُول، فسار الموفَّق فِي جيوشه إِلَى مدينة الخبيث بنهر أبي الخّصِيب، فأشرف عليها، وكان قد سمّاها المختارة، فتأمّلها الموفَّق ورأى حصانتها وأسوارها وخنادقها، فرأى شيئًا لم ير مثله، ورأى من كثرة المقاتلة ما استعظمه، ورفعوا أصواتهم، فارتجّت الأرض، فرشقهم ابنه أبو الْعَبَّاس بالنّشّاب، فرموه رميةٌ واحدة بالمجانيق والمقاليع والنّشّاب، فأذهلوا الموفَّق، فرجع عَنْهُمْ، وثبت أبو الْعَبَّاس.
واستأمنَ جماعة من أصحاب الخبيث إِلَى أبي الْعَبَّاس فأحسن إليهم، ثُمَّ استأمن منهم بشرٌ كثير، فخلع على مقدَّمهم.
فَلَمَّا كان فِي اليوم الثّاني جهّز الخبيث بَهْبُوذ فِي السماريّات، فالتقاه أبو الْعَبَّاس، فاقتتلوا، فأصاب بهبوذ طعنتان ونشّاب، فهرب إِلَى الخبيث، ورجع أبو أَحْمَد إِلَى معسكره بنهر الْمُبَارَك ومعه خلق قد استأمنوا.
فَلَمَّا كان في شعبان برز الخبيث في ثلاثمائة ألف فارس وراجل، فركب الموفَّق فِي خمسين ألفًا، وكان بينهم النهَّر، فنادى الموفَّق بالأمان لأصحاب الخبيث، فاستأمن إليه خلق كثير، ثُمَّ انفصل الجمعان عن غير قتال.

(20/13)


بناء الموفقيّة:
ثُمَّ بنى الموفَّق مدينة بإزاء مدينة الخبيث على دجلة وسمّاها الموفَّقيّة، وجمع عليها خلائق من الصُّنّاع، وبنى بها الجامع والأسواق والدُّور، واستوطنها النّاس للمعاش.
وكان عدد من استأمن فِي شهرين خمسين ألفًا من جيش الخبيث، ما بين أبيض وأسود.
الوقعة بين أبي الْعَبَّاس والخبيث:
وَفِي شوّال كَانَت الوقعة بين أبي الْعَبَّاس والخبيث، قُتِلَ منهم خلقًا كثيرًا.
وذلك لأن الخبيث انتخب من قوّاده خمسة آلاف، وأمرهم أن يعدّوا فيتبيّنوا عسكر الموفَّق، فَلَمَّا عبروا بلغ الموفَّق الخبر من ملّاح، فأمر ابنه بالنّهوض إليهم، فَنُصِر عليهم وصلبهم على السُّفن، ورمى برءوس القتلى فِي المناجيق إِلَى مدينة الخبيث، فذُلّوا.
اقتحام الموفق مدينة الخبيث:
وَفِي ذي الحجة عبر الموفَّق بجيوشه إِلَى مدينة الخبيث، وكان الزَّنج قبل ذلك قد ظهروا على أبي الْعَبَّاس، وقتلوا من أصحابه جماعة، فدخل الموفَّق بجميع جيوشه ودار حول المدينة، والزَّنج يَرمونهم بالمجانيق وغيرها. فنصَبَ المسلمون السّلالم على السّور وطلعوا ونصبوا أعلام الموفَّق، فانهزم الزَّنج، وملك أصحاب الموفَّق السُّور، فأحرقوا المجانيق والسّتائر.
وجاء أبو الْعَبَّاس من مكانٍ آخر، فاقتحم الخنادق، وثَلَم السُّور ثُلْمةً اتّسع منها الدّخول. وانهزم الخبيث وأصحابه، وجُنْدُ الموفَّق يتبعونهم إِلَى اللّيل.
ثُمَّ عاد الخبيث إِلَى المدينة، وعدّى الموفَّق إِلَى عسكره، وتراجع أصحاب الخبيث ثم رمم ما هوى من الأسوار والخنادق.
استيلاء الخُجُسْتانيّ على الولايات وضربه السكّة:
وفيها: استولى أَحْمَد بْن عَبْد الله الخُجُسْتانيّ على خُراسان، وكرْمان،

(20/14)


وسِجِسْتان، وعزم على قصْد العراق، وضربَ السِّكّة باسمه، وعادَ على الوجه الآخر اسم المعتمد.
حبْس ابنُ المدبّر ومصادرته:
وفيها حبس أَحْمَد بْن طولون أَحْمَد بْن المدبّر الكاتب وصادره، وأخذ منه ستّمائة ألف دينار. وكان يتولى خراج دمشق1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 557-600"، الكامل "7/ 344-356"، البداية "11/ 38، 39".

(20/15)


أحداث سنة ثمانٍ وستّين ومائتين:
فيها تُوُفيّ: أبو الْحَسَن أَحْمَد بْن سيّار المَرْوَزِيّ، وأحمد بْن شَيْبَان الرمليّ، وأحمد بْن يُونُس الضَّبّيّ الإصبهانيّ، وعيسى بْن أَحْمَد العسقلانيّ البلخيّ، والفضل بْن عَبْد الجبّار المَرْوَزِيّ، ومحمد بْن عَبْد الله بن عبد الحَكَم الفقيه.
استئمان جَعْفَر بْن إِبْرَاهِيم للموفقّ:
وَفِي المُحرّم استأمن إِلَى الموفَّق جَعْفَر بْن إِبْرَاهِيم السّجَان، وكان صاحب أسرار الخبيث وأحد خواصه، فخلع عليه الموفَّق وأعطاه مالًا كثيرًا، وأمر بحمله إِلَى قريب مدينة الخبيث. فَلَمَّا حاذى قصر الخبيث صاح: ويْحكم إِلَى مَتَى تصبرون على هَذَا الخبيث الكذّاب. وحدَّثهم بما اطَّلع عليه من كِذبه وفجوره، فاستأمن فِي ذلك اليوم خلْق كثير منهم. وتتابع النّاس فِي الخروج من عند الخبيث.
دخول جُند الموفَّق مدينة الزَّنج:
وَفِي ربيع الآخر زحف الموفَّق على مدينة الخبيث، وَهدم مِن السّور أماكن، ودخل الْجُنْد من كلّ ناحية واغترّوا، فخرج عليهم أصحاب الخبيث، فتحيَّروا فِي الخروج، وبعض النّاس طلب الشّطّ فغرقوا.
ورد الموفَّق إِلَى مدينة الموفّقيّة، وقد أُصيب أصحابه.
ثُمَّ ضيّق على الخبيث، وقطع عَنْهُ الميرة، فضاق بأصحابه الأمر حَتَّى أكلوا لحوم الكلاب والموتى، وهرب خلْق، فسألهم الموفَّق، فقالوا له: لنا سنة ما أكلنا الخبز.

(20/15)


مقتل بَهْبُوذ:
فَلَمَّا كان رجب قُتِلَ بَهْبُوذ، وكان أكبر قوّاد الخبيث.
دخول ابنِ حَوْشب طولون:
فِي هَذَا العام دخل أبو القاسم الْحَسَن بْن فرح بْن حَوْشب اليمن داعيًا من قبل عُبَيْد الله الَّذِي ملك المغرب، وتسمّى، بالمهديّ.
عصيان لؤلؤ لابن طولون:
وفيها عصى لؤلؤ مَوْلَى أَحْمَد بْن طولون وخامر على أستاذه، فنهب بالسن فِي الرَّقَّة وقَرْقِيسيا، وسار إِلَى العراق.
قَتْلُ ابْنِ صاحب الزَّنْج:
وبلغ الخبيث أنّ ابنه يريد الهروب إِلَى الموفَّق فقتله.
قَتْلُ الخُجُسْتانيّ:
وفيها قُتِلَ أَحْمَد بْن عَبْد الله الخُجُسْتانيّ الخارج بخراسان، قتله غلمانٌ له فِي آخر السنة.
غزوة خَلَف التركيّ ثغور الروم:
وفيها غزا خلف التُّركي نائب أَحْمَد بْن طولون على ثغور الشّام، فقتل من الروم بضعة عشر ألفًا وغنِم، فبلغ السهم أربعين دينارًا1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 601، 612"، الكامل "7/ 364-372"، "11/ 42"، النجوم "3/ 54-56"، صحيح التوثيق "6/ 277".

(20/16)


أحداث سنة تسعٍ وستّين ومائتين:
فيها تُوُفيّ: أَحْمَد بْن عَبْد الحميد الحارثيّ، وحُذَيْفة بْن غِياث، وإبراهيم بْن منقذ الخَوْلانيّ، وعبد الله بْن حمّاد الآمُليّ، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم، أبو حَمْزَةَ الصُّوفيّ، وأبو فَروة يزيد بْن محمد بْن يزيد بْن سِنان.
كسوف الشمس والقمر:
وَفِي المحرّم انكسفت الشمس والقمر
غارة الأعراب على الحجّاج:
وفيها قطعت الأعراب الطريق على الحُجّاج، فأخذت خمسمائة جمل بأحمالها.
وثوب خَلَف الفرغاني على يازمان الخادم:
وفيها وثب خلف الفرغانيّ على يازمان خادم الفتح بْن خاقان، فحبسه بالثّغْر فوثب أَهْل الثّغر فخلَّصوه، وَهَمُّوا بقتل خَلَف، فهرب إِلَى دمشق، ولعنوا ابْنَ طولون على منابر الثَّغر، فسار أَحْمَد بْن طولون من مصر حَتَّى نزل أَذَنَةَ، وقد تحصّن بها يازمان الخادم، وفعل ذلك أَهْل طَرَسُوس، فأقام ابنُ طولون مدّة على أَذَنَة، فلم يظفْر بها بطائل، فعاد إِلَى دمشق.
أَخْذُ لؤلؤ قرقيسيا من العُقَيليّ:
وفيها افتتح لؤلؤ قرقيسيا عنوة، وأخذها من ابن صفوان العقيلي، وسلمها إلى أحمد بن مالك بن طوق.
دخول الموفق مدينة صاحب الزنج:
وفيها دخل الموفَّق مدينة الخبيث عَنْوَة. وكان الخبيث عند قُتِلَ بَهْبُوذ أَخَذَ تَرِكَتَه وأمواله، وضربَ أقاربه بالسِّياط، ففسدت نيّات خواصّه لذلك، فعبر الموفَّق المدينة ونادى بالأمان فتسارع إليه أصحاب بَهْبُوذ، فأحسنَ إليهم، ثُمَّ دخل المدينة بعد حربٍ شديد، وقصدَ الدّار الّتي سماها الخبيث جامعًا، فقاتل أصحابه دونه أشد القتال، فهدموها وأتوا بالمِنْبَر الَّذِي للخبيث، ففرح وخرج إِلَى مدينته بعد أن نهب خزائن الخبيث، وأحرق الأسواق والدُّور. وذلك فِي جمادى الأولى.
وَرُمِيَ يومئذٍ الموفَّق بسهمٍ فجرحه، ثُمَّ أصبح على القتال، فزاد عليه الألم بالحركة، وخيف عليه، وخافوا قوّة الخبيث عليهم، وأشاروا عليه بالرحيل إِلَى بغداد، فأبى وتصبَّر حَتَّى عُوفي وعاد لحرب الخبيث، وقد رمّم الخبيث ما وَهَى من مدينته.

(20/17)


عزم المعتمد على اللّحاق بمصر:
وَفِي نصف جُمادى الأولى شخص المعتمد من سرَّ من رَأَى يريد اللّحاق بابن طولون لأمرٍ تقرَّر بينهما.
قَالَ أَحْمَد بْن يوسف الكاتب: خرج أَحْمَد بْن طولون من مصر، وحمل معه ابنه الْعَبَّاس معتَقَلًا، فقدِم دمشق، وخرج المعتمد من سامُراء على وجه التّنزُّه، وقصْدُه دمشق لاتّفاق جرى بينه وبين ابنُ طولون على المعتمد لم يبق منكم مَعْشَر الموالي اثنان. فاجتهد فِي ردّه.
وكان ابنُ كُنْداج فِي نصِّيبين فِي أربعة آلاف، فصار إِلَى المَوْصِل، فوجد حرّاقات المعتمد وقُوّاده بموضعٍ يُقَالُ له الدَّواليب، فوكَّل بهم هناك، وسار فلقي المعتمد بين المَوْصِل والحديثة، فخرج إليه نحرير الخادم، وسلَّم عليه واستأذن فأُذِنَ له، فدخل ابنُ كنْداج ومعه ابنه محمد وجماعة يسيرة، فسلَّم ووقف، وقَالَ: يا إِسْحَاق لِمَ منعت الحَشَم من الدّخول إِلَى المَوْصِل؟ وكان ينزلها أَحْمَد بْن خاقان وخطارمِش، فقال: يا أمير المؤمنين أخوك فِي وجه العدوّ، وأنت تخرج عن مستقرّك ودار مُلْكك، ومتى صحّ كتاب أخيك يأمرنا بردّك.
فقال: أنت غلامي أو غلامه؟ فقال: كلُّنا غلمانك ما أطعت الله، فإذا عصيته فلا طاعة لك وقد عصيت الله فيما فعلت من خروجك، وتسليط عدوّك على المسلمين. ثُمَّ خرج من المضرب ووكّل به جماعة. ثُمَّ بعث إِلَى المعتمد يطلب ابنَ خاقان وخطارمِش لِيُنَاظِرهما. فبعث بهما إليه فقال: ما جنى أحد على الْإِسْلَام والخليفة ما جنيتم، فلِمَ أخرجتموه من دار مُلْكه فِي عدّةٍ يسيرة، وهارون الشّاري بإزائكم فِي جمعٍ كبير؟ فلو حضركم وأخذ الخليفة لكان عارًا وسبَّةً على الْإِسْلَام. ثُمَّ رسّم عليهم، وبعث إِلَى الخليفة يقول: ما هَذَا المقام، فارجع.
فقال المعتمد: فأخلف لي أنّك تنحدر معي ولا تسلّمني.
فحلف له، وانحدر إِلَى سامراء، فتلقّاه صاعد بْن مَخْلد كاتب الموفَّق، فسلّمه إِسْحَاق إليه، فأنزله في دار أحمد ابن الخصيب، ومنعه من نزول دار الخلافة، ووكّل به خمسمائة رَجُل يمنعون من الدّخول إليه.

(20/18)


وأمّا الموفَّق فبعث إِلَى إِسْحَاق بخلعٍ وأموالٍ، وأقطعه ضياع القُوّاد الذين كانوا مع المعتمد.
وقَالَ الصُّوليّ: كان المعتمد قد ضجر من أَخِيهِ الموفَّق، فكاتب ابنُ طولون واتّفقا فذكر الحكاية.
وقَالَ المعتمد:
أليس من العجائب أنّ مثلي ... يَرَى ما قلَّ ممتنعًا عليه؟
وتُوكَلُ باسمه الدُّنيا جميعًا ... وما من ذاك شيءٌ في يديه؟
تلقيت ذي الوزارتين وذي السَيفين:
ولقّب الموفَّق صاعدًا: ذا الوزارتين، ولقب ابنُ كُنْداج: ذا السَّيفين.
وأقام صاعد فِي خدمة المعتمد، ولكن ليس للمعتمد حلّ ولا ربْط.
مصادرة ابنُ طولون للقاضي بكار بْن قُتَيْبَةَ:
ولمّا بلغ ابنُ طولون ذلك جمع القُضاة والأعيان وقَالَ: قد نكث الموفَّق أبو أَحْمَد بأمير المؤمنين فاخلعوه من العهد. فخلعوه إلّا القاضي بكّار بْن قُتَيْبة؛ فقال: أنت أوردت عليَّ كتابًا من المعتمد بولاية العهد، فأورِدْ عليَّ كتابًا آخر منه بخلْعه.
فقال: إنّه محجورٌ عليه ومقهور.
فقال: لا أدري.
فقال ابنُ طولون: أغرّك النّاس بقولهم: ما فِي الدُّنيا مثل بكّار؛ أنت شيخ قد خرَّفت. وحبسهُ وقيّدهُ، وأخذ منه جميع عطاياه من سنين، فكان عشرة آلاف دينار، فَقِيلَ: إنّها وُجدت فِي بيت بكّار بختمْها وحالها.
وبلغ الموفَّق فأمر بلعنة ابنُ طولون على المنابر.
سير ابنُ طولون إِلَى المصّيصة وتراجعه:
وفيها سار ابنُ طولون إِلَى المصِّيصة. وبها يازمان الخادم، فتحصّن ونزل ابنُ طولون بالمَرْج والبردُ شديد. فشقّ عليه يازمان نهر طَرَسُوس، فغرق المرج وهلك عسكر ابن طولون، فرحل وهو خائف، فخرج أَهْل طَرَسُوس فنهبوا بقايا عسكره،

(20/19)


ومرِض فِي طريقه مرضته الّتي مات فيها مغبونًا.
ولاية ابنُ كُنْداج:
وولّي الموفَّق إِسْحَاق بْن كُنْداج المغرب كلّه والعراق كلّه، وما كان بيد أَحْمَد بْن طولون.
إحراق قطعة من بلد الزَّنج:
وفيها عبر الموفَّق إِلَى الخبيث وأحرق قطعة من البلد، وجرح ابنُ الخبيث وكاد يتلف.
الوقعة بين الموفق وبين الزَّنج:
وَفِي شوّال كَانَتْ بين الموفَّق والخبيث وقعةٌ عظيمة. ولمّا رَأَى الخبيث أنّ الميرة قد انقطعت عَنْهُ وصعُب أمره، وقلّ عنده الشيء، حَتَّى كان أحدهم إذا وقع بامرأة أو صبيّ ذبحه وأكله. وكان الخبيث يعاقب من يفعل ذلك لكنْ بحبسه.
ثُمَّ إنّ الموفَّق أحرق عامّة البلد وقصر الإمارة، وخافت الزَّنج، فقاتلوا قتالًا شديدًا، ثُمَّ انهزموا، وعبر الخبيث إِلَى الجانب الشرقيّ من نهر أبي الخصيب، واستأمن إِلَى الموفَّق جماعة من القُوّاد أصحاب الخبيث وخاصّته، وفتحوا سجنًا كبيرًا كان للخبيث فِيهِ خلْق من عساكر المسلمين وأصحاب الموفَّق، فأطلقوهم.
دخول المعتمد واسط:
وَفِي ذي القعدة دخل المعتمد إلى واسط.
دخول الموفٌّق مدينة صاحب الزَّنْج وتخريب داره:
وفيه سارت السُّفن والسّماريات وجيوش الموفَّق على ترتيب لم يُرَ مثله كثْرةً وأُهْبةً، فَلَمَّا رَأَى الخبيث ذلك بَهره وزال عقله. وزحف الجيش نحو الخبيث، فالتقاهم فِي جيشه، والْتحم القتال، وحمل الموفَّق وابنه والخواصّ، فهزموا الزَّنج، وقتلوا منهم مقتلةً هائلة، وأسروا خلقًا، فَضُرِبَتْ أعناقهم. وقصد الموفَّق دار الخبيث، وقد التجأ

(20/20)


إليها، وانتحب أنجاد أصحابه ليدافعوا عَنْهَا، فَلَمَّا لم يُغْنوا عَنْهُ شيئًا أسلمها، وتفرّق عَنْهُ أصحابه، ونُهِبَتْ داره وحُرَمُه وأولاده، فهرب الخبيث نحو دار المهلّبيّ قائده. وأُتِيَ بحريمه وذرِّيتّه فكان عددهم أكثر من مائة، فأمر الموفَّقٌ بحملهم إِلَى الموفَّقيّة وأحسن إليهم، وأمر بإحراق دار الخبيث. وكان عنده نساء علويّات وحرائر قد استباحهنّ، وجاءه منهنّ أولاد1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 613-653"، والكامل "7/ 377-396"، والبداية "11/ 42، 43"، والنجوم "3/ 57، 58"، وصحيح التوثيق "6/ 280".

(20/21)


أحداث سنة سبعين ومائتين:
فيها تُوُفيّ: أَحْمَد بْن طولون صاحب مصر، وأحمد بْن عَبْد الله بْن البَرْقيّ، وأحمد بْن المقدام الهَرَويّ، وإبراهيم بْن مرزوق البصريّ، وأسد بْن عاصم، وبكّار بْن قُتَيْبَةَ القاضي، والحسن بْن عليّ بْن عفان العامريّ، وداود الظّاهريّ الفقيه، والربيع بْن سُلَيْمَان المراديّ، وزكريّا بْن يحيى المَرْوَزِيّ، وعبّاس بْن الْوَلِيد البَيروتيّ، وأبو البَخْتَرِيّ عَبْد الله بْن محمد بْن شاكر، ومحمد بن إِسْحَاق الصّغانيّ، ومحمد بْن ماهان، ومحمد بْن مُسْلِم بْن وَارَةَ، ومحمد بْن هشام بْن ملّاس.
مقتل صاحب الزَّنج:
وفيها وصل لؤلؤ الطُّولوني فِي جيشٍ عظيم نجدةً للموفق فِي المحرّم، فكانت بين الموفَّق وبين الخبيث وقعةٌ أوهنت الخبيث، ثُمَّ وَقْعَةٌ أخرى قُتِلَ فيها الخبيث وعجل الله بروحه إِلَى النّار. وهو عليّ بْن محمد المدَّعي أنّه علويّ، وَقِيلَ: اسمه بَهْبُوذ. قد ذكرنا وقائعه مع الموفَّق وحصاره الزّمن الطّويل له، إِلَى أن اجتمع مع الموفَّق زهاء ثلاثمائة ألف مقاتل مطَّوّعة وَفِي الديوان.
فَلَمَّا كان فِي ثاني صفر، وقد التجأ الخبيث إِلَى جبلٍ ثُمَّ تراجع هُوَ وأصحابه إِلَى مدينتهم خُفْية، وجاءت مقدّمات الموفَّق، فَلَمَّا وصلوا إِلَى المدينة لم يَدْرُوا أنّهم قد رجعوا إليها، فأوقعوا بهم، فانهزم الخبيث وأصحابه، وتبعهم أصحاب الموفَّق يأسرون ويقتلون، وانقطع الخبيث فِي جماعةٍ من قوّاده وفرسانه، وفارقه ابنه انكلائي، وسليمان ابن جامع، فظفر أبو الْعَبَّاس بن الموفَّق بابن جامع، فكبّر النّاس لمّا أتى به إِلَى أبيه.

(20/21)


ثُمَّ شدّ الخبيث وأصحابه، فأزال النّاس عن مواقفهم، فحمل عليه الموفَّق فانهزموا وتَبِعهم إِلَى آخر نهر أبي الخصيب، فبينا القتال يعمل إذ أتى فارس من أصحاب لؤلؤ إِلَى الموفَّق برأس الخبيث فِي يده، فلم يصدّقه فعرضه على جماعةٍ فعرفوه. فترجل الموفَّق وابنه والأمراء وخرّوا سجَّدًا لله، وكبّروا وحمدوا الله تعالى.
وَقِيلَ: إنّ أصحاب الموفَّق لمّا أحاطوا به لم يبق معه إلّا المهلَّبيّ، ثُمَّ ولّى وتركه، فقذف نفسه فِي النّهر فقتلوه. وسار أبو الْعَبَّاس ومعه رأس الخبيث على رمحٍ فدخل به بغداد، وعُمِلت قِباب الزّينة، وضجّ النّاس بالدّعاء للموفَّق وولده. وكان يومًا مشهودًا. وأمِن النّاس وتراجعوا إِلَى المدن الّتي أخذها الخبيث.
وكان ظهوره من سنة خمسٍ وخمسين.
قَالَ الصُّولي إنّه قتَل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف آدميّ، وقتل فِي يومٍ واحدٍ بالبصرة ثلاثمائة ألف.
وكان له منبرٌ فِي مدينته يصعد ويسبّ عُثْمَان وعليّ ومعاوية وطلحة والزُّبير وعائشة، وهو رَأَى الأزارقة1.
وكان ينادى على المرأة العلوية بِدرْهَمين وثلاثةٍ فِي عسكره، وكان عند الواحد من الزَّنج العشرة من العلويّات يطأهنّ وتخدمن نساءهنّ.
ومدح الشعراء الموفَّق.
عودة المعتمد إِلَى سامُرّاء:
وَفِي نصف شعبان أعيد المعتمد إِلَى سامراء، ودخل بغداد ومحمد بْن طاهر بْن يديه بالحربة والحسن فِي خدمته كأنْ لم يُحْجَر عليه.
انبثاق بثق بنهر عِيسَى:
وفيها انبثق ببغداد فِي الجانب الغربي فِي نهر عِيسَى بثقٌ، فجاء الماء إِلَى الكَرْخ، فهدم سبعة آلاف دار.
__________
1 الأزارقة: إحدى فرق الخوارج الضالة.

(20/22)


ظهور الحسني بالصعيد ومقتله:
وفيها ظهر أَحْمَد بْن عَبْد الله بْن إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن إبْرَاهِيم بْن عبد الله بْن الحسني بالصعيد، وتبعه خلْق. فجهّز أَحْمَد بن طولون لحربه جيوشًا، وكانت بينهم وقعات وظفروا به وأتوا ابنُ طولون فقتله.
ومات بعده ابنُ طولون بيسير.
ظهور دعوة المهديّ باليمن:
وفيها ظهرت دعوة المهديّ باليمن، وكان قبلها بنحو سنين قد سيّر والدهُ عُبَيْد، جدّ بني عُبَيْد الخلفاء المصرييّن الرَّوافض المَلاحِدة الَّذِي زعم أنّه ابنُ محمد بْن إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الصادق، داعين لولده عَبْد الله المهديّ، أحدهما أبو القاسم بْن حَوْشَب الكوفي، والآخر أبو الْحَسَن، فَدَعَوْا إِلَى المهدي سرًّا.
ثُمَّ سيّر والد المهديّ داعيًا آخر يُسمّى أَبَا عَبْد الله، فأقام باليمن إِلَى سنة ثمانٍ وسبعين، فحجّ تلك السنة، واجتمع بقبيلة من كُتامة، فأعجبهم حاله، فصحبهم إلى مصر، ورأى منهم طاعةً وقوّة، فصحبهم إِلَى المغرب، فكان ذلك أوّل شأن المهديّ.
هزيمة الروم عند طَرَسُوس:
وفيها نازلت الرّوم طَرَسُوس فِي مائة ألف وبها يازمان الخادم، فبيَّتهم ليلًا وقتل مقدّمهم وسبعين ألفًا. وأخذ منهم صليبهم الأكبر وعليه جواهر لا قيمة لها، وأخذ من الخيل والأموال والأمتعة ما لا ينحصر، ولم يُفِلت منهم إلّا القليل؛ وذلك فِي ربيع الأوّل. وكان فتحًا عظيمًا عديم المثيل منَّ الله به على الْإِسْلَام يوازي قتل الخبيث. والحمد لله وحده1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 654-667"، والكامل "7/ 399-406"، والبداية "11/ 44، 45"، والنجوم الزاهرة "3/ 59-61"، وصحيح التوثيق "6/ 282".

(20/23)


تراجم أهل هَذِهِ الطَّبَقَةِ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ:
حَرْفُ الأَلِفِ:
1- أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم.
أبو الْعَبَّاس الْبَغْدَادِيّ1 ورّاق خلف بن هشام البزّار.
سمع: خَلَفًا، ومسدّدًا، ومسلم بْن إِبْرَاهِيم القعنبيّ، وطائفة.
وعنه: أبو عِيسَى بْن قَطَن، وإسحاق بْن أبي حسّان الأنماطيّ، وحمزة الِّسمسار.
قَالَ: الخطيب: كان ثقة. صنَّف فِي عدد الآي.
قلت: وكان أحد الحُذّاق فِي القراءة. تلا على خَلَف، وعلى أبي عُبَيْد، ومحمد بْن إِسْحَاق، وهشام بْن عمّار وغيرهم.
2- أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم.
أبو علي القُهسْتانيّ2.
حافظ، نزل بغداد.
عن: يحيى بْن يحيى، وابن نُمَيْر، وإبراهيم بْن المنذر.
وعنه: ابنُ مَخْلَد، ومحمد بْن جَعْفَر المَطِيريّ، وجماعة.
وثِّق.
تُوُفيّ سنة سبعٍ وستّين ومائتين.
3- أَحْمَد بْن الأزهر بْن مَنِيع بن سليط -ن ق.
أبو الأزهر العبديّ النيَّسابوري الحافظ3.
حجّ ورأى سُفْيَان بْن عُيَيْنَة؛ وسمع: عَبْد الله بْن نُمَيْر، وأسباط بْن محمد، ومالك بْن سُعَيْر بن الخِمْس، ومحمدا، وَيَعْلَى بن عبيد، ويعقوب بن إبراهيم
__________
1 انظر: تاريخ بغداد "4/ 8".
2 تاريخ بغداد "4/ 9، 10".
3 انظر: الجرح والتعديل "2/ 41"، والسير "10/ 254"، طبعة التوفيقية.

(20/24)


الزُّهريّ، وعبد الرّزّاق، ووهْب بْن جرير، وأبا ضَمرة، وطائفة.
وعنه: ن. ق. ومحمد بْن يحيى، ومحمد بْن الْحُسَيْن القطان، وخلْق كثير.
قَالَ ابن الشرقيّ: سمعته يقول: كتب عنيّ يحيى بْن يحيى.
وكان أبو الأزهر ثقةً بصيرًا بهذا الشّأن، روى عن عَبْد الرّزّاق حديثًا مُنْكَرًا هُوَ منه إنّ شاء الله بريء العهدة. وهو: أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: "أَنْتَ سّيدٌ فِي الدُّنْيَا سّيدٌ فِي الآخِرَةِ. مَنْ أحبَّك فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَحَبِيبِي حَبِيبُ اللَّهِ. وعدوَّك عَدُوِّي وَعَدُوِّي عَدُوُّ اللَّهِ، وَالْوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ مِنْ بَعْدِي"1.
قَالَ أَحْمَد بْن يحيى بْن زُهير السَّريّ: لمّا حدَّث أبو الأزهر بهذا الحديث أُخبر يحيى بْن معين بِذَلِك، فقال: مَن هَذَا الكذاب النَّيسابوريّ الَّذِي حدَّث بهذا؟ فقام أبو الأزهر فقال: هوذا أَنَا.
فتبسَّم ابنُ معين وقَالَ: أما إنّك لست بكذّاب. وتعجّب من سلامته، وقَالَ: الذَّنب لغيرك فِي هَذَا الحديث.
قَالَ أبو حامد بْن الشَّرقيّ، هَذَا حديث باطل، وكان لمعمر ابنُ أخٍ رافضيّ، وكان ابنُ مُعَمَّر يمكِّنه من كُتُبه، فأدخل عليه هَذَا. وكان مُعَمَّر رجلًا مهيبًا، ولا يقدر عليه أحد فِي السّؤال والمراجعة، فسمعه عَبْد الرّزّاق فِي كتابه.
وقَالَ غير واحد، عن مكّيّ بْن عَبْدان: سمعت أَبَا الأزهر يقول: خرج عَبْد الرّزّاق إِلَى قريته، فبكَّرت إليه قبل الصُّبح، فَلَمَّا رآني قَالَ: كنت البارحة هنا؟ قلت: لا، ولكن خرجت فِي اللّيل.
فأعجبه ذلك. فَلَمَّا فرغ من صلاة الصُّبح دعاني وقرأ عليّ هَذَا الحديث، وخصّني به دون أصحابي2.
__________
1 "حديث باطل": أخرجه ابن عدي "1/ 195" في الكامل، والخطيب "4/ 48" في تاريخ بغداد، وابن الجوزي "2/ 218"، في العلل المتناهية، وانظر: الميزان "5044"، وتنزيه الشريعة "1/ 398".
2 تاريخ بغداد "4/ 42".

(20/25)


وروى أبو محمد بْن الشَّرقي، عن أبي الأزهر قَالَ: كان عَبْد الرّزّاق يخرج إِلَى قريته، فذهبت خلفه، فرآني أشتدّ، فقال: تعال. فأركبني خلفه على البغْل، ثُمَّ قَالَ لي، ألا أخبرك حديثًا غريبًا؟ قلت: بلى.
فحدَّثني الحديث. فَلَمَّا رجعت إِلَى بغداد أنكر عليّ ابنُ مَعِين وهؤلاء، فحلفت أن لا أحدّث به حتى أتصدّق بدرهم.
وقد رواه محمد بْن عليّ بْن سُفْيَان النّجّار، عن عَبْد الرّزّاق.
قَالَ أبو حامد بْن الشّرْقيّ: قَيِل لي لِمَ لا ترحل إِلَى العراق؟ قلت: وما أصنع وعندنا من بنادرة الحديث ثلاثة: محمد بْن يحيى، وأبو الأزهر، وأحمد بن يوسف السُّلميّ.
قَالَ النَّسائيّ: أبو الأزهر لا بأس به.
وعن أبي الأزهر قَالَ: لمّا أنكر عليَّ ابن معين هذا الحديث حلفت أن لا أحدث به حتى أتصدَّق بدرهم.
وقال الدّارقطنيّ: لا بأس به، أخرج فِي الصَّحيحين عمّن هُوَ دونه.
قَالَ الْحُسَيْن بْن محمد القبّانيّ: تُوُفيّ سنة ثلاثٍ وستين.
وقَالَ أبو حاتم: صدوق.
4- أَحْمَد بْن حرب بن محمد بن علي بن حيان بْن شاذان بْن الغَضُوبة1.
أبو بَكْر الْمَوْصِلِيّ. أخو عليّ بْن حرب.
سمع: سُفْيان بْن عُيَيْنَة، وأبا مُعَاوِيَة، وطائفة.
وعنه: س، وقَالَ: هُوَ أحبُّ إليَّ من أَخِيهِ، وأبو بَكْر بْن أبي دَاوُد، ومكحول البيروتيّ، وآخرون.
وقَالَ الأزْديّ فِي تاريخه: كان ورِعًا فاضلًا، رابط بأَذَنَه، وبها مات.
5 - أَحْمَد بْن الحَسَن السُّكّريّ الحافظ2.
__________
1 انظر الجرح والتعديل "2/ 49"، السير "12/ 253، 254".
2 في عداد المجهولين.

(20/26)


تُوُفيّ بمصر سنة ثمانٍ وستّين.
لا أعرفه، وذكره مختصر.
6 - أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن مُجَالد الضرير1. مَوْلَى المعتصم.
أَخَذَ عن: جَعْفَر بْن مبشّر عِلْم الكلام. وكان من دُعاة المعتزلة.
هلك سنة تسعٍ وتسعين، وَقِيلَ: قبلها بعام.
7 - أَحْمَد بْن حمدون2. أبو عبد الله الْبَغْدَادِيّ الكاتب الإخباريّ، والشاّعر، أَحَدُ الموصوفين بالظُّرف والأدب. نادَمَ الخلفاء، وقد مدحه البُحْتُريّ.
تُوُفيّ سنة أربعٍ وستّين.
روى عنه: ابن أخيه عليّ بن بسّام، جعفر بْن قُدامة، وأحمد بن الطَّيّب السّرْخَسيّ.
8- أَحْمَد بْن الخصيب بْن عَبْد الحميد3. الوزير أبو الْعَبَّاس الْجَرْجَرائيّ. وَزَر للمنتصر وللمستعين، ثُمَّ نفاه المستعين إِلَى الغرب فِي سنة ثمانٍ وأربعين. وأبوه ولي إمرة الدّيار المصرية.
وَقِيلَ: إنّ أَحْمَد كان فِيهِ حِدة وتسُّرع.
قَالَ أَحْمَد بْن أبي طاهر الكاتب: كان يحتدّ علي من يُراجعه، ويُخْرِج رِجْله من الرِّكاب، فيرفس من يراجعه، ففيه أقول من أبيات:
قل للخليفة يابن عم محمدٍ ... أَشْكِلْ وزيركَ إنّه محلول
فلِسانُهُ قد جال فِي أعراضِنا ... والرِّجل منه فِي الصُّور تجول
وذكر الصُّولي، عن الْحُسَيْن بْن يحيى، أنّ أَحْمَد بْن الخصيب كان يتصدّق كل
__________
1 هالك، من المعتزلة.
2 لم نقف عليه.
3 وفيات الأعيان "2/ 418"، السير "12/ 553".

(20/27)


يومٍ بخمسين دينارًا، إِلَى أن نُكِب، فكان يمنع نفسه القوت، ويتصدَّق بخمسين درهمًا.
توفيَّ أَحْمَد سنة خمسٍ وستين.
9 - أَحْمَد بْن سُلَيْمَان بن عبد الملك. أبو الحسن الرّهاويّ الحافظ1، أحد الأئمّة.
رحل وطوَّف، وسمع: زَيْدَ بْن الحُباب، ويحيى بْن آدم، وجعفر بْن عَوْن، وهذه الطبقة.
وعنه: س. فأكثر، وأبو عَرُوبة، ومكحول، وآخرون.
تُوُفيّ سنة إحدى وستّين.
قَالَ س: ثقة مأمون، صاحب حديث.
10 - أحمد بن يسّار بن أيّوب2 -ن.
أبو الحسن المروزيّ الحافظ الفقيه، أحد الأعلام.
سمع: عفّان، وسليمان بْن حرب، وعَبْدان، ومحمد بْن كثير، وصَفْوان بْن صالح الدّمشقيّ، وإسحاق بْن راهويْه، ويحيى بْن بُكَيْر، وطبقتهم.
وعنه: ن. ووثّقه، وَقِيلَ: إنّ خ. روى عَنْهُ، عن محمد بْن أبي بَكْر المقدّميّ، وروى عَنْهُ: محمد بْن نصر المروزيّ، وابن الْعَبَّاس محمد بْن أَحْمَد بْن محبوب، وحاجب بْن أَحْمَد الطُّوسي، وطائفة.
وهو مصنّف تاريخ مَرْو.
وقَالَ عَبْد الرحمن بْن أبي حاتم: ثنا عَنْهُ عليّ بْن الْجُنَيْد، ورأيت أبي يُطْنب فِي مدحه، ويذكره بالعِلم والفِقه.
قلت: وهو أحد أصحاب الوجوه من الشّافعية، أوجَب الأذان للجمعة دون
__________
1 انظر الجرح والتعديل "2/ 52، 53"، السير "12/ 475".
2 الجرح والتعديل "2/ 53"، السير "12/ 609-611".

(20/28)


غيرها، وأوجب رَفْع اليدين فِي تكبيرة الإحرام كداود الظَّاهريّ، وكان بعض العلماء يُشَبِّهه فِي زمانه بابن الْمُبَارَك عِلْمًا وفضلًا.
تُوُفيّ فِي ربيع الآخر سنة ثمانٍ وستّين، وقد استكمل سبعين سنة.
11 - أَحْمَد بْن طولون. الأمير أبو العبّاس التُّركيّ1، صاحب مصر، وُلِد بسامرّاء.
ويقال: إنّ طولون تبنّاه، وكان ظاهر النّجابة من صِغره. وكان طولون قد أهداه نوح عامل بخارى إِلَى المأمون فِي جملة غلمان، وذلك فِي سنة مائتين.
فمات طولون فِي سنة أربعين ومائتين، ونشأ ابنه على مذهبٍ جميلٍ فحفظ القرآن وأتْقنه. وكان مِن أطيب النّاس صوتًا به، مع كثرة الدّرس وطلب العلم.
وحصل وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي إمرة الثغور، وولي إمرة دمشق وديار مصر. وأوّل دخوله مصر سنة أربعٍ وخمسين ومائتين وعمره أربعون سنة، فملكها بضع عشرة سنة.
وبَلَغَنا أنّه خلّف من الذَّهب الأحمر عشرة آلاف ألف دينار، وأربعة وعشرين ألف مملوك.
ويقال إنه خلف ثلاثة وثلاثين ولدًا ذكورًا وإناثًا، وستمّائة بغل ثقل وقيل: إنّ خراج مصر بلغ فِي العام فِي أيّامه أربعة آلاف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار.
وكان شجاعًا حازمًا مهيبًا خليقًا للمُلْك، جوادًا ممدَّحًا. وَقِيلَ: بلغت نفقته كلّ يوم ألف دينار. إلّا أنه كان سفّاكًا للدّماء، ذا سطوةٍ وجَبَرُوت.
قَالَ القُضاعيّ: أُحْصِيَ مَن قتله صبْرًا، فكان جملتهم مع من مات فِي سجنه ثمانية عشر ألفًا.
وأنشأ الجامع المشهور، وغرِم على بنائه أكثر من مائة ألف دينار. وكان الخليفة مشغولًا عَنْهُ بحرب الزَّنج.
وكان فيما قَيِل حسَّن له بعض التّجّار التّجارة، فدفع إليه خمسين ألف دينار،
__________
1 البداية "11/ 42-47"، السير "13/ 94".

(20/29)


فرأى فِي النوم كأنّه يمشمش عظْمًا. فدعى المعَبّر وقصّ عليه فقال: لقد سَمَت همَّة مولانا إِلَى مكسبٍ لا يُشبَّه خَطَرُه.
فأمر صاحب صدقته أن يأخذ الخمسين ألف دينار من التّاجر ويتصدَّق بها. وكان سامحه الله تعالى، قد ضبط الثغور وعمّرها. وكان صحيح الْإِسْلَام معظِّمًا للحُرُمات، محبّا للجهاد والرّباط.
قَالَ أَحْمَد بْن خاقان، وكان تِرْبًا لأحمد بْن طولون. وُلِد أَحْمَد سنة أربع عشرة ومائتين، ونشأ في الفقه والتصرُّف، فانتشر له حُسْن الذّكر، وكان شديد الإزراء على الأتراك فيما يرتكبونه، إِلَى أن قَالَ لي يومًا: يا أخي، إِلَى كم نقيم على الإثم، لا نطأ موطئًا إلى كُتِب علينا فِيهِ خطيئة.
والصّواب أن نسأل الوزير عبيد الله بن يحيى أن يكتب بنا بأرزاقنا إِلَى الثّغر ونقيم به فِي ثوابه.
ففعلنا ذلك، فَلَمَّا صرنا بطَرَسُوس سرَّ بما رَأَى من الأمر بالمعروف والنَّهْي عن المُنْكَر، ثُمَّ عاد إِلَى العراق وارتفع محلُّه.
قَالَ محمد بْن يوسف الهَرَوِيّ، نزيل دمشق: كنّا عند الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان سنة ثمانٍ وستّين، إذ جاء رسول أَحْمَد بْن طولون بكيسٍ فِيهِ ألف دينار، وقَالَ لي عَبْد الله القيروانيّ: بل كان سبعمائة دينار، وصرّة فيها ثلاثمائة دينار، لابنه أبي الطّاهر. فدعى الرَّبِيع ابنه حتّى جاءه فأمره بقبض المال.
ذكر محمد بْن عَبْد الملك الهَمْدانيّ أنّ أَحْمَد بْن طولون جلس يأكل، فرأى سائلًا، فأمر له بدجاجةٍ ورغيفٍ وحلوى. فجاء الغلام وقَالَ: ناولته فَمَا هشَّ له. فقال: عليَّ به. فَلَمَّا مَثُلَ بين يديه لم يضطّرب من الهيبة، فقال: أحضِر الكُتُب الّتي معك وأصْدِقْني، فقد ثبت عندي أنّك صاحب خبر. وأحضر السِّياط فاعترف فقال بعض من حضر: هَذَا والله السِّحْر.
قَالَ: ما هو بسحر، ولكنه قياس صحيح. ورأيت سوء حاله، فسيَّرت له طعامًا يسُّر له الشَّبعان، فَمَا هشَّ، فأحضرته فتلقّاني بقوَّة جأش، فعلمت أنّه صاحب خبر1.
__________
1 السير "10/ 48".

(20/30)


قال أبو الحسن الرّازيّ: سمعت أَحْمَد بْن حميد بْن أبي العجائز وغيره من شيوخ دمشق قَالُوا: لمّا دخل أحمد ابن طولون دمشق وقع فيها حريق عند كنيسة مريم، فركب إليه أَحْمَد ومعه أبو زُرْعة البصْريّ، وأبو عبد الله محمد بْن أَحْمَد الواسطيّ كاتبه، فقال ابنُ طولون لأبي زُرْعة: ما يُسمّى هَذَا الموضع؟ فقال: كنيسة مريم.
فقال أبو عبد الله: وكان لمريم كنيسة؟ قَالَ: ما هِيَ من بناء مريم، إنّما بنوها على اسمها.
فقال ابن طولون: ما لك والاعتراض على الشَّيْخ.
ثمّ أمر بسبعين ألف دينار من ماله، وأن يُعطى كلّ من احترق له شيء، ويُقبَل قوله ولا يُسْتَحْلف. فأعطوا وفضل من المال أربعة عشر ألف دينار.
ثُمَّ أمر ابن طولون بمالٍ عظيمٍ ففُرق فِي فقراء أَهْل دمشق والغوطة. وأقلّ من أصابه من المستورين دينار.
وعن محمد بْن عليّ المادَرَائي قَالَ: كنت أجتاز بتُربة أَحْمَد بْن طولون فأرى شيخًا ملازمًا للقبر، ثُمَّ إني لم أره مدّة ثُمَّ رَأَيْته فسألته، فقال: كان له علينا بعض العدل إنْ لم يكن الكلّ فأحببت أن أصِله بالقراءة.
قلت: فلِمَ انقطعت؟ قَالَ: رَأَيْته في النَّوم وهو يقول: أحبّ أن لا يُقْرأ عندي، فَمَا آية إلّا قُرِعْتُ بها وَقِيلَ لي: ما سمعت هَذِهِ؟ تُوُفيّ بمصر فِي ذي القعدة سنة سبعين، وتملّك بعده ابنه خُمَارَوَيْه.
12 - أَحْمَد بْن عَبْد الله بْن صالح بْن مُسْلِم. أبو الْحَسَن الكوفي العجلي الحافظ الطَّرابلسيّ المغربي1.
سمع: الحسين بْن عليّ الْجُعْفيّ، ومحمدا، وَيَعْلَى بْن عُبَيْد الطّنافسيّ، ومحمد بن يوسف الفريابيّ، وشبابة ابن سَوّار، وخلْقًا سواهم.
روى عَنْهُ ابنه صالح كتابه المصنَّف بالجرح والتعديل، وهو كتاب مفيد يدلّ على إمامه الرجل وسعة حفظه.
قَالَ عبّاس الدُّوريّ: إنّما كنّا نعدُّه مثل أَحْمَد بن حنبل، ويحيى بن مَعِين.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 255"، تاريخ بغداد "4/ 214، 215".

(20/31)


قلت: ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة.
ونزح إِلَى الغرب أيّام المحنة بخلْق القرآن، وتُوُفيّ سنة إحدى وستّين ومائتين بطرابلس.
وآخر من روى عَنْهُ مُسْنِد الأندلسي محمد بْن فُطَيْس الغافِقيّ.
وروى عَنْهُ: سَعِيد بن عثمان، وسعيد بْن إِسْحَاق، وعثمان بن حديد الأكسريّ، وجماعة.
وكان يقول: مَن آمن بالرجعة فهو كافر، ومَن قَالَ: القرآن مخلوق فهو كافر.
وَقَالَ بعض الأئمة: لم يكن له عندنا شبيه بالمغرب، ولا نظير فِي زمانه فِي معرفة الحديث وإتقانه، وَفِي زُهْده وورعه.
وقَالَ المؤرخ أبو العرب محمد بْن تميم الحافظ بالقيروان: سُئل مالك بْن عِيسَى القفصيّ الحافظ: مَن أعلم من رَأَيْت بالحديث؟ قَالَ: أمّا بالشيوخ فأحمد بْن عَبْد الله العِجْليّ.
وقَالَ محمد بْن أَحْمَد بْن تميم الحافظ: سمعت أَحْمَد بْن مغيث، مقرئ ثقة، يقول: سُئل يحيى بْن مَعِين عن أَحْمَد بْن عَبْد الله العِجِليّ فقال: هُوَ ثقة ابنُ ثقة ابنُ ثقة.
وقَالَ بعضهم: إنّما سكن أَحْمَد بطرابلس طلبًا للتفرُّد والعبادة.
وقبره هناك على الساحل، وقبر ابنه صالح بجنبه.
وتُوُفيّ صالح سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة.
وقَالَ أَحْمَد: رحلت إِلَى أبي دَاوُد الطَّيالسيّ، فمات قبل قدومي بيوم.
وكان أَبُوهُ من أصحاب حَمْزَةَ الزّيّات.
13 - أَحْمَد بْن عَبْد الله بْن القاسم.
أبو بَكْر التميمي الوراق الحافظ1.
سمع: عُبَيْد الله بْن مُعاذ العنبريّ، وصالح بن حاتم بن وردان.
__________
1 انظر: تاريخ بغداد "4/ 218".

(20/32)


وعنه: ابنُ مَخْلَد العطّار، وأبو سَعِيد بْن الأعرابيّ.
وكان بصْريًا يُعرف بالرّغيف.
تُوُفيّ سنة تسعٍ وستّين.
14 - أَحْمَد بْن عَبْد الله الخُجُسْتانيّ1. الأمير المتغلّب على نيسابور. كان جبّارًا ظالمًا غاشمًا من أتباع يعقوب ابن اللَّيْث الَّذِي ستأتي أخباره. ثُمَّ خرج عن طاعته، فاستولى على نيسابور.
من أبناء سنة إحدى وستّين ومائتين. وأخذ يُظْهر المَيْل إِلَى بني طاهر ليستميل بِذَلِك قلوب الرعية. وبقي يكتب أَحْمَد بْن عَبْد الله الطّاهريّ.
ثُمَّ كاتَب رافع بْن هَرْثمَة، فقدم عليه وتلقّاه وجعله أتابكه.
وله حُروب وأمور، وهو الَّذِي قَتَلَ يحيى بْن الذُّهليّ، فرآه بعضهم فِي النوم فقال: أَنَا لم أُقْتَلْ ولم أجد حرّ القتْل، ولكن الله أشقى الخُجُسْتانيّ بي.
قلت: اتفق على الخُجُسْتانيّ اثنان من غلمانه فذبحاه وهو سَكْران لستٍّ بقين من شوال سنة ثمانٍ وستّين.
وقَالَ محمد بْن صالح بْن هانئ: لمّا قُتِلَ محمد بْن يحيى حيكان ترك أبو عَمْرو أَحْمَد بْن الْمُبَارَك المستملي اللّباس الغضّة، فكان يَلْبَسُ فِي الشِّتَاءِ فَرْوًا بِلا قَمِيصٍ، وَفِي الصَّيف مَسْحًا، فقدِم يومًا إلى أحمد بن عبد الله فأخذ بعنانه وقَالَ: يا ظالم -قلت: الْإِمَام ابنُ الْإِمَام العالم ابن العالم- فارتعد أَحْمَد بْن عَبْد الله ونَفَرت دابّتُه فأتت الرّجّالة لتضربه فقال: دعوه دعوه.
قَالَ عن أبي حاتم نوح، قَالَ: قَالَ لي الخُجُسْتانيّ: والله ما فزعت من أحدٍ فَزَعي من صاحب الفَرْوَة؛ ولقد ندِمت حينئذٍ على قتِل حيكان.
خُجُسْتان: من جبل هَرَاة.
ومن عسفه فِي مصادرته للرعيّة أنّه نصب رُمْحًا لزمهم أن يُغَطّوا أسنانه بالدّراهم.
15 - أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم بْن سعيد.
__________
1 انظر: الكامل "7/ 296"، وتاريخ الطبري "9/ 599، 600".

(20/33)


أبو بَكْر بْن البَرْقيّ المصريّ الحافظ، مَوْلَى بني زُهْرة.
سمع: عَمْرو بْن أبي سلمة التِّنِّيسي، وأسد بْن مُوسَى، وعبد الملك بْن هشام، وطبقتهم.
وله كتاب فِي معرفة الصّحابة وأنسابهم، رواه عَنْهُ أَحْمَد بْن عليّ المدينيّ. وكان إمامًا حافظًا متقنًا، عاش بعد أَخِيهِ محمد مدّة، وعاش بعده أخوه عَبْد الرحيم أيضًا.
رَفَسته دابَّته فِي شهر رمضان سنة سبعين ومائتين فمات منها رحمه الله.
وقد وَهِمَ الطَّبَرَانِيّ وَهْمًا مُنْكرًا، فسمع الكثير من عَبْد الرحيم بْن عَبْد الله بْن البَرْقيّ، عن ابنِ هشام، وعبد الله بْن يوسف التِّنِّيسيّ، وغيرهما.
وسماه أحمد بن عبد الله، فنراه في معاجمه يقول: نبا أَحْمَد بْن عَبْد الله بْن البَرْقيّ، وهو عَبْد الرحيم بلا شكّ أنّه اشتُبه عليه هَذَا بهذا.
والطَّبراني لم يُدرك أَحْمَد. ويؤيّد هَذَا أنّ عَبْد الرحيم تُوُفيّ سنة ستٍّ وثمانين، ولم يقل أبدًا: نبا عَبْد الرحيم بْن عَبْد الله فوهِمَ كما ترى وسمّاه أَحْمَد.
16 - أَحْمَد بْن القاسم بن عطيّة. أبو بكر الرازي1 البزّار والحافظ.
سمع: أَبَا بَكْر المُقَدّميّ، وهشام بْن عمّار، وجماعة كثيرة.
وأكثر الطواف.
وعنه: الْوَلِيد بْن أبان، وعبد الرَّحْمَن بْن حمدان الجلّاب، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي حاتم وقَالَ: ثقة.
17- أَحْمَد بْن محمد بْن عُثْمَان. أبو عَمْرو الثَّقفيّ الدمشقي2.
عَنِ: الوليد بْن مُسْلِم، وَمحمد بْن شُعَيب.
وعنه: ابن جوصا، وأبو عوانة في صحيحه، وجماعة.
__________
1 انظر: الجرح والتعديل "2/ 67، 68".
2 الجرح والتعديل "2/ 72".

(20/34)


وكان صدوقًا.
تُوُفيّ فِي شوّال سنة إحدى وستّين.
18 - أَحْمَد بْن محمد بْن هانئ الفقيه1. أبو بَكْر الأثرم الطّائيّ ويقال الكلبيّ الإسكافيّ الحافظ. صاحب الْإِمَام أَحْمَد.
سمع: عَبْد الله بْن بُكَيْر، وأبا نُعَيْم، وعفّان، وعبد الله بْن رجاء، وأبا الْوَلِيد الطَّيَالِسِيُّ، وحَرَمي بْن حَفْص، ومعاوية بْن عَمْرو، والقعنبيّ، ومُسَدّدًا، وطبقتهم.
وعنه: مُوسَى بْن هارون الحافظ، والنَّسائيّ فِي سُنَنه، وأحمد بْن محمد بْن ساكن الزّنْجانيّ، وابن صاعد، وعليّ بْن أبي طاهر القَزْوينيّ، وعُمَر بْن محمد بْن عِيسَى الجوهريّ.
وجمع وصنَّف السُّنن، خرَّج كتاب العلل. وله مسائل سألها الْإِمَام أَحْمَد.
قَالَ أبو بَكْر الخلّال: كان الأثرم جليل القدر حافظًا. لمّا قدِم عاصم بْن عليّ بغداد طلبَ من يُخرج له فوائد. فلم يجد غير أبي بَكْر، فلم يقع منه بموقع لحداثة سِنَه، فقال لعاصم: أخرِجْ كُتُبَك. فجعل يقول له: هَذَا الحديث خطأ، وهذا غلط، وهذا كذا، فسُّر عاصم به، وأملى قريبًا من خمسين حديثًا.
وكان مع الأثرم تيقُّظ عجيب حَتَّى نسبه يحيى بْن معين أو يحيى بْن أيوب المقابريّ، فقال: كان أحد أبويّ الأثرم جِنِّيًّا.
وقد أخبرني أبو بَكْر بْن صدقة قَالَ: سمعت أَبَا القاسم الخُتّليّ قَالَ: قدِم رجلٌ فقال: أريد أن يُكتب لي فِي الصلاة ما ليس فِي كُتُب أبي بَكْر بْن أبي شَيْبَة. فقلنا له: ليس لك إلّا الأثرم.
قَالَ: فوجّهوا إليه ورقًا، فكتب ستّمائة ورقة من كتاب الصلاة.
قَالَ: فنظرنا فإذا ليس فِي كتاب أبي بكر بن أبي شَيْبَة منه شيء2.
وأخبرني أبو بَكْر بْن صَدَقَة: سمعت إِبْرَاهِيم الأصبهانيّ يقول: أبو بَكْر الأثرم أَحْفَظُ من أبي زُرْعة الرّازي وأتقن3.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 72"، وتاريخ بغداد "5/ 110، 112".
2، 3 تاريخ بغداد "5/ 110، 111".

(20/35)


وسمعت الْحَسَن بْن عليّ بْن عُمَر الفقيه يقول: قدِم شيخان من خُراسان للحج فحدَّثا، فقعد هَذَا ناحية معه خلقٍ ومستملي، وقعد الآخر ناحية كذلك، فجلس الأثرم بينهما، فكتب ما أمليا معًا.
تُوُفيّ الأثرم بإسكاف.
19- أَحْمَد بْن محمد بْن أبي بَكْر المقدّميّ الْبَصْرِيّ1.
أبو عثمان، نزل الحرم.
سمع: أباه، ومسلم بْن إِبْرَاهِيم، وحَجّاج بْن مِنْهال، وأباهما محمد بْن مجيب.
وعنه: ابنُ أَبِي الدُّنيا، وأَبُو بَكْر بْن أَبِي عاصم، وعبد الرَّحْمَن بن أبي حاتم وقَالَ: صدوق.
قلت: تُوُفيّ سنة ثلاثٍ، أو أربعٍ وسنيّن.
وأمّا ولده:
20- محمد بْن أَحْمَد فولي قضاء مكّة. روى عَنْهُ الطَّبرانيّ.
21 - أَحْمَد بْن محمد بْن أبي مُوسَى2.
أبو بَكْر الوراق، أحد تلامذة أحمد بن حنبل.
روى عن: يسار بْن أبي مُوسَى، وغيره.
تُوُفيّ سنة ثمانٍ وستّين.
22 - أَحْمَد بْن محمد بْن مجالد.
أبو حامد الهَرَويّ الفقيه3.
كان ثقة صاحب سنّة.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 73".
2 لم نقف عليه.
3 انظر السابق.

(20/36)


رحل وحمل عنه: أبي نُعَيْم، وقَبِيصة.
توفي سنة تسعٍ وستين.
23- أحمد بْن محمد بْن عُبَيْد الله بْن المدبر.
أبو الحسن الضَّبي الكاتب السُّرمرائيّ1.
ولي مساحة الشام زمن المتكّل. وكان مفوَّهًا شاعرا مترسلا عالما يصلح للقضاء.
وله أَخٌ اسمه إِبْرَاهِيم، شاعر محسِن رئيس.
وللبُحْتُريّ فيهما مدائح.
ثُمَّ ولي أَحْمَد كما ذكرنا خَرَاج دمشق ومصر أيضًا. ثُمَّ قبض عليه أَحْمَد بن طولون وعذّبه فِي سنة خمسٍ وستّين؛ لأنّه سجنه ثُمَّ طلبه فقال: ما حالك؟ فقال: تسألني عن حالي وأنت عملت بي هَذَا يا عدوّ الله! أخذل الله من يأمنك.
فأمرَ بقتله، بل بقي فِي أضيق سجنٍ إِلَى أن مات سنة سبعين.
24- أَحْمَد بْن محمد بْن عَبْد الكريم. أبو الْعَبَّاس الكاتب2، مصنّف كتاب الخراج.
تُوُفيّ فِي هَذَا العام.
25- أَحْمَد بْن مَنْصُورٌ بْن سيار بن معارك3.
الحافظ أبو بَكْر الرّماديّ، أحد الثقات المشاهير.
سمع: أَبَا النّضر، ويزيد بْن هارون، وأبا دَاوُد الطَّيالسيّ، وزيد بْن الحُبَاب، وأسود بْن عامر، وعبد الرّزّاق، رحل إليه، وعفّان، وعُبَيْد الله بْن مُوسَى، وخلْقًا بالشام، والعراق، واليمن، ومصر.
ورحل مع يحيى بن معين، وكتب وصنف المسند.
__________
1 تهذيب تاريخ دمشق "2/ 59".
2 وفيات الأعيان "1/ 101، 102".
3 السير "12/ 389"، والتهذيب "1/ 83، 84".

(20/37)


وكان له حِفْظ ومعرفة.
وعنه: ق، وإسماعيل القاضي، وأبو القاسم البغوي، وابن صاعد والمحاملي، وابن أبي حاتم، وإسماعيل الصفار، وطائفة.
قال ابن أبي حاتم: كان أبي يوثقه.
وعن إبراهيم بن أورمة قَالَ: لو أنّ رجلين قَالَ أحدهما: ثنا الرماديّ، وقَالَ الآخر: ثنا أبو بَكْر بْن أبي شَيْبَة، كانا سواء.
قال ابن المنادي: مات الرّماديّ سنة خمسٍ وستّين، لأربع بقين من ربيع الآخر. وقد استكمل ثلاثًا وثمانين سنة.
26- أَحْمَد بْن وهب الزَّيَّات1.
من كبار العارفين ببغداد.
صحب بِشْرًا، والسَّري. وكان من أقران الجنيد، بل أكبر منه وأقدم موتًا. وكانا يتجالسان ويتكالمان فِي رقائق التصوُّف.
وكان الْجُنَيْد يتأسَّف على فَقْده، ويفضلّه على نفسه.
27- أَحْمَد بْن يوسف بْن خَالِد بن سالم. أبو الْحَسَن السُّلميّ النَّيْسابوريّ الحافظ، ويلقّب بحمدان2.
قَالَ إِسْمَاعِيل بْن مجيد الزّاهد، وهو حفيده: كان جدّي أدرى من الأب سُلَميّ الأُمِّ، فغلب عليه السُّلميّ.
قلت: سمع من: حَفْص بْن عَبْد الرَّحْمَن، وحفص بْن عَبْد الله، والجارود بْن يزيد، وطائفة بخُراسان.
وَفِي الرحلة رَأَى: النَّضر بْن هاشم، وموسى بْن دَاوُد، وجماعة ببغداد.
ومن: محمد بن عبيد، وطبقته بالكوفة.
__________
1 تاريخ بغداد "5/ 190".
2 السير "12/ 384-388"، وتذكرة الحفاظ "2/ 565".

(20/38)


ومن عَبْد الرّزّاق، وغيره باليمن.
قَالَ الحاكم: سمع بالبصرة، والكوفة، والحجاز، واليمن، والشام، والجزيرة.
وعنه: م. س. ق. وإبراهيم بْن أبي طَالِب، وابن خُزَيْمَة، وأبو صاعد الشَّرقيّ، وأبو حامد بْن بلال، ومُحَمَّد بْن الْحُسَيْن القطّان، وخلق.
قال مكّيّ بن عبدان: سمعته يقول: كتبتُ عن عُبَيْد الله بْن مُوسَى ثلاثين ألف حديث.
قَالَ ابنُ السَّريّ: تُوُفيّ سنة أربعٍ وستّين.
وقلت: عن اثنتين وثمانين سنة، وكان من خواصّ يحيى بْن يحيى، وبينهما مصاهرة.
28- أَحْمَد بْن يُونُس بْن المسيّب بْن زهير بْن العُمَيْر الضَّبّيّ1
أبو الْعَبَّاس الكوفيّ، نزيل إصبهان.
سمع: عَبْد الله بْن بَكْر السَّهمي، ويعقوب بْن إِبْرَاهِيم الزُّهريّ، وحَجّاج بْن محمد، وجعفر بْن عَوْن، وأبا مُسْهِر الدّمشقيّ، وطائفة.
وعنه: عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي حاتم وقَالَ: محلّه الصِّدق؛ ومحمد بْن عَبْد الله الصّفّار، وأبو العبّاس الأصمّ، وعبد الله ابن جَعْفَر بْن فارس.
وقَالَ محمد بْن الفرخان: سمعت أَحْمَد بْن يُونُس يقول: قدَّمني أَبِي إِلَى الفُضَيل بْن عياض فمسح رأسي وسمعته يقول: الَّلهم أحسن خَلْقه وخُلُقه.
وثّقه الدّارقطنيّ.
وهو ابنُ عم دَاوُد بْن عُمَر الضّبّيّ شيخ البَغَوي.
تُوُفيّ سنة ثمانٍ وستّين.
قلت: وكان من أبناء التّسعين، صاحب رحلة ومعرفة.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 81"، السير "12/ 595، 596".

(20/39)


29- أبان بْن عِيسَى بْن دينار. أبو القاسم الغافقيّ القُرْطُبيّ1.
رحل، وأخذ عن: سَحْنُون، وعن: عليّ بْن مَعْبَد.
وكان أحد العُبّاد.
روى عَنْهُ: محمد بْن وضاحّ، وقاسم بْن محمد، وغيرهما.
وتُوُفيّ فِي أحد الربيعَيْن سنة اثنتين وستين، وقد حكى عن أَبِيهِ.
30- إِبْرَاهِيم بْن أُورَمهْ بْن سياوش2.
أبو إِسْحَاق الإصبهانيّ، الحافظ، أحد الأعلام.
روى عن: محمد بْن بكّار، وعبّاس بْن عَبْد العظيم العنبري، وعاصم بْن النّضْر، وصالح بْن حاتم بن وردان، والفلّاس، وطبقتهم.
وعنه: أبو بَكْر بْن أبي الدُّنيا، وأبو الْعَبَّاس بْن مسروق، ومحمد بْن يحيى، وأبو بَكْر السّاعديّ، وغيرهم.
قال الدَّارقطنيّ، ثقة حافظ نبيل.
وقَالَ ابنُ المنادي: ما رأينا في معناه مثله.
وقال أبو النعيم الحافظ: فاق إِبْرَاهِيم أَهْل عصره فِي المعرفة والحِفَظ.
وأقام بالعراق.
قلت: لم ينتشر حديثه لأنّه مات كهلًا وله خمسة وخمسون سنة.
قَالَ ابنُ نافع: تُوُفيّ فِي ذي الحجّة سنة ستٍّ وستّين.
تابَعَه ابنُ المنادي، وما عداه خطأ.
31- إِبْرَاهِيم بْن أبي دَاوُد البرلُّسيّ3.
__________
1 جذوة المقتبس "161" للحميدي.
2 انظر: الجرح والتعديل "2/ 88"، والسير "13/ 145، 146".
3 انظر: السير "12/ 612، 613"، وشذرات الذهب "2/ 162".

(20/40)


هو إبراهيم بن سليمان بن داود الَأسديّ الكوفيّ الأصل، الحافظ وُلِد بِصور. وعني بهذا الشأن.
ورحل إِلَى العراق ومصر.
والبَرَلُسيّ قيّده ابنُ نُقْطة بفتحتين ثُمَّ ضمّ الّلام.
سمع: آدم بْن إياس، وسعد بْن مريم، وأبا مُسْهر الدّمشقيّ، وطبقتهم.
وعنه: أبو جَعْفَر الطّحاويّ، ومحمد بْن يوسف الهَرَويّ، وأبو الْعَبَّاس الأصمّ، وأبو القاسم الصّابوني، وآخرون.
قَالَ ابنُ يُونُس: هُوَ أحد الحفّاظ المجوّدين.
تُوُفيّ بمصر فِي شعبان سنة سبعين.
وقَالَ ابنُ جَوْصا: ذاكرْتُه، وكان من أوعية الحديث.
32- إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الله بْن الْجُنَيْد1.
أبو إِسْحَاق الخُتّليّ، نزيل سامرّاء.
له تصانيف وتاريخ ورحلة.
سمع: أَبَا نُعَيْم، وسعيد بْن أبي مريم، وأبا جَعْفَر النُّفيليّ، وأبا الْوَلِيد، وسليمان بْن حرب، وعُمَر بْن مرزوق، ويحيى بْن بُكَيْر.
وعنده سؤالات عن يحيى بْن مَعِين فِي الجرح والتعديل.
روى عَنْهُ: أبو العبّاس بْن مسروق، ومحمد بْن القاسم الكوكبيّ، وأبو بَكْر الخريطيّ، وأحمد بْن محمد الأدميّ، وآخرون.
وثّقه أبو بكر الخطيب، قال: له كُتُب فِي الزُّهد والرّقائق. لم أجد له وفاةً.
33- إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الرَّحْمَن الدارميّ2.
تُوُفيّ بسَمَرْقَنْد سنة ستٍّ وستّين، ودُفِن إِلَى جانب أخيه الحافظ أبي محمد الدّارميّ.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 110"، السير "12/ 631".
2 في عداد المجهولين.

(20/41)


34- إِبْرَاهِيم بْن مَسْعُود بْن عَبْد الحميد القُرَشيّ الهمْدانيّ.
أبو إِسْحَاق ابنُ أخي سندول.
يروي عن: عبد الله بن نمير، وأبي أسامة، وأسباط بْن محمد، وجماعة.
وعنه: أبو عَوانَة الإسفرائينيّ، وأبو حاتم وقَالَ: صدوق، ومحمد بْن عَبْد الله بْن بُلْبُل وغيرهم.
35 - إِبْرَاهِيم بْن هانئ النَّيسابوري الزّاهد1. أبو إِسْحَاق، نزيل بغداد.
سمع: محمد بْن عُبَيْد، وأخاه يَعْلَى، وعليّ بْن عيّاش، وبُسْر بْن صَفْوان، وأبا المُغيرة عَبْد القدُّوس بْن حجّاج، وعبد الله بْن داود الخُرَيْبيّ، وعُبَيْد الله بْن مُوسَى، وطائفة بمصر، والشام، والعراق.
وعنه: ابن أبي حاتم: سَمِعْتُ منه، وَهُوَ ثقةٌ صدوق.
وكان الْإِمَام أَحْمَد يُجِلّ إِبْرَاهِيم بْن هانئ ويحترمه ويَغْشاه.
وقَالَ أبو بَكْر بْن زياد النيَّسابوريّ: حَدَّثَنِي أبو مُوسَى الطَّرسوسيّ فِي جنازة إِبْرَاهِيم بْن هانئ: سمعت ابنُ زَنْجَوَيْه يقول: قَالَ أَحْمَد بْن حنبل: إنْ كان ببغداد أحدٌ من الأبدال فَأَبُو إِسْحَاق النيَّسابوريّ.
وقَالَ الخلّال: أَنَا عليّ بْن الْحَسَن، ثنا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن هانئ قَالَ: كان أَحْمَد بْن حنبل مختفيًا عندنا ههنا، فقال لي يومًا: ليس أُطيق ما يطيق أبوك من العبادة2.
وقَالَ ابنُ المنادي: تُوُفيّ فِي ربيع الآخر سنة خمسٍ وستّين.
وقَالَ أبو زكريا بْن زياد: حضرت إِبْرَاهِيم بْن هانئ عند وفاته فقال: أَنَا عطشان. فجاءه ابنه بماء، فقال: أغابت الشمس؟ قَالَ: لا. فردّه وقَالَ: لمثل هَذَا فليعمل العاملون. ثُمَّ مات رحمه الله.
__________
1 تاريخ بغداد "6/ 204"، والثقات لابن حبان "8/ 83".
2 تاريخ بغداد "6/ 205".

(20/42)


36 - إِبْرَاهِيم بْن يزيد. أبو إِسْحَاق القُرْطُبيّ، مَوْلَى بني أُميّة1.
سمع: يحيى بْن يحيى اللَّيثيّ.
ورحل وأخذ عن: أَصبغ بْن الفَرَج، وسَحْنُون.
وكان شريفًا، فطينًا، مساويًا.
روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن خَالِد بْن الحُباب، وغيره.
وتُوُفيّ فِي ربيع الأول سنة ثمانٍ وستّين.
37 - إدريس بْن نصر بْن سابق الخَوْلانيّ المصريّ المعدّل2. أخو بحر بْن نصر.
تُوُفيّ سنة ثمانٍ وستّين.
38 - إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الطَّلقيّ الأستراباذيّ3. أبو بَكْر الفقيه المؤذّن.
ثقة، سمع: يزيد بْن هارون، وأحمد بن أبي طيبة.
وعنه: عَبْد الملك بن عديّ، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن مطرّف، وأهل أستراباذ.
قَالَ عَبْد الملك: ما رَأَيْت فِي بلدنا أصلح منه.
تُوُفيّ سنة أربعٍ وستّين.
39 - إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم. أبو الأحوص الإسفرائينيّ4.
عن: مكّيّ بْن إبراهيم، وأبي الوليد الطَّيالسيّ.
__________
1 جذوة المقتبس "293".
2 في عداد المجهولين.
3 الجرح والتعديل "2/ 211".
4 في عداد العلماء المستورين، وهو لا بأس به.

(20/43)


وعنه: أَبُوهُ أبو الْحَسَن الزّاهد، وإبراهيم بْن محمد المَرْوزيّ. وكثيرًا ما يروى عَنْهُ أبو عوانة فيقول: نبا أبو الأحواص صاحبنا.
40 - إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الله بْن مَسْعُود الحافظ. أبو بِشْر العبْديّ الإصبهانيّ سمّويْه1.
سمع: الحُصَيْن بْن حَفْص، وبكر بْن بكّار، وأبا مُسْهِر، وأبا اليَمَان، وأبا نُعَيْم، وَعَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسيّ، وسعيد بْن أبي مريم، وخلْقًا كثيرًا بالشام ومصر، والعراق، وإصبهان.
وخرّج الفوائد، وعني بالفِقْه والحديث.
قَالَ أبو نُعَيْم الإصبهانيّ: كان من الحفاظ والفُقهاء.
وقَالَ ابنُ أبي حاتم: سمعنا منه، وهو صدوق، ثقة.
قلت: روى عَنْهُ محمد بْن أَحْمَد بْن ضرية، وأبو بكر بْن أبي دَاوُد، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن فارس، وآخرون.
قَالَ أبو الشَّيخ: كان حافظًا متقنًا، يُذاكر بالحديث.
قلت: تُوُفيّ سنة سبعٍ وستّين.
41 - إِسْمَاعِيل بْن يحيى بْن إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو بْن مُسْلِم الفقيه2.
أبو إِبْرَاهِيم المُزَنيّ المصريّ، صاحب الشّافعيّ.
روى عن: الشّافعيّ، ونُعَيْم بْن حمّاد، وعليّ بْن مَعْبَد بْن شدّاد، وغيرهم.
روى عَنْهُ: أبو بَكْر بْن خُزَيْمة، وأبو بَكْر بْن زياد النَّيْسابوريّ، وابن جَوْصَا، والطَّحَاويّ، وابن أبي حاتم، وأبو الفوارس بْن الصّابونيّ، وآخرون.
وتفقه به خلْق، وصنَّف التّصانيف.
أخبرنا أبو حَفْص الفوارس، أَنَا أبو اليُمْن الكِنْدي كتابة، أَنَا أبو الْحَسَن بْن عَبْد السّلام، ثنا أبو إسحاق الشرازيّ الفقيه قَالَ: فأمّا الشّافعيّ رحمة الله فقد انتقل فقهه
__________
1 السير "13/ 10-12"، تذكرة الحفاظ "2/ 566".
2 وفيات الأعيان "1/ 217"، السير "12/ 492".

(20/44)


إِلَى أصحابه، فمنهم أبو إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بْن يحيى بْن إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو بْن إِسْحَاق المُزَنيّ. مات بمصر سنة أربعٍ وستّين ومائتين.
وكان زاهدًا عالمًا مجتهدًا مُنَاظِرًا مِحْجاجًا غوّاصًا على المعاني الدّقيقة، صنَّف كُتُبًا كثيرة: الجامع الكبير، والجامع الصغير، ومختصر المختصر، والمنثور، والمسائل المعتبرة، والترغيب فِي العِلم، وكتاب الوثائق.
قَالَ الشّافعي: المُزَنيّ ناظر مذهبي.
قلت: وردَ أنّ المُزَنيّ كان إذا فرغ من مسألة وأودعها مختصره صلّى رَكْعَتَين.
وقِيلَ: إنّ بكّار بْن قُتَيْبَة قدِم مصر على قضائها، وهو حنفيّ، فاجتمع بالمُزَنيّ مرّة، فسأله رَجُل من أصحاب بكّار فقال: قد جاء فِي الأحاديث تحريم النبيذ وتحليله، فلِم قدَّمتم التّحريم على التحليل؟ فقال المُزَنيّ: لم يذهب أحد إِلَى تحريم النبيذ فِي الجاهلّية، ثمّ حلّلَ لنا. ووقع الاتّفاق على أنّه كان حلالًا فحُرّم، فهذا يعضد أحاديث التّحريم على التّحليل.
فاستحسن بكّار ذلك منه.
وقَالَ عَمْرو بْن تميم المكيّ: سمعتُ محمد بن إِسْمَاعِيل التّرمِذيّ: سمعت المُزَنيّ يقول: لا يصحُّ لأحدٍ توحيدٌ حَتَّى يعلم أنّ الله على العرش بصفاته.
قلت: مثل أيّ شيء؟ قَالَ: سميع بصير عليم1.
قَالَ السُّلميّ: سمعتُ محمد بْن عَبْد الله بْن شاذان: سمعت محمد بْن عليّ الكِنانيّ: سمعت عَمْرو بْن عُثْمَان المكّيّ يقول: ما رأيت أحدًا من المتعبّدين فِي كثرة من لقيت منهم أشدّ تعظيمًا للعِلْمِ منه. وكان من أشدّ النّاس تضييقًا على نفسه فِي الورع، وأوسعه فِي ذلك على النّاس. وكان يقول: أَنَا خُلُق من أخلاق الشافعيّ.
وبَلَغَنا أنّ المُزَنيّ كان مُجاب الدّعوة، ذا زهدٍ وتقشُّف. أَخَذَ عنه خلق من علماء
__________
1 السير "12/ 494".

(20/45)


خراسان، والشّام، العجم. وقِيلَ: كان إذا فاتته صلاة الجماعة صلّى الصّلاة خمسًا وعشرين مَرَّةً1.
وكان يُغَسِّل تعبُّدًا ودِيانة، فإنّه قَالَ: تعَانَيْت غسْلَ الموتى ليرقّ قلبي، فصار بي عادة. وهو الَّذِي غسّل الشافعيّ رحمه الله. وكان رأسًا فِي الفقه، ولم يكن له معرفة بالحديث كما ينبغي.
تُوُفيّ لستٍّ بقين من رمضان سنة أربعٍ وستّين، عن تسعٍ وثمانين سنة.
وصلّى عليه الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان المراديّ.
ومن أصحاب المُزَنيّ الْإِمَام أبو القاسم عُثْمَان بْن سَعِيد بْن بشّار الأنماطيّ، شيخ ابنِ سُرَيْج، وزكريّا بْن يحيى الناجيّ، وإمام الأئمة ابنُ خُزَيْمة.
وثقه أبو سَعِيد بْن يُونُس وقَالَ: كان يَلْزم الرِّباط.
وقَالَ ابن أبي حاتم: سمعت منه، وهو صدوق.
42- إِسْمَاعِيل بْن يحيى بْن الْمُبَارَك اليَزيديّ2.
أخو إِبْرَاهِيم ومحمد.
أَخَذَ عن: أبي العتاهية، ومحمد بْن سلّام الْجُمَحيّ.
وصنَّف كتابًا فِي طبقات الشّعراء.
43- أَسِيد بْن عاصم بْن عَبْد الله الثَّقفي. مولاهم الإصبهانيّ3.
أبو الحسن، أخو محمد بْن عاصم. ولهما أَخَوان: عليّ، والنُّعمان لم يشتهرا. سمع أَسِيد الكثير، وصنَّف المُسَنْد، ورحل.
وسمع: سَعِيد بْن عامر الضُّبَعيّ، وبشر بن عمر الزهراني، وعبد الله بن بكر السَّهميّ، وبكر بن بكّار، وطبقتهم.
__________
1 وفيات الأعيان "1/ 218"، وهذا إن كان من باب التطوع، فما أورعه وأتقاه.
2 معجم الأدباء "2/ 359".
3 الحلية "10/ 264"، والسير "12/ 378، 379".

(20/46)


وعنه: أبو عليّ أَحْمَد بْن محمد بْن إِبْرَاهِيم، وعَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن فارس، ومُحَمَّد بْن حَيَوَة الكَرْخيّ.
تُوُفيّ سنة سبعين.
قَالَ ابنُ أبي حاتم: سمعنا منه، وهو رِضى ثقة.
44- أماجور التُّركيّ1.
وليّ نيابة دمشق للمعتمد فبقي عليها ثمان سنين. وكان شجاعًا مَهِيبًا ظالمًا. ولي دمشق من سنة ستٍّ وخمسين إِلَى سنة أربعٍ وستّين.
واستولى بعده على دمشق والشامات أَحْمَد بْن طولون.
قَالَ أبو يعقوب الَأذْرعيّ المحدّث: لمّا بنى أماجور القبر الذي في الخوّاصين كتب على مائة سنة وسنة، فَمَا عاش بعد ذلك إلّا مائة يوم ويوم.
"حرف الباء":
45- بكّار بْن قُتَيْبَةَ بْن عُبَيْد الله2.
وقِيلَ: بكّار بْن قُتَيْبَةَ بن أسد بْن عُبَيْد الله بْن بِشْر بْن أبي بكرة بْن نُفَيْع بْن الْحَارِث.
القاضي أبو بكرة الثَّقفيّ البكْراويّ الْبَصْرِيّ الفقيه الحنفيّ، قاضي ديار مصر.
سمع: روح بن عبادة، وأبى دَاوُد الطَّيالسيّ، وعبد الله بْن بَكْر السَّهميّ، ووهب بن جرير، وسعيد بن عامر الضُّبيّ، وطبقتهم.
وعنه: أبو عَوَانَة فِي مسنده الصّحيح، وعبد الله بْن عتّاب الرَّقّيّ، وأبو الميمون بن راشد، وأحمد بن سليمان ابن حَذْلَم، والحَسَن بْن عَبْد الملك الحصائري، ومحمد بْن محمد بْن أبي حُذَيْفة، وأحمد بْن محمد المّدِينيّ الحاميّ، وأبو الْعَبَّاس الأصمْ، وخلْق من الدَّمشقيين، فإنّه قدِم إليها فِي الآخر، ومن المصريّين والرّحّالة.
وكان من القُضاة العادلين.
__________
1 الكامل "7/ 238، 316".
2 وفيات الأعيان "1/ 279"، والسير "10/ 406" طبعة التوفيقية.

(20/47)


قَالَ أبو بَكْر بْن المقرئ: نا محمد بْن بَكْر الشّعرانيّ بالقدس، نا أَحْمَد بْن سهل الهَرَويّ قَالَ: كنتُ ساكنًا فِي جوار بكّار بْن قُتَيْبَةَ، فانصرفت بعد العشاء، فإذا هو يقرأ: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26] الآية. ثُمَّ نزلت فِي السحر، فإذا هو يقرؤها ويبكي، فعلمت أنّه كان يقرؤها من أول اللّيل1.
وقَالَ محمد بْن يوسف الكِنْديّ: قدِم بكّار قاضيًا من قِبل المتوكّل فِي جمادى الآخرة سنة ستٍّ وأربعين، فلم يزل قاضيًا، يعنى على مصر إِلَى أن تُوُفيّ فِي ذي الحجة سنة سبعين، وأقامت مصر بلا قاضٍ بعده سبْع سنين، ثُمَّ ولّى خُمَارَوَيْه محمد بْن عَبْدة.
وكان أَحْمَد بْن طولون أراد بكارا على لعن الموفَّق فامتنع، فسجنه إِلَى أن مات أَحْمَد، فأُطِلقَ بكّار، وبقي يسيرًا ومات. فغسِّل ليلًا، وكَثُرَ النّاس فلم يُدْفَن إِلَى العصر.
قلت: وكان القاضي بكّار، عظيم الحرمة كبير الشّأن. وكان ينزل السّكان ويحضر مجالسه، فذكر الطّحاويّ قَالَ: استعظم بكّار بْن قُتَيْبَةَ قبيح حكم الْحَارِث بْن مسكين في قضيّة ابن السّائح، ويعني لمّا حكم عليه الْحَارِث وأخرج من يده دار الفيل، وتوجّه ابنُ السائح إِلَى العراق يغوث على الْحَارِث.
قَالَ الطّحاويّ: وكان الْحَارِث إنما حكم فيها على مذهب أَهْل المدينة، فلم يزل يُونُس بن عبد الأعلى يكلّم بكارا ويجسّره حتّى جسر وردّ إلى ابن السائح ما كان أَخَذَ منهما.
قَالَ الطّحاويّ: ولا أحصي كم كان أَحْمَد بْن طولون يجيء إِلَى مجلس بكّار وهو على الحديث، ومجلسه مملوء بالناس، ويتقدم الحاجب ويقول: لا يتغّير أحد من مكانه، فَمَا يشعر بكّار إلّا وابن طولون إِلَى جانبه، فيقول له: أيهّا الأمير ألا تتركني كنت أقضي حقّك وأقوم.
ثُمَّ فسد الحال بينهما حَتَّى حبسه، وفعل به ما فعل2.
__________
1 السير "10/ 407".
2 السير "10/ 408".

(20/48)


وقِيلَ إنّه صنَّف كتابًا نقض فِيهِ على الشّافعيّ ردّه على أبي حنيفة. وكان يأنس بيونس بْن عَبْد الأعلى، ويسأله عن أَهْل مصر وعُدولهم.
ولما حبسه ابنُ طولون لم يمكنه أن يعزله، لأنّ القضاء لم يكن أمره إليه.
وقيل إنّ بكّارًا كان يشاور فِي حكمه وأمره يُونُس بْن عَبْد الأعلى، والرجل الصّالح مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن القاسم، فبَلَغَنا أنّ مُوسَى سأله بكّار: من أَيْنَ المعيشة؟ قَالَ: من وقْفٍ لأبي أتكفّى به.
وقَالَ: أريد أن أسألك يا أبا بكرة هل ركبك دين البصرة؟ قال: لا.
قال: فهل ما نكحت لك ولد أو زَوْجَة؟ قَالَ: ما نكحت قطّ، وما عندي سوى غلامي.
قَالَ: فأكرهك السُّلطان على القضاء؟ قَالَ: لا.
قَالَ: فضربت آباط الإبِل لغير حاجة إلّا لتلي الذّمّة والفُرُوج؟ لله عليّ لا عُدْتُ إليك.
فقال بكّار: أقِلني يا أَبَا هارون.
قَالَ: أنت ابتدأت بمسألتي.
ثُمَّ انصرف عَنْهُ ولم يعُد إليه.
وقَالَ الْحَسَن بْن زُولاق فِي ترجمة بكّار: لمّا اعتلَّ ابنُ طولون راسل بكّارًا وقَالَ: أَنَا أردُّك إِلَى منزلك، فأجِبْني.
فقال للرسول: قل له شيخٌ فانٍ وعليلٌ مُدْنَفٌ والملتقى قريب، والقاضي الله. فأبلغ الرَّسُول ابنِ طولون، فأطرق ثُمَّ أقبل يقول: شيخٌ فانٍ وعليلٌ مُدْنَفٌ والملتقى قريب، والله القاضي. ثُمَّ أمر بنقله من السّجن إِلَى دارٍ اكتُرِيَتْ له، وفيها كان يُحدّث. فَلَمَّا مات ابنُ طولون قَيِل لبكّار: انصرف إِلَى منزلك.
فقال: الدّار بأُجرة وقد صلُحت لي. فأقام بها1.
قَالَ الطّحاويّ: أقام بها بعد ابنُ طولون أربعين يومًا ومات2.
__________
1 الولاة والقضاة "514".
2 الولاة والقضاة "514".

(20/49)


ونقل ابنُ خلّكان رحمه الله أنّ ابنُ طولون كان يدفع إِلَى بكّار فِي العام ألف دينار سوى المقرَّر له فيتركها بختمها. فَلَمَّا دعاه إِلَى خلْع الموفَّق من ولاية العهد امتنعَ، فاعتقله وطالبه بجملة الذَّهب، فَحُمِل إليه بختومه، فكان ثمانية عشر كيسًا، فاستحى أَحْمَد بْن طولون عند ذلك، ثُمَّ أمره أن يسلِّم إِلَى محمد بْن شاذان الجوهريّ القضاء، ففعل، وجعله كالخلفية له. ثُمَّ سجنه أَحْمَد، فكان يحدِّث فِي السّجن من طاقة؛ لأنّ طَلَبَة الحديث سألوا ابنُ طولون فأذِن لهم على هَذِهِ الصُّورة.
قَالَ ابنُ خلّكان: وكان بكّار بكّاءً تاليًا للقرآن، صالحًا ديّنًا، وقبره مشهور وقد عُرِف باستجابة الدّعاء عنده1.
وقَالَ الطّحاويّ: كان على نهايةٍ فِي الحمد على ولايته. وكان ابنُ طولون على نهايةٍ فِي تعظيمه وإجلاله إِلَى أن أراد منه خلع الموفَّق ولعنه، فأبى فَلَمَّا رأى أنّه لا يسلم له منه ما يحاوله ألَّب عليه سُفهاء النّاس، وجعله لهم خصْمًا.
فكان يقعد له من يقيمه مقام الخصوم، فلا يأبى، ويقوم بالحُجّة بنفسه. ثُمَّ حبسه فِي دارٍ، فكان كلّ جمعة يلبس ثيابه وقت الصلاة ويمشي إِلَى الباب، فيقول له الموكّلون به: ارجع.
فيقول: اللَّهُمَّ أشهد.
قَالَ: ووُلِد سنة اثنتين وثمانين ومائة.
قلت: تُوُفيّ فِي ذي الحجة سنة سبعين، وشهده خلق أكثر ممّن شهِدَ العيد، وصلّى عليه ابنُ أَخِيهِ محمد بن الْحَسَن بْن قُتَيْبَةَ الثَّقفيّ.
"حرف الجيم":
46- جَعْفَر بْن أَحْمَد بن بهرام. أبو الباهليّ الأسْتراباذيّ الفقيه الشهيد2، مفتي بلده. كان حنفيّ المذهب.
وسمع من: جَعْفَر بْن عَوْن، وأبي نعيم، وجماعة.
__________
1 وفيات الأعيان "1/ 280".
2 انظر: تاريخ جرجان "ص / 175، 179، 180".

(20/50)


وعنه: عَبْد الملك بْن عديّ، والحسن بْن الْحُسَيْن بْن عاصم، وغيرهما.
سَعَوْا به إِلَى الْحَسَن بْن يزيد العلويّ المتغلّب على جُرْجان بأنّه ناصبيّ، فسجنه، فَلَمَّا مات صلبه فِي جُرْجان.
47- جَعْفَر بْن محمود الإسكافيّ الكاتب1.
الوزير، أحد كُتّاب المتوكّل. ولي الوزارة للمعتزّ بالله، فلم تُحمد سيرته، وظلم وعَسَف. ولمّا عُزِل قَيِل فِيهِ أبيات منها:
فِي غير حِفظ الله يا جَعْفَر ... ذلت قراك الْجَور والمُنْكَر
وعاش خاملًا إِلَى سنة ثمانٍ وستّين فتُوُفيّ فيها.
وطوّل ابنُ النّجّار ترجمته. وكان فِيهِ رَفْض.
48- جِلْوان بْن سَمْرة بْن خاقان بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بْن الحكم2.
أبو الطَّيَّب البانَبيّ الأمويّ الْبُخَارِيّ المحدِّث.
سمع: المقرئ، والقعنبيّ، وعصامًا، وأبا مقاتل النّحْويّ، وأبا حفص الفقيه، وعيد بْن مَنْصُورٌ، وطبقتهم.
وعنه: سهل بْن شَاذَوَيْه، والحسين بْن محمد بْن قريش، وغيرهما.
قيَّده الخطيب: جِلْوان، بكسر الجيم.
وقَالَ ابنُ ماكولا: بل هُوَ بفتحها.
وكذا ذكره المسعوديّ، وغُنْجار.
ومن ذريِّتَّه: أَحْمَد بْن حُسَيْنِ بن أَحْمَد بْن محمد بْن يعقوب بْن إِبْرَاهِيم بْن جُنَيْد بْن جلْوان.
"حرف الحاء":
49- حاتم بْن اللّيث بن الحارث3.
__________
1 تاريخ الطبري "9/ 287، 388".
2 السير "12/ 519".
3 انظر: تاريخ بغداد "8/ 245، 246"، السير "12/ 519، 520".

(20/51)


أبو الفضل الْبَغْدَادِيّ الجوهريّ الحافظ.
سمع: عُبَيْد الله بْن مُوسَى، وحسين بْن محمد المَرْوَزيّ.
وعنه: أو الْعَبَّاس السّرّاج، وأبو بَكْر الباغَنْديّ، ومحمد بْن مَخْلَد، وآخرون.
تُوُفيّ سنة اثنتين وستّين.
وكان ثقة مكثرًا.
50- حاشد بْن إِسْمَاعِيل بْن عِيسَى الْبُخَارِيّ1. الغزّال الحافظ، نزيل الشّاش.
كان أحد من طوّف، وعني بهذا الشأن.
سمع: عُبَيْد الله بْن مُوسَى، ومكّيّ بْن إِبْرَاهِيم، ومن بعدهما.
وعنه: محمد بْن يوسف بْن مطر العزيزيّ، وبكر بْن منير، ومحمد بْن إِسْحَاق السَّمرقنديّ، وأحمد بْن آدم الشّاشيّ، وآخرون.
وتُوُفيّ بالشّاش سنة إحدى أو اثنتين وستّين.
51- حامد بْن أبي حامد النَّيْسابوريّ2.
أبو عليّ المقرئ.
كان مقدَّم القرّاء ببلده.
حدَّث عن: إسحاق بن سليمان الرازي، ومكي بن إبراهيم البلْخيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْد الله الدَّشتكيّ، ويحيى بْن يحيى، وجماعة.
وعنه: أبو الْعَبَّاس السّرّاج، وابن خُزَيْمَة، وأبو عبد الله بْن الأخرم، وآخر من روى عَنْهُ أَحْمَد بْن عليّ بْن حسُّونة أحد الضَّعفاء.
واسم أَبِيهِ محمود بْن حرب.
مات سنة ستٍّ ومائتين.
__________
1 أحد الحفاظ، في رتبة صدوق.
2 غاية النهاية "1/ 202".

(20/52)


52- الْحَسَن بْن ثواب الفقيه.
أبو عليّ الثعلبي1، صاحب أَحْمَد بْن حنبل.
سمع: يزيد بْن هارون، وعمّار بْن عُثْمَان الحلبيّ وعنه: أبو جَعْفَر بْن البَخْتَريّ، وإسماعيل الصّفّار.
قَالَ الدّارَقُطْنِيّ: ثقة.
وقَالَ: أبو بَكْر الخلّال: شيخ جليل القدر.
قلت: مات سنة ثمانٍ وستّين.
53- الْحَسَن بن زيد بْن إِسْمَاعِيل بْن الْحَسَنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. العلويّ الحسنيّ الزَّبديّ الأمير2.
ظهر بطَبَرِستْان سنة خمسين، فغلب على جُرْجان وتلك الدّيار. واستفحل أمره، وهزم جيوش الخليفة، ودخل الرِّيَّ.
ثُمَّ رجع إِلَى طَبَرِسْتان وصاهر الدَّيلم، وقويّ أمره، وامتدّت أيامه.
تُوُفيّ سنة سبعين فِي شعبان، وقام بالأمر بعده أخوه محمد بْن يزيد، فاتّصلت أيّامه إِلَى أن قُتِلَ سنة سبعٍ وثمانين، وقِيلَ بعد ذلك.
54- الحسن بن سليمان ين سلام. أبو عليّ الغَزَاريّ البصْريّ الحافظ، المعروف بقُبَّيْطَة3.
أحد الأثبات.
سمع: عَبْد الله بْن يوسف التِّينسيّ، وأبا نُعَيْم، وطائفة.
وعنه: أبو خُزَيْمَة، وأبو بَكْر بْن زياد النَّيسابوريّ، وجماعة.
واستوطن مصر، وبها توفَّي سنة إحدى وستّين.
__________
1 انظر: تاريخ بغداد "7/ 291، 292".
2 وفيات الأعيان "6/ 424".
3 السير "12/ 508"، تذكرة الحفاظ "2/ 572".

(20/53)


وثّقة ابن يونس ووصفه الحفظ.
55- الْحَسَن بْن عليّ المُسُوحيّ الزّاهد1.
من كبار الصُّوفيّة ببغداد.
صحِب السَّريّ السَّقطيّ، وحكى عن بِشْر الحافي، وهو أوّل من عقد له حلقة ببغداد يتكلَّمَ فيها فِي الحقيقة.
حكى عنه: الجنيد، وأبو العبّاس بن مسروق، القاضي المَحَامليّ، وغيرهم. وصحِبه أبو حَمْزَةَ الْبَغْدَادِيّ وأبو محمد الحريريّ.
وكان عذْبَ العبارة زاهدًا قانعًا، لم يكن له منزلٌ يأوي إليه، بل كان له بيت فِي المسجد.
قَالَ السُّلميّ: سمعت أَبَا الْعَبَّاس الْبَغْدَادِيّ: سمعتُ جَعْفَر الخُلْديّ: سمعت الْجُنَيْد يقول: كلَّمتُ حَسَنًا المُسُوحيّ فِي شيء من الأنس، فقال لي: ويحك ويْحك ما الأنْس؟ لو مات من تحت السّماء ما استوحشت2.
وقَالَ ابنُ الأعرابيّ: سمعت غير واحد أنّه سمع أَبَا حَمْزَةَ يقول كثيرًا: حَسَن أستاذنا، رحِم الله حَسَنًا.
قَالَ ابنُ الأعرابي: فقال إنّ أول حلقةٍ كَانَتْ فِي جامع بغداد للصُّوفية حلقة المُسُوحيّ، ثُمَّ بعده حلقة أبي حمزة. وكان المسرحيّ لا يجاوز عِلْم الأصول والعبادات والإدارات والأحوال دون العارف لا يجاوز ذلك.
توفّي المسرحي رحمة الله عليه بعد الستين.
56- الْحَسَن بْن محمد بْن سماعة الكوفيّ3.
نَسْفيٌّ كبير له تصانيف فِقهيّة عند الإماميّة.
تُوُفيّ سنة ثلاثٍ وستين ومائتين.
__________
1 السير "12/ 580، 581".
2 انظر: تاريخ بغداد "7/ 367".
3 أحد علماء الشيعة الإمامية.

(20/54)


57- الْحَسَن بْن أبي الرَّبِيع يحيى بْن الْجَعْد الْجُرجانيّ1.
أبو عليّ العبْديّ.
نزيل بغداد.
سمع: أَبَا يحيى الحِمّاني، وعبد الصمد بْن عَبْد الوارث، ووهْب بْن جرير، وعبد الرّزّاق، وشَبَابة، ويزيد بْن هارون، وجماعة.
وعنه ق. وأبو بَكْر بْن أَبِي عاصم، وعبد الله بن أبي داود، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو بَكْر بْن زياد النَّيْسابوريّ، والقاضي المَحَاملِيّ، وآخرون.
قَالَ ابنُ أبي حاتم: صدوق.
وقَالَ ابنُ المنادي: مات فِي سَلْخ جُمَادى الأولى سنة ثلاثٍ وستّين، وبلغ فيما قَيِل ثلاثًا وثمانين سنة.
قلت: كان صاحب حديث وحِفْظ ورحلة.
58- الْحَسَن بْن مَخْلَد بْن الجرَاح.
الوزير أبو محمد الْبَغْدَادِيّ الكاتب2.
ومن أعجب الاتفاق أنّ أربعة وُلّوا الوزارة وُلِدوا فِي سنة تسعٍ ومائتين: هَذَا: وعُبَيْد الله بن يحيى بْن خاقان، ومحمد بْن عَبْد الله بْن طاهر وأحمد بْن إِسْرَائِيل.
ولي الْحَسَن الوزارة للمعتمد مرتيَّن، وصادره فِي الأولى، ثُمَّ استوزره مرّة ثالثة سنة خمسٍ وستّين، ثُمَّ سخط عليه فِي شعبان من السَّنة، فانسحب إِلَى مصر. فَأَقْبَلَ عليه أَحْمَد بْن طولون وولّاه قطر البلاد، وضمن له زيادة ألف ألف دينار فِي السَّنة مع العدل. فَخَافَهُ الكاتب، فقال لابن طولون: هَذَا عين للموفَّق عليك، وصبغوه بِذَلِك فحبسه، فقالوا لا ينبغي أن يكون محبوسًا فِي جوارك، فربّما حَدَثَ به حدثٌ فَيُنْسَب إليك. فبعثَ له إِلَى متولّي أنطاكية، وأمره أن يعذِّبه فعَذَّبه حتى هلك في سنة تسع وستين.
__________
1 الجرح والتعديل "3/ 44"، والسير "12/ 356".
2 السير "13/ 7، 8".

(20/55)


وكان مع ظُلْمه شاعرًا فصيحًا جوادًا ممدَّحا نبيل الرأي. مدَحهُ البُحْتُريّ، وغيره.
ولم يذكره الخطيب.
وذكره ابنُ النّجّار، وأنّه جمع بين الوزارة وكتابة الموفَّق.
وكان آية فِي حساب الدّيوان، حتّى قيل: ما لا يعلمه الْحَسَن فَلَيْس من الدُّنيا.
وكان تامّ الشكل، مهيب البأس، عظيم التَّجمُّيل، سريًّا. وكان خدمه يركبون يوم الجمعة بالجنائب الكثيرة وغلمانه بالدّيباج المنسوج بالذَّهب. فإذا جلي فِي داره وقفت العين على فرش وسُتُور ونحو ذلك بمائة ألف دينار.
وقِيلَ: بل هلك سنة إحدى وسبعين ومائتين.
59- حمّاد بْن إِسْحَاق بْن حمّاد بْن زَيْدِ بْن درهم. أبو إِسْمَاعِيل الأزْديّ الْبَغْدَادِيّ القاضي. أخو إِسْمَاعِيل القاضي1.
كان فقيهًا كأخيه فِي مذهب مالك.
تفقّه على: أَحْمَد بْن المعدّل.
وحدَّث عن: مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم، والقَعْنبيّ، وإسماعيل بْن أبي أُوَيْس، وجماعة.
وصنَّف تصانيف في المذهب.
وعنه: ابنه إبراهيم، والمحاملي، وأبو بكر الخرائطي، وغيرهم.
وثقه الخطيب.
وكان يصحب الخلفاء فغضب عليه المهتدي بالله سنة خمسٍ وخمسين وضربه وطوَّف به لشيءٍ بلغ عنه. وعزل أخاه إسماعيل عن القضاء.
توفَّي فِي جُمَادى سنة سبعٍ وستّين ببلد السُّوس، وله ثمان وستّون سنة. وقد ولي قضاء بغداد نوبةً.
__________
1 انظر: تاريخ بغداد "8/ 159"، والسير "13/ 16".

(20/56)


"حرف الخاء":
60- خَالِد بن أَحْمَد بْن الهَيْثَم بْن الذُّهليّ1.
أمير خُراسان فيما وراء النهر. له ببُخارى آثار ممدوحة. أقدَم إليها المحدِّثين وأكرمهم، وطلب أن يأتي أبو عبد الله البخاري إلى داره ليسمع أولاد الصّحيح، فامتنع من المجيْء إليه، فأخرجه من بُخَارى.
ثُمَّ إنّه فِي آخر أمره خرج على آل طاهر ومال إِلَى يعقوب بْن الَّليث بْن الصّفّار الَّذِي خرج بسِجِسْتان.
ثُمَّ إنّه حجّ سنة تسعٍ وستّين فقُبِضَ عليه وسُجِنَ ببغداد فهلك فِي الحبس فِي هَذَا العام.
وقد سمع من: إِسْحَاق بْن راهَوَيْه، وعُبَيْد الله بْن عُمَر القواريريّ، والحسن بن عليّ الخلال، ومحمد بن عليّ ابن شقيق، وطائفة.
ومن أَبِيهِ أَحْمَد بْن خَالِد بْن حمّاد بْن عَمْرو.
وروى عَنْهُ: سهل بْن شاذَويْه، ونصرك بْن أَحْمَد، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي حاتم، وأبو بَكْر أَحْمَد بْن محمد المكتّب، وأبو الْعَبَّاس بْن عقدة، وأبو حامد الأعشى، وآخرون.
قال الحاكم في ترجمته: بلغنا أنه أنفق على طلب الحديث ألف ألف درهم.
وكان يمشي لطلب السّماع ولا يركب. وتوفّي سنة سبعين.
61- خَالِد بْن يزيد بْن الهيثم التميمي الكاتب2.
أحد الشعراء البُلَغاء.
تُوُفيّ ببغداد، وقد شاخ وهرِم.
وأصله من خُراسان.
حدَّث خَالِد الكاتب قَالَ: أُدْخِلْتُ على إِبْرَاهِيم بْن المهديّ وأنا غلام، فقال: أنت خَالِد؟ قلت: نعم.
__________
1 تاريخ بغداد "8/ 314"، السير "13/ 137".
2 معجم الأدباء "11/ 47"، وفيات الأعيان "2/ 232".

(20/57)


قَالَ: أنشدني شيئًا.
قلت: أعزَ الله الأمير، أَنَا حَدَث أمْزَح، لا أهجو ولا أمدح، وإن رَأَى الأمير أن يعفيني.
قَالَ: والله لتقولّن، فإنّ الَّذِي تقوله فِي بيجور يظلّ أشدّ لدواعي البلاء.
فأنشدته:
رأت منه عيني منظرين كما رأت ... من البدر والشمس المنيرة بالأرض
عشيّة حيّاني بوردٍ كأنّه ... خدودٌ صفَّت بعضهنّ إِلَى بعض
وناولني كأسًا كأن رُضابَها ... دموعي لمّا صُدّ عن مقلتي غَمضي
وولّى وفِعْل السُّكْر فِي حرَكاته ... من الراح فِعْلَ الرّيح فِي الغُصن الغضّ1
قال: فزدني. وقال: يا بني الناس يشبِّهون الخدود بالورد، وأنت شبّهت الورد بالخدود. زدني.
فأنشدته:
عش فحبيّك سريعًا قاتلي ... والفَناء إنْ لم تصلني واصلي
ظفر الحبّ بقلبٍ دنفٍ ... فيك والسّقم بجسمٍ ناحلِ
منهما بين اكتئابٍ وبِلًى ... تركاني كالقضيب الذّابلِ
وبُكى العاذل لي من رحمةٍ ... فبُكائي لبكاء العاذل
قال: أحسنت. ووصلني بثلاثمائة وخمسين دينار.
وعن أبي العَيْناء قَالَ: لقيت خالدًا الكاتب والصّبيان يعبثون به، فأخذته وأطعمته، وأنشدني:
مؤنس كان لي وكنت له ... يرتع فِي دولةٍ من الدُّول
حَتَّى إذا ما الزّمان غيّره ... عني بقول الوشاة والعذل
قلت له عن مقالةٍ سبقت ... يا مُنْتَهى غايتي ويا أملي
__________
1 وفيات الأعيان "2/ 234".

(20/58)


كنت صديقًا فصرت معرفةً ... بدَّلني الله شرَّ مبدلِ.
وأنشد أيضًا:
بالوجنتين اللَّتين كالسّرج ... والحاجَبين اللَّتَين كالسَّبج
والمُقْلتين الّتي ألحاظهما ... سفّاكة النُّفوس والمهج
ألا ذلك الَّذِي يتّمه حبُّك ... يا واحدي على الفرج
ولخالد:
عذّبني بالدّلال والتِّيه ... وصدّ عني فكيف أرقيه؟
ظَبْيٌ من التِّيه لا يكلّمني ... سُبحان من صاغ حُسْنَهُ فِي فِيهِ
الشّمس من وَجْنَتَيه طالعهٌ ... والّدرُّ فوق الجبين يحكيه
يا أحسن الوجه جُد لمكتبٍ ... بقلبه منك كي أُهنيه
وله:
رقدتَ ولم تَرْثِ للساهر ... وليل المحبّ بلا آخر
ولم تَدْرِ بعد ذَهاب الرُّقادِ ... ما فعل الدَّمع بالنّاظر
أيا من يعيد لي حسنه ... أجِرْني من طَرْفك الجائر
وجد للفؤآد فداك الفؤآ ... د من طَرْفك الفاتن الفاتر1
وعن خَالِد الكاتب قال: طرق بابي بعد العتمة، فخرجت فإذا رجل على حمار مغطى الرأس معه خادم، فقال: أنت الَّذِي تقول:
ليت ما أصبح من رقـ ... ـة خدَّيك بقلبك
قلت: نعم.
قَالَ: فأنت الَّذِي تقول:
أقول للقسم عُد إِلَى بدني ... حبًّا لشيء يكون من سببك
__________
1 تاريخ بغداد "8/ 311".

(20/59)


قلت: نعم.
قَالَ: أنت الَّذِي تقول:
ترشَّفت من شفتيه العُقارا ... وقبّلْت من خدّه الجلَّنارا
قلت: نعم.
قَالَ: يا غلام ادفع إليه ما معك.
فدفع إلي صرّةً فيها ثلاثمائة دينار.
قلت: والله لا أقبلها حَتَّى أعرفك.
قَالَ: أَنَا إِبْرَاهِيم بْن المهديّ.
وقد وسوس خالد وكبر، وكان يركب قصبة.
وقَالَ بعضهم: فلو رَأَيْته والصّبيان يتبعونه ويقولون: يا بارد.
ويقولون: ما الَّذِي صار بك إِلَى هَذَا؟ فيقول:
الهموم والسَّهر ... والسُّهاد والفِكَر
سلّطت على جسدٍ ... فِيهِ للبَلْوى أثر
لا من كلفت به ... ما يطيق ذل بَشر
وشِعْره مقطوعٌ سائر
62- الخصّاف.
شيخ الحنفيّة الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو والخصّاف الشَّيبانيّ1.
له تصانيف.
يروي عَنْ: وهْب بْن جرير، والعبْديّ، والواقديّ، وأبي نُعَيْم، وخلْق.
ذكره ابنُ النّجّار، وما ذكر عَنْهُ راويًا.
وكان ذا زهدٍ ووَرَع.
مات سنة إحدى وستّين ومائتين.
__________
1 السير "13/ 123".

(20/60)


63- الخَضِر بْن أبان. أبو القاسم الأياميّ الهاشميّ، مولاهم الكوفيّ1.
سمع: أزهر السّمّان، ويحيى بْن آدم، وسيّار بْن حاتم، وإبراهيم بْن هندية الَّذِي زعم أنّه سمع من أَنَس.
وعنه: عبد الله بن أحمد بن زيد القاضي، وعليّ بْن محمد بْن محمد بْن عُقْبَةَ الشَّيباني، وابن الأعرابيّ، والأصمّ، وغيرهم.
ضعّفه الدّارَقُطْنِيّ.
وآخر من رَوَى عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي العزائم.
وضعّفه أيضًا الحاكم، وقَالَ: سمعته، يعني الدَّارقطنيّ، يقول عن شيوخه إنّهم رأوا الخضِر بْن أبان يروي عن أبي مُعَاوِيَة، وأبي بَكْر بْن عيّاش من كتاب، فاستلبوا الكتاب منه، فإذا هُوَ سماعه من أَحْمَد بْن يُونُس، عن هَؤُلَاءِ.
قلت: أصله دلَّس عَنْهُمْ وحرّف أَحْمَد بْن يُونُس.
64- خطاب بن بشر بن مطر2.
أبو عمر الْبَغْدَادِيّ الواعظ.
كان رأسًا فِي التّذكير والوعظ.
سمع من: عَبْد الصّمد بْن النُّعمان، وأحمد بْن حنبل.
وسأل أَحْمَد مسائل فِي جزءٍ سمعناه.
روى عَنْهُ: محمد بْن مَخْلَد القطّان، وأحمد بْن محمد الأدميّ.
وتوفَّي ببغداد فِي المحرّم سنة أربعٍ وستّين.
"حرف الدال":
65- دَاوُد بن علي بن خلف3.
__________
1 الميزان "1/ 654".
2 انظر: تاريخ بغداد "8/ 337".
3 السير "13/ 97".

(20/61)


أبو سُلَيْمَان الْبَغْدَادِيّ الإصبهاني، مَوْلَى المهديّ، الفقيه الظّاهريّ، رأس أَهْل الظّاهر.
وُلِد سنة ثمانين، وسمع: سُلَيْمَان بْن حرب، والقَعْنَبيّ، وعَمْرو بْن مرزوق، ومحمد بْن بُكَيْر العبْديّ، ومُسَدّدًا، وأبا ثور الفقيه، وإسحاق بْن رَاهَوَيْه رحل إليه إلى نيسابور فسمع منه المسند؛ وجالس الأئمّة، وصنَّف الكُتُب.
قَالَ أبو بَكْر الخطيب: كان إمامًا ورِعًا ناسكًا زاهدًا. وَفِي كتبه حديث كثير. لكنّ الراوية عَنْهُ عزيزة جدًا.
روى عَنْهُ: ابنه محمد، وزكريّا السّاجيُ، ويوسف بْن يعقوب الداوديّ الفقيه وعبّاس بْن أَحْمَد المذكّر، وغيرهم.
قَالَ ابنُ حزم: إنّما عُرِف بالإصبهانيّ لأنّ أمّه أصبهانيّة، وكان أَبُوهُ حنفيّ المذهب، يعني وكان عراقيًا.
قَالَ: وكتب دَاوُد ثمانية عشر ألف ورقة.
ومن أصحاب دَاوُد أبو الْحَسَن عَبْد الله بن أَحْمَد بْن رُوَيْم أحد الأئمة، وأبو بَكْر بْن النّجّار، وأبو الطّيّب محمد بْن جَعْفَر الدّيباجيّ، وأحمد بْن مَخْلَد الإياديّ، وأبو سَعِيد الْحَسَن بْن عُبَيْد الله له تواليف كثيرة، وأبو بكر محمد بن أحمد الجاجيّ، وأبو نصر رآه السّجِسْتانيّ.
ثُمَّ سمّى ابنُ حزم جماعةً كثيرة من الفقهاء من مَلاحدة دَاوُد.
وقَالَ أبو إِسْحَاق الشّيرازيّ: وُلِد سنة اثنتين ومائتين، وأخذ العلم عن إِسْحَاق، وأبي ثور. وكان دَاوُد عقله أكثر من علمه.
قَالَ أبو إسحاق وقيل: كان في مجلسه أربعمائة صاحب طَيْلَسان أخضر وكان من المتعصّبين للشّافعي، صنَّف كتابين فِي فضائله والثّناء عليه.
قَالَ أبو إِسْحَاق: وانتهت إليه رئاسة العلم ببغداد، وأوصله من أصفهان ومولده بالكوفة، ومنشأه ببغداد وقبره بها.
وقال أبو عمر وأحمد بْن الْمُبَارَك المستملي: رأيتُ دَاوُد بْن عليّ يردّ على إِسْحَاق بْن راهَوَيْه، وما رَأَيْتُ أحدًا قبله ولا بعده يردّ عليه هَيْبةً له.

(20/62)


وقال عمر بْن محمد بْن بُجَيْر: سمعت دَاوُد بْن عليّ يقول: دخلت على إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه وهو يحتجم، فجلست فرأيت كُتُب الشّافعيّ، فأخذت أنظر، فصاح، إيش تنظر؟ فقلت: مَعَاذ الله أن نأخذ إلّا من وجدنا متاعنا عنده فجعل يضحك ويبتسم.
وقَالَ سَعِيد البَرْذَعيّ: كُنَّا عِنْدَ أبي زُرْعة فاختلف رجلان فِي أمر دَاوُد المُزَنيّ، والرجلان فَضْلَك الرّازيّ، وابن خِراش، فقال: ابنُ خِراش: دَاوُد كافر.
وقَالَ فَضْلَك: المُزَنيّ جاهل.
فَأَقْبَلَ عليهما أبو زُرْعة يوبِّخهما وقَالَ: ما واحد منكما له بصاحب. ثُمَّ قَالَ: ترى دَاوُد هَذَا لو اقتصر عليه أَهْل العلم لظننت أنّه يحمد أَهْل البِدَع بما عنده من البيان والآلة. ولكنّه تعدّى. لقد قدم علينا من نَيْسابور، فكتب إليَّ محمد بْن رافع، ومحمد بن يحيى، وعَمْرو بْن زُرَارة، وحسين بْن مَنْصُورٌ، ومشيخة نَيْسابور بما أحدث هناك، فكتمت ذلك لمّا خفت عواقبه، ولم أُبْدِ له شيئًا. فقدِم بغداد، وكان بينه وبين صالح بْن أَحْمَد بْن حنبل حُسْن، فكلّم صالحًا أن يتلطّف له فِي الاستئذان على أَبِيهِ، فأتى وقَالَ: سألني رَجُل أن يأتيك.
قَالَ: ما اسمه؟ قَالَ: دَاوُد.
قَالَ: ابنُ من؟ قَالَ: هُوَ من أَهْل إصبهان.
وكان صالح يروغ عن تعريفه، فَمَا زال أَبُوهُ يفحص حَتَّى فطِن به فقال: هَذَا كتب إليّ محمد بْن يحيى فِي أمره أنّه زعم أنّ القرآن مُحْدَث،
فلا يقرَبنيّ.
قال: إنهّ ينفي ويُنْكره.
قَالَ: محمد بْن يحيى أصدق منه، لا تأذَنْ له1.
قَالَ الخلّال: أنا الْحُسَيْن بنى عَبْد الله قَالَ: سَأَلت المرُّوذي عن قصّة دَاوُد الإصبهانيّ وما أنكر عليه أبو عبد الله فقال: كان دَاوُد خرج إِلَى خُراسان إِلَى ابنُ رَاهَوَيْه، فتكلم بكلامٍ شهِدَ عليه أبو نصر بْن عَبْد الحميد وآخر، شهدا عليه أنهّ قال: القرآن محدث.
__________
1 تاريخ بغداد "8/ 373، 374".

(20/63)


فقال لب أبو عبد الله: مَن دَاوُد بْن عليّ لا فرّج عَنْهُ الله؟ قلت: هَذَا من غلمان أبي ثور.
قَالَ: جاءني كتاب محمد بْن يحيى النَّيْسابوريّ أنّ دَاوُد الإصبهانيّ قَالَ ببلدنا أنّ القرآن مُحْدَث.
قَالَ المرُّوذيّ: حدَّثني محمد بن إِبْرَاهِيم النَّيْسابوريّ أنّ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه لمّا سمع كلام دَاوُد فِي بيته وثب عليه إِسْحَاق فضربه وأنكر عليه.
قَالَ الخلّال: سمعت أَحْمَد بْن محمد بْن صدقة: سمعت محمد بْن الْحُسَيْن بْن صَبِيح، سمعت دَاوُد الإصبهانيّ يقول: القرآن مُحْدَث ولفظي بالقرآن مخلوق.
أَنَا سَعِيد بْن أبي مُسْلِم، سمعت محمد بْن عَبْدة يقول: دخلت إِلَى دَاوُد فغضب عليّ أَحْمَد بْن حنبل، فدخلت عليه فلم يكلّمني، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنهّ ردّ عليه مسألة.
قال: ما هِيَ؟ قَالَ: قَالَ الخُشَنيّ: إذا مات من يغسّله؟ فقال دَاوُد: يغسّله الخَدَم.
فقال محمد بْن عَبْدة: الخدم رجال. ولكن ييمَّم.
فتبسَّم أحمد وقال: أصاب أصاب. وما أجود ما أجابه! وقَالَ القاضي المَحَامِليّ: رَأَيْت دَاوُد بْن عليّ يصلّي، فَمَا رَأَيْت مسلمًا يشبهه فِي حُسن تواضعه.
وقد اخْتَلَفَ محمد بْن جرير مدّة إِلَى مجلس دَاوُد، وأخذ عَنْهُ.
وقَالَ أَحْمَد بْن كامل القاضي: أخبرني أبو عبد الله الورّاق أنّه كان يورّق على دَاوُد، فسمعته يُسأل عن القرآن، فقال: أمّا الَّذِي فِي اللّوح المحفوظ فغير مخلوق، وأمّا الَّذِي هُوَ بين النّاس فمخلوق1.
قلت: للعلماء قولان فِي داود هل يعتدُّ أَمْ لا؟ فقال أبو إِسْحَاق الإسفرائينيّ: قَالَ الجمهور إنّهم، يعني قُضاة القياس، لا يبلغون رتبة الاجتهاد، ولا تقليدهم القضاء.
__________
1 تاريخ بغداد "8/ 374".

(20/64)


ونقل الأستاذ أبو مَنْصُورٌ الْبَغْدَادِيّ، عن أبي عليّ، عن أبي هُرَيْرَةَ، وطائفة فِي الشّافعيّين أنه لا اعتبار بخلاف دَاوُد، وسائر نقْله القياس فِي الفروع دون الأصول.
وقَالَ أبو المعاليّ الْجُوَينيّ: الَّذِي ذهب إليه أَهْل التحقيق أنّ مُنْكري القياس لا يُعَدُّون من علماء الأئمّة ولا مِن حملة الشريعة؛ لأنّهم مباهتون فيما ثبت استفاضةً وتواتُرًا، لأنّ مُعظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد، ولا تفي النّصوص بعُشْر معشارها، وهؤلاء يلتحقون بالعوامّ.
قلت: قول أبي المعالي رحمه الله فِيهِ بعض ما فِيهِ، فإنّما قاله باجتهاد، ونَفْيهم للقياس أيضًا باجتهاد، فكيف يُرَدّ الاجتهاد بِمِثْلِهِ؟ نعم، وأيضًا فإذا لم يُعْتَدّ بخلافهم لَزِمنا أنْ نقول إنهّم خرقوا الإجماع بتأويلٍ سائغ، قُلْنَا: فهذا هُوَ المجتهد، فلا نقول يجوز تقليده، إنما يُحكى قوله، مع أَنّ مذهبه أن لا يحلّ لأحدٍ أن يقلّدهم ولا أن يقلّد غيرهم، فلأن نحكي خلافهم ونعدُّه قولًا أهْوَن وأسلم من تكفيرهم.
ونحن نحكي قول ابنِ عَبَّاس فِي الصرف، والمُتْعَة، وقول الكوفيين فِي النّبيذ، وقول جماعة من الصّحابة فِي ترك الغُسْلِ من الْجِماع بلا إنزال، ومع هَذَا فلا يجوز تقليدهم فِي ذلك.
فهؤلاء الظّاهرية كذلك، يُعتدّ بخلافهم، فإن لن يفعل صار ما تفرّدوا به خارقًا للإجماع، ومن خرق الإجماع المتيقَّن فقد مَرَقَ مِن الملَّة. لكنّ الإجماع المتيقَّن هُوَ ما عُلِم بالضرورة من الدّين: كوُجُوب رمضان، والحجّ، وتحريم الزِّنا والسرَّقة، والرَّبا واللَّواط.
والظَّاهرية لهم مسائل شنيعة، لكنّها لا تبلغ ذلك، والله أعلم.
وقَالَ الْإِمَام أبو عَمْرو بْن الصّلاح: الَّذِي اختاره أبو مَنْصُورٌ وذكر أنّه الصّحيح من المذهب إنّه يعتبر خلاف دَاوُد.
قَالَ ابنُ الصّلاح: هَذَا هُوَ الَّذِي استقرّ عليه الأمر آخرًا هُوَ الأغلب الأعرف من صَفْو الأئمّة المتأخرين الذين أوردوا مذهب دَاوُد فِي مصنّفاتهم المشهورة، كالشيخ أبي حامد، والماوَرْديّ، وأبي الطّيّب، فلولا اعتدادهم به لَمَا ذكروا مذهبه فِي مصنَّفاتهم.
قَالَ: ورأى أن يُعتبر قوله إلّا فيما خالف فِيهِ القياس الجليّ، وما أجمع عليه

(20/65)


القياسون من أنواعه، أو بناه على أصوله الّتي قام الدّليل القاطع على بُطلانها، واتّفاق من سواه إجماع منعقد، كقوله التَّغَوُّط فِي الماء الراكد، وتلك المسائل الشنيعة، قوله لا زنا فِي السُّنَّة المنصوص عليها، فخلافه فِي هَذَا ونحوه غير مُعْتَدّ به؛ لأنه مبنيّ على ما يقطع ببطلانه1، والله أعلم.
تُوُفيّ فِي رمضان سنة سبعين ومائتين.
"حرف الراء":
66- الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان بْن عَبْد الجبار بْن كامل2.
الفقيه أبو محمد المراديّ، مولاهم المصْريّ المؤذّن. صاحب الشّافعيّ وراوي كُتُبه.
وُلِد سنة أربعٍ أو ثلاثٍ وسبعين ومائة.
وسمع: عَبْد الله بْن وهْب، وشُعَيب بْن اللَّيث بْن سعد، وبِشْر بْن بَكْر التِّنّيسيّ، وأيّوب بْن سُوَيْد الرمليّ، والشّافعيّ، ويحيى بْن حسّان، وأسد بن موسى، وجماعة.
وعنه: د. ن. ق. و. ت. عن رجلٍ، عَنْهُ، وهو محمد بن إِسْمَاعِيل السُّلميّ، وأبو زُرْعة الرّازيّ، وأبو حاتم، وابنه عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي حاتم، وزكريّا بْن يحيى السّاجيّ، وأبو نُعَيْم بْن عديّ، وأبو جَعْفَر الطَّحاويّ، وأبو بَكْر بْن زياد النَّيسابوريّ، والحسن بْن حبيب الحصائريّ، وأحمد بْن مَسْعُود العُكْبَريّ، وأحمد بْن بَهْزاد السِّيرافيّ، وابن صاعد، وأبو العبّاس الأصمّ، وآخرون.
وثَّقة أبو سَعِيد بْن يُونُس، وغيره.
وعن الرَّبِيع قَالَ: كلُّ محدِّثٍ حدَّثَ بمصر بعد ابن وهْب كنتُ مستمليه.
وقال النَّسائيّ: لا بأس به.
قال عليّ بْن قُدَيد: كان الرَّبِيع يقرأ بالألحان.
وقَالَ الطَّحاويّ: مات الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان مؤذّن جامع الفُسْطاط يوم الإثنين ودُفِن يوم الثُّلاثاء لإحدى وعشرين ليلة خَلَت من شوّال من سنة سبعين. وصلّى عليه الأمير خُمَارَوَيْه بْن أحمد بن طولون.
__________
1 السير "13/ 106، 107".
2 السير "12/ 587-591".

(20/66)


وآخر من حدَّث عَنْهُ أبو الفوارس السِّنْديّ.
ويُروى عن الشّافعيّ أنّه قَالَ للربيع: لو أمكنني أنْ أطعمك العِلم أطعمتك1.
قَالَ ابنُ عَبْد البَرّ: قد ذَكَر محمد بْن إِسْمَاعِيل التّرمِذيّ من أَخَذَ عن الرَّبِيع كُتُب الشّافعيّ ورحل إليه فيها من الآفاق، فَذَكر نحو مائتي رَجُل.
قَالَ ابنُ عَبْد البَرّ: كان الرَّبِيع لا يؤذّن فِي منارة جامع مصر أحدٌ قبله، وكانت الرحلة فِي كُتُب الشّافعيّ إليه، وكانت فِيهِ سلامة وغَفْلة، ولم يكن قائمًا بالفقه2.
وممّا ينسب إِلَى الرَّبِيع من الشِّعْر:
صبرًا جميلًا ما أسرع الفَرجَا ... من صدق الله فِي الأمور نجا
مَن خشي الله لم يَنَلْه أذى ... ومَن رجا الله كان حيثُ رجا
قلت: كان الرَّبِيع أعرف من المُزَنيّ بالحديث، وكان المُزَنيّ أعرف بالفِقْه منه بكثير حَتَّى كان هَذَا لا يعرف إلّا الحديث، وهذا لا يعرف إلّا الفقه.
"حرف الزاي":
67- زكريّا بْن دُوَيْد بْن محمد بْن الأشعث3.
أبو أَحْمَد الكِنْديّ.
زعم أنّه أَتَتْ عليه مائة وثلاثون سنة، وزعم أنّه سمع من سُفْيَان الثَّوْريّ، ومالك بْن أَنَس.
قَالَ عليّ بْن محمد بْن حاتم القُومِسيّ: سمعت منه بعَسْقلان سنة نيِّفٍ وستّين ومائتين.
قلت: وُجودُ روايته والعَدَم بالسّواء. وقد روى الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه عن أَحْمَد بْن إِسْحَاق الدّميريّ، عَنْهُ.
قَالَ ابنُ حِبّان: كان يضع الحديث.
__________
1 السير "10/ 399".
2 السير "10/ 400".
3 انظر: الميزان "2/ 72، 73"، واللسان "2/ 479".

(20/67)


68- زكريّا بْن يحيى بْن أسد بن يحيى المَرْوَزِيّ1.
المعروف بابن زَكْرَوَيْه. نزيل بغداد.
حدّث عن: سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وأبي مُعَاوِيَة، ومعروف الكَرْخيّ.
وعنه: القاضي المحاملي، وابن مخلد، وأبو الحسين بن المنادي، وإسماعيل الصفار، وأبو العباس الأصم.
قال الدارقطني: لا بأس به.
قلت: تُوُفيّ فِي ربيع الآخر سنة سبعين.
وهو راوي جزء ابن عيينة الذي عند سِبْط السِّلَفيّ. وقد احتجَّ به أبو عَوَانة فِي صحيحه، مِن قدماء شيوخه.
وذكره أبو الفتح الموصليّ في كتابه في الضُّعفاء فَمَا قدر يتعلّق عليه بشيء، أكثر ما قَالَ: زعم أنّه سمع من سُفْيَان بن عُيَيْنَة، فهذه قِلَّةُ وَرَع. بلى أبو الفتح مُتَكَلَّمٌ فِيهِ. وقد ذكر أبو الفتح أنّ زكريّا بْن يحيى هَذَا يُقال له جوذا به، وهذا ما رَأَيْته لغيره.
حرف السين":
69- سَعْدان بْن نصر بْن مَنْصُور2.
أبو عُثْمَان الثَّقفيّ الْبَغْدَادِيّ البزّاز، واسمه سَعِيد، وسَعْدان لَقَبٌ له.
سمع: سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، وأبا مُعَاوِيَة، ومُعاذ بْن مُعاذ، ووَكيعًا، ومسلم بْن سالم، ومَعْمَر بن سليمان، وطائفة.
وعنه: ابن أبي الدّينا، وابن صاعد، والقاضي المَحَامليّ، وابن البَخْتَرِيّ، وإسماعيل الصّفّار، وأبو عَوَانة، وطائفة كبيرة.
قَالَ أبو حاتم: صدوق.
__________
1 السير "12/ 347"، الميزان "2/ 80".
2 الجرح والتعديل "4/ 290"، والسير "12/ 357".

(20/68)


وقال أبو عَبْد الرحمن السلمي: سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ فقال: ثقة مأمون.
قلت: تُوُفيّ فِي ذي القعدة سنة خمسِ وستّين، وحديثه بِعُلُوٍّ عند أصحاب ابنُ ساسل.
70- سَعِيد بْن نَمِر الغافقيّ الأندلسي1.
سمع: يحيى بن يحيى اللّثييّ.
وعنه: جماعة من بلده.
وتفقَّه بسَحْنُون، وغيره.
تُوُفيّ سنة تسعٍ وستّين.
71- سهل بْن عمّار العَتَكيّ النَّيْسابوريّ2.
أبو يحيى قاضي هَرَاة. كان شيخ أَهْل الرَّيّ فِي عصره بخُراسان. رحل فِي طلب العلم.
سمع: يزيد بْن هارون، وشَبَابة، وهذه الطبقة.
وليس بحُجّة.
قَالَ أبو عبد الله الحاكم: يُخْتَلف فِي عدالته، يعني في الاحتجاج بحديثه. بنا عَنْهُ أَحْمَد بْن شعيب الفقيه، وأبو الطّيّب محمد، ومحمد بن عليّ المذكَّر.
وتُوُفيّ سنة سبعٍ وستيّن في جمادى الأولى.
فلت لمحمد بْن صالح بْن هانئ: لِمَ لا تكتب عَنْهُ؟ قَالَ: كانوا يمنعون من السّماع عنه.
وسمعت محمد بن يعثوب الحافظ يقول: كنّا نختلف إِلَى إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الله السَّعْديّ، وسهل بْن عمّار مطروحٌ فِي سكنه فلا نتقدّم إليه.
وسمعت أَبَا سَعِيد بْن أبي بَكْر بْن عُثْمَان يقول: سمعت فاطمة بِنْت إِبْرَاهِيم السَّعدية تقول: سمعت أبي يقول: إنّ سهل بْن عمّار يتقرَّب إليَّ بالكذب، يقول:
__________
1 جذوة المقتبس "483".
2 الميزان "2/ 240"، واللسان "3/ 121".

(20/69)


كنت معك عند يزيد بْن هارون، وواللِه ما سمع معي منه.
قال الحاكم: سمع أيضًا الواقديّ، وجعفر بْن عَوْف، وعبد الرَّحْمَن بْن قَيْس، وعُبَيْد الله بْن مُوسَى.
حدَّث عَنْهُ: الْعَبَّاس بْن حَمْزَةَ، وأبو يحيى البزّاز، وإبراهيم بن محمد بن سُفْيان، ومحمد بن سُلَيْمَان بْن فارس.
وقَالَ أبو إِسْحَاق الفقيه: كذِب واللِه سهل بْن عمّار على عَبْد الله بْن نافع فِي نقْله عن مالك فِي إباحة دُبُر المرأة.
"حرف الشين":
72- شجرة بْن عِيسَى بْن عَمْرو بْن شجرة1 الفقيه أبو عَمْرو المعافِريّ المقرئ السُّوسيّ المالكيّ.
أَخَذَ عن: أَبِيهِ، وابن زياد، وابن اثبرس، وجماعة.
واستعمله سحنون على قضاء تونس.
وكان سحنون يثني على فهمه وفضله، وكان أبوه أبو شجرة عمرو رجلا صالحا عالما، ولي قضاء تونس بعد أبيه تسع عشرة سنة.
توفي شجرة سنة اثنتين وستين.
73- شعيب بن أيوب بن رزيق بن معبد بن شيطا2.
أبو بكر الصَّريفيني، صرفين واسط لا صَرِيفين بغداد.
كان فقيهًا، إمامًا مقدمًا، ومقرئًا، محدِّثًا، قاضيًا، عالمًا.
سمع: يحيى بْن آدم، ويحيى القطّان، وحسين الْجُعْفيّ، وجماعة.
وعنه: عَبْدان الَأهْوازيّ، وإبراهيم نِفْطَويْه النَّحويّ، وأبو بَكْر بْن أبي دَاوُد، والقاضي المَحَامِليّ، ومحمد بْن مَخْلَد، وعبد الله بن عمر بن شوذب الواسطيّ، وطائفة.
__________
1 انظر: ترتيب المدارك "3/ 12".
2 تاريخ بغداد "4/ 342"، والميزان "2/ 275".

(20/70)


وتصدَّر للإقراء، فقرأ عليه: يُونُس بْن يعقوب الواسطيّ، وأبو بَكْر أَحْمَد بْن يوسف القافلاني، وأبو العبّاس أحمد ابن سعيد الضّرير، غيرهم.
وعليه دارت قراءة أبي بَكْر، عن عاصم، أخذها عن يجيى بْن آدم، عَنْهُ.
وكان محقّقًا لها.
قَالَ الدَّارقطنيّ: ثقة.
قلت: تُوُفيّ بواسط سنة إحدى وستين.
قال: إنّي لأخاف الله في الراوية عن شعيب بْن أيّوب.
قلت: له حديث مُنْكَر أورده أبو بَكْر الخطيب فِي ترجمته.
74- شُعيب بْن شُعيب بْن إِسْحَاق القُرَشي.
مولاهم الدّمشقيّ أبو محمد1.
ولد سنة تسعين ومائة بعد وفاة أَبِيهِ بيسير.
وسمع: زَيْدُ بْن يحيى بْن عُبَيْد، وأبا المغيرة عَبْد القدُّوس، وأحمد بن خالد الذَّهنيّ، وأبا اليَمَان، وأبا بَكْر الحُمَيْديّ، وجماعة.
وعنه: س. وأبو عَوَانة، وابن جَوْصا، وأبو الدّحْداح أَحْمَد بْن محمد، وجماعة.
قَالَ أبو حاتم: صدوق.
قلت: وله شِعْر جيّد.
تُوُفيّ فِي جُمَادى الأولى سنة أربعٍ وستّين.
"حرف الصاد":
75- صالح بْن أَحْمَد بْن محمد بْن حنبل2.
القاضي أبو الفضل، ولد الْإِمَام أبي عَبْد الله الشَّيباني الْبَغْدَادِيّ. قاضي إصبهان.
__________
1 انظر: الجرح والتعديل "4/ 347"، والسير "12/ 304، 305".
2 انظر: الجرح والتعديل "4/ 394"، والسير "12/ 529".

(20/71)


ولد ثلاثٍ ومائتين.
وسمع: عفّان، وأبا الْوَلِيد الطَّيالسيّ، وإبراهيم بْن الفضل، وإبراهيم بْن أبي سُوَيد الذّراع، وأباه، وعليّ بْن المَدِينيّ، وطبقتهم.
وعنه: ابنه زُهَير، وأبو القاسم البَغَويّ، وابن صاعد، ومحمد بْن مَخْلَد، وأبو عليّ الحصائريّ، وأبو بَكْر بْن أبي عاصم وهو من أقرانه، ومحمد بْن جَعْفَر الخرائطيّ، وعبد الرَّحْمَن بن أبي حاتم، وجماعة آخرهم موتًا أَحْمَد بْن محمد بْن يحيى القصّار شيخ أبي نُعَيْم الحافظ.
قال ابن أبي حاتم: كتبتُ عَنْهُ بإصبهان، وهو صدوق، ثقة.
وقَالَ أبو بَكْر الخلال فِي كتاب أدب القّضاة: أخبرني محمد بْن الْعَبَّاس: حَدَّثَنِي محمد بن عليّ قال: لما صار الصالح إِلَى إصبهان قُرِئ عهده بالجامع، فبكى كثيرًا، وبكى بعض الشيوخ، فَلَمَّا فرغ جعلوا يدعون له ويقولون: ما ببلدنا إلا من يجبّ أَبَا عَبْد الله.
فقال: أبكاني أنّي ذكرت أبي يراني فِي هَذِهِ الحالة. وكان عليه السَّواد.
ثُمَّ قَالَ: كان أبي يبعث خلفي إن جاءه رَجُل زاهد ورجل متقشّف لا ينظر إليه يحبّ أم يكون مثله، ولكنّ الله يعلم ما دخلت فِي هَذَا الأمر إلّا لدينٍ غَلَبني وكثْرة عيال1.
قال الحلال: وكان صالح سخيًا جدًا.
وقَالَ ابنُ المنادي: توفّي يإصبهان فِي رمضان سنة ستٍّ وستّين.
وقَالَ أبو نُعَيْم: سنة خمسٍ.
76- صالح بْن زياد بْن عَبْد الله بْن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بن الجارود بْن مسرح.
أبو شُعيب الرُّستبيّ السُّوسيّ المقرئ2. شيخ الرَّقَّة وعالمها ومقرئها.
قرأ القرآن على يحيى اليزيديّ صاحب أبي عمرو.
__________
1 طبقات الحنابلة "1/ 174" لابن أبي يعلى.
2 السير "12/ 380"، والتهذيب "3/ 392".

(20/72)


وسمع بالكوفة من: عَبْد الله بْن نُمَيْر، وأسباط بْن محمد، وجماعة.
وبمكة من: ابنُ عُيَيْنَة، وغيره.
حدَّث عَنْهُ: أبو بَكْر بْن أبي عاصم وأبو عَرُوبة الحرّانيّ، وأبو عليّ محمد بن سعيد الحفّاظ.
وقرأ القرآن جماعة، منهم: أبو عِمران مُوسَى بْن جرير وهو أتقن أصحابه، وأبو الْحَسَن عليّ بْن الْحُسَيْن، وأبو عُثْمَان النَّحويّ، وأبو الْحَارِث محمد بن أَحْمَد الرَّقيُّون.
وحمل عَنْهُ الحروف: جَعْفَر بْن سُلَيْمَان الخُراسانيّ، وغيره.
قَالَ أبو حاتم: صدوق.
قلت: تُوُفِّيَ فِي أوّل سنة إحدى وستّين ومائتين وقد قارب التّسعين، وادعى الحافظ ابنُ عساكر أنّ النَّسائي روى عَنْهُ، وذكره فِي مشايخ النُّبل.
وقَالَ أبو الحَجّاج الكلْبيّ: لم أقف على روايته عَنْهُ.
قلت: لم يرو عنه النَّسائيّ إلا راوية عَمْرو، رواها الْحَسَن بْن رشيق، عن النَّسائيّ، عَنْهُ.
"حرف الطاء":
77- طَيْفُور بْن عِيسَى.
أبو يزيد البَسْطامي1 الزاهد العارف، مِن كبار مشايخ القوم. وهو بكُنْيته أشْهَر وأَعْرَف. وله أَخَوَان: آدم، وعلّي، كانا زاهدَيْن عابدين. وكان جدُّهم أبو عِيسَى آدم بْن عِيسَى مجوسيًا فأسلم.
ومن كلام أبي يزيد رحمه الله قَالَ: ما وجدتُ شيئًا أشدُّ عليَّ مِن العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لبقيت حائرًا.
__________
1 انظر: الحلية "10/ 33-42"، والسير "10/ 481".

(20/73)


وقال: هذا من فرحي بم بك وأنا أخافك، فكيف فرحي بك إذا أمِنْتُكَ؟ وعنه قَالَ: ليس العجب من حبيّ لك وأنا عَبْد فقير، وإنّما العجب من حبّك لي وأنت ملكٌ قدير1.
وعنه، وقِيلَ له: إنّك تمرّ فِي الهواء، قَالَ: وأيّ أُعْجوبة هَذَا؟ طَيْرٌ يأكل الميتة يمرّ فِي الهواء، والمؤمن أشرف منه2.
وعنه قال: ما دام العبد يظن أنّ فِي الخَلْق من هُوَ شرٌّ منه فهو متكبّر وعنه قَالَ: الجنّة لا خطر لها عند المحبّين، وهم محجوبون بمحبتهم.
وقَالَ: ما ذكروه إلّا بالغَفْلة، ولا خدموه إلّا بالفَتْرة.
وعنه قَالَ: اللَّهُمَّ لا تقطعْني بك عنك.
وعنه قَالَ: العارف فوق ما يقول، والعلم دون ما يقول.
وقِيلَ له: علِّمنا الاسم الأعظم. فقال: ليس له حَدّ، إنّما هُوَ فراغ قلبك لوحدانيته، فإذا كنت كذلك فارفع له أيَّ اسمٍ شئت.
وعنه قَالَ: لله خلْقٌ كثير يمشون على الماء، وليس لهم عنه الله قيمة.
وكان يقول: لو نظرتم إِلَى رجلٍ أُعْطي من الكرامات حَتَّى يرتفع فِي الهواء، فلا تغترّوا به، حَتَّى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنَّهي وحِفْظ الحدود وأداء الشريعة3.
قلت: بل قد اغترّ أَهْل زماننا وخافوا أَبَا يزيد، وأكبر من أبي يزيد، وَتَهَافَتُوا على كلّ مجنون بوّال على عَقِبيْه، له شيطان ينطق عل لسانه بالمغيَّبَات، نسأل الله السّلامة.
قَيِل: إنّ أَبَا يزيد تُوُفيّ سنة إحدى وستّين ومائتين.
وقد نقلوا عَنْهُ أشياء من متشابه القول، الشّأن فِي صحّتها عَنْهُ، ولا تصحّ عن مُسْلِمٍ، فضلًا عن مثل أبي يزيد، منها: سبحاني.
__________
1، 2 السير "10/ 481".
3 السير "10/ 481".

(20/74)


ومنها: ما النّار، لأستندنَّ إليها غدًا، وأقول: اجعلني لأهلها فِدَاء، ولا يلعنها. وما الجنّة، لُعبة صبيان ومراد أَهْل الدُّنيا. ما المحدِّثون إنّ خاطبهم رجلٌ عن رجلٍ، فقد خاطبنا القلب عن الرّبّ1.
وقَالَ فِي يهود: هَبْهم لي، ما هَؤُلَاءِ حَتَّى تعذِّبهم؟! وهذا الشَّطح إنْ صحّ عَنْهُ فقد يكون قاله فِي حالة سُكْره، وكذلك قوله عن نفسه: ما فِي الجبَّة إلّا الله.
وحاشى مُسْلِم فاسق من قول هَذَا الكلام مقتضاه ضلاله، ولكن له تفسير وتأويل يخالف ظاهره، فالله أعلم.
قَالَ السُّلمي في تاريخه: مات أبو زيد عن ثلاثٍ وسبعين سنة، وله كلام فِي حُسْنِ المعاملات.
قَالَ: ويُحكَى عَنْهُ فِي الشَّطح أشياء، منها ما لا يصحّ، ويكون مقوَّلًا عليه. وكان يرجع إِلَى أحوال سيّئة2.
ثُمَّ ساق بسنده عن أبي يزيد قَالَ: من لم ينظر إِلَى شاهدي بعين الاضطراب، وإلى أوقاتي بعين الاغتراب، وإلى أحوالي بعين الاستدراج، وإلى كلامي بعين الافتراء، وإلى عباراتي بعين الاجتراء، وإلى نفسي بعين الازدراء، فقد أخطأ النَّظَر فيَّ.
وعن أبي يزيد قَالَ: لو صفا لي تهليلةٌ ما بَالَيْتُ بعدها.
78- طَيْفُور بْن عِيسَى.
أبو زيد البَسْطاميّ الأصغر3. كذا فرّق بينه وبين الَّذِي قبله السُّلميّ، فيما أورده ابنُ ماكولا.
وقَالَ: روى عن: أبي مُصْعَب الزُّهْرِيّ، وصالح بْن يُونُس، وشُرَيْح بْن عُقَيْل.
وروى عَنْهُ: يوسف بْن شدّاد، وجماعة من أهل بسطام.
__________
1 السابق.
2 السابق.
3 انظر: معجم البلدان "1/ 623" لياقوت الحموي.

(20/75)


وقيل: إن جدّ الكبير شروسان، واسم جدّ هَذَا آدم. فالله أعلم.
"حرف العين":
79- عاصم بْن عصام. أبو عِصْمة القُشَيْريّ البَيْهقيّ1.
عن: يَعْلَى بن عُبَيْد، وزيد بْن الْحُبَاب، وجماعة.
وعنه: مؤمّل الماسرْجِسيّ، وإبراهيم بْن محمد بْن سُفْيَان الفقيه، وغيرهما.
وقِيلَ كان مُجاب الدَّعوة.
تُوُفيّ سنة إحدى وستّين.
قَالَ الحاكم: سمعتُ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن سُفْيَان يقول: سمعت عاصم بْن عصام يقول: بتُّ ليلةً عند أَحْمَد بْن حنبل، فجاء بالماء فوضعه، فَلَمَّا أصبح نظر إليّ فإذا هُوَ كما كان، فقال: سبحان الله، رَجُل يطلب العلم لا يكون له وِرْدٌ باللّيْل.
80- الْعَبَّاس بْن إِسْمَاعِيل2.
أبو الفضل الإصبهانيّ الطّامَذيّ العابد.
عن: سهل بْن عُثْمَان، وعليّ بْن محمد الطّنافسيّ، وجماعة.
وعنه: ابن أبي كر بْن أبي عاصم مع تقدُّمه، ومحمد بْن يحيى بْن مَنْدَه، وعبّاس بْن سهل، وعليّ بْن رُسْتم.
وكان لازمًا لبيته، خيِّرًا ناسكًا.
كان يروي الحديث بعد الحديث.
قَالَ أبو نُعَيْم: تُوُفيّ بَعْدَ السّتّين.
81- عبّاس بْن عَبْد الله بْن أبي عِيسَى بْن أبي محمد التَّرقفيّ الباكسابيّ3.
__________
1 من العباد الزهاد المستورين، وهو لا بأس به.
2 انظر: الحلية "10/ 398".
3 انظر: السير "13/ 12-14"، والتهذيب "5/ 19".

(20/76)


سمع: محمد بْن يوسف الفِرْيابيّ، وحفص بْن عُمَر العَدَنيّ، وزيد بْن يحيى بْن عُبَيْد الدّمشقيّ، وأبا عاصم النّبيل ومروان الطَّاطريّ، وأبا مسْهِر الغسّانيّ، وأبا عَبْد الرَّحْمَن المقرئ، وطائفة.
وعنه: ق. وأبو الْعَبَّاس بْن شُرَيْح الفقيه، وأبو بكر بن مجاهد المقرئ، وأبو عوانة الحافظ، والمحاملي، وإسماعيل الصفار، وطائفة.
قال الخطيب: كان ثقة صالحا عابدا.
وقال محمد بن مخلد: ما رأيته ضحك ولا تبسَّم.
قبل: توفّي آخر سنة سبعٍ وستين.
وقد وثقه الدارقطني أيضا، وله خبر مشهور.
82- الْعَبَّاس بْن مُوسَى بْن مِسْكَوَيْه1.
أبو الفضل الهمْدانيّ، أحد الأئمّة الحفّاظ.
رحل إِلَى العراق، والشّام، والثَّغر.
وحدَّث عن: مسلم بن إبراهيم، وعمرو بن عون، ومسدد، وأبي مسلم التَّبوذكّي، وهشام بن عمار، وأبي بكر ابن أبي شيبة، وطبقتهم.
وروى عَنْهُ: محمد بْن التّمّار الهمْدانيّ، وهارون بْن مُوسَى، وأحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن جارود، وابن شِيَرَوَيْه فِي تاريخ همدان فقال: كان جليل القدْر سُنّيًا، له تصانيف غريبة سيَّما كتاب الإمامة، فإنّه ما سُبِقَ إليه.
وكان امتُحِنَ أيّام الواثق، ودخل بغداد وتوارى بها، ونزل على أبي بَكْر الَأعْيَن، فأُخِذَ من داره، وجرى عليه أمر عظيم. ثم بعد رُفِع إِلَى أَذْرَبِيجَان وحدَّث بها. وكان صدوقًا.
ثُمَّ ساق شِيرَوَيْه ترجمته فِي ورقتين، وكيف امْتُحِن، وهي عجيبة إنّ صحّت.
83- عَبَّاس بْن الْوَلِيد بن مَزْيَد.
أبو الفضل العُذْريّ البَيْرُوتيّ2.
__________
1 أحد العلماء الأثبات، لا بأس به.
2 السير "12/ 471"، والتهذيب "5/ 131".

(20/77)


سمع: أَبَاهُ، ومحمد بْن شُعَيْب بْن شابور، وعُقْبَة بْن عَلْقَمة، ومحمد بْن يوسف الفِرْيابيّ، وأبا مسهر، وجماعة وعنه: د. س. وأبو زُرْعة الرّازيّ والدّمشقيّ، وابن جَوْصا، وأبو بكر بن أبي داود، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وخيثمة بن سليمان وأبو العباس الأصم، وخلق.
ولد سنة تسعٍ وستين ومائة في رجب، عاش مائة سنة وسنة.
وفيه همة وجلادة فإن خيثمة قَالَ: مازح الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد جاريةً له، فَدَفعته فانكسرت رِجْلُه، فلم يحدِّثنا عشرين يومًا، وكنا نلقى الجارية ونقول: حبسك الله كما كسرتِ رِجْلَ الشّيخ وحَبَسْتِنا عن الحديث.
وقَالَ أبو دَاوُد: سمع من أَبِيهِ ثم عرض عن الحديث.
وقَالَ أبو دَاوُد: سمع من أَبِيهِ ثُمَّ عرض عليه، وكان صاحب لَيْلٍ.
وقَالَ إِسْحَاق بْن سيّار: ما رَأَيْت أحدًا أحسن سمتًا منه.
وقَالَ النَّسائيّ: ليس به بأس.
قلت: كان مقرئًا مجوّدًا.
وقَالَ الْحُسَيْن بْن أبي كامل: سمعت خيثمة يقول: أتيتُ أَبَا دَاوُد السّجِسْتانيّ، فأملى عليَّ حديثًا عن العبّاس ابن الْوَلِيد بْن مَزْيَد.
قلت: وأتاني حديث الْعَبَّاس.
فقال لي: رأيته؟ قلت: نعم.
قلت: مَتَى مات؟ قلت: سنة إحدى وسبعين.
كذا قَالَ خيثمة.
وأما عَمْرو بْن دُحَيْم فقال: مات فِي ربيع الآخر سنة سبعين، وضبط فِي أيّ يومٍ وُلِدَ وأيّ يومٍ مات، فتحدّد أنّ عُمره مائة سنة وثمانية أشهر واثنين وعشرين يومًا.
وهو أحد الجماعة الّذين جاوزوا المائة بيقين.
84- عَبْد الله بْن عَبْد السّلام بْن الرّذّاذ المصريّ1.
المؤدِّب المعلّم، أمين القياس.
__________
1 ينظر في "حسن المحاضرة".

(20/78)


روى عن: بِشْر بْن بَكْر التِّنّيسيّ، وأبي زرعة، وهبة الله المؤذّن. كان رجلًا صالحًا. قال ابنُ يُونُس.
وقَالَ: هُوَ أوّل من قاس النّيل من المسلمين.
تُوُفيّ سنة ستٍّ وستّين.
85- عَبْد الله بْن عليّ بْن المَدِينيّ1.
روى عن: أبيه تصانيفه.
وعنه: محمد بن عمان الصَّيرفيّ، ومحمد بْن عَبْد الله المستعين.
قَالَ الدّارَقُطْنِيّ: إنّما روى كُتُب أَبِيهِ مناولةً وإجازة.
86- عَبْد الله بْن محمد بْن أيّوب بْن صَبيح2.
أبو محمد المخرِّميّ.
سمع: سُفْيَان بْن عيينة، ويحيى بن سليم، وعبد الله بْن نُمَيْر، وعليّ بْن عاصم، وجماعة.
وعنه: ابنُ صاعد، وابن مَخْلَد، وابن عيّاش القطّان، وإسماعيل الصّفّار، وآخرون.
قَالَ ابنُ أبي حاتم: سمعت منه مع أبي، وهو صدوق. قُلّد القضاء فلم يقبله، واختفى مُدّة.
قلت: مات سنة خمسٍ وستّين، وقد جاوز السّبعين.
وآخر من روى حديثه عاليًا هُوَ جَسْر المَرْوَزِيُّ. والمخرّميّ مؤتَمَنٌ بمرّة.
87- عَبْد الله بْن محمد النَّيسابوريّ3.
الفقيه الزّاهد أبو الطَّيّب المكفوف، صاحب يحيى بْن يحيى والملازم له ليلًا ونهارًا.
__________
1 في عداد العلماء المستورين، لا بأس به.
2 تاريخ بغداد "10/ 81"، والسير "12/ 359".
3 من العلماء المستورين لا بأس به.

(20/79)


سمع: حفص بن عبد الله السُّلميّ، وعبدان بن عثمان.
وعنه: أبو عمر المستملي، وإبراهيم بْن عليّ الذُّهليّ.
قَالَ المستملي: كان مُجاب الدَّعوة.
مات فِي ذي القعدة سنة سبعٍ وستين ومائتين.
وسمعته يقول: أتاني آتٍ فِي منامي، مولدك سنة اثنتين وثمانين ومائة.
رُويّ أنّ أَبَا الطَّيّب رؤيّ فِي النَّوم أنّ الله غَفَرَ له.
88- عَبْد الله بْن مُوسَى بْن محمد بْن يحيى بْن أبي بَكْر الكرْمانيّ1.
أبو محمد وأبو عبد الرحمن.
عن: أَحْمَد بْن جَعْفَر الثّعْلبيّ، وابن صاعد، ومحمد بْن مَخْلَد البغداديوَّن، ويوسف بْن محمد، وأَحْمَد بن يحيى ابن نصر، ومحمد بْن يزيد الزُّهريّ الإصبهانيون.
وثّقه أبو بَكْر الخطيب.
وقَالَ أبو نُعَيْم: كان صدوقًا.
89- عبد الله محمد بْن سِنان الرَّوحيّ السَّعديّ البصْريّ2.
قاضي الدِّينور.
عن: مسلم بن إبراهيم، وعبد الله بْن رجاء الغُدّانيّ.
وعنه: المَحَامِليّ، وابن مَخْلَد، وعبد الله بْن محمد الجمّال، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن فارس الإصبهانيّان.
قَالَ أبو نُعَيْم: كان يضع كثيرًا.
90- عَبْد الله بْن محمد بْن يزداد بْن سُوَيْد3.
الوزير أبو صالح المروزيّ الكاتب.
__________
1 من علماء إصبهان، والراجح أنه صدوق كما قال أبو نعيم.
2 انظر الميزان "2/ 489".
3 السير "13/ 339".

(20/80)


كان أبوه من وراء المأمون. ووزر أبو صالح المستعين والمهتدي، وقدِم دمشق مع المتوكل.
مات سنة إحدى وستّين مختفيًا.
91- عبد الله بن هلال.
أبز محمد الرَّبعيّ الروميّ الزّاهد1، ونزيل بيروت.
أخذ عن: أحمد بن عاصم الأنطاكّي، وأحمد بن أبي الحواري، وجماعة.
وعنه: أبو حاتم الرّازيّ مع تقدُّمه، وأبو نُعَيْم الإستراباذيّ، وأبو الْعَبَّاس الأصمّ.
92- عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد.
أبو زَيْد التّميميّ الأندلُسيّ2.
رحل، وأخذ عن: أَصبغ بْن الفرج، وأبي زَيْد بْن أبي الغَمْر المصريين.
وعنه: محمد بن فطيس، وغيره.
توفي سنة خمسٍ وستين.
93- عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب الكندي3.
مولاهم المصري.
عن: أبيه، وعمرو بن أبي سلمة التنيسي.
توفي في شعبان سنة سبعٍ وستيّن.
توفي في شعبان سنة سبعٍ وستين.
94- عبد الرحمن بن عيسى بن دينار الأندلسي4.
الفقيه ابن الفقيه.
حج مرات، وأخذ عن: سَحْنُون بن سعيد، وغيره.
__________
1 انظر: الحلية "8/ 114".
2 جذوة المقتبس "599".
3 يُنظر في "حسن المحاضرة".
4 جذوة المقتبس "608".

(20/81)


وكان فصيحًا بالفقيه، مُفْتِيًا بمذهب مالك.
روى عَنْهُ: ابنُ لُبَابة، وغيره.
وكان أخوه محمد بْن عِيسَى عالمًا زاهدًا، وأخوهما أبو القاسم أبان كان فاضلًا لاحقًا، ولي قضاء طُلَيْطلة وتُوُفيّ بعد السّتّين ومائتين.
وأخوهم عَبْد الواحد فقيه له ذِكر. وأمّا الوهْم فكان من كبار أصحاب أبي القاسم.
تُوُفيّ عَبْد الرَّحْمَن سنة سبعين.
95- عَبْد الرحمن بن يوسف الحنفيّ المروزيّ1.
رحل، وسمع من: يَعْلَى بْن سَعِيد، وأبي عَبْد الرَّحْمَن المقرئ، وجماعة.
وعنه: الْحَسَن بْن عِمران الخنظليّ المَرْوَزِيُّ.
تُوُفيّ سنة ستٍّ وستّين.
96- عَبْد السَّلام بْن رغْبان دِيك الْجِنّ الحمصيّ2.
أحد فُحُول الشّعراء مرَّ، وإنّما نبَّهت عليه هنا لأنّ ابنُ عساكر ذكر أنّه قدِم دمشق ومدح بها أَحْمَد بْن المدبّر عاملها. وقد مرّ أَحْمَد بْن المدبّر فِي حرف الألف.
97- عَبْد العزيز بن حاتم3.
أبو عمر المروزيّ.
محدّث رحّال.
سمع: مكّي ين إِبْرَاهِيم، وأبا نُعَيْم، وعبد الرَّحْمَن بن عَبْد الله الدَّشتكّي، وعليّ بن الحسن ين شقيق، وطبقتهم.
ذكره السُّليمانيّ، وروى عنه.
__________
1 من العلماء المستورين، لا بأس به.
2 سبقت الترجمة له.
3 انظر رقم 1.

(20/82)


98- عَبْد الْعَزِيز بْن حَيّان.
أبو زَيْد المِعْوليّ الأزْديّ المَوْصِليّ1.
عن: أبان بْن سُفْيَان، وأحمد بْن يُونُس، وأبي جَعْفَر النُّفَيْليّ، وطبقتهم.
وصنَّف حديثه.
وكان خيّرًا صالحًا فاضلًا.
روى له: ابناه زيد، رواه عَنْهُ أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: نَبا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "إِنَّ فِي جهنَّم رَحًى تَطْحَنُ عُلَمَاءَ السُّوء طَحْنًا شَدِيدًا".
99- عَبْد العزيز بن سلام.
أبو الدّردراء المَرْوَزِيُّ الحافظ2.
عن: مكّيّ بْن إِبْرَاهِيم، وعليّ بْن الْحَسَن بْن واقد، وأصبغ بْن الفرج، وعثمان بْن الهيثم المؤذِّن، وعَبْدان، وخلْق.
وعنه: س. ق. والحسن بْن سُفْيَان، ومحمد بْن عقيل البلخيّ، والحسين بن إسماعيل المحاملي، وجماعة.
قَالَ أبو حاتم: صدوق.
وقَالَ غيره: تُوُفيّ بعد سنة سبعٍ وستّين، أو فيها.
ذكر ابنُ عساكر أنّ س. ق. رويا عَنْهُ. ولم يره، بل روى عَنْهُ س. فِي اليوم والليلة.
100- عُبَيْد الله بْن عَبْد الكريم بْن يزيد بْن فرُّوخ3.
الحافظ أبو زُرْعة الْقُرَشِيّ المخزوميّ، مولاهم الرّازيّ.
أحد الأعلام.
__________
1 انظر السابق.
2 أحد الحفاظ، أخرج له النسائي في "عمل اليوم والليلة".
3 تاريخ بغداد "10/ 326"، والسير "13/ 65".

(20/83)


قَيِل: وُلِدَ سنة تسعين ومائة.
ويقال إنّه وُلِدَ سنة مائتين. وأظنّه وَهْمًا، فإنّ رحلته سنة إحدى عشرة؛ لأنّه سمع بالكوفة من: عَبْد الله بْن صالح العِجْليّ، والحسن بْن عطيّة بْن نجِيح، وتُوُفيّا عامئذٍ.
وسمع: أَبَا الْوَلِيد الطَّيالسيّ، وعبد الله بْن مَسْلَمَة القَعْنَبيّ، وقُرّة بْن حبيب، وأبا نُعَيْم، وخلّاد بْن يحيى، وقَبِيصَة، وعبد الْعَزِيز الأُوَيْسيّ، وقَالَون المقرئ، عمرو بْن هاشم البيروتي، ومسلم بْن إِبْرَاهِيم، وإسحاق الفرويّ، ومحمد بن سابق، وأبا عمر الحوصيّ، ويحيى بْن عَبْد الله بْن بُكَيْر، وخلْقًا كثيرًا بالرّيّ، والكوفة، والبصرة، والحرمَيْن، وبغداد، والشام، مصر، والجزيرة.
وَفِي تهذيب الكمال أنّه روى عن أبي عاصم النّبيل، وَفِي هَذَا نظر.
وقَالَ ابنُ أبي حاتم: سُئِل أبو زُرْعة: فِي أيّ سنة كتبتم عن أبي نُعَيْم؟ قَالَ: فِي سنة أربع عشرة ومائتين. ورحلت من الرّيّ المرّة الثانية سنة سبعٍ وعشرين.
ولم يدخل خراسان. وكان من أفراد العالم ذكاءً وَحِفْظًا ودينًا وفضلًا.
روى عَنْهُ من شيوخه: محمد بْن حُمَيْد، وأبو حَفْص الفلّاس، وحَرْمَلَة بْن يحيى، وإسحاق بن موسى الخطميّن ويونس ين عَبْد الأعلى، والربيع بْن سُلَيْمَان، ومِن أقرانه: أبو حاتم ابنُ خالته، ومسلم بْن الحجاج، وأبو زرعة الدّمشقيّ، وإبراهيم الحربيّ.
ومن الحُفْاظ والمحدّثين خلْقٌ كثير.
وروى عَنْهُ: م. ت. ن. ق. فِي كتُبُهم، وأبو بَكْر بْن أبي دَاوُد، وأبو عَوَانَة، وقاسم بْن زكريّا المطرّز، وسعيد بن عمرو البردعيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي حاتم فأكثر، وأبو بَكْر بن زياد النَّيسابوري، وأحمد بن محمد الدّاركي، ومحمد ابن الْحُسَيْن القطّان.
قَالَ ابنُ أبي حاتم: كان جدّه فروخ مولى عسّاش بن مطرِّف القرشيّ.
وقال جعفر بن مجمد الكِنْديّ: ثنا أبو زُرْعَة قَالَ: قدِم علينا جماعة من أهل الرّيّ دمشق منهم: لأبو يحيى فرخويه. فلمّا انصرفوا إِلَى الرِّيّ، فيما أخبرني غير

(20/84)


واحدٍ، منهم أبو حاتم، رأوْا هَذَا الفتي قد كاس فقالوا: نُكَنِّيك بكُنْية أبي زُرْعة الدّمشقيّ. ثم اجتمع بأبي زُرْعة الرّازيّ فكان يذكرني بهذا ويقول: بكُنْيَتِك اكتَّنَيْت.
وقَالَ سَعِيد بْن عَمْرو: قَالَ أبو زُرْعة: لا أعلم أنّه صحّ لي رباط قطّ. أمّا قزوين فأردنا محمد بْن سَعِيد بْن سابق، وأمّا عسقلان فأردنا محمد بن أبي الريّ، وأمّا بيروت فأردنا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد بْن مَزْيد.
وقَالَ النّجّاد: سمعت عَبْد الله بْن أَحْمَد يقول: لمّا ورد علينا أبو زُرْعة نزل عندنا، فقال لي أبي: يا بُنيّ، قد اعْتَضْتُ بنوافلي مذاكرة هَذَا الشَّيْخ.
وقَالَ صالح جَزَرَة: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعة يقول: كتبتُ عن إِبْرَاهِيم بْن مُوسَى الرّازيّ مائة ألف حديث، وعن أبي بَكْر بْن أبي شَيْبَة مائة ألف، فقلت له: بَلَغَني أنّك تحفظ مائة ألف حديث، تقدر أن تُملي عليّ ألف حديث من حفظك؟ قَالَ: لا، ولكن إذا أُلقي عليَّ عرفتُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ فقلت: يجوز ما كتبت عن إِبْرَاهِيم بْن مُوسَى مائة ألف؟ قَالَ: مائة ألف كثير.
قلت: فخمسين ألف؟ قَالَ: نعم، وسبعين ألف.
أخبرني من عدَّ كتاب الوضوء والصلاة فبلغ ثمانية عشر ألفًا.
وقَالَ أبو عبد الله بْن مَنْدَه الحافظ: سمعت محمد بن جعفر بن حكمويه بالرِّيّ يقول: سئل أبو زُرْعة عن رجلٍ حَلَف بالطّلاق أنّ أَبَا زُرْعة يحفظ مائتي ألف حديث هَلْ حَنَث؟ فقال: لا.
ثُمَّ قَالَ: أحفظ مائتي ألف مثل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} [الإخلاص: 1] ، واحفظ في المذاكرة ثلاثمائة ألف حديث.
قلت: هَذِهِ حكاية منقطعة لا تثبت، هذه أصح منها: فقال الحافظ ابنُ عديّ: سمعت أبي يقول بالرَّيّ، وأنا غلام فِي البزّازين، فحلفَ رَجُل بالطلاق أنّ أَبَا زُرْعة يحفظ مائة ألف حديث، فذهب قوم إِلَى أبي زُرْعة وذهبت معهم، فذكروا له حلْف الرجل، فقال: ما حَمَله على ذلك؟ قَيِل: قد جرى ذلك منه.

(20/85)


فقال: يمسك امرأته فإنّها لم تَطْلُق، أو كما قَالَ1.
وقَالَ الحاكم: سمعت أَبَا جَعْفَر محمد بْن أَحْمَد الرَّازيّ يقول: سمعت محمد بْن مُسْلِم بْن وارة يقول: كنت عند ابنُ راهويه فقال رجل: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صحّ من الحديث سبعمائة ألف حديث وكّسْر، وهذا الفتى يعني أَبَا زرعة، يحفظ ستّمائة ألف.
قلت: فِي إسنادها مجهول.
وقَالَ غُنْجار فِي تاريخه: ثنا ناصر بْن محمد الأزْديّ بكرمينية: سمعت أَبَا يَعْلَى المَوْصِليّ يقول: رحلت إِلَى البصْرة، فبينا نَحْنُ فِي السّفينة إذا برجلٍ يسأل رجلًا: ما تقول فِي رجلٍ حَلَف بالطّلاق أنّك تحفظ مائتا ألف حديث؟ فأطرق رأسه ثُمَّ قَالَ: اذهب يا هَذَا وأنت بارُّ فِي يمينك.
فقلت: من هَذَا؟ فَقِيلَ لي: أبو زُرْعة الرَّازيّ ينحدر إِلَى البصرة.
وقال ابنُ عُقْدة عن مطيَّن، عن أبي بَكْر بْن أبي شَيْبَة قَالَ: ما رأيت أحفظ من أبي رزعة.
وقَالَ عَبْد اللَّه بْن محمد بْن جَعْفَر القَزْوينيّ، وهو ضعيف: سمعتُ محمد بْن إِسْحَاق الصَّغانيّ يقول: كان أبو زُرْعة، يشبَّه بأحمد بْن حنبل.
وقَالَ عليّ بْن الْحُسَيْن بْن الْجُنَيْد: ما رَأَيْت أعْلَمَ بحديثِ مالك من أبي زُرْعة، وكذلك سائر العلوم.
وقَالَ عُمَر بْن محمد بْن إِسْحَاق القطّان: سمعت عَبْد الله بْن أَحْمَد: سمعت أبي يقول: ما جاوز الجسْرَ أفْقَه من إِسْحَاق، ولا أحفظ من أبي زُرْعة.
وقال أبو يَعْلَى المَوْصِليّ: ما سمعنا بذِكْر أحدٍ فِي الحِفْظ إلّا كان اسمه أكبر من رؤيته إلّا أبو زُرْعة، فإنّ مشاهدته كَانَتْ أعظم من اسمه. كان قد جمع حِفْظ الأبواب والشّيوخ والتّفسير.
وقَالَ صالح جَزَرة: سمعت أَبَا زُرْعة يقول: أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث.
__________
1 تاريخ بغداد "10/ 324، 325".

(20/86)


وقَالَ إِسْحَاق بْن راهَوَيْه: كلّ حديث لا يعرفه أبو زُرْعة الرّازيّ ليس له أصل وقَالَ أبو الْعَبَّاس السّرّاج: لمّا انصرف قُتَيْبَةُ إِلَى الرِّيّ من بغداد سألوه أن يحدّثهم، فقال: أحدّثكم بعد أن أحضر مجلسي أَحْمَد بْن حنبل، ويحيى بْن مَعِين، وعليّ بْن المَدِينيّ.
قَالُوا: فإنّ عندنا غلامًا يسرد كلُّ ما حدَّثت به مجلسًا مجلسًا، قم يا أبا زرعة. فقام فسرد كل ما حددث به قُتَيْبَةُ.
وقَالَ فَضْلك الصّائغ: دخلت المدينة فصرت إِلَى باب أبي مُصْعَب فخرج إليَّ شيخ مخضوب، وكنتُ أَنَا ناعسًا، فحرّكني وقَالَ: يا مردريك من أَيْنَ أنت، إيش تنام؟
فقلت: أصلحك الله من الرِّيّ، من شاكرديّ أبي زُرْعة.
فقال: تركتَ أَبَا زُرْعة وجئتني! لقيت مالكًا وغيرَه، فَمَا رأت عيناي مثلَه.
قَالَ فَضْلَك: فدخلت على الرَّبِيع بمصر فقال: إنّ أَبَا زُرْعة آية. وإنّ الله تعالى إذا جعل إنسانًا آية من شكْله حَتَّى لا يكون له ثانٍ1.
وقَالَ ابنُ أبي حاتم: نا أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل ابنُ عمّ زُرْعة أنّه سمع أَبَا زُرْعة يقول فِي مرضه الَّذِي مات فِيهِ: اللَّهُمَّ إنّي أشتاق إِلَى رؤيتك، فإنْ قَيِل لي: بأيّ عمل اشتقت إلىّ؟ قلت: رحمتك يا ربّ.
وقد كان أبو زُرْعة يحطّ على أَهْل الرّأي ويتكلَّم فيهم.
قَالَ ابنُ أبي حاتم: سَمِعْتُ أبا زُرْعة يقول: لي السَّريّ بْن مُعاذ، يعني الأمير: لو أنّي قبلت لأعطيت مائة ألف درهم قبل اللّيل فيك وَفِي ابنُ مُسْلِم من غير أن أحبسكم ولا أضربكم، بل أمنعكم من التّحديث.
سمعتُ أَبَا زُرْعة يقول: لو كَانَتْ لي صحّةُ بدنٍ على ما أريد كنت أتصدَّق بمالي كلّه، وأخرج إلى الثُّغور، وآكل من المباحات وألْزَمُها. ثُمَّ قَالَ: إنّي لَألْبَس الثّياب لكي إذا نظر النّاس إليَّ يقولون قد ترك أبو زُرْعة الدُّنيا ولبس الثياب الدُّون. وإنّي لآكل ما يقدَّم إليَّ من الطّيّبات لكيلا يقولوا: إنّه لا يأكل الطّيّبات لزهده.
__________
1 السير "10/ 472" طبعة التوفيقية.

(20/87)


وقَالَ يُونُس بْن عَبْد الأعلى: ما رَأَيْت أكثر تواضعًا من أبي زُرْعة.
وقَالَ عَبْد الله القَزْوينيّ، وهو ضعيف: ثنا يُونُس بْن عَبْد الأعلى: ثنا أبو زُرْعة. فَقِيلَ ليونس: من هَذَا؟ قَالَ: إنّ أَبَا زُرْعة أشهر فِي الدُّنيا من الدُّنيا1 وقَالَ عَبْد الواحد بْن غَياث: ما رَأَى أبو زُرْعة مثَل نفسه.
وقَالَ سَعِيد بْن عَمْرو البَرْدَعيّ: سمعت محمد بْن يحيى الذُّهلي يقول: لا يزال المسلمون بخير ما أبقى الله لهم مثل أبي زُرْعة يعلِّم النّاس.
وقَالَ أبو أَحْمَد بْن عدّي: نا أَحْمَد بن محمد القطّان: نا أبو حاتم المراديّ: حَدَّثَنِي أبو زُرْعة عُبَيْد الله بْن عَبْد الكريم وما خلّف بعده مثله عِلْمًا وَفَهْمًا، ولا أعلم من المشرق إِلَى المغرب من كان يفهم هَذَا الشأن مثله2.
وقَالَ ابنُ عدّي: سمعت القاسم بن صفوان، سمع الزّاهد، وأبو زُرْعة، وسمّى آخر.
وروى الخطيب بإسنادٍ، عن أبي زُرْعة قَالَ: ما سمعت أُذني شيئًا من العِلم إلّا وَعَاه قلبي، وإنّي كنت أمشي فِي السُّوق فأسمع صوت المُغَنّيات من الغُرَف، فَأَضَعُ إصبعي فِي أُذُنيَّ مخافة أن يَعِيَه قلبي.
وَرُوِيَ أنّ أَبَا زُرْعة كان من الأبدال.
قصة تلقين الميت:
رواها ابنُ أبي حاتم بخلاف هَذَا، فقال: سمعت أبي يقول: مات أبو زُرْعة مطعونًا مَبْطونًا يعرق الجبين منه فِي النَّزع، فقلت لمحمد بْن مُسْلِم: ما تحفظ فِي تلقين الموتى: لا إله إلّا الله؟ قَالَ: يُروى عن مُعَاذ.
فرفع أبو زُرْعة رأسه، وهو فِي النَّزع، فقال: رَوَى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مرَّة، عَنْ مُعَاذٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ" 3.
__________
1 السير "10/ 473".
2 السابق.
3 "حديث صحيح": أخرجه أبو داود "3116"، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، أخرجه= مسلم "916"، أبو داود "3117"، والترمذي "978"، وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه مسلم "917"، وابن ماجه "1444".

(20/88)


فصار فِي البيت ضجّة ببكاء من حضر.
وقَالَ الحاكم، وأبو عليّ بْن فَضَالَةَ الحافظان: ثنا أبو بَكْر محمد بْن عَبْد الله بْن شاذان الرَّازيّ -قلت: وليس ثقة- قَالَ: سمعت أَبَا جَعْفَر محمد بْن عليّ ورّاق أبي زُرْعة، فذكر حكاية تلقين أبي زُرْعة لا إله إلّا الله، وإنّهم ذكروه بالحديث. فقال وهو فِي السَّياق: ثنا بُنْدَارٌ، نا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ" 1. وتُوُفيّ رحمه الله.
وقَالَ أبو الْعَبَّاس السّراجّ: سمعت ابنُ وارة يقول: رَأَيْت أَبَا زُرْعة فِي النَّوم، فقلت: ما حالك؟ قَالَ: أَحْمَد الله على الأحوال كلها. إنّي وقفت بين يدي الله تعالى فقال لي: يا عبد الله لِمَ تذرّعت فِي القول فِي عبادي؟ قلت: يا ربّ إنّهم خاذِلوا دينك.
قَالَ: صدقت.
ثُمَّ أتى بطاهر الخلقانيّ فاستعديت عليه إِلَى ربّي، فَضُرب الحَدّ مائة ثُمَّ أمر به إِلَى الحبسٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلْحِقوا عُبَيْد الله بأصحابه، بأبي عَبْد الله، وأبي عَبْد الله سُفْيَان الثَّورّي، ومالك، وأحمد بْن حنبل.
رواها عن ابنُ وَارة عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي حاتم أيضًا.
تُوُفيّ فِي آخر يومٍ من سنة أربعٍ وستّين ومائتين.
101- عُبَيْد الله بْن يحيى بْن خاقان التُّركي، ثُمَّ الْبَغْدَادِيّ2.
أبو الْحَسَن، الوزير للمتوكّل. وما زال فِي الوزارة إِلَى أن قُتِلَ المتوكّل.
وقد جرت له أمور، وانخفاض وارتفاع، نفاه المستعين إلى الرَّقّة سنة ثمانٍ وأبعين. ثُمَّ قدِم بغداد بعد خمس سنين، ثُمَّ استوزره المعتمد سنة ستٍّ وخمسين.
__________
1 انظر السابق.
2 انظر: السير "13/ 9، 10"، البداية "11/ 36".

(20/89)


قَالَ حُسَيْن الكواكبيّ: أنبا محرز الكاتب قَالَ: اعتلّ عُبَيْد الله بْن يحيى بْن خاقان فأمّر المتوكّل بْن خاقان أن يعوده، فأتاه فقال: إنّ أمير المؤمنين يسأل عن علَّتك.
قَالَ: عليل من مكانَيْن ... من الأسقام والدَّين
وَفِي هذين لي شُغْلٌ ... وحسْبي شُغْلُ هَذين
قَالَ: فأمر له المتوكّل بألف ألف درهم.
قَالَ الصُّوليّ: ثنا الْحَسَن بْن عليّ الكاتب قَالَ: لمّا قَتَلَ المتوكّل محمد بْن الفضل الْجَرْجَرائيّ قَالَ: قد مَلَلْتُ عرضَ المشايخ عليّ، فطلبوا لي حديثًا من أولاد الكُتّاب. وبقي شهرين بلا وزير وأصحاب الدّواوين يعرضون عليه أعمالهم، ثُمَّ طلب عُبَيْد الله بْن يحيى، فَلَمَّا خاطبه أعجبته حركته، وأمره أن يكتب فأعجبه أيضًا خطه.
فقال عمُّه الفتح: وَالَّذِي كتبت أحسن من خطّه. قَالَ: وما هُوَ؟ قَالَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] ، وقد تفاءلت ببركته كبركة ما كتب. فولَّاه العَرْض، فبقي سنة يؤرّخ الكُتُب عَنْهُ وعن وَصيف.
وحظى عند المتوكل، فطرح اسم وصيف، ونفذت الكتب اسم عُبَيْد الله وحده.
قَالَ الصُّوليّ: كان عُبَيْد الله سمحًا جوادًا ممدَّحًا، حَدَّثَنِي أبو العَيْنَاء قَالَ: دخلت على المتوكّل، فقال: ما تقول فِي عُبَيْد الله؟ قلت: نِعْمَ العبد لله، كلّ منقسم بين طاعته وخدمتك، يؤثر رِضاك على كلّ فائدة، وإصلاح رعيّتك على كلّ لذّة.
وقَالَ عليّ بْن عِيسَى الوزير: لم يكن لعُبَيْد الله بْن يحيى حظٌّ من الصّناعة، إلّا أنّه أُيِّد بأعوانٍ وكتَّاب، وكان واسع الحيلة، حسن المداراة.
وقَالَ الصُّوليّ: ولم يزل أعداء عُبَيْد الله يحرّضون المنتصر على قتله، وإنّه مائلٌ إِلَى المعتز، وأحمد بْن الخطيب يردعه عَنْهُ. ثُمَّ نفاه إِلَى أقريطش فَلَمَّا استخلف المعتمد ذكر لوزارته سليمان بن وهب، والحسن بن مخلد، وجميع الكُتّاب، فقال ابنُ مَخْلَد: هَذَا عُبَيْد الله بْن يحيى قد أصلح الجماعة ورأسهم، وهو ببغداد. فصدّقه الجماعة.
وقَالَ المعتمد وأبو عِيسَى بْن المتوكّل: ما لنا حظٌّ فِي غيره.

(20/90)


فطلبوه إِلَى سرَّ من رَأَى واستحثُّوه، ولم يذكروا له الوزارة لئلّا يمتنع زُهْدًا فيها. فشخص على كُرْه، وأُدْخِل على المعتمد، فخلع عليه الوزارة. فَلَمَّا خرج امتنع، فلاطَفُوه. وولي سنة ستٍّ وخمسين بعفاف ورأي ومروءة إِلَى أن مات، وعليه ستّمائة ألف دينار، مع كثرة ضياعه. وقد أدَّبته النَّكب وهذَّبته، فزاد عَفافه وتَوَقّية.
قلت: ورد عن عُبَيْد الله أخبار فِي الحِلْم والجود.
حكى الصُّولّي، عن غير واحدٍ، أنّ عُبَيْد الله نزل إِلَى الميدان ليضرب الصَّوالجة، فصدمه خادمه رشيق، فسقط عن دابّته، فَحُمِل ومات ليومه.
تُوُفيّ الوزير عُبَيْد الله سنة ثلاثٍ وستيّن، وهو والد المعديّ أي مزاحم الخاقانيّ.
102- عطيّة بْن بقيّة بْن الْوَلِيد الحمصيّ1.
روى عن أَبِيهِ كثيرًا.
وعنه: عَبْد الْعَزِيز بْن عِمران الإصبهانيّ، وعُبَيْد بْن أَحْمَد الصّفّار الحمصيّ، وأحمد بْن هارون الْبُخَارِيّ، وأبو عوانه الإسفرائيني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة.
قَالَ ابنُ أبي حاتم: كَانَتْ فِيهِ غفلة، ومحله الصدق.
وقال ابن نافع: مات سنة خمسٍ وستّين.
قَالَ عَبْد الله بْن أَحْمَد: سمعت عطيّة بْن بقيّة يقول: أَنَا عطيّة بْن بقيّة، وأحاديثي نقيّة، فإذا عطيّة، ذهب حديث بقيّة.
قَالَ الْخِلَعِيُّ: أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الْبَزَّازُ: ثنا محمد بْن جَعْفَر: سمعت محمد بْن خَالِد بْن يزيد بمكّة: سمعت عطيّة يقول:
يا عطيّة بْن بقيّة ... كأنْ قد أتتك المَنِيّه غدوةً
أو عَشِيّهْ فتفكَّر ... وتذكّر وتجنَّب الخطيَّة
واذكُرِ الله بتقوى ... واتبع التّقوى بنيَّه
__________
1 السير "12/ 521"، واللسان "4/ 175".

(20/91)


وسمعته يقول:
أَنَا عطيَّة بْن بقيَّة ... ابنُ شيخ البَريّهْ
فاكتبوا عَنْهُ بِنِيّهْ ... فِي قَرَاطِيسَ نقيّه
103- عليّ بن إشكاب.
واسم حُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم بْن الحرّ بْن علّان العامريّ الْبَغْدَادِيّ1.
أبو الْحَسَن. كان أسنّ من أَخِيهِ محمد.
وسمع من: إِسْمَاعِيل بْن عليَّة، وإسحاق الأزرق، وأبا معاوية، ومحمد بْن مَخْلَد، وابن أبي حاتم، وخلقًا آخرهم الْحُسَيْن بْن يحيى القطّان.
وقد وثَّقه النَّسائي وغيره.
ومات فِي شوّال سنة إحدى وستّين، بعد أَخِيهِ بعشرة أشهر
104- عليّ بْن الْحَسَن بْن أبي عِيسَى بْن مُوسَى بْن مسيرة2.
أبو الْحَسَن الهلاليّ الدّارَابْجِرْدِيّ.
حجّ ورأى ابنَ عُيَيْنَة، وصلّى عليه، كذا نقل الحاكم فِي تاريخه بلا إسناد.
وسمع: عَبْد المجيد بْن أبي داود، حرميّ بن عمّار، معلَّى بْن عُبَيْد، وأبا عاصم النّبيل، وخلْقًا.
وعنه: البخاريّ، مسلم، وأبو زُرْعة، وأبو حاتم، وإبراهيم بْن أبي طَالِب، وابن خُزَيْمَة، وخلْق.
قَالَ أبو عبد الله بْن الأخرم: ما رَأَيْت أفضل منه.
وعن مُسْلِم بْن الحجّاج، وذكره فقال: ذلك الطّيّب ابن الطّيّب.
__________
1 انظر: الجرح والتعديل "6/ 179"، السير "12/ 352".
2 الحلية "10/ 143"، السير "12/ 526".

(20/92)


وقَالَ الحاكم: سمعتُ محمد بْن يعقوب بْن الأخرم غير مرّة يقول: استشهد عليّ بْن الْحَسَن برسْتاق أرْغِيان فِي ضيعته.
قَالَ: وكان السبب أنّه زَبر العامل بها، فَلَمَّا جنّ عليه اللّيلُ أمر به، فأدْخِل مَتْبَنَةً، وأوقد النّار فِي تبنٍ، فمات فِي الدُّخان. ثُمَّ وُجِد مَيْتًا وقد أكل النّملُ عينيه.
قَالَ الحاكم: هُوَ من أكابر علماء المسلمين، وابن عالمهم طلب الحديث بالحجاز، واليمن، والعراق، وخُراسان.
وقِيلَ: إنّه مات سنة سبعٍ وستّين فِي رمضان.
105- عليّ بْن حرب بْن محمد بْن حيّان بْن المازن بْن الغضوبة1.
أبو الْحَسَن الطّائيّ المَوْصِليّ.
وُلِدَ بأذْرَبَيْجان سنة خمسٍ وسبعين ومائة، ونشأ بالمَوْصِل، ورأى المُعَافَى بْن عِمْرَانَ.
وسمع من: حَفْص بْن غياث، وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة، ووَكِيع، وأبي مُعَاوِيَة الضَّرير، وعبد الله بْن إدريس، وطبقتهم بالموصل، والبصرة، والكوفة، ومكة، وبغداد.
وعنه. س. وقَالَ: صالح؛ وابن صاعد، ومحمد بْن جَعْفَر الطّيريّ، وأحمد بْن سُلَيْمَان العَبَّادانيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي حاتم.
ونافِلُتُه محمد بْن يحيى بْن عَمْر بْن عَلِيّ بْن حرب.
قَالَ أبو حاتم: صدوق.
قَالَ الدّارَقُطْنِيّ: ثقة.
وقَالَ يزيد فِي تاريخ المَوْصِل: رحل عليّ بْن حرب مع أَبِيهِ، وسمع وصنَّف حديثه، وخرّج المُسْنَد.
قَالَ: وكان عالمًا بأخبار العرب وأنسابها، أديبًا شاعرًا، وَفَدَ على المعتزّ بالله في سنة أربعٍ وخمسين.
__________
1 انظر: السير "12/ 351"، التهذيب "7/ 294".

(20/93)


وكتب عَنْهُ المعتزّ بخطّه، ودقّق الكتاب، فقال: يا أمير المؤمنين أخذتَ فِي شُؤْم أصحاب الحديث. فضحك المعتزّ وأطلق له ضياعًا.
تُوُفيّ فِي شوّال سنة خمسٍ وستّين بالمَوْصِل، وصلّى عليه أخوه مُعَاوِيَة.
106- عليّ بْن محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن.
العبْديّ الخبيث لَعنَه الله1.
رَجُل من عَبْد القَيْس افترى وزعم أنّه من وُلِدَ زَيْد بْن عليّ، فتبِعه أناس كثير، وكان خارجيًّا على رَأْيِ الحَرُوريّة، يقول: لا حُكم إلّا لله. والأظهر أنّه كما قَيِل دَهْرِيًّا زِنْدِيقًا يتستّر بمذهب الخوارج.
وظهر بالبصرة وتوثّب عليها، وهو طاغية الزَّنْج الّذين أخربوا البصرة واستباحوها قتْلًا ونَهْبًا وَسَبْيًا، وامتدّت أيّامه واستفحل شرّه، وخافته الخلفاء إِلَى أن هلك.
ونقل غير واحدٍ أنّ صَاحِبَ الزَّنْج المنعوت بالخبيث رَجُل من أَهْل وزربين.
مات إِلَى لعنة الله سنة سبعين.
وكان بلاء على الأمّة، وقد سقنا أخباره ومعاوناته فِي الحوادث. وكانت دولته خمس عشرة سنة. وافترى نَسَبًا إِلَى عليّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
قَالَ نِفْطَوَيْه: كان ربّما كتب العَوْذ. وكان قبل ذلك بواسط، فحبسه محمد بْن أبي عَوْن، ثُمَّ أطلقه. ولم يلبث أن خرج واستغوى الزَّنج الّذين يلبسون السمار، وقوي أمره.
107- عليّ بْن الموفَّق الزّاهد2.
أحد مشايخ الطريق. له أحوال ومقامات.
صحِب مَنْصُور بْن عمّار، وأحمد بْن أبي الحواري.
حكى عَنْهُ أبو الْعَبَّاس السّرّاج: سمعت عليّ بْن الموفَّق يقول: خرجت على رَحْلي ستّين سنة، وقرأت نحو اثنتي عشر ألف ختمة، وضحيّت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
__________
1 الكامل "7/ 206".
2 تاريخ بغداد "12/ 110"، والبداية "1/ 28".

(20/94)


مائة وسبعين أُضْحِيَّة، وجعلت من حجّاتي ثلاثين عن النَّبِيّ -صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
قلتُ: وفد ناس فِيهِ أبو الْعَبَّاس السّرّاج فضحّى عن النّبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا وكذا أضحية.
وقال إِسْحَاق المولى: اقتديت بأبي العبّاس فحججت عن النّبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبْع حِجَج، وختمت عنه سبعمائة ختمة.
وقال أبو عمر بن السّمّاك: نا أحمد بن المهديّ: سمعت عليّ بْن الموفَّق يقول: خرجت يومًا لئؤذِّن فأصبت قِرْطاسًا فأخذته ووضعته فِي كُمّي، فأذَّنت وأقمت وصليت، فَلَمَّا صلّيت قرأته، فإذا فِيهِ مكتوب: "بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم يا عليّ بْن الموفَّق تخاف الفقر وأنا ربّك"؟ وقَالَ محمد بْن أَحْمَد الطّالْقانيّ: سمعت الفتح بْن شَخْرف يقول وقد رَأَى الَأرُزّ تُطْرح على جنازة ابنُ الموفَّق، فضحِك وقَالَ: ما أحسن هَذِهِ المزاحمات لو كَانَتْ على الأعمال.
تُوُفيّ علي بْن الموفَّق سنة خمسٍ وستّين ومائتين.
108- عمّار بْن رجاء الإسْتَرَاباذيّ.
أبو ياسر التَّغلبي2،
صاحب المُسْنَد.
رحل، وسمع، وصنّّف.
حدَّث عن: يحيى بْن آدم، ويزيد بْن هارون، وزيد بن الحباب، ومعاوية بْن هشام، وحسين الْجُعْفيّ، ومحمد بن بشر البغدادي، وطبقتهم.
وعنه: أبو نعيم عبد الملك بن عدي بن محمد، وأحمد بن محمد بن مطرِّف الإستراباذي، ومحمد بن الحسين الأديب.
وكان من علماء الحديث بجرجان.
توفَّي سنة سبعٍ أو ثمانٍ وستين.
__________
1 هذا الفعل لا أصل له، ولم يُعرف من هدي سلفنا الصالح.
2 انظر: الجرح والتعديل "6/ 395"، السير "13/ 35".

(20/95)


ترجمه أبو سعد الإدريسي، وقَالَ: كان شيخًا فاضلًا دَيِّنًا كثير العبادة والزُّهد. ثقة فِي الحديث. رحل وهو ابنُ ثمانٍ وعشرين سنة، ومات سنة سبعٍ وستّين على الصّحيح. وقبره يُزار رحمه الله1.
109- عُمَر بن الخطّاب السّجِسْتانيّ2.
نزيل الأهواز.
سمع: أَبَا عاصم النَّبيل، ومحمد بْن يوسف الفِرْيابيّ، وسعيد بْن أبي مريم، وخلْقًا من طبقتهم.
وعنه: أبو دَاوُد، وأبو بَكْر بْن أبي عاصم، ومحمد بْن نوح الْجُنْدَيْسَابُوريّ، وأبو سَعِيد بْن الأعرابيّ، وجماعة.
توفَّي بكرْمان سنة أربعٍ وستّين.
110- عُمَر بْن الخطّاب بن حليلة3.
أبو الخطاب الإسكندرانيّ، صاحب التّاريخ.
كان فِي حدود العشرين ومائتين.
وقد ذكر فِي هَذِهِ الطبقة ممّن اسمه عُمَر بْن الخطّاب أيضًا ثلاثة.
111- عُمَر بْن عليّ الطّائيّ المَوْصليّ4.
وُلِدَ سنة تسعٍ وتسعين ومائة أوّلها.
وسمع من أبي نعيم، وقبيضة بْن عُقْبَةَ.
وكان رجلًا صالحًا خيِّرًا عابدًا منقبضًا عن النّاس.
__________
1 وهذا ما نهى عنه الشرع، وهو تخصيص قبور الصالحين بالزيارة، فزيارة القبور بدون تخصيص هو هدي السلف الصالح.
2 التهذيب "7/ 441".
3 ينظر في "حسن المحاضرة".
4 من العلماء المستورين، لا بأس به.

(20/96)


روى عَنْهُ: حفيده محمد بن يحيى بْن عُمَر، وغيره.
وتُوُفيّ فِي سنة تسعٍ وستّين، وله سبعون سنة.
112- عَمْرو بْن سَعِيد.
أبو حَفْص الإصبهانيّ الحمّال1، بالحاء.
عن: وهْب بْن جرير، وأبي عامر العَقَدي، وأبي دَاوُد الطَّيالِسيّ، والحسين بْن حَفْص، وطائفة.
وعنه: يوسف بْن محمد بْن المؤذّن، وأحمد بْن عليّ بْن الجارود، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن فارس، وغيره.
وقد وثّقوه.
وتُوُفيّ سنة تسعٍ وستّين.
ذكره أبو نعيم الحافظ مرتين معتقدًا أنّهما اثنان.
والنّسخة الّتي سُمِعت عليه بتاريخه فيها الحمّال فِي المرّة الواحدة بشكل الحاء، وَفِي الثانية بنقطة الجيم.
113- عَمْرو بْن سَلْم.
وقِيلَ: عَمْرو بْن سَلَمَةَ، وقِيلَ: عُمَر بْن سَلْم2.
الأستاذ أبو حَفْص النَّيْسابوريّ الزّاهد، شيخ الصّوفيّه بخُراسان.
روى عن: حَفْص بْن عَبْد الرَّحْمَن الفقيه.
وعنه: أبو عُثْمَان سَعِيد بْن إِسْمَاعِيل الحِيريّ الزّاهد تلميذه، وأبو جَعْفَر أَحْمَد بْن حمدان، وحمدون القصّار، وآخرون.
قَالَ أبو نُعَيْم: نا أبو عَمْرو بْن حمدان: نا أبي قَالَ: قَالَ أبو حَفْص النَّيْسابوريّ: العاصي بريد الكُفْر كما أنّ الحمىَّ بريد الموت.
__________
1 طبقات المحدثين "3/ 44" لأبي الشيخ.
2 الحلية "10/ 229"، السير "12/ 510".

(20/97)


وثنا أبو عَمْرو بْن حمدان قَالَ: كان أبو حَفْص حدّادًا، فكان غلامه ينفخ عليه الكير مرَّةً، فأدخل يده وأخرج الحديد من النّار، فغُشِي على غلامه، وترك أبو حَفْص الحانوت، وأقبل على أمره.
وقِيلَ إنّ أَبَا حَفْص دخل على مريضٍ، فقال المريض: آه.
فقال أبو حَفْص: مِمَّنْ؟ فسكت، فقال: مع من؟ قَالَ المريض: فكيف أقول؟ قَالَ: لا يكن أَنِينُك شَكْوى، ولا سُكوتك تجلُّدًا، ولْيكُنْ بين ذلك.
وعن أبي حَفْص قَالَ: حرست قلبي عشرين سنة، ثُمَّ حرسني عشرين سنة، ثُمَّ ورَدَ عليَّ وعليه حالةٌ صِرْنا محروسين جميعًا.
قَيِل لأبي حَفْص: من الوَليّ؟ قَالَ: من أيِّد بالكرامات، وغيِّب عَنْهَا1.
قَالَ الخُلْديّ: سمعت الْجُنَيْد ذكر أَبَا حَفْص قَالَ أبو نصر صاحب الحلّاج: نعم يا أَبَا القاسم، كانت له حال إذا لبسته مكث اليومين والثالثة لا يمكن أحدٌ أنْ ينظر إليه. وكان أصحابه يخلّونه حَتَّى يزول ذلك عَنْهُ.
وبلغني أنّه أنْفَذَ فِي يومٍ واحدٍ بضعةَ عشر ألف دينار يشتري بها الأسرى من الدَّيلم، فلمّا أمس لم يكن له ما يأكله.
ذكر المُرْتَعِشُ قَالَ: دخلنا مع أبي حَفْص على مريضٍ، فقال له: ما تشتهي؟ قَالَ: أن أبرأ.
فقال لأصحابه: احملوا عَنْهُ.
فقام المريض وخرج معنا، وأصحابنا كلّنا نُعادُ فِي الفِراش2.
قَالَ الُّسلميّ فِي تاريخ الصُّوفيّة: أبو حَفْص من قرية كُوردَابَاذ على باب نيسابور، وكان حدّادًا.
وهو أوّل من أظهر طريقة التّصوفّ بنيسابور.
__________
1 صفة الصفوة "4/ 120" لابن الجوزي.
2 طبقات الأولياء "251" لابن الملقن.

(20/98)


قَالَ أبو محمد البلاذُريّ: اسمه عَمْرو بْن سَلْم، وكذا سمّاه أبو عُثْمَان الحِيرِيّ.
وذكر السُّلميّ أنّه كان ينفخ عليه غلامٌ له الكِيَر، فأدخل أبو حَفْص يده فِي النّار وأخرج الحديد، فغُشِي على الغلام، فترك أبو حَفْص الصَّنعة وأقبل على شأنه.
سمعت عَبْد الله بْن عليّ يقول: سمعت أَبَا عَمْرو بْن علْوان وسألته: هَلْ رَأَيْت أَبَا حَفْص عند الْجُنَيْد؟ قَالَ: كنتُ غائبًا، ولكنْ سمعت الْجُنَيْد يقول: أقام عندي أبو حَفْص سنة مع ثمانية أنْفُس، فكنت كلّ يومٍ أقدمِّ لهم طعامًا طيبًا، وذكر أشياء من الثّياب فَلَمَّا أراد أن يذهب كَسْوتُهُم.
فَلَمَّا أراد أن يفارقني قَالَ: لو جئت إِلَى نيْسابور علّمناك السّخاء والفتوَّة.
ثُمَّ قَالَ: عملك هَذَا كان فِيهِ تكلُّف. إذا جاءك الفقراء فكنْ معهم بلا تكلُّف، إنْ جُعْت جاعوا، وإن شبعتْ شَبِعُوا1.
قَالَ الخُلْديّ: لمّا قَالَ أبو حَفْص للجُنَيْد: لو دخلت خُراسان علّمناك كيف الفتوَّة، قَالَ له البغداديّون: ما الَّذِي رَأَيْت منه؟ قَالَ: صيّر أصحابي مخنَّثين، كان يكلُّف لهم كل يومٍ ألوان الطعام وغير ذلك، وأما الفتوَّة تَرْكُ التكلُّف.
وقِيلَ: كان فِي خدمة أبي حَفْص شابٌّ يلزم السُّكوت، فسأله الْجُنَيْد عَنْهُ فقال: هَذَا أنفقَ علينا مائة ألف درهم، واستدان مائة ألف درهم، ما سألني مسألة إجلالًا لي.
وقَالَ أبو عليّ الثَّقفيّ: كان أبو حَفْص يقول: مَن لم يزِنْ أحواله كلّ وقت بالكتاب والسُّنّة ولم يتّهم خواطره، فلا تعدُّه.
وَفِي مُعْجَم بغداد للسِّلفيّ بإسنادٍ منقطع: قدِم ولدان لأبي حَفْص النيَّسابوريّ فحضرا عند الْجُنَيْد فسمعا قوَّالين فماتا، فجاء أبوهما وحضر عند القوّالَيْن، فسقطا ميّتَيْن2.
وقَالَ ابنُ نُجَيْد: سمعت أَبَا عَمْرو الزّجّاجيّ يقول: كان أبو حفصٍ نور الْإِسْلَام فِي وقته.
__________
1 طبقات الأولياء "250".
2 السير "12/ 512".

(20/99)


وعن أبي حَفْص قَالَ: ما استحقّ اسم السّخاء من ذكر العطاء، ولا لمحه يقبله.
وعنه قَالَ: الكَرَم طرْحُ الدُّنيا لمن يحتاج إليها، والإقبال على الله لاحتياجك إليه.
وعنه قَالَ: أحسن ما يتوسّل به العبد إِلَى مولاه دوام الفقر إليه على جميع الأحوال، وملازمة سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جميع الأفعال، وطلب القُوت جَهْده من وجهٍ حلال.
تُوُفيّ الزّاهد أبو حَفْص سنة أربعٍ وستّين، وقِيلَ: سنة خمسٍ وستّين.
ووَهِمَ من قَالَ: سنة سبعين ومائتين.
114- عِيسَى بْن إبراهيم بْن مَثْرُود الغافقيّ1.
مولاهم المصريّ الفقيه.
أبو مُوسَى.
سمع: ابنُ عُيَيْنَة، وابن وهْب، وعبد الرَّحْمَن بْن القاسم، وجماعة.
وعنه: أبو دَاوُد، والنَّسائي وقَالَ: لا بأس به، وابن خُزَيْمَة، والطَّحاويّ، وأبو بَكْر بْن أبي دَاوُد، وأبو الْحَسَن بْن جَوْصا، وأبو بَكْر بْن زياد النَّيْسابوريّ، وخلْق سواهم.
تُوُفيّ فِي صَفَر سنة إحدى وستّين.
115- عِيسَى بْن أَحْمَد بْن عِيسَى بْن وَرْدان2.
أبو يحيى الْبَغْدَادِيّ، ثُمَّ العسقلانيّ. عسقلان بلْخ، وهي محلّة معروفة.
رحل، وسمع: بقيَّة بن الوليد، وعبد الله بْن وهْب، وحَمْزة بْن ربيعة، وعبد الله بْن نُمَيْر، وطائفة.
وعنه: التّرمِذيّ، والنَّسائي، وحامد بْن بلال، وأبو عوانه الإسفرائينيّ، ومحمد بْن عَقِيل البلْخي، والهَيْثَم بْن كُلَيْب الشّاشيّ فأكثر، وأبو حاتم الرَّازيّ وقَالَ: صدوق وقَالَ النَّسائي: ثقة.
__________
1 انظر: السير "12/ 362"، والتهذيب "8/ 205".
2 البداية "11/ 42"، التهذيب "8/ 205".

(20/100)


وحدَّث عَنْهُ من أَهْل نَسْف خلقٌ، منهم: حمّاد بْن شاكر، وإبراهيم بْن مَعْقِلٍ.
تُوُفيّ سنة ثمانٍ وستّين، فِي عُشر المائة، ويقال: وُلِدَ سنة ثمانين ومائة.
116- عِيسَى بْن الشَّيْخ1.
أحد الأمراء المذكورين. أبو مُوسَى الشَّيبانيّ الذُّهليّ الدِّمشقيّ. ولي إمرة دمشق فأظهر الخلاف والخروج عن الطاعة سنة خمسٍ وخمسينٍ وأخذ الأموال، وتغلَّب على دمشق، فوجَّه المعتمد لحربه جيشًا عليهم أماجُور. فجهَّز الأمير عِيسَى لملتقاه وزيره ظفْر بْن اليمان وولده مَنْصُور بْن عِيسَى، فانكسروا وقُتِل ابنه فِي المعركة وأُسِر الوزير، وصُلِب فِي ظاهر البلد. وجرت له أمورٌ بعد ذلك.
قَالَ الصُّوليّ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن فَهْم أنّ بعض الظُّرفاء قصد عِيسَى بْن الشَّيْخ بآمِد فأنشده:
رأيتك بالمنام خلعتَ حقًّا ... عليَّ ببنفسجيّ وقضَيْت دَيْنِي
فعجِّل لي فِداك أَبِي وأُميّ ... مقالا في المنام رأته عيني
فقال: يا غلام، كُّل ما في الخزائن من الحرير.
فعرضه فوجد سبعين شقة بنفسجي، فدفعها إليه وقَالَ: كم دَيْنك؟ قَالَ: عشرة آلاف درهم.
فأعطاه ألف درهم وقَالَ: لا تعود ترى منامًا آخر.
قَيِل: إنّ عِيسَى مات سنة تسعٍ وستّين.
117- عِيسَى بْن مِهْران بْن المستعطف2.
من رءوس الرافضة.
حكى عَنْهُ: محمد بْن جرير الطَّبريّ، وغيره.
وله كتاب فِي تكفير الصّحابة وفسْقهم، ملأه بالكذب والبهتان.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "9/ 474، 475"، الكامل "7/ 238".
2 تاريخ بغداد "11/ 167".

(20/101)


روى عَنْ: عُمَر بْن جرير البَجَليّ، وحسن بْن حُسَيْن المغربيّ، وسهل بْن عامر البَجليّ.
روى عَنْهُ: الْحُسَيْن بْن عليّ العلويّ نزيل مصر، وإسحاق بْن إِبْرَاهِيم الحنفيّ. قَالَ ابنُ عديّ: حدَّث بأحاديث موضعية، كنْيته أبو مُوسَى.
تُوُفيّ ببغداد فِي حدود السبعين ومائتين.
118- عِيسَى بْن مُوسَى بْن أبي حرب الصّفّار1.
أبو يحيى البصْريّ الثّقة النّبيل. رواه يحيى بْن أبي بَكْر الكرْمانيّ. قدِم إِلَى بغداد وحدَّث بها.
فروى عَنْهُ: الْحَسَن بْن عليل، وابن الباغَنْديّ، وأبو عَوَانة الإسفرائينيّ وقَالَ: كان سيّد أَهْل البصرة، والمَحَامليّ، ومحمد بْن جَعْفَر المَطِيريّ، وحمزة الهاشميّ، وخلْق سواهم.
وثقه أبو بَكْر الخطيب، وغيره.
وقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الأجرِّيّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُولُ: سمعت ابنُ حسّان يقول: كثّر الله فِي النّاس مثل عِيسَى بْن أبي حرب.
قَالَ الخطيب: تُوُفيّ ماضيًا إِلَى كرْمان فِي صَفَر سنة سبعٍ وستين ومائتين.
"حرف الفاء":
119- الفضل بْن شاذان بْن عِيسَى2.
أبو الْعَبَّاس الرّازيّ المقرئ شيخ القرّاء بالرِّيّ.
أَخَذَ عن: أَحْمَد بن يزيد الحلْوانيّ، ومحمد بْن عِيسَى الإصبهانيّ، وغيرهما.
وسمع من: إِسْمَاعِيل بْن أبي أُوَيْس، وسعيد بْن مَنْصُور وطائفة.
وحدَّث عَنْهُ: أبو حاتم، وابنه عَبْد الرَّحْمَن وقال: ثقة.
__________
1 انظر: تاريخ بغداد "11/ 165".
2 انظر: معرفة القراء الكبار "1/ 334" للذهبي.

(20/102)


وقرأ عليه: مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن سَعِيد، وأحمد بْن محمد بْن عَبْد الله، وأحمد بْن محمد بن عمّار ابن شبيب الرّازيّون، وابنه الْعَبَّاس بْن الفضل.
قَالَ أبو عمرو والدّانيّ، لم يكن فِي دهْره مثله فِي عِلْمه وفَهْمه، وعدالته، وحُسْن اطِّلاعه.
120 - الفضل بْن الْعَبَّاس.
الحافظ أبو بَكْر الرّازيّ، ولقَبُه: فَضْلَك الصّائغ1.
رحل وطوّف، وحدَّث عن: عِيسَى بْن مينا قالون، وقُتَيْبَةَ بْنُ سَعِيدِ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الُأوَيْسيّ، وخلْق كثير.
وعنه: محمد بن مخلد العطّار، وأبو عوانة، ومجمد بن المطيريّ، أبو بَكْر الخرائطيّ، وجماعة.
تُوُفيّ فِي صفر سنة سبعين.
قَالَ المرُّوذيّ: ورَد عليَّ كتابٌ من ناحية شيراز أنّ فَضْلَك قَالَ ببلدهم: إنّ الْإِيمَان مخلوق، فبلغني أنّهم أخرجوه من البلد بأعوان الوالي.
وقَالَ لي أَحْمَد بْن أصرم المُزَنيّ: كنتُ بشيراز وقد أظهر فَضْلَك أنّ الْإِيمَان مخلوق وأفسد قومًا من المشيخة فحذَّرت منه، وأخبرتهم أنّ أَحْمَد بْن حنبل جهَّم من قَالَ بالعراق: إنّ القرآن مخلوق. وبيَّنا أمره حَتَّى أخرج. ودخلت إصبهان فإذا قد جاء إليهم، وأظهر عندهم أنّ الْإِيمَان مخلوق فأُخْرج منها.
وقَالَ المرُّوذيّ: ما زلنا بهجر فضلك حتى مات ولم يظهر توبةً فأخرج منها.
وقَالَ الخطيب: كان ثقة ثبتًا حافظًا، سكن بغداد.
وقَالَ محمد بْن حرث: سمعت الفضل بْن الْعَبَّاس وسألته: أيُّهما أحفظ: أبو زُرْعة أو البخاريّ؟ فقال: أنْ أُغْرِب على الْبُخَارِيّ فلن أستطيع، وأنا أُغْرِب على أبي زُرْعة على عدد شَعْره.
121- الفضل بْن الْعَبَّاس بْن مُوسَى الإستراباذيّ2. الفقيه.
__________
1 تاريخ بغداد "12/ 367"، السير "12/ 630".
2 انظر: تاريخ جرجان "598".

(20/103)


سمع: أبا نُعَيْم، وأبا حُذَيْفة، وموسى بْن مَسْعُود المهْريّ، وغيرهم.
وعنه: أبو نُعَيْم عَبْد الملك بْن عديّ، وجماعة.
يُقَالُ: قتلهُ محمد بْن زَيْد العَلَويّ المتغلِّب على جُرْجان سنة أربعين ألقاه فِي بئر.
وكان الفضل إمامًا ثقة، فقيهًا كبير القدر. وهو الَّذِي تقدَّم إِلَى أَحْمَد بْن عَبْد الله الخُجُسْتانيّ الطّاغية الَّذِي قصد إستراباذ فاشترى منه البلد وأهله بثلاثمائة ألف درهم، ووزَّعها على النّاس. فسار أَحْمَد إِلَى جُرْجان وأغار على أهلها.
"حرف القاف":
122- القاسم بْن محمد بْن الْحَارِث المَرْوَزِيُّ1.
الفقيه.
قدِم بغداد، وصحب الْإِمَام أَحْمَد مدّة.
وحدَّث عن: عَبْدان بن عُثْمَان، وعليّ بْن الْحَسَن بْن شقيق، ومسدَّد بْن مُسَرْهَد، وطبقتهم.
وعنه: أبو حاتم الرَّازيّ، وابن صاعد، والمَحَامليّ، وجماعة.
وثقة أبو بكر الخطيب.
وتوفي سنة ثلاثٍ وستّين.
123- القاسم بْن يزيد.
أبو محمد الكوفيّ الوزّان المقرئ الحاذق2.
قرأ على: خلّاد بْن خَالِد، وكان من أجلّةِ أصحابه.
قرأ عليه: الحسن بن الحسين الصّاوف، وغيره.
__________
1 انظر: تاريخ بغداد "12/ 431".
2 غاية النهاية "2/ 25".

(20/104)


"حرف الميم":
124- محمد بْن أَحْمَد بْن يزيد بْن عَبْد الله بْن يزيد1.
أبو يُونُس القُرَشيّ الْجُمَحيّ المدنيّ الفقيه. مفتي أَهْل المدينة.
أخذ عن أصحاب مالك، وحدَّث عن: إِسْمَاعِيل بْن أُوَيْس، وأبي مُصْعَب، وإسحاق بْن محمد الفَرَويّ، وإبراهيم بْن المنذر الحزاميّ، وجماعة.
وعنه: زكريّا السّاجيّ، ويحيى بْن الحَسَن بْن جَعْفَر النَّسابة العلويّ، وأبو بشر الدُّلابيّ، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم الدّيبليّ، وأبو عَوانة الإسفرائينيّ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وآخرون.
125- محمد بْن أَحْمَد بْن حَفْص بْن الزِّبرقان2.
أبو عبد الله الْبُخَارِيّ، عالِم أَهْل بُخَاري وشيخهم.
قَالَ ابنُ مَنْدَه: كان شيخ خُراسان سمعتُ محمد بْن يعقوب الشَّيبانيّ يقول: سمعتُ كلام أَحْمَد بْن سَلَمَةَ يقول: سُئِل محمد بْن إِسْمَاعِيل عن القرآن فقال: كلام الله. فقال: كيفما يصرف؟ قال: القرآن ينصرف إلّا بالسُّنة! فأُخْبِرَ محمد بْن يحيى فقال: مَن ذهبّ إِلَى مجلسه فلا يدخل مجلسي.
وأخرَج جماعة من مجلسه. فخرج محمد بْن إِسْمَاعِيل إِلَى بُخَارَى، وكتب محمد بْن يحيى إِلَى خَالِد بْن أَحْمَد الأمير وشيوخ بخارى بأمره، فهمَّ خَالِد حَتَّى أَخْرَجَهُ أبو عبد الله محمد بْن أحمد بْن حفص إِلَى بعض رِباطات بُخَارَى، فبقي إِلَى أن كتب إِلَى أَهْل سَمَرْقَنْد يستأذنهم بالقدوم عليهم، فامتنعوا عليه، ومات فِي قرية.
قَالَ ابنُ مَنْدَه: نسخة كتاب أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حَفْص فقيه أَهْل خُراسان وما وراء النَّهر فِي الرّدّ على اللّفظيّة: الحمد لله الَّذِي حمد نفسه وأمر بالحمد عِباده. ثُمَّ سرد الكتاب فِي ورقتين.
قلت: تُوُفيّ فِي رمضان سنة أربعٍ وستّين. أرّخه أبو عبد الله بن عبد الرحمن بن منده.
__________
1 التهذيب "9/ 24".
2 السير "12/ 617".

(20/105)


وأبوه ورد أنه سمع ورحل أبي عَبْد الله الْبُخَارِيّ، وكتب معه.
وروى عن: الحميدي، وأبي الْوَلِيد الطيالسيّ.
وأبوه فقيه بُخَارى، تفقّه على محمد بْن الْحَسَن.
قلت: وسمع محمد هَذَا أيضًا من عارٍم، وطبقته.
روى عنه: أبو عصمة بن محمد اليشكريّ، وعبدان ين يوسف، وعليّ بْن الْحَسَن بْن عَبْدة، وآخرون.
وتفقَّه عليه جماعة.
وقد تفقه على أَبِيهِ: أبو جَعْفَر، وانتهت إليه رئاسة الحنفيّة، ببُخَارَى.
تفقّه عليه جماعة، منهم: عَبْد الله بْن محمد بْن يعقوب الْبُخَارِيّ الحارثيّ الملقّب بالأستاذ فيما قَيِل. فَإِن كان لقِيَه فهو من صغار تلامذته.
قَالَ السُّليمانيّ: هُوَ أبو عبد الله العْجِليّ ومولاهم. له كتاب الأهواء والاختلاف.
قال: وكان تقيًّا ورعًا زاهدًا، ويكفِّر من قَالَ بخلْق القرآن. ويُثْبت أحاديث الرؤية والنّزول، ويحرِّم المُسْكر. أدرك أَبَا نُعَيْم، ونحوه.
126- محمد بْن إِبْرَاهِيم.
أبو حَمْزَةَ الْبَغْدَادِيّ الصُّوفي الزّاهد1.
جالس بِشْر بْن الْحَارِث، وأحمد بْن حنبل.
وصحِبَ سرِيّ السَّقطيّ، وغيره.
وكان عارفًا بالقرآن، كثير العدْو بالثَّغر.
حكى عَنْهُ: خير النّسّاج، ومحمد بن عليّ الكتّابيّ، وغيرهما.
فَمَنْ كلامه: علامة الصُّوفي الصّادق أن يفتقر بعد الغنى، ويُذَلّ بعد العزّ، ويُخفى بعد الشُّهرة، وعلامة الصُّوفي الكاذب أن يستغني بعد الفقر، ويُعَزّ بعد الذّلّ، ويشتهر بعد الخفى.
__________
1 انظر: تاريخ بغداد "1/ 390"، والسير "13/ 165".

(20/106)


وقَالَ إِبْرَاهِيم بْن عليّ المؤيّديّ: سمعت أَبَا حمزة يقول: من المجال أن نحبّه ثُمَّ لا نذكره، ومن المُحال أن نذكره ثُمَّ لا يوجد له ذِكْر، ومن المُحال أن يوجد له ذِكْر ثُمَّ نشتغل بغيره.
قَالَ أبو نُعَيْم فِي الحلية: حكى لي عَبْد الواحد بْن أبي بَكْر: حدَّثني محمد بْن عَبْد الْعَزِيز: سمعتُ أَبَا عَبْد الله الرمليّ يقول: تكلَّم أبو حَمْزَةَ فِي جامع طَرسُوس فقتلوه. فبينما هُوَ يتكلَّم ذات يوم إذ صاح غرابٌ على سطح الجامع، فزعق أبو حَمْزَةَ، لبَّيك لَبّيك. فنسبوه إِلَى الزَّندقة وقَالَوا: حُلُوليّ زِنْديق. فشهدوا عليه، أُخرج وبيع فَرَسُهُ ونُودي عليه: هَذَا فرس الزِّنْديق1.
وقَالَ أبو نصر السّراجّ صاحب اللُّمع: بلغني عن أبي حَمْزَةَ أنّه دخل على الْحَارِث المحاسبيّ، فصاحت الشّاة: ماع. فشهق أبو حَمْزَةَ شهقة وقَالَ: لبْيك لبيَّك يا سيّديّ.
فغضب الْحَارِث -رحمه الله- وعمدَ إِلَى السِّكّين، وقَالَ: إنْ لم تَتُبْ ذبحتك. وقَالَ إِبْرَاهِيم: حَدَّثَنَا أبو نُعَيْم، حدَّثنا أَحْمَد بن محمد بن مقسم: حدَّثني أبو بدْر الخيّاط: سمعتُ أبا حمزة قلب: بينما أَنَا أسير فِي سفرة على التَّوكُّل والنّوم فِي عيني إذ وقعت فِي بئرٍ، فلم أقدر على الخروج لعُمْقها. فبينما أَنَا جالس إذ وقف على رأسها رجلان، فقال أحدهما لصاحبه: نجوز ونترك هَذِهِ فِي طريق السّابلة؟ قال: فما نصنع؟ فَبَدَرَتْ نفسي أن أقول: أَنَا فيها، فَنُودِيتُ: تتوكل علينا، وتشكو بلاءنا إِلَى سِوانا؟ فسكتُّ، وَمَضَيَا. ثُمَّ رجعا ومعهما شيء جعلاه على رأسها غطّوها به فقالت لي نفسي: أمِنْتَ طيَّها ولكن حصلت مسجونًا فيها.
فمكثت يومي وليلتي، فَلَمَّا كان من الغد ناداني شيء يهتف بي ولا أراه: تمسّك بي شديدًا.
فَمَددت يدي، فوقعت على شيءٍ خشِنٍ، فتمسّكت به، فَعَلاها وطرحني. فتأمَّلت فإذا هُوَ سبعٍ. فبمّا رَأَيْته لحِق من نفسي من ذلك ما يلحق من مثله. فهتف بي هاتف: يا أبا حَمْزَةُ استنقذناك من البلاء بالبلاء، وكَفَيْناك ما تخاف2.
__________
1 الحلبة "10/ 321".
2 هذا الأثر يتناقض مع حرص المسلم على سؤال العفو والعافية، ودعوة الإسلام إلى عدم إلقاء النفس في الهلكة، فلينتبه إلى هذا، والخير كل الخير في اتباع من سلف، والشر كل الشر في ابتداع من خلف.

(20/107)


قيل: إنّ حَمْزَةَ تكلَّم يوما على كُرْسِيِّه ببغداد، فتغيَّر عليه حاله وسقط عن كُرْسِيّه، ومات فِي الجمعة الثانية.
نقل أبو بَكْر الخطيب وفاته سنة تسعٍ وستّين ومائتين.
وقَالَ أبو عَبْد الرَّحْمَن السُّلميّ: تُوُفيّ سنة تسعٍ وثمانين.
قلت: تصحّف ذي بذي.
127- محمد بْن إِسْحَاق.
أبو بَكْر الصّاغانيّ الحافظ1.
طوَّف وجال، وأكثر التّرْحال، وبرع فِي العِلَل والرجال.
سمع: يزيد بْن معروف، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، ويَعْلَى بْن عُبَيْد، والأسود بْن العاص، وسعيد ابن أبي مريم، وطبقتهم.
وعنه: مُسْلِم، والأربعة، وأبو عُمَر الدُّوري المقرئ العراقيَّ، وهو أكبر منه، وموسى بْن هارون، وابن خُزَيْمَة ذكره، وابن صاعد، وعَبْدان، وأبو عَوَانة، وأبو سَعِيد بْن الأعرابيّ، وإسماعيل الصّفّار، وأبو العبّاس الأصمّ، وخلْق آخرهم موتًا شجاع بن جعفر الأنصاريّ.
قال ابن أبي جعفر الأنصاريّ.
قال ابنُ خراش: ثقة، مأمون.
وقَالَ الدَّارقطنيّ: ثقة، وفوق الثّقة.
وعن أبي مُزَاحم الخاقانيّ قَالَ: كان الصّاغانيّ يشبه يحيى بْن مَعِين فِي وقته.
وقَالَ الأصمّ: سأله أبي: إِلَى أيّ قبيلة تنتسب؟ فقال: إنّ جدّي كان فِي الصّحراء فاستقبله رَجُل فقال له: أسلم، فأسلم وقطع الزّنّار.
__________
1 انظر: الجرح والتعديل "7/ 195"، والسير "12/ 592".

(20/108)


وقَالَ أبو بَكْر الخطيب: كان أحد الأثبات المتقنين، مع صلابةٍ فِي الدّين واشتهارٍ بالسُّنةّ، واتِّساعٍ فِي الرّواية.
وقَالَ أَحْمَد بْن كامل، مات فِي سابع صَفَر سنة سبعين.
128- محمد بْن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن مِقْسَم الأسَدَيّ1.
الْإِمَام أبو بَكْر، وأبو عبد الله، وكذا الْإِمَام أبو عُلَيّة البصْريّ قاضي دمشق. لم يدرك الأخذْ عن أَبِيهِ، فإنّ أَبَاهُ تُوُفيّ وهو صغير.
فسمع من: محمد بْن بِشْر العبْديّ، ويحيى بْن آدم، وإسحاق الأزرق، وعبد الله بْن بَكْر، ووهْب بْن جرير، ويزيد ابن هارون، وطائفة.
وعنه: النَّسائي وأبو زُرْعة الدّمشقيّ، وأبو بِشْر الدُّولابيّ، وأبو عَرُوبة، وابن جَوْصا، ومحمد بن جعفر بن ملاس، ومحمد بن بكّار البَتَلْهِيّ قاضي داريّا، وأبو الدَّحداح أَحْمَد بْن محمد التميمي، وآخرون.
قال س: قاضي حافظ، دمشقيّ ثقة.
قَالَ محمد بْن الغَيْض: لم يزل قاضيًا بدمشق حَتَّى تُوُفيّ سنة أربعٍ وستّين.
وَوَلِيَ بعده القضاء أبو حازم عَبْد الحميد بْن عَبْد الْعَزِيز.
قلت: وهو أخو إِبْرَاهِيم بْن عُلَيّة الَّذِي ناظَرَه الشّافعيّ، وَالَّذِي كان من كبار الْجَهْمِيَّة.
129- محمد بْن إشكاب.
الحافظ أبو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ2، أخو عليّ بْن إشكاب، واسم أبيهما الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم بْن الحُرّ بْن زَعْلان.
سمع: عَبْد الصّمد بْن عَبْد الوارث، وأبا النَّضر هاشم بْن القاسم، وإسماعيل بْن عُمَر.
وعنه: الْبُخَارِيّ، والنَّسائيّ، وأبو دَاوُد، وابن صاعد، والقاضي المَحَامِليّ، ومحمد بن مخلد، وآخرون.
__________
1 انظر: السير "12/ 294"، التهذيب "9/ 55".
2 انظر: الجرح والتعديل "7/ 229"، والسير "12/ 352".

(20/109)


قَالَ أبو حاتم: صدوق.
وقَالَ غيره: وُلِدَ سنة إحدى وثمانين ومائة، ومات يوم عاشوراء سنة إحدى وستّين ومائتين.
130- محمد بْن بجير. أو عبد الله الإسْفرائينيّ1.
رحّال محدِّث.
سمع: المقري، والحُمَيْديّ، وسَلْمَان بْن حرب.
وعنه: أبو عَوَانَة الحافظ، ومحمد بْن شريك، وعبد الله بْن محمد بْن مُسْلِم الإسفرائينيّون.
131- محمد بْن أيوب بْن الْحَسَن.
الفقيه أبو عبد الله النَّيْسابوريّ2.
رحل وسمع: سَلْمان بْن حرب، وأحمد بْن يُونُس، وسعيد بْن مَنْصُور.
وعنه: إبراهيم بن محمد بن سفيان، وغيره.
وكان صالحا زاهدا.
مات في ذي الحجّة إحدى وستين.
132- محمد بن بجير البخاري3.
والد عمر الحافظ.
روى عن: أبي الوليد الطيالسي، وغارم، وجماعة.
وعنه: محمد بْن حاتم. تُوُفيّ فِي شعبان سنة ثمانٍ وستّين.
133- محمد بْن بكّار بْن الْحَسَن بْن عُثْمَان العنْبريّ الفقيه الحنفيّ4.
__________
1 من العلماء المستورين، لا بأس به.
2 انظر السابق.
3 الثقات لابن حبان "9/ 143".
4 انظر: وفيات الأعيان "4/ 176"، والسير "13/ 119".

(20/110)


من كبار الفقهاء بإصبهان.
سمع من: سهل بْن عُثْمَان، وأبي جَعْفَر الفلّاس.
وما كان روى شيئًا.
تُوُفيّ سنة خمسٍ وستّين كَهْلًا.
134- محمد بْن الْحَسَن العسكريّ بن عليّ الهادي بن محمد الحواد بْن عليّ الرضِّا بْن مُوسَى الكاظم.
أبو القاسم العلويّ الحسنيّ، خاتم الاثني عشر إمامًا للشّيعة.
وهو منظر الرّافضة الذي يزعمون أنهّ المهديّ.
وأنه صحب الزّمان، وأنّه الخَلَف الحُجّة.
وهو صاحب السِّرداب بسامرّاء، ولهم أربعمائة وخمسون سنة ينتظرون ظهوره. ويدَّعون أنّه دخل سِرْدابًا فِي البيت الَّذِي لوالده وأمّه تنظر إليه، فلم يخرج منه وَإِلَى الآن.
فدخل السِّرداب وعدم وهو ابن تسع سنين.
وأمّا أبو محمد بْن حزْم فقال: إنّ أَبَاهُ الْحَسَن مات عن غير عَقِب. وثبَّت جُمْهور الرّافضة على أنّ للحسن ابنًا أخفاه.
وقِيلَ: بل وُلِدَ بعد موته من جاريةٍ اسمها نرجس أو سَوْسَن. والأظهر عندهم أنّها صقيل؛ لأنّها ادَّعت الحمْل به بعد سيّدها فوقف ميراثه لذلك سبْع سنين، ونازعها فِي ذلك أخوه جَعْفَر بْن عليّ، وتعصَّب لها جماعة، وله آخرون. ثُمَّ انفشَّ ذلك الحَمْل وبَطُلَ وأخذ الميراث جعفرُ وأخٌ له.
وكان موت الْحَسَن سنة ستّين ومائتين.
قَالَ: وزادت فتنة الرّافضة بصَقِيل هَذِهِ، وبِدَعْواها، إِلَى أن حبسها المعتضد بعد نيِّفٍ وعشرين سنة من موت سيّدها وبقيت فِي قصره إِلَى أن ماتت في زمن مقتدر.
وذكره القاضي شمس الدّين بْن خلّكان فقال: وقِيلَ: بل دخل السِّرداب وله سبْع

(20/111)


عشرة سنة فِي سنة خمسٍ وسبعين ومائتين. والأصح الأول، وأنّ ذلك كان سنة خمسٍ وستّين.
قُلْتُ: وَفِي الْجُمْلَةِ جَهْلُ الرَّافِضَةِ مَا عَلَيْهِ مَزِيدٌ. اللَّهُمَّ أَمِتْنَا عَلَى حبِّ محمد وَآلِ محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالَّذِي يَعْتَقِدُهُ الرَّافِضَةُ فِي هَذَا الْمُنْتَظَرِ لَوِ اعْتَقَدَ الْمُسْلِمُ فِي عَلِيٍّ بَلْ فِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا أقرَّ عَلَيْهِ.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصارى عِيسَى فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ" 1 صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ.
فإنهم يعتقدون فِيهِ وَفِي آبائه أنّ كلّ واحدٍ منهم يعلم علم الأوَّلين والآخرين، وما يكون، ولا يقع منه خطأ قطّ، وأنّه معصوم من الخطأ والسَّهو. نسأل الله العفو والعافية، ونعوذ بالله من الاحتجاج بالكذِب وردّ الصِّدق، كما هُوَ دأب الشِّيعة.
135- محمد بْن حمّاد بْن بَكْر المقرئ2.
صاحب خَلَف البزّاز.
مقرئ مجوِّد، وصالح عابد. كان الْإِمَام أَحْمَد يجلُّه ويحترمه، ويُصلّي خلفه فِي رمضان.
روى عن: يزيد بْن هارون، وعبد الله بْن أبي بَكْر السَّهميّ.
وعنه: ابنُ مَخْلَد، وأبو سعد بْن الأعرابيّ، وجماعة.
تُوُفيّ سنة سبعٍ وستّين.
136- محمد بْن خَلَف. أبو بَكْر البغداديّ الحدّاديّ المقرئ3.
__________
1 "حديث صحيح" أخرجه البخاري "4/ 204"، "8/ 210"، وعبد الرزاق "19758"، في مصنفه، وأحمد "1/ 23، 24، 47"، والحميدي "27"، والترمذي "172" في الشمائل.
2 انظر: تاريخ بغداد "2/ 270".
3 تاريخ بغداد "5/ 234"، التهذيب "9/ 149".

(20/112)


عن: حُسَيْن الْجُعْفيّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، وأبي يحيى الحِمّانيّ، وطائفة.
وعنه: الْبُخَارِيّ، وأبو دَاوُد، وأحمد بْن الباغَنْدِيّ، وابن خُزَيْمَة، وابن صاعد، وابن مَخْلَد، وطائفة.
قَالَ الدّارَقُطْنِيّ: ثقة، فاضل، له حديث فِي الصّحيح.
وقد روى القراءة عن أبي يوسف الأعشى.
مات فِي ربيع الأول سنة إحدى وستّين.
137- محمد بْن الخليل.
أبو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ الفلّاس المخرَّميّ1.
عن: محمد بْن عُبَيْد، ورَوْح بْن عُبَادة، وحجّاج الأعور.
وعنه: أبو بَكْر بْن دَاوُد، وأبو عَوَانَة، ومحمد بْن مَخْلَد، ومحمد بْن جَعْفَر الطَّبري، وجماعة.
وكان من خيار المسلمين.
تُوُفيّ فِي شعبان سنة تسعٍ وستّين.
ووثّقه الخطيب.
ولم يصّح أنّ النَّسائيّ روى عَنْهُ.
138- محمد بْن سَحْنُون الفقيه عَبْد السّلام بْن سلّام التَّنوخيّ القَيْروانيّ2.
المالكيّ، الحافظ أبو عبد الله.
سمع: أَبَاهُ، وأبا مُصْعَب الزُّهريّ، وجماعة.
وكان خبيرًا بمذهب مالك، عالمًا بالآثار.
وقَالَ يحيى بْن عُمَر: كان ابنُ سَحْنُون من أكبر النّاس حُجَة وأتقنهم لها. وكان يناظر أَبَاهُ، وما شبهّه إلّا بالسيف.
__________
1 انظر: تاريخ بغداد "5/ 250".
2 ترتيب المدارك "3/ 104".

(20/113)


قَيِل لعيسى بْن مِسكين: مَن خير من رَأَيْت فِي العلم؟ قَالَ: محمد بْن سَحْنُون.
وقَالَ غيره: ألّف كتابه المشهور، جمع فِيهِ فنون العِلم والفِقْه، وكتاب السِّير وهو عشرون كتابًا، وكتاب التاريخ وهو ستّة أجزاء، وكتاب الرّدّ على الشّافعيّ وأهل العراق، وكتاب الزُّهد، وكتاب الإمامة، وتصانيفه كثيرة.
ولما مات ضُرِبت الأخبية على قبره وأقام النّاس فيها شهورًا حَتَّى قامت الأسواق حول قبره. ورثاه غير واحدٍ من الشُّعراء. وكانت وفاته سنة خمسٍ وستّين بالقيروان. مات كهْلًا رحمه الله.
139- محمد بْن سَعِيد بْن غالب.
أبو يحيى القطّان الضّرير1.
بغداديّ، ثقة.
روى عن: ابن عينية، وإسماعيل بن عليَّة، ومعاذ، ويحيى بْن آدم، وأبي أسامة، والشَّافعيّ، وطائفة كثيرة.
وعنه: ابنُ ماجة فِي تفسيره، وابن شُرَيْح الفقيه، وأبو بَكْر بْن أَبِي دَاوُد، ومُحَمَّد بْن مَخْلَد، والمَحَامليّ، وابن أبي حاتم وقَالَ: صدوق، وابن الأعرابيّ وهو آخر أصحابه موتًا.
تُوُفيّ فِي شوّال سنة إحدى وستّين.
140- محمد بْن سَعِيد بْن هنّاد بْن هنّاد2.
أبو حاتم الخُزاعيّ البُوسَنْجيّ.
حدَّث ببغداد ونيسابور عن: أبي نُعَيْم، والقَعْنبيّ، وأبي الْوَلِيد الطَّيالِسيّ، وجماعة.
وعنه: محمد بْن مَخْلَد، وأبو حامد بن الشَّرقّي، وأبو بكر بن المنذر صاحب الخلافيّات، ومحمد بْن عَقِيل البلْخيّ، ومكي بن عبدان، وعدد.
__________
1 انظر: السير "12/ 345"، التهذيب "9/ 189".
2 تاريخ بغداد "5/ 308".

(20/114)


واستوطن بنيسابور.
وقيل: لقي ابن عيينة.
توفي سنة سبعٍ وستين ومائتين.
وقد ذكر الخطيب في تاريخه أنّه روى عن سُفْيَان بْن عيينة وهذا بعيد لا وجد لبُعْده.
141- محمد بْن شجاع أبو عبد الله بْن الثَّلْجيّ الْبَغْدَادِيّ1 الفقيه الحنفيّ.
أحد الأعلام الكبار. قرأ القرآن على أبي محمد اليزَّيْديّ. وروى الحروف الحروف عن: يحيى بْن آدم.
وتفقَّه على: الْحَسَن بْن زياد اللُّؤلؤيّ، وغيره.
وروى عن: إِسْمَاعِيل بْن عليَّة، ووكيع، وأبي أسامة، ومحمد بْن عُمَر الواقديّ، ويحيى بن آدم، وجماعة.
وعنه: عبد الله بن أحمد بن ثابت البزاز. وعبد الوهاب بن أبي حية، ومحمد بن إبراهيم بن حبيش البغوي، ومحمد بن يعقوب بن شيبة، وجده يعقوب.
قال ابن عدي: كان يضع أحاديث في التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث يثلبهم بذلك.
رُوِي عَنْ حَسَّانِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْهَرِمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: إنّ الله خلق الفرس فغرقت، ثُمَّ خَلَقَ نَفْسَهُ مِنْهَا2.
قُلْتُ: هَذَا كَذِبٌ لَا يَدْخُلُ فِي عَقْلِ الْمَجَانِينَ لِاسْتِحَالَتُهُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ خَلَقَ شَيْئًا سَمَّاهُ نَفَسًا، وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ إِضَافَةَ مِلْكٍ. وَبِكُلِّ حَالٍ هَذَا وَاللَّهِ كَذِبٌ بِيَقِينٍ.
وقد سَأَلَ عَبْد الرَّحْمَن بْن يحيى بْن خاقان أَحْمَد بْن حنبل، عَنْهُ فقال: مبتدع صاحب هوى.
قلت: ومع مذهبه فِي الوقْف فِي القرآن كان متعبدًا كثير التّلاوة.
__________
1 انظر: السير "10/ 264"، والتهذيب "9/ 220".
2 "حديث موضوع": أخرجه ابن عدي "6/ 2249"، والبيهقي "ص/ 373"، في الأسماء والصفات، وابن الجوزي "1/ 105" في الموضوعات.

(20/115)


قَالَ أَحْمَد بْن الحَسَن البَغَويّ: سمعته يقول: ادفنوني فِي هَذَا البيت فإنه لم يبق فِيهِ طابق إلّا وقد ختمت عليه القرآن.
قلت: وُلِدَ سنة إحدى وثمانين ومائة، ومات وهو ساجد فِي صلاة العصر فِي رابع ذي الحجة سنة ستِّ وستّين. وخُتِم له إنّ شاء الله وأناب عند الموت.
قَالَ ابنُ عديّ: سمعت مُوسَى بْن القاسم بْن الْحَسَن الأشيبْ يقول: كان ابنُ الثّلْجيّ يقول: من كان الشّافعيّ؟ إنّما كان يصحب بربر المعنى. فلم يزل يقول هَذَا إِلَى أنْ حضرته الوفاة فقال: رحم الله أَبَا عَبْد الله الشّافعيّ. وذكر علمه وقَالَ. قد رجعت عمّا كنت أقول فِيهِ.
وقَالَ أبو عبد الله الحاكم: رَأَيْت عند محمد بْن أَحْمَد بْن مُوسَى القُمّيّ الْحَارِث، عن أَبِيهِ، عن محمد بْن شجاع كتاب المناسك فِي نيِّف وستّين جزءًا كبارًا. روى هَذَا أبو عُمَر المدائني، عن عَبْد الملك الصِّقلّيّ، عن الحكم.
وقَالَ هارون بْن يعقوب الهاشميّ: سمعت أَبَا عَبْد الله وقِيلَ له إنّ ابنَ الثّلْجيّ كان ينال من أَحْمَد بْن حنبل وأصحابه ويقول: أيّ شيء قام به أَحْمَد بْن حنبل؟!
قال الموذيّ: أتيته ولمته، فقال: إنمّا أقول كلام لله كما أقول ماء الله وأرض الله.
فقمت ما كلّمناه حَتَّى مات.
وكان المتوكّل قد همّ بتوليته القضاء، فَقِيلَ له: هُوَ مِن أصحاب بِشْر المَرِيسيّ، فقال: نحنُ بَعْدُ فِي بِشْر؟ فقطّع الكتاب الذي كُتِب له فِي ذلك.
142- محمد بْن عاصم بْن عَبْد الله الثَّقفيّ
أبو جَعْفَر الإصبهانيّ1.
سمع: ابن عيينة، وسين الْجُعْفيّ، ويحيى بْن آدم، وجماعة.
وعنه: أَحْمَد بْن عليّ بْن الجارود، وخلْق آخرهم موتًا عبد الله بن جعفر بن
__________
1 انظر: السير "12/ 277"، والتهذيب "9/ 240".

(20/116)


فارس. رُوِيَ عن إِبْرَاهِيم بْن أُورَمَة الحافظ قَالَ: ما رَأَيْت مثل محمد بْن الأهوازيّ وما رَأَى هُوَ مثل نفسه.
وقَالَ عليّ بْن محمد الثَّقفيّ: كنت أختلف إِلَى أبي بَكْر بْن أبي شَيْبَة، فَمَا رَأَيْت أحدًا يُشْبِهه فِي حُسْن روايته وحِفْظ لسانه إلّا محمد بْن عاصم.
وقَالَ غيره: كان محمد وأسعد وعليّ والنُّعمان بنو عاصم من سكّان المدينة مدينة جيّ.
قلت: وهو صدوق.
تُوُفيّ سنة اثنتين وستّين.
143- محمد بْن الْعَبَّاس بْن خالد1.
وأبو عبد الله السُّلميّ الإصبهانيّ، الرّجل الصالح.
رحل فِي العلم، وسمع: عُبَيْد الله بْن مُوسَى، وأبا عاصم النّبيل، وجماعة.
وعنه: يُونُس بْن محمد المؤذّن، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي حاتم، وعبد الله بْن محمد ولده، وآخر من روى عَنْهُ عَبْد الله بْن فارس.
قَالَ ابنُ أبي حاتم: صدوق من عباد الله الصّالحين، صاحب فضل وعبادة.
ولما توفي محمد بن العباس حضره أحمد بن عصام فقال: كان من ثقات إخواننا، وكان عندي ممن كان يخشى الله تعالى.
قلت: توفي إلى رحمة الله تعالى سنة ست وستين.
144- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بن أعين بن ليث2.
الإمام أبو عبد الله المصري الفقيه، أخو عبد الرحمن وسعيد. ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة.
وروى عن: عَبْد الله بْن وهب، وابن أبي فُدَيْك، وأبي ضمرة أنس بن عياض، وبشر بن بكير، وأيوب بن سويد الرملي، وإسحاق بن الفراش، وأشهب بن عبد
__________
1 الجرح والتعديل "8/ 48".
2 انظر: السير "10/ 341"، والبداية والنهاية "11/ 42".

(20/117)


العزيز، وشعيب بن الليث بن سعد، وأبي عبد الرحمن المقري، وطائفة.
ولزم الشافعي مدة، وتفقه به، وبابنه عبد الله، وغيرهما.
وعنه: ن. وابن خُزَيْمَة، وابن صاعد، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وعمرو بن عثمان المكي الزاهد، وأبو بكر بن زياد النَّيسابوريّ، وإسماعيل بن داود بن وردان، وأبو العباس الأصم، وجماعة.
وثقه النَّسائي، وقَالَ مرّة: لا بأس به.
وقَالَ غيره: كان أَبُوهُ قد ضمّه إلى الشّافعيّ، فكان الشّافعيّ معجَبًا به لذكائه وحرصه على الفِقْه.
قَالَ أبو عُمَر الصَّدفّي: رَأَيْت أَهْل مصر لا يعدلون به أحدًا، ويصفونه بالعلم والفضل والتواضع.
وقَالَ إمام الأئمّة ابنُ خزيمة: ما رأيت من فقهاء الْإِسْلَام أعرف بأقاويل الصّحابة والتابعين من محمد بن عبد الله ابن عَبْد الحكم.
وقَالَ مرَّة: كان محمد بْن عَبْد الله أعلم مَن رَأيت على أديم الأرض بمذهب مالك، وأحفظهم. سمعته يقول: كنت أتعجّب ممّن يقول فِي المسائل: لا أدري.
قَالَ ابنُ خُزَيْمَة: وأمّا الإسناد فلم يكن يحفظه، وكان من أصحاب الشّافعيّ، وكان ممّن يتكلّم فيه. فوقعت بينه البُوَيْطي وحشة فِي مرض الشّافعيّ فحدَّثني أبو جعفر السُّكّريّ صديق الرَّبِيع قَالَ: لمّا مرض الشّافعيّ جاء ابنُ عَبْد الحَكَم ينازع البُوَيْطيّ فِي مجلس الشافعي، فقال البويطي: أَنَا أحقُّ بِهِ منك.
فجاء الحميديّ، وكان بمصر، فقال الشّافعيّ، ليس أحدّ أحقّ بمجلسي من البُوَيْطيّ، وليس أحد من أصحابي أعلمُ منه.
فقال الحُمَيْديّ: كذبت أنت وأبوك وأُمُّك.
وغضب ابنُ عَبْد احكم فترك مجلس الشّافعيّ1، فحدَّثني ابنُ عَبْد الحَكَم قال:
__________
1 السير "10/ 341".

(20/118)


كان الحُمَيْديّ معي فِي الدّار نحوًا من سنة وأعطاني كتاب ابنُ عُيَيْنَة، ثُمَّ أَبَوْا إلّا أن يُوقِعُوا بيننا ما وقع.
روى هَذَا كلَّه الحاكم عن حُسَيْنَك التَميميّ، عن ابنُ خُزَيْمَة.
وعن المُزَنيّ قَالَ: نظر الشّافعيّ إلى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وقد ركَب دابّته فأتْبعه بصره وقَالَ: ودِدت أنّ لي ولدًا مثله وعليّ ألف دينار لا أجد قضاءها.
وقَالَ أبو الشَّيخ: ثنا عَمْرو بْن عُثْمَان المكّيّ قَالَ: رَأَيْت مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُصلّي الضُّحى، فكان كلّما صلّى ركعتين سجد سجدتين، فسأله من يأنس به فقال: أسجد شكرا لله على ما أَنْعم به عليَّ من صلاة الركعتين1.
وقَالَ ابنُ أبي حاتم: صدوق، ثقه، أحد فقهاء مصر من أصحاب مالك. وقَالَ أبو إِسْحَاق الشّيرازيّ: قد حُمِل محمد فِي محنة القرآن إِلَى ابنِ أبي دُؤاد، ولم يُجِب إِلَى ما طلب منه، وردَّ إلى مصر، وانتهت إله الرئاسة بمصر، عني فِي العِلْم.
وقَالَ غيره: إنّه ضُرِب فهرب واختفى، وقد نالْته محنةٌ أخرى صَعْبة مرَّت فِي ترجمة أَخِيهِ الشهيد سنة سبعٍ وثلاثين.
نسب ابنُ الْجَوْزيّ، قَالَ أبو سَعِيد بْن يُونُس: كان محمد المفتي بمصر فِي أيّامه، تُوُفيّ يوم الأربعاء النِّصف من ذي القعدة سنة ثمانٍ وستّين وصلّى عليه بكّار بْن قُتَيْبَةَ القاضي.
قلت: آخر من روى حديثه عاليًا عَبْد الغفّار الشِّيرويّ.
وله تصانيف كثيرة منها: "كتاب أحكام القرآن، وكتاب الرّدّ على الشّافعيّ مما خالف فِيهِ الكتاب والسُّنَّة، وكتاب الرّدّ على أَهْل العراق، وكتاب أدب القضاة".
وَفِي المحدثين.
145- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ2.
رحل وروى عن أَحْمَد بْن مَسْعُود المقدسيّ.
روى أبو نُعَيْم الحافظ حديثه فِي الحلْية فقال: ثنا أبو حامد أَحْمَد بن محمد بن الحسن: ثنا محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم.
__________
1 السابق "2/ 342".
2 انظر: التهذيب "9/ 262".

(20/119)


146- محمد بْن عَبْد الله بْن المستورد1.
الحافظ أبو بكر البغداديّ.
عن: أبي نعيم، يحيى بْن بُكَيْر، والحسن بْن بُسْر، وجماعة.
حدَّث ببغداد، وإصبهان.
روى عَنْهُ: أبو عبد الله المحَامِليّ، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن فارس، وآخرون.
توفّي سنة ستِّ وستين.
147- محمد ين عَبْد الرَّحْمَن بْن الأشعث2.
أبو بَكْر الرَّبعيّ العجليّ، إمام جامع دمشق.
روى عنه: أبي مُسْهِر، ومحمد بن عِيسَى بْن الطّبّاع، وحَجّاج بْن أبي منيع، وغيرهم.
وعنه: النَّسائي، وابن صاعد، وأبو عَوَانةَ، وأبو بَكْر بْن أبي دَاوُد، وأبو بَكْر بْن زياد، والحسن بْن عَبْد الملك الحصائريّ، وجماعة.
وثّقه النَّسائي.
مات سنة ستِّ وستّين.
148- محمد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن المَرْزُبان بْن جَعْفَر البَغَويّ3.
والد أبي القاسم البَغَويّ.
قَالَ محمد بْن أَحْمَد الإسكافيّ فِي تاريخه: وُلِدَ سنة ثمانٍ وثمانين ومائة، وهو أسنّ إخواته.
سمع من: عَبْد الله بْن بَكْر السَّهميّ، وغيره.
وكان يحبّه ويحبّ أخاه عليّ ابني أَحْمَد بْن مَنِيع.
تُوُفيّ بسرَّ مَنْ رَأَى سنة سبعٍ وستين ومائتين.
__________
1 تاريخ بغداد "5/ 427".
2 التهذيب "9/ 291".
3 من العلماء المستورين، لا بأس به.

(20/120)


149- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ1.
أبو جَعْفَر الواسطيّ الدّمشقيّ.
عن: يزيد بْن هارون، ووْهب بْن جرير، ومعلَّى بْن عُبَيْد، وأبي أَحْمَد الزُّبيريّ، وطائفة.
وعنه: أبو دَاوُد، وابن ماجة، وإبراهيم الحربيّ، وإبراهيم بْن محمد نِفْطَوَيْه، وابن صاعد، وابن أبي حاتم وإسماعيل الصّفّار، وجماعة.
قَالَ أبو حاتم: صدوق.
ووثّقه الدَّارقطنيّ.
تُوُفيّ فِي شوّال سنة ستٍّ وستّين.
150- محمد بْن عُبَيْد الله بْن يزيد2.
أبو جَعْفَر الشَّيبانيّ مولاهم الحرّانيّ، ويُعرف بالقَرْدُوانيّ. قاضي حَرّان.
روى عن: أَبِيهِ، وعثمان بْن عَبْد الرَّحْمَن الظَّريفيّ، وأبي نعيم الفضل بن دكين.
وعنه: النَّسائي، وأحمد بن عمرو والبزّاز، وأبو عروبة، وابن صاعد، وأبو عوانة، وعدة.
قال ابن عروبة: كان من عدول الحكام. ولم يكن يعرف الحديث. كان عنده كتب ذكر أنّه سمعها من أَبِيهِ.
ومات لليالٍ بقين من شهر ذي الحجّة سنة ثمانٍ وستّين.
151- محمد بْن عُثْمَان الهَرَويّ3.
الحافظ متُّويه.
سمع: مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم، والحرميّ.
توفّي سنة أربعٍ وستين.
__________
1 تاريخ بغداد "2/ 346"، التهذيب "9/ 318".
2 التهذيب "9/ 325".
3 من حفاظ هراة، لا بأس به.

(20/121)


152- محمد بْن عليّ بْن بسّام. أبو جَعْفَر الحافظ، ولَقَبُه مَعْدان1.
روى عن: عَبْد الصمد بْن النُّعمان، وقَبيِصة.
وعنه: مُطَيَّن، ومحمد بْن مَخْلَد.
تُوُفيّ سنة اثنتين وستّين.
153- محمد بْن عليّ بْن ميمون الرَّقيّ القطّان2.
عن: عَبْد الله بن جعفر القيّ، ومحمد بْن يوسف الفِرْيَابِيّ، والقعْنَبيّ، وطبقتهم.
وعنه: النِّسائيّ، وأبو عرُوبة، ومحمد بْن جرير الطَّبريّ، وأبو الْعَبَّاس الأصغر، وجماعة.
قَالَ الحاكم: ثقة مأمون. كان إمام أَهْل الجزيرة فِي عصره.
قلت: تُوُفيّ سنة ثلاثٍ وستّين. وقِيلَ: سنة ثمانٍ وستّين، وهو أصحّ.
154- محمد بْن علي بْن دَاوُد الْبَغْدَادِيّ3.
الحافظ أبو بَكْر ابنُ أخت غزال.
سمع: عفّان، وسعيد بْن دَاوُد الزُّبيريّ، وطائفة.
وعنه: أبو جَعْفَر الطّحاويّ، وعليّ بْن أَحْمَد علّان، وأبو عَوَانة.
وثّقه أبو بَكْر الخطيب.
ومات سنة أربعٍ وستّين.
155- محمد بن عُمَر بْن يزيد.
أبو عبد الله الزُّهريّ الإصبهانيّ. أخو رستة4.
__________
1 انظر: تاريخ بغداد "3/ 58، 59".
2 التهذيب "9/ 356".
3 تاريخ بغداد "3/ 59، 60".
4 ذكر أخبار إصبهان "2/ 187".

(20/122)


عن: أبي داود الطيالسي، وبكر بن بكار، ومحمد بن أبان العنْبريّ.
وعنه: ابنه عَبْد الله، وأحمد بْن الْحُسَيْن الْأَنْصَارِيّ، وعبد الله بْن جَعْفَر بْن فارس.
تُوُفيّ سنة ثلاثٍ وستّين.
156- محمد بْن عُمَيْر.
أبو بَكْر الطَّبريّ الفقيه1، جليس أبي زُرْعة الرَّازيّ، والمفتي فِي مجلسه.
روى عن الحميد كتاب التفسير، وكتاب الرّد على النُّعمان.
قَالَ ابن أبي حاتم: كان يفتي رأي أبي ثور.
سمعت منه، وهو ثقة صدوق.
157- محمد بن محمد بن عيسى الزّاهد2.
الزّاهد أبو الْحَسَن بْن أبي الورد الْبَغْدَادِيّ المعروف بحَبشيّ.
صحب بِشْر بْن الْحَارِث وغيره.
وروى عن: أبي النَّضْر هاشم بْن القاسم.
وعنه: أبو القاسم البَغَويّ، وعليّ بْن الْجُنَيْد الغضائريّ، وغيرهما.
وله أخ اسمه أحمد، كنته أيضًا أبو الْحَسَن. زاهد كبير، تُوُفيّ قبل حَبَشيّ.
وتُوُفيّ حَبَشيّ سنة اثنتين وستّين.
وقَالَ ابنُ قانع: سنة ثلاثٍ وستّين.
وقِيلَ: سنة اثنتين.
وكان من أعيان مشايخ لقوم من موالي سَعِيد بْن العاص الأمويّ. وسُمّي حَبَشيّ لسُمْرته. وأبو الورد جدّه من أصحاب المنصور وإليه تُنْسَب سُوَيْقة أبي الورد.
158- محمد بن مسلم بن عثمان بن وارة3.
__________
1 انظر: الجرح والتعديل "8/ 40".
2 تاريخ بغداد "3/ 201، 202".
3 السير "13/ 28"، والتهذيب "9/ 451".

(20/123)


أبو عبد الله الرَّازيّ الحافظ.
طوّف وسمع الكثير.
وأخذ عن: محمد بْن يوسف الفِرْيابيّ، وأبي عاصم النّبيل، وهوزة بْن خليفة، وأبي مُسْهِر، وأبي المغيرة الحمصيّ، وأبي نُعَيْم، وآدم بْن أبي إياس، وقَبِيصة، وبشرٍ كثير.
وعنه: ن. ومحمد بن يحيى الذَُهليّ مع تقدمُّه، والبخاري خارج الصحيح، ومحمد بن المسيب الأرغياني، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن صاعد، وأبو بكر بن مجاهد المقري، والمحامليّن وابن أبي حاتم، وخلق من آخرهم أبو عمرو أحمد بن محمد بن حكيم.
وقال ن: ثقة، صاحب حديث.
وقَالَ ابنُ أبي حاتم: ثقه، صدوق.
وكان أبو زُرْعة يجلّه ويُكْرمه.
وقَالَ عَبْد المؤمن بْن أَحْمَد: كان أبو زُرْعة لا يقوم لأحدٍ ولا يُجلِس أحدًا فِي مكانه إلّا ابنُ وَارَةَ.
وقَالَ فَضْلَك الرَّازيّ: سمعت أَبَا بَكْر بْن أبي شَيْبَة يقول: أَحْفَظُ من رَأَيْت أَحْمَد بن الفُرات، وأبو زُرْعة، وابن وَارَةَ.
وقَالَ الطّحاويّ: ثلاثةٌ من علماء الزمان بالحديث اتّفقوا بالرِّيّ، لم يكن فِي الأرض فِي وقتهم أمثالهم. فذكر أَبَا زُرْعة، وابن وَارَةَ، وأبا حاتم.
وعن عَبْد الرَّحْمَن بْن خِراش قَالَ: كان ابنُ وَارَةَ من أَهْل هَذَا الشأن المتقِنين الُأمناء. كنت ليلةً عنده، فذكر أَبَا إِسْحَاق السَّبيعيّ، فذكر شيوخه، فذكر فِي طَلْق واحدٍ سبعين ومائتي رَجُل. ثُمَّ قَالَ: كان آيةً شيئًا عجبًا.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ خُرَّزَاذَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الشَّاذكونيّ يَقُولُ: جَاءَنِي محمد بْنُ مُسْلِمٍ، فَقَعَدَ يتقعَّر فِي كَلامِهِ، فَقُلْتُ: مِنْ أيِّ بلدٍ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الرِّيّ.
ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْتِكَ خَبَرِي، أَلَمْ تَسْمَعْ بِنَبَئِي، أَنَا ذُو الرِّحْلَتَيْنِ.

(20/124)


قُلْتُ: مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً" 1.
فَقَالَ: حدَّثني بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
قُلْتُ: مَنْ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَقَبِيصَةُ.
قُلْتُ: يَا غُلامُ، ائْتِنِي بِالدِّرَّةِ.
فَأَتَانِي بِهَا، فَأَمَرْتُهُ، فَضَرَبَهُ بِهَا خَمْسِينَ، وَقُلْتُ: أَنْتَ تَخْرُجُ مِنْ عِنْدِي مَا آمَنُ أَنْ تَقُولَ: حدَّثني بَعْضُ غِلْمَانِنَا2.
وقَالَ زكريا السّاجيّ: جاء ابنُ وَارَةَ إِلَى أبي كُرَيْب، وكان فِي ابنِ وارة بَأْوٌ، فقال لأبي كُرَيْب: ألم يبلغْك خبري، ألم يأتِك نبئي؟ أَنَا ذو الرّحلتين، أَنَا محمد بن مُسْلِم بْن وَارَةَ.
فقال: وَارَةُ، وما وَارَةُ؟ وما أدراك ما وارة؟ قم، والله لا حدَّثنك، ولا حدَّثت قومًا أنت فيهم.
وقَالَ ابنُ عُقْدة: دقَّ ابنُ وَارَةَ على أبي كُرَيْب، فقال: مَنْ؟ قَالَ: ابنُ وَارة أبو الحديث وأُمُّه.
ذكر أبو أَحْمَد الحاكم أنّ ابنُ وَارَةَ سمع من سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، ويحيى القطّان، وهذا وَهْمٌ منه.
قَالَ: ابنُ مَخْلَد، وغيره: تُوُفيّ فِي رمضان سنة سبعين.
وقَالَ المنادي: مات سنة خمسٍ وستّين. وهذا وهْم أيضًا.
159- محمد بْن مُوسَى.
أبو جَعْفَر الحَرَشيّ الْبَغْدَادِيّ الحافظ، الملقَّب: شاباص3.
حدَّث عن: يزيد بن حيرة المدنّي، وخليفة بن خياط.
__________
1 "حديث صحيح": أخرجه البخاري "10/ 448"، ومسلم "2256"، وأبو داود "5011"، والترمذي "1848".
2 تاريخ بغداد "3/ 258".
3 انظر: تاريخ بغداد "3/ 240"، والتهذيب "9/ 482".

(20/125)


وعنه: المَحَامِليّ، وابن مَخْلَد، وإسماعيل الصّفّار.
وهو ثقة.
160- محمد بْن هارون.
أبو جَعْفَر المُخَرّميّ الْبَغْدَادِيّ الفلّاسي شيْطا الحافظ1.
سمع: أَبَا نُعَيْم، وسليمان بْن حَرْب، وعَمْرو بْن حمّاد، وطبقتهم.
وعنه: المحامليّ، وابن مخلد، وابن حاتم وقَالَ: هُوَ مِن الحُفّاظ الثّقات، وأبو عوانة.
وكان من أحفظ النّاس.
توفّي بالنهران سنة خمسٍ وستّين.
161- محمد بْن هشام بْن ملّاس.
أبو جَعْفَر النُّمَيْريّ الدّمشقيّ2.
عن: مروان بْن مُعَاوِيَة، وحَرْمَلَة بْن عَبْد الْعَزِيز.
وعنه: حفيده محمد بْن جَعْفَر بْن محمد الحافظ، وأبو عليّ الحصائريّ، وابن أبي حاتم وقَالَ: صدوق، وأبو الْعَبَّاس الأصمّ، وجماعة.
وله جزء رواه أبو القاسم بْن رواحة عاليًا.
تُوُفيّ سنة سبعين، وله مائة سنة إلّا ثلاث سنين.
قَالَ: لقيت ابنُ عُيَيْنَة سنة اثنتين ومائتين، فكَثُرُوا عليه، فلم أكتب عَنْهُ.
162- محمد بْن وهْب.
أبو بَكْر الثّقفيّ المقرئ3.
عن: أبي الوليد الطّيالسي، وجماعة.
__________
1 الجرح والتعديل "8/ 118".
2 السير "12/ 354".
3 تاريخ بغداد "3/ 332".

(20/126)


وعنه: إِسْمَاعِيل الصّفّار، وأبو سَعِيد بن الأعرابيّ، وغيرهم.
وكان صدر القرَّاء فِي البصْرة فِي زمانه.
سمع الحروف من يعقوب. قرأ القرآن على رَوْح صاحب يعقوب.
تلا عليه: محمد بْن يعقوب المعدّل، ومحمد بْن المؤمّل الصَّيرفيّ، ومحمد بن جامع الحلوانيّ.
بقي إلى قرب السبعين ومائتين.
163- محمد بْن يحيى بْن كثير.
أبو عبد الله الكْلبيّ الحرّانيّ الحافظ لؤلؤ1.
سمع: أَبَا قَتَادَة عَبْد الله بْن واقد، وعثمان بْن عَبْد الرَّحْمَن الطَّرائفيّ، وأبو النُّعمان الحَكَم بْن نافع، وأحمد بْن يُونُس، وطبقتهم.
وعنه: النَّسائيّ وقَالَ: هُوَ ثقة، وأبو عَروُبَة الحرّانيّ، وأبو عَوَانَة، وأبو عليّ محمد بْن سَعِيد الرَّقّيّ، وطائفة.
تُوُفيّ فِي صَفَر سنة سبعٍ وستّين.
164- محمد بْن أبي يحيى بْن زكريّا بْن يحيى الوقّاد2.
المصريّ الفقيه أحد العالمين بمذهب مالك.
صنف كتاب السُّنَّة، ومختصر فِي الفقه، وغير ذلك.
تُوُفيّ سنة تسعٍ وستين.
165- محمد بن يوسف.
أبو عبيد الله البغداديّ الجوهريّ3.
الرجل الصّالح الحافظ.
__________
1 السير "12/ 605، 606"، التهذيب "9/ 521".
2 يُنظر في "ترتيب المدارك".
3 الجرح والتعديل "8/ 120".

(20/127)


رحل وطوّف، وحدَّث عن عُبَيْد الله بْن مُوسَى، وأبي غسّان مالك بْن إِسْمَاعِيل، وعبد الْعَزِيز الُأوَيْسيّ، وبِشْر الحافي وصَحِبه، ومعلَّى بْن أسَد، وطبقتهم.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن شبَّة وهو أكبر منه، وابن صاعد، وابن أبي حاتم وقال: ثقة، ابن مَخْلَد، وآخرون.
قال الخطيب: كان موصوفا بالدِّين والسُّنن.
وقال ابن قانع: مات في ربيع الآخر سنة خمسٍ وستين.
166- مالك بن علي بن مالك بن عبد العزيز.
الإمام أبو خالد القرشي الفهري الأندلسي القرطبي الزاهد1.
روى عن: يحيى بْن يحيى اللَّيثيّ، والقعْنَبيّ، وأَصبغ بْن الفَرَج، وجماعة.
وعنه: محمد بْن عُمَر بْن لُبابة، ومُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن أَعْيَن، وآخرون.
تُوُفيّ سنة ثمانٍ وستّين ومائتين.
وصنَّف أيضًا فِي مذهب مالك مختصرًا.
167- المثنَّى بن جامع2.
أبو الحين بن زياد الأنباريّ الزّاهر.
روى عن: سَعْدَوَيْه الواسطيّ، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن الصّبّاح، وسُرَيْج بْن يُونُس.
وعنه: أَحْمَد بن محمد بْن الهيثم، ويوسف الأزرق.
قَالَ الخطيب: كان ثقة مشهورًا بالسُّنَّة، من أصحاب أَحْمَد. يُقال كان مستجاب الدعوة. وكان بِشْر الحافي يُكرمه ويُجِلّه.
168- مُسْلِم بْن الحجّاج بْن مُسْلِم3.
الإمام أبو الحسن القشيريّ النيَّسابوري الحافظ صاحب الصّحيح.
__________
1 جذوة المقتبس "805".
2 تاريخ بغداد "13/ 173، 174".
3 انظر: السير "10/ 381"، والتهذيب "10/ 126".

(20/128)


قَالَ بعض النّاس: وُلِدَ سنة أربعٍ ومائتين. وما أظنّه إلّا وُلِدَ قبل ذلك.
سمع سنة ثمان عشرة ومائتين ببلده مِن يحيى بْن يحيى، وبِشْر بْن الحَكَم، وإسحاق بْن راهَوَيْه.
وحجّ سنة عشرين، فسمع من: القَعْنَبيّ، وهو أقدم شيخ له، ومن: إِسْمَاعِيل بْن أبي أُوَيْس، وأحمد بْن يُونُس، وعُمَر بْن حَفْص بْن غِياث، وسعيد بْن مَنْصُور، وخالد بْن خِدَاش، وجماعة يسيرة.
وردَّ إِلَى وطنه. ثُمَّ رحل فِي حدود الخمس وعشرين ومائتين فسمع من: عليّ بْن الْجَعْد، ولم يروِ عَنْهُ فِي صحيحه لأجل بدعةٍ ما.
وسمع من: أَحْمَد بْن حنبل، وشَيْبان بْن فروُّخ، وخلف البزّاز، وسعيد بْن عَمْرو الأشْعثيّ، وعَوْن بْن سلام الدُّولابيّ، وأبي نصر التّمّار، ويحيى بْن بِشْر الحريريّ، وقُتَيْبَة بْن سَعِيد، وأُميّة بْن بِسْطام، وجعفر بْن حُمَيْد، وحيّان بْن مُوسَى المَرْوَزِيّ، والحَكَم بْن مُوسَى القَنْطَريّ، وعبد الرَّحْمَن بْن سلّام الْجُمَحيّ، وخلْق كثير من العراقيّين، والحجازيّين، والشّاميين، والمصريين، الخراسانيين. فسمي شيخُنا فِي تهذيب الكمال مائتين وأربعةً وعشرين شيخًا.
ورأيت بخطّ حافظ أنّه قد روى فِي صحيحه عن مائتين وسبعة عشر.
روى عَنْهُ: ت. حديثًا واحدًا فِي جامعه، ومحمد بْن عَبْد الوهاب الفرّاء، وعليّ بْن الْحَسَن بْن أبي عِيسَى الهلاليّ، وهما أكبر منه، وصالح بن محمد جَزَرَة، وأحمد بْن سَلَمَةَ، وأحمد بْن الْمُبَارَك المستملي، وهو من أقرانه، وإبراهيم بْن أبي طَالِب، والحسين بْن محمد القبّانيّ، وعليّ بْن الْحُسَيْن بْن الْجُنَيْد الرَّازيّ، وابن خُزَيْمَة، وأبو الْعَبَّاس السّرّاج، وابن صاعد، وأبو حامد بْن الشَّرقيّ، وأبو عَوَانة الإسْفرائينيّ، وأبو حامد أَحْمَد بْن حمدون الْأَعْمَش، وسعيد بْن عَمْرو البَرْذَعيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي حاتم ونَصْرَك بْن أَحْمَد بْن نصر الحُفّاظ، وأحمد بْن عليّ بْن الْحُسَيْن القلانسي، وإبراهيم بن محمد.
سُفْيَان الفقيه، وأبو بَكْر محمد بْن النَّضْر الجاروديّ، ومكّيّ بْن عَبْدان، ومحمد بْن مَخْلَد العطّار، وخلْق آخرهُم وفاةً أبو حامد أَحْمَد بْن عليّ بْن حَسْنَوية المقرئ أحد الضعفاء.

(20/129)


ذكر الحافظ ابنُ عساكر فِي ترجمة مُسْلِم أنه سمع بدمشق من محمد بْن خَالِد السَّكسكيّ، ولم يذكر أنّه سمع من غيره.
وهذا بعيد، ولعلّه محمد بن خالد في الموسم، ولكن قَالَ ابنُ عساكر: حدَّثني أبو النَّصر اليُونارْتيّ قَالَ: دفع إليَّ صالح بْن أبي ورقة من لحاء شجرةٍ بخطّ مُسْلِم، قد كتبها بدمشق من حديث الْوَلِيد بْن مُسْلِم.
قلت: إنّ صح هَذَا فيكون قد دخل دمشق مجتازًا، ولم يُمْكنْه المُقام، أو مرض بها ولم يتمكّن من السّماع على شيوخها.
قَالَ أبو عَمْرو أحمد بْن الْمُبَارَك: سمعت إِسْحَاق بن منصور يقول لمسلم بن الحجّاج: لم نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين.
وقَالَ أَحْمَد بْن سَلَمَةَ: رَأَيْت أَبَا زُرْعة، وأبا حاتم يقدّمان مُسْلِم بْن الحَجّاج فِي معرفة الصّحيح على مشايخ عصرهما.
وسمعت الْحَسَن بْن مَنْصُور يقول: سمعت إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه، وذكر مُسْلِم بْن الحجّاج، فقال بالفارسيّة كلامًا معناه: أيّ رَجُل يكون هَذَا؟ قَالَ أَحْمَد بْن سَلَمَةَ: وعُقِد لمسلم مجلس المذاكرة، فذُكِر له حديث لم يعرفه، فانصرف إِلَى منزله وأوقد السِّراج، وقَالَ لِمن فِي الدّار: لا يدخل أحدٌ منكم. فَقِيلَ له: أُهْدِيَتْ لنا سلّة تمر.
فقال: قدِّموها.
فقدَّموها إليه، فكان يطلب الحديث، ويأخذ تمرة تمرة، فأصبح وقد فَنِي التّمرْ ووجد الحديث.
رواها الحاكم ثُمَّ قَالَ: زادني الثّقة من أصحابنا أنّه منها مات.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كان ثقة من الحفّاظ، كتبت عَنْهُ بالرِّيّ، وَسُئِلَ أبي عَنْهُ فقال: صدوق.
وقَالَ أبو قُرَيْش الحافظ: سمعت محمد بْن بشّار يقول: حُفاظ الدُّنيا أربعة: أبو زُرْعة بالرِّيّ، ومسلم بنيسابور، وعبد الله الدّارميّ بَسَمرْقَنْد، ومحمد بن إسماعيل ببخارى.

(20/130)


وقَالَ أبو عَمْرو بْن حمدان: سَأَلت ابنُ عُقْدة الحافظ، عن الْبُخَارِيّ، ومسلم، أيُّهما أعلم؟ فقال: كان محمد عالمًا مسلم عالمًا.
فكرّرت عليه مِرارًا، ثُمَّ قَالَ: يا أبا عمرو وقد يقع لمحمد بْن إِسْمَاعِيل الغلط فِي أَهْل الشّام، وذلك أنّه أَخَذَ كُتُبَهم فنظر فيها، فربّما ذكر الواحد منهم بكُنْيته، ويذكره فِي مواضِع أُخَر باسمه ويتوهَّم أنَّهما اثنان، وأمّا مُسْلِم، فقلَّ ما يقع له من الغَلَط في العلل؛ لأّنه كتب المساني، ولم يكتب المقاطيع ولا المراسيل.
وقَالَ أبو عبد الله محمد بن بيعقوب بن الأخرم: إنّما أخْرَجَتْ نيسابور ثلاثة رجال: محمد بن يحيى الذُّهليّ، ومسلم بن الحجاج، وإبراهيم بن أبي طالب.
وقال الحسن بْن محمد الماسَرْجِسيّ: سمعت أبي يقول: سمعت مسلمًا يقول: صنّفت هذا المسند الصّحيح من ثلاثمائة ألف حديثٍ مسموعة.
وقَالَ أَحْمَد بْن سَلَمة: كنت مع مُسْلِم فِي تأليف صحيحه خمسة عشر سنة. قَالَ: وهو اثنا عشر ألف حديث، يعني بالمكَّرر، وبحيث أنّه إذا قَالَ: ثنا قُتَيْبَةُ وابن رُمْح يعدُّهما حديثين، سواء اتّفق لفْظُهما أو اختلف.
وقَالَ ابنُ مَنْدَه: سمعت الحافظ أَبَا عليّ النَّيْسابوريّ يقول: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم.
وقال مكّي ين عَبْدان: سمعت مسلمًا يقول: عرضت كتابي هَذَا المُسْنَد على أبي زُرْعة فكلّ ما أشار عليّ في هذا الكتاب له علّة وسببًا تركته. وكلّ ما قَالَ إنّه صحيح ليس له علّة، فهو الَّذِي أخرجت. ولو أنّ أَهْل الحديث يكتبون الحديث مائتي سنة فَمَدَارُهُم على هَذَا المُسْنَد.
وقَالَ مكي: سَأَلت مسلمًا عن عليّ بْن الْجَعْد فقال: ثقة، ولكنّه كان جهميًّا.
فسألته عن محمد بْن يزيد فقال: لا تكتب عنه.
وسألته عن محمد بْن عَبْد الوهّاب وعبد الرَّحْمَن بْن بِشْر فوثَّقهما.
وسألته عن قَطَن بْن إِبْرَاهِيم فقال: لا يُكتَب حديثه.
وممَّن صنَّف مستخرجًا على صحيح مُسْلِم أبو جَعْفَر بْن حمدان الحِيريّ، وأبو بَكْر محمد بْن محمد بْن رجاء النَّيسابوريّ، وأبو عَوَانة يعقوب بن إسحاق

(20/131)


الإسْفَرائينيّ، وأبو حامد الشّاركيّ الهَرَوِيّ، وأبو بَكْر محمد بْن عَبْد الله الشّافعيّ، وأبو عبد اللَّه محمد بْن عَبْد اللَّه الحاكم، وأبو الْحَسَن الماسَرِجسيّ، وأبو نُعَيْم الإصبهانيّ، وأبو الْوَلِيد حسّان بْن محمد الفقيه.
وقَالَ أبو أَحْمَد الحاكم: نا أبو بَكْر محمد بْن عليّ الْبُخَارِيّ: سمعت إِبْرَاهِيم بْن أبي طَالِب يقول: قلت لمسلم: قد أكثرت فِي الصّحيح عن أَحْمَد بن عَبْد الرَّحْمَن الوَهْبيّ، وحاله قد ظهر.
فقال: إنّما نقموا عليه بعد خروجي من مصر.
وقَالَ الدّارَقُطْنِيّ: لولا الْبُخَارِيّ لمّا راح ولا جاء.
وقَالَ الحاكم: كان مَتْجَر مُسْلِم خان محْمَش، ومَعاشُه من ضِياعه بأُسْتُوا أَتَتْ من أعقابه من جهة البنات فِي داره. وسمعت أبي يقول: رَأَيْت مُسْلِم بْن الحجّاج يحدّث فِي خان مَحْمِش، وكان تامّ القامة، أبيض الرأس واللّحية، يرخي طرف عمامته بين كتفيه1.
وقَالَ أبو قُرَيْش: كنّا عند أبي زُرْعة، فجاء مُسْلِم فسلّم عليه وجلس ساعة وتَذَاكَرا، فَلَمَّا ذهبَ قلتُ له: هَذَا جمع أربعة آلاف حديث فِي الصّحيح! فقال أبو زُرْعة: لِمَ ترك الباقي؟ ثُمَّ قَالَ: ليس لهذا عقل لو داري محمد بن يحيى لصار رجلًا2.
وقال مكّي ين عَبْدان: وافى دَاوُد بْن عليّ نَيْسابور أيام إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْه، فعقدوا له مجلس النّظر، وحضر مجلسه يحيى بْن محمد بْن يحيى، ومسلم بْن الحَجّاج، فجرت مسألة تكلَّم فيها يحيى فَزَبَره دَاوُد وقَالَ: اسكت يا صبيّ. ولم ينصرْه مُسْلِم. فرجع إِلَى أَبِيهِ وشكى إليه دَاوُد، فقال أَبُوهُ: ومَن كان؟ ثُمَّ قَالَ: مُسْلِم ولم ينصرْني.
قَالَ: قد رجعت عن كلّ ما حدّثته به.
فبلغ ذلك مسلمًا، فجمع ما كتب عَنْهُ فِي زنبيلٍ وبعث به إليه، وقَالَ: لا أروي عنك أبدًا، ثُمَّ خرج إِلَى عَبْد بْن حُمَيْد.
__________
1، 2 السير "10/ 388".

(20/132)


قَالَ الحاكم: علَّقت هَذِهِ الحكاية عن طاهر بْن أَحْمَد، عن مكّيّ. وقد كان مُسْلِم يختلف بعد هَذِهِ الواقعة إِلَى محمد، وإنّما انقطع عَنْهُ من أجل قصّة الْبُخَارِيّ.
وكان أبو عبد الله بْن الأخرم أعْرَف بِذَلِك، فأخبر عن الوحشة الأخيرة. وسمعته يقول: كان مُسْلِم بْن الحَجّاج يُظْهِر القول باللّفْظ ولا يكتمه. فَلَمَّا استوطن الْبُخَارِيّ نَيْسابور أكثَر مُسْلِم الاختلاف إليه، فَلَمَّا وقع بين الْبُخَارِيّ وبين محمد بْن يحيى ما وقع فِي مسألة اللّفظ، وتنادى عليه، ومنعَ النّاس من الاختلاف إليه حَتَّى هجر وسافر من نَيْسابور، قَالَ: فقطعه أكثر النّاس من غير مُسْلِم، فبلغ محمد بْن يحيى فقال يومًا: ألا مَن قَالَ باللَّفظ فلا يحلّ له أن يحضر مجلسنا.
فأخذ مسلم الرّداء فوق عمامته، وقام على رءوس النّاس، وبعثَ إليه بما كتب عَنْهُ على ظهر جَمّال.
وكان مُسْلِم يُظْهر القول باللَّفظ ولا يكتمه1.
وقال أبو حامد بن الشَّرقسّ: حضرت مجلس بْن يحيى فقال: ألا مَن قَالَ: لفْظي بالقرآن مخلوق فلا يحضر مجلسَنا فقام مُسْلِم من المجلس. قَالَ أبو بَكْر الخطيب: كان مُسْلِم يناضل عن الْبُخَارِيّ حَتَّى أوحش ما بينه وبين محمد بْن يحيى بسببه.
قَالَ أبو عبد الله الحاكم: ذكْر مصنَّفات مُسْلِم: كتاب المُسْنَد الكبير على الرجال، ما أرى أنّه سمعه منه أحد، كتاب الجامع على الأبواب، رأيت بعضه، كتاب الأسامي والكنى، وكتاب المُسْنَد الصّحيح، كتاب التّمييز، كتاب العِلَل، كتاب الوحْدان، كتاب الأفراد، كتاب الأقران، كتاب سؤالات أَحْمَد بْن حنبل كتاب حديث عَمْرو بْن شُعَيْب، كتاب الانتفاع بأُهُب السِّباع، كتاب مشايخ مالك، كتاب مشايخ الثَّوريّ، كتاب مشايخ شُعْبَة، كتاب من ليس له إلّا راوٍ واحد، كتاب المُخَضْرمين، كتاب أفراد الشّاميّين.
وقَالَ ابنُ عساكر فِي أول كتاب الأطراف له بعد ذكر صحيح الْبُخَارِيّ، ثُمَّ سلك سبيله مُسْلِم، فأخذ فِي تخريج كتابه وتأليفه، وترتيبه على قسمين، وتصنيفه. وقصد أن يذكر فِي القسم الأول أحاديث أَهْل الإتقان، وَفِي القسم الثّاني أحاديث أهل الستر
__________
1 السباق "10/ 389".

(20/133)


والصِّدق الّذين لم يبلغوا درجة المثَبَّتِين، فحال حُلُولُ المنيَّة بينه وبين هَذِهِ الُأمْنية، فمات قبل استتمام كتابه. غير أنَّ كتابه مع إعْوازِهِ اشتهرَ وانتشر.
وذكر ابنُ عساكر كلامًا غير هَذَا.
وقَالَ أبو حامد بْن الشَّرقّي: سمعت مسلمًا يقول: ما وَضَعْتُ شيئًا فِي هَذَا المُسْنَد إلّا بحُجّة، وما أسْقَطتُ منه شيئًا إلّا بحجَّة.
وقَالَ ابنُ سُفْيَان الفقيه: قلت لمسلم: حديث ابنُ عجلان، عن زَيْد بْن أسلم: وَإِذَا قُرئ فأنصتوا. قَالَ صحيح.
قلت: لِمَ لَمْ تضعْه فِي كتابك؟
قَالَ: إنّما وضعت ما أجمعوا عليه.
قَالَ الحاكم: أراد مُسْلِم أن يخرج الصّحيح على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الرُّواة.
وقد ذكر مُسْلِم هَذَا فِي صدر خُطْبته1.
قَالَ الحاكم: فلم يقدَّر إلًا الفراغ من الطبقّة الأولى، مات.
ثُمَّ ذكر الحاكم ذاك القول الَّذِي هُوَ دعوى، وهو قَالَ أن لا يذكر من الحديث إلا ما رواه صحابيٌ مشهور، له راويان ثقتان وأكثر، ثُمَّ يرويه عَنْهُ تابعيّ مشهور، له أيضًا راويان ثقتان وأكثر، ثُمَّ كذلك مَن بعدهم.
قَالَ أبو عليّ الْجَيّانيّ: المُراد بهذا أنّ الصحابيّ أو هَذَا التّابعيّ، وقد روى عَنْهُ رجلان خرج بهما عن حدّ الجهالة2.
قَالَ عِياض: وَالَّذِي تأوّله الحاكم على مُسْلِم من اخترام المَنِيّة له قبل استيفاء غَرَضه إلّا من الطبقة الأولى. فأنا أقول إنّك إذا نظرت تقسيم مُسْلِم فِي كتابه الحديث كما قَالَ على ثلاث طبقات من النّاس على غير تكرار. فذكر أنّ القسم الأول حديث الحُفّاظ، ثُمَّ قَالَ: إذا انقضى هَذَا أتْبَعَه بأحاديث من لم يوصف بالحِذْق والإتقان، وذكر أنّهم لاحقون بالطبقة الأولى، فهؤلاء مذكورون فِي كتابه لمن تدبَّر الأبواب،
__________
1، 2 السير "10/ 390، 391".

(20/134)


والطبقة الثالثة قومٌ تكلَّم فيهم قومٌ وزكّاهم آخرون، فخرج حديثهم من ضعِّف أو اتُّهِمَ بِبِدْعة. وكذلك فعل الْبُخَارِيّ.
قَالَ عياض: فعندي أنّه أتى بطبقاته الثلاث فِي كتابه، وطرح الطبقة الرابعة1.
ثُمَّ سرد الحاكم تصانيف أخَرَ تركتُها.
ثُمَّ قَالَ: سمعت أَبَا عَبْد الله محمد بْن يعقوب يقول: تُوُفيّ مُسْلِم يوم الأحد، ودُفِنَ يوم الإثنين لخمسٍ بقين من رجب سنة إحدى وستّين ومائتين، وهو ابنُ خمسٍ وخمسين سنة.
قلت: وقبره مشهور بنَيْسابور ويُزار، تُوُفيّ وقد قارب السّتّين. وقد سمعت كتابه على زينب الكِنْدِيّة إِلَى النّكاح، وعلى ابنُ عساكر من النّكاح إِلَى آخر الصّحيح. كلاهما عن المؤيَّد الطُّوسيّ كتابة: أنا العزيزي، أنا الفارسي، أنا ابن عروبة، عن ابن سفيان، عن مسلم.
وسمعه المزني، والبرزالي، وطبقتهما قبلنا على القاسم الإربلي منه إجازة، بسماعه نقوله عن الطُّوسيّ، وهو عذْلٌ مقبول.
وسمعه النّاس قبل ذلك على الرِّضى التاجر، وابن عَبْد الدّايم، والمُزَنيّين.
وبِقَيْد الحياة منهم عددٌ كثير من الشّيوخ والكُهُول فِي وقتنا بمصر، والشّام.
وسمعه النّاس قبل ذلك بحين على ابنِ الصّلاح، والسَّخاويّ، وتلك الحَلَبة بدمشق على رأس الأربعين وستّمائة، من المؤيّد وأقرانه، وبمصر على ابنُ الحُبَاب، والمُدْلِجيّ، عن المأمون. فأحسن ما يُسمع فِي وقتنا على من يبقى من أصحاب هَؤُلَاء لتقدُّم سماعهم، فإنْ تعذر فعلى أجلّ أصحاب المذكورين قبلهم، وأجلهم بالإقليمين علمًا وفضلًا وثقة ونبلًا شيخ الإسلام أب إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الرَّحْمَن الفَزَاريّ الشّافعيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وأرضاه.
169- مُصْعَب بْن أَحْمَد البغداديّ القلانسيّ الزّاهد2.
أبو أحمد.
__________
1 السير "10/ 390".
2 انظر: تاريخ بغداد "13/ 114، 115".

(20/135)


صحبه أبو سَعِيد بْن الأعرابيّ، وجعفر الخُلْديّ، وغيرهما.
وكان من طبقة الْجُنَيْد، ولكن تقدَّم موته.
كان على قدمٍ عظيمٍ من العبادة والأوراد والورع والتّجريد والقناعة، يأوي المسجد والصّحراء.
تُوُفيّ سنة سبعين.
170- مُعَاوِيَة بْن صالح ابْن الوزير أبي عُبَيْد الله مُعَاوِيَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ الأَشْعَرِيُّ1.
الحافظ أبو عُبَيْد الله.
رحل وكتب الكثير، وقلّد يحيى بْن مَعِين.
وحدَّث عن: أبي مُسْهَر الغسّانيّ، وعبد الله بن جعفر الرَّقيّ، وأبي غسان النَّهديّ، وخالد بن مخلد القطواني. وأبي الوليد الطَّيالسيّ، وأبي عبد الرحمن المقري، وخلق.
وعنه: النَّسائي، قال: لا بأس به.
وعنه: أبو زُرْعة الدّمشقي، وأبو حاتم، وابن جَوْصا، وأبو عَوَانة. وآخرون.
تُوُفيّ بدمشق سنة ثلاث وستّين ومائتين.
171- مُوسَى بْن بُغا الكبير2.
أحد قوّاد المتوّكل.
نُدِبَ سنة خمسين ومائتين لحرب أَهْل حمص حين قاتلوا واليهم. فأوقع بهم وقتل منهم خلْقًا، ورمى النّيران بحمص، وبالغ فِي العَسْف.
ثُمَّ ولي حرب الزَّنْج بالبصرة فنُصِر عليهم؛ وولي حرب الْحَسَن بْن أَحْمَد الكوكبيّ الحسينيّ الَّذِي استولى على قَزْوين وزنجان، فهزمه مُوسَى وقتل من عسكر الكوكبي نحو العشرة آلاف.
__________
1 السير "13/ 23"، والتهذيب "10/ 212".
2 شذرات الذهب "2/ 147".

(20/136)


تُوُفيّ سنة أربعٍ وستّين ومائتين.
172- مُوسَى بْن سهل بْن قادم.
أبو عِمْرَانَ الرَّمليّ. أخو عليّ بْن سهل1.
سمع: عليّ بْن عبّاس، وعمرو بن هاشم البروتيّ، وآدم بْن إياس، وطبقتهم.
وعنه: أبو دَاوُد، ابن خزيمة، ومحمد بن المسيّب الأرْغِيانيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي حاتم، وجماعة.
قَالَ أبو حاتم: صدوق.
تُوُفّي في جمادى الأولى ين اثنتين وستّين ومائتين.
173- مُوسَى بْن نصر بْن دينار.
أبو سهل الرَّازيّ2.
سمع: جرير بْن عَبْد الحميد، وعبد الرَّحْمَن بْن مغراء، وجماعة.
وعنه: أَهْل الرِّيّ.
لكن قَالَ أبو حاتم: هُوَ أكفر من إبليس. يقول: الجنّة والنّار لم يُخْلقا، وإن خُلِقتا فسَيَفْنَيَان.
نقله الخلّال فِي كتاب السُّنّة له.
تُوُفيّ سنة إحدى وستّين ومائتين.
"حرف النون":
174- النَّضر بْن الْحَسَن.
الْمَوْصِلِيّ الفقيه الحنفيّ3.
روى عَنْهُ: يزيد بْن هارون، ورَوْح بْن عُبادة، ويَعْلَى بْن عُبَيْد، وجماعة.
__________
1 انظر: الجرح والتعديل "8/ 146"، والسير "12/ 242".
2 لسان الميزان "6/ 134".
3 في عداد المستورين، لا بأس به.

(20/137)


وعنه: إِبْرَاهِيم بْن محمد الْمَوْصِلِيّ.
تُوُفيّ سنة إحدى أو اثنتين وستّين ومائتين.
175- النَّضر بْن سلمة بْن الجارود بْن يزيد1.
سمع: جدّه، ويحيى ين يحيى، وأبو الْوَلِيد الطَّيالسيّ.
وعنه: ولده الحافظ أبو بَكْر الجاروديّ، والحسن بْن عليّ بْن مَخْلَد، وغيرهما.
"حرف الهاء":
176- الهيثم بْن سهل التُّستريّ2.
نزيل بغداد.
حدَّث عن: حمّاد بْن يزيد، وأبي عوانة، وعلب بْن مُسْهِر، وجماعة.
وعنه: عليّ بْن حَمَّاد، وجعفر والد أبي بَكْر القَطِيعيّ، ومحمد بْن يوسف الزّيّات، وأبو سَعِيد بْن الأعرابيّ، وآخرون.
ضعّفه الدّارَقُطْنِيّ.
وقَالَ الحافظ عَبْد الغني الْمَصْرِيّ: ضرب القاضي إِسْمَاعِيل على تحديث الهيثم بْن سهل، عن حمّاد بن يزيد، وأنكر عليه.
وقَالَ الهيثم: وُلِدْتُ سنة اثنتين وخمسين ومائة.
وعاش نيِّفًا وستّين.
"حرف الواو":
177- وهْب بْن حَفْص بْن الْوَلِيد بْن المحتسب3.
الحرانيّ الزّاهد.
__________
1 انظر السابق.
2 انظر: السير "12/ 158".
3 الميزان "4/ 351"، اللسان "6/ 229".

(20/138)


عن: أَبِي قَتَادَة الحرّانيّ، وجعفر بْن عَوْن، وعبد الله بْن إِبْرَاهِيم الجدّيّ، وعثمان بْن عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
وعنه: محمد بْن أَحْمَد بْن سهل الصّفّار، وأحمد بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الصمد، وإسحاق بْن إِبْرَاهِيم النَّخعيّ، وآخرون.
قَالَ أبو عَرُوبه: كذّاب يضع الحديث.
وقَالَ أَحْمَد بْن خَالِد الحرّانيّ: كان من الصّالحين. مكث عشرين سنة لا يكلّم أحدًا.
"حرف الياء":
178- ياسين بْن عَبْد الأحد بْن أبي زرارة.
أبو اليُمْن القِتْبانيّ المصريّ1.
عن: جدّه، وأيوب بْن سُوَيْد المصريّ الرمليّ، ونعيم بْن حَمَّاد، وجماعة.
وعنه: النَّسائيّ، وابن خُزَيْمَة، وعَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر القَزْوينيْ، وأبو بَكْر بْن زياد النَّيسابوريّ، وجماعة.
قَالَ النَّسائيّ: لا بأس به.
واسم جدّه: اللَّيث بْن عاصم.
قَالَ ابنُ خُزَيْمَة: كان ياسين ملكًا من الملوك.
وقَالَ ابنُ يُونُس: صدوق.
مات فِي عاشر رمضان سنة تسعٍ وستّين.
179- يحيى بْن حجّاج الأندلسيّ2.
عَنْ: يحيى بْن يَحْيَى اللَّيْثِيّ، وعيسى بْن دينار، وسَحْنُون بْن سَعِيد، وغيرهم.
قتل في الواقعة التي كَانَتْ بالأندلس بين المسلمين والمشركين فِي سنة ثلاثٍ وستين. واستشهد فيها جماعة.
__________
1 انظر التهذيب "11/ 173".
2 جذوة المقتبس "886".

(20/139)


180- يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خالد بن فارس1.
الشَّهيد أبو زكريا الذُّهليّ النَّيسابوري. شيخ نَيْسابور بعد والده ومفتيها، ورأس المطَّوّعة.
من القرّاء.
سمع: يحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه، وجماعة ببلده، وإبراهيم بْن مُوسَى بالرِّيّ، وأبا الْوَلِيد الطَّيالسيّ، وسلمان بْن حرب، وعليّ بْن عثمان اللّحقيّ، ومسدَّد بالبصرة، وأحمد بن حنبل، عليّ بْن الْجَعْد، وطائفة ببغداد، وإسماعيل بْن أبي أُوَيْس، وسعيد بْن مَنْصُور، وجماعة بالحجاز.
روى عَنْهُ: أَبُوهُ، والحسين بْن محمد القبّانيّ، وإبراهيم بن أبي طَالِب، وابن خُزَيْمَة، ومحمد بْن صالح بن هانئ، ومحمد بن يعقوب بن الأصرم، وآخرون.
وكان لقبه: حَيْكان.
قَالَ الحاكم: حيْكان الشّهيد إمام نيسابور فِي الفتوى والرئاسة، وابن أميرها، ورأس المطَّوَّعة بخُراسان. كان يسكن بدار أَبِيهِ ولكلٍّ منهما فيه صَوْمعة وآثار لعبادتهما.
وكان أَحْمَد بْن عَبْد الله الخُجُسْتانيّ قد ورد نَيْسابور ويحيى رئيس بها والقرّاء يَصْدُرُون عن رأيه.
وكانت الظّاهرية قد رفعت من شأنه وصيَّرته مُطَاعًا، ولم يُحسِن أَحْمَد الصُّحبة معه، وقصد الوضْع منه. ومع هَذَا فكان أَحْمَد مجتهدًا فِي التّمكُّن من الإمارة والاستبداد والأمور دون عِلْم يحيى، فكان لا يقدر، فَلَمَّا قدِم شِيرَوَيْه تمكَّن. فَلَمَّا خرج عن البلد تشوّش النّاس. عرض يحيى بضعة عشر ألفًا، وحاربوا قُوّاد الخُجُسْتانيّ وطردهم. وقتلوا أمّ أَحْمَد. فَلَمَّا رجع طلب يحيى وقتله.
سمعت أَبَا عَبْد الله بْن خُزَيْمَة يقول: ما رَأَيْت مثل حيْكان لا رحم الله قاتله.
__________
1 تاريخ بغداد "14/ 217"، والتهذيب "11/ 276".

(20/140)


وسمعت محمد بْن يعقوب يقول: أَحْمَد بْن عَبْد الله الخُجُسْتانيّ هاربًا من نَيْسابور، فَلَمَّا خشي أهلُها رجوعَه اجتمعوا على باب حَيْكان يسألونه القيام لمنع الخُجُسْتانيّ، فامتنع. فَمَا زالوا به حَتَّى أجابهم. فعرضوا عليه زُهاء عشرة آلاف. ولمّا رجع الخُجُسْتانيّ تفرّقوا عن حَيْكان، فطُلِبَ، فخاف وهرب، فبينا هُوَ يسير فِي قافلة بين الحمّالين وهو بزيِّهم إذ عُرِف. فأخذ وأتوا به إلى الخُجُسْتانيّ، فحبسه أيّامًا، ثُمَّ غُيِّب شخصهُ، فَقِيلَ: إنّه بنى عليه جدارًا، وقِيلَ: قتله سرًّا.
سمعت أَبَا عليّ أَحْمَد بْن محمد بْن يزيد خَتن حَيْكان على ابنته يقول: دخلنا على أبي زكريّا بعد أن رُدّ من الطريق فقال: اشتراك فِي دمي خمسة: العبّاسان، وابن ياسين، وشِيرَوَيْه، وأحمد بْن نصر اللّبّاد.
سمعت أَبَا بَكْر الضُّبعيّ يقول: سمعت نوح بن أَحْمَد: سمعت الخجستانيّ يقول: دخلت على حيكان في مجلسه على أن أضربه خشبتين وأطبقه، فلما قربت منه قبضت على لحيته، فعض على خصيتي حتى لم أشك أنّه قاتلي، فَذَكَرْت سِكِّينًا فِي خُفّي، فجررتها وشَقَقْتُ بطْنه1.
سَمِعْتُ محمد بْن صالح بْن هانئ يَقُولُ: حضرنا الإملاء عند يحيى بن محمد بن رمضان، وقُتِل فِي شوّال سنة سبعٍ وستّين، فَرَبَضَتْ مجالسُ الحديث، وخبئِّت المحابر، حَتَّى لم يقدر أحد يمشي بمحبرة ولا كراريس إِلَى سنة سبعين، فاحتال أبو سَعِيد بْن إِسْمَاعِيل فِي ورود السَّريّ بْن خُزَيْمَة وعقد له مجلس الإملاء، وعلَّى المحبرة بيده، واجتمع عنده خلقٌ عظيم حَتَّى حضر ذلك المجلس.
قَالَ محمد بْن عَبْد الوهاب الفرّاء: حَتَّى لا نستطيع أن نسايره نَحْنُ ولا أعقابنا أنّ رجلًا جعل نحره لنا ونحن مطمئنون نعبد الله.
قَالَ صالح بْن محمد الحافظ فِي كتابه إِلَى أبي حاتم الرَّازيّ: كتبت تسألني عن أحوال أَهْل العلم بنَيْسابور وما بقي لهم من الإسناد فاعلم أنّ أخبار الدّين وعلم الحديث دون سائر العلوم اليوم مطروح مجفوّ حاله وأهل العناية به فِي شغل بالفِتَن الّتي دَهَمَتْهم وتواترت عليهم عند مقتل أَبِي زكريا يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى، وقد
__________
1 السير "12/ 287".

(20/141)


مضى لسبيله، ولم يخلف أحد مثله. ولزِم كلّ خاصّة نفسه. ومرقت طائفة ممّن كانوا يُظْهرون السُّنَّة فصارت تَدِين بدين ملوكها.
وقَالَ أبو عُمَر أَحْمَد بْن الْمُبَارَك المستملي: رَأَيْت يحيى فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غُفِر لي.
فقلت: ما فعل الله بالخُجُسْتانيّ. بعده سنة واحدة، وقتله غلمانه كما تقدَّم.
181- يزيد بْن سِنَان بْن يزيد.
أبو خَالِد البصْريّ القزّاز، مَوْلَى قُرَيْش1.
نزل مصر، وحدَّث عن: يحيى بْن سَعِيد القطّان، ومُعاذ بْن هشام، وعبد الرَّحْمَن بن مهديّ، وجماعة.
وعنه: النَّسائيّ، وأبو عوانة، والطّحاويّ، وابن أبي حاتم، وآخرون.
وهو أخو محمد بْن سِنان القزّاز صاحب الجزء المشهور، وعمّ محمد بْن خُزَيْمَة الَّذِي سكن معه مصر.
وكان ثقة نبيلًا عالمًا. خرّج لنفسه المُسْنَد.
وهو آخر من حدّث عن يحيى القطّان بديار مصر.
تُوُفيّ فِي جُمادى الأولى سنة أربعٍ وستّين.
182- يعقوب بْن بختان2.
الفقيه، صاحب الْإِمَام أَحْمَد.
روى عن: مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم، وأحمد بْن حنبل.
وعنه: أبو بَكْر بْن أبي الدنيا، وأحمد بن محمد بن أبي شَيْبَة.
قَالَ الخطيب: كان أحد الصالحين الثّقات.
183- يعقوب بْن شَيْبَة بْن الصَّلت بْن عصفور3.
__________
1 الميزان "4/ 428"، والتهذيب "11/ 335".
2 تاريخ بغداد "14/ 280".
3 السير "12/ 476، والبداية "11/ 35".

(20/142)


الحافظ الكبير أبو يوسف السَّدوسيّ البصْريّ، نزيل بغداد.
سمع: عليّ بْن عاصم، ويزيد بْن هارون، وأزهر السَّمان، وبِشْر بْن عُمَر الزّهْرانيّ، وجعفر بْن عَوْن، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهميّ، وأبا عامر العَقَديّ، وعبد الوهاب الخفّاف، ووهْب بْن جرير، ويَعْلَى بْن عُبَيْد، وخلقًا من طبقتهم.
ثُمَّ كتب عن طبقةٍ أخرى بعدهم، كعليّ بْن المدينيّ، ويحيى بْن معين، وأحمد بْن حنبل.
ثُمَّ كتب عن طبقةٍ أخرى بعدهم كالحسن بْن عليّ الحلْوانيّ، ومحمد بن يحيى الذَّهليّ، وهارون الجمّال.
روي عَنْهُ: حفيده محمد بْن أَحْمَد بْن يعقوب، ويوسف بْن يعقوب الأزرق، وجماعة.
وثّقه الخطيب، وغيره.
وصنَّف مسندًا كبيرًا إِلَى الغاية القُصْوى لم يُتمّه. ولو تمّ لجاء فِي مائتي مجلد.
قَالَ الدَّارقطنيّ: لو كان كتاب يعقوب بْن شَيْبَة مسطورًا على حرامٍ لَوَجَبَ أن يُكْتَب.
وقَالَ أبو بَكْر الخطيب: حدَّثني الأزهريّ قَالَ: بلغني أنّه كان فِي منزل يعقوب بْن شَيْبَة أربعون لحافًا أعدَّها لمن كان يكتب عنده من الورّاقين الّذين يبيّضون المُسْنَد، ولَزِمَه على ما خرج منه عشرة آلاف دينار.
قَالَ: وقِيلَ لي إنّ نسخةً بمُسْنَد أبي هُرَيْرَةَ شُوهِدت بمصر، فكانت مائتي جزء.
قَالَ: وَالَّذِي ظهر له من المسند: العشرة، وابن مَسْعُود، وعمّار، وعُقْبة بْن عَدْوان، وبعض الموالي.
قلت: وبلغني أنّ مُسْنَد عليّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- له فِي خمس مجلَّدات أَحْمَد بْن المعدّل، والحارث بْن مِسْكين. فقيهًا ثريًّا. وكان يقف فِي القرآن.

(20/143)


وقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن يحيى بْن خاقان: أمر المتوكل بمُسْنَد أَحْمَد بْن حنبل عمّن يتقلّد القضاء. قَالَ: فسألته، حَتَّى قلت: يعقوب بن شية؟ فقال: مبتدع صاحب هوى.
قَالَ أبو بَكْر الخطيب: وُصِف بِذَلِك لأجل الوقف، يعني يقول فِي القرآن فلا يقول: مخلوق ولا غير مخلوق.
قلت: أَخَذَ الوقف عن شيخه أَحْمَد بْن المعدل.
قَالَ المرُّوذيّ: أظهر يعقوب بْن شَيْبَة الوقف فِي ذلك الجانب، فحذِر أبو عبد الله أَحْمَد بْن حنبل منه.
تُوُفيّ فِي ربيع الأول سنة اثنتين وستّين.
184- يعقوب بْن اللَّيث الصّفّار.
الأمير أبو يوسف السّجِسْتانيّ، المستولي على خُراسان1.
ذكر عليّ بْن محمد أن يعقوب وعمرًا كانوا أخوين صفارين يظهران الزُّهد.
وكان صالح بن النَّضر المطوعي مشهورا بقتال الخوارج، فصحباه إلى أن مات، فتولّى مكانه درهم بْن الْحُسَيْن المطَّوِّعيّ، فصار معه يعقوب.
ثُمَّ إنّ أمير خراسان ظفر بدرهم، وبعث إِلَى بغداد، فحبسوه ثُمَّ أطلقوه، فخدم السّلطان، ثُمَّ إنّه تنسّك ولزِم الحجّ، وأقام ببيته.
قَالَ ابنُ الأثير: تغلب صالح بْن النَّضر الكِنانيّ على سِجِسْتان ومعه يعقوب، فاستنقذها منه طاهر بن عبد الله ابن طاهر، ثُمَّ ظهر بها درهم المطَّوِّعيّ فغلب عليها، وصار يعقوب قائد عسكره.
ورأى أصحاب درهم عجزه وضعف، فملكوا عليهم يعقوب لمّا رأوا من حُسْن سياسته. فلم ينازْعه دِرْهم، واستبدّ يعقوب بالإمرة، وقويت شوكته.
قَالَ عليّ بْن محمد: لمّا دخل درهم بغداد وَلِيَ يعقوب أمر المطَّوِّعة، وحارب الخوارج الشُّراة حتى أفناهم، وأطاعه جند طاعة لم يطيعوها أحدًا.
__________
1 انظر وفيات الأعيان "6/ 402"، السير "12/ 513".

(20/144)


واشتهرت صَوْلتُه، وغلب على سجِسْتان، وهَرَاة، وبُوشَنْج، ثُمَّ حضّهُ أَهْل سجِسْتان على حرب التّرْك الّذين بأطراف خُراسان مع رُتْبِيل لشدّة ضررهم، فغزاهم وظفر برُتْبيل فقتله، وقتل ثلاثة من ملوك التُّرك، ثُمَّ ردّ إِلَى سِجِسْتان وقد حمل رءوسهم مع رءوس أُلوفٍ منهم، فرهبته الملوك الّذين حوله، ملك المُولتان، وملك الرُّخج، وملك الطّبْسين، وملوك السِّنْد.
وكان على وجهه ضربة مُنْكَرَةَ من بعض قتال الشَّراة، سقط منها نصف وجهه، وَخَاطه ثُمَّ عُوفي.
وقد أرسل إِلَى المعتز بالله هديّة عظيمة، من جملتها مسجد فضّة يسع خمسة عشر نَفْسًا يصلُّون فِيهِ. وكان يُحمل على عدّة جِمال، ويُفَكَّك ثُمَّ يُركَّب.
ثُمَّ إنّه حارب عسكر فارس سنة خمسٍ وخمسين ومائتين، وقتل منهم أُلُوفًا. فكتب إليه وجُوه أَهْل فارس: إنّ كنت تريد الدّيانة والتّطَوُّع وقتل الخوارج فما ينبغي لك أن تتسرع فِي الدّماء. واعتدّوا للحصار، ونازلهم ووقع القتال، فظفر يعقوب بأميرهم عليّ بْن الْحُسَيْن بْن قُرَيْش وقد أُثْخِنَ بالجراح، وقتل من جُنْد فارس خمسة آلاف.
ودخل يعقوب شِيراز، فأمَّن أهلها وأحسن إليهم. وأخذ من ابنُ قريش أربعمائة بدرة، فأنفق في جيشه لكل ثلاثمائة درهم.
ثُمَّ بسط العذاب على ابنُ قُرَيْش حَتَّى أنّه عصره على أُنْثَيَيْه وصدْغَيْه، وقيّده بأربعين رطلًا، فاختلط عقله من شدّة العذاب.
ورجع يعقوب إِلَى سِجِسْتان، وخلع المعتز وبويع المعتمد على الله. ثُمَّ رجع يعقوب إِلَى فارس، فجبى خراجها ثلاثين ألف ألف درهم. واستعمل عليها محمد بْن واصل.
وكان يحمل إِلَى الخليفة فِي العام نحو خمسة آلاف ألف درهم.
وعجز الخليفة عَنْهُ، ورضي بمُدَاراته ومُهادنته. ودخل يعقوب إِلَى بَلْخ فِي سنة ثمانٍ وخمسين.

(20/145)


ودخل إِلَى نَيْسابور بعد شهرين، وابن طاهر فِي أسْره ومعه ستُّون نفْسًا من أَهْل بيته، فقصد يعقوب جُرْجان وطَبَرِسْتان، فالتقاه المتغلِّب عليها حسن بْن زَيْد العلويّ فِي جيشٍ كبير فحمل عليهم يعقوب في خمسمائة من غلمانه، فهزمهم. وغنم يعقوب ثلاثمائة وقرْ مالًا كَانَتْ خزانة الْحَسَن بْن زَيْد، وأسر جماعة من العلويّين وأساء إليهم.
وكانت هذه الوقعة في رجب في سنة ستّين.
ثُمَّ دخل آمُل طَبَرِسْتان وقَصَد الرِّيّ، وأمر نائبها بالخروج عَنْهَا، وأظهر أنّ المعتمد على الله ولّاه الرِّيّ. فغضب المعتمد عندما بلغه ذلك، وعاقب غلمان يعقوب الذين ببغداد. فسار يعقوب في سنة إحدى وستين نحو جرجان، فقصده الْحَسَن بْن زَيْد العلويّ فِي الدَّيْلم من ناحية البحر، فنال من يعقوب وهزمه إِلَى جُرْجان. فجاءت بجُرْجان زلزلة قتلت من جُنْد يعقوب ألفي نفس. وأقام يعقوب به فظلم وعَسَف، واستعان مَن ببغداد مِن أَهْل خُراسان على يعقوب، فعزم المعتمد على حربه، ورجع يعقوب إِلَى جوار الرِّيّ وأخذ يستعدّ. ودخل نَيْسابور وصادر أهلها، ثُمَّ خرج إِلَى سِجِسْتان.
وجاءت كُتُب المعتمد إِلَى أعيان خُراسان بالحطّ1 على يعقوب وبأنْ يهتمّوا له. فأخذَ يكاتب الخليفة ويُداريه، ويسأله ولاية خُراسان وفارس وشرطتي بغداد وسامرّاء، وأن يعقد أيضًا على الرِّيّ، وطَبَرِسْتان، وجُرْجان، وأَذْرَبِيجَان، وكرْمان، وسِجِسْتان، ففعل ذلك المعتمد بإشارة أَخِيهِ الموفَّق. وكان المعتمد مقهورًا مع أَخِيهِ الموفَّق، فاضطّربت الموالي بسامرّاء لذلك وتحرّكوا.
ثُمَّ إنّ يعقوب لم يلتفت إِلَى ما أُجيبَ إليه من ذلك، ودخلَ خُوزستان وقارب عسكر مُكْرَم عازمًا على حرب المعتمد، وأخذ العراق منه. فوصلت طلائع المعتمد، وأقبلت جيوش يعقوب إلى دير العاقول، ووقع المصافّ، فبرز بين الصّفَّين خشتج أحد قوّاد المعتمد وقال: يأهل خراسان وسجستان ما
__________
1 الحط: الانتقاص.

(20/146)


عرفناكم إلّا بالطاعة والتّلاوة والحجّ، وإنّ دينكم لا يتّم إلّا بالإتّباع. وما نشك أنّ هَذَا الملعون قد موَّه عليكم، فَمَنْ تمسَّك منكم بالإسلام فلينفُرْ عَنْهُ. فلم يجيبوه.
وقِيلَ: كان عسكر يعقوب ميلًا فِي ميل، ودوابُّهم على غاية الفراهة، فوقف المعتمد بنفسه، وكشف الموفَّق أخوه رأسه وقَالَ: أَنَا الغلام الهاشميّ. وحمل وحمي الحرب، وقُتِل خلقٌ من الفريقين، فهزم يعقوب وأخذت خزائنه، وما أفلت أحمد من أصحابه إلّا جريحًا، وأدركهم الليل فوقعوا من الزّحمة وأثقلتهم الجراح.
وقَالَ أبو السّاج ليعقوب: ما رَأَيْت منك شيئًا من تدبير الحرب، فكيف كنت تغلب النّاس؟ فإنّك جعلت ثِقَلَك وأسْراك أمامك، وقصَدت بلدًا على قلة معرفة منك بمَخَائضه وأنهاره، وسرت من السُّوس إِلَى واسط فِي أربعين يومًا، وأحوال عسكرك منحلَّة. فقال: لم أعلم أنّي محارب، ولم أشكَّ فِي الظَّفر.
وقَالَ عَبْد الله بْن أَحْمَد بْن أبي طاهر: بعث يعقوب رُسُلَه إِلَى المعتمد، ثُمَّ سار إِلَى واسط فاستناب عليها، ووصل إِلَى دَيْر العاقول، فسار المعتمد لحربه.
وقَالَ أبو الفَرَج الكاتب: نهض الخليفة لمحاربة الصّفّار، ولم تزل كُتُبه تصل إِلَى الخليفة بالمراوغة ويقول: إنّي قد علمت أنّ نهوض أمير المؤمنين يشرّفني وينبّه على موقعي منه. والخليفة يرسل إليه ويأمره بالانصراف، ويحذَّره سوء العاقبة. ثُمَّ عبّى الخليفة وجيشه، وأرسلوا المياه على طريق الصّفّار، فكان ذلك سبب هزيمته، فإنّهم أخذوا عليه الطّريق وهو لا يعلم. والتحم القتال، ثُمَّ انهزم الصّفّار وغنموا خزائنه. وتوهَّم النّاس أنّ ذلك حيلة منه ومكرًا، ولولا ذلك لاتّبعوه. ورجع المعتمد منصورًا مسرورًا.
وخلص من أسر الصّفّار يومئذٍ محمد بْن طاهر أمير خُراسان، وجاء فِي قيوده إِلَى الخليفة، فخلع عليه خلْعةً سلطانية.
وقِيلَ إنّ بعض جيش يعقوب كانوا نصارى على أعلامهم الصُّلبان.
وكانت الوقعة فِي ثاني عشر رجب سنة اثنتين وستّين.
وانهزم الصّفّار إِلَى واسط، وعاث أصحابه فِي أعمال واسط، ثُمَّ سار إِلَى تُسْتَر،

(20/147)


لم يهجمه أحد، ولا اقتحموا عليه، فحاصر تُسْتَر وأخذها. وتراجع جيشه وكثُر جمعه.
وكان موته بالقُولَنْجٍ، فَقِيلَ: إنّ طبيبةُ أخبره أنّ لا دواء له إلّا الحُقْنة فامتنع، وبقي ستّة عشر يومًا وهلك.
وكان المعتمد قد أنفذ إليه رسولًا يترضاه فوجده مريضًا.
وكان الْحَسَن بْن زَيْد العلويّ صاحب جُرْجان يسمّيه السّندان لثَباته. وكان قل أن يُرَى متبسّمًا.
وولي بعده أخوه وأحسن السّيرة إِلَى الغاية، وامتدّت أيّامه.
مات يعقوب فِي رابع عشر شوّال سنة خمسٍ وستّين بجُنْدَيْسابور.
185- يعقوب الزّيّات1.
أحد مشايخ الطّريق بالعراق، صحب أَبَا تراب النَّخشبيّ، وأبا حاتم العطّار، وأبا عليّ بْن الذّارع.
وذكر السُّلميّ فقال: هُوَ من أقران الْجُنَيْد.
مات هُوَ وأخوه جَعْفَر مُحرِمَيْن فِي طريق الحجّ سنة اثنتين وستّين.
186- يوسف بْن بحر التّميميّ2.
أبو القاسم، قاضي حمص.
روى عن: علي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وطبقتهما.
وعنه: ابنُ صاعد، ومحمد بن المسيّب الأرْغِيانيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي حاتم، ومحمد بن سليمان بْن حيدرة.
وأمّا أخوه خيثمة بْن سُلَيْمَان فأسرته الإفْرنج، فلم يخلص من الأسر حَتَّى مات يوسف. وكان بغداديًا نزل الشّام.
قَالَ ابن عديّ: ليس بالقويّ، أتى عن الثّقات بمناكير.
__________
1 لم نقف عليه.
2 انظر: السير "13/ 122"، واللسان "6/ 318".

(20/148)


187- يوسف بن محمد بن صاعد1.
مولى يني هاشم، أخو الحافظ يحيى.
سمع: خلّاد بْن يحيى، وسليمان بْن حرب، وجماعة.
روى عَنْهُ: أخوه يحيى، وعليّ بْن إِسْحَاق المادَرَائيّ، وعبد الله الحامض.
وكان موثَّقًا.
تُوُفيّ سنة سبعٍ وستّين.
188- يُونُس بْن حبيب.
أبو بِشْر العِجْليّ، مولاهم الإصبهانيّ2.
روى عن: أبي دَاوُد الطيالسيّ جملة كثيرة من المُسْنَد.
وعن: عامر بْن إبراهيم، وبكر بن بكّار، ومحمد بن كثير الصّنعانيّ، وجماعة.
وعنه: أبو بكر بن أبي داود، وعليّ بن رستم، وأبو بكر بن عاصم، جماعة.
آخرهم موتًا عَبْد الله بْن جَعْفَر بْن فارس.
قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه بإصبهان وهو ثقة. وحدَّثني ابنُ أبي عاصم أنّ أَحْمَد بْن الفُرات أمره بالكتابة عن يُونُس بْن حبيب.
وقَالَ غيره: كان عظيم القدر بإصبهان، معروفًا بالسّتْر والصّلاح. تُوُفيّ سنة سبعٍ وستّين أيضًا.
روى القراءة عن قُتَيْبَةَ بْن مِهْران.
"الكُنَى":
189- أبو حاتم العطّار3.
الْبَصْرِيّ العارف، أحد مشايخ الطّريق بالبصرة.
__________
1 انظر: تاريخ بغداد "14/ 307".
2 السير "12/ 596"، والبداية "11/ 41".
3 طبقات السلمي "146".

(20/149)


قَالَ ابنُ الَأعرابي: لم يبلُغْنا أنّه كان في عصره أحد يُقَدَّم عليه فِي العلم بهذه المذاهب، وكان مع ذلك ملازمًا لسوقه وتجارته. يركب الحمار ويدلّل فِي العطّارين غير متمكن من الدُّنيا منحلّ، غير أنّه يرِد فِي هَذِهِ المذاهب حَتَّى ناب عن غيره، وتَلْمَذَ له من كان بالبصرة ممّن هُوَ أحسن منه.
وكان البغداديون يدخلون البصرة يقصدون كلٌّ منهم محمد بن وهب، ويعقوب الزّيّات، وزريق النّفّاط، وغيرهم.
وكان ظاهره مظاهر التّجار والعامّة منبسطًا معهم، فإذا تكلَّم كان غير ذلك. أخبرني محمد بْن عليّ: سمع أَبَا حَمْزَةَ الْبَغْدَادِيّ: ربّما ذكر أبو حاتم، وكان يتكلم يوم الجمعة، فيقول فِي كلامه: لا تسألوني عن حالي، واعْفوا لي عن نفسي. حسابي على غيركم. اجعلوني كالفتيل أحرق نفسي وأُضيء لكم. وكان لا يظهر عليه خشوع ولا تنكيس رأس ولا لباس. وكان من أَهْل السُّنَّة والإتقان، يُزْري على الغسّانيّة وأهل الأوراد وأخْذِ المعلوم، كما يذمّ أَهْل الدُّنيا ومن يأوى إِلَى الأسباب.
يقول: من لم يعبد الله الغالب على قلبه، فإنّما يعبد هواه ونفسه.
وكان يقول: من ذكر الله نسي نفسه. ومن ذكر نعمة الله نسي عمله.
وكان عامّة فِي المعاني. ويقول: الأبطال فِي النُّجوم، والسّرائر فِي القلوب.
وتحتاج تتوب من توبتك وتعبد الله له لا لك.
ويْحَك كم تبكي وتصيح، صحّح واسترح.
السّاحة بالقلوب، وسَيْر الشّواتي سفر لا يقضي.
دع الإحصاء والعَدَد، وصُمِ الدُّنيا وأفطِر الآخرة.
وكان يقول، إذا رَأَى عليهم الفُوَط والّأبْراد والصوف، وهم يُصَلّون: قد نشرتم أعلامكم وضربتم طُبُولكم، فليت شعري فِي اللّقاء أيّ رجال أنتم؟ قال زريق النّفّاط، أو غيره: رَأَيْت أَبَا حاتم بيده عطْر يعرضه للبيع، فسألته عن مسألة، فقال: لكلّ مقامٍ مقال، ولكن اصْبِر حَتَّى أفرغ. وكان إذا فرغ جلس يوم الجمعة، اجتمع إليه الصُّوفيّة وأصحاب الحديث والغُرَباء، وعامّة، مسجد البصرة، وجميع الطبقات.
وكان الّذين يلزمون حلقته: ابنُ الشُّويطيّ. وأبو سَعِيد الغَنَويّ، والمَرْزُوقيّ. وكان الغَنَويّ يميل إِلَى شيءٍ من الكلام ويعرفه.

(20/150)


وكان فِي المسجد طائفة من النّاس يُنْكِرون على أَهْل المحبّةِ لمّا يبلغهم من التّخليط، وكانوا أهل حديث، وكلّهم يستملي أَبَا حاتم ويُعْجبه كلامه لرقَّته، ولقَوْله بالسُّنّة ومخالفته الغسّانيّة.
وكانوا يميلون إليه هُوَ وعبد الجبار السُّلميّ، والحسن بْن المُثَنَّى، وأحمد بن أبي عُمَر، وابن أبي عاصم، والْجُذُوعيّ. كلّ هَؤُلَاء صوفيّة المسجد من أَهْل السَّنة والحديث يتحلَّون النُّسك والأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنْكَر. وكان لهم بالبلد قدرٌ وهَيْبة.
وقَالَ السُّلميّ: كان أبو حاتم العطّار أستاذ الْجُنَيْد وأبي سَعِيد الخرّاز.
وكان من جِلّة مشايخهم، مِن أقران أبي تراب النَّخشبيّ. وهو أول من تكلّم بالعراق فِي علوم الإشارات.
وعن محمد بْن وهْب قَالَ: دخلت البصرة أَنَا ويعقوب الزَّيَّات، فأتينا أَبَا حاتم العطّار، فدقَقْنا الباب، فقال: من هَذَا؟ قلت: رَجُل يقول الله.
فخرج ووضع خدّه على الأرض، وقَالَ: بقي مَن يُحْسِن يقول الله!
190- أبو حَمْزَةَ الْبَغْدَادِيّ الصوفيّ1.
أحد الكبار، اسمه محمد بْن إِبْرَاهِيم.
تُوُفيّ سنة تسعٍ وستّين. قاله أبو سَعِيد بْن الأعرابيّ.
تحوَّل ترجمته إِلَى هنا من بعد الثمانين.
ومن أخباره: قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ فِي كِتَابِ طبقات النُّسَّاك: قدم أبو حَمْزَةَ من طَرَسُوس إِلَى بغداد، فجلس واجتمع إليه النّاس. وما زال مقبولًا حَسَن الظّاهر والمنزلة إِلَى أن تُوُفيّ. وحضر جنازته أَهْل العلم والنُّسك. وصلّى عليه بعض بنبه، وغسّله جماعة من بني هاشم.
__________
1 انظر: السير "10/ 534، 535".

(20/151)


وقدَّم عليه الْجُنَيْد، يعني فِي الصّلاة، فامتنع، فتقدَّم ولده. وقام المكبرِّون يسمعون النّاس.
وصعد الخطيب المعروف بالكاهليّ على سطح ليبلّغ النّاس.
قال ابن الأعرابيّ: وكنت أَنَا وأبو بَكْر غلام بُلْبل، ومحمد الدِّينَوريّ، بائتين فِي مسجد أبي حَمْزَةَ ليلة موته، فمات فِي السَّحر. وأُخبرتُ أنَه كان يقرأ حزبه من القرآن حَتَّى ختم فِي تلك اللَّيلة. وكان صاحب ليل، مقدَّمًا فِي علم القرآن وحِفْظه. خاصّة قراءة أبي عَمْرو. وقد حملها عَنْهُ جماعة. وأخذ عَنْهُ كتاب اليزيديّ. وأخبرني مَرْدَويْه أبو عَبْد الرَّحْمَن المقرئ أنّه لم يَرَ أحدًا يقدّمه فِي قراءة أبي عَمْرو، والقيام بها على أبي حَمْزَةَ.
وقد قرأ ابنُ مجاهد على مَرْدَويْه.
وكان سبب عِلّته أنّ النّاس كثُروا، فأُتي أبو حَمْزَةَ بكُرسيّ، فجلس عليه، ثُمَّ مرّ فِي كلامه بشيءٍ أعجبه، فردّده وأُغمي عليه حَتَّى سقط عن الكُرسيّ.
وقد كان هَذَا يصيبه كثيرًا، فانصرف من المجلس بين اثنين يوم الجمعة، فتعلّل ودُفِن فِي الجمعة الثانية بعد الصّلاة.
وكان أستاذ البغداديّين، وهو أوّل من تكلّم ببغداد فِي هَذِهِ المذاهب من صفاء الذَّكر وجمع الهمّة والمحبّة والشَّوق والأنس، لم يسبقه بها على رءوس النّاس ببغداد أحد.
وكان قد طاف البلاد، وصحِب النُّسّاك بالبصرة، وغيرهما.
وسافر مع أبي تراب وأشكاله طالبًا الحقائق.
وجالس أَبَا نصر التّمّار، وأحمد بن حنبل، وسَرِيّ السَّقطيّ، وهو مَوْلَى لعيسى بْن أبان القاضي.
وقد سمعت أَبَا حَمْزَةَ غير مرّة يقول: قَالَ لي أَحْمَد بْن حنبل: يا صوفيّ ما نقول في هذه المسالة؟ 1
__________
1 السير "10/ 536".

(20/152)


191- أبو السّاج.
كان من كبار قُوّاد المعتمد على الله، وإليه تُنْسب الأجناد السّاجيّة ببغداد.
مات بجُنْدَيْسابُور فِي ربيع الأول سنة ستٍّ وستّين ومائتين، وخلف أموالًا عظيمة.

(20/153)