تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ط التوفيقية

المجلد الثلاث والثلاثون
الطبقة التاسعة والأربعون
أحداث سنة إحدى وثمانين وأربعمائة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبقة التاسعة والأربعون:
أحداث سنة إحدى وثمانين وأربعمائة:
"استيلاء الفرنج عَلى مدينة زَوِيلَة":
فيها: استولت الفرنج على مدينة زَوِيلَة من بلاد إفريقيّة، جاءوا في البحر في أربعمائة قطعة فنهبوا وسَبوا، ثمّ صالحهم تميم بْنُ بَادِيس1، وبذَل لهم من خزانته ثلاثين ألف دينار فردّوا جميع ما حَوَوْه2.
"وفاة النّاصر بن علناس":
وفيها مات النّاصر بن عَلنّاس بن حمّاد، وولي بعده ابنه المنصور، فجاءته كُتُب تميم بن المعزّ، وكُتُب يوسف بن تاشفين صاحب مَرّاكُش بالعزاء والهناء3.
"وفاة ملك غَزْنَة":
وفيها مات ملك غَزْنَة الملك المؤيّد إبراهيم بْن مسعود بْن محمود بْن سُبُكْتِكِين4 وكان كريمًا، عادلًا، مجاهدًا، عاقلًا، له رأي ودهاء، ومن مخادعته أنّ السّلطان ملكشاه سار بجيوشه يقصده، ونزل بإسْفِزَار5، فكتب إبراهيم كُتُبًا إلى جماعةٍ من أعيان أمراء ملكشاه يشكرهم، ويعتذر لهم بما فعلوه من تحسينهم لملكشاه أن يقصده: ليتمّ لنا ما استقرّ بيننا من الظَّفَر به، وتخليصكم من يده، ويَعِدُهم بكلّ جميل. وأمر القاصد بالكُتُب أن يتعرَّض لملكشاه في تصيُّده، فأُخِذَ وأحضر عند
__________
1 هو تميم بن المعز بن باديس.
2 الكامل في التاريخ "10/ 166".
3 الكامل في التاريخ "10/ 166، 167".
4 تاريخ الخلفاء "425".
5 أسفزار: بفتح الهمزة وسكون السين والفاء تضم وتكسر وزاي وألف وراء. مدينة من نواحي سجستان من جهة هراة "معجم البلدان 1/ 178".

(33/3)


ملكشاه فقرّره، فأنكر، فأمر بضربه، فأقرّ واخرج الكُتُب، فلمّا فتحها وقرأها تخيّل من أمرائه، وكتم ذلك عنهم خوفَ الوحشة، ورجع من وجهه.
وكان إبراهيم يكتب في العالم خَتْمَةً، ويهديها ويتصدَّق بثمنها، وكان يقول: لو كنتُ بعد وفاة جدّي محمود لما ضَعُفَ ملكُنا، ولكنّي الآن عاجز أن أستردّ ما أُخذ منّا من البلاد لكثرة جيوشهم1.
"ولاية جلال الدّين مسعود المُلْك":
وقام في المُلْك بعد ولده جلال الدّين مسعود، الّذي كان أبوه زوّجه بابنة السّلطان ملكشاه، وناب نظام المُلْك في عُرْسِه عليها مائة ألف دينار2.
"منازلة متولّي حلب لشَيْزَر":
وفيها: جمع أقْسُنْقُر متولّي حلب العساكر، ونازل شيزر، ثمّ صالحه صاحبه ابن منقذ3.
"وفاة الملك أحمد بن ملكشاه":
وفيها: مات الملك أحمد بن السّلطان ملكشاه، وله إحدى عشرة سنة، وكان قد جعله وليَّ عهدٍ أوّل، ونثَر الذَّهَب على الخُطَباء في البلاد عند ذِكْره. فلمّا مات عُمل عزاؤه ببغداد سبعة أيّام بدار الخلافة، ولم يركب أحد فرسًا وناح النّساء في الأسواق عليه، وكان منظرًا فظيعًا4.
"توجُّه ملكشاه إلى سمرقند":
وفيها: توجَّه ملكشاه إلى سَمَرْقَنْد ليملكها5.
__________
1سير أعلام النبلاء "18/ 321".
2 الكامل في التاريخ "10/ 168".
3 الكامل في التاريخ "10/ 168".
4 الكامل في التاريخ "10/ 169".
5 سير أعلام النبلاء "18/ 321".

(33/4)


أحداث سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة:
"الفتنة بين السُّنَّة والشِّيعة":
في صَفَر كَبَس غَوْغَاء السُّنَّة الكَرْخَ، وقتلوا رجلًا وجرحوا آخر، فأغلق أهل الكَرْخ أسواقهم، ورفعوا المصاحف وثياب الرّجُلين بالدّماء، ومضوا إلى دار كمال المُلْك الدّهسْتانيّ مستغيثين، فأرسل إلى النّقيب طِراد يطلب منه إحضار الرّجُلين القاتلين، فلم يقدر، وكفّ النّاسَ، فلمّا سار السُّلطان عادت الفتنة1.
"تملُّك السلطان ما وراء النّهر":
وفيها: ملك السّلطان ما وراء النَّهْر، وذلك لأنّ سَمَرْقَنْد تملّكها ابن أخي تُرْكان زوجة السّلطان، وكان صبيًّا ظلومًا غَشُومًا، كثير المصادرة فكتبوا إلى السّلطان سِرًّا يستغيثون به ليتملّك عليهم، فطمع السّلطان، وتحرّكت همّته، وسار من إصبهان بجميع جيوشه، وعَبَر النَّهر، وقَصَد بُخَارى فملكها2، وقصد سَمَرْقَنْد ونازَلها، وكاتب أهلها، ففرح به التُّجّار والرّؤساء، وفرَّق صاحبها أحمد خان الأبرِجة على الأمراء، وسلَّم برج العيّار إلى رجلٍ علويّ، فنصح في القتال، وكان ولده ببُخَارى "أسيرًا"3 فبعث إليه ملكشاه يهدّده بقتله، ففتر عن القتال، ورمى السّلطان عدّة أماكن من السُّور بالمنجنيقات، فلمّا صعِدوا السّورَ اختفى أحمد خان في بيت عاميّ، فغُمِز عليه، وحُمِلَ إلى السّلطان يُجَرّ بحبْل، فأكرمه السلطان وأطلقه، وأرسله تحت الاحتياط إلى إصبهان. ورتَّب لسَمَرْقَنْد أبا طاهر عميد خُوارَزْم.
ثمّ قصد كاشْغَر4، فبلغ إلى يوزكَنْد5، وهي بلدة يجري على بابها نهرٌ، فأرسل رُسُلَه إلى ملك كاشغر يأمره بإقامة الخطْبة والسّكّة له، ويتهدّده إنْ خالف. فدخل في الطّاعة، وجاء إلى الخدمة، فأكرمه السّلطان وعظمه، وأنعم عليه، ورده
__________
1 البداية والنهاية "12/ 134" "حوادث سنة 481هـ".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 321"، البداية والنهاية "12/ 135".
3 في الأصل بياض والمستدرك من "الكامل "10/ 172".
4 كاشغر: مدينة وقرى ورساتيق يسافر إليها من سمرقند وتلك النواحي. وهي في وسط بلاد الترك.
5 في الأصل: بئر كند والمثبت عن: "الكامل في التاريخ "10/ 172"، بلد بما وراء النهر يقال له: أوزكند.

(33/5)


إلى بلده. ثمّ ردَّ إلى خُرَاسان، فوثب عسكر سَمَرْقَنْد بالعميد أبي طاهر، فاحتال حتّى هرب منهم1، وكان كبيرهم عين2 الدّولة، ثمّ ندم وخاف، فكاتب يعقوب أخا الملك صاحب كاشغر فحضر واتّفق معه، وجَرَت أمورٌ، فلمّا اتّصلت الأخبار بالسّلطان كرّ راجعًا إلى سَمَرْقَنْد، فهرب يعقوب3 وكان قد قتل عين الدّولة، فلحِق بفَرْغَانة وهي ولايته، ثمّ هادنه، ورجع بعد فصولٍ طويلة4.
"وفاة ابنة السّلطان":
وكانت ابنة السّلطان زوجة الخليفة أرسلت تشكو من الخليفة لكثره اطّراحه لها، فأرسل يطلب ابنته طلبًا لا بد منه، فأذِن لها الخليفة، ومعها ولدُها جعفر، وسعد الدّولة كوهرائين، فذهب إلى إصبهان، فأدركها الموت في ذي القعدة من السّنة، وعمل الشّعراء فيها المراثي5.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 171-173".
2 في نهاية الأرب "26/ 328"، "عز".
3 في نهاية الأرب: "يعقوب تكين".
4 البداية والنهاية "12/ 135"، ونهاية الأرب "26/ 328".
5 سير أعلام النبلاء "18/ 321، 322

(33/6)


أحداث سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة:
"تسلُّم المصريّين صور وصيدا وعكا وجبيل":
وفيها جاءت عساكر مصر وحاصروا صور، وكان قد تغلب عليها القاضي عين الدّولة ابن أبي عَقِيل، ثمّ تُوُفّي ووليها أولاده، فسلَّموها لضعفهم1.
وسارت العساكر إلى صيدا فتسلموها2.
ثمّ ساروا إلى عكا، فحاصروها وضيّقوا على المسلمين فافتتحوها3.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 322"، والكامل في التاريخ "10/ 176".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 322".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 322".

(33/6)


وملكوا مدينة جُبَيْل، ورتّبوا نوّاب المستنصِر بها، ورجعوا إلى مصر منصورين ظافرين بعزْم أمير الجيوش1.
"تعاظم الفتنة بين السُّنّة والشِّيعة":
وفيها عظُمت البليّة ببغداد بين السُّنّة والشِّيعة، وقُتِل بينهم بشرٌ كثير، وركب شِحْنة بغداد ليكفّهم فعجز، وذلّت الرَّافضة بإعانة الخليفة أعوانه عليهم، وأجابوا إلى إظهار السُّنّة، وكتبوا بالكَرْخ على أبواب مساجدهم: خير النّاس بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عليّ فعظُمَ هذا على جهلتهم وشُطّارهم، فثاروا ونهبوا شارع ابن أبي عَوْف، وفي جملة ما نهبوا دار المحدّث أبي الفضل بن خَيْرُون، فذهبَ مستصرخًا ومعه خلْق، ورفعت العامّة الصُّلْبان وهجموا على الوزير وما أَبَوْا ممكنًا، وقُتِل يومئذٍ رجل هاشميّ بسهمٍ غرْبٍ، فقتلت السُّنّة عِوَضَه رجلًا علويًّا واحرقوه. وجَرَت أمور قبيحة، فطلب الخليفة من صدقة ابن مَزْيَد عسكرًا فبعث عسكرًا، وتتبَّعوا المفسدين إلى أن خمدت الفتنة2.
"القحط بإفريقية":
وفيها: كان بإفريقيّة قحطٌ وحروب، ثمّ أمِنوا ورخصت الأسعار3.
"بناء المدرسة التّاجيّة ببغداد":
وفيها: عُمِلت ببغداد مدرسة لتاج المُلْك مستوفي الدّولة بباب أبرز، ودرّس بها أبو بكر الشّاشيّ، وتُعرف بالمدرسة التّاجيّة4.
"عمارة منارة جامع حلب":
وفيها: عمرت منارة جامع حلب5.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 176"، "وكلها في حوادث سنة 482هـ".
2 الكامل في التاريخ "10/ 176، 177"، "حوادث سنة 482هـ"، وسير أعلام النبلاء "18/ 322"، والبداية والنهاية "12/ 135".
3 الكامل في التاريخ "10/ 179".
4 البداية والنهاية "12/ 135"، "حوادث سنة 482هـ".
5 البداية والنهاية "12/ 135"، والكامل في التاريخ "10/ 180".

(33/7)


"إمساك النَّحْويّ السارق":
وفيها سَرَق رجلٌ نَحْويٌّ أشقر ثيابًا فأُخِذ وهمّوا به فهرب وذهب إلى بلاد بني عامر،
"وبلاده متاخمة الإحساء"1 وقال لأميرهم: أنت تملك الأرض ويتمّ لك وأنت أجدادك أفعالهم بالحاجّ في التّواريخ. وحسّن له نَهْب البصْرة فجمعَ العُربان، وقصدوا البصرة بغتةً، والنّاسُ آمِنون بهيبة السّلطان، فملكها ونهبها، وفَعَلوا كلّ قبيح، وأحرقوا عدّة أماكن، وجاء الصريخ إلى بغداد، فانحدر سعد الدّولة كواهرئين، وسيف الدّولة صَدَقَة بن مَزْيَد، فوجدوا الأمر قد فات، ثمّ أُخِذَ ذلك النَّحْويّ فشُهِّر وصُلِب ببغداد2.
"تعيين مدرّسين في النظامية":
ووصل للنظاميّة مُدرّسان، كلّ واحدٍ معه منشورٌ بها من نظام المُلْك، وهما أبو محمد عبد الوهّاب الشّيرازيّ، وأبو عبد الله الطَّبَريّ. ثمّ تقررّ الأمرُ أنّ كلّ واحدٍ يدرِّس يومًا3.
"وفاة ابن جَهِير":
وفيها: مات فخر الدّولة ابن جَهِير4.
"تسلُّم رئيس الإسماعيليّة قلعة إصبهان":
وفي شعبان تسلَّم ابن الصّبّاح رأس الإسماعيليّة قلعة أصبهان، وذلك أول ظهورهم5. وسيأتي ذكرهم في سنة أربع وتسعين.
__________
1 في الأصل بياض وما بين الحاصرتين من الكامل في التاريخ "10/ 183".
2 البداية والنهاية "12/ 136".
3 البداية والنهاية "12/ 136".
4 البداية والنهاية "12/ 136"، والكامل في التاريخ "10/ 182".
5 المختصر في أخبار البشر "2/ 200".

(33/8)


أحداث سنة أربع وثمانين وأربعمائة:
"عزل أبي شجاع عن الوزارة":
وفيها: عُزِل عن الوزارة ببغداد أبو شجاع بعميد الدّولة ابن جَهِير وأُمِرَ بلزوم داره، فتمثل عن نفسه:
تولاها وليس له عدو ... وفارقها وليس له صديقُ1
"سجن الصّاحب بن عبّاد":
وفيها: استولى أمير المسلمين يوسف على بلاد الأندلس قُرْطُبة، وإشبيلية، وسجَنَ ابن عبّاد، وفعل في حقه ما لا ينبغي لملك، فإنّ الملوك إمّا أن يُقتلوا، وإمّا أن يُسجنوا، ويُقرَّر لذلك المحبوس راتبٌ يليق به، وهذا لم يفعل ذلك، بل استولى على جميع ممالكه وذخائره، وسجنه بأغْمات2، ولم يُجْرِ على أولاده ما يكفيهم، فكان بناتُ المعتمد بن عَبّاد يغزلْن بأيديهنَّ، وينفقن على أنفسهنّ، فأبان أمير المسلمين بهذا عن صِغَر نَفْسٍ، ولُؤْم طَبْع3.
"بدء المرابطين":
واتّسعت مملكته واستولى على المغرب وكثير من إقليم الأندلس، وترك كثيرًا من جيوشه بثغور الأندلس، وطاب لهم الخصب والرفاهية، واسترحوا من جبال البربر وعَيْشِها القشب، ولقَّبهم بالمرابطين. وسالمه المستعين بالله ابن هود صاحب شرق الأندلس، وكان يبعث إليه بالتُّحَف.
وكان هو وأجناده ممّن يُضْرَب بهم المثل في الشجاعة، فلما اختصر يوسف بن تاشفين أوصى وَلَده عليًّا ببني هود وقال: اتركهم بينك وبين العدوّ، فإنّهم شجعان4.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 186، 187".
2 أغمات: ناحية في بلاد البربر من أرض المغرب قرب مراكش "معجم البلدان "1/ 225".
3 البداية والنهاية "12/ 137".
4 الكامل في التاريخ "10/ 192، 193".

(33/9)


"استيلاء الفرنج على صقليّة":
وفيها: استولت الفرنج على جميع جزيرة صَقَلّية، وأوّل ما فتحها المسلمون بعد المائتين، وحكم عليها آلُ الأغلب دهرًا، إلى أن استولى المهديّ العُبَيْديّ على الغرب، وكان العزيز العُبَيْديّ صاحب مصر قد استعمل عليها الأمير أبا الفتوح يوسف بن عبد الله فأصابه فالج فاستناب ولده جعفرًا فضبط الجزيرة، وأحسن السيرة إلى سنة خمس1 وأربعمائة، فخرج عليه أخوه عليّ في جَمْعٍ من البربر والعبيد، فالتقوا فقُتِل خلْقٌ من البربر والعبيد، وأُسِرَ عليّ، وقتله أخوه، فعظُم قتْلُه على أبيه وهو مفلوج، وأمر جعفر بنفْي كل بربريّ بالجزيرة، فطُرِدوا إِلى إفريقيّة، وقتلوا سائر العبيد، واستخدم له جُنْدًا من أهل البلاد، فاختلف عسكره، ولم تمض إلّا أيّام حتّى أخرجوه وخلعوه، وأرادوا قتله. وكان ظَلُومًا لهم، عَسوفًا، فعملوا حِسْبَتَه، وحَصَروه في قصره سنة عشر وأربعمائة، فخرج لهم أبوه أبو الفتوح في مِحَفَّةٍ، فَرَقُّوا لحاله، وأرضاهم، واستعمل عليهم ابنه أحمد المعروف بالأكحل. ثمّ جهزّ ابنه في البحر في مركب إِلى مصر، وسار هو بعد ابنه ومعهما من العين ستّمائة ألف وسبعون ألف دينار.
وكان ليوسف من الخيل ثلاث عشرة ألف حجرة، سوى البِغال وغيرها.
ومات يوم مات وما له إلّا فرسٌ واحد.
وأمّا الأكحل فكان حازمًا سائسًا أطاعه جميع حصون صقلّية الّتي للمسلمين، ثمّ إنّ أهل صَقَلّية اشتكوا منه، وبعث المعزّ بن باديس جيشًا عليهم ولده، فحصروا الأكحل، ووثب عليه طائفة من البلد، فقتلوه في سنة تسْعٍ وعشرين وأربعمائة. ثمّ رأوا مصلحتهم في طرد عسكر ابن باديس عنهم، فالتقوا، فانهزم الإفريقيّون، وقُتِل منهم ثمانمائة نفس، ورجع الباقون بأسوأ حال، فولّى أهل صقلّية عليهم الأمير حَسَنًا الصِّمْصام أخا الأكحل، فلم يتّفقوا وغلب كلّ مقدّم على قلعةٍ، واستولى الأراذل.
__________
1 في المختصر في أخبار البشر "2/ 200" "إلى سنة عشر".

(33/10)


ثمّ أخرجوا الصِّمْصام فانفرد القائد عبد الله بن متكون1 بمَازَرَ2 وطَرَابُنُش3، وانفرد القائد عليّ عليّ بن نعمة بقَصْرُيَانِه4 وجُرْجنْت وانفرد ابنُ الثُمنة بمدينة سَرَقُوسة5 وقَطَانِيَة6، وتحاربَ هو وابن نِعْمة، وجَرَت لهم خُطُوب، فانهزم ابن الثُمنة، فسوّلت له نفسه الانتصار بالنّصارى، فسار إلى مالطة، وقد أخذتها الفرنج بعد السبعين وثلاثمائة وسكنوها، فقال لملكها: أنا أملك الجزيرة، وملأ يدَ هذا الكلب خسايا، فسارت الفرنج معه في سنة أربع وأربعين وأربعمائة، فلم يلقوا من يمنعهم، فأخذوا ما في طريقهم، وحاصروا قَصْرُيَانِهْ، وعمل معه ابن نعمة مُصَافًا، فهزموه، فالتجأ إلى القصر، وكان منيعًا حصينًا. فحلوا عنه واستولوا على أماكن كثيرة، ونَزَحَ عنها خلْقٌ من الصّالحين والعلماء، واجتمع بعضهم بالمعزّ، فأخبره بما النّاس فيه من الوَيْل مع عدوّهم، فجهَّز أسطولًا كبيرًا، وساروا في الشّتاء، فغرَّق البحر أكثرهم، وكان ذلك ممّا أضعف المعزّ، وقويت عليه العرب، وأخذت البلاد منه، وتملّك الفرنج أكثر صَقَلّية.
واشتغل المعزّ بما دهمِه من العرب الّذين بعثهم صاحب مصر المستنصِر لحربه وانتزاع البلاد منه، فقام بعده ولده تميم في المُلْك، فجهَّز أسطولًا وجيشًا إلى صَقَلّية، فَجَرَت لهم حروبٌ وأمورٌ طويلة، ورجع الأسطول، وصحِبهم طائفة من أعيان أهل صَقَلّية، ولم يبق أحدٌ يمنع الفرنج، فاستولوا على بلاد صَقَلّية، سوى قَصْرُيَانِهْ وجُرْجنْت7، فحاصروا المسلمين مدّة حتّى كلّوا، وأكلوا الميتة من الجوع، وسلم أهل جرجنت بلدهم، ولبث8 قَصْرُيَانِهْ بعده ثلاث سِنين في شدَّةٍ من الحصار، ولا أحد يغيثهم، فسلَّموا بالأمان، وتملَّك رُجار جميعَ الجزيرة، وأسكنها الرومَ والفرنجَ مع أهلها.
__________
1 في الكامل في التاريخ "1/ 195"، "منكوت" ومثله في المختصر في أخبار البشر "2/ 201".
2 مازر: مدينة بصقلية "معجم البلدان" "5/ 40".
3 طرابنش: مدينة بجزيرة صقلية "معجم البلدان 4/ 26".
4 قصريانه: مدينة كبيرة بجزيرة صقلية على سن جبل "معجم البلدان 4/ 365".
5 في الأصل "سرقوس" والتصحيح من: معجم البلدان "3/ 214"، وهي الآن عاصمة جزيرة صقلية.
6 قطانية: مدينة على سواحل جزيرة صقلية وتعرف بمدينة الفيل "معجم البلدان 4/ 370".
7 في الأصل: "جرجنته" والتصحيح من الكامل في التاريخ "10/ 197".
8 في الأصل: "ولبث".

(33/11)


وهلك رجار قبل التسعين وأربعمائة، وتملّك بعده ابنه، فاتَّسَعت ممالكه، وعمّر البلاد، وبالغ في الإحسان إلى الرّعيّة، وتطاول إلى أخذ سواحل إفريقيّة1.
"دخول السلطان بغداد للمرّة الثّانية":
وفي رمضان وصل السّلطان إلى بغداد، وهي القدْمة الثّانية، وبادر إلى خدمته أخوه تاج الدّولة تُتُش صاحب دمشق وقسيم الدّولة أقْسُنْقُر صاحب حلب، وغيرهما من أمراء النّواحي2 فعمل الميلاد ببغداد، وتأنّقوا في عمله على عادة العجم، وانبهر الناس، وأروا شيئًا لم يعهدوه من كثرة النّيران، حتّى قال شاعرهم3:
وكُلُّ نارٍ على العُشَّاق مُضْرَمَةٌ ... مِن نار قلبي أو من ليلة الصَدَقِ
نارٌ تَجَلَّت بها الظَّلْمَاءُ فاشتبهتْ ... بسُدْفةِ اللَّيل فيه غُرَّةُ الفَلَقِ
وزارتِ الشّمسُ فيه البدرَ واصطلحا ... على الكواكب بعد الغَيْظِ والحَنَقِ
مُدّت على الأرض بسطٌ من جواهرها ... ما بين مجتمع دارٍ ومفترقِ
مثلَ المصابيح إلّا أنّها نزلتْ ... من السّماء بلا رجمٍ ولا حَرَقِ
أعْجِبْ بنارٍ ورضوانٌ يُسعّرُهَا ... ومالكٌ قائمٌ منها على فَرَقِ
في مجلسٍ ضحِكَتْ روضُ الْجِنَانِ لهُ ... لمّا جلى ثغْرُهُ عن واضحٍ يَقَقِ
وللشُّمُوع عيونٌ كلْما نظرتْ ... تظلّمتْ من يديها أنْجُمُ الغَسَقِ
من كلّ مرهفةٍ الأعطافِ كالغُصْن الـ ... ـمياد لكنّه عارٍ من الوَرَقِ
إنِّي لأعجب منها وهي وادعةٌ ... تبكي وعِيشَتُهَا من ضَرْبة العُنُقِ4
"بناء جامع السّلطان ببغداد":
وفي آخرها أمر السّلطان بعمل جامعٍ كبير له ببغداد، وعمل الأمراء حوله دورًا
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 322"، والبداية والنهاية "12/ 138".
2 البداية والنهاية "12/ 137".
3 هو "المطرز" كما في الكامل "10/ 199".
4 الخبر والأبيات في الكامل في التاريخ "10/ 199، 200".

(33/12)


لهم ينزلونها، ولم يدروا أن دولتهم قد ولت، وأيامهم قد تصرمت نسأل الله خاتمةً صالحةً1.
"الزّلزلة بالشّام":
وفيها: كانت زلازل عظيمة مزعجة بالشّام، تخرّب من سور أنطاكية تسعون برجًا، وهلك من أهلها عالمٌ كثير تحت الرَّدْم، فأمر السّلطان بعمارتها2.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 137".
2 البداية والنهاية "12/ 138"، والكامل في التاريخ "10/ 200".

(33/13)


أحداث سنة خمس وثمانين وأربعمائة:
"وقعة جيان بالأندلس":
فيها: وقعة جَيّان1 بالأندلس:
كانت بعد وقعة الزّلّاقة، وتُقاربُها في الكِبَر فإنّ الأذفونش جمع جُموعًا عظيمة، وقصد بلاد جَيّان، فالتقاه المرابطون فانهزم المسلمون، وأشرف النّاسُ على خُطّةٍ صعبة، ثمّ أنزل الله النّصر، فثبتوا وهزموا الكُفّار، ووضعوا السّيف فيهم، ونجا الأذفونش في نَفَرٍ يسير2.
"نسخة كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هرقل":
ثمّ تهيّأ في العام القابل، وأغار على القُرى وحرَّق الزَّرع، وبقي النّاس معه في بلاءٍ شديد، وشاخ وعُمِّر، وكان من دُهاة الرّوم، وهو أكبر ملك للفرنج، تحت يده عدّة ملوك وجعل دار مملكته طُلَيْطُلَة، فبقي مجاورًا لبلاد الإسلام. وهو من ذُرّيّة هِرَقْل. وكان عنده كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جدّه.
قال الْيَسَعُ بنُ حزْم: حدّثنا الفقيه أبو الحسن بن زيدان قال: لمّا توجّهنا إلى ابن بنتِه رُسُلًا أنا وفُلان، أمرَ فأُخْرِج سفْطٌ فيه حق ذهب مرصع بالياقوت والدر،
__________
1 جيان: مدينة لها كورة واسعة بالأندلس "معجم البلدان 2/ 195".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 322"، والكامل في التاريخ "10/ 202".

(33/13)


فاستخرج منه الكتاب كما نصّه في "صحيح البخاري"1 فلما رأيناه بكينا، فقال: مم تبكون؟ فقلنا: تذكرنا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: إنّما هذا الكتاب شَرَفي وشَرَف آبائي من قبلي.
"تسيير عسكر السلطان ملكشاه لفتح بلاد السّاحل":
وفيها أمرَ السّلطان ملكشاه لقسيم الدّولة وبوران وغيرهما أن يسيرا في خدمة أخيه تُتُش، حتّى يستولوا على ما بيد المستنصِر العُبَيْديّ بالسّواحل، ثمّ يسيرون بعد ذلك إلى مصر فيفتحوها، فسَاروا إلى أن نزلوا على حمص، وبها صاحبها ابن مُلاعِب، وكان كثير الأذِيّة للمسلمين، فأخذوا منه البلد بعد أيّام2.
ثمّ ساروا إلى حصْن عِرْقه، فأخذوه بالأمان3.
ثمّ نازل طرابُلُس، فرأى صاحبُها جلال المُلْك ابن عَمّار جيشًا لا قِبَل له به، فأرسل إلى الأمراء الّذين مع تُتُش، ووعدهم ليُصلِحوا حاله، فلم ير فيهم مطعمًا ثمّ سيّر لقسيم الدّولة ثلاثين ألف دينار وتقادُم فسَعى له عند تُتُش هو وكاتبُه، فغضب تتش وقال: هل أنت إلا تابع لي: فخلاه في الليل، ورحل إِلى حلب، فاضطّر تُتُش إلى التَّرحُّل عن طرابلس وانتقض ما قرَّر لهم السّلطان من الفتوح4.
"فتح اليمن للسّلطان":
وفيها: فتح للسّلطان اليمنُ: كان فيمن حضر إلى خدمته ببغداد جنق5 أمير التّركمان صاحب قرميسين، فجهَّزَه السّلطان في جماعة أمراء من التُّرْكُمان إلى الحجاز واليمن، وأن يكون أمرهم إلى سعْد الدّولة كوهرائين، فاستعمل عليهم كوهرائين عِوَضَه ترشك، فساروا إلى اليمن واستولوا عليها، فظلموا وعَسفوا وفَسَقوا فأسْرَفوا، ومَلَكوا عدن، وظهر عَلَى ترشك جدري أهلكه بعد جمعة من وصوله إلى عدن.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه البخاري رقم "7"، ومسلم "1773"، وأبو داود "5136"، والترمذي "2618".
2 البداية والنهاية "12/ 139".
3 البداية والنهاية "12/ 140".
4 الكامل في التاريخ "10/ 202، 203".
5 في الكامل "10/ 203" "جبق".

(33/14)


وعاش سبعين سنة فنقله أصحابه معهم، ودُفِن ببغداد عند مشهد أبي حنيفة1.
"وفاة السلطان":
قال صاحب "المرآة": في غُرَّة رمضان توجّه السلطان من إصبهان إلى بغداد عازمًا على تغيير الخليفة؛ فوصل بغدادَ في ثامن عشر رمضان، فنزل داره، ثمّ بعث إلى الخليفة يقول: لا بُدّ أن تترك لي بغداد، وتذهب إلى أيّ بلدٍ شئت. فانزعج الخليفة وقال: أمهلني ولو شهرًا.
فقال: ولا ساعة.
فبعث الخليفة إلى وزير السّلطان تاج المُلْك، فطلب المهلة عشرة أيّام. فاتَّفق مرض السّلطان وموته، وعُدَّ ذلك كرامةً للخليفة2.
"مقتل الوزير نظام المُلْك":
وفي عاشر رمضان قُتِل نظام المُلْك الوزير بقُرب نهاوند، أتاه شابٌّ دَيْلَميّ من الباطنيّة في صورة مستغيث فضربه بسِكّين عندما أُخْرجت محفَّته إلى خيمة حُرَمِه بعد إفطاره، وتَعِس الباطنيّ فلحِقُّوه وقتلوه3. وكان مولده سنة ثمان وأربعمائة4.
وقيل: إنّ السّلطان هو الّذي دسّ عليه من قتله، لأن ابن ابن نظام المُلْك كان شابًا طريا، ولي نظر مرْو ومعه شِحْنة للسّلطان، فعمد وقبض عليه، فغضب السّلطان، وبعث جماعةً إلى نظام الملك يعنقه ويوبِّخه ويقول: إن كنتَ شريكي في المُلْك فلذلك حكمٌ! وهؤلاء أولادك قد استولى كلّ واحدٍ على كورةٍ كبيرة، ولم يكفهم حتّى تجاوزوا أمر السّياسة.
فقوّى نفسه، ولقد يمُتّ بأمورٍ ما أظنّ عاقلًا يقولها، ويقول: إن كان ما علم أني شريكه فليعلم5.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 322"، البداية والنهاية "12/ 140".
2 المنتظم "9/ 62"، "16/ 299، 300".
3 البداية والنهاية "12/ 139، 140".
4 الكامل في التاريخ "10/ 204".
5 الكامل في التاريخ "10/ 205".

(33/15)


"وفاة السلطان ملكشاه":
فازداد غضب السّلطان ملكشاه وعمل عليه، ولكنّه ما مُتِّع بعده، إنّما بقي خمسةٍ وثلاثين يومًا ومات1.
"سلطنة محمود بن ملكشاه":
فلمّا مات السّلطان كتمت زوجته تُرْكان، مَوْتَه، وأرسلت إلى الأمراء سرًّا فاستحلفتهم لولدها محمود ابن السّلطان، وهو في السّنة الخامسة من عمره.
فحلفوا له2، وأرسلت إلى المقتدي بالله في أنْ يُسلْطنه، فأجاب، وخُطِب له، ولُقِّب ناصر الدُّنيا والدِّين3، وأرسلت في الحال تُرْكان إلى إصبهان من قَبَضَ على بركيارُوق4 أكبر أولاد السّلطان فَقُبِض عليه5.
"خلاف بركياروق":
فلمّا اشتهر موتُ أبيه وثب المماليك بإصبهان، وأخرجوه وملّكوه بإصبهان. وطالبت العساكرُ الوزيرَ بالأرزاق، فوعدهم فلمّا وصل إلى قلعة برجين التي فيها الخزائن صعِد إليها ليفرّق فيهم، فأغلقها وعصى على تركان فنهبت العساكر أثقاله، وذهبت هي إلى إصبهان. فندم ولحِقها، وزعم أنّ متولِّي القلعة حبَسه، وأنّه هرب منه، فقبلت عُذْرَه6.
وأمَّا بَركيَارُوق ففارق إصبهان، وبادر إلى الريّ، وانضم إليه فرقةٌ من العسكر، وأكثرهم من المماليك النّظامية، لبُغضهم لتاج المُلْك لأنّه كان عدوًّا لمولاهم، وهو المُتَّهم بقتْلِه، فنازلوا قلعة طبرك، وأخذوها عنوةً7.
__________
1 تاريخ الخلفاء "5252".
2 البداية والنهاية "12/ 139".
3 تاريخ الزمان "121".
4 في تاريخ الزمان "121" "تركياروق وفي الكامل "10/ 215" "بركيارق".
5 الكامل في التاريخ "10/ 214، 215".
6 الكامل في التاريخ "10/ 215".
7 المختصر في أخبار البشر "2/ 203"، والكامل في التاريخ "10/ 215".

(33/16)


"انهزام عسكر تُركان وأسر تاج المُلْك":
وجهَّزت تُركان عساكرها لحربهم، فالتقى الجمعان بناحية بَرُوجِرْد، فخامَر طائفة، والتفّوا أيضًا على بَركيَارُوق، واشتدّ الحرب. ثمّ انهزم عسكر تُركان، وساق بركياروق في أثرهم، فنازل إصبهان في آخر السّنة.
وأُسِر بعد الوقعة تاج المُلْك، فأُتِي به بَركيَارُوق وهو على إصبهان، فأراد أن يستوزره1.
"مقتل تاج المُلْك":
وأخذ تاج المُلْك في إصلاح كبار النّظامية، وفرَّق فيهم مائتي ألف دينار، وبلغ ذلك عثمان بنَ نظام المُلْك2، فشغب عليهم سائر الغلمان الصِّغار، وقال: هذا قاتل أستاذكم. ففتكوا به، وقطّعوه في المحرَّم سنة ستٍّ.
وكان كثير المحاسن والفضائل وإنّما غطّى ذلك ممالأته على قتل نظام الملك، ولأنّ مدّته لم تَطُلْ. وعاش سبْعًا وأربعين سنة3.
"إيقاع عرب خفاجة بالرّكب العراقي":
وأمّا عرب خَفَاجَة فطمعوا بموت السّلطان، وخرجوا على الركْب العراقيّ، فأوقعوا بهم، وقتلوا أكثر الْجُنْد الّذين معهم، ونهبوا الوفد، ثمّ أغاروا على الكوفة، فخرجت عساكر بغداد وتبعَتْهم حتّى أدركتهم فقُتِل من خَفَاجَة خلْق، ولم تقْوَ لهم شوكةٌ بعدَها4.
"حريق بغداد":
وفيها كان الحريق المَهُول ببغداد، وكان من الظُّهر إلى العصر.
قال صاحب "الكامل": واحترق من النّاس خلْق كثير، واحترق نهر معلى، من
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 216".
2 في الكامل في التاريخ "10/ 216": "عثمان نائب نظام الملك".
3 الكامل في التاريخ "10/ 216".
4 سير أعلام النبلاء "18/ 322"، والبداية والنهاية "12/ 139".

(33/17)


عقد الحديد إلى خزانة1 الهرّاس، إلى باب دار الضَّرب، واحترق سوق الصَّاغة، والصّيارف، والمخلّطين والرَّيْحانيّين، وركب الوزير عميد الدّولة2 بن جَهير وأتى، فما زال راكبًا حتّى أُطْفِئ3.
"وقوع البَرَد بالبصرة":
وفيها: وقع بالبصرة بَرَد عظيمٌ كبار، أهلك الحرث والنَّسْل. كانت البَرَدة من خمسة أرطال إلى عشرة أرطال4.
__________
1 في الكامل "خربة" وفي المنتظم "خرابة".
2 في الأصل "عميد الله" والتصحيح من: الكامل والمنتظم.
3 البداية والنهاية "12/ 139".
4 البداية والنهاية "12/ 139"، والمنتظم "9/ 61" "16/ 301".

(33/18)


أحداث سنة ست وثمانين وأربعمائة:
"وزارة عزّ الملك":
استُهِلَّت وبركياروق مُنَازِلٌ إصبهان، فخرج إليه جماعة من أولاد نظام المُلْك، فاستوزر عزّ المُلْك بن نظام المُلْك الّذي كان مُتولّي خَوارَزْم1.
"استيلاء تاج الدّولة تُتُش على الرّحبة ونصيبين":
وأمّا تاج الدّولة تُتُش صاحب دمشق، فلمّا علم بموت أخيه ملكشاه جمع الجيوش وأنفق الأموال، وسار يطلب السّلطنة، فمرّ بحلب وبها قسيم الدّولة أقْسُنْقُر فصالحه وصار معه، وأرسل إلى ياغي سيان صاحب أنطاكية، وإلى بوزان صاحبُ الرّها وحَرّان، يشير عليهما بطاعة تُتُش، فصاروا معه، وخطبوا له في بلادهم، وقصَدَوا الرَّحْبة، فملكوها في المحرّم سنة ستٍّ2. ثمّ سار بهم وحاصر نصيبين، فسبُّوه ونالوا منه، فغضب وأخذها عَنْوَةً، وقتل بها خلْقًا ونهبها. ثمّ سلّمها إلى محمد بن شرف الدّولة العُقَيْليّ، وقصدَ الموصل3.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 219".
2 البداية والنهاية "12/ 144".
3 الكامل في التاريخ "10/ 220"، والبداية والنهاية "12/ 144".

(33/18)


"وزارة ابن جهير":
واستوزر الكافي ابن فخر الدّولة بن جَهير، أتاه من جزرة ابن عمر1.
"وقعة المُضَيَّع":
وكان قد تغلَّب على الموصل إبراهيم بن قُرَيش أخو شرف الدّولة، فعمل معه مصَافًّا، وتُعرف بوقعة المُضَيَّع2، فكان هو في ثلاثين ألفًا، وكان تُتُش في عشرة آلاف فتمَّت الكسْرة على جيش إبراهيم، وأخِذ أسيرًا، ثمّ قُتِل صبْرًا3.
وقيل: إنّ تقدير القتلى من الفريقين عشرة آلاف، امتلأت الأيدي من السَّبْي والغنائم، حتّى أبيع الْجَمَل بدينار، وأمّا الغنم فقيل: أُبيعت مائة شاة بدينار. ولم يُشَاهد أبشع من هذه الوقعة، وقتل بعض نُسوان العرب أنفسهنَّ خوف الفضيحة، ومنهنّ من غرَّقت نفسَهَا.
وأقرَّ تُتُش على الموصل الأمير عليّ بن شرف الدّولة وأمّه صفيّة، وهي عمّة تُتُش، ثمّ بعث إلى بغداد يطلب تقليدًا بالسّلطنة، وساعده كوهرائين فتوقّفوا قليلًا4.
"استقامة الأمور لتاج الدّولة تتش":
وسار تُتُش فملك ميّافارقِين5، وديار بكر وقصد أَذَرْبَيْجَان6، وغلب على بعضها، فبادر بركياروق ليدفع عنه تتش عن البلاد، وقصده، فالتقيا، فقال قسيم الدّولة لبوزان: إنّما أطعنا هذا لننظر ما يكون من أولاد السّلطان، والآن فقد ظهر ابنُه هذا، وينبغي أن نكون معه، ففارقا تُتُش وتحوّلا بعسكرهما إلى بَركيَارُوق، فلمّا رأى ذلك تُتُش ضَعُف ورجع إلى الشّام، واستقام دست بركياروق7.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 144".
2 في الأصل: "المصنع" والتصحيح من الكامل "10/ 221".
3 الكامل في التاريخ "10/ 221".
4 الكامل في التاريخ "10/ 221، 222".
5 الكامل في التاريخ "10/ 222".
6 الكامل في التاريخ "10/ 222"، والتاريخ الباهر "13".
7 البداية والنهاية "12/ 145"، والكامل في التاريخ "10/ 223".

(33/19)


"تملك عسكر مصر مدينة صور":
وفيها في جُمَادى الآخرة جاء عسكر المصريّين، فتملِّكوا مدينة صور بمخامرة أهلها، وأُخِذ متولّيها إلى مصر، فقُتِل هو وجماعة1.
"امتناع الحجّ العراقي":
ولم يحجّ أحدٌ من العراق، بل خرج ركْبٌ من دمشق، فنهبهم أمير مكّة محمد بن أبي هاشم، وخرجت عليهم العُربان غير مرّة ونهبوهم، وتمزَّقوا، وقتِل جماعة، ورجع سلم في حالٍ عجيب2.
"الفتنة بين السُّنّة والرَّافضة":
وأمّا بغداد فهاجت فيها فتنةٌ مزعجة على العادة بين السُّنّة والرَّافضة3.
"دخول صدقة بن مزيد في خدمة السلطان ملكشاه":
وسار سيف الدّولة صَدَقَة بن مَزْيَد أميرُ العرب، فلقي السّلطان بركياروق بنَصِيبِين، وسار في خدمته إلى بغداد، فوصلها في ذي القعدة. وخرج عميد المُلْك ابن جَهير الوزير والنّاس معَه إلى لقائه4.
"وفاة جعفر بن المقتدي بالله":
ومات جعفر بن المقتدي بالله، وله ستُّ سِنين، وهو سِبْط السّلطان ملكشاه5.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 225".
2 الكامل في التاريخ "10/ 225".
3 الكامل في التاريخ "10/ 226".
4 الكامل في التاريخ "10/ 226".
5 البداية والنهاية "12/ 145"، والكامل في التاريخ "10/ 227".

(33/20)


أحداث سنة سبع وثمانين وأربعمائة:
"الخطبة لبركياروق بالسّلطنة":
في أوّلها خُطب للسّلطان بَركيَارُوق، ولُقِّب "رُكن الدّولة" وعلَّم الخليفة على تقليده1.
"وفاة الخليفة المقتدي":
ومات الخليفة المقتدي من الغد فجأة2.
"خلافة المستظهر":
وبويع بالخلافة ولده المستظهر3.
"قتْل تُتُش لآقْسُنْقُر صاحب حلب":
وأمّا تاج الدّولة تتش فإنه رجع وشرع يجمع العساكر، وصار قسيم الدّولة وبوزان ضدًّا له، وأمدَّهما بركياروق بعسكر، فكان بينهما مصافٌّ بتلّ السّلطان4، على بريد من حلب، فانهزم، جَمْع أقْسُنْقُر صاحب حلب، وثبت هو، فأُخِذ أسيرًا، وأُحضر بين يدي تُتُش، فقال له: لو كنتَ ظفرتَ بي ما كنت تفعل بي؟ قال: كنت أقتلك. فذبحهُ صبْرًا5.
"تغلّب تتش على حلب وغيرها":
وساق إلى حلب وقد دخلها المنهزمون، فحاصرها حتّى ملكها، وأخذ الأميرين بوزان وكربوقا أسيرين، فقتل بوزان6 ثمّ بعث برأسه إلى حران والرها، فخافوه،
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 229".
2 البداية والنهاية "12/ 146".
3 البداية والنهاية "12/ 146".
4 تل السلطان: موضع قريب من حلب فيه خان ومنزل للقوافل. قال ابن الأثير: بينه وبين حلب نحو ستة فراسخ "التاريخ الباهر 15".
5 الكامل في التاريخ "10/ 232".
6 البداية والنهاية "12/ 145"، وفيه "بوران".

(33/21)


وسلَّموا إليه البلدين1، وسجن كربوقا بحمص، ثمّ سار إلى بلاد الجزيرة فملكها، ثمّ ملك خِلاط وغيرها، ثمّ سار فافتتح أَذَرْبَيْجَان جميعها، وكثرت جيوشه واستفحل أمره2.
"سلطنة بركياروق على إصبهان":
وسار بركياروق في طلب عمّهِ، فبيَّتَه ليلةً عسكر تُتُش، فانهزم بَركيَارُوق في طائفة يسيرةٍ، ونُهِبت أثقالُه، فقصد إصبهان لمّا بلغه موت امرأة3 أبيه تُركان، ففتحوا له خديعةً، وقبضوا عليه، وأرادت الأمراء أن يكحلوه، فاتفق أن أخاه محمود بن السّلطان ملكشاه جدّر، فقال لهم الطّبيب4: ما رأيته يسْلَم، فلا تَعْجَلوا بكَحْل هذا، وأنتم تكرهون أن يملك تاج الدّولة تُتُش، فدعوا هذا حتّى تنظروا في أمركم، فمات محمود في سَلْخ شوّال وله سبْعٌ سنين، فملّكوا بركياروق، ووزر له مؤيّد المُلْك بن نظام المُلْك، لأن أخاه الوزير عزّ المُلْك مات بناحية الموصل مع السّلطان. فأخذ مؤيّد المُلْك يكاتب له الأمراء ويتألَّفهم، فقوي سلطانه وتمّ5.
"وفاة المستنصر بالله العُبَيْديّ":
وفيها: مات المستنصر بالله الرّافضيّ صاحب مصر6.
"خلافة المستعلي بالله":
وقام بعده ابنه المستعلي7.
"وفاة بدر أمير الجيوش":
وفيها: مات بدر أمير الجيوش قبل المستنصر بأشهر8.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 145".
2 الكامل في التاريخ "10/ 233".
3 في الأصل: "امرأت".
4 هو: أمين الدولة ابن التلميذ الطبيب كما في "الكامل 10/ 234".
5 الكامل في التاريخ "10/ 234، 235".
6 الكامل في التاريخ "10/ 237"، وتاريخ الخلفاء "426".
7 الكامل في التاريخ "10/ 237".
8 البداية والنهاية "12/ 147".

(33/22)


"وفاة أمير مكّة":
ومات محمد بن أبي هاشم الحسينيّ1 أمير مكّة، وقد نيّف على السّبعين وكان ظالمًا2 قليل الخير، أمرَ بنهب الرَّكْب في هذا العام.
"قتل تكش عمّ السلطان بركياروق":
وفيها قتل السّلطان بَركيَارُوق عمّه تكش وغرقه، وكان محبوسًا مكحولًا بقلعة تِكْريت، لأنّه اطّلع منه على مكاتبات3.
"وفاة الخاتون تُركان":
وكانت تُركان الخاتون قد بعثت جيشًا مع الأمير أُنَرْ4 لأخْذ فارس من الملك تورانشاه بن قاروت بك، فانهزم تورانشاه، وعمل معه مصافًّا، فانهزم أنر، ومات تورانشاه من سَهْم أصابه، ومرضت تُركان وهي بنت طمغان خان5 أحد ملوك الترك، وكان لها هيبة وصَوْلة، وأمرٌ مُطاع، لأنّها بنت ملك كبير، ولأنّ زوجها سلطان الوقت كان، وابنها ولي عهْد، وهي حماة المقتدر بالله، إلى غير ذلك، وكانت قد تجهَّزت تريد المسير إلى تاج الدّولة لتتزوّج به، فأدركها الأجَل، وأوصت بولدها إلى الأمير أُنَرْ، ولم يكن بقي له سوى إصبهان6.
"دخول الرّوم بَلَنْسِيَة":
وفيها: دخلت الروم -لعنهم الله- بَلَنْسِيَة7 صُلْحًا بعد حصار عشرين شهرًا8، فلا قوة إلا بالله.
__________
1 في الأصل: الحسين.
2 الكامل في التاريخ "10/ 239".
3 الكامل في التاريخ "10/ 239".
4 في الأصل: "أتر" والتصحيح من الكامل "10/ 240".
5 في الكامل: "طنغاج" "10/ 240".
6 الكامل في التاريخ "10/ 240".
7 بلنسية: مدينة مشهورة بالأندلس "معجم البلدان 1/ 490".
8 تاريخ الخلفاء "426".

(33/23)


أحداث سنة ثمان وثمانين وأربعمائة:
"قتْل صاحب سمرقند":
في المحرّم قتل أحمد خان صاحب سَمَرْقَنْد، وكان قد كرهه جُنْدُهُ واتَّهموه بالزَّنْدَقة، لأنّ السّلطان ملكشاه لمّا تملّك سَمَرْقَنْد وأسَرَ أحمد خان وَكَلّ به جماعة من الدَّيْلَم، فحسَّنوا له الانْحلال، وأخرجوه إلى الإباحة. فلمّا عاد إلى سَمَرْقَنْد كان يظهر منه الانحلال، وعصى طُغْرُل يَنال بقلعةٍ له، فسَار لحصاره، فتمكَّن الأمراء وقبضوا عليه، ورجعوا به، وأحضروا الفُقهاء، وأقاموا له خصومًا ادَّعوا عليه بالزَّنْدَقة، فأنكر، فشهدوا عليه، فأفتى العلماء بقتْله، فخنقوه، وملّكوا ابن عمّه1.
"انتهاب ابن أبق باجِسْرى وبعقوبا":
وفي صَفَر بعث تتش شَحْنة لبغداد، وهو يوسف بن أبق التُّرْكُمَانيّ، فجاء صَدَقَة بن مَزْيَد صاحِبُ الحلّة ومانَعه، فسار نحو طريق خُراسان، ونهب باجِسْرى2، وبَعْقُوبا3 أفْحَش نهْبٍ ثمّ عاد إلى بغداد، وقد راح منها صدَقَة، فدخلها وأراد نَهْبها، فمنعه أميرٌ معه، فجاء الخبر بقتْل تتش فترحّل إلى الشّام4.
"مقتل تاج الدّولة تتش":
وذلك أنّ تتش لمّا هزم بَرْكيارُوق سار بركياروق فحاصر هَمَذَان، ثمّ رحل عنها، ومرض بالْجُدَرِيّ، وقصد تتش إصبهان وكاتب الأمراء يدعوهم إلى طاعته، فتوقّفوا لينظروا ما يكون من بركياروق، فلمّا عُوفي فرحوا به، وأقبلت إليه العساكر حتّى صار في ثلاثين ألفًا والتقى هو وتتش بقرب الرّيّ فانكسر عسكر تتش، وقاتل هو حتّى قُتِل، قتله مملوكٌ لقسيم الدّولة، وأخذ بثأر مخدومه5.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 243، 244".
2 بلدة في شرقي بغداد "معجم البلدان 1/ 313".
3 يعقوبا: قرية كبيرة بينها وبين بغداد عشرة فراسخ من أعمال خراسان "معجم البلدان 1/ 453".
4 الكامل في التاريخ "10/ 244".
5 البداية والنهاية "12/ 148".

(33/24)


"تفرُّد بركياروق بالسّلطنة":
وانفرد بركياروق بالسّلطنة، ودانت له المماليك بعد أن انهزم من عمّه بالأمس في نفرٍ يسير إلى إصبهان، ولو اتّبعه عشرون فارسًا لأسروه، لأنّه بقي على باب إصبهان أيّامًا، ثمّ خدعوه وفتحوا له، ثمّ قبضوا عليه وهموا بكحْله فحُمّ أخوه محمود وجدَّر ومات فملّكوه عليهم، وشرعت سعادته1.
"تملّك رضوان بن تُتُش حلب":
وقد كان تُتُش بعث إلى ولده رضوان يأمره بالمجيء إلى بغداد، وينزل بدار السّلطنة، فسار في عسكرٍ كبير، فلمّا قارب هِيت2 جاءه نعيُ أبيه، فردّ إلى حلب، وتملّكها بعد أبيه، وجعل زوجَ أمّه جناحَ الدّولة حسينَ بنَ أيْدكين أتَابِكَه ومدبِّر دَولته، فأحسن السّياسة3.
وصالحهم صاحب أنطاكيّة ياغي سِيان التُّرْكُمَانيّ، فقصدوا ديار بكر، والتفّ عليهم نُوّابُ الأطراف الّذين لتتش، فساروا يريدون سَرُوج، فسبقهم إليهم الأمير سقمان بن أرتق، فحكم عليها4.
ثمّ ملك رضوان الرها، ووهبها لصاحب أنطاكيّة، ثمّ وقع بينهم اختلاف، فسار جناح الدّولة مُسرعًا إلى حلب، ثمّ قدِم رضوان5.
"تملُّك دُقَاق دمشق":
وأمّا أخوه دُقَاق الملك فإنّه كان في خدمة عمّه السّلطان ملكشاه، وهو صبيٌّ قد خطب ابنة السّلطان، وسار بعد موت عمّه مع تُركان إلى إصبهان. ثمّ خرج إلى بركياروق، فصار معه، ثمّ هرب إلى أبيه، وحضر مقتل أبيه، وهرب مع بعض المماليك إلى حلب، فبقي مع أخيه، فراسله الخادم ساوتِكِين متولّي قلعة دمشق سرًّا،
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 245".
2 هيت: بالكسر. بلدة على الفرات من نواحي بغداد.
3 الدرة المضية "444".
4 المختصر في أخبار البشر "2/ 206".
5 المختصر في اخبار البشر "2/ 206، 207".

(33/25)


يدعوه ليملّكه فهرب، وأرسل أخوه وراءه فوارس، فلم يُدركوه، وفرح الخادم بقدومه، وتملّك دمشق1.
"مجيء طغتكين إلى دمشق وتمكُّنه":
واتّفق مجيء طُغْتِكين هو وجماعة من خواصّ تتش قد سَلِموا، فخرج لتلقّيهم دُقَاق وأكرمهم، وقيل: كانوا أُسروا يوم المصافّ، ثمّ تخلّصوا، وكان طُغْتِكِين زوجَ أمِّ دُقَاق، فتمكَّن من الأمور، وعمل على قتل الخادم فقتله2.
"وزارة الخُوارَزْميّ":
وجاء إلى الخدمة ياغي سيان صاحب أنطاكيّة، ومعه أبو القاسم الخُوارَزْميّ، فاستوزره دُقَاق3.
"وفاة المعتمد بن عَبَّاد":
وفيها تُوُفّي المعتمد بن عَبَّاد مسجونًا بأغْمات4 وكان من محاسِن الدّنيا جُودًا، وشجاعةً، وسُؤْدُدًا، وفصاحةً، وأدبًا، وما أحسن قوله:
سلَّت عليَّ يدُ الخُطُوبِ سُيوفَها ... فَجَذَذْنَ من جَسَدي الخصيب الأفتنا
ضرَبَتْ بها أيدي الخطوبِ وإنّما ... ضَرَبَتْ رقابَ الآمِلينَ بنا المُنى
يا آملي العاداتِ من نَفَحاتنا ... كُفُّوا فإنّ الدّهرَ كفَّ أكُفَّنا5
"وفاة الوزير أبي شجاع":
وفيها: توفي الوزير أبو شجاع وزير الخلفة مجاورًا بالمدينة6.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 148".
2 الكامل في التاريخ "10/ 248".
3 البداية والنهاية "12/ 149".
4 الكامل في التاريخ "10/ 248".
5 الأبيات في "الكامل في التاريخ 10/ 249".
6 الكامل في التاريخ "10/ 250".

(33/26)


"بناء سور الحريم ببغداد":
وفيها: عملوا سور الحريم ببغداد، فزيّنوا البلد لذلك، وعملوا القباب والمغاني، وجدّوا فيه1.
"جرْح السّلطان بركياروق":
وفي رمضان وثب رجلٌ فجرح السّلطان بركياروق2.
"قدوم الغزالي الشام وتصنيفه كتاب الإحياء":
وفيها: قدِم الغزاليّ رحمه الله إلى الشّام متزهِّدًا، وصنَّف كتاب " الإحياء " واسْمَعَه بدمشق، وأقام بها سنتين، ثمّ حجّ، وسار إلى خُراسان3.
"وزارة فخر المُلْك لبركياروق":
وفيها: عزل بَركيارُوق مؤيّد المُلْك بن نظام المُلْك من الوزارة بأخيه فخر الملك4.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 149".
2 البداية والنهاية "12/ 149".
3 الكامل في التاريخ "10/ 252"، والبداية والنهاية "12/ 149".
4 الكامل في التاريخ "10/ 252".

(33/27)


أحداث سنة تسع وثمانين وأربعمائة:
"تملُّك كربوقا الموصل":
قد ذكرنا أنّ تُتُش سجنه فأطلقه رضوان بن تتش، وأطلق أخاه ألْتُونْتاش، فالتفّ عليهما كثيرٌ من العسكر البطّالين، فأتيا حرّان، وجاء إليهما محمد بن شرف الدّولة مسلم بن قُريش يستنصِر بهما على أخيه علي صاحب الموصل من جهة تتش، فسار كربوقا، ثمّ غدر بمحمد، وقبض عليه، وغرَّقه، ونازل الموصل على فَرْسخٍ منها، ونزل أخوه ألْتُونْتاش من الجهة الأخرى، فجاء صاحب الجزيرة العُمرية جكرمِش ليكشف عنهم، فهزمه ألْتُونْتاش، وطالت مصابرتهما لأهل الموصل حتّى عُدِمت بها الأقوات، وكلّ شيء حتّى ما يوقدونه، ودام الحصار تسعة أشهر، ففارقها صاحبُها،

(33/27)


وسار إلى الحلّة إلى الأمير صَدَقَة، واستولى كربوقا على الموصل، وشرع ألْتُونْتاش في مُصادرة النّاس، فقتله أخوه وأحسن السّيرة، ثمّ سار فملك الرَّحْبة1.
"اجتماع الكواكب السبعة وغرق الحجّاج":
وفيها: اجتمعت الكواكب السَّبعة، سوى زُحَل في برج الحوت، فحكم المُنجِّمون بطوفانٍ يقارب طوفانَ نوح، فاتّفق أنّ الحُجَّاج نزلوا في وادي المناقب2، فأتاهم سَيْلٌ، فغرق أكثرهم. كذا ذكر "ابن الأثير"3، ونجا من تعلَّق بالجبال، وذهبت الْجِمال والأزواد4.
"تدريس الطَّبريّ بالنّظامية":
وفيها: درّس بالنّظامية ببغداد أبو عبد الله الطَّبَريّ الفقيه5.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 152".
2 في الكامل "المياقت".
3 الكامل في التاريخ "10/ 259، 260".
4 سير أعلام النبلاء "19/ 100"، والبداية والنهاية "12/ 152".
5 البداية والنهاية "12/ 152".

(33/28)


أحداث سنة تسعين وأربعمائة:
"قتل الملك أرسلان أرغون":
فيها: قُتِل الملك أرسلان أَرْغُون، ابن السّلطان ألْب أرسلان السَّلْجُوقيّ بمَرْو، وكان قد حكمَ على خُراسان. وسبب قتله أنّه كان مؤذيًا لغلمانه، جبّارًا عليهم، فوثب عليه غلامٌ بسِكّين قتله1.
وكان قد ملك مَرْو، وبَلْخ، ونَيْسابور، وتِرْمِذ، وأساء السّيرة، وخرّب أسوار مُدُن خُراسان، وصادر وزيره عماد المُلْك بن نظام المُلْك وأخذ منه ثلاثمائة ألف دينار، ثمّ قتله2.
__________
1 دول الإسلام "2/ 18".
2 الكامل في التاريخ "10/ 262-264".

(33/28)


"عصيان متولي صور وقتله":
وفيها: عصى متولّي صور على المصريّين، فسار لحربه جيش، وحاصروه، ثمّ افتتحوها عَنْوَةً وقتلوا بها خلْقًا ونهبوها، وحُمِل واليها إلى مصر، فقُتِل بها1.
"تسلُّم بركياروق سائر خراسان":
وكان بَركيَارُوق قد جهَّز العساكر مع أخيه الملك سَنْجَر لقتال عمّه أرسلان أرغون المتغلِّب على خُراسان، فلمْا بلغوا الدّامَغان أتاهم قتْلُه، ثمّ لحِقهم السّلطان بَركيارُوق، وسار إلى نَيْسابور، فتسلَّمها ثمّ تسلّم سائر خُراسان بلا قتال، ثمّ نازل بلْخ وتسلّمها، وبقي بها سبعة أشهر، وخطبوا له بسَمَرْقَنْد، وغيرها، ودانت له البلاد، وخضعت له العباد، واستعمل أخاه سنجر على خُراسان، ورتَّب في خدمته من يسوس الممالك، لأنّه كان حَدَثًا2.
"ولاية محمد بن أنوشتكين على خُوارَزْم":
وفيها: أقرَّ بركياروق الأمير محمد بنَ أَنُوشتِكِين على خُوارَزْم، وكان أبوه مملوك الأمير بلكابك3 السلجوقي، فطلع نحيبًا، كامل الأوصاف، فولد له محمد هذا، فعلِّمه وأدَّبه، وترقِّت به الحال إلى أن ولي خُوارَزْم، ولُقِّب خُوارَزْم شاه.
وكان كريمًا، عادلًا، محسِنًا، مُحِبًّا للعلماء، فلمّا تملك السّلطان سنجر أقرَّ محمدًا على خُوارَزْم، ولمّا تُوُفّي ولي بعده ولده أتسز بن خُوارَزْم فمدَّ ظُلَل الأمن، ونَشَر العدل، وكان عزيزًا على السّلطان سنجر، واصلًا عنده لشهامته وكفايته وشجاعته، وهو والد السّلطان خُوارَزْم شاه محمد الذي خرج عليه جنكزخان4.
"انهزام دُقَاق عند قنّسرين أمام أخيه":
وفيها: نازل رضوان صاحب حلب مدينة دمشق؛ ليأخذها من أخيه دقاق، فرأى
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 264".
2 الكامل في التاريخ "10/ 265".
3 في الكامل "بلكباك".
4 البداية والنهاية "12/ 154".

(33/29)


حصانتها، فسَار ليأخذ القدس فلم يُمكنه، وانقطعت عنه العساكر. وكان معه ياغي سِيان ملك أنطاكيّة، فانفصل عنه، وأتى دمشق، وحسّن لدُقَاق محاصرةَ حلب، فسَار معه، واستنجد رضوان بسُقْمان بن أرتق، فنجده بجيش التُّركمان، وخاض الفُرات إليه. والتقى دقاق ورضوان بقنسرين، فانهزم وجَمْعه، ونُهِبوا، ورجعوا بأسوأ حال. ثمّ قُدّم رضوان في الخطبة على أخيه بدمشق، واصطلحا1.
"الخطبة للمستعلي بالله بولاية رضوان بن تتش":
وفيها: خُطب للمستعلي بالله المصريّ في ولاية رضوان بن تُتُش، لأنّ جناح الدّولة زوج أمّ رضوان رأى من رضوان تغيُّرًا، فسَار إلى حمص، وهي يومئذٍ له، فجاء حينئذٍ ياغي سيان إلى حلب، وصالح رضوان، وكان لرضوان منجمٌ باطني اسمه أسعد، فحسّن له مذهب المصريّين، وأتته رُسُل المستعلي تدعوه إلى طاعته، على أن يمدّه بالجيوش، ويبعث له الأموال ليتملّك دمشق، فخطب للمستعلي بحلب، وأنطاكيّة، والمَعَرّة، وشَيْزَر شهرًا. فجاءه سُقْمان، وياغي سِيان، فأنكرا عليه وخوّفاه، فأعاد الخُطْبة العبّاسيّة2.
"منازلة الفرنْج أنطاكيّة":
وردّ ياغي سِيان إلى أنطاكية، فما استقرّ بها حتّى نازَلَتْها الفرنج يحاصرونها3.
وكانوا قد خرجوا في هذه السّنة في جَمْعٍ كثير، وافتتحوا نيقية، وهو أوّل بلدٍ افتتحوه، ووصلوا إلى فامية، وكَفِرْطَاب، واستباحوا تلك النّواحي. فكان هذا أوّل مظهر من الفرنْج بالشّام، قدِموا في بحر القُسطنطينيّة في جَمْعٍ عظيمٍ، وانزعجت الملوك والرّعيّة، وعظُم الخَطْب، ولا سيما سلطان بلاد الرّوم سليمان، فجمع وحشد، واستخدم خلقًا من التركمان، وزحف إلى معابرهم، فأوقع بخلقٍ من الفرنْج، ثمّ إنّهم التقوه، ففلّوا جَمْعَه، وأسروا عسكره، واشتدّ القلق وزاد الفَرَق، وكان المصافّ في رجب4.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 269".
2 الكامل في التاريخ "10/ 269، 270".
3 نهاية الأرب "27/ 73".
4 دول الإسلام "2/ 19".

(33/30)


بسم الله الرحمن الرحيم
وفيات الطبقة التاسعة والأربعون:
فيات سنة إحدى وثمانين وأربعمائة:
"حرف الألف":
1- أحمد بن إبراهيم:
أبو بكر القُرَشيّ الدّرْعيّ الهَرَويّ.
تُوُفّي بهَرَاة في شهر صَفَر.
سمع: أبا الفضل الجاروديّ
2- أحمد بن عبد الصّمد بن أبي الفضل1:
أبو بكر الغُورَجيّ2 الهَرَويّ التّاجر.
سمع "الجامع" لأبي عيسى من الجرّاح.
روى عنه: المؤتمن السّاجيّ، وعبد الملك الكَرُوخيّ.
وتُوُفّي في ذي الحجّة بهَرَاة.
وثّقه الحسين بن محمد الكُتُبيّ3.
3- أحمد بن محمد بن حسن بن خضر4.
أبو طاهر الجواليقيّ5، والد أبي منصور الجواليقيّ.
كان صالحًا صحيح السماع6.
__________
1 انظره في الكامل في التاريخ "10/ 168"، وسير أعلام النبلاء "19/ 7" رقم "3".
2 الغورجي: غورج: قرية من قرى هراة "معجم البلدان "4/ 216".
3 التقييد "148".
4 انظره في الأنساب "3/ 336، 337".
5 الجواليقي: نسبة إلى الجواليق، وهي جمع جوالق. الأنساب "3/ 335".
6 وقال ابن السمعاني: والد شيخنا أبي منصور كان شيخًا سديدًا "الأنساب".

(33/31)


سمع: أبا القاسم بن بِشْران.
وعنه: عبد الوهّاب الأنماطيّ.
4-أحمد بْن محمد بْن أحمد:
أبو نصر الثّعالبيّ1 الصُّوفيّ.
تُوُفّي في رجب بخراسان.
روى عنه: ابن محمش، وأبي عبد الرحمن السلمي، وجماعة.
5 -أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه:
أَبُو الفضل الرصاص الأصبهاني.
سمع: محمد بن إبراهيم الجرجاني.
وعنه: مسعود الثقفي، والرستمي.
توفي في هذه السنة تقريبا.
6- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم2:
أَبُو إِسْحَاق الأصبهاني الطيان القفال.
سمع: إبراهيم بن خرشيد قوله.
وعنه: مسعود الثقفي، والرستمي.
توفي في صفر3.
وقد سئل أبو سعد البغدادي عنه فقال: شيخ صالح. سمعت أنّه كان يخدم ابن خُرَّشِيد قُولَه في صِغَره، وما سمعتُ فيه إلّا خيرًا.
7- إسماعيل بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه4.
أَبُو الفضل الدّلشاذيّ الفقيه.
__________
1 الثعالبي: نسبة إلى خياطة جلود الثعالب وعمل الفراء منها. "الأنساب".
2 انظره في الإعلام بوفيات الأعلام "198".
3 قال ابن السَّمعانيّ: تُوُفّيّ في حدود سنة ثمانين وأربعمائة "الأنساب".
4 انظره في: المنتخب من السياق "143، 144"، رقم "328".

(33/32)


من تلامذة أبي محمد الجُوينيّ.
صالح مستور.
حدَّث عن: أبي القاسم عبد الرحمن السّرّاج، وأبي بكر الحِيريّ، وأبي سعيد الصَّيَرْفيّ.
روى عنه: عبد الغافر الفارسيّ، وقال: تُوُفّي في الحادي والعشرين من المحرّم.
8- إسماعيل بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن محمد بن نوح1.
القاضي الخطيب أبو محمد النُّوحيّ2 السَّمَرْقَنْديّ.
تُوُفّي يوم عيد الأضحى.
وحدَّث عن: جعفر المستغفِريّ.
وعنه: عمر بن محمد النَّسَفيّ، وغيره.
وعاش تسعًا وخمسين سنة3.
"حرف الجيم":
9- جعفر بن حيدر4.
أبو المعالي العَلَويّ الهَرَويّ الزّاهد.
أحد الكبار، بنى بهَرَاة الخانقاه.
وكان له مريدون وأصحاب أشعريّون.
سمع: عبد الغافر الفارسيّ5، وجماعة.
__________
1 انظره في: الأنساب "12/ 151".
2 النوحي: هذه النسبة إلى نوح، وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه.
3 قال ابن السمعاني: كتب الحديث بسمرقند وجلس فيها للعامة كثيرًا، وخطب على منبر سمرقند، وكانت ولادته في شعبان سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
4 المنتخب من السياق "176" رقم "463".
5 سمع منه "صحيح مسلم" وسمع مشايخ الوقت كابن مسرور وشيخ الإسلام.

(33/33)


"حرف الحاء":
10- حَجّاج بن قاسم1:
أبو محمد المأمونيّ السّبْتيّ الفقيه.
سمع من: أبيه؛ وبمكّة من: أبي ذَرّ عبدٍ الهَرَويّ، وأبي بكر المُطَّوِّعيّ2.
وسكن المَرِية، وصار رئيس علمائها. وبعد ذلك انتقل إلى سَبْتَة.
وحدَّث "بصحيح البخاريّ".
سمع منه: قاضي القضاة أبو محمد بن منصور، وأبو عليّ بن طريف، وأبو القاسم بن العجوز وكان أبوه القاسم ابن محمد الرُّعَيْنيّ ممّن لقي ابن أبي زيد، تُوُفّي سنة ثمانٍ وأربعين "ث": يعني أباه.
11- الحسن بْن محمد بْن الحسن3.
أبو القاسم الخَوَافيّ4. نزيل نَيْسابور.
سمع من: ابن مَحْمِش، وعبد اللَّه بن يوسف، والسُّلَميّ.
روى عنه: أبو البركات الفُراويّ، وعائشة بنت الصّفّار، ومحمد بن الحسن الزُّوزَنيّ.
قال ابن السَّمعانيّ: مات بعد سنة ثمانين.
"حرف العين":
12- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن جعفر بن منصور بن مَتّ5.
شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاريّ الهرويّ الحافظ العارف.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 7، 8".
2 نسبة إلى المطوعة، وهم جماعة فرغوا أنفسهم للغزو ومرابطة الثغور "اللباب 3/ 226".
3 المنتخب من السياق "188" رقم "530".
4 الخوافي: نسبة إلى خواف، وهي من نواحي نيسابور "الأنساب "5/ 199".
5 سير أعلام النبلاء "18/ 503-518" رقم "260".

(33/34)


من ولد صاحب النّبيّ صلى الله عليه وسلم أبي أيّوب الأنصاريّ.
قال أبو النَّضْر الفامي: كان بكر الزمان وواسطة عقد المعاني، وصورة الإقبال، في فنون الفضائل، وأنواع المحاسن، منها نضرة الدّين والسُّنّة من غير مداهنةٍ ولا مراقبة لسلطان ولا وزير. وقد قاسى بذلك قصْد الحُسّاد في كلّ وقت، وسَعَوا في روْحه مرارًا، وعمدوا إلى هلاكه أطْوارًا فوقاه الله شرّهم، وجعل قَصْدهم أقوى سببٍ لارتفاع شأنه1.
قلت: سمع من: عبد الجبّار الْجَرَّاحيّ "جامع التِّرْمِذِيّ"؛ وسمع من: الحافظ أبي الفضل محمد بن أحمد الجاروديّ، والقاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزديّ، وأحمد بن محمد بن العالي، ويحيى بن عمّار السِّجْزيّ المفسّر، ومحمد بن جبريل بن ماحٍ، وأبي يعقوب القَرّاب، وأبي ذَرّ عبد بن أحمد الهَرَويّ.
ورحل إلى نَيّسابور، فسمع من: محمد بن موسى الحرشيّ، وأحمد بن محمد السّليطيّ، وعلي ن محمد الطّرّازيّ الحنبليّ أصحاب الأصمّ، والحافظ أحمد بن عليّ بن فَنْجُوَيْه الأصبهاني.
وسمع من خلقٍ كثير بهراة، أصحاب الرّفّاء فمن بعدهم.
وصنَّف كتاب "الفاروق في الصّفات" وكتاب "ذمّ الكلام" وكتاب "الأربعين حديثًا" في السُّنَّة. وكان جِذْعًا في أعين المتكلِّمين، وسيفًا مسلولا على المخالفين، وطودًا في السّنة لا تزعزعه الرّياح. وقد امْتُحِن مرَّاتٍ.
قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعتُ أبا إسماعيل الأنصاريّ يقول بهَرَاة: عُرِضتُ على السَّيف خمس مرّات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبهم، لكن يقال لي: اسكُت عمّن خالفك، فأقول: لا أسكت2.
وسمعته يقول: أحفظ اثني عشر ألف حديث أَسْرُدُها سَردًا3.
قلت: خرّج أبو إسماعيل خلْقًا كثيرًا بهَرَاة، وفسّر القرآن زمانًا، وفضائله كثيرة.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 510".
2 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 53، 54".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 509".

(33/35)


وله في السُّوق كتاب "منازل السّائرين"1 وهو كتاب نفيس في التَّصوُّف، ورأيت الاتحاديّة تعظّم هذا الكتاب وتنتحله، وتزعم أنّه على تصوّفهم الفلسفيّ.
وقد كان شيخنا ابن تيمية بعد تعظيمه لشيخ الإسلام يحطّ عليه ويرميه بالعظائم سبب ما في هذا الكتاب. نسأل الله العفو.
وله قصيدة في السُّنّة2، وله كتاب في مناقب أحمد بن حنبل، وتصانيف أُخر لا تحضُرني.
روى عنه: المؤتمن السّاجيّ، ومحمد بن طاهر المقدسيّ، وعبد الله بن أحمد السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الصّبور بن عبد السّلام الهَرَويّ، وعبد الملك الكَرُوخيّ، وأبو الفتح محمد بن إسماعيل الفاميّ، وعطاء بن أبي الفضل المعلّم، وحنبل بن عليّ البخاريّ، وأبو الوقت عبد الأوّل، وعبد الجليل بن أبي سعد، وخلْق سواهم.
وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيّار.
قال السِّلَفيّ: سألت المؤتمن عنه فقال: كان آيةً في لسان التّذكير والتّصوُّف، من سلاطين العلماء3.
سمع ببغداد من أبي محمد الخلّال، وغيره.
يروي في مجالس وعْظِه أحاديث بالإسناد، ويَنْهَى عن تعليقها عنه.
وكان بارعًا في اللُّغة، حافظًا للحديث، قرأت عليه كتاب "ذمّ الكلام"، وكان قد روى فيه حديثًا عن: عليّ بن بُشْرى، عن أبي عبد الله بن مَنْدَهْ، عن إبراهيم بن مرزوق.
فقلت له: هذا هكذا؟ قال: نعم. وإبراهيم هو شيخ الأصمّ وطبقته. وهو إلى الآن في كتابه على هذا الوجه4.
قلتُ: وكذا سقط عليه رجلان في حديثين مخرجين من "جامع الترمذي".
__________
1 طبع مع شرحه "مدارج السالكين" لابن قيم الجوزية.
2 طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى "2/ 248".
3 التقييد لابن نقطة "323".
4 التقييد "323، 324".

(33/36)


وكذا، وقعت لنا في "ذمّ الكلام" نبّهت عليه في نسختين، واعتقدتها سقطت على
"المنتقى من ذمّ الكلام" ثمّ رأيت غير نسخةٍ كما في "المنتقى"1.
قال المؤتَمَن: وكان يدخل على الأمراء والجبابرة، فما كان يُبالي بهم، وكان يرى الغريب من المحدِّثين، فيُكْرمه إكرامًا يتعجَّب منه الخاصّ والعام2.
وقال لي مرّة: هذا الشّأن شأن من ليس له شأن سوى هذا الشّأن3. يعني طَلَب الحديث.
وسمعته يقول: تركت الحِيريّ لله، يعني القاضي أبا بكر أحمد بن الحسن صاحب الأصمّ4.
قال: وإنّما تركه لأنّه سمع منه شيئًا يخالف السُّنّة5.
وقال: أبو عبد الله الحسين بن عليّ الكُتُبيّ في "تاريخه": خرّج شيخ الإسلام لجماعة الفوائد بخطّه، إلى أن ذهب بصره، فلمّا ذهبَ بصرُهُ أمر واحدًا بأن يكتب لهم ما يخرِّج، ثمّ يصحّح عليه، وكان يخرّج لهم متبرعًا لحبّه للحديث، وقد تواضع بأن خرَّج لي فوائد. ولم يبق أحدٌ خرّج له سواي6.
وقال الحافظ محمد بن طاهر: سمعتُ أبا إسماعيل الأنصاريّ، يقول: إذا ذكرتُ التّفسير، فإنّما أذكره من مائةٍ وسبعة تفاسير7.
وسمعت أبا إسماعيل ينشد على المنبر:
أنا حنبليٌّ ما حَييت وإنّ أمُت
فوصيّتي للنّاس أن يتحنبلوا8
وسمعتُ أبا إسماعيل يقول: لمّا قصدتُ الشّيخ أبا الحسن الحرقاني الصوفي،
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 505، 506".
2 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 60".
3 التقييد "324".
4 المنتخب من السياق "285".
5 سير أعلام النبلاء "18/ 506".
6 تذكرة الحفاظ "3/ 1186"، وسير أعلام النبلاء "18/ 506".
7 الذيل على طبقات الحنابلة "1/ 58".
8 الذيل على طبقات الحنابلة "1/ 53".

(33/37)


وعزمتُ على الرّجوع، وقع في نفسي أنّ أقصد أبا حاتم بن حاموش الحافظ بالرَّيّ وألتقي به وكان مقدَّم أهل السُّنّة بالرَّيّ، وذلك أنّ السّلطان محمود بن سُبُكْتِكِين لمّا دخل الرَّيّ، وقتل بها البّاطنيّة، منع سائر الفِرَق من الكلام على المنابر، غير أبي حاتم، وكان مَن دخل الرّيّ مِن سائر الفِرَق، يعرض اعتقاده عليه، فإنْ رَضَيَه إذِن له في الكلام على النّاس وإلّا منعه، فلمّا قَرُبْتُ من الرَّيّ كان معي في الطّريق رجلٌ مَن أهلها، فسألني عن مذهبي.
فقلت: أنا حنبليٌّ. فقال: مذهبٌ ما سمعتُ به وهذه بدْعة. وأخذ بثوبي وقال: لا أفارقك حتّى أذهب بك إلى الشّيخ أبي حاتم. فقلت: خيْرة.
فذهب بي إلى داره، وكان له ذلك اليوم مجلسٌ عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهبًا لم أسمع به قطّ.
قال: ما قال؟ قال: أنا حنبلي.
فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبليًّا فليس بمُسلمٍ.
فقُلت: الرجلُ كما وُصِف لي: ولزِمْتُه أيّامًا وانصرفت1.
قال ابن طاهر: حكى لي أصحابنا أنّ السّلطان ألْب أرسلان قدِم هَرَاة ومعه وزيره نظام المُلْك، فاجتمع إليه أئمّة الفريقين من الشّافعيّة والحنفيّة للشّكاية من الأنصاريّ، ومطالبته بالمناظرة. فاستدعاه الوزير، فلمّا حضر قال: إنّ هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك، فإنّ يكن الحقّ معك رجعوا إلى مذهبك، وإنّ يكن الحقّ معهم إمّا أن ترجع وإمّا أن تسكت عنهم.
فقام الأنصاريّ وقال: أناظر على ما في كُمَّيَّ؟
فقال: وما في كُمَّيْكَ؟ قال: كتاب الله، وأشار إلى كُمِّه الأيمن، وسُنَّة رسوله، وأشار إلى كُمِّه اليسار، وكان فيه "الصّحيحان".
فنظر الوزير إليهم كالمستفهم لهم، فلم يكن فيهم مَن يمكنه أن يناظره من هذا الطريق2.
__________
1 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 51، 52".
2 الذيل على طبقات الحنابلة "1/ 54".

(33/38)


وسمعتُ أحمد بن أميرجة القَلانسِيّ خادم الأنصاريّ يقول: حضرتُ مع شيخ الإسلام على الوزير أبي عليّ، يعني نظام المُلْك، وكان أصحابه كلّفوه الخروج إليه، وذلك بعد المحنة ورجوعه من بلْخ.
قلتُ: وكان قد غُرِّب عن هَرَاة إلى بَلْخ.
قال: فلمّا دخل عليه أكرمه وبجله، وكان في العسكر أئمّة الفريقين. في ذلك اليوم، قد علموا أنّ الشّيخ يأتي، فاتَّفقوا على أن يسألوه عن مسألةٍ بين يدي الوزير، فإنْ أجاب بما يجيب بهراة سقط عين الوزير، وإنْ لم يُجِبْ سقط من عيون أصحابه، فلمّا استقرّ به المجلس قال العلوي الدبوسي: يأذن الشيخ الإمام في أن أسأل مسألة.
قال: سَلْ.
فقال: لِمَ تَلْعن أبا الحسن الأشعريّ؟ فسكت، وأطرق الوزير، فلمّا كان بعد ساعةٍ، قال له الوزير: أَجِبْه.
فقال: لا أعرف الأشعريّ، وإنّما ألعَن من لم يعتقد أنّ الله في السّماء، وأنّ القرآن في المصحف، وأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نبيٌّ غير خطّاء.
ثمّ قام وانصرف، فلم يمكن أحدٌ أن يتكلّم بكلمةٍ من هيبته وصلابته وصَوْلته، فقال الوزير للسّائل أو مَن معَه: هذا أردتم، كنّا نسمع أنّه يذكر هذا بهَرَاة، فاجتهدتم حتّى سمعناه بآذاننا. وما عسى أن أفعل به؟ ثمّ بعث خلقه خِلَعًا وصِلَةً، فلم يقبلْها، وخرج من فوره إلى هَرَاة ولم يتلبّث1.
قال: وسمعت أصحابنا بهَرَاة يقولون: لمّا قدم السّلطان ألْب أرسلان هَرَاة في بعض قِدْماته اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل الأنصاريّ، وسلّموا عليه وقالوا: قد وَرَدَ السّلطان، ونحن على عزْمٍ أنْ نخرج ونسلّم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسّلام على الشّيخ الإمام، ثمّ نخرج إلى هناك.
وكانوا قد تواطئوا على أن حملوا معهم صنمًا من نحاس صغيرًا، وجعلوه في المحارب تحت سجّادة الشّيخ، وخرجوا. وذهبَ الشّيخ إلى خلوته.
__________
1 الذيل على طبقات الحنابلة "1/ 54، 55".

(33/39)


ودخلوا على السّلطان، واستغاثوا من الأنصاريّ أنّه مجسِّم، وأنّه يترك في محرابه صَنَمًا، ويقول إنّ الله على صورته، وإنْ بعث السلطانُ الآن يجد الصَّنَم في قِبْلة مسجده.
فعظُم ذلك على السّلطان، وبعث غلامًا ومعه جماعة، ودخلوا الدّار وقصدوا المحراب، وأخذوا الصَّنَم من تحت السّجّادة، ورجع الغلام بالصّنم، فوضعه بين يدي السّلطان، فبعث السّلطان من أحضر الأنصاريّ، فلمّا دخل رأى مشايخ البلد جلوسًا، ورأى ذلك الصَّنِم بين يدي السّلطان مطروحًا، والسّلطان قد اشتدّ غضبه، فقال له السّلطان: ما هذا؟ قال: هذا صنمٌ يُعْمل من الصُّفْر شِبْه اللُّعْبة.
قال: لست عن هذا أسألك.
فقال: فَعَمّ يسألني السّلطان؟ قال: إنّ هؤلاء يزعمون أنّك تعبد هذا، وأنّك تقول: إنّ الله على صورته.
فقال الأنصاريّ: سبحانك، هذا بُهْتَانٌ عظيم. بصوتٍ جَهُوريّ وصَوْلَة، فوقع في قلب السّلطان أنَّهم كذبوا عليه، فأمرَ به فأُخْرِج إلى داره مكرمًا.
وقال لهم: أصدِقُوني. وهددهم، فقالوا: نحن في يد هذا الرّجل في بليةٍ من استيلائه علينا بالعامّة، فأردنا أنْ نقطع شرّه عنّا، فأمَرَ بهم، ووكّلّ بكلٍّ منهم، ولم يرجع إلى منزله حتّى كتب بخطّه بمبلغٍ عظيم يحمله إلى الخزانة.
وسَلِموا بأرواحهم بعد الهوان والجناية1.
وقال أبو الوقت السِّجْزيّ: دخلت نَيْسابور، وحضرتُ عند الأستاذ أبي المعالي الْجُوَينيّ فقال: مَن أنت؟ قلت: خادم الشّيخ أبي إسماعيل الأنصاريّ.
فقال: رضي الله عنه2.
وعن أبي رجاء الحاجّيّ قال: سمعتُ شيخ الإسلام عبد الله الأنصاريّ يقول: أَبُو عَبْد اللَّه بْن مَنْدَه سيّد أهل زمانه.
__________
1 الذيل على طبقات الحنابلة "1/ 55، 56".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 513".

(33/40)


وقال شيخ الإسلام في بعض كُتُبه: أنا أبو بكر أحمد بن عليّ بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني أحفظ مَن رأيت مِن البشر.
وقال ابن طاهر: سمعتُ أبا إسماعيل الأنصاريّ يقول: كتاب أبي عيسى التِّرْمِذِيّ عندي أفْيَد من كتاب البخاري ومسلم.
قلتُ: لِمَ؟ فقال: لأنّ كتاب البخاري ومسلم لا يصل إلى الفائدة منهما إلّا مَن يكون مَن أهل المعرفة التّامّة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه وبيَّنها فيصل إلى فائدته كلّ واحدٍ من النّاس من الفُقَهاء، والمحدِّثين، وغيرهم1.
قال ابن السَّمعانيّ: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن عبد الله الأنصاريّ، فقال: إمام حافظ2.
وقال في ترجمته عبد الغافر بن إسماعيل3 كان علي حظ تام من المعرفة العربيّة، والحديث، والتّواريخ والأنساب، إمامًا كاملًا في التّفسير، حَسَن السّيرة في التَّصوُّف، غير مشتغلٍ بكسبٍ، مُكْتَفيا بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في السنة مرة ومرتين على رأس الملأ، فيحصل على ألوفٍ من الدّنانير، وأعدادٍ من الثّياب والحُلِيّ، فيجمعها ويفرقها على القصّاب والخبَّاز، وينفق منها، ولا يأخذ من السّلاطين ولا من أركان الدّولة شيئًا، وقلَّ ما يُراعيهم، ولا يدخل عليهم، ولا يُبالي بهم، فبقي عزيزًا مقبولًا أتمّ من الملك، مُطاع الأمر، قريبًا من ستّين سنة، من غير مزاحمة.
وكان إذا حضر المجلس لبس الثّياب الفاخرة، وركب الدّوابّ الثّمينة، ويقول: إنّما أفعل هذا إعزازًا للدّين، ورغْمًا لأعدائه، حتّى ينظروا إلى عزّي وتحمُّلي، ويرغبوا في الإسلام، ثمّ إذا انصرف إلى بيته عاد إلى المُرَقَّعَة، والقُعُود مع الصُّوفيّة في الخانقاه، يأكل معهم، ولا يتميَّز في المطعوم ولا في الملبوس.
وعنه أخذ أهل هَرَاة، التَّكْبير بالصُّبح، وتسمية أولادهم في الأغلب بالعبد المضاف إلى أسماءِ الله، كَعَبْد الهادي، وعبد الخلّاق، وعبد المعز4.
__________
1 في الأصل: "وغيرهما" والمثبت عن: الذيل على طبقات الحنابلة "1/ 59".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 513".
3 الذيل على طبقات الحنابلة "1/ 64" باختلاف يسير في الألفاظ.
4 الذيل على طبقات الحنابلة "1/ 65".

(33/41)


قال ابن السّمعانيّ: كان مُظْهِرًا للسُّنَّة، داعيا إلهيًّا، محرِّضًا عليها، وكان مكتفيا بما يباسط به المُريدين، ما كان يأخذ من الظَّلَمة والسلاطين شيئًا، وما كان يتعدى إطلاقًا ما ورد في الظّواهر من الكتاب والسُّنَّة، معتقدًا ما صحّ، غير مصرِّحٍ بما يقتضيه من تشبيه1.
نُقِل عنه أنّه قال: من لم ير مجلسي وتذكيري وطعَن فيَّ، فهو في حِلٍّ.
ومولده سنة ست وتسعين وثلاثمائة.
وقال أبو النَّضْر الفاميّ: تُوُفّي رحمه الله في ذي الحجّة.
وقد جاوز أربعًا وثمانين سنة.
13- عبد العزيز بن طاهر بن الحسين بن عليّ2.
أبو طاهر البغداديّ الصَّحراويّ.
زاهد، عابد، قانت. لازم التَّفرُّد والعُزلة.
روى شيئًا يسيرًا عن: أبي الحسن بن رزقوَيْه، وعثمان بن دُوَسْت العلّاف.
تُوُفّي في شعبان.
14- عبد الكريم بن أبي حنيفة بن العباس3.
أبو المظفر الأندقي4 البخاري، شيخ الحنفية في زمانه.
ولد بما وراء النهر.
تفقه على الإمام عبد العزيز بن أحمد الحلوائي5.
وسمع من: محمد بن علي بن أحمد الإسماعيلي، وأبي إبراهيم إسماعيل بن محمد المزكي، وجماعة.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 514".
2 الكامل في التاريخ "10/ 169".
3 معجم البلدان "1/ 261".
4 الأندقي: نسبة إلى أندقي: من قرى بخاري على عشرة فراسخ "الأنساب".
5 وقال ابن السمعاني: من أهل أندقي كان إمامًا فاضلا زاهدًا ورعًا حسن السيرة متواضعًا، ولد بعد الأربعمائة.

(33/42)


روى عنه: عثمان بن علي البيكندي، وغيره.
توفي في شعبان عن نحو ثمانين سنة، وأنْدَقى قريةٌ من قُرى بُخَارى.
15- عبد الملك بن أحمد1.
أبو طاهر بن السّيُوريّ2.
شيخ صالح، بغداديّ.
سمع: أبا القاسم بن بشْران، وبِشْر بن الفاتِنيّ، وعثمان بن دُوَسْت.
روى عنه: عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وجماعة.
تُوُفّي في جُمَادى الآخرة.
وروى عنه أبو محمد سِبْط الخيّاط3.
16 - عثمان بن محمد بن عُبَيْد الله4.
أبو عَمْرو المَحْميّ5 النَّيْسابوريّ المزكّيّ.
حدَّث عن: أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفرائيني، وعبد الرحمن بن إبراهيم المزكيّ، وأبي عبد الله الحاكم، وجماعة.
روى عنه: محمد بن طاهر المقدسيّ، وعبد الغافر بن إسماعيل، وعبد الله بن الفُرَاويّ6، وهبة الرحمن القُشَيْريّ، وعبد الخالق بن زاهر، ومحمد بن جامع الصَّيْرفيّ، وعبد الكريم بْن الحَسَن الكاتب، وأخوه أحمد والحسين بن عليّ الشّحّاميّ، وعبد الرحمن بن يحيى النّاصحيّ وأخوه أبو نصر أحمد، وخلْق كثير.
قال عبد الغافر: سمع المشايخ والصُّدور، وأدرك الإسناد العالي، وحضر الوقائع.
__________
1 المنتظم "9/ 45" رقم "67" "16/ 279 رقم 3589".
2 الأنساب "7/ 232".
3 ذيل تاريخ بغداد "15/ 15".
4 سير أعلام النبلاء "18/ 579، 580 رقم 300"، والبداية والنهاية "12/ 343".
5 المحمي: نسبة إلى محم، وهو بيت كبير بنيسابور يقال لهم: المحمية.
6 الأنساب "9/ 256".

(33/43)


وكان شيخا حسن الصحبة والعشرة.
وتوفي في صفر.
قلت: روى عنه بالإجازة محمد بن ناصر الحافظ.
وقيل: هو عثماني.
17- عطاء بن الحسن.
أبو خالد الخراساني.
توفي في ذي الحجة.
18- عَليّ بن الحُسَيْن بن علي بن عمرويه1.
أبو الحسن.
نيسابوري مستور.
روى عن: الحِيريّ، وأبي سعيد الصَّيْرفيّ، وأبي عبد الله بن فَنْجُوَيْه.
وتُوُفّي في نصف شوّال.
19- عليّ بن منصور بن الفرّاء2.
أبو الحسن القَزْوينيّ، ثمّ البغداديّ المؤدِّب.
سمع: أبا علي بن شاذان، وأبا بكر البرقاني، واللالكائيّ.
ونسخ بخطّه الكثير. وكان صالحًا خيِّرًا3.
روى عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو الكرّام الشَّهْرُزُورِيّ، وأبو منصور محمد ولده.
20- عمر بن الحُسين الدُّونيّ4.
الصُّوفيّ الفقيه، السُّفْيانيّ المُذْهِب، نزيل صور.
__________
1 المنتخب من السياق "389" رقم "1314".
2 التدوين في أخبار قزوين "3/ 424، 425".
3 وقال القزويني الرافعي: وكان من أهل الفقه والحديث.
4 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "18/ 258" رقم "177".

(33/44)


سمع من: السَّكَن بن جُمَيْع1.
وعنه: الأرْمنازيّ2.
مات في ذي الحجّة، وقد جاوز الثّمانين.
"حرف الغين":
21- غانم بن عبد الواحد بن عبد الرّحيم3.
أبو شُكْر الأصبهانيّ، الفقيه الشّافعيّ إمام جامع إصبهان.
أحد العلماء.
سمع: محمد بن إبراهيم الْجُرجَانيّ.
روى عنه: مسعود الرُّسْتُميّ، وجماعة.
تُوُفّي في ثالث رجب.
"حرف الفاء":
22- الفضل بن عبد الله بن عليّ بن عمر الأذيوجانيّ:
أبو سعد المعروف بالقاضي.
قال شِيرُوَيْه: قدِم هَمَذَان في رجب للتحديث.
وروى عنه: عُبَيْد الله بن أبي حفص بن شاهين، وأبي منصور محمد بن محمد السّوّاق، وأبي محمد الخلال، وجماعة.
انْتُخِب عليه، وكان ثقة له أُصُولٌ مقيَّدة بخطّ أبي بكر الخطيب وغيره.
"حرف القاف":
23- القاسم بن عليّ4.
أبو عدنان القُرَشيّ الشريف، العميد الهروي.
__________
1 هو: السكن بن جميع الصيداوي المتوفى سنة "436هـ".
2 هو: غيث4 بن علي الأرمنازي خطيب صور.
3 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 8، 9".
4 المنتخب من السياق "421" رقم "1437".

(33/45)


روى عن: أبي منصور محمد بن محمد القاضي، وأبي الحسن الدّيناريّ وغيرهما.
"حرف الميم":
24- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن الحسن1.
أبو بكر بن ماجه الأبْهَريّ، أبهر إصبهان لا زِنْجَان وهي قرية كبيرة، وُلِد سنة ست وثمانين وثلاثمائة.
روى "جزء لُوَيْن" عن أبي جعفر بن المَرْزُبان، وطال عُمره، وأكثروا عنه.
تُوُفّي في هذه السّنة.
روى عنه: ابن طاهر المقدسيّ، وأبو سعيد البغْداديّ، وأبو القاسم التَّيميّ، ومحمود بن محمد بن ماشَاذَه، وأبو منصور عبد الله بن محمد الكِسائيّ، وعبد المغيث بن أبي عدنان، وأبو الغنائم مسعود بن إسماعيل، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وأبو الخير محمد بن أحمد الباغيان، ومحمود بن عبد الكريم بن فُورَجَة2، وأبو الغنائم محمد بن عبد المؤمن، وأبو رشيد أحمد بن حمد الحرفي، وعبد المنعم بن محمد بن سعْدُوَيْه، والحسن بن رجاء بن سُلَيْم، والأديب محمد بن أبي القاسم الصّالحانيّ، وغيرهم.
25- مُحَمَّد بْن إسحاق بْن إِبْرَاهِيم بْن مَخْلَد بن جعفر3.
أبو الحسن الباقرجي4 البغداديّ الصَّيْرَفيّ.
سمع: ابن المُتيَّم وابن رزقوَيْه، وغيرهما.
روى عنه: محمد بن ناصر.
26- محمد بْن الحُسين بْن عليّ بْن محمد بْن محمود5.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 581، 582" رقم "302".
2 في سير أعلام النبلاء "18/ 582" "يورجه".
3 معجم البلدان "1/ 327".
4 نسبة إلى باقرح، وهي قرية من نواحي بغداد "الأنساب".
5 المنتظم "9/ 46" رقم "72"، "16/ 280 رقم 3594".

(33/46)


أبو يعلى الهَمَذَانيّ السّرّاج.
سمع بمكّة "صحيح البخاري" من كريمة المَرْوَزِيّة.
وبمصر من القاضي أبي عبد الله محمد القُضَاعيّ.
وببغداد من الجوهريّ.
وكان صدوقًا، حَسَن السّيرة كثير الصَّدَقة.
تُوُفِّي فِي صَفَر.
27- مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد1.
أَبُو بَكْر النَّيْسابوريّ الماوَرْديّ الصُّوفيّ الحنفيّ، صوفيّ، نظيف، ظريف، ورِع.
روى عن: أبي العلاء صاعد بن محمد.
وعنه: عبد الغافر بن إسماعيل؛ وهو وصفه.
28- محمد بن محمد بن بشير2.
أبو عبد الله المعافري القرطبي الصيرفي المقرئ، صاحب مكّيّ.
روى عنه أبو عليّ الغسّانيّ، وقال: كان رجلًا صالحًا، طلب الأدب عند أبي بكر مسلم بن أحمد الأديب. وقرأ القرآن على مكّي بن أبي طالب. وحجّ، وكتب "صحيح مسلم" بمصر، عن أبي محمد بن الوليد، وكان رجلًا منقبضًا، مقبلًا على ما يعنيه.
وتُوُفّي في رمضان.
29- محمد بن هشام بن محمد بن عثمان بن نصر3.
أو بكر القَيسيّ الوزير القُرْطُبيّ، ويُعرف بابن المُصْحَفيّ.
روى عن: أبيه، وعن: ثابت بن محمد الْجُرْجَانيّ، وأبي الحسن التِّبريزيّ، وأبي عبد الله بن فَتْحون، وصاعد بن الحسن اللُّغويّ، وأبي عمر بن عفيف.
__________
1 المنتخب من السياق "66" رقم "135".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 555"، رقم "1219".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 556، 557" رقم "1221".

(33/47)


روى عنه: أبو عليّ الغسّانيّ، وقال: كان من المتحقّقين بالأدب، الدّائبين على طلبه مدّة عُمره. وكان ذا صيانة وجلالة. أكثر النّاسُ عنه.
وقال ابن بَشْكُوال: أنبأ عنه غير واحد.
وقال أبو الحسن بن مغيث: كان حافل الأدب، متّسع المعرفة، من بيت نباهةٍ ووجاهة، دَمِث الأخلاق، مثابرًا على المطالعة. وكانت كُتُبه في غاية الإتقان والتّقييد.
تُوُفّي الوزير أبو بكر في ثالث جُمَادى الأولى، وله ثمانون سنة.
30- محمد بن يبقى1.
أبو عبد الله الأندلسيّ اللّخْميّ. من أهل المَرِية.
كان فقيهًا عالمًا بالأثر. اختلفَ إلى الشّيوخ كثيرًا.
ورّخه أبو القاسم بن مدير، وقال: ما تركت بالمَرِية أحدًا فوقه.
31- مسعود بن سعيد بن عبد العزيز النِّيليّ2.
أبو الفضل النَّيْسابوريّ الطبيب.
قال السمعاني: ولد سنة أربعٍ وأربعمائة، وتُوُفّي في سنة نيفٍ وثمانين. يروي عن الحسين بن فَنْجُوَيْه الثّقفيّ.
ثنا عنه: أبو البركات بن الفُرَاويّ، وغيره. وعبد الخالق الشّحّاميّ.
32- مُعَلَّى بن حَيْدَرة3.
الأمير حصن الدّولة أبو الحسن الكنانيّ.
تغلّب على إمرة دمشق في شوّال سنة إحدى وستّين بعد هروب أمير الجيوش بدر، وبعد بارزطغان، فأساء السّيرة، وصادر النّاس وعذَّبهم. وزعم أنّ التّقليد وصل إليه من المستنصر صاحب مصر. وعَمَّ بلاؤه إلى أن خرِبت أعمال البلد وجَلَا كثير من النّاس، ووقعت بينه وبين العسكر وَحْشة فخافهم وهرب إلى بانياس في آخر سنة سبع
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 555" رقم "1218".
2 المنتخب من السياق "433، 434" رقم "1470".
3 قد مر في حوادث سنة "461هـ".

(33/48)


وستين، وأراح الله منه. ثُمَّ خاف من عسكرٍ قدم من مصر سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، وهرب إلى صور، ومنها إلى طرابُلُس، فأُخِذ منها، وحُمِل أسيرًا إلى مصر، وبقي بها إلى أن قُتِل فِي هذه السَّنَة.
"حرف الهاء":
33- هبة اللَّه بن عليّ.
أبو سعْد الكوّاز1 القارئ. تُوُفّي ببغداد في رجب.
يروي عن: عبد الملك بن بِشْران.
وعنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وإسماعيل الطّلْحيّ.
34- هِبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مَخْلَد2.
أبو المفضل3 بن الجلخت الأزدي الواسطي الزاهد، المقرئ.
اسمه: عليّ بن عبد الله الطَّرَسُوسيّ، وأبا تمّام عليّ بن محمد العِبْدريّ، وعمر بن عليّ الميمونيّ.
روى عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وغيره.
قال خميس الخوري: أبو المفضل شيخنا يَقْصُر الوصَف عمّا كان عليه من خشونة الطّريقة وحُسْنها. صام وقته كلّه، ولازم الجامع معتكفًا، يُقرئ القرآن ويحدِّث. وكان حسن المعرفة بالفقه والحديث، جماعةٌ لخلال الخير، ذا جاهٍ عظيم عند السّلطان.
تُوُفّي في أوّل السّنة، ودُفِن بداره، وله سبعٌ وخمسون سنة.
"الكنى":
35- أبو يَعْلى بن عبد الواحد بن أحمد المليحي الهروي.
اسمه.
__________
1 الكواز: نسبة لمن يعمل الكيزان الخزفية "الأنساب 10/ 491".
2 الأنساب "3/ 301، 302".
3 في الأنساب: "أبو الفضل".

(33/49)


وفيات سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة: "حرف الألف":
36- أحمد بْن عُمَر بْن أحمد بْن علي.
أبو بكر الهمذاني الصندوقي1 البزار المعبّر.
روى عن: أبي طاهر بن سَلَمَة، وأبي سعيد بن شبابة، ومحمد بن عيسى وأكثر عنه، وابن المحتسب، وجعفر الأَبْهَريّ، وطاهر بن أحمد الإمام، وعليّ بن أحمد، وعليّ بن شعيب، وأبي نصر بن الكسار، وأبي الفضل عمر ابن إبراهيم بن أبي سعْد الهَرَويّ، ومنصور بن رامش، وأبي حاتم أحمد بن الحسن بن خاموش الرّازيّ الفقيه، وخلْق كثير.
قال شيرُوَيْه: سمعتُ منه كثيرًا، وكان ثقة صدوقًا، عارفًا بأحوال البلد وأهلها، وبأخبار المشايخ. وكان أحد دُهاة الفُرس. حَسَن السّيرة، اعتكف في الجامع نيِّفًا وأربعين سنة.
تُوُفّي في ذي الحجّة، وتولّيت غُسْلَه.
37- أحمد بن محمد بن أحمد2.
أبو العبّاس الْجُرجَانيّ الفقيه، قاضي البصرة وشيخ الشّافعيّة بها.
وهو مذكور في أعيان الأدباء، له تصانيف.
وسمع من: أبي طالب بن غَيْلان، وابي الحسن القزْوينيّ، والصُوريّ.
روى عنه: الحسين بن عبد الملك الأديب بإصبهان.
وله كتاب سمّاه كتاب "الأدباء" أورَد فيه نفائس من النَّظم والنَّثْر، وكان من أجلاد العالَم.
تفقه على الشيخ أبي إسحاق.
__________
1 الأنساب "8/ 90".
2 المنتظم "9/ 50" رقم "76".

(33/50)


وقد روى عنه أبو عليّ بن سُكّرة الحافظ، وأثنى عليه.
وروى عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ.
38- أحمد بْن محمد بْن أحمد بْن جعفر1.
أبو الفتح الأصبهاني الوَبَرِيّ2 المقرئ.
قرأ بالرّوايات على أبي المظفّر عبد الله بن شبيب، والباطِرْقانيّ.
وسمع من: أبي نُعَيْم، وجماعة.
وروى اليسير، وكان مقرئ إصبهان في وقته.
39- أحمد بن محمشد بن صاعد بن محمد3.
أبو نصر القاضي الصّاعديّ، رئيس نَيْسابور وقاضيها.
أجرى رئاسة بلده ورسومها على أحسن مجاريها، وكان معظّمًا عند السلطان، وله معرفة بالفروسية ورمْي القَوْس، وكان من أعيان الحنفيّة.
سمع من: جده أبي العلاء صاعد بن محمد القاضي، والقاضي أبي بكر الحِيريّ، ومحمد بن موسى الصَّيْرَفيّ، وعليّ بن محمد الطّرّازيّ، ويحيى بن إبراهيم المزكّيّ.
وسمع ببغداد في الكُهولة من القاضي أبي الطَّيِّب الطَّبَريّ، وغيره.
وكان مولده في سنة عشرٍ وأربعمائة.
روى عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو سعد البغدادي، وسفيان بن منده، وزاهر روجيه ابنا الشّحّاميّ، ومنصور بن محمد حفيده، وعبد اللَّه بْن الفَرَاويّ، وَعَبْد الخالق بْن زاهر، وأبو الغنائم منصور بن محمد الكُشْمِيهَنيّ، وإسماعيل العصائدي، وأحمد بن علي المقرئ البهيقي، ومحمد بن عليّ بن دُوَسْت، وآخرون.
قال السمعاني: تعصب بأخرة في المذهب، حتى أدى إلى إيحاش العلماء،
__________
1 المنتظم "9/ 50" رقم "75".
2 الأنساب "12/ 219".
3 المنتخب من السياق "112-114" رقم "246"، وتذكرة الحفاظ "3/ 1194".

(33/51)


وأغرى بعض الطّوائف على بعضٍ، حتّى غيّرت الخُطَباء، وشرع اللّعن على أكثر الطّوائف مِن المسلمين، فانتهى الأمرُ إلى السّلطان ألْب أرسلان، والوزير نظام الملك، فأبطل ذلك، ولزم القاضي أبو نصر بيته مدّة إلى دولة ملكشاه، ففوض القضاة إليه، وكان العدل والإنصاف في أيّامه.
وعقد مجلس الإملاء في خمسيات رمضان، وكان يحضر إملاءه من دبَّ ودَرَج1.
تُوُفّي في ثامن رمضان، وكان أحد من يُقال له: شيخ الإسلام.
40- أحمد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَليّ بْن محمد بن عليّ بن شجاع2.
الأستاذ أبو حامد الشُّجَاعيّ السَّرْخَسِيّ ثمّ البلْخيّ، الفقيه.
كان إمامًا مبرِّزًا كبير القدْر.
تفقّه على: أبي عليّ السِّنْجيّ.
ودرَّس مدّة، وله أصحاب.
سمع الحديث من: الليث بن الحسن اللَّيْثيّ، وغيره.
روى عنه: ابن أخيه محمد بن محمود السَّرَهْ مَرْد بسَرْخس، وأبو حفص عمر بن محمد بن القاسم القاضي الشَّهْرُزُورِيّ، وآخرون.
سمع منهم: أبو سعْد السّمعانيّ.
وتُوُفّي رحمه الله ببلْخ.
وقع لنا مجلسٌ من أماليه.
41- إبراهيم بن سعيد بن عبد الله3.
الحافظ أبو إسحاق النُّعْمانيّ، مولاهم المصريّ، المعروف بالحبّال.
قال أبو عليّ بن سُكّرة: أخبرنيّ أن مولده في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة،
__________
1 المنتخب من السياق "112، 113".
2 تذكرة الحفاظ "3/ 1194".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 495-503" رقم "259".

(33/52)


وأنّه سمع من الحافظ عبد الغنيّ بن سعيد سنة سبعٍ وأربعمائة وأنّ عبد الغنيّ تُوُفّي سنة ثمانٍ.
قلتُ: سمع: أحمد بن عبد العزيز بن ثَرْثال صاحب المَحَامِليّ، وهو أكبر شيخٍ له، وعبد الغني المذكور، ومحمد ابن أحمد بن شاكر القطّان، ومحمد بن ذَكْوان التِّنِّيسيّ سِبْط عثمان السَّمَرْقَنْديّ، وأحمد بن الحسين بن جعفر النُّخَاليّ1 العطّار، وقال: ما أُقَدِّم عليه أحدًا من شيوخي في الثّقة وجميع الخِصال الّتي اجتمعتْ فيه؛ وعبد الرحمن بن عمر النحاس، واحمد بن محمد بن الحاجّ الإشبيليّ، ومنير بن أحمد، والخصيب بن عبد الله، ومحمد بن محمد النَّيْسابوريّ صاحب الأصمّ، وابن نظيف، وخلْقًا سواهم.
وجمع لنفسه عوالي سُفْيان بن عُيَيْنَة، وغير ذلك.
وكان يتّجر في الكُتُب، ولهذا حصّل من الأُصُول والأجزاء ما لا يوصف. وكان متقنًا، ثقة، حافظًا مُتَحَرِّيا، صادقًا.
روى عنه: أبو عبد الله الحُمَيْديّ، وإبراهيم بن الحسن العَلَويّ المصريّ النّقيب، وعبد الكريم بن سوار التككيّ2، وعطاء بن هبة الله الإخْمِيميّ3، ووفاء بن ذبيان النّابُلُسيّ، ويوسف بن محمد الأَرْدَبيليّ4، سمع السِّلَفيّ من خمستهم، ومحمد بن محمد بن جماهر الطُّلَيْطُلِيّ، ومحمد بن إبراهيم البكريّ الطُّلَيْطُلَيّ، وأبو الفتح سلطان ابن إبراهيم المقدسيّ، وأبو الفضل محمد بن بُنان الأنباريّ، وعليّ بن الحُسين المَوْصِليّ الفرّاء، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي قاضي المَرِسْتان.
وآخر من روى عنه بالإجازة الحافظ محمد بن ناصر.
وكان خلفاء مصر الرّافضة قد منعوه من التّحديث، وأخافوه، قاتَلَهم الله، فلِهذا انقطع حديثُه بوقتٍ.
قال أبو عليّ بن سُكَّرة: مُنِعْتُ من الدُّخول إليه، فلم أدخل عليه إلّا بشرط أن لا
__________
1 نسبة إلى النخالة، وهي ما يستخرج من الدقيق "الأنساب 12/ 58".
2 نسبة إلى تكك، وهي جمع تكة "الأنساب 3/ 68".
3 الإخميمي: نسبة إلى إخميم، وهي بلدة من ديار مصر من الصعيد "الأنساب 1/ 155".
4 الأنساب "1/ 177".

(33/53)


يُسْمِعَني، ولا يكتب إجازة، فأوّل ما فاتحتُه الكلام خلّط في كلامه، وأجابني على غير سؤالي حَذرًا أنْ أكون مدسوسًا عليه، حتّى بسطتّه، وأعلمته أنّي من أهل الأندلس أريد الحج، فأجاز لي لفظا، وامتنع من غير ذلك1.
وقال ابن ماكولا2: كان الحبّال مكثِرًا ثقة، ثبْتًا، ورِعًا، خيِّرًا. ذكر أنّه مولى لابن النُّعْمان قاضي قُضاة مصر.
وحدَّث عنه ابن ماكولا وذكر أنّه ثبَّته في غير شيء.
وروى عنه الحافظ أبو بكر الخطيب إجازة، ثمّ قال: وحدَّثني عنه أبو عبد الله الحُمَيْديّ3.
وقد أتى الحبّال بعض الطَّلَبة، قبل أن يمنعه بنو عُبَيْد من الرّواية، ليسمعوا منه جزءًا، فأخرج به عشرين نسخة، وناول كلّ واحدٍ نسخةً يُعارض بها4.
وقال الحافظ محمد بن طاهر: سمعتُ أبا إسحاق الحبّال يقول: كان بمصر رجلٌ يسمع معنا الحديث، وكان متشدّدًا. وكان يكتب السماع على الأصول، ولا يكتب اسم رجلٍ حتّى يستحلفه أنّه سمع الجزء، ولم يذهب عليه منه شيء.
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كُنَّا نَقْرَأُ عَلَى شيخٍ جُزْءًا، فَقَرَأْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ" 5. وَكَانَ فِي الْجَمَاعَةِ رجلٌ مِمَّنْ يَبِيعُ الْقَتَّ، وَهُوَ عَلَفُ الدَّوَابِّ، فَقَامَ وَبَكَى، وَقَالَ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ بَيْعِ الْقَتِّ. فَقِيلَ: لَيْسَ هُوَ الَّذِي يَبِيعُ الْقَتَّ، وَلَكِنَّهُ النَّمَّامُ الَّذِي يَنْقُلُ الْحَدِيثَ مِنْ قومٍ إِلَى قَوْمٍ. فَسَكَنَ بُكَاؤُهُ وَطَابَتْ نَفْسُهُ6.
قال ابن طاهر: كان شيخنا الحبّال لا يُخْرِجُ أصلَه من يده إلّا بحضوره، يدفع الجزء إلى الطّالب، فيكتب منه قدْر جلوسه، فإذا قام أخذ الأصل منه. وكان له بأكثر كُتُبه عدة نُسَخ، ولم أرَ أحدًا أشدّ أخْذًا منه، ولا أكثر كتبًا منه.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 497".
2 في الإكمال "2/ 379".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 498".
4 سير أعلام النبلاء "18/ 499".
5 حديث صحيح: أخرجه البخاري "6056"، ومسلم "169/ 105"، وأحمد "5/ 382"، وأبو داود "4871"، والترمذي "2026".
6 سير أعلام النبلاء "18/ 499".

(33/54)


وكان مذهبه في الإجازة أن يقدّمها على الأخبار.
يقول: أجاز لنا فُلان، أنا فلان، ولا يقول: أنا فلان إجازة.
يقول: ربّما تُترك إجازة، فيبقى إخبارًا، فإذا ابْتُدِئ بها، ولم يقع الشّكّ، فيه1.
وسمعته يقول: خرَّج أبو نصر السِّجَزيّ الحافظ على أكثر من مائة شيخ، لم يبق منهم غيري.
قال ابن طاهر: كان قد خرَّج له عشرين جزءًا في وقت الطَّلب، وكتبها في كاغدٍ عتيق، فسألت الجبال عن الكَاغَد، فقال: هذا من الكاغَد الّذي كان يحمل إلى الوزير من سَمَرْقَنْد، وَقَعت إليَّ من كُتُبه قطعة، فكنتُ إذا رأيتْ ورقةً بيضاء قَطَعْتُها، إلى أن اجتمع هذا القدْر، فكنتُ أكتب فيه هذه الفوائد.
قال ابن طاهر: لمّا دخلت مصر قصدتُ الحبّال، وكان قد وصفوه لي بحِلْيَتْه وسِيرته، وأنّه يخدم نفسِه، فكنتُ في بعض الأسواق لا أهتدي إلى أين أذهب. فرأيت شيخنا على الصّفة الّتي وُصِف بها الحبّال، واقِفًا على دُكّان عطّار، وكُمَّيه ملأى من الحوائج. فوقع في نفسي أنّه هو، فلمّا ذهبَ سألت العطار: هذا من الشّيخ؟ فقال: وما تعرفه، هذا أبو إسحاق الحبّال.
فتَبِعْتُه وبلغته رِسالةَ سعْد بن عليّ الزَّنْجَانيّ، فسألني عنه، وأخرج من جيبه جزْءًا صغيرًا، فيه الحديثان المسلسلان اللّذان كان يرويهما. أحدهما: وهو أول وهو أوّل حديثٍ سمعته منه.
فقرأهما عليَّ وأخذت عليه الموعد كل يوم في عَمْرو بن العاص إلى أن خرجتُ رحمه الله2.
قلت: كان لقي ابن طاهر له في سنة سبعين وأربعمائة، وقد سمع منه القاضي أبو بكر الأنصاريّ في سنة ستٍّ وسبعين. وإنّما منعوه من التّحديث بعد ذلك.
42- إبراهيم بن عثمان بن إبراهيم بن يوسف3.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 500".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 500، 501".
3 التحبير في المعجم الكبير "2/ 36، 51".

(33/55)


أبو القاسم الخلّال، مُسْنِد جُرْجَان في زمانه.
تُوُفّي بعد الثّمانين.
ذكره أبو سعد السّمعانيّ، فقال: ثقة، مُكثِر، مُعمّر.
روى الكثير.
سمع: أبا نصْر محمد بن الإسماعيليّ، وحمزة السَّهْميّ، والحسن بن محمد الأديب، وأبا مسلم غالب بن علي الرّازيّ الحافظ، والمفضّل بن إسماعيل الإسماعيليّ، وأبا عمرو بن عبد الرحمن بن محمد الْجُرْجَانيّ، وأخاه عبد الواسع، وأبا الفضل محمد بن جعفر الخُزَاعِيّ، وأبا سعْد المالِينيّ، وبِشْر بن محمد الأبيورديّ، وطبقتهم.
مولده في ذي القعدة سنة تسعين وثلاثمائة.
قال: وتوفي بجرجان سنة نيفٍ ثمانين.
أُنْبئتُ عن أبي المظفّر بن السّمعانيّ قال: أنا سعد بن علي العصاري: أنا إبراهيم الخلّاليّ1 بجُرْجَان، فذكر حديثًا.
43- أَصْرَم بن عبد الوهاب بن محمد بن خريم:
الأصبهاني، أبو نهشل.
سمع: أبا بكر بن أبي عليّ، وأبي سعيد بن حسنَوَيْه.
مات في شوّال. أرّخه يحيى بن مَنْدَهْ.
"حرف الحاء":
44- الحَسَن بْن أحمد بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عثمان بن الوليد2.
أبو عبد الله السُّلَميّ الدمشقي، ابن أبي الحديد المعدل، الخطيب.
__________
1 الخلالي: نسبة إلى الخل وإلحاق الياء في مثل هذا الانتساب أكثرها بجرجان وطبرستان وخوارزم "الأنساب 5/ 218".
2 الكامل في التاريخ "10/ 180".

(33/56)


حكم بين النّاس بدمشق حين عُزِل عنها القاضي الغَزْنَويّ إلى حين وصول الشَّهْرسْتانيّ من الحجّ.
وحدَّث عن: المُسَدَّد الأُمْلُوكيّ1، وأبي الحسن بن السِّمْسار، وأبي الحسن العتيقيّ، وعبد الرحمن بن الطُّبَيْز، وجماعة.
روى عنه: حفيده أبو الحسين الخطيب، وهبة الله بن الأكفانيّ، وهبة الله بن طاوس، وأبو القاسم بن البُنّ، وعليّ بن عساكر الخشّاب، وعليّ بن أحمد الحَرَسْتانيّ2.
تُوُفّي في آخر السّنة: وكان مولده سنة ستّ عشرة.
أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ بِدِمَشْقَ، وَسَنُقِرُّ الْمَحْمُودِيُّ بِحَلَبَ، قَالا: أنا مُكْرَمٌ التَّاجِرُ، أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بِحَرَسْتَا سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ، أنا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ، أنا الْمُسَدَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْحَلَبِيُّ، أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّافَقِيُّ: ثنا صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ النَّوْفَلِيُّ: ثنا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَلا أُرِيكُمْ صَلاةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَرَفَعَ يَدَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ.
45- الحسن بن عبد الصّمد بن أبي الشّخْباء3:
أبو عليّ، الشّيخ المُجيد العسْقلانيّ، صاحب الرّسائل والخطب. كان القاضي الفاضل جُلّ اعتماده على حِفْظ كلام الشّيخ المُجيد4.
تُوُفّي مقتولًا في سجن خزانة البُنُود بالقاهرة في هذه السّنة.
فمن شِعره:
ما زال يختار الزّمانُ ملوكَه ... حتى أصاب المصطفى المتخيرا
__________
1 الأنساب "1/ 349".
2 الأنساب "4/ 106".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 587" رقم "308".
4 معجم البلدان "9/ 152".

(33/57)


قُلْ للأُلَى ساسوا الوَرَى وتقدّموا ... قِدْمًا هَلُمُّوا شاهدوا المتأخّر
تجدوه أوسَعَ في السّياسة منكمُ ... صدْرًا وأحمد في العواقب مَصْدَر
قد صام والحسناتُ مِلْءُ كتابه ... وعلى مثالِ صيامه قد أفطرا1
46- الحسن بن عليّ بن عبد الواحد بن الموحّد2.
أبو محمد السُّلَميّ الدمشقيّ، المعروف بابن البُرِّيّ.
سمع: عبد الرحمن بن أبي نصر، وأبا نصر عبد الوهاب بن الجبان، ومنصور بن رامش.
روى عنه: أبو بكر الخطيب وهو أكبر منه، والفقيه نصر المقدسيّ، وأبو الفضل يحيى بن عليّ القاضي، ونصْر بن قاسم المقدسيّ، ونصر بن أحمد بن مقاتل.
توفي في نصف رمضان. كذا ورّخه ابن الأكفانيّ.
ووردَ عن غيث أنّه تُوُفّي في صَفَر.
47- الحسين بن عليّ بن أحمد:
أبو طاهر الأصبهاني، الشّيخ الصّالح.
روى عن: أبي عبد الله الْجُرْجَانيّ، وأبي بكر بن مردويه.
ومولده سنة خمسٍ وتسعين وثلاثمائة.
مات في شوال. قاله يحيى بن منده.
"حرف الطاء":
48- طاهر بْن بركات بْن إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ بن محمد3.
أبو الفضل القُرَشيّ الدّمشقيّ، المعروف بالخُشُوعيّ.
سمع: أبا القاسم الحِنائيّ، وأبا الحسين بن مكّيّ، وعبد الدّائم الهلاليّ، والكتاني، والخطيب، وطبقتهم.
__________
1 الأبيات في: وفيات الأعيان "2/ 90".
2 الإكمال لابن ماكولا "1/ 401".
3 تهذيب تاريخ دمشق "7/ 50".

(33/58)


وخرَّج "مُعْجم شيوخه".
سمع منه: الفقيه نصر المقدسيّ، وهو من شيوخه، ومكّيّ الرُّمَيليّ.
قال ابن عساكر الحافظ1: سألت ابنه أبا إسحاق لِمَ سُمّوا الخُشُوعيّ؟ فقال: كان جدّنا الأعلى يؤمّ النّاسَ، فتُوُفّي في المحراب، وذكر أنّ أباه طاهرًا تُوُفّي وقد ناهز الخمسين سنة.
"حرف الظاء":
49- ظاهر بن أحمد بن عليّ2.
الحافظ المفيد أبو محمد السَّلِيطيّ3 النَّيْسابوريّ.
ويُسمّى أيضًا عبد الصّمد.
وُلِد بالرَّيّ ونشأ بها، وكتب الكثير بخطّه المتقن الصّحيح.
سمع: أبا عليّ بن المُذْهِب، والتَّنُوخيّ، والجوهريّ، وطبقتهم.
روى عنه: ابن بدران الحَلْوَائيّ4، وأبو بكر المَرْوَزِيّ.
وسكن هَمَذَان.
50- ظَفَر بن الدّاعي بن مهديّ بن حسن5.
السّيّد أبو الفضل العَلَويّ، من ذرّيّة مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب.
من أهل أسْتِراباذ.
سمع الكثير، وأملى مدّة.
روى عن: والده، وحمزة السَّهْميّ، وإبراهيم بن مطرف، وعلي بن أحمد ابن عبدان الأهوازي، وأبي بكر الحيري.
__________
1 في تاريخه.
2 المنتخب من السياق "271" رقم "886".
3 الأنساب "7/ 119".
4 نسبة إلى عمل الحلوى وبيعها "الأنساب 4/ 193".
5 المنتخب من السياق "270" رقم "883".

(33/59)


وأجاز له السهمي1.
مات في هذه الحدود بعد الثمانين.
روى عنه: عبد الله بن الفراوي، وعائشه بنت الصفار.
"حرف العين":
51- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم بن غريب الخال.
سمع: الحرفيّ2، وعثمان بن دُوَسْت، وأبا عليّ بن شاذان.
روى عنه: أبو غالب بن البنّاء، وابنه سعيد بن البنّاء، وإسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ.
52- عبد الرحمن بن الأستاذ أَبِي القَاسِم عَبْد الكريم بْن هَوَازن3.
أَبُو منصور القُشَيْريّ النَّيْسابوريّ.
كان صالحًا عابدًا، سمع: عبد الرحمن بن حمدان النصرويي4، وأبا عبد الله بن باكُوَيْه بنَيْسابور، وأبا الطّيّب الطَّبَريّ، وجماعة ببغداد.
روى عنه: أبو الأسعد هبة الرحمن، وأبو حفص عمر الفَرغوليّ5.
وتُوُفّي بمكّة هذه السّنة.
53- عبد السلام بن منصور بن الياس.
أبو الفتح الهَرَويّ.
تُوُفّي في جُمَادى الآخرة.
وتُوُفّي أخوه عبد البديع قبله بيوم.
54- عبد الصّمد بن أحمد بن علي6.
__________
1 هو حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي صاحب تاريخ جرجان المتوفى سنة "427هـ".
2 الأنساب "4/ 112".
3 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "3/ 223".
4 الأنساب "12/ 91".
5 نسبة إلى فرغول قرية من قرى دهستان "الأنساب 9/ 278".
6 البداية والنهاية "12/ 135".

(33/60)


أبو محمد السَّلِيطيّ النَّيْسابوريّ المعروف بظاهر.
أصله رازيّ، كان أحد أئمّة الحفّاظ، نسخ الكثير بخطّه المتقن، ورحل فسمع: أبا عليّ بن المُذْهِب، وأبا طاهر الصّبّاغ، وأبا الطّيّب الطَّبَريّ، والجوهريّ.
وخرَّج للجوهريّ أمالي معروفة.
روى عنه: محمد بن بطّال بهَمَذَان، وعبد الواحد بن الفضل الفارَمْذِيّ1، ومحمد بن أميرك.
إلّا أنّه أخذ كُتُب النّاس في نهْب البساسيريّ، وجمعَها، ولم ينفعه الله بها.
توفي بنواحي هَمَذَان.
55- عَبْد الواحد بْن عليّ بْن أَحْمَد2.
أَبُو الفضل الهَمَذَانيّ الكرابيسيّ، المعروف بابن يُوّغة الصُّوفيّ.
روى عن: ابن تُرْكان، وعليّ بن أحمد البيِّع، وسعد بن علويه، ومحمد بن علي بن خذاداذ، وجماعة.
قال شيرويه: شيخ الصوفية صدوق. سمعتُ منه جمع ما مرّ له.
ومات في سلْخ ذي الحجّة، ومولده في سنة تسعين وثلاثمائة.
وقال السّمعانيّ: سمع أبا بكر بن حمدُوَيْه الطُّوسيّ، وأجاز له أبو بكر بن لال، ثنا عنه حمدان بن الحسن الضّرير، وأبو الفخر سعْد بن محمد الصُّوفيّ، وأبو المكارم عبد الكريم بن عبد الملك الكرابيسيّ.
وكان شيخ الصُّوفيّة بهَمَذَان.
56- عبد الواحد بن عليّ بن البختري.
أبو القاسم.
بغدادي مقل.
__________
1 نسبة إلى فارمذ، وهي قرية من قرى طوس "الأنساب 9/ 218".
2 التحبير في المعجم الكبير "1/ 245" رقم "156".

(33/61)


روى عن: أبي القاسم بن بِشْران.
كتب عنه: أبو محمد بن السَّمَرْقَنْديّ، وأخوه.
ومات في صَفَر.
57- عبد الواحد بْن محمد بْن عُمَر.
أبو زيد الطَّرَسُوسيّ.
مات في ربيع الأوّل.
58- عَبْد الوهّاب بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن زكريّا1.
أبو منصور الثّقفيّ النَّيْسابوريّ الأُطْرُوش2.
قال السّمعانيّ: شيخ ظريف، خفيف، أصمّ، صُوفيّ، سافر الكثير ولقي المشايخ، وتبرَّع بأنواعٍ من القُرَب من عمارة القبور، وإعادة الأسماء على مشاهدة الأئمّة، واتّخاذ الأواني النّحاس للصُّوفيّة.
وسمع بخُراسان، والعراق، وكان يقرأ بنفسه لصَمَمَه.
حدَّث عن: أبي بكر الحِيريّ، وأبي عبد الرحمن السُّلَميّ، وأبي الحسن الطّرّازيّ، وأبي عليّ السِّخْتِيانيّ، وأبي عبد الله بن باكُوَيْه.
روى عنه: أبو عثمان العصائديّ، وأبو الوقت عبد الأوّل.
تُوُفّي في خامس رجب.
وقع لنا من طريقه مجلسا السُّلَميّ، وابن باكُوَيْه.
59- عُبَيْد الله بن عمر بن محمد بن أبي عبد الرحمن3.
البَحِيريّ النَّيْسابوريّ.
قال عبد الغافر: هذا الشّيخ رقيق الحال في التَّزْكيّة والعدالة.
سمع من: أبي عبد الله الحاكم، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وجماعة.
__________
1 المنتخب من السياق "356" رقم "1178".
2 الأطروش: هذه النسبة لمن بأذنه أدنى صمم "الأنساب 1/ 305".
3 المنتخب من السياق "297، 298" رقم "985".

(33/62)


تُوُفّي في تاسع ذي الحجّة وله خمسٌ وثمانون سنة وأيّام.
قلت: روى عنه: عبد الغافر، وغيره، والأمير أحمد بن محمد الفُراتيّ.
60- عبد الكريم بن زكريّا بن سعْد بن عمار.
أبو محمد البخاري الخبازي البزار.
فقيه حافظ فاضل، يفهم الحديث.
سمع الكثير، وأملى عن: أبي نصر أحمد بن الحَسَن المَرَاجليّ1، وحمزة بن أحمد الكَلاباذيّ، والحُسَين بن الخضر النَّسَفيّ، وطبقتهم.
وعنه: عثمان بن عليّ البيكندي، وجماعة.
ولد سنة تسعٍ وتسعين وثلاثمائة.
ومات في ربيع الأوّل.
61- عليّ بْن أحمد بْن عليّ بن حَنَوَيْه2.
أبو الحسن الشّهرستانيّ الفاروزيّ الكاتب.
سمع: اللّيْث بن الحسن اللَّيْثيّ بسَرْخَس، وأبا بكر الحِيريّ.
وصحِب: أبا عبد الله بن باكُوَيْه.
تُوُفّي في ذي القعدة عن مائة سنة.
62- عليّ بن أبي نصْر المَنَاديليّ3.
أبو الحسن النَّيْسابوريّ الحافظ.
كان من نوادر الزّمان. جمع ما لم يجمعه غيره من أنواع العلوم، حتى فاق أقرانه في القراءات، ومعرفة أسماء الرّجال، والمُتون، والطّبّ، وغير ذلك.
بالغَ الحافظ عبد الغنيّ في وصفه، وقال: ما رأيت أحسن ولا أصحّ من قراءته.
__________
1 نسبة إلى المراجل وعملها، وهي جمع مرجل. الأنساب "11/ 220".
2 الأنساب "9/ 220، 221".
3 المنتخب من السياق "392" رقم "1325".

(33/63)


سمع من: أبي القاسم القُشَيْريّ، والفضل بن المُحِبّ، وطبقتهما.
ولم يتكهَّل ولم يبلغ أوان الرّواية.
قال عبد الغافر: لمّا عاد من بغداد سمعته يقول: ما استفدت من غيري في سفري، بل كلّ من لقيته استفاد منّي.
وقال لي: لست أطالع شيئًا مرّةً أو مرّتين إلّا وحفظته ولا أنساه، فُقِد من البلد ولا يدري ما تمّ له.
63- عليّ بن أبي يَعْلَى بن زيد بن حمزة1.
أبو القاسم الحسينيّ الدَّبَوسيّ.
ودَبوسيّة: بلدة بقرب سَمَرْقَنْد.
كان من كبار أئمّة الشّافعيّة، متوحدًا متفرِّدًا في الفقه والأصول واللُّغة والنَّحو والنَّظر والجدل.
وكان حسن الخَلق والخُلق، سمْحًا، جوادًا، كثير المحاسن. قدِم بغداد، وولي تدريس النّظاميّة، تفقّه عليه جماعة من البغداديّين، ومن الغرباء.
وأملى ببغداد مجالس.
سمع: أبا عَمْرو بن عبد العزيز القنطريّ، وأبا سهل أحمد بن عليّ الأبِيوَرْديّ، وأبا مسعود أحمد بن محمد البَجَليّ.
روى عنه: عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبو غانم مظفّر البَروجِرْديّ، ومحمد بن أبي نصر المسعوديّ المَرْوَزِيّ، وآخرون2.
تُوُفّي ببغداد في شعبان، وهو من ذرية الحسين الأصغر ابن زيد العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه.
64- عليّ بن محمد بن حسين ابن المحدِّث عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد3.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 135".
2 الأنساب "5/ 275".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 602، 603" رقم "319".

(33/64)


الإمام أبو الحسن البَزْدَوِيّ النَّسَفيّ الزّاهد، صاحب التَّصانيف الجليلة، والمدرِّس بسَمَرْقَنْد.
تُوُفّي بكِسّ1 في رجب.
قال السّمعانيّ: كان إمام أصحاب أبي حنيفة بما وراء النَّهْر، يُضْرب به المَثَل في حِفْظ المذهب. وطريقته مفيدة.
ظهر له الأصحاب، وهو أخو القاضي أبي اليُسْر.
تفقّه بالشّمس عبد العزيز بن أحمد الحَلْوائيّ، وسمع منه، ومن: عمر بن منصور بن خنْب، وأبي الوليد الحسن بن محمد الدَّرْبَنْديّ.
وكان مولده في حدود الأربعمائة.
روى عنه: أبو المعالي محمد بن نصر الخطيب.
65- عليّ بْن محمد بْن عبد العزيز بْن حَمْدين2.
أبو الحسن القرطبي.
روى عن: يحيى بن محمد القليعيّ، ومحمد بن عَتَّاب، وأبي جعفر الكِنْديّ الزّاهد وهو خاله: وكان من أهل العلم والفْقه والصَّلاح والتّلاوة والإقبال على نشر العلم، صدرًا مشاوَرًا في الأحكام، معظَّمًا في النُّفوس، متعيّنًا للوزارة.
قال اليسع بن حزْم: له همَّة انتعلت السّماك، وتبوّأت الأفلاك، كتب مرّة إلى المعتمد بن عَبَّاد:
يا مَن حَلَلْتُ جِوارَه ... والْجُودُ طَوْعُ يمينهِ
أتجير من ألقى إليـ ... ـك بنفسه وبدينه
حاشى نهاك بأنْ يرى ... بُخْلًا بعين مَعِينه
إنّي غرست به الثّنا ... فقطعتُ حُسْن يقينهِ
وُلد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وتُوُفّي في ربيع الأوّل رضي الله عنه.
__________
1 قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان على جبل "معجم البلدان "4/ 460-462".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 420، 421" رقم "900".

(33/65)


66- عليّ بن محمد بن الحسين بن موسى.
أبو الحسن الأَسَديّ الفارِقيّ1 الشّيعيّ.
غال، كثير المجون والدغابة.
سمع: أبا الحسن بن مَخْلَد البزّاز.
وعنه: عبد الوهّاب الأنْماطيّ.
67- عيسى بن نصر بن عيسى.
أبو الطّيّب الرّازيّ البزّاز.
رحل وسمع بمصر: أبا عبد الله بن نظيف، وشعيب بن المنهال.
روى عنه: أبو القاسم بن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو البركات الأَنْماطيّ.
وتُوُفّي في شوّال.
"حرف الغين":
68- غانم بن محمد بن عبد الواحد بن عُبَيْد الله الأصبهاني.
الحافظ أبو سهل.
تُوُفّي بإصبهان في جُمَادى الأولى.
يروي حُضورًا عن عليّ بن مَنْدَهْ الفقيه الزّاهد.
"حرف الميم":
69- محمد بن أحمد بن حامد بن عُبَيْد2.
أبو جعفر البَيْكَنْديّ البخاريّ المتكّلم، المعروف بقاضي حلب3.
وَرَدَ بغداد في أيّام عبد الملك بن محمد بن يوسف، فمنعه من دخولها فلمّا مات ابن يوسف دخلها وسكنها، وكان رأسًا في الاعتزال، داعيةً إليه.
__________
1 نسبة إلى ميافارقين "الأنساب 9/ 217".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 586، 587" رقم "307".
3 في لسان الميزان "5/ 52": "قاص حلب".

(33/66)


روى عن: أبي عامر عدنان بْن مُحَمَّد الضبي، وأبي الفَضْل أَحْمَد بْن عليّ السليماني، ومنصور بْن نصر الكاغدي، وطائفة.
روى عَنْهُ: عليّ بن هبة الله بن زهمُوَيْه، وثابت بن منصور الكيليّ1، وصَدَقَة السّيّاف، وأبو غالب بن البنّاء، وغيرهم.
روى عن: إسماعيل بن حاجب الكُشَانيّ2، واتُّهِم في ذلك. ورماه بالكَذِب عبد الوهّاب الأنْماطيّ3، وغيره.
وُلِد سنة اثنتين وتسعين.
وقال مرّةً أخرى: سنة أربعٍ وتسعين.
ومات في رابع المحرّم ببغداد4.
70- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه5.
أَبُو الفتح بن سَمْكُوَيْه الأصبهاني6 نزيل هَرَاة.
أحد الحفّاظ المذكورين.
سمع الكثير، وحصّل الأصول، ونسخ كثيرًا.
سمع ببغداد من: أبي محمد الحسن بن محمد الخلّال، وطبقته.
وبنَيْسابور من: أبي عثمان الصّابونيّ، وأبي حفص بن مسرور، والطّبقة.
وبإصبهان: أصحاب ابن المقرئ.
وبشيراز من: الحافظ أبي بكر بن أبي عليّ.
وبسمرقند من: ابن شاهين السمرقندي.
__________
1 نسبة إلى بلاد متفرقة وراء طبرستان. الأنساب "3/ 414".
2 نسبة إلى كشانية، وهي بلدة من بلاد الصغد بنواحي سمرقند، وقد تصحف في لسان الميزان "5/ 61" إلى: "الكسائي".
3 المنتظم "9/ 52" "16/ 188".
4 لسان الميزان "5/ 61".
5 سير أعلام النبلاء "19/ 16، 17" رقم "10"، والبداية والنهاية "12/ 136".
6 زاد في البداية والنهاية "12/ 136"، "المعروف بمسارفة".

(33/67)


ومولده بإصبهان في سنة تسعٍ وأربعمائة.
صنَّف، وجمع الأبواب.
روى عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وكان يُتَبَرَّك بدعائه.
وقال أبو عبد الله1 في "رسالته": كان لابن سَمْكُوَيْه التّواليف الكثيرة الوافرة في كتب الحديث، وَوَهْمه أكثر من فهمه.
خرج إلى نَيْسابور في صُحْبة عبد العزيز النَّخْشبيّ، ثمّ خرج إلى ما وراء النّهر، وأقام بهَرَاة سِنين يورّق، صادقته بها وبنَيْسابور، وبيني وبينه ما كان من الحِقْد والحَسد2.
وتُوُفّي بنَيْسابور.
قلت: في ذي الحِجَّة.
71- محمد بن أحمد بن عليّ بن شَكْرُوَيْه3.
القاضي أبو منصور الأصبهاني.
تُوُفّي بإصبهان في شعبان.
قال يحيى بن مَنْدَهْ: هو آخر من روى عن أبي عليّ بن البغدادي، وأبي إسحاق بن خرشيذ قُولَهْ، وسافر إلى البصرة.
وسمع من: أبي عمر الهاشميّ، وعليّ بن القاسم النّجّاد، وجماعة.
إلّا أنّه خلط في كتاب "السُّنَن" ما سمعه بما لم يسمعه، وحكَّ بعض السَّماع، كذلك أراني مؤتمن السّاجيّ، ثمّ ترك القراءة عليه، وخرج إلى البصرة، وسمع الكتابَ من أبي عليّ التُّسْتَرِيّ4.
وقال المؤتمن السّاجيّ: ما كان عند ابن شكرويه عن ابن خرشيذ قوله،
__________
1 هو "الدقاق" كما في سير أعلام النبلاء "19/ 17".
2 وهذا من كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به. راجع ميزان الاعتدال "1/ 111".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 493، 494" رقم "256".
4 نسبة إلى "تستر" من بلاد خوزستان. الأنساب "3/ 54".

(33/68)


والْجُرْجَانيّ، وهذه الطّبقة فصحيح، وأطلعني ابن شَكْرُوَيْه على كتابه لـ"لسُنَن أبي داود" فرأيت تخليطًا ما استحللتُ معه سماعه.
وقال أبو طاهر: لمّا كنّا بإصبهان كان يُذكر أنّ "السُّنَن" عند ابن شَكْرُوَيْه، فنظرتُ فإذا هو مضطّرب، فسألتُ عن ذلك، فقيل: إنّه كان له ابن عمّ، وكانا جميعًا بالبصرة، وكان القاضي أبو منصور مشتغلًا بالفقه، وإنّما سمع اليسير من القاضي أبي عمر الهاشميّ، وكان ابن عمّه قد سمع الكتابَ كلَّه، وتُوُفّي قديمًا.
فكشَط أبو منصور اسم ابن عمّه، وأثبت اسمَه، فخرجتُ إلى البصرة، وقرأتُه على التُّسْتَرِيّ1.
وقال السّمعانيّ: سألتُ أبا سعْد البغداديّ، عن أبي منصور بن شَكْرُوَيْه، فقال: كان أشعريًّا، لا يُسلِّم علينا ولا نُسلِّم عليه، ولكنّه كان صحيح السّماع.
وقال يحيى بن مَنْدَهْ: كان أبو منصور على قضاء قرية سين، سافر البصرة فسمع من الهاشميّ، وأبي الحسن النّجّاد، وأبي طاهر بن أبي مسلم.
وُلِد ابن شكرويه سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، ومات في العشرين من شعبان.
وقد روى عنه: إسماعيل الحافظ، وابن طاهر المقدسيّ، ونصر الله بن محمد المصيصي، وهبة الله بن طاوس الدّمشقيّان، وأبو عبد الله الرُّسْتُميّ، وطائفة كبيرة منهم أبو سعْد البغداديّ، وعبد العزيز الأَدَميّ، والْجُنَيْد القايِنيّ.
72- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن هارون2 بن زرا3.
أبو الخير الأصبهاني.
سمع: أبا عبد الله الْجُرْجَانيّ، وأبا بكر بن مردُوَيْه، وعثمان بن أحمد البُرجيّ.
وعنه: إسماعيل الحافظ، ومسعود الثّقفيّ، والرُّسْتُميّ، ومحمد بن عبد الوهّاب المَغَازِليّ، وأبو البركات الفُرَاويّ، وعبد المنعم بن محمد بن سَعْدُوَيْه، وآخرون.
مات في رجب.
__________
1 التقييد "54".
2 شذرات الذهب "3/ 367".
3 في شذرات الذهب "زر".

(33/69)


وكان صالحًا واعظًا فقيهًا متعبدًا. أمَّ بجامع إصبهان مدّة.
وممّن روى عنه: عبد العزيز بن محمد الشّيرازيّ الأدَميّ.
مات في رجب.
73- محمد بن أحمد بن أبي جعفر الطَّبَسيّ النَّيْسابوريّ1.
أبو الفضل.
محدِّث زاهد، عالم، صنَّف كتاب "بستان العارفين" وسمع من: أبي عبد الله الحاكم، وأبي طاهر بن مَحْمِش، وعبد اللَّه بن يوسف بن مامَوْيه، وأصحاب الأصمّ.
روى عنه: الْجُنَيْد بن محمد القايِنيّ2، وجماعة من القدماء.
وأملى مدّة.
وممّن روى عنه: وجيه الشّحّاميّ، وأبو الأسعد القُشَيْريّ، وجماعة.
تُوُفّي في رمضان.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل3: شيخ، فاضل، زاهد، صوفيّ، ورِع، ثقة، كتب الكثير، وجمع التّصانيف المفيدة.
وقد سمع "مُسْنَد أبي الموجَّه" بمَرْو، ومن القاضي أبي بكر الصَّيْرَفيّ.
قدِم علينا، وأفادنا في آخر عمره، وأملى بالنّظاميّة أيّامًا، ثمّ عاد إلى طَبَس، وبها مات.
74- محمد بن أحمد بْن الْحُسَيْن بْن علي.
أبو عَبْد اللَّه ابن الإمام الكبير أبي بكر البَيْهَقيّ.
مات في شعبان.
75- محمد بن علي بن محمد بن جعفر.
أبو سعد الرستمي البغدادي.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 588" رقم "309".
2 القايني: نسبة إلى قاين. بلدة قريبة من طبس. الأنساب "10/ 37".
3 في المنتخب من السياق "58".

(33/70)


ولد سنة أربعمائة.
وسمع: أبا الحسين بن بشْران، وأبا الفضل القطّان.
روى عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وعبد الوهّاب الأنْماطي.
وكان رجلًا خيِّرًا.
تُوُفّي -رحمه الله- في ربيع الأوّل.
76- محمد بن منصور بن عمر بن علي1.
أبو بكر ابن الإمام الفقيه أبي القاسم الكرْخيّ، الفقيه الشّافعيّ، والد الشّيخ أبي البدر إبراهيم الكرْخيّ.
صالح، متديِّن، عالم.
روى عنه: إسماعيل بن أحمد السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ.
ومات في جُمَادى الأولى.
وأمّا أبوه فَمِن كبار أئمّة الشّافعيّة، سمع أبا طاهر المخلص، ودرس على الأستاذ أبي حامد الإسفرائيني، وصنَّف واشتغل.
77- محمد بن نعمة2.
أبو بكر الأسدي ابن القيروانيّ الصّابر.
روى عن: أبي عمران الفاسيّ، ومروان بن عليّ البُونيّ3 وعلي بن أبي طالب الصابر وله كتب في التعبير، سكن المرية، وحمل الناس عنه.
قال ابن بشكوال: سمعت بعضهم يضعفه.
توفي سنة إحدى واثنتين وثمانين.
78- مرزوق بن فتح بن صالح4.
__________
1 الأنساب "10/ 393"، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 206".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 603"، "رقم "1323".
3 البوني: نسبة إلى بونة: بلد بإفريقية "المشتبه 1/ 101".
4 الصلة لابن بشكوال "2/ 630، 631" رقم "1387".

(33/71)


أبو الوليد القيسيّ الأندلسيّ الطّلبِيريّ.
روى عن: محمد بن موسى بن عبد السّلام، والوليد بن فَتُّوح، وأبي محمد بن عبّاس الخطيب، وأبي محمد الشنجالي، وجماعة.
وحج سنة ثمانٍ وعشرين وأربعمائة، ولقي أبا ذر فسمع منه.
وسمع بمصر، وكان من أهل المعرفة والتيقظ والمحافظة على الرواية.
ترجمه ابن بشكوال، أنبا عنه غير واحد.
وتُوُفّي فِي جُمَادى الآخرة.
"حرف الهاء":
79- هبة اللَّه بن أبي الصَّهْباء1 محمد بن حيدر القُرَشيّ.
الشّريف العدْل أبو السّنابل.
شيخ نبيل رئيس، من أهل نيسابور.
سمع: الأستاذ أبا إسحاق الإسفرائيني، وأبا بكر الحِيريّ، وعبد الله بن يوسف بن بامويه، وابن مَحْمِش، ويحيى بن إبراهيم المزكيّ، وأبا عبد الرحمن السُّلَميّ، وجماعة.
روى عنه: عبد الخالق بن زاهر، وعائشة بنت أحمد الصّفّار، ووجيه الشّحّاميّ، ومحمد بن جامع الصَّوّاف، وآخرون.
وكان ثقة مُكْثِرًا، روى الكثير.
وقد سمع "سُنَن النَّسَائيّ" من: الحسين بن فَنْجُوَيْه الدِّينَوريّ، ولد سنة إحدى وأربعمائة، وعاش نَيِّفًا وثمانين سنة وهو من أولاد الأمير عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كُرَيْز العَبْشَميّ2.
80- هبة اللَّه بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن المُجْليّ.
الحافظ أبو نصْر البغدادي البابصري.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 589" رقم "310".
2 العبشمي: نسبة إلى بني عبد شمس بن عبد مناف "الأنساب 8/ 368".

(33/72)


ولد سنة اثنتين وأربعمائة.
وسمع: عبد الصّمد بن المأمون، وأبا جعفر ابن المسلمة، وابن المهتديّ بالله، وطبقتهم.
وعنه: أخوه أبو السُّعُود أحمد بن عليّ، وأبو البركات بن أبي سعْد، وهبة الله بن الشّبْليّ.
وله تصانيفٌ وخُطَب.
قال السّمعانيّ: فاضل ديّن، ثقة، وله تخريجات وجُمُوع، وكتب الكثير، أدركته المنيّة شابًّا.
قلت: مات في جُمَادى الأولى.
81- هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن عبد الغفار.
أبو القاسم البغدادي ابن السّمسميّ المذهّب.
سمع: أبا عليّ بن شاذان.
روى عنه: إسماعيل بن السمرقندي.
ومات فجأة في ربيع الأوّل.
وكان مليح الكتابة، يكتب المصاحف وغيرها ويذهّبها ويزوّقها.
وكان في الطّبقة العليا في التّذهيب، وكان حَسَنَ الخَلق والخُلق، متودّدًا مطبوعًا.
82- هبة الله بن محمد بن أحمد.
أبو طاهر الْجَنْزيّ1، المؤدّب.
تُوُفّي بإصبهان في سابع جُمَادى الآخرة.
"حرف الواو":
83- الوليد بن عبد الملك بن أبي عَمْرو عبد الوهاب ابن الحافظ بن منده:
__________
1 الجنزي: نسبة إلى جنزة، وهي بلدة من بلاد أذربيجان "الأنساب 3/ 323، 324".

(33/73)


الأصبهاني، أبو غالب التّاجر.
مات في السَّفَر.
وقد تُوُفّي بإصبهان في هذه السّنة جماعة لا أعرفهم.
وفيات سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة:
"حرف الألف":
84- أحمد بن عثمان بن أحمد بن نفيس1.
أبو البركات الواسطيّ.
حدَّث بواسط وبغداد عن: التُّبانيّ، وعليّ بن خَزَفَة، وأبي الْفَضْلِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّمِيمِيُّ، وغير واحد.
روى عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وسعد بن عبد الكريم الغندجاني الواسطي، وأبو محمد عبد الله بن علي سبط الخياط.
توفي في جمادى الأولى، وله إحدى وثمانون سنة، وكان مؤدبا.
85- أحمد بن يحيى بن هلال.
أبو الفضل بن العداد البغدادي الخياط المقرئ، إمام النظامية.
روى عن: أبي القاسم بن بشْران.
وعنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهاب الأنماطي.
توفي في جمادى الآخرة.
86- إسماعيل بن محمد النوحي2.
القاضي.
__________
1 المشتبه في الرجال "2/ 486".
2 المشتبه في الرجال "1/ 118".

(33/74)


"حرف الجيم":
87- جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن جعفر1.
المكتفي بالله العباسي، أحد المعمرين.
عاش ستا وتسعين سنة2.
وفاته السماع من المخلص، وطبقته.
حدث عن: أبي القاسم بن بشران.
روى عنه: إسماعيل بن السمرقندي.
"حرف الخاء":
88- خُوَاهَرْ زاذَة3.
شيخ الحنفيّة، اسمه محمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر البخاريّ القُدَيْديّ4، الحنفيّ الفقيه، ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري، ولهذا قيل له بالعجميّ: خُوَاهَرْ زاذَة، وتفسيره: ابن أخت عالم.
كان أبو بكر إمامًا كبير الشّأن، بحرًا في معرفة المذهب، وطريقته أبسط طريقة للأصحاب، وكان يحفظها.
سمع: أباه، وأبا الفضل منصور بن نصر الكَاغدِيّ، وأبا نصر أحمد بن عليّ الخارقيّ، وسعيد بن أحمد الأصبهاني، والحاكم أبا عمر محمد بن عبد العزيز القَنْطَريّ.
وأملى ببُخَارى مجالس، وخرّج له أصحاب أئمّة، وكان عالِم ما وراء النّهر.
روى عنه: عثمان بن عليّ البَيْكَنديّ، وعمر بن محمد بن لقمان النسفي، وغيرهما.
__________
1 المنتظم "9/ 53، 54" رقم "85" "16/ 290 رقم 3607".
2 في المنتظم. وبلغ تسعًا وستين سنة.
3 سير أعلام النبلاء "13/ 14، 15" رقم 8.
4 القديدي: نسبة إلى قديد، وهو منزل بين مكة والمدينة "الأنساب 10/ 77".

(33/75)


تُوُفّي ببُخارى في جُمَادى الأولى.
ذكره السّمعانيّ في "الأنساب".
"حرف العين":
89- عاصم بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عاصم بن مهران1.
أبو الحسين العاصميّ البغداديّ، العطّار الكرْخيّ الشَّاعر.
أحد ظُرفاء البغداديّين وأكياسهم، كان صاحب مُلَح ونوادر، وله الشِّعْر الرائق، مع الصلاح والورع والعفة.
سمع الكثر، ورحل إليه الطلبة واشتهر اسمه، وسار نظمه، وحدَّث عن: أبي الحسين بن المُتَيّم الواعظ، وأبي عمر بن مهديّ، وهلال الحفّار، وأبي الحسين بن بشْران، ومحمد بن عبد العزيز البَرْذَعيّ.
روى عنه: الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب "المؤتنف"2، وإسماعيل بن محمد، وأبو نصر أحمد بن عمر، وأبو سعْد أحمد بن محمد الأصبهانيون، وهبة الله ابن طاوس، ونصر الله بن محمد المصّيصيّ الدّمشقيّان، ووجيه الشحامي، وأبو عبد الله الفراوي النيسابوري، وعبدُ الخالق بن أحمد اليُوسفيّ، ومُحَمَّد بن ناصر، وسعيد بن البنّا، وأحمد بن عبد الباقيّ قَفرجل، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وهبة اللَّه بْن الْحَسَن الدّقّاق، ومُحَمَّد بْن عَبْد العزيز البيِّع، وابن البطّيّ، وخلْق سواهم.
قَرَأْتُ عَلَى الأَبَرْقُوهِيِّ: أَخْبَرَكَ مُحَمَّدُ بْنُ هِبَةَ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ عَمَّهُ أَبَا بَكْرٍ الْبَيِّعَ أَخْبَرَهُمْ: أَنَا عَاصِمُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا الْمَحَامِلِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا مات الإنسان انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةِ، أَوْ علمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ ولدٍ صالحٍ يدعو له" 3.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 136"، وسير أعلام النبلاء "18/ 898-600" رقم "316".
2 وتوفي قبله بعشرين سنة. الأنساب "8/ 315".
3 حديث صحيح: أخرجه مسلم "1631"، والترمذي "1390"، والنسائي "6/ 251"، وأحمد "2/ 372".

(33/76)


قال السمعاني: سألت أبا سعد أحمد بن محمد الحافظ، عن عاصم بن الحسن، فقال: كان شيخًا، متقنًا، أديبًا، فاضلًا، كان حُفّاظ بغداد يكتبون عنه، ويشهدون بصحّة سماعه.
قال: وسمعتُ الحافظ عبد الوهّاب بن المبارك يقول: ضاع الْجُزء الرّابع من جزء عبد الرزاق، لابن عاصم، وكان سماعه، قرءوه عليه بالسّماع قبل أنْ ضاع، ثمّ بعد أن ضاع ما كان يرويه إلّا إجازةً، فلمّا كان قبل موته بأيّام جاءني شجاع الذُّهْليّ وقال: وجدتُ أصل ابن عاصم الرّابع، تعال حتّى نسمعه منه. فمضينا وأريناه الأصل، فسجَد لله، وقرأنا عَلَيْهِ بالسّماع.
قال لي عبد الوهّاب: كان عاصم عفيفًا، نَزِه النَّفس صالحًا، رقيق الشِّعْر، مليح الطَّبْع، قال لي: مرضت، فغسلت ديوان شِعْري1.
تُوُفّي عاصم في جُمَادى الآخرة2، وقد استكمل ستًّا وثمانين سنة3.
وقال أبو عليّ بن سُكَّرَة: كَانَ عاصم ثقة فاضلا، ذا شعر كثير، كَانَ يلزمني، وكان لي منه مجلسٌ يوم الخميس، لو أتاه فيه ابن الخليفة لم يمكنه.
أنبأني أبو اليمن بن عساكر: أنشدنا أبو القاسم بن صصرى، أنشدنا أبو المظفر ابن التُّرَيكيّ من كتابه: أنشدنا عاصم بن الحسن لنفسه:
لو كان يعلم من أُحِبُّ بحالي ... لَرَثَى لقلبي من جرْي البِلْبالِ
لكنّه ممّا أُلاقي سالمٌ ... من أين يعلم بالكئيب الخالي
لَهْفى على صَلِف أَحَلَّ قطيعتي ... ظُلْمًا وحرَّم زَوْرَتي ووِصالي
يقْظانُ يَبْخَلُ باللّقاءِ فَلَيْتَهُ ... في النَّوْم يسمح لي بطَيْف خيالِ
90- عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد.
أَبُو القاسم المَرْوَزِيّ الكناني القرينيني4.
__________
1 المنتظم "9/ 52"، "16/ 287".
2 البداية والنهاية "12/ 136".
3 وقال السلفي: سألت الذهلي عن عاصم بن الحسن العاصمي فقال: حدث عن جماعة وله شعر مطبوع، وكان صدوقًا من أهل السنة وقد سمعت منه. مولده سنة سبع وتسعين وثلاثمائة "المستفاد 134".
4 نسبة إلى القرينين، وهي بليدة على وادي مرو "الأنساب 10/ 126".

(33/77)


عالمٌ صيّن.
سمع: أبا بكر محمد بن الحسن بن عبوَيْه الأنباريّ، وأزدشير بن محمد الهشاميّ.
حدَّث في هذا العام، ولم تُضْبَط وفاته.
روى عنه: الحسن بن عليّ القطّان، وغيره.
91- عبد الرّزّاق بن عمر بن بَلْدَج1.
أبو بكر الشّاشيّ المقرئ.
رحل إلى مصر، وأخذ عن: عبد الباقيّ بن فارس المقرئ، وخلف بن أحمد الحوفيّ، وجماعة.
روى عنه: الحسين بن الحسن بن البُنّ، وأبو الحسن بن المسلم.
وتوفي -رحمه الله- بدمشق في جُمادى الآخرة.
92- عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن إبراهيم بْن ثُمَامَة2.
أبو نصْر التِّرْياقيّ الهَرَويّ.
سمع "جامع التِّرْمِذِيّ" سوى الجزء الأخير منه، وهو من أوّل مناقب ابن عبّاس، من عبد الجبّار الجراحيّ.
سمعه منه: المؤتمن السّاجيّ، وأبو الفتح عبد الملك الكَرُوخيّ.
وتِرْياق: قرية من قُرى هَرَاة.
وسمع أبو نصْر أيضًا من: القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزْديّ وأبي الفضل الجاروديّ.
وكان ثقة أديبًا.
تُوُفّي في رمضان وُلِد سنة "94"3.
__________
1 مختصرتاريخ دمشق لابن منظور "15/ 95" رقم "75".
2 سير أعلام النبلاء "9/ 6، 7" رقم 2.
3 في سير أعلام النبلاء "19/ 7": "وعمر أربعًا وتسعين سنة".

(33/78)


93- عبد الغنيّ بن بازل1.
أبو محمد الألواحيّ المصريّ.
من بُليدة ألواح.
شيخ، صالح فقيه شافعيّ.
رحل، وسمع: أبا إسحاق الرمليّ، وأبا الحسن الماوَرْدِيّ، وأبا بكر أحمد بن الحسين البَيْهَقيّ، وأبا عثمان البِحِيريّ.
روى عنه: أبو سعْد أحمد بن البغداديّ، وإسماعيل بن عليّ الحماميّ.
94- عليّ بن عبد الله بن فَرَح2.
أبو الحسن الْجُذَاميّ الطُّلَيْطُلَيّ المقرئ، خطيب طُلَيْطُلَة.
ويعرف بابن الإليبري3.
أخذ عن: مكّيّ بن أبي طالب، وعن: أبي القاسم وليد بن العربيّ المقرئ، وأبي محمد بن عبّاس الخطيب، وأبي الربيع بن صُهَيْبَة، ومحمد بن مساور، وجماعة كثيرة
وأقرأ النّاس بالرّوايات، وكان عارفًا بها، عاقلًا وقورًا ثقة، صالحًا واعظًا مذكّرًا، قدِم قُرْطُبة، فَقُدِّم إلى الإقراء بجامعها في سنة ثلاثٍ وثمانين، فأقرأ النّاس بها نحو شهرين، ومات رحمه الله.
ومولده سنة عشر وأربعمائة.
95- عليّ بْن محمد بْن محمد بْن الطّيّب4.
أبو الحسن الواسطيّ المَغَازِليّ، ويُعرف بابن الْجُلابيّ.
سمع الكثير، وسمّع ابنه أبا عبد الله، وذيّل "تاريخ واسط" في كراريس.
سمع: عليّ بن عبد الصّمد الهاشميّ، وأبا غالب بن بشران.
__________
1 الأنساب "1/ 342".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 421" رقم "901".
3 معجم البلدان "1/ 244".
4 الأنساب "3/ 400".

(33/79)


روى عنه: ابنه.
ونزل ليتوضّأ فغرِق في دجلة في صفر ببغداد، وثمّ أُحْدِر إلى واسط.
96- عليّ بن محمد بن عليّ بن الطراح1.
أبو الحسن المدير. والد يحيى بن الطّرّاح.
سمع: أبا القاسم بن بِشْران، ومَن بعده.
روى عنه: ابنه يحيى، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ وأثنى عليه.
تُوُفّي في ذي الحجّة.
97- عيسى بن إبراهيم2.
أبو الأصْبَغ السَّرَقسطيّ.
روى عن: أبي عمر الطَّلَمْنكيّ، وغيره.
وكان من أهل المعرفة والأدب والفَهْم.
حدَّث عنه: أبو عليّ بن سُكَّرَة.
"حرف القاف":
98- القاسم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد3.
أبو سعْد الخلقاني4 النيسابوري.
حدث عن: ابن محمش، وأبي عبد الرحمن السلمي، وأبي بكر الحيري.
وتوفي في ربيع الآخر عن ثمانين سنة.
روى عنه: عبد الغافر في "تاريخه".
__________
1 الأنساب "11/ 200".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 438" رقم "941".
3 المنتخب من السياق "421، 422" رقم "1438".
4 الخلقاني: نسبة إلى بيع الخلق من الثياب وغيرها "الأنساب "5/ 163".

(33/80)


"حرف الميم":
99- محمد بن أحمد الخبّاز1.
أبو الحسن اللّحّاس البغداديّ.
عن: أبي الحسن بن رزقوَيْه، وأبي الحسين بن بِشْران، وابن أبي الفوارس.
وعنه: أبو عليّ أحمد بن أحمد بن الخراز، وحفيده أبو المعالي محمد بن محمد.
مات في ثامن رجب.
100- محمد بن إسماعيل بن محمد بن السَّرِيّ بن بَنُّون بن حُمَيْد2.
أبو بكر التَّفْلِيسيّ ثمّ النَّيْسابوريّ الصُّوفيّ، المقرئ.
شيخ صالح مستور، سليم النّفس، صوفيّ الطَّبْع.
سمع من: أبي يَعْلَى حمزة المهلَّبيّ، وعبد الله بن باموَيْه، وأبي صادق الصَّيْدَلانيّ، وأبي عبد الرحمن السُّلَميّ، وجماعة من أصحاب الأصمّ.
وأملى وحدَّث سِنين. وكان مولده في سنة أربعمائة في رَجَبها.
روى عنه: عبد الغافر بن إسماعيل وأثنى عليه، وإسماعيل بن المؤذّن، ووجيه الشّحّاميّ، وآخرون.
تُوُفّي في سَلْخ شوّال.
وقد سئل عنه إسماعيل بن محمد الحافظ فقال: شيخ صالح يُتبرَّك بدعائه، سمع الكثير من المهلَّبيّ.
101- محمد بن ثابت بن حسن3.
أبو بكر الجندي4، أحد فحول المتكلمين.
__________
1 المنتظم "9/ 55" رقم "91" "16/ 291" رقم "3/ 36".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 11، 12" رقم 6.
3 شذرات الذهب "3/ 368"، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي "3/ 50، 51".
4 الخجندي: نسبة إلى خجند، وهي بلدة كبيرة على طرف سيحون من بلاد المشرق "الأنساب 5/ 52".

(33/81)


كان يعِظ ويتكلّم في كلّ فنٍّ، ويقع كلامه من القلوب الموقع العظيم.
استوطن إصبهان ونفق على أهلها وصار من رؤساء علمائها ومحتشميهم، وتفقّه به جماعة في مذهب الشّافعيّ، وانتشر ذِكْره، وولي تدريس نظاميّة إصبهان.
وتفقّه على أبي سهل الأبِيَوْرديّ1. وحدَّث عن والده.
وتُوُفّي في ذي القعدة.
- محمد بن الحسين.
أبو بكر البخاريّ الفقيه. هو خُوَاهَرْ زاذَة، تقدَّم ذِكْره2.
102- مُحَمَّد بن سَهْل بن مُحَمَّد بن أَحْمَد3.
أبو نصْر الشّاذْيَاخيّ السّرّاج.
كان أسند مَن بقي بنَيْسابور.
سمع: أبا نُعَيْم عبد الملك بن الحسن، وعبد الله بن يوسف بن مامويه، والإمام سهل الصلعوكي، وابن مَحْمِش، وجماعة.
روى عنه: ابن طاهر المقدسيّ، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وعبد الله بن الفراوي، ومحمد بن جامع خياط الصوف، وآخرون، والحافظ عبد الغافر وقال: شيخ نظيف طريف، مختص بمجالس الصّاعديّة للمنادمة والخدمة.
سمع الكثير.
وتوفي في صفر وله تسعون سنة.
103- محمد بْن عَبْد الله بْن محمد.
أبو نصْر الأصبهاني المعروف بالصَّيْقل.
قدِم بغداد حاجًّا، فحدَّث بها عن: الحسين بن إبراهيم الجمّال، وأبي الحسين بن فاذشاه، وأبي ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني.
__________
1 نسبة إلى أبيورد من بلاد خراسان "الأنساب 1/ 128".
2 انظر الترجمة رقم "88".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 529" رقم "269".

(33/82)


كتب عنه أبو بكر ابن الخاضبة.
وروى عنه: ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وعبد المَلِك بْن عليّ بْن يوسف، وغيرهم.
ذكره ابن النّجّار.
104- محمد بن عليّ بن الحَسَن1.
أبو طالب بن الواسطيّ، الكَرْخِيّ، البزار، النبلي2، التّاجر، السّفّار.
سمع، وكتب بخطّه، وحدَّث بنَيّسابور وهَرَاة.
وسمع ابن غَيْلان، وأبا محمد الخلّال، وأبا الطّيّب الطَّبريّ، وأبا القاسم التّنوخيّ، وجماعة.
روى عنه: المؤتمن السّاجيّ، ومحمد بن عبد الواحد الدّقّاق، وأبو البركات عبد الله بن الفُرَاويّ.
ومات بنَيّسابور.
105- محمد بن محمد بن جَهير3.
الوزير فخر الدّولة4، أبو نصْر التَّغْلبيّ، مؤيّد الدّين، ناظر ديوان حلب، ووزير ميّافارقين.
وكان من رجال العالم حزّمًا ودهاءً ورأيا، سعى إلي أن قدِم بغداد، وتوصّل إلى أن ولي وزارة أمير المؤمنين القائم بأمر الله في سنة أربعٍ وخمسين وأربعمائة. ودامت دولته مدّة.
ولمّا بويع المقتدي بالله أقرّه على الوزارة عامين، ثمّ عزله في حدود سنة سبعين.
وفي سنة ستٍّ وسبعين استدعاه السّلطان ملكشاه، فعقد له على ديار بكر، وسار
__________
1 المنتظم "9/ 54"، رقم "88" "16/ 291 رقم 3610".
2 النبلي: نسبة إلى النبيل، وهي بليدة على الفرات بين بغداد والكوفة "الأنساب 12/ 186".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 608، 609" رقم "324".
4 في سير أعلام النبلاء "فخر الدين".

(33/83)


معه الأمير أُرْتُق بن أكسب صاحب حُلْوان، فلمّا وصلوا فتح زعيم الرّؤساء أبو القاسم بن الوزير أبي نصر مدينة أمِد، بعد أن حاصرها حصارًا شديدًا.
ثم فتح أبو فخر الدّولة ميافارقين بعد أشهر.
وكان رئيسًا جليلًا، مدحه الشُّعراء، وعاش نيِّفًا وثمانين سنة، وتُوُفّي بالموصل، وكان قد قدِمها متولّيا من جهة ملكشاه في سنة اثنتين وثمانين.
وكان الخليفة قد أعاده إلى الوزارة مدّة، قبل سنة ثمانين، وفي حدودها.
ووُلِد في ثالث المحرم سنة اثنتين وأربعمائة.
قال ابن النّجّار في "تاريخه": ذكر أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهَمَذَانيّ أنّه نشأ بالموصل، وبها وُلِد، وكان مشتغلًا بالتّجارة، ثمّ تركها.
وصحب قِرْواش بن المقلّد بن المسيّب أمير عبادة، فلمّا قبض الأمير بركة على أخيه قِرْواش قرْبَ منه أبو نصر، وأنفذه رسولًا إلى القُسْطَنطينيّة.
ثمّ كاتَبَه ابن مروان صاحب ديار بكر، فورد عليه ووَزَرَ له في أوّل سنة ستٍّ وأربعين وأربعمائة، وذلك في آخر أيّام ابن مروان، فاستولى أبو نصر على الأمور، ووصل إلى ما لم يصل إليه غيره بشهامته وإقدامه، على صعاب الأمور، فأقام الهيبة، وأكثر العطاء والبذْل، وكاتَبَه ملوك الأطراف بالشّيخ الأجلّ النّاصح كافيّ الدّولة، ومَدَحه الشُّعَراء، وقصَدَه العلماء، فلمّا مات ابن مروان سنة ثلاثٍ وخمسين أقام ولده نصر بن أبي نصر في الإمرة، فحاربه إخوته سعيد، وأبو الفوارس، واختلفوا، فسَفَّر أبو نصر أمواله، وكاتب القائم في وزارته، وبذل له ثلاثين ألف دينار، فخرج إليه طراد النّقيب، وأظهر أنّه في رساله إلى ابن مروان، فلمّا عاد طراد من ميافارقين خرج ابن جَهير لتوديعه، فصَحِبه إلى بغداد، ومعه ولداه عميد الدّولة أبو منصور محمد، وزعيم الرّؤساء أبو القاسم، فتلقّاه أرباب الدّولة، ووَزَرَ للقائم، ولقَّبه فخر الدّولة، وكانت الخطْبة بالشّام جميعه إلى عانَة تقام للمصريّين، فكاتب فخر الدّولة أهلَ دمشق، وبني كلب ومحمود بن الروقلية صاحب حلب والمتميّزين بها وجماعتهم أصدقاؤه، يدعوهم إلى الدّعوة العبّاسيّة، فأجابوه، وجاءت رُسُلهم بالطّاعة.
قال: وعزل القائم في سنة ستّين، وأُخرج من بغداد، ورشّح للوزارة أبو يَعْلَى كاتب هزارسب، وطُلب من همذان، فأتته المنيّة بغتةً لسعادة ابن جَهير فطلبه القائم

(33/84)


وأعاده إلى الوزارة، وبقي إلى أن عُزِل في أول سنة سبعين، فإن السعادة سَعَت بينه وبين نظام المُلْك وزير السّلطان، فكلَّف النّظّام السّلطان إن يكتب إلى الخليفة يطلب منه أن يعزل ابن جَهير، فعزله. ثمّ صارت الوزارة إلى ولده عميد الدّولة.
قال محمد بن أبي نصر الحُمَيْديّ: حدَّثني أبو الحسن محمد بن هلال بن الصّابئ: حدثني الوزير فخر الدولة بن جهير: حدَّثني نصير الدّولة أبو نصر صاحب آمِد وميافارقين قال: كان بعض مقدَّمي الأكراد معي على الطّبق، فأخذت حجلةً مَشْوِيّة، فناولته، فأخذها وضحِك.
فقلتُ: ممّ تضحك؟ قال: خبرٌ.
فألححت عليه، ودافع عن الجواب، حتّى رفعت يدي وقلت: لا آكل حتّى تعرّفني.
فقال: شيء ذكَّرَتْنيه الحجْلة، كنتُ أيّام الشّباب قد أخذت تاجرًا وما معه، وقرَّبته لأذبحه خوفًا من غائلته، فقال: يا هذا أخذتَ مالي، فَدَعني أرجع إلى عيالي فأكدّ عليهم، وبكى وتضرَّع إليَّ، فلم أرقّ له، فلمّا آيس من الحياة التفتَ إلى حجْلين على جبلٍ وقال: اشهدا لي عليه عند الله أنّه قاتلي ظُلْمًا. فقتلته فلمّا رأيت الحجلة الآن ذكرت حمقه في استشهاده الحجل عليَّ.
قال ابن مروان: فحين سمعت قوله اهتززت حتّى ما أملك نفسي، وقلت: قد والله شهدت الحجلتان عليك عند مَن أقادك بالرجل، وأمرتُ بأخْذه، وكتّفوه، ثمّ ضُرِبت رقبته بين يدي، فلم آكل حتّى رأيتُ رأسَه يتبرّأ من بدنه.
قلتُ للوزير: قد والله ذكر التّنُوخيّ في كتاب "النّشْوار"1 مثل هذه الحكاية بعينها، عن الراسبي عامل خورسان، لا تزيد حرفًا، ولا تنقص حرفًا، وعَجِبْنا من اتفاق الحكايتين.
تُوُفّي فخر الدّولة في يوم الثّلاثاء ثامن صفر سنة ثلاثٍ بالموصل.
106- محمد بن المؤمّل بن محمد بن إسحاق2.
أبو صالح النيسابوري البشتي.
__________
1 نشوار المحاضرة -"3/ 208-210".
2 الأنساب "2/ 228، 229".

(33/85)


شيخ صالح عابد.
سمع: أبا عبد الرحمن السُّلَميّ، وأبا زكريّا المزكيّ، وتُوُفّي بإصبهان.
روى عنه: سفيان بن مَنْدَهْ، وإسماعيل الحافظ، وعبد الخالق الشّحّاميّ.
107- الموفّق بن طاهر.
أبو نصر الجوزقيّ الإمام.
سمع بهَرَاة: أبا الفضل عمر بن أبي سعد، وأبا يعقوب القرّاب.
"حرف الهاء":
108- هبة اللَّه بْن عَليّ بْن بُنْدَار بن أحمد بن فُورَك بن بطّة.
أبو منصور الأديب.
أظنّه إصبهانيًّا.
"الكنى":
109- أبو القاسم.
المحسّن بن محمد بن المحسّن بن سَبْسنُوَيْه الأصبهاني الطّرّاق.
سمع: أبا بكر بن مردوَيْه.
ورخه ابن منده.
وفيات سنة أربع وثمانين وأربعمائة:
"حرف الألف":
110- أحمدُ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي بكر محمد بن أبي عليّ أَحْمَد بن عبد الرحمن1.
أبو الحسين الهَمَذَانيّ الذَّكْوانيّ الأصبهاني.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 103، 104" رقم 58".

(33/86)


سمع: جدّه أبا بكر، وأبا الفَرَج عثمان بن أحمد البُرْجيّ، وأبا بكر أحمد بن موسى بن مردوَيْه، وأبا طاهر السِّيرنْجانيّ، ومحمد بن إبراهيم الجرجاني.
روى عنه: الحفاظ إسماعيل الطلحي، وأبو نصر الغازي، وأحمد بن محمد أبو سعْد البغداديّ، ومحمد بن أبي نصر اللّفْتوانيّ، وعبد الجليل كُوتَاه، وعِدّة.
وعاش تسعين سنة.
تُوُفّي يوم عَرَفَة، وكان صدوقًا نبيلًا.
111- أُرْتُق بن أكسب التُّرْكُمانيّ1.
جدّ الملوك الأُرْتُقيّة.
كان أميرًا مُطاعًا، تغلّب على حلوان والجبل، وكثر أتباعه، فسار إلى الشام، وملك ولده سُقْمان بيت المقدس.
وذرّيّته هم ملوك ماردين من مائتي سنة وإلى وقتنا هذا.
112- الياس بن مُضَر بن محمد.
أبو عَمْرو التّميميّ الهَرَويّ، شيخ المزكّين بهَرَاة.
كان فاضلا أدبيًا.
سمع: عبد الرحمن بن أبي أحمد السرخستي، ويحيى بن عمّار الواعظ، والقاضي محمد بن محمد الأزْديّ، ومحمد بن عليّ الباشانيّ، وعدّة.
وعنه: عبد الصَّبُور بن عبد السلام الفاميّ، وحفيدته جوهر ناز بنت مُضَر.
مات في صفر، وله أربعٌ وثمانون سنة.
"حرف الحاء":
113- الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الحسن.
أبو عليّ الدّقّاق.
تُوُفّي في رمضان.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 138".

(33/87)


إصبهانيّ، ثقة، حافظ، وبصُحبة محمد بن عبد الواحد الدّقّاق لأبي عليّ الدّقّاق عُرِف محمد بالدّقّاق.
وكان أبو عليّ أحد الرّحّالين، كتب الكثير بخطّه، وسمع العالَم بقراءته، وكانت له معرفة وفهم.
سمع منه: مكّيّ الرُّمَيْليّ، وابن طاهر.
حدَّث عن: ابن ريذة، وأصحاب ابن المقرئ.
وحدَّث "بالمعجم الصَّغير".
114- الحسين بن عليّ بن خَلَف بن جبريل1.
الألمعيّ الكاشْغَريّ.
رحل، وسمع من: عبد العزيز الأزَجيّ، ومحمد بن عليّ الصُّوريّ، ومحمد بن محمد بن غَيْلان، وأبي عبد الله العَلَويّ الكوفيّ.
روى عنه: محمد بن محمود السَّرَه مَرْد، وأبو سُفْيان العبدويي، بسَرْخَس.
وكان بكّاءً خائفًا واعظًا، لا يخاف في الله لومة لائم، تاب على يديه خلْقٌ كثير، لكنّ في حديثه مناكير.
قال السّمعانيّ: قال محمد بن عبد الحميد: كان الكَاشْغَرِيّ يضع الأحاديث.
قال السّمعانيّ: وقرأتُ بخطّ عطاء بن مالك النَّحْويّ فهرسّتَ تصانيف أبي عبد الله الكَاشْغَرِيّ: "المُقْنِع في تفسير القرآن" كتاب "التّوبة"، كتاب "الورع"، كتاب "الزُّهد". إلى أن ذكر السّمعانيّ له أكثر من مائة تصنيف، سائرها في التّصوّف والآداب الدينيّة.
ثمّ ورّخ وفاته فقال: بعد سنة أربعٍ وثمانين وأربعمائة.
115- الحسين بن محمد2.
أبو عليّ الدّلفيّ المقدسيّ، ثم البغدادي الزاهد.
__________
1 معجم البلدان "4/ 430"، وميزان الاعتدال "1/ 544" رقم "2033".
2 الأنساب "5/ 331، 332".

(33/88)


تُوُفّي في ذي الحجّة.
قال أبو عليّ بن سُكَّرَة: لم ألق ببغداد أزهد منه، وقد سمع من أبي بكر محمد بن جعفر الميماسيّ بعسقلان، وتفقّه على أبي نصْر بن الصّبّاغ ببغداد.
وروى عنه: هبة الله بن عليّ بن مُجْليّ، وأبو سعْد أحمد بن محمد البغداديّ.
وسمع منه أبو بكر ابن الخاضبة.
"حرف الطاء":
116- طاهر بن مُفَوَّز بن أحمد بن مُفَوَّز1.
الحافظ أبو الحسن المَعَافريّ الشاطبي صاحب أبي عمر بن عبد البَرّ، اختصّ به، وهو من أثبت النّاس فيه، وأكثرهم عنه.
وسمع من: أبي العبّاس العُذْريّ، وأبي الوليد الباجيّ، وأبي شاكر الخطيب، وأبي الفتح السَّمَرْقَنْديّ.
وسمع بقُرْطُبة من: حاتم بن محمد، وأبي مروان بن حيّان.
وكان من أهل العلم والذّكاء، عُني بالحديث أتمّ عناية، وشُهِر بحفظه وإتقانه ومعرفته، وكان حَسَن الخطّ، جيّد الضَّبْط، مع الفضل، والصّلَاح، والورع، والانقباض، والوقار.
وكان أخوه عبد الله أزهد النّاس بالأندلس.
تُوُفّي أبو الحسن في رابع شعبان، وفيه وُلِد سنة تسعٍ وعشرين.
عنه: أبو عليّ بن سُكَّرَة.
"حرف العين":
117- عبد الخالق بن الحسن بن أحمد بن المحتسب.
أبو سعد النيسابوري.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 88، 89" رقم 48.

(33/89)


شيخ صالح، سمع من: ابن مَحْمِش، وأبي بكر الحِيريّ، والصَّيْرَفيّ، وجماعة.
تُوُفّي في المحرَّم، وولد سنة أربعمائة.
روى عنه: عبد الغافر.
118- عبد الرحمن بن أحمد بن علّك1.
أبو طاهر السّاويّ، أحد أئمة الشافعية.
ولد بأصبهان بعد الثلاثين وأربعمائة، وحُمِل إلى سَمَرْقَنْد، فتفقَّه بها.
وصحِب عبد العزيز النَّخْشَبيّ، وأخذ منه علم الحديث.
سمع: أبا الربيع طاهر بن عبد الله الإملاقيّ، وأحمد بن منصور المغربيّ، النَّيْسابوريّ، وأبا الحسين بن النَّقُّور.
روى عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، ومحمد بن علي الإسفرائيني، نزيل مَرْو.
تُوُفّي ببغداد.
119- عبد الرّزّاق بن عبد الكريم بن عبد الواحد2.
أبو الفتح الحسناباذي الأصبهاني.
روى عن: أبي عبد الله الْجُرْجَانيّ، وأبي الحسين بن بِشْران المعدّل، وله رحلة إلى بغداد.
روى عنه: إسماعيل الحافظ، وهبة الله بن طاوس الدّمشقيّ.
120- عبد الغفّار بن محمد بن أحمد.
أبو مطيع الطُّيُوريّ الأصبهاني الأديب.
سمع: أبا عبد الله الْجُرْجَانيّ، وأبي الفَرَج البُرْجيّ.
121- عبد الملك بن عليّ بن خَلَف بن محمد بن النَّضْر بن شَغَبَة3.
أبو القاسم الأنصاريّ البصْريّ الحافظ، الزّاهد.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 138".
2 الأنساب "4/ 139".
3 سير أعلام النبلاء "19/ 50، 51".

(33/90)


قال أبو سُكَّرَة: أدركته وقد ترك كلّ شيء وأقبل على العبادة، وهو في نهاية السِّنّ، فدخلت عليه مسجده بعد صلاة الصُّبْح، فوجدته مستقبل القِبلة يدعو ويبكي، فَانْحَنَيْتُ لأقبّل رأسَه، فانقبض عنّي، فقالوا لي: دعْه، فتركتُه حتّى أكمل غرضَه، ثمّ قرأت عليه شيئًا من الحديث، ولم أتكرّر عليه، ورُزق الشّهادة في آخر عمره.
قال: وكان عنده جملة من "سُنَن أبي داود"، عن أبي عمر الهاشميّ، وكان كثير الحديث.
وقال السّمعانيّ: شيخ متقِن، حافظ، ثقة، مكثِر. سمع: أبا عمر الهاشميّ، ويوسف بن غسّان، والحسن بن بشّار السّابوريّ، وأبا طاهر أحمد بن محمد بن أبي مسلم، وعليّ بن هارون التّميميّ المالكيّ، وغيرهم.
ثنا عنه: أبو نصر الغازي بإصبهان، وجابر الأنصاريّ بالبصرة.
وقد روى عنه أبو نصر بن ماكولا، وحضر مجلس إملائه.
قُتِل ابن شَغَبَة في هذا العام رحمه الله.
وروى عنه: ابن طاهر المقدسيّ، وعبد الله بن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو غالب الماوَرْدِيّ.
122- عليّ بن الحسن بن عليّ1.
الزّاهد أبو الحسن الصَّنْدَليّ، النَّيْسابوريّ الحنفيّ.
ذكره عبد الغافر فقال: وجْه أئمّة أصحاب أبي حنيفة في عصره، وصاحب القبول الخارج عن الحدّ المعهود.
شرح "آثار الطّحاويّ" عن: أبي بكر أحمد بن عليّ الأصبهاني.
وتُوُفّي في ربيع الآخر.
ودُفِن في مدرسته.
123- عليّ بن الحسن بن طاوس بن سكر2.
__________
1 المنتخب من السياق "391" رقم 1321.
2 الأنساب "301 أ" "7/ 97"، والكامل في التاريخ "10/ 201".

(33/91)


كذا في "تاريخ ابن النّجّار"1، وفي "المشتبه"2: سُكّر.
أبو الحسن العاقوليّ، المعروف بتاج القُرَّاء.
سكن دمشق، وسمع بها من: أبي الحسين بن أبي نَصْر التّميميّ، وابن سلْوان المازنيّ.
وسمع بغداد من: أبي القاسم بن بِشْران، والقاضي أبي عبد الله الحسين بن عليّ الصَّيْمَريّ، وأحمد بن عليّ التَّوَّزِيّ، وجماعة.
روى عنه: غَيْث الأرمنازيّ، ونصر الله بن محمد المصّيصيّ، وإبراهيم أبو البركات الخُشُوعيّ، ونصر بن أحمد السُّوسيّ.
قال غيث: كان فكهًا، حسن المحادثة، لا بأس به، حدَّثني أنّه نسخ إحدى وثمانين ختْمة، ونحوًا من ثلاثين ألف ورقة، مثل "الصحيحين" و"سنن أبي داود". ورأيته يكتب في تعليقه القاضي أبي الطّيّب، وكان سريع الكتابة جدًا.
قال ابن الأكْفَانيّ: تُوُفّي بصور في شَعبان، وله نحوٌ من سبعين سنة.
وقال ابن عساكر: كان ثقة.
124- عليّ بن الحسين بن عليّ بن الحسن بن عثمان بن قُرَيش3.
أبو الحسن الحربيّ النَّصْريّ، من محلّة النَّصْريّة، البنّاء.
قال السّمعانيّ: كان صالحًا، ثقة، صدوقًا.
سمع: أحمد بن محمد بن الصَّلْت الأهوازيّ، وأبا الحسن الحمامي، وأبا القاسم الحرفي.
روى عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطيّ، ومحمد بن ناصر، وآخرون.
تُوُفّي في ذي الحجة.
__________
1 ذيل تاريخ بغداد "17/ 271".
2 "1/ 363".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 518، 519" رقم "261".

(33/92)


ومن آخر أصحابه أحمد بن هبة الله بن الفُرْضيّ المقرئ وعبد الخالق بن يوسف.
125- عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن البَطِر1.
أبو الحسن الدّقّاق، أخو أبي الفضل محمد وأبي الخطّاب.
سمع من: أبي عليّ بن شاذان.
وحدَّث عن: ابن رزقوَيْه؛ فتكلّموا فيه.
مات في صَفَر.
روى عنه: عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأحمد بن عليّ الدّلّال، وغيرهما.
126- عليّ بن أحمد بن محمد بن حُمَيْد.
أبو الحسن الواسطي الناقد البزار.
سمع: أبا الحسين بن بشران، وابن الفضل القطّان.
وكان صالحًا مستورًا.
روى عنه: عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وعبد الخالق بن البَدِن.
مات فِي رجب.
"حرف الميم":
127- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
أبو الحسن البغداديّ العطّار الجبّان.
روى عن: أبي الحسين بن بِشْران، وغيره.
وعن: أحمد بن عِمران الإسْكَافيّ.
روى عنه: حفيده أبو المعالي محمد بن محمد شيخ ابن اللّتّيّ.
128- محمد بن أحمد بن عليّ بن حامد2.
__________
1 المنتظم "9/ 59" رقم "94" "16/ 296" رقم "3616".
2 الأنساب "10/ 398"، والبداية والنهاية "12/ 138".

(33/93)


أبو نصر الكُرْكَانْجيّ المَرْوَزِيّ، الأستاذ المقرئ، صاحب أبي الحسين الدّهّان.
قال أبو سعْد السّمعانيّ: كان إمامًا في علوم القرآن، له مصنفات في ذلك مثل كتاب "المعول" وكتاب "التذكرة"1 طوف الكثير إلي العراق، والحجاز، والشام، والجزيرة، والسواحل في القراءة علي الشيوخ، إلي أن صار أوحد عصره، وكان زاهدًا ورِعًا.
حكى لي بعض المشايخ أنّ أبا نصر المقرئ قال: غرِقْتُ نوبةً في البحر2، فكنت أغوص3 في الماء، ويلعب بي الموج، فنظرتُ إلى الشّمس، فرأيتها قد زالت.
قال: فغصتُ في الماء، ونويت فَرْضَ الظُّهر، وشرعت في الصّلاة، فخلَّصني الله ببَرَكَة ذلك.
قرأ بمَرْو على أستاذه أبي الحسن عبد الله4 بن محمد الدّهّان؛ وبنَيْسابور على: محمد بن عليّ الخبّازيّ، وسعيد بن محمد المعدّل؛ وببغداد على أبي الحسن الحمّاميّ مُسْنِد العراق في القراءات، وبالموصل على الحسين بن عبد الواحد المعلّم، وبحَرّان على أبي القاسم عليّ بن محمد الشّريف الزَّيْديّ، وبدمشق على الحسين بن عُبَيْد الله الرُّهاويّ، وبصور على أحمد بن محمد المصريّ، وبمصر على إسماعيل بن عَمْرو بن راشد الحداد.
مولده في سنة تسعين وثلاثمائة تقريبًا، وَتُوُفِّي في ذي الحجّة سنة أربعٍ وثمانين، فالله أعلم، والصّواب الأوّل5.
ذكره مؤرّخ خُوارَزْم.
أخذ عنه خلْق كثير.
129- محمد بن الحسين بن أحمد بن الهيثم6.
__________
1 في "معجم الأدباء 17/ 231": "التذكرة لأهل البصرة".
2 زاد في "معجم الأدباء 17/ 231"، "وانكسر المركب".
3 في معجم الأدباء: "أخوض".
4 في معجم الأدباء وسير أعلام النبلاء "18/ 601"، "عن أبي الحسين عبد الرحمن".
5 لم يذكر المؤلف ما هو الأول. ولقد أرخ ابن السمعاني وفاته بسنة 481هـ "الأنساب" "10/ 398".
6 الأنساب "11/ 451، 452".

(33/94)


أبو منصور القَزْوينيّ، راوي "سُنَن ابن ماجه" عن القاسم بن أبي المنذر الخطيب.
سمع الكثير في سنة ثمانٍ وأربعمائة وبعدها من القاسم.
ومن: الزُّبَير بن محمد بن أحمد بن عثمان، وعبد الجبّار بن أحمد المتكلّم، وجماعة.
وحدث بالرَّيّ في هذه السّنة.
ولم أقع بوفاته1.
وقد سأله ابن ماكولا عن مولده، فقال: في سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة.
روى عنه: مِلْكداذ بن عليّ العَمْرَكيّ، وعليّ بن شافعيّ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الرّازيّ، وأبو العلاء زيد، وأبو المحاسن مسعود ابنا عليّ بن منصور الشّرُوطيان، ومحمد بن طاهر المقدسي، وابنه أبو زُرْعة المقدسيّ، وهو آخر من حدَّث عنه.
130- محمد بن الحسن بن محمد بن سُلَيْم2.
القاضي أبو بكر الأصبهاني.
سمع: أبا عبد الله الجرجاني، وأبا بكر بن مردويه، وجماعة.
ورحل فسمع ببغداد من: أبي عليّ بن شاذان، وغيره.
روى عنه: مسعود الثّقفيّ، والحسن الرُّسْتُميّ، وعامّة الأصبهانيين.
ومات بإصبهان في ذي القعدة.
131- محمد بْن عبد اللَّه بن الحسين3.
قاضي القُضاة أبو بكر النّاصحيّ النَّيْسابوريّ.
سمع: أبا بكر الحيري، وأبا سعيد الصيرفي، وأبا الحسين عبد الغافر الفارسي.
__________
1 قال ابن السمعاني: كانت وفاة المقومي في حدود سنة ثمانين وأربعمائة. الأنساب "11/ 452".
2 التحبير في المعجم الكبير "1/ 616".
3 سير أعلام النبلاء "19/ 19، 20" رقم 12، والبداية والنهاية "12/ 138".

(33/95)


قال فيه عبد الغافر بن إسماعيل1: قاضي القُضاة ابن إمام الإسلام أبي محمد النّاصحيّ، أفضل عصره في أصحاب أبي حنيفة، وأعرفهم بالمذهب، وأوجههم في المناظرة، مع حظٍّ وافر من الأدب، وحِفْظ الأشْعَار والطّبّ، أُقْعِد في التَّدريس في حياة والده في مدرسة السّلطان، وفوِّض إليه أمرها وأمور أوقافها، وهي الآن برسم أولاده، ثم ولي القضاة بنَيْسابور في أيّام السّلطان ألْب أرسلان، فبقي في القضاة عَشْر سِنين، ونال من الحشْمة والدّرجة لأصلِه وفضلِه وبراعتِه، وكان فقيه النَّفْس، حسَن الإيراد تكلَّم في مسائل مع إمام الحرمين أبي المعاليّ، شاهدتُ ذلك، وكان الإمام يُثني عليه.
وبقي على ذلك إلى ابتداء الدّوله الملكشاهيّة، فشُكيَ قلّة تعاونه في قبض يده ووكلاء مجلسه وأصحابه عن الأموال، وفشا منهم زيادة البَسْط في التَّرِكات، وأشرف بعضُ الحقوق عَلَى الضَّيَاع من فتح أبواب الرّشا، فعُزِل ولم يُهمل لعَظَمته، فولي قضاء الرَّيّ، وكانت تلك الديار أكثر احتمالًا، فبقي على ذلك إلى أن تُوُفّي منصَرَفَه من الحجّ في رجب.
قلت: وقد شاخ.
روى عنه: عبد الوهّاب بن الأنماطي، وأبو بكر الزاغوني، ومحمد بن عبد الواحد الدّقّاق، وجماعة.
ومات على فراسخ من إصبهان في غُرّة رجب.
132- محمد بن عبد السّلام بن عليّ بن عفان2.
أبو الوفاء البغداديّ الواعظ.
مذكر حسَن الوعْظ، رضيّ السّيرة، له صِيت وقبول.
سمع: أبا علي بن شاذان.
روى عنه: إسماعيل بن السمرقندي وتوفي في جمادى الآخرة.
__________
1 في المنتخب "67".
2 المنتظم "9/ 59" رقم "97".

(33/96)


133- محمد بن عبد السّلام بن عليّ بن نظيف1.
أبو سعْد البغداديّ، الضّرير.
سمع: أبا طالب عمر الزهري، وأبا الحسين النهراوي، وعبد الملك بن بِشْران.
روى عنه: عبد الوهّاب الأنماطيّ، وعبد الخالق بن عبد الصّمد.
تُوُفّي -رحمه الله- في ذي القعدة.
134- محمد بن معْن بن محمد بن أحمد بن صُمادح2.
السّلطان أبو يحيى التُّجَيبيّ الأندلسيّ، الملَقَّب بالمعتصم.
كان جدّه محمد صاحب مدينة وَشْقة3، فحاربه ابن عمه منذر بن يحيى، فعجز عنه: فترك له شقة وهرب، وكان من الدهاة، وكان ابنه معن مصاهرا لعبد العزيز بن عامر صاحب بَلَنْسِية والمَرِيّة، فاستخلف معنا على المرية، فخانه وتملكها، وتم له الأمر، ثم انتقل ملكها إلى ولدها المعتصم، وكان حليما جوادا، مدحه الشعراء، وهو أحد من داخل ابن تاشفين واختص به، ثم إن ابن تاشفين عزم على أخذ البلاد من المعتصم، وكان معه المرية وبجانة والصمادحية، فأظهر المعتصم العصيان، وكان له مع الله سريرة، فلم يكن بينه وبين حلول الناقرة إلا أياما يسيرة، فمات واستراح وهو في عزه وبلده.
وقد روى عن أبيه، عن جده مختصر في "غريب القرآن" روى عنه: إبراهيم بن أسود الغسّانيّ.
حكت جارية قالت: إنّني لَعِنْده وهو يُوصي، وقد غُلِب، وجيشُ ابن تاشَفين بحيث تعد خيامهم، ونسمع أصواتهم، إذا سَمَعَ وجَبَة من وجَبَاتهم، فقال: لا إله إلّا الله، نُغِّص علينا كلّ شيء حتى الموت.
فدمعت عينيّ، فلا أنساه وهو يقول بصوتٍ ضعيف:
__________
1 المنتظم "9/ 60" رقم "98".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 592-494 رقم 313".
3 وشقة: بليدة بالأندلس "معجم البلدان".

(33/97)


ترفَّقْ بدمْعِكَ لا تُفْنِهِ
فبين يديك بكاءٌ طويلُ1
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.
"حرف الياء":
135- يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد2.
أبو بكر الغَافقيّ القُرْطُبيّ المعروف بالرُّشْتسانيّ.
حجّ وأخذ عن: أبي محمد بن الوليد.
وسمع بإشبيليّة من: أبي عبد الله بن منظور؛ وكتب للقاضي أبى عبد الله بن بقى.
وكان ثقة فاضلا.
أخذ عنه: أبو الحسن بن مغيث.
وتوفي في ذي القعدة.
وفيات سنة خمس وثمانين وأربعمائة:
"حرف الألف":
136- أحمدُ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد الله3: أبو الحسن المَحْميّ النَّيْسابوريّ.
137- أحمد بن محمد.
أبو غالب الأَدَميّ القارئ بين يديّ الوعّاظ.
سمع: أبا عليّ بن شاذان، وأبا القاسم الحرفي.
وعنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي.
مات في ذي الحجة ببغداد.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 594".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 670" رقم "1477".
3 المنتخب من السياق "109" رقم 240.

(33/98)


"حرف التّاء":
138- تميم بن عبد الواحد.
أبو طاهر الأصبهاني المؤدّب.
"حرف الجيم":
139- جعفر بن يحيى بن إبراهيم1.
أبو الفضل التّميميّ المكّيّ الحكاك.
قال السمعاني: كان ثقة، متقنًا خيرًا صالحًا، كثير السّماع، كان يترسَّل عن أمير مكّة إلى الخلفاء.
سمع: أبا الحسن بن صخْر، وأبا ذَرّ الهَرَويّ، وأبا نصر السَّجْزيّ.
وانتقى ببغداد على أبي الحسن بن النَّقُّور، وتكلّم على التَّخريج بكلام مفيد، سمع من أئمّة، وثنا عنه، أبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد الحافظ، ومحمد بن ناصر.
وقد سمع بإصبهان من أصحاب أبي بكر المقرئ. وكان مولده في سنة ست عشرة وأربعمائة.
سألت عبد الوهّاب الأنْماطيّ عنه، فقال: ثقة مأمون.
وتُوُفّي في رابع عشر صَفَر.
أمير مكّة هو ابن أبي هشام، كان جعفر يتولّى ما يُدفع إليه مِن المال، فيقبضه مع كِسْوة الكعبة2.
"حرف الحاء":
140- الحسن بن الحسين بن جعفر3.
أبو عليّ بن الدّيناراباذيّ الخطيب.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 131، 132" رقم 69، والبداية والنهاية "12/ 140".
2 المنتظم "9/ 64 "16/ 302".
3 معجم البلدان "2/ 545".

(33/99)


حدَّث بهَمَذَان مرّات عن: القاضي أَبِي مُحَمَّد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْميّ اللّبّان، وعبد الصّمد بن أحمد الهَيْثَميّ، وأحمد بن منصور الحنفيّ.
قال شيرُوَيْه: سمعتُ منه، وكان شيخًا، فاضلًا متديِّنًا.
تُوُفّي في شعبان بدينارآباذ.
141- الحسن بن عليّ بن إسحاق بن العبّاس1.
الوزير أبو عليّ الطُّوسيّ، الملقَّب نظام المُلْك قِوام الدّين.
ذكره السّمعانيّ فقال: كعبة المجد، ومنبع الْجُود، كان مجلسه عامرًا بالقُرَّاء والفُقَهاء، أَمَر ببناء المدارس في الأمصار، ورغَّب في العِلم كلَّ أحد.
سمع الحديث، وأملى في البلاد، وحضَر مجلسَه الحفّاظ.
وابتداء حالهِ أنّه كان من أولاد الدّهّاقين بناحية بَيْهَق وأنّ أباه كان يطوف به على المرضِعات فيُرضعنه حسْبة، فنشأ، وساقه التّقدير إلى أنْ علِق بشيء من العربيّة وقاده ذلك إلى الشُّروع في رسوم الاستيفاء، وكان يطُوف في مُدُن خُراسان فوقع إلى غَزْنَة في صُحْبة بعض المتصرّفين ووقع في شُغل أبي عليّ بن شاذان المعتَمَد عليه ببلْخ من جهة الأمير جغري حتّى حسُن حالُه عند ابن شاذان إلى أن توفي. وكان أوصى به إلى السّلطان ألْب أرسلان ملك بَلْخ يومئذٍ، فنَصبه السّلطان مكان ابن شاذان وصار وزيرًا له، فاتّفق وفاة السّلطان طُغْرُلُبَك ولم يكن له من الأولاد من يقوم بالأمر، فتوجّه الأمر إلى ألْب أرسلان، وتعيَّن للمُلْك، وخُطِب له على منابر خُراسان، والعراق، وكان نظام المُلْك يُدبِّر أمره، فجرى على يده من الرُّسوم المستحسَنة ونفْي الظُّلْم، وإسقاط المُؤَن، وحُسْن النَّظر في أمور الرَّعيّة، ورتَّب أمور الدّواوين أحسن ترتيب، وأخذ في بذْل الصِّلات وبناء المدارس والمساجد والرّباطات، إلى أن انقضت مدّة السّلطان ألْب أرسلان في سنة خمسٍ وستّين، وطلع نجم الدولة المِلكْشاهيّة وظهرت كفاية نظام المُلْك في دفْع الخُصُوم حتّى توطّدت أسباب الدّولة، فصار المُلْك حقيقةً لنظامه، ورسْمًا للسّلطان ملكشاه بن ألْب أرسلان، واستمرّ على ذلك عشرين سنة.
وكان صاحب أناةٍ وحلْم وصمْت، ارتفع أمره، وصار سيّد الوزراء من سنة خمسٍ وخمسين وإلى حين وفاته.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 94-96" رقم 53، والبداية والنهاية "12/ 140، 141".

(33/100)


حكى القاضي أبو العلاء الغَزْنَويّ في كتاب "سرّ السُّرور": أنّ نظام المُلْك صادف في السَّفَر رجلًا في زِيّ العلماء، قد مسّه الكلال، فقال له: أيّها الشّيخ، أعييت أمْ عييت؟ فقال: أعييت يا مولانا. فتقدَّم من حاجبه أن يركبه جنْبيًّا، وأن يُصلح من شأنه، واخذ في اصطناعه، وأنّما أراد بسؤاله اختباره، فإن عيي في اللّسان، وأعيى: تعِب.
ورُوِيَ عن عبد الله السّاوجيّ أنّ نظام المُلْك استأذن ملكشاه في الحجّ، فأذِن له، وهو إذ ذاك ببغداد، فعبر الجسر، وهو بتلك الآلات والأقمشة والخيام، فأردتُ الدّخول عليه، فإذا فقيرٌ تلوح عليه سيماء القوم فقال لي: يا شيخ، أمانة ترفعها إلى الوزير، قلت: نعم: فأعطاني ورقةً، فدخلتُ بها، ولم أفتحها فوضعتها بين يدي الصّاحب، فنظر فيها وبكي بكاءً كثيرًا، حتّى ندمتُ وقلت في نفسي: ليتني نظرتُ فيها.
فقال لي: أَدْخِلْ عليَّ صاحبَ الرُّقْعة. فخرجت فلم أجده، وطلبته فلم أره، فأخبرتُ الوزير، فدَفَعَ إليَّ الرُّقْعَة، فإذا فيها: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام فقال لي: اذهب إلى حَسَن، وقُلْ له: اين تذهب إلى مكّة؟ حجُّك هنا: أما قلتُ لك أقِم بين يدي هذا التُّرْكيّ، وأغث أصحاب الحوائج من أمتي?
فبطل النظام الحج، وكان يودّ أن يرى ذلك الفقير.
قال: فرأيته يتوضّأ ويغسل خُرَيْقات، فقلت: إنّ الصّاحب يطلبك.
فقال: ما لي وله: إنما كان عندي أمانةٌ أدّيتها.
قال ابن الصّلاح: كان السّاوجيُّ هذا شيخَ الشّيوخ، نَفَقَ على النّظام حتّى أنفق عليه وعلى الفقراء باقتراحه في مدةٍ يسيرةٍ قريبًا من ثمانين ألف دينار1.
رجعْنا إلى تمام التّرجمة: وكان ملكشاه منهمكًا في الصَّيد واللهو.
سمع النّظام من أبي مسلم محمد بن عليّ بن مهريز الأديب، بإصبهان، ومن: أبي القاسم القُشَيْريّ، وأبي حامد الأزهريّ، وهذه الطّبقة.
روى لنا عنه: عمّي أبو محمد الحسن بن منصور السّمعانيّ، ومُصْعَب بن عبد الرزاق
__________
1 المنتظم "16/ 303".

(33/101)


المُصْعَبيّ، وعليّ بن طراد الزَّيْنبيّ.
قلت: ونصر بن نصر العُكْبَريّ، وغيرهم.
قال: وكان أكثر مَيْله إلى الصُّوفيّة.
وحُكي عن بعض المعتَمدين، قال: حاسبتُ نفسي، وطالعت الجرايد، فبلغ ما قضاه الصَّدْر من ديوانٍ واحدٍ من المنتمسين المقبولين عنده في مدّة سنين يسيرةٍ ثمانين ألف دينار حُمْر1.
وقيل: إنّه كان يدخل عليه أبو القاسم القُشَيّريّ، وأبو المعالي الْجُوَيْنيّ، فيقوم لهما، ويجلس في مُسْنَده كما هو، ويدخل عليه الشّيخ أبو عليّ الفارْمَذيّ فيقوم ويجلس بين يديه، ويُجْلِسه مكانه، فقيل له في ذلك، فقال: أبو القاسم وأبو المعالي وغيرهما، إذا دخلوا عليَّ يُثّنُون عليَّ ويُطْروني بما ليس فيّ، فيزيدني كلامُهم عُجْبًا وتِيهًا، وهذا الشّيخ يذكّرني عيوبَ نفسي، وما أنا فيه من الظُّلم، فتنكسر نفسي، وأرجع عن كثير ممّا أنا فيه.
مولده يوم الجمعة من ذي القعدة سنة ثمانٍ وأربعين، وأدْرَكَته الشّهادة -سامحه الله ورحمه- في شهر رمضان، فقُتِل غِيلةً وهو صائم، وذلك بين إصبهان وهمذان، أتاه شابٌ في زِيّ صوفيّ، فناوله ورقةً، فتناولها منه، فضربه بسكينٍ في فؤاده، وقُتِل قاتلُه2.
وقيل: إنّ السّلطان سئم منه، واستكثر ما بيده من الأموال والأقطاع، فدسّ هذا عليه، ولم يبق بعده السّلطان إلّا مدّةً يسيرة.
وهو أوّل مَن بنى المدارس في الإسلام، بنى نِظاميّة بغداد، ونِظاميّة نَيْسابور، ونِظاميّة طُوس، ونِظاميّة إصبهان.
وقال القاضي ابن خلِّكان: إنّ نظام المُلْك دخل على الإمام المقتدي بالله، فأذِن له في الجلوس، وقال له: يا حسن، رضِي الله عنك كرِضَى أمير المؤمنين عنك.
وكان النّظام إذا سمع الآذان أمسك عمّا هو فيه حتّى يَفّرَغ المؤذن3.
__________
1 المنتظم "16/ 303".
2 زبدة التواريخ "139، 140".
3 المنتظم "16/ 304".

(33/102)


ومن شِعره:
بعد الثّمانين ليس قُوَّه ... قد ذهبت شِرّةُ الصُّبْوة
كأنّني والعصا بكفّي ... موسى ولكنْ بلا نُبُوّه
قال شيروَيْه في "تاريخ هَمَذَان": قدِم نظام المُلْك علينا في سنة سبعٍ وسبعين إرغامًا لأنُوفنا بما أصابنا من الجور والظُّلم.
روى عن: أبي مسلم الأديب صاحب ابن المقرئ، وأبي سهل الحفْصيّ، وإسماعيل بن حمدون، وبُنْدَار بن عليّ، وأحمد بن الحسن الأزهريّ، وأميرك القَزْوينيّ، ويوسف الخطيب، وقاضينا عبد الكريم بن أحمد الطَّبَريّ.
وسمعتُ منه بقراءة أبي الفضل القومساني.
وقتل بغندجان1 ليلة الجمعة حادي عشر رمضان.
وقال السِّلَفيّ: سمعتُ صوابَ بن عبد الله الخَصِيّ ببغداد يقول: قُتِل مولاي نظام المُلْك شهيدًا بقُرب نهاوند في رمضان.
قال: وكان آخر كلامه أنّ قال: لا تقتلوا قاتلي، فقد عفوت عنه: وتشهَّد ومات.
وقد طوَّل ابن النّجّار في سيرة النّظام2.
142- حَنْدور بن فتّوح بن حُمَيْد.
أبو محمد الزّناتيّ، الفقيه المالكيّ الأصيليّ.
أصله من أصيلا.
نزل سَبْته، وأخذ عن: أبي إسحاق بن يربوع، ويوسف بن أبي مسلم.
وسافر للتّجارة إلى الأندلس.
انفرد برئاسة الفُتْيَا بِسَبْته في دولة برغوطة، وكان صالحًا خيِّرًا، والخير أغلب عليه من العلم.
__________
1 في الأصل: بغنديجان والتصحيح من: معجم البلدان "4/ 216".
2 المنتظم "16/ 306".

(33/103)


"حرف الخاء":
143- خلف بن مروان1.
أبو القاسم الأموي القرطبي المقرئ.
أخذ عن: مكّيّ بن أبي طالب، ومسلم بن أحمد الأديب.
وحجّ، ولقي: أبا محمد بن الوليد.
وكان صالحًا، متواضعًا، ديِّنًا، ورِعًا، نحْويًّا، لُغويًّا، يؤمّ بجامع قُرْطُبة ويُقرئ القرآن، ويعلِّم النَّحْو.
قال ابن بَشْكُوال2: أنبا عنه جماعة من شيوخنا، ووصفوه بما ذكرته.
ولد سنة سبعٍ وأربعمائة.
وتُوُفّي في سابع ذي الحجة.
"حرف العين":
144- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أبي أحمد3.
أبو أحمد الطُّوسيّ الصُّوفيّ.
شيخ جليل طيّب الوقت. فتى من الفتيان.
خدم الفُقَراء، ولقي الأستاذ: أبا عليّ الدّقّاق في صِباه.
وسمع: أبا بكر الحِيريّ، وغيره.
روى عنه: عبد الغافر الفارسيّ، وقال: تُوُفّي رحمه الله في عاشر ذي القعدة.
145- عبد الباقي بن الحسن بن علي الشاموخي4.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 171، 172" رقم 391، وفيه: "خلف بن رزق".
2 في الصلة "1/ 172".
3 المنتخب من السياق "284" رقم 935.
4 الأنساب "7/ 264"، وكنيته "أبو محمد".

(33/104)


الزّاهد، خطيب البصرة.
روى عن: أبيه.
روى عنه: أبو عليّ بن سُكَّرَة، وقال: كان مشهورّا بزهدٍ وخيرٍ وأمرٍ بمعروف، وكان العامّةُ حزبه، قدم بغداد، فأدركه أجله بها، وكانت جنازته، حفلة. لقد تجمعت الصوفية وجماعة من الأئمة، وختم على قبره عدة ختم.
توفي في ربيع الآخر سنة خمس.
146- عبد الباقي بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا1.
أبو القاسم الحريمي2 البغدادي الشاعر.
شاعر مجود، صنف عدة كتب منها: "تفسير الفصيح" لثعلب، و"الأغاني" وغير ذلك، إلا أنّه كان معثَّرًا ثلّابة، يطعن على الشّريعة3، ويذهب إلى رأي الأوائل، وله مقالة في التّعطيل، لعنه الله.
وكان كثير المُجُون والهزْل، سمع أبا القاسم الحرفيّ.
ترجمه السّمعانيّ، وقال: رُوي لنا عنه: ثنا عنه: ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبو الفضل بن ناصر.
وسألت عبد الوهّاب عنه: فقال: ما كان يُصلّي، وكان يقول: في السّماء نهرٌ من خمر، ونهرٌ من لبن، ونهرٌ من عسل، لا ينقط منه شيء، بل ينقط هذا الّذي يخرّب البيوت، ويهدم السقوف.
مات في المحرَّم وله خمسٌ وسبعون سنة، اللهم لا ترحم الزّنادقة.
147- عَبْد الرَّحْمَن بْن أحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أحمد بن إبراهيم بن الفضل بن شجاع بن هاشم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُديل بن وَرْقَاء بن نَوْفَل4.
أبو محمد الخزاعي النيسابوري الشيعي.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 141".
2 نسبة إلى الحريم الطاهري محلة كبيرة ببغداد بالجانب الغربي منها "الأنساب 4/ 125".
3 الكامل في التاريخ "10/ 218".
4 التحبير "1/ 327، 2/ 328".

(33/105)


نزيل الرَّيّ. محدِّث حافظ رحّال، كثير الفضائل، لكنّه غالٍ في التَّشيُّع.
سمع ببغداد: هَنَاد بن إبراهيم النَّسَفيّ، وابن المهتدي بالله، وأبا الحسين بن النَّقُّور.
ورحل إلى الشّام، والحجاز، وخراسان.
قال ابن السمعاني: ثنا عنه: أبو البركات عمر بن إبراهيم الزَّيْديّ، وأبو حرب المجتبي ابن الدّاعي بن الحَسَنيّ، وأحمد بن عبد الوهّاب الصَّيْرَفيّ كلاهما بالرَّيّ.
طالعتُ عدّة مجالس من أماليه بالرَّيّ، فرأيت فيها مجلسًا أملاه في إسلام أبي طالب، غير أنّه كان مكثِرًا من كَتْب الحديث، وله به أَنَسَة1.
وتُوُفّي سنة خمس2.
وقد قال ابن أبي طيئ: كان عبد الرحمن الخُزَاعيّ من أعلم النّاس بالحديث، وأبصرهم به وبرجاله، ثنا شيخنا رشيد الدّين، عن أبيه قال: حضرت مجلس الإمام الخُزَاعيّ، فكان في مجلسه أكثر من ثلاثة آلاف محبرة3 مُسْتَمْلي.
وكان إذا قيل له في الحديث: هل جاء في "الصّحيحين"؟ قال: ذَرُوني من المكسورَيْن، والله لو حوققنا، وأنصف النَّاس فيهما لما سلم لهما إلا القليل؟ قال: وما سئل عن حديثٍ إلّا وعرف علّته وصحّته من سَقَمِه، وكان يقول: أُذاكِرُ بمائة ألف حديث، وأحفظ مائة ألف حديث.
وكان يقول: لو أنّ لي سلطانًا يشدّ على يدي، لأسقطت خمسين ألف حديث يُعمل بها، ليس لها صحة ولا أصل.
قلت: عين ما مدحه به ابن أبي طيئ من هذه الفضائل هو عين ما ندمع به، فأنّ هذا كلام مَن في قلبه غِلٌ على الإسلام وأهله، لا بارَكَ الله فيه.
148- عبد الرحمن بن أحمد بن شاه4.
__________
1 لسان الميزان "3/ 404"، وفيه: "وله به الشغف".
2 في لسان الميزان "3/ 405": "مات سنة خمس وأربعين وأربعمائة".
3 لسان الميزان "3/ 404، 405".
4 الأنساب "7/ 225".

(33/106)


الفقيه أبو أحمد السِّيقذَنْجيّ. نسبةً إلى قريةٍ على ثلاثة فراسخ من مَرْو.
كان يُعرف بفقيه الشّاه.
سمع: الإمام أبا بكر عبد الله بن أحمد القفّال، وعبد الرحمن بن أحمد الشِيرْنَخْشِيريّ1، وغيرهما.
ذكره ابن السّمعانيّ في "الأنساب" وقال: ثنا عنه محمد بن أبي بكر السّنْجيّ، وأبو حنيفة محمد بن النُّعْمان، ومحمد بن أبي سعيد، وغيرهم.
قال: تُوُفّي بعد سنة خمسٍ وثمانين وأربعمائة.
149- عبد الرحمن بْن إبراهيم بْن أَبِي نصر السّقّاء النَّيْسابوريّ.
الصُّوفيّ، أبو نصر.
له حال عجيب في السّماع.
سمع عبد الرحمن النَّصّرويّ، وحدَّث.
150- عبد الرحمن بن محمد بن الحسن.
أبو سَلْم الصّبّاغ الأصبهاني.
تُوُفّي في رجب.
151- عبد الصّمد بن عبد الملك بن عليّ2.
أبو سعْد النَّيْسابوريّ العدل الحنفيّ.
مشهور، نبيل، ثقة، محترم.
سمع: أبا بكر الحِيريّ، وأبا القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، وأبا سعيد الصرفي.
وحدَّث باليسير.
قدِم بغداد ليحجّ فتُوفّي -رحمه الله- بها في شوال.
__________
1 نسبة إلى شيرنخشير، وهي قرية من قرى مرو "الأنساب: 7/ 463".
2 المنتخب من السياق "351 رقم 1162".

(33/107)


152- عبد الملك بن موسى بن أبي جمرة المُرْسيّ.
سمع من: أبيه، وأبي عَمْرو الدَّانيّ.
وأجاز له أبو عبد الله بن عائذ، وغيره.
مات في جُمَادى الآخرة.
روى عنه: ولده أحمد.
153- عُرْوة بن أحمد بن محمد بن عُرْوة1.
الحاكم أبو القاسم النَّيْسابوريّ الحنفيّ.
من أركان مجلس الحكم.
سمع الكثير، وحدَّث عن، أبي بكر الحِيريّ، وجماعة.
وأكثر عن المتأخّرين.
وتُوُفّي في رمضان.
"حرف الفاء":
154- الفضل بن القاسم بن سعيد بن عثمان بن سعيد.
أبو سعيد الهَرَويّ القطّان.
روى عن: إسحاق بن يعقوب القرّاب، وأقرانه.
وعاش اثنتين وسبعين سنة.
"حرف الميم":
155- مُحَمَّد بْن الحُسَين بْن عبد الله بن فَنْجُوَيْه.
أبو بكر الثّقفيّ الدِّينَوَريّ ثمّ الهَمَذَانيّ.
روى عن: أبيه أبي عبد الله، وأبي عمر البسْطاميّ، وسعْد بن عبد الله القطّان.
قال شيروَيْه: كتبتُ عنه. وكان شيخًا صُوَيْلحًا.
عاش تسعين سنة.
__________
1 المنتخب من السياق "402 رقم 1367".

(33/108)


156- محمد بن خَلَف بن مسعود بن شعيب1.
أبو عبد الله بن السّقّاط الأندلسيّ، قاضي قونكة.
حج سنة خمس عشرة وأربعمائة، وسمع "الصّحيح" من أبي ذَرّ.
وأخذ كتاب الْجَوْزَقيّ عن: أبي بكر بن عقال، عن المؤلف.
وأخذ عن: أبي بكر المطَّوِّعيّ، ومحمد بن خميس.
ونسخ بمكة "صحيح البخاريّ" قال ابن بَشْكُوال: كان سريع الكتابة، حَسَن الخطّ، ثقة فيما رواه وعُني به.
وروى بالأندلس عن: أبي القاسم خَلَف بن أبي مسرور صاحب أبي محمد الباجيّ، عن المنذر بن المنذر، وأبي عمر الطَّلَمَنْكيّ، وأبى عمرو الداني.
وأخذ عن: أبي الحسن بن بطّال كتابه في "شرح البخاريّ".
وولي القضاء بمدينته قُونْكَة. وكان مُحبَّبًا إلى أهلها، امْتُحِن في آخر عُمره، وذهبَ مالُه وكُتُبُه.
وتُوُفّي بدانِية سنة خمسٍ وثمانين أو نحوها.
وولد سنة خمسٍ وتسعين وثلاثمائة.
157- محمد بن خَلَف بن سعيد بن وهْب2.
الأندلسيّ، المَرِيّيّ، القاضي أبو عبد الله بن المرابط، قاضي المَرِيّة ومفتيها وعالمها.
سمع: أبا القاسم المهلَّب بن أبي صُفْرة، وأبا الوليد بن مِيقُل.
وأجاز له أبو عمر الطَّلَمَنْكيّ، وأبو عَمْرو الدّانيّ.
وصنَّف كتابًا كبيرًا في "شرح البخاريّ" ورحل إليه النّاس، وسمعوا منه. وكان من العالمين بمذهب مالك.
قال القاضي عياض: أخذ عَنْهُ: شيخنا أَبُو عَبْد اللَّه بْن عيسى التّميميّ، وقاضي القُضاة أبو عليّ بن سُكَّرة، وأبو محمد بن أبي جعفر الفقيه، وغيرهم.
توفي في شوال.
__________
1 معجم البلدان "4/ 415".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 66، 67 رقم 36".

(33/109)


158- محمد بن سعدوان بن عليّ بن بلال1.
أبو عبد الله القَيْروانيّ الفقيه المالكيّ.
سمع من: أبي بكر أحمد بن عبد الرحمن الفقيه، ومحمد بن محمد بن النَّاطور، وحجّ، فسمع بمصر من أبي الحسن عليّ بن منير، وجماعة، ومن: أبي حِمِّصة الحرّانيّ، والطّفّال.
وبمكة من: أبي ذَرّ الهَرَويّ، وأبي بكر محمد بن عليّ المطَّوُّعيّ، وأبي الحسن بن صخْر القاضي.
وتفقّه على: أبي عبد الله، وأبي الحسن ابني الأجدابي، وأبي القاسم اللبيدي، وابن الناطور، وأبي عليّ الزّيّات الفقيه، وأحمد بن محمد القُرَشيّ.
روى عنه: أبو عليّ الغسّانيّ، وأبو عليّ بن سُكَّرة الصَّدَفيّ، وأبو الحسن طاهر بن مُفَوَّز، وأبو بحر سُفْيان بن العاص، فَمَن بعدهم.
وكان عالمًا بالأصول والفُروع، بارِعًا في المذهب.
صنَّف كتاب " إكمال التّعليق " لأبي إسحاق التُّونسيّ على "المدوَّنة"2.
وقال ابن بَشْكُوال3: أنبأ عنه، من شيخونا أبو بحر بن العاص، وأبو عليّ الصَّدِفيّ، وأبو الحسن بن مغيث، ومحمد بن عبد العزيز القاضي، وأبو محمد بن أبي جعفر، وأبي عامر بن حبيب.
وتُوُفّي بأغْمات في جُمَادى الأولى، وحدَّث بقُرْطُبة، وبَلَنْسِيّة، والمَرِيّة.
159- محمد بن طاهر بن مَمَّان بن الحسن.
أبو العلاء الهَمَذَانيّ النّجّار العابد، المعروف بابن الصّبّاغ.
روى عن: ابن المحتسب، وأبي سعيد بن شَبَانَة، وعليّ بن إبراهيم بن حامد، وعلي بن شعيب، وأحمد بن زَنْجُوَيْه العمريّ، ومحمد بن عيسى، وأبي الفضل الهروي، وأبي بكر الأردستاني، وخلق كثير.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 602، 603 رقم 1322".
2 ترتيب المدارك "4/ 799".
3 في الصلة "2/ 603".

(33/110)


قال شيرويه: سمعت منه عامة ما مر له، وكان أحد العباد في الجبل، صوامًا قوَّامًا، لا يفتر عن عبادة الله باللّيل والنّهار، ثقة صدوقًا.
تُوُفّي رضي الله عنه فِي ذي الحجَّة.
160- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن حامد1.
الإمام أبو بكر الشّاشيّ، الفقيه الشّافعيّ، صاحب الطّريقة المشهورة2، تفقّه ببلده على الإمام أبي بكر السّنْجيّ، وكان من أنظر أهل زمانِه، ثمّ ارتحل إلى حضرة السّلطان بغَزْنَة، فأقبل الكلُّ عليه، وقيّدوه بالإحسان والتّبجيل، واستفاد علماؤهم منه، وتأهّل، ووُلِد له الأولاد، ثمّ في آخر أمره بعدما ظهرت له التّصانيف استدعاه نظام المُلْك إلى هَرَاة، وأشار عليهم بتسريحه، وكان يشقّ عليهم مفارقة تلك الحضرة، فما وجدوا بُدًّا من امتثال أمر الصّاحب، فجهّزوه مكرَّمًا بأولاده إلى هَرَاة، فدرَّس بها مدّة بالمدرسة النّظاميّة بهَرَاة3، ثمّ قصد نَيْسابور زائرًا.
قال عبد الغافر الفارسيّ: قدِمَها في رمضان سنة إحدى وتسعين -كذا قال- ولم يتّفق لي الالتقاء به لغيبتي إلى غَزْنَة، وأكرم أهل نَيْسابور مورده، فسمعتُ غير واحدٍ من الفُقَهاء يقول: إنه لم يقع منهم الموقع الّذي كانوا يعتقدونه فيه، فلقد كان بعيد الصِّيت، عظيم الاسم بين الفقهاء، ولم تَجْرِ مناظرته على الدّرجة المشهورة به، وعاد إلى هَرَاة، وحدَّث عن منصور الكاغَديّ، عن الهيثم بن كلب، وأنبا عنه والدي.
وكان مولده بالشاش سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة وتوفي في شوال سنة خمسٍ وتسعين وأربعمائة بهَرَاة، كذا قال عبد الغافر في وفاته، فيما قرأت بخطّ أبي عليّ البكْريّ.
وقال غيره، فيما قرأت بخطّ الحافظ الضّياء، في جزء "وفيات على السّنين": سنة خمسٍ وثمانين، فيها مات السّلطان ملكشاه، والإمام أبو بكر محمد بن علي الشاش بهَرَاة في سادس شوّال، وهو ابن أربعٍ وتسعين سنة.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 525، 526 رقم 266".
2 في الجدل. كما في "طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 94".
3 المنتخب "66".

(33/111)


وفيها قُتِل نظام المُلْك، ودُفِن بإصبهان.
نقلتُ ترجمته من "تاريخ" عبد الغافر.
ثمْ نقلت من كلام أبي سعْد السّمعانيّ أنّ ولادته في سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة.
قال: وتُوُفّي في شوّال سنة خمسٍ وثمانين، وزرتُ قبرَه بهَرَاة.
روى لنا عنه: محمد بن محمد السّنْجيّ الخطيب، وأبو بكر محمد بن سليمان المَرْوَزيّان.
161- محمد بن عليّ بن أحمد بن مبارك الدّمشقيّ1.
أبو عبد الله البزّاز.
سمع: أبا عثمان الصّابونيّ، ومحمد بن عَوْف المُزَنيّ، وجماعة.
روى عنه: جمال الإسلام أبو الحسن، وأبو المعالي محمد بن يحيى القُرَشيّ، والخضر بن عَبْدان.
وعاش ستّين سنة.
162- محمد بن عيسى بن فَرَج2.
أبو عبد الله التُّجَيْبيّ المَغَاميّ الطُّلَيْطُلِيّ المقرئ صاحب أبي عَمْرو الدّانيّ، روى عنه، وعن: مكّيّ بن أبي طالب، وأبي الربيع سليمان بن إبراهيم.
قال ابن بَشْكُوال: كان عالمًا بوجوه القراءات، ضابطًا لها، متقِنًا لمعانيها، إمامًا ديِّنًا، أنبا عنه غير واحد من شيوخنا، ووصفوه بالتّجويد والمعرفة.
وقال ابن سُكَّرة: أجاز لنا، وهو مشهور بالتّقدُّم والإمامة في الإقراء، وشدّة الأخذ على القُرّاء والالتزام للسَّمْت والهيبة معهم. ومن شيوخه مكّيّ، وأبو عمر الطَّلَمَنْكيّ.
ومَغَام: حصنٌ بثغر طليطلة.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "23/ 66 رقم 98".
2 شذرات الذهب "3/ 376"، وفيه: "مزح".

(33/112)


ووُلِد في ربيع الأوّل سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة.
وقد وصَفَ كُتُبَه.
163- محمد بن نصْر بن الحسن.
أبو بكر الجميليّ البخاري الخطيب.
قال السّمعانيّ: كان إمامًا فاضلًا ورِعًا، سديد السّيرة، خطب مدّة بجامع بُخَارى.
وسمع من: منصور بن عبد الرحيم الكاغَديّ، والحسين بن الخضر النَّسَفيّ، وعبد العزيز بن أحمد الحَلْوائيّ، وجماعة.
روى لنا عنه: عثمان بن عليّ البَيْكَنديّ.
ولد في حدود سنة أربعمائة ومات في ثامن شوّال.
164- مالك بن أحمد بن عليّ بن إبراهيم1.
أبو عبد الله بن الفرّاء البانْياسيّ الأصل، البغداديّ.
كان يقول: سمّاني أبي مالكًا، وكنّاني بأبي عبد الله، وسمّتني أمّي عليًّا، وكنَّتني أبا الحسن، فأنا أُعرَف بهما.
قال السّمعانيّ2: كان يسكن في غُرْفة بسوق الرَّيْحانيّين، شيخ صالح ثقة، متديِّن، مسِن، عُمّر حتّى أخذ عنه الطَّلَبة، وتكابّوا عليه.
سمع: أبا الحسن بن الصَّلْت، وأبا الفتح بن أبي الفوارس، وأبا الحسن بن بِشْران، وابن الفضل القطّان.
سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عنه، فقال: شيخ صالح مُسِن.
وقال أبو محمد بن السَّمَرْقَنْديّ: كان مالك آخر مَن حدَّث عن ابن الصلت، وكان ثقة، سمعته يقول: ولدت سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة.
وقال أبو عليّ بن سُكَّرَة وقد روى عنه: كان شيخًا صالحًا مالكيًّا، وقعت النّار
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 526، 527 رقم 267".
2 في الأنساب "2/ 64".

(33/113)


ببغداد بقرب حُجرته، وقد زَمِن، فأُنزِل في قفةٍ إلى باب الحُجْرة، فوجد النّار عند الباب فتركه الّذي أنزله وفرّ، فاحتَرَق هو رحمه الله.
قلت: روى عنه: أبو عامر محمد بن سعدون العَبْدريّ، وأبو الفضل بن ناصر السُّلاميّ، وأبو بكر بن الزّاغُونيّ، وأبو الحسن عليّ بن عبد الرحمن بن تاج القرّاء، وخلْق كثير.
قال محمد السَّمَرْقَنْديّ: احترق سوق الرّيْحانيّين وسط النّهار في تاسع جُمَادى الآخرة وهلك فيه، جماعة منهم شيخنا مالك البانْياسيّ.
قلت: آخر من روى عنه: أبو الفتح بن البطّيّ رحمهم الله.
165- مسعود بن عبد العزيز:
أبو ثابت بن السّمّاك الرّازيّ الفقيه الحنفيّ.
قدِم بغداد فتفقّه بها على أبي عبد الله الصَّيْمريّ، وأبي الحسن القُدوريّ، ثمّ على قاضي القُضاة أبي عبد الله.
وبرع في المذهب والخلاف. وأفتى ودرّس، ونُفِّذ رسولًا من الدّيوان إلى صاحب غَزْنَة، فأدركه أجَلُه بخُراسان في شعبان.
روى عن: ابن غَيْلان، والصَّيْمَريّ.
سمع منه: إسماعيل بن محمد بن الفضل، وعبد الله بن السَّمَرْقَنْديّ.
166 - مَلِكْشَاه1.
السّلطان جلال الدّولة أبو الفتح ابن السّلطان ألْب أرسلان محمد بن داود السُّلْجُوقيّ.
أوصى إليه أبوه بالمُلْك، ووصّى به وزيره نظام الملك، وأوصى إليه يفرّق البلادَ على أولاده، وأن يكون مرجعهم إلى ملكشاه، وذلك في سنة خمسٍ وستّين، فخرج عليه عمّه صاحب كرْمان، فتواقعا وقعةً كبيرة بقُرب هَمَذَان، فانهزم عمّه، ثمّ أُتي به أسيرًا فقال: أمراؤك كاتبوني، وأحضر كُتُبَهم في خريطة، فناولها لنظام الملك ليقرأها،
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 54-58 رقم 34"، والبداية والنهاية "12/ 142، 143".

(33/114)


فرمى بها في مِنْقَل نارٍ بين يديه، فأحرقها، فسكنت قلوب الأمراء، وبذلوا الطّاعة. وكان ذلك سبب ثبات ملكه، وخنق عمَّه بوَتَر. وتمَّ له الأمر، وملك من الأقاليم ما لم يملك أحدٌ من السّلاطين، فكان في مملكته جميع بلاد ما وراء النّهر، وبلاد الهَيَاطِلَة، وباب الأبواب، وبلاد الرّوم، والجزيرة، والشّام.
وملك من مدينة كَاشْغَر، وهي أقصى مدينة بالتُّرْك إلى بيت المقدس طولًا، ومن القُسْطَنْطِينيّة إلى بلاد الخَزَر وبحر الهند عرضًا.
وكان من أحسن الملوك سيرة، ولذلك كان يُلقَّب بالسّلطان العادل، وكان منصورًا في حروبه، مُغْرى بالعمائر وحفْر الأنهار، وعمّر الأسوار والقناطر، وعمَّر جامعًا ببغداد، وهو جامع السّلطان، وأبطل المُكُوس والخفّارات في جميع بلاده، كذا نقل ابنُ خَلِّكان في "تاريخه"1 فالله أعلم.
قال: وصنع بطريق مكّة مصانع للماء، غرِم عليها أموالًا كثيرة، وكان لهِجًا بالصَّيْد، حتّى قِيل: إنّه ضُبط ما اصطاده بيده، فكان عشرة آلاف وحش، فتصدَّق بعشرة آلاف دينار، وقال: إنّي خائف من الله تعالى لإزهاق الأرواح من غير مأكَلَةٍ.
شيَّع مرّةً الحاجّ، فتعدَّى العُذَيْب2، وصاد في طريقه وحشًا كثيرًا، يعنى هو وجنده فبنى هناك منارةً، من حوافر حُمْر الوحْش وقرون الظِّباء؛ وهي باقية تعرف بمنارة القرون.
وأما السبيل فأمِنَت في أيّامه أمرًا زائدًا، ورخصت الأسعار، وتزوج أمير المؤمنين المقتدي بالله بابنته، وكان السّفير بينهما الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ، وكان زفافها إلى الخليفة سنة ثمانين وأربعمائة، وفي صبيحة دخول الخليفة بها عمل وليمةً هائلة لعسكر ملكشاه، كان فيها أربعون ألفًا منًّا سُكَّر، فأولدها جعفرًا3.
ودخل ملكْشَاه بغداد مرَّتين، وكان ليس للخليفة معه سوى الاسم، وقدمها ثالثًا متمرِّضًا.
وكان المقتدي قد جعَل ولده المستظهر بالله وليَّ العهد، فألزم ملكشاه الخليفة أن
__________
1 وفيات الأعيان "5/ 284".
2 العذيب: هو ماء بين القادسية والمغيثة "معجم البلدان 4/ 92".
3 الكامل في التاريخ "10/ 160، 161"، وفيات الأعيان "5/ 288".

(33/115)


يعزله، ويجعل ابن ابنته، جعفرًا وليّ العهد، وكان طفلًا؛ وأن يسلّم بغداد إلى السّلطان ويخرج إلى البصرة، فشقَّ ذلك على الخليفة، وبالغ في استنزال السّلطان ملكشاه عن الرّأي، فأبى فاستمهله عشرة أيّام ليتجهَّز، فقيل إنّه جعل يصوم ويطوي، فإذا أفطر جلس على الرَّماد يدعو على ملكشاه، فقوي به مرضه، ومات في شوّال.
وكان نظام المُلْك قد مات من أكثر من شهر، فقيل: إنّ ملكشاه سُمّ في خلالٍ تخلّل به فهلك، ولم تشهده الدّولة، ولا عُمِل عزاؤه، وحُمِل في تابوت إلى إصبهان، فدُفِن فيها في مدرسةٍ عظيمة، ووقى الله شرَّه، وتزوّج المستظهر بالله بخاتون بنته الأخرى.
167- منصور بن أحمد بن محمد.
أبو المظفّر البسْطاميّ، ثمّ البلْخيّ، الفقيه الحنفيّ، أحد الأعلام.
كان ذا حشمةٍ وأموالٍ وجاهٍ وتقدُّم.
سمع: أباه، وعبد الصّمد بن محمد العاصميّ، وأبا بكر محمد بن عبد الله بن زكريّا الْجَوْزَقيّ.
كذا قال السّمعانيّ: إنّه سمع من الْجَوْزَقيّ، وهو وهْم.
قال: وأبا عليّ بن شاذان، وأبا طاهر عبد الغفار المؤدّب، وأبا القاسم عبد الرحمن بن الطّبَيّز بدمشق، وأبا القاسم الزَّيْديّ بحَرَّان، ومصر، وحلب، وهَرَاة.
روى عنه: السّمعانيّ محمد بن القاسم بن المظفّر الشّهْرُزُوريّ، وعمر بن عليّ المحموديّ قاضي بلْخ.
وتُوُفّي ببلْخ في رمضان.
"حرف الهاء":
168- هبة الله بن عبد الوارث بن عليّ1.
أبو القاسم الشّيرازيّ، الثقة الحافظ الجوال.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 17-19 رقم 11"، والبداية والنهاية "12/ 144".

(33/116)


سمع بخُراسان، والعراق، والجبال، وفارس، وخُورستان، والحجاز، واليمن، ومصر، والشّام، والجزيرة.
وحدَّث عن: أبي بكر محمد بن الحسن بن اللَّيْث الشّيرازيّ، وأحمد بن عبد الباقي بن طَوْق، وعبد الباقي بن فارس المقرئ، وعبد الجبّار بن عبد العزيز بن قيس الشّيرازيّ، وأبي جعفر ابن المسلمة، وعبد الصّمد بْن المأمون، وعبد الرّزّاق بن شمة، واحمد بن الفضل الباطِرقانيّ1، وخلْق كثير.
وصنَّف "تاريخ شيراز" قال السمعانيّ: كان ثقةً صالحًا ديِّنًا خيِّرًا، حَسَن السّيرة. كثير العبادة، مشتغلًا بنفسه. خرَّج التّخاريج، واستفاد وأفاد، وسمع جماعةً من الطلبة ببركته وقراءته، وانتفعوا بصُحْبته.
وورد بغداد سنة سبعٍ وخمسين.
روى لنا عنه: أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن الخطيب، وعمر بن أحمد الصّفّار، وأحمد بن ياسر المقرئ، وأبو نصر محمد بن محمد بن يوسف الباشانيّ، وأبو القاسم إسماعيل الحافظ، وأبو بكر اللَّفْتُوانيّ، وغيرهم.
وسكن في آخر عمره مَرْو، وتُوُفّي بها.
وقال ابن عساكر2: روى عنه نصر المقدسيّ، وغيْث بن عليّ.
وثنا عنه: هبة الله بن طاوس، وأَبُو نصر اليُونَارتيّ، فحدَّثنا عنه ابن طاوس: ثنا أبو زُرْعة أحمد بن يحيى الخطيب بشيراز إملاءً، أنا الحسن بن سعيد المطَّوِّعيّ، ثنا أبو مسلم الكجّيّ، فذكر حديثًا.
وقال عبد الغافر في "تاريخه"3: هو شيخ عفيف، فاضل، طاف البلاد، وسمع الكثير، وخطّه مشهور معروف، كان كثير الفوائد.
وقال محمد بن محمد الفاشانيّ: كنتُ إذا مضيت إلى أبي القاسم هبة الله، وكان قد نزل برباط يعقوب الصُّوفيّ بظاهر مرو، وأخذ بيدي وأخرجني إلى الصحراء
__________
1 نسبة إلى باطرقان، وهي إحدى قرى أصبهان "الأنساب 2/ 40".
2 في تاريخ دمشق "45/ 481".
3 في المنتخب "477".

(33/117)


وقال: اقرأ ما تريد، فالصُّوفيّة يتبرَّمون بمن يشتغل بالعلم والحديث، ويقولون: هم يشوّشون علينا أوقاتَنَا.
وقال عمر أبو الفتيان الرُّؤاسيّ: إنّ هبة الله مات بمَرْو في شهور سنة ستٍّ وثمانين.
وقال أبو نصر اليُونَارتيّ: تُوُفّي هبة الله بمرْو بالبُطْن في رمضان سنة خمسٍ وثمانين.
وقال محمد بن محمد الفاشانيّ: احتاج هبة الله ليلةَ مات إلى القيام سبعين كرّةً، أقل أو أكثر، وفي كلّ نوبةٍ يغتسل في النّهر، إلى أنْ تُوُفّي على الطّهارة1، رحمه الله.
وقال المؤتمن السّاجيّ: بذلَ نفسَه في طلب الحديث جدًّا، وسألني فخرجت جزءين في صلاة الضُّحى، ففرح بهما شديدًا.
وفيات سنة ست وثمانين وأربعمائة:
"حرف الألف":
169- أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد2.
أبو الحسين التّغلبيّ الأرتاحيّ.
تُوُفّي بدمشق.
روى عن: أبي الحسن الحِنّائيّ.
روى عنه: ابن صابر شيئًا
170- أحمد بن عليّ بن قُدامة.
القاضي أبو المعالي الحنفيّ، من بني حنيفة، البغداديّ، الكرْخيّ، الشّيعيّ، من أجلاد الرّافضة وعلمائهم وصلحائهم، له خبرة بالكلام والجدل والفقه.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 19".
2 تاريخ دمشق "أحمد بن عتبة -أحمد بن محمد بن المؤمل" "19 رقم 13".

(33/118)


قرأ على: الشريف المرتَضَى، وعلى أخيه الشّريف الرّضيّ.
روى عنه: الحسن بن محمد الأسْتِراباذيّ الفقيه، وأحمد بن محمد العُطَارديّ الكرْخيّ.
ذكره ابن السّمعانيّ في "الذَّيل".
وتُوُفّي فِي شوال.
171- أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن إبراهيم:
الخبّاز الأصبهاني المؤدب.
مات في المحرَّم.
عبدٌ صالحٌ، خيّر.
سمع من: أبي منصور بن معمَّر، وأبي الحسن الْجُرْجَانيّ.
172- أحمد بن محمد بن أبي العبّاس1.
اللّبّاد.
قُتِل في آخر شعبان.
173- إبراهيم بن محمد2.
أبو إسحاق البَجَليّ البُوشَنْجيّ3.
سكن دمشق، وأمَّ بمسجد دار بِطّيخ، وكان يكتب المصاحف، ثمّ ولي إمامة الجامع مدّة.
وسمع: أبا علي بن نصر التّميميّ، ورشأ بن نظيف، والأهوازيّ.
روى عنه: أبو القاسم بن عَبْدان، وأبو القاسم بن جابر.
تُوُفّي في المحرَّم، وكان ثقة صالحًا.
مولده سنة 407.
__________
1 المنتظم "9/ 77 رقم 111".
2 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "4/ 160 رقم 159".
3 البوشنجي: نسبة إلى بوشنج بليدة من نواحي هراة "معجم البلدان 1/ 508".

(33/119)


174- إسماعيل بن عليّ بن عبد الله1.
الحاكم أبو الحسن النّاصحيّ الحنفيّ النَّيْسابوريّ.
روى عن: عبد الله بن يوسف الأصبهاني، والحاكم أبي الحسن بن السّقّاء، وأبي سعيد الصَّيْرَفيّ.
وعنه: عبد الغافر، وقال: مات في جُمَادى الآخرة.
"حرف الباء":
174- بلال بن الحسين السّقْلاطُونيّ.
سمع: أبا القاسم بن بِشْران.
وعنه: أبو الوفاء بن الحُصَيْن، وغيره.
مات سنة 487.
"حرف التّاء":
176- تاج المُلْك.
الوزير.
اسمه مَرْزُبان، يأتي2.
"حرف الحاء":
177- الحسن بن عَنْبَس بن مسعود3.
أبو محمد الرّافقيّ الشّيخ المعمّر الشّيعيّ، العارف بمذهب القوم.
ذكر الكراجكيّ أنّه اجتمع به بالرَّافقة، ورأى له حلقةً عظيمة يقرءون عليه مذهب الإمامية، وكان بصيرًا بالأصول.
__________
1 المنتخب من السياق "144 رقم 329".
2 سيأتي برقم "201".
3 لسان الميزان "2/ 232 رقم 1018".

(33/120)


يذكر أنّه قرأ على الشّيخ المفيد، ولقي القاضي عبد الجبّار.
مات وقد نيَّف على المائة.
178- الحسين بن عبد العزيز.
أبو عبد الله النخاس البزّاز.
بغداديّ، سمع: عبد الملك بن بِشْران.
وعنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ.
وسمع: ابن أبي الفوارس، وأبي الحسين بن بِشْران.
179- حَمْد بن أحمد بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مهرة1.
أبو الفضل الأصبهاني الحدّاد، أخو المقرئ أبي عليّ الحدّاد.
قدِم بغداد حاجًّا سنة خمسٍ وثمانين، وحدَّث بكتاب "الحلية" لأبي نُعَيْم، عنه2.
وسمع: أبا الحسن عليّ بن ميْلة، وعليّ بن عَبْدكُوَيْه، وأبا سعيد بن حَسْنَوَيْه، وأبا بكر بن أبي عليّ الذَّكّوانيّ، وعليّ بن أحمد بن محمد بن حسين، وجماعة.
قال السّمعانيّ: كان إمامًا صحيح السّماع، محقّقًا، فاضلًا في الأخذ.
ثنا عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن البطّيّ، وغير واحد3.
قلت: ورّخه بعض الأصبهانيين في هذا العام في جُمَادى الأولى.
وقال السمعاني: ورد نعيه من إصبهان إلى بغداد في ذي الحجّة سنة ثمانٍ وثمانين.
"حرف الخاء":
180- خلف بن أحمد بن داود.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 20، 21 رقم 13".
2 وحدث بمسند أبي داود الطيالسي "التقييد 255".
3 سير أعلام النبلاء "19/ 21".

(33/121)


أبو القاسم الصَّدَفيّ البَلَنْسيّ.
سمع: أبا عمر بن عبد البر، وأبا الوليد الباجي.
وتفقه في الشّعر.
ومات في ذي الحجّة في حصار بَلَنْسِيَة.
"حرف السّين":
181- سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان1.
الحافظ أبو مسعود الأصبهاني المِلَنْجيّ.
سمع الكثير، ورحل وتعب.
قال السّمعانيّ، كانت له معرفة بالحديث، جمع الأبواب، وصنَّف التّصانيف، وخرَّج على الصّحيحين2.
سمع: بإصبهان أبا عبد الله الجرجاني، وأبا بكر بن مردويه، وأبا سعد أحمد بن محمد الماليني، وأبا نُعَيْم الحافظ، وأبا سعيد النّقّاش، وابن جولة الأَبْهريّ، وجماعة كثيرة.
وببغداد: أبا عليّ بن شاذان، وأبا بكر البَرْقانيّ، وأبا القاسم بن بِشْران، وأبا بكر بن هارون المنقّيّ، وأبا القاسم الحرفي، وطبقتهم.
سمع منه: شيخه أبو نُعَيْم.
وروى عنه: أبو بكر الخطيب مع تقدُّمه؛ وثنا عنه: إسماعيل بن محمد التَّيْميّ، وأحمد بن عمر الغازي، وهبة الله ابن طاوس، وخلْق ببلاد عديدة.
وسألتُ أبا سعد البغداديّ عنه فقال: لا بأس به، ووصفه بالرحلة والجمع والكثة، وقد كنّا يومًا في مجلسه، وكان يُمْلي، فقام سائلٌ وطلب شيئًا، فقال سليمان: من شؤم السّائل أن يسأل أصحاب المحابر.
وسألت إسماعيل الحافظ عنه، فقال: حافظ، وأبوه حافظ3.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 21-24 رقم 14"، والبداية والنهاية "12/ 145".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 23"، ولسان الميزان "3/ 76".
3 تذكرة الحفاظ "3/ 1198"، وسير أعلام النبلاء "19/ 23".

(33/122)


وقال أبو عبد الله الدّقّاق في "رسالته": سليمان بن إبراهيم الحافظ له الرحلة والكثرة، وأبوه إبراهيم يُعْرف بالفَهْم والحِفْظ، وهما أصحاب أبي نُعَيْم، تُكلِّم في إتقان سليمان، والحفْظ: الإتقان، لا الكثرة.
قال السّمعانيّ: وسألت أبا سعد البغداديْ عن سليمان نوبةً أخرى، فقال: شنَّع عليه اصحاب الحديث في جزءٍ ما كان له به سماع، وسكتّ أنا عنه.
وقال يحيى بن مَنْدَهْ في "طبقات الأصبهانيين" في ترجمة سليمان: إلّا أنّه في سماعه كلام، سمعتُ من الثّقات أنّ له أخًا يسمى إسماعيل، وكان أكب منه، فحكّ اسمه وأثبت اسم نفسِهِ مكانه، وهو شيخٌ شَرِه لا يتورَّع، لحانٌ وَقَاح.
وقال عبد الله بن السَّمَرْقَنْديّ: إنّ سليمان وُلِد في رمضان سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة.
وقال غيره: تُوُفّي في ذي القعدة1.
وممّن روى عنه: أبو جعفر محمد بن الحسن الصَّيْدَلانيّ، وأبو عليّ شرف بن عبد المطّلب الحسيني، ومحمد ابن طاهر الطُّوسيّ، ومحمد بن عبد الواحد المَغَازليّ، ومسعود بن الحسن الثّقفيّ، ورجاء بن حامد المَعْدانيّ.
أَنْبَأَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ عَلَّانَ، وَغَيْرُهُ قَالُوا: أَنَا أَبُو الْيُمْنِ الْكِنْدِيُّ، أَنَا أَبُو المنصور الْقَزَّازُ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، أنا سُلَيْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو مَسْعُودٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ، نا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ، نا زُهَيْرٌ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عن عمر بْنِ الْحَارِثِ خَتَنِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً، وَلَا شَيْئًا إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَسِلَاحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً"2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن الحسن الأرموي: أخبرنا كَرِيمَةُ الْقُرَشِيَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّيْدَلَانِيِّ قَالَ: أنا سُلَيْمَانُ الْحَافِظُ، فَذَكَرَهُ.
هَذَا حديثٌ عالٍ، وَقَعَ لَنَا مُوَافَقَةً، مِنْ حَيْثُ أَنَّ البخاري رواه عن إبراهيم بن
__________
1 قال المؤلف في "ميزان الاعتدال "2/ 195": بقي إلى سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وقال ابن السمعاني: وتوفي سنة نيف وثمانين وأربعمائة. الأنساب "11/ 474".
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "2739"، وأحمد "4/ 279"، والنسائي "6/ 229".

(33/123)


الْحَارِثِ، وَأنَّ الْخَطِيبَ رَوَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ، وَعَاشَ الصَّيْدَلَانِيُّ هَذَا بَعْدَ الْخَطِيبِ مَائَةَ سَنَةٍ وَخَمْسِ سِنِينَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
"حرف العين":
182- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ محمد بن زِكْرِيّ1.
أبو الفضل الدّقّاق الكاتب، بغداديّ مشهور.
سمع: أبا الحسين بن بِشْران، وأبا الحسن الحمّاميّ.
وعنه: إسماعيل بن محمد، وأبو سعْد البغداديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ وأبو بكر بن الزّاغُونيّ، ومحمد بن أحمد بن سوار.
قال عبد الوهّاب الأنْماطيّ: كان صالحًا ديِّنًا، ثقة.
وقال القاضي عياض: سألت أبا عليّ بن سُكَّرَة عن عبد الله بن زِكْريّ فقال: كان شيخًا عفيفًا، كنّا نقرأ عليه في داره.
وقال غيره: ولد سنة أربعمائة في آخرها. وكانت وفاته في ذي القعدة.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْن عَبْد الرَّحْمَن: أَنَا عَبْد اللَّه بْن أحمد، أنا هبة بْنُ الْحَسَنِ الدَّقَّاقُ، أنا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، كَمَا تَنْظُرُونَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يُغْلَبَ عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبِهَا فَلْيَفْعَلْ" 2.
183- عبد الله بن عمر بن مأمون.
إمام أهل سجِسْتان، شيخ كبير القدْر.
سمع: عليّ بن بشرى الليثي، وجماعة بسجستان.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 603، 604 رقم 302".
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "554"، وأبو داود "4729"، والترمذي "2675"، وأحمد "3/ 16، 17، 26، 27".

(33/124)


أكثر الحافظ أَبُو محمد الرّهاويّ، عن حفيده أبي عَرُوبة، عنه.
مات في ذي الحجّة.
184- عبد الباقي بن أحمد البزار1.
دمشقيّ.
يروي عن: أبي الحسن بن السّمْسار.
روى عنه: عبد الله، وعبد الرحمن ابنا صابر.
185- عبد الحميد بن محمد.
الفقيه أبو محمد بن الصائغ القيرواني.
سكن سوسة، وأدرك أبا بكر بن عبد الرحمن، وأبا عمران الفاسي، وتفقه بالعطار، وجماعة.
وله تعليقة على "المدونة". وعليه تفقه المازري المهدوي، وأبو علي بن البربري، وجماعة.
طلبه صاحب المَهْدَيّة تميم بن المُعِزّ بن باديس؛ ليكون مفتي البلد، فأقام عنده مدّة.
وتُوُفّي في هذا العام.
186- عبد الحميد بن منصور بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله2.
الأستاذ أبو محمد البَجَليّ، الجريريّ، العراقيّ، المقرئ المجوّد.
شيخ القرّاء بسَمَرْقَنْد.
تُوُفّي في ذي الحجّة بسَمَرْقَنْد.
روى عن: الحسين بن عبد الواحد الشّيرازيّ.
روى عنه: محمد بن عمر كاك البخاري.
__________
1 لسان الميزان "3/ 383 رقم 1535".
2 غاية النهاية "1/ 361 رقم 1545".

(33/125)


186- عبد الحميد.
أبو محمد التُّونسيّ الزّاهد.
تفقّه على: أبي عمران الفاسيّ، وأبي إسحاق التُّونسيّ.
ومال إلى الزُّهد والتَّقشُّف، وسكن مالقة، واستقرّ أخيرًا بأغْمات، ودرس النّاسُ عليه الفقْه، ثمّ تركه لمّا رآهم نالوا به الخطط والعمالات، وقال: صرْنا بتعليمنا لهم كبائع السّلاح من اللّصوص.
قال ابن بَشْكُوال: وكان ورِعًا متقلّلًا من الدّنيا، هاربًا عن أهلها.
تُوُفّي بأغْمات رحمه الله.
188- عبد القادر بن عبد الكريم بن حسين1.
أبو البركات الدّمشقيّ الخطيب.
أصله من الأنبار.
سمع: محمد بن عَوْف، وغيره.
روى عنه: الخضر بن عبْدان، ونصر بن مقاتل.
ووثّقه أبو محمد بن صابر.
خطب بدمشق لبني العبّاس وللمصريّين.
189- عَبْد الواحد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أحمد2.
الشّيخ القُدْوة، أبو الفَرَج الفقيه الحنبليّ، الواعظ الشّيرازيّ الأصل الحرّانيّ المولد.
وكان يُعرف في بغداد بالمقدسيّ.
سمع بدمشق من: أبي الحسن عليّ بن السّمْسار، ومن: عبد الرّزّاق بن الفضل الكَلاعيّ، وشيخ الإسلام أبي عثمان الصَّابونيّ.
ورحل إلى بغداد، ولزِم القاضي أبا يَعْلَى، وتردَّد إليه سِنين عديدة، ونسخ واستنسخ تصانيف القاضي، وبرع في الفقه.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "15/ 167 رقم 158".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 51-53 رقم 32".

(33/126)


وسافر إلى الرَّحْبَة، ثمّ رجع إلى دمشق، وبَثَّ بها مذهب أحمد، وبأعمال بيت المقدس.
وصنَّف التّصانيف في الفِقْه والأُصُول.
قال أبو الحسن بن الفرّاء1: صحِب والدي، وسافر إلي الشّام وحصل له الأتباع والغلمان.
قال: وكانت له كرامات ظاهرة، ووقعات مع الأشاعرة، وظهر عليهم بالحجّة في مجالس السّلاطين بالشّام.
قال أبو الحسين: ويقال إنّه اجتمع بالخضر مرّتين، وكان يتكلّم على الخاطر، كما كان يتكلّم على الخاطر الزاهد ابن القَزْوينيّ، وكان تُتُش يعظّمه، لأنّه تمّ له معه مكاشفة، وكان ناصرًا لاعتقادنا، متجرِّدًا في نشره.
وله تصانيف في الفقه والوعْظ والأُصُول.
وأرَّخ وفاته ابن الأكْفَانيّ في يوم الأحد الثّامن والعشرين من ذي الحجّة بدمشق.
قلت: وقبره مشهور بجباية باب الصَّغير، يُزار ويُقْصَد، ويُدعى عنده.
وله ذُرّيّة فُضَلاء، وكان أبوه الشّيخ أبو عبد الله صوفيًّا من أهل شيراز، قدِم الشّام، وكان يعرف بالصافي.
ذكر له ابن عساكر2 ترجمة لأبي الفَرَج فقال: سكن دمشق وكان صوفيًّا.
سمع أبا الحسن بن السّمْسار، وأبا عثمان الصّابونيّ. وصنَّف جزءًا في قِدم الحروف، رأيته يدلُّ على تقصير كثير.
190- عَبْد الواحد بن علي بن مُحَمَّد بن فهد3.
أبو القاسم بن العلّاف البغداديّ.
قال السّمعانيّ: شيخ صالح صدوق مكثْر، انتشرت عنه الرواية، وكان خيرًا،
__________
1 في طبقات الحنابلة "2/ 248".
2 هكذا في الأصل: والصحيح أن يقال: ذكر ابن عساكر.
3 سير أعلام النبلاء "18/ 604، 605 رقم 321".

(33/127)


ثقة، مأمون، متواضعًا، سليمَ الجانب، على جادّة القدماء، وكانت بلاغاته في كُتُب النّاس، لأنّ كُتُبه ذهبت حريقًا ونَهْبًا.
سمع: أبا الفتح بن أبي الفوارس، وأبا الفَرَج الغُوريّ، وهو آخر من حدَّث عنهما.
وسمع: أبا الحسين بن بشْران.
روى لنا عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو سعْد البغداديّ، وأبو القاسم إسماعيل الطلحي، وعبد الخالق ابن يوسف.
وتُوُفّي في سادس عشر ذي القعدة.
قلت: آخر من حدَّث عنه: أبو الفتح بن البطّيّ، وقع لي من عواليه.
191- عُبَيْد الله بن أبي العلاء صاعد بن محمد1.
القاضي أبو محمد.
تُوُفّي بنَيْسابور في خامس شعبان، وكان صالحًا زاهدًا.
وُلِد سنة تسعٍ وأربعمائة.
وسمع من: أبي بكر الحِيَريّ، وأبي سعيد الصَّيْرَفيّ، ووالده.
وعنه: عبد الغافر.
192- عُبَيْد الله بن عبد العزيز بن البِراء بن محمد بن مُهاصِر2.
أبو مروان القُرْطُبيّ.
روى عن: إبراهيم بن محمد الإفْليليّ، وغيره.
وكان من أهل اللُّغة والأدب، مَعْنيًّا بذلك، شُرُوطيًّا.
روى عنه: أبو الحسن بن مغيث.
193- عُبَيْد الله بن محمد بن أدهم3.
__________
1 المنتخب من السياق "298 رقم 986".
2 الصلة لابن بشكوال "1/ 304 رقم 673".
3 الصلة لابن بشكوال "1/ 304 رقم 671".

(33/128)


أبو بكر القُرْطُبي قاضي الجماعة بقُرْطُبة.
استقضاه المعتمد على الله في سنة ثمانٍ وستّين وأربعمائة، وكان من أهل الصّرامة والحقّ والعدْل، لا يخاف في الله لومةَ لائم، نزِهًا متعاونًا، تفقّه على أبي عمر بن القطّان، وسمع من: حاتم بن محمد، وغيره.
ولم يزل على القضاء بقُرْطُبة عشرين سنة.
وتُوُفّي في شعبان. وقد استكمل سبعين سنة.
194- عليّ بن أحمد بْن يوسف بْن جعفر بْن عَرَفَة بن المأمون بن المؤمّل بن الوليد بن القاسم بن الوليد بْن عُتْبَة بْنِ أَبِي سُفْيَان بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ1.
القُرَشيّ الأُمويّ أبو الحسن الهَكَّاريّ2.
وقيل: سقط بين الوليد وبين القاسم خالد، وانّه الوليد بن خالد بن القاسم.
قال السّمعانيّ3: شيخ الإسلام هذا تفرَّد بطاعة الله في الجبال، وابتنى أربطةً ومواضع يأوي إليها الفقراء والمنقطعون إلى الله، وكان كثير العبادة، حسن الزّهادة "صافي النّيّة، خالص الطّويّة، لطيفًا" مقبولًا وقُورًا.
قدِم بغداد، ونزل برباط الزَّوْزَنيّ، ورحل وسمع بمصر: أبا عبد الله بن نظيف، وغيره.
وبمكّة: أبا الحَسَن بن مَنْهر، وببغداد: أبا القاسم بن بشْران، وبالرّملة: أبا الحُسَين بن التُّرْجُمان، روى لنا عنه: يحيى بن عَطّاف الموصِليّ بمكّة، وعبد الرحمن بن الحسن الفارسيّ ببغداد، والحسن بن محمد بن أبي عليّ المقرئ، وجماعة سواهم.
وقال عبد الغفّار الكرْجيّ: ما رأيت مثل شيخ الإسلام الهَكّاريّ زُهدًا وفضلًا4.
وقال يحيى بن مَنْدَهْ: قدِم علينا أبو الحُسَين الهَكّاريّ إصبهان وكان صاحب صلاة وعبادة واجتهاد، مشهور معروف، أحد كبراء الصوفية.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 145"، ولسان الميزان "4/ 195 رقم 519".
2 نسبة إلى الهكارية بلدة وناحية عند جبل في الموصل "الأنساب 12/ 336".
3 في الأنساب "12/ 336".
4 سير أعلام النبلاء "19/ 68".

(33/129)


قال: ولدت سنة تسعٍ وأربعمائة.
وقال ابن ناصر: توفي في أول المحرم بالهكارية، وهي جبال فوق الموصل.
وقال ابن عساكر: لم يكن موثقا في روايته.
قال ابن النجار: كان يسكن جبال الهكارية بقرية اسمها دارس. وقد ابتنى هناك أربطة ومواضع، سمع الحديث الكثير، وسافر في طلبه، وجمع كُتُبًا في السُّنّة والزّهد وفضائل الأعمال، وحدَّث بالكثير، وانتقى عليه محمد بن طاهر، وكان الغالب على حديثه الغرائب والمنكرات، وفي ذلك مُتُونٌ موضوعة مركَّبة، رأيت بخطّ بعض المحدِّثين أنّه كان يضع الحديث.
روى عنه: يحيى بن البنّا، وأبو القاسم بن السَّمَرْقَنْديّ.
وقيل: تكلَّم فيه ابن الخاضبة.
195- عليّ بن عبد الواحد بن عليّ بن صالح:
أبو يَعْلَى الهاشميّ، قيّم مشهد باب أبرز.
سمع: أبا الحسين بن بشْران، وابن الفضل القطّان.
روى عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وغيره.
ووُلِد سنة ثلاثٍ وأربعمائة.
196- عليّ بن محمد بن محمد بن يحيى بن شعيب بن حسن الشَّيْبانيّ1.
أبو الحسن الأنباري ابن الأخضر، خطيب الأنبار.
تفقّه ببغداد على مذهب أبي حنيفة.
قال السّمعانيّ: كان ثقة، نبيلًا، صدوقًا، معمَّرًا، مُسْنِدًا، عُمّر حتّى صار يُقصد ويرحل إليه إلى الأنبار، وانتشرت عنه الرّواية في الآفاق.
وقد قُطِعت يدُه في فتنة البساسيريّ. وكان يَقْدَم بغداد احيانًا.
سمع: أبا أحمد الفرَضي، وأبا عُمَر بن مَهْدي، وأبا الْحَسَن بن بشران، وابن رزقويه.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 605، 606 رقم 322"، والبداية والنهاية "12/ 145".

(33/130)


ثنا عنه: إسماعيل بن محمد، وأبو نصر الغازي، وأبو سعد بأصبهان؛ وهبة الله طاوس، ونصْر الله المصّيصيّ بدمشق، وجماعة يطول ذكرهم.
وسألت إسماعيل الحافظ عنه فقال: ثقة.
وقال ابن سكرة في مشيخته: كان شيخًا أبو الحسن أقطع اليد، حنفيّ المذهب، قال لي إنّه سأل وهو صبيّ في مجلس الشيخ. أبي حامد الإسفرائيني عن الوضوء من مَسِّ الذَّكَر.
وقال لي: رأيتُ "يحيى"1 جدّ جدّي، وأنا اليوم جدُّ جدٍ.
قال ابن سُكَّرَة: لم ألقَ مَن يحدث عن أبي أحمد الفرضي سواه، وإنما عنده عنه حديثان.
قلت: وقعا لنا بعلو، قرأتهما على عبد الحافظ، عن أبن قُدَامة، عن ابن البطّيّ، عنه.
قال ابن ناصر: مات في شوّال بالأنبار. وهو آخر من حدَّث عن الفَرَضيّ.
قلتُ: وآخر من حدَّث عنه أبو الفتح بن البطّيّ.
197- عيسى بن سهل2.
أبو الأصْبَغ الأسدي الجيَّانيّ المالكيّ، نزيل قُرْطُبة.
تفقّه بابن عَتّاب القُرْطُبيّ، واختصّ به.
وسمع من: حاتم الأَطْرابُلُسيّ، وبقُرْطُبة من: يحيى بن زكريّا، وبطُلَيْطُلَة من: ابن أسد القاضي، وابن رافعْ رأسَه.
وله في الأحكام كتابٌ حَسَنٌ.
قدِم سَبْتة، فنوّه باسمه صاحبها الأمير البَرَاغُوطيّ، فرأسَ بها.
وأخذ عنه: القاضي أبو محمد بن منصور، والقاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البصري.
__________
1 إضافة من "سير أعلام النبلاء "18/ 606".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 25، 26 رقم 15".

(33/131)


وسمع منه خالا القاضي عياض أبو محمد وأبو عبد الله ابنا الْجَوْزِيّ، وولي قضاء غَرْناطة وغيرها.
كذا ترجمه القاضي عياض.
وزاد ابن بَشْكُوال فقال1: روى عن مكّيّ القَيْسيّ، وأبي بكر بن الغرّاب، وابن الشّمّاخ.
وتُوُفّي مصروفًا عن قضاء غَرْناطة في المحرَّم سنة ستٍّ، وله ثلاثٌ وسبعون سَنة، وكان من جِلّة الفُقَهاء الأئمّة.
"حرف الميم":
198- محمد بن إسماعيل بن أحمد بن حَسْنَوَيْه2.
أبو عبد الله النَّيْسابوريّ.
سمع: الحِيريّ.
199- محمد بن عليّ بن حسن بن العَميش الحربيّ3.
عن: أبي القاسم بن بشْران.
وعنه: إسماعيل السَّمَرْقَنْديّ.
200- محمد بن المطهّر4.
أبو سعْد البَحِيريّ النَّيْسابوريّ المزكيّ.
سمع من: الطّرازيّ، وأبى نصر المفسر.
201- المرزبان بن خسرو بن دارست5.
تاج الملك أبو الغنائم.
__________
1 في: الصلة "2/ 438".
2 المنتخب من السياق "70 رقم 151".
3 المشتبه في الرجال "2/ 474".
4 المنتخب من السياق "65 رقم 131".
5 سير أعلام النبلاء "19/ 100، 101 رقم 56" والبداية والنهاية "12/ 144".

(33/132)


كان يناوئ نظام الملك ويعاديه، فلما قتل نظام الملك عام أول استوزر ملكشاه هذا، ثم إن غلمان نظام الملك وثبوا علي هذا وقطعوه في المحرم، وله سبعٌ وأربعون سنة.
ومن أخبار تاج الملك أنّه كان كاتبًا بسَرْهنك، فلمّا مات مخدومه قصده نظام المُلْك وقال: عندك بسَرْهنك ألف ألف دينار.
فقال: إذا قيل عنّي هذا وقد خدمتُ أحد الأمراء، فكيف بمن خدم ثلاثين سنة سلطانَين؟ يعرِّض. ولكن أنا القائم بمال سَرْهنك.
وحمل إليهم ألفي ألفي دينار، فتقدَّم عند السّلطان ملكشاه، وعوّل عليه، وقرُب منه، فتألَّم النّظام من قُربه، وكان يعظّم النّظام في الظّاهر، وينال منه باطنًا، فلمّا قُتِل النّظام، قرر تاج الملك وزيرًا، لكن فَجَأَ ملكشاه الموتُ، فوَزَرَ لابنه محمود، وجرَّدت أمّ محمود معه الجيش لمحاربة بَرْكَيارُوق، فانكسر عسكرها، وأُسِر تاج المُلْك وقُتِل في ثاني المحرم، وأراد بركياروق أن يستبقه، وعُرِفت مكانته وحشمته، فهجم عليه غلمان النّظام، ففتكوا به، وزعموا أنّه هو قتل مولاهم.
وكان ينتسك ويُكْثِرُ الصَّوم.
202- المشطّب بن محمد بن أُسامة بن زيد1.
أبو المظفّر الفَرَغانيّ التُّرْكيّ، الحنفيّ.
تفقّه وبرع في المذهب والْجَدَل، وورد العراق في صُحبة نظام المُلْك وناظَرَ الأئمّة، وجَرَت له قصص، وكان بالأجناد أشبه منه بالعلماء.
وكان جماعًا للمال، مناعًا، دنئ النَّفس، له في البُخل حكايات، يلبس الحرير، ويرتكب المحظورات.
سمع: محمود بن جعفر الكَوْسَج، وأبا عليّ الحسن بن عبد الرحمن الشّافعيّ المكّيّ.
روى عنه: هبة الله بن السَّقَطيّ، وكمار بن ناصر.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 227".

(33/133)


قال عبد الغافر بن إسماعيل1: كان من فحول أهل النَّظر، مستظهرًا بالخدم والحشم والعَبيد والتّجمُّل، ينادم الوزراء، ويُزاحم الصُّدور.
قُرئ بخطْ أبي الخطّاب الكلوذانيّ: مولد المشطّب سنة أربع عشرة وأربعمائة، ومات بالمعَسْكَر ببغداد في شوّال سنة 86.
203- موسى بن عبد الله بن أبي الحُسَين يحيى بن جعفر بْن عليّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر الصّادق2.
العَلَويّ الحُسينيّ.
أصله كوفيّ، ثمّ صار إلى صقلّية، ودخل الأندلس مجاهدًا.
يُكَنّى أبا البسّام.
كان عنده عِلْمٌ وأدبٌ، ومعرفة بالأصول على مذاهب السُّنَّة أخذوا عنه بمَيُورقَة، وله شِعرٌ بديع.
قال ابن بَشْكُوال: ثمّ رجع إلى بلاد بني حمّاد، فامْتُحِن هنالك وقُتِل ذبْحًا ليلة سبْعٍ وعشرين من رمضان.
قلتُ: وابنه السّيّد الشّريف أبو عليّ الحسن بن موسى، تجوّل بعد والده في الأندلس، ثمّ استقرّ بمَيُورقَة، وولي خطابتها. وكان رفيع القدْر. فلمّا غلب عليها الرُّوم في سنة ثمانٍ وخمسمائة، انهزم وسكن قُرْطُبة.
وابنه أبو محمد عبد العزيز أحد بُلَغَاء العصر، كتب الإنشاء وصنَّف وأفاد.
204- موسى بن عمران3.
أبو المظفّر الأنصاريّ النَّيْسابوريّ.
كان أسْنَد مَن بقي بنَيْسابور تفرَّد بالرّواية عن أبي الحسن العَلَويّ وسمع من: أبي عبد الله الحاكم وأبي القاسم السّرّاج.
__________
1 في "المنتخب 457" مع اختلاف يسير.
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 613".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 530، 531 رقم 271".

(33/134)


وعُمّر ثمانيا وتسعين سنة وهو موسى بن عمران بن محمد بن إسحاق بن يزيد الصُّوفيّ.
قال عبد الغافر: شيخ وجيه، حَسَن المنظر والرُّواء، راسخ القدم في الطّريقة لقي الشيخ أوحد وقته أبا سعيد ابن أبي الخير الميهم وخدمه، وصحِب القُشَيريّ وخَدَمَه، وكان من أركان الشّيوخ الّذين عَهِدْنَاهم من الصُّوفيّة.
وقد روى الكثير.
قلت: حدث عنه: عمر بن أحمد الصّفّار، والحسين بن عليّ الشّحّاميّ، وعبد الله بن الفُرَاويّ، وزاهر ووجيه ابنا الشّحّاميّ، وأبو عمر محمد بن عليّ بن دوِسْت الحاكم، وآخرون.
تُوُفْي -رحمه الله- في ربيع الأوّل.
205- موهوب بن إبراهيم.
الخبّاز البقّال.
أبو نصر.
بغداديّ، سمع: عبد الملك بن بشْران.
وعنه: عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وغيره.
206- الموفّق بن زياد بن محمد.
أبو نصر الحنفي الهروي التاجر.
ولد سنة عشرة وأربعمائة، وسمع من: عمر بن إبراهيم الزّاهد.
روى عنه ولده زياد، وغيره.
مات في شعبان.
"حرف النّون":
207- نَصْر بن الحسن بن القاسم بن الفضل1.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 91 رقم 50".

(33/135)


أبو اللَّيْث، وأبو الفتح التُّرْكيّ التُّنْكتيّ الشّاشيّ، نزيل سَمَرْقَنْد، وتُنْكُت: بلده عند الشّاش.
وُلِد سنة ست وأربعمائة1، ورحل في كِبَرِه، فسمع بنَيْسابور "صحيح مسلم" من عبد الغافر الفارسيّ.
وسمع من: أبي حفص بن مسرور، وأبي عامر الحسن النَّسَويّ.
وبصور من: أبي بكر الخطيب.
وبمصر من: أبي الحسن بن الطّفّال وغيره.
وبالإسكندرية من: الحُسَين بن محمد المَعَافِريّ.
وبالأندلس من: أحمد ابن دِلْهَاث العُذْريّ، وجماعة.
ودخل الأندلس وغيرها تاجرًا، وأقام بالأندلس ثلاث سِنين، وصدر عنها في شوّال سنة ثلاث وستّين.
وقال: كنّاني أبي اللّيْث، فلمّا قدِمْتُ مصرَ كنّوني أبا الفتح، حتّى غَلَبَ عليَّ.
قال السّمعانيّ2: روى لنا عنه: أبا القاسم بن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الخالق بن أحمد، ونصر العُكْبَريّ ببغداد؛ وعبد الخالق بن زاهر بنَيْسابور. وسكن نَيْسابور في آخر عمره، وبها تُوُفّي.
ومن جملة خيراته السّقاية والمِرْجَل في وسط الجامع الحديد بها.
قال: وقيل: إنّ تَرِكَتَه قُوِّمَت بعد موته مائةً وثلاثين ألف دينار.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: هو شيخ مشهور، ورِع، نظيف، بهيّ متجمِّل، متطلّس، جال في الآفاق، وحدث، ورأى العز والقبول بسبب تسميع "مسلم".
وسمع منه الخلْق في تلك الدّيار، وبورك له في كسْبه، حتّى حصل على أموالٍ جمّةٍ، وعاد إلى نَيْسابور، وكانت معه أوقارٌ من الأجزاء والكُتُب، وحدث ببعضها.
__________
1 المنتخب "467".
2 في الأنساب "3/ 89، 90".

(33/136)


وقال ابن بَشّكُوال1: كان عظيم اليَسَار، كريمًا، كثير الصَّدَقات، كامل الخَلْق، حَسَن السَّمْت والخُلُق نظيف المكسب والملبس، ينمُّ عليه من الطِّيب ما يعرفه مَن يأْلَفَهُ، وإنْ لم يُبْصر شخْصَهُ، وما يبقى على ما يسلك من الطّريق رائحته بُرْهة، فيَعرف به من يسلك ذلك الطّريق إثره أنّه مشى عليه.
وقال الحميدي2: نصر بن الحسن بن أبي قاسم بن أبي حاتم بن الأشعث الشّاشيّ التُّنْكُتيّ نزيل سَمَرْقَنْد، دخل الأندلس، وحدَّث، ولقيناه ببغداد، وسمعنا منه. وكان رجلًا مقبول الطّريقة، مقبول اللّقاء ثقة فاضلًا.
قلت: ورَّخ السّمعانيّ3 وفاته في السّابع والعشرين من ذي القعدة، سنة ستٍّ وثمانين، ودُفِن بالحِيرة، وهذا الصّحيح، ووهِم مِن قال سواه.
قال أبو الحسن بن مُفَوَّز: اتّصل بنا أنّ أبا الفتح هذا تُوُفّي في أَطْرابُلُسَ الشّام سنة إحدى وسبعين وأربعمائة4.
وقيّده ابن نُقْطَة فقال: التُّنْكُتيّ: بضمّ التّاء والكاف.
"حرف الهاء":
208- هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن موسى5.
أبو الحسن بن الصّفّار النُّعْمانيّ الأصل ثمّ الواسطيّ.
الكاتب النَّحْويّ المقرئ.
قرأ القراءات على: أبي عليّ أحمد بن محمد بن عَلّان صاحب الحُضَينيّ، وعلى: ابن الصّوّاف، وغيرهما.
وهو آخر من سمع من الحسن بن أحمد بن التُّبَانيّ.
تُوُفّي في رمضان.
ترجمه خميس الحافظ وقال: قرأت عليه القرآن.
__________
1 في الصلة "2/ 637".
2 في جذوة المقتبس "356".
3 في الأنساب "3/ 90".
4 الصلة "2/ 638".
5 غاية النهاية "2/ 352".

(33/137)


"حرف الياء":
209- يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سُطُورا1.
القاضي أبو عليّ العُكْبَريّ البَرْزَبِينيّ، وبَرْزَبِين: قرية بين بغداد وأوانا.
تفقّه على القاضي أبي يَعْلَى حتّى برع في مذهب أحمد، وبرز على أقرانه، وكانت له يدٌ قويَّة في القرآن، والحديث، والأصول، والفقْه، والمحاضرات.
قرأ عليه خلقٌ من الفُقَهاء وانتفعوا به، وكان جميل السّيرة.
وقال أبو الحسين بن الفرّاء: كان له غلْمان كثيرون، وصنَّف في الأصول والفُروع، وكان مبارك التّعليم لم يدرس عليه أحد إلّا وأفلح. وعليه تفقّه أخي أبو خازم.
قلت: حدَّث عن أحمد بن عمر بن ميخائيل العُكْبَريّ، وأجاز لأبي نصر الغازي، ولأبي عبد الله الخلّال، وغانم بن خالد الأصبهانييّن.
تُوُفّي فِي شوّال عَنْ سبعٍ وسبعين سنة2.
وقد ذكره السّمعانيّ في "الذّيل" وعظمه، قال: جرت أموره في أحكامه على سداد واستقامة3، وحدث بشيءٍ يسير عن ابن ميخائيل.
وفيات سنة سبع وثمانين وأربعمائة:
"حرف الألَف":
210- أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن سعيد الهَرَويّ.
سمع: أبا الفضل الجاروديّ.
وعنه: أبو النّضْر الفاميّ.
211- أَحْمَد بْن عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن عمر بن خلف4.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 93، 94 رقم 52".
2 طبقات الحنابلة "2/ 246، 247".
3 الأنساب "2/ 147".
4 سير أعلام النبلاء "19/ 478، 479 رقم 242".

(33/138)


أبو بكر الشّيرازيّ، ثمّ النَّيْسابوريّ الأديب العلّامة، مُسْنِد نَيْسابور في وقته.
أكثر عن: أبي عبد الله الحاكم، وحمزة بن عبد العزيز، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، ومحمد بن محمد بن مَحْمِش، وأبي بكر بن فُورَك، والسُّلَميّ.
روى عنه: عبد الله بن السَّمَرْقَنْديّ، ومحمد بن طاهر المقدسيّ، وعبد الغافر بن إسماعيل، ووجيه الشّحّاميّ، وعمر بن أحمد الصّفّار، وأحمد بن سعيد المِيهَنيّ، وخلْق كثير سواهم، آخرهم أبو سعد عبد الوهّاب الكَرْمانيّ المُتَوَفَّى سنة تسعٍ وخمسين وخمسمائة.
قال عبد الغافر1: أمّا شيخنا ابن خَلَف فهو الأديب المحدِّث، المتقن السّماع، الصحيحه، ما رأينا شيخًا أورع منه، ولا أشدّ إتقانًا، حصل على حظٍّ وافرٍ من العربيّة، وكان لا يسامح في فَوات كلمة ممّا يُقرأ عليه، ويراجع في المشكلات ويبالغ، رحل إليه العلماء من الأمصار، وكانت ولادته في سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة، وسمع في سنة أربعٍ وأربعمائة، سمّعه أبوه أبو الحسن الكثير، وأملى على الصّحّة. سمعنا منه الكثير، وتُوُفّي في ربيع الأوّل.
وقال إسماعيل بن محمد الحافظ: كان حسن السّيرة، من أهل العلم والفضل، محتاطًا في الأخْذ، سمع الكثير، وكان ثقة2.
وقال ابن السّمعانيّ: كان فاضلًا عارفًا باللُّغة والأدب، ومعاني الحديث، في كمال العفَّة والورع، رَحِمَهُ اللَّه تعالى.
212- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
الشّيخ أبو نصْر العِجْليّ البخاريّ.
من بيت العلم والخير، ولد بعيد الأربعمائة، وسمع من منصور الكاغَديّ صاحب الهيثم بن كُلَيْب.
ومن: أحمد بن الحسين الماجليّ.
وبقي إلى هذا العام.
آخر من حدَّث عنه: عثمان بن علي البيكندي.
__________
1 في المنتخب "110".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 479".

(33/139)


213- أحمد بن محمد بن سعيد بن محمد1.
أبو نصر القيسي الدّمشقيّ الصُّوفيّ.
سمع: عليّ بن منير الخلّال، وأبا الحسن الطّفّال بمصر، وأبا عليّ بن أبي نصر، وابن سلْوان بدمشق.
روى عنه: عمر الرُّؤاسيّ، وجمال الإسلام أبو الحسن السُّلَميّ.
تُوُفّي في رجب عن سبعٍ وثمانين سنة.
214- أحمد بن يحيى بن محمد.
أبو سعْد بن أبي الفَرَج الشّيرازيّ الواعظ، المعروف بابن المطبخيّ، له مسجد كبير بدرب القيّار يُعرف به.
سمع: أبا الحسن بن مَخْلَد، وأبا القاسم بن بشْران.
روى عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ. كذا قال ابن النّجّار.
وقال ابن السَّمَرْقَنْديّ: سألته عن مولده، فقال: سنة ثمان عشرة وأربعمائة.
قلت: فتبين أنه لم يدرك السماع من ابن مَخْلَد.
قال شجاع الذُّهْليّ: تُوُفّي في شوّال سنة 487.
215- آقْسُنْقُر قسيم الدّولة2.
أبو الفتح الحاجب، مملوك السّلطان ملكشاه.
وقيل: هو لصيق به. وقيل: اسم أبيه أكّ تُرْغَان.
تزوّج داية السّلطان إدريس بن طُغان شاه، وحظي عند السّلطان ملكشاه وقدِم معه حلب، حين قصد تاج المُلْك أخاه فانهزم، وملكها ملكشاه في سنة تسعٍ وسبعين، وملك أنطاكيّة، وقرر نيابة حلب لقسيم الدّولة في أوّل سنة ثمانين، فأحسن فيها السّياسة، وأقام الهيبة، وأباد قُطّاع الطّريق، وتتبّعهم، وبالَغ، فأمِنَت البلاد، وعُمِّرت حلب، ووردها التُّجّار، ورغبوا في سُكناها للعدل.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "3/ 263 رقم 309".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 129، 130 رقم 67".

(33/140)


وعمّر منارة حلب1، فاسمُه منقوشٌ عليها، وبنى مشهد قرنبيا، ومشهد الدّكّة. وكان أحسن الأمراء سياسة لرعيّته وحفظًا لهم. وتحدَّث الرُّكْبانُ بِحُسْن سيرتِه. وكان يستغلّ حلبَ في كلّ يومٍ ألفًا وخمسمائة دِينار.
وأمّا تُتُش فتملّك دمشق. ولمّا كان ربيع الأوّل سنة سبعٍ وثمانين هذه خرج تُتُش، وجمع معه خلْقًا من العرب، ووافاه عسكر أنطاكية بحماه، ورعوا ونهبوا، فاتّصل الخبر بأقْسُنْقُر، فكاتَبَ السّلطان بَرْكَيارُوق، وخطب له بحلب، فجمع وحشد، وأنجده كربُوقا صاحب الموصل، وبُزان صاحب الرُّها، ويوسف بن أبق صاحب الرَّحْبَة، في ألفين وخمسمائة فارس، وتهيّأ قسيم الدّولة لِلّقاء، فقيل: إنّه عرض عشرين ألف فارس، فلمّا التقوا أوّل من برز للحرب قسيم الدّولة، وحمي القتال، فحمل عسكر تُتُش، فانهزم العرب الّذين مع قسيم الدّولة، وكُسر كربُوقا وبُزان، ووقع فيهم القتْل، وثبت قسيم الدّولة، فأُسر في طائفةٍ من أصحابه وحُمل إلى تُتُش، فأمر بضرب عنقه وأعناق جماعة من أصحابه2. وذلك في شهر جُمَادى الأولى، ودُفن بالمدرسة الزّجاجية داخل حلب، بعدما كان دُفن مدّةً بمشهد قرنبيا. وإنّما نقله ولده زِنْكي، وعمل عليه قُبَّة.
وهو جدّ نور الدّين.
216- أَمَةُ الرحمن بنت عبد الواحد بن حسين.
أمّ الدلّال البغدادية. عُرف أبوها بالجُنيد.
زاهدة عابدة.
سمعت: أبا الحسن بن بشْران.
وعنها: أبو الحسن بن عبد السّلام، وأبو بكر بن الزّاغُونيّ.
ومولدها عام أربعمائة.
وماتت في شوال.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 135".
2 انظر الحوادث سنة "487هـ".

(33/141)


"حرف الباء":
217- بلال بن الحسين بن نقيش.
أبو الغنائم، بغداديّ.
روى عن: عبد الملك بن بشْران.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
"حرف الحاء":
218- الْحَسَن بْن أسد1.
أبو نصر الفارقيّ الأديب قال القِفْطيّ2: هو معدِن الأدب، ومنبَع كلام العرب، وعلّامة زمانه.
له النَّظم الذَّائع، والنّثر الرّائع، والتّصنيف البديع في شرح "اللُّمَع"، وأشياء ليس للأديب في مثلها طمع.
وكان في أيّام نظام المُلك على ديوان آمِد. ثمّ صودر.
وله كتاب مشهور في "الألغاز". وكان عَزْبًا مدّة عُمره، ولمّا صُودر أُطلِق سراحه، فانتقل إلى ميّافارقين، وقد باضت الرّياسة في رأسه وفرَّخَتْ. واتّفق أنّ مَيّافارقين خَلَت من مُتَوَلٍّ، فأجمع رأي أهلها على تولية رجلٍ من أولاد ابن نُباتة، فأقام أيّامًا، ثمّ اعتزلهم، فتهيّأ لها ابن أسد، ونزل القصر وحكم، ثمّ انفصل غيرَ محمودٍ، وخاف من الدّولة، فتسحَّب إلى حلب، فأقام بها، ثمّ حمله حبُّ الرّياسة فعاد إلى الجزيرة، فلمّا صار بحَرّان قبض عليه نائبها، وشنقه في هذا العام3.
ومن شِعره:
ونديمةٍ لي في الظلام وحيدةٍ ... أبدًا مجاهدة كمثل جهادي
فاللّونُ لَوني والدَّمعُ كأدْمُعي ... والقلبُ قلبي والسُّهادُ سهادي
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 80، 81 رقم 44".
2 في إنباه الرواة "1/ 294".
3 إنباه الرواة "1/ 296".

(33/142)


لا فَرْقَ فيما بيننا لو لم يكن ... لَهبي خَفِيًّا وهو منها بادي
219- الحسن بن عبد الملك بن الحسين بن عليّ بن موسى بن إسرائيل1.
الحافظ أبو عليّ النَّسَفيّ.
سمع الكثير من: أبي العبّاس المستغفِريّ.
وحدَّث ببُخَارى وسَمَرْقَنْد. ومات بنَسَف في ثاني وعشرين جمادى الآخرة وله ثلاث وثمانون سنة.
وروى عنه خلْقٌ بما وراء النّهر، وكان أبوه القاضي أبو الفوارس مفتي نسف.
وروى أبو عليّ أيضًا عن: معتمر بن محمد المكحوليّ، وأبي نُعَيْم الحسين بن محمد، وخلْق لا أعرفهم.
وروى عنه: عثمان بن علي البيكندي، وأبو ثابت الحسين بن علي البزودي، وأبو المعالي محمد بن نصر، وعدّة.
وشيخه أبو نُعَيْم سمع من خَلَف الخيّام.
"حرف السين":
220- ساتكين بن أرسلان2.
أبو منصور الرتكي المالكيّ النَّحْويّ.
له مقدِّمة نَحْو.
تُوُفّي بالقدس في آخر السّنة.
221- سعد الله بن صاعد الرَّحْبيّ الخلّال3.
من كبار الدّمشقيّين، له حمّام القصر والدّار الّتي بقُربه الّتي عملها السّلطان نور الدين مدرسة، وتعرف بالعمادية.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 143، 144 رقم 73".
2 إنباء الرواة "2/ 69 رقم 290".
3 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "9/ 230 رقم 107".

(33/143)


سمع من: المسدد الأملوكي، وحمد بن عَوْف المُزَنيّ.
روى عنه: ابن أخته هبة الله بن المسلم.
حدَّث في هذه السّنة. ولم يؤرَّخ موته.
"حرف العين":
222- عبد الله بن حيّان بن فَرّحُون1.
أبو محمد الأنصاريّ الإشبيليّ.
سكن بَلَنْسِيَة، وحدَّث عن: أبي عمر بن عبد البَرّ، وعثمان بن أبي بكر السّفاقُسيّ، وأبي القاسم الإفْليليّ.
وكان ذا همةٍ في اقتناء الكُتُب، جمع منها شيئًا عظيمًا.
توفي في شوّال.
223- عبد الله بن عبد العزيز بن محمد2.
أبو عُبَيْد البكريّ.
نَزَل قُرْطُبة، وحدَّث عن: أبي مروان بن حيّان، وأبي بكر المُصْحفيّ.
وأجاز له "ابن" عبد البَرّ، وكان إمامًا، لّغويًّا، إخباريًّا، متقِنًا، علّامة. صنَّف كتبًا في أعلام النُّبُوّة.
روى عنه: محمد بن عمر المالقيّ، وأبو بكر بن عبد العزيز اللَّخْميّ.
وصنَّف كتاب "اللالي في شرح نوادر أبي عليّ القاليّ"، وكتاب "المقال في شرح كتاب الأمثال" لأبي عُبَيْد، وكتاب "اشتقاق الأسماء"، وكتاب "معجم ما استعجم من البلاد والمواضع"، وكتاب " النّبات"، وغير ذلك.
تُوُفّي في شوّال. وكان من أوعية العلم وبحور الأدب.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 288 رقم 634".
2 الصلة لابن بشكوال "1/ 287 رقم 633".

(33/144)


فأمّا:
224- البكْريّ صاحب القصص، فهو أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكْريّ1.
كان أيضًا في هذا الزّمان أو قبله. وإليه المُنْتَهَى في الكذِب والاختلاق، ومَن طَالَعَ تواليفه جَزَمَ بذلك.
225- عبد الله بن عطاء بن أبي أحمد بن بكر البغاوَرْديّ2.
حدَّث بـ"الترمذي"، عن عبد الجبّار الجرّاحيّ.
رواه عنه: أبو نصر اليُونَارتيّ3، وأبو النّضْر الفاميّ، وجماعة.
قال الكُتُبيّ: تُوُفّي في رمضان.
وقال السّمعانيّ: هو أبو المظفّر عبد الله بن ظَفَر. كذا سمّاه4.
226- عبد الله5.
أبو القاسم أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله ابن الأمير ذخيرة الدّين أبي العبّاس محمد بن القائم بأمر اللَّه عبد اللَّه بن القادر بالله أحمد بن إسحاق بن جعفر المقتدر بن المعتضد الهاشميّ العبّاسيّ.
بويع بالخلافة في ثالث عشر شعبان سنة سبعٍ وستّين، وهو ابن تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر6.
وتُوُفّي أبوه الذّخيرة والمقتدي حَمْل، وأُمُّه أمةٌ اسمها أُرْجُوان7.
ظهرت في أيّامه خيراتٌ كثيرة، وآثارٌ حسنة في البلدان.
__________
1 ميزان الاعتدال "1/ 112 رقم 440"، ولسان الميزان "1/ 202 رقم 639".
2 الأنساب "3/ 214، 215".
3 اليونارتي: نسبة إلى يونارت، وهي قرية إلى باب أصبهان "الأنساب 12/ 433، 434".
4 المنتخب "324".
5 سير أعلام النبلاء "18/ 318-324 رقم 147".
6 المنتظم "8/ 290".
7 سير أعلام النبلاء "18/ 323".

(33/145)


وتُوُفّي في ثامن عشر المحرَّم، وهو ابن تسع وثلاثين سنة فجأةً.
وكان قد أُحضِر إليه تقليد السلطان بَرْكَيارُوق ليُعلّم عليه، فقرأه وعلّم عليه، ثمّ تغذّى وغسل يديه، وعنده فتاته شمس النّهار، فقال لها: ما هذه الأشخاص قد دخلوا بغير إذْنٍ؟ قالت: فالتفتُّ، فلم أَرَ شيئًا، ورأيته قد تغيّر حالُه، واسترخت يداه وسقط. فظننتُ أنّه غُشِي عليه. ثمّ تقدَّمتُ إليه، فرأيت عليه دلائلَ الموت، فقلت لجاريةٍ عندي: ليس هذا وقت النَّعي، فإنْ صحْتِ قتلتُك. وأحضرتُ الوزير، فأخبرته، فأخذوا في البيعة لولده المستظهر بالله أحمد.
وعاشت أمُّه إلى خلافة ابن ابنها المسترشد بالله1.
وكانت قواعد الخلافة في أيّامه باهرة، وافرة الحُرمة، بخلاف مَن تقدَّمه.
ومِن محاسنه أنّه أمَر بنفْي المغنيّات والخواطي من بغداد، وأن لا يدخل أحدٌ الحمّام إلّا بمئْزَرٍ. وضرب أبراج الحمام صيانةً لحُرَم النّاس.
وكان ديِّنًا خيرًا، قوي النفس، عالي الهمة، من نخباء بني العبّاس.
وقيل: إنّ جاريته سمّته.
وقد كان السّلطان ملكشاه صمَّم على إخراجه مِن بغداد، فحار في نفسه، وعجز، وأقبل على الابتهال إلى الله، فكفاه الله كيدَ ملكشاه ومات2.
227- عبد الله بن فَرَح بن غزلون3.
أبو محمد اليَحْصُبيّ الطُّلَيْطُلِيّ ابن العسّال.
روى عن: مكّيّ بن أبي طالب، وأبي عَمْرو الدّانيّ، وابن أرفعْ راسه، وابن شقّ اللّيل، وطائفة.
وكان متقِنًا فصيحًا مفوّهًا، حافظًا للحديث، خبيرًا بالنَّحْو واللُّغَة والتّفسير. وكان شاعرًا مُفْلِقًا، وله مجلسٌ حفل.
روى عنه جماعةٌ من مشيخة ابن بشكوال.
مات في عشر التسعين.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 230".
2 المنتظم "8/ 292".
3 الصلة لابن بشكوال "1/ 285، 286 رقم 629".

(33/146)


228- عبد الله بن أبي طاهر محمد بن محمد بن حُسين.
أبو محمد الْجُوَينيّ1 البغداديّ.
سمع: أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن المَحَامليّ، وأبا القاسم بن بشْران.
وعنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ.
قال عبد الوهّاب الأنْماطيّ: كان -رحمه الله- ثقة، وله خُلُق ميشوم.
229- عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد2.
أَبُو القاسم الواحديّ.
سمع: ابن مَحْمِش، ويحيى بن إبراهيم المزكيّ، وغيرهما.
وعنه: زاهر الشّحّاميّ.
وهو أخو المفسّر أبي الحسن الواحديّ.
وممّن روى عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وعبد الخالق، وعبد الله بن الفرواي، وعدّة.
وكان ثقة. أملى زمانًا.
230- عبد السّيّد بن عَتَّاب3.
أبو القاسم البغداديّ الضّرير المقرئ المجوّد.
تُوُفّي في نصف ذي القعدة.
قرأ القراءات عَلَى أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عُمَر الحمّاميّ شيخ العراق، وعلى: أبي العلاء محمد بن عليّ الواسطيّ، وأبي طاهر محمد بن ياسين الحلبيّ، وأبي بكر محمد بن علي بن زلال المطرز، والحسين ابن أحمد الحربيّ الزّاهد، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن المَرْزُبَان الأصبهاني صاحب ابن فورك القباب، والحسن بن
__________
1 نسبة إلى جوين متصلة بحدود بيهق "الأنساب 3/ 385".
2 المنتخب من السياق "314 رقم 1030".
3 ميزان الاعتدال "2/ 619 رقم 5068"، ولسان الميزان "4/ 19 رقم 50".

(33/147)


الفضل الشَّرْمقَانيّ1 والحسن بن عليّ بن عبد الله العطّار، وأبي محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأصبهاني الأشعري المعروف بابن اللبان قاضي إيذج2، والحسن بْن عليّ بْن الصَّقْر الكاتب صاحب زيد بن أبي بلال الكوفيّ، وعليّ بن أحمد داود الرزاز، عن قراءته على أبي بكر بن مُقْسم.
قرأ عليه: أبو منصور بن خَيْرُون، وأبو عليّ بن سُكَّرَة الصَّدَفيّ، وأبو الكَرَم المبارك بن الشَّهْرُزُوريّ، وجماعة.
وكان من كبار المقرئين في زمانه.
عاش نيِّفًا وسبعين سنة أو نحوها.
231- عطاء بن عبد الله بن سيف.
أبو طاهر الدّارميّ الهَرَويّ القرّاب.
تُوُفّي في شوال عَنْ ثلاثٍ وثمانين سنة.
سمع من أصحاب حامد الرّفّاء.
232- عليْ بْن أَبِي الغنائم عَبْد الصَّمَد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن الفضل بن المأمون.
أبو الحسن الهاشميّ البغداديّ.
سمع: أبا عليّ بن شاذان، وغيره.
وكان المقدَّم بعد أبيه في الموكب. وكبُر حتّى انقطع عن الخروج.
وكان سالكًا نهْج أبيه في إيثار الخمول، وسلوك الطّريقة المُثْلى، والتَّفرُّد والعُزلة عن الخَلْق.
روى عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ.
وتُوُفّي في المحرَّم، ودُفِن بقصر بني المأمون.
__________
1 نسبة إلى "شرمقان" وهي بلدة قريبة من إسفرايين بنواحي نيسابور "الأنساب 7/ 323".
2 بلد بين خوزستان وأصبهان "معجم البلدان 1/ 288".

(33/148)


233- علي بْن مُحَمَّد بْن علي بْن أحمد بن أبي العلاء1.
أبو القاسم المصّيصيّ الأصل، الدّمشقيّ، الفقيه الشّافعيّ، الفَرَضيّ.
وُلِد في رجب سنة أربعمائة.
وسمع: محمد بن عبد الرحمن القطّان، وأبا محمد بن أبي نصر، وعبد الوهّاب بن جعفر الميّدانيّ، وأبا نصْر بن هارون، وعبد الوهاب المري، وطائفة بدمشق؛ وأبا الحسن بن الحمّاميّ، وأبا عليّ بن شاذان، وأحمد بن عليّ الباداء، وهبة الله اللّالكائيّ، وطلحة الكتّانيّ، وجماعة ببغداد؛ وأبا نصْر بن البقّال بعُكْبَرَا؛ ومحمدًا وأحمد ابني الحسين بن سهل بن خليفة ببلد؛ وأبا عبد الله بن نظيف، وأبا النُّعْمان تراب بن عمر، وجماعة بمصر.
روى عنه: أبو بكر الخطيب وهو أكبر منه، والفقيه نصر المقدسيّ، والخضر بن عَبْدان، وأبو الحسن جمال الإسلام، وهبة الله بن الأكفانيّ، وأبو القاسم بن مقاتل السُّوسيّ، وأخوه عليّ، وأبو العشائر محمد بن خليل الكرديّ، وأبو يَعْلَى حمزة بن الحُبُوبيّ، وأبو القاسم الحسين بن البُنّ الأسَديّ، وهبة الله بن طاوس، وأبو المعالي محمد بن يحيى قاضي دمشق، وآخرون.
وذكر محمد بن عليّ بن قبيس أنّه وُلِد بمصر.
وقال ابن عساكر: كان فقيهًا فَرَضيًّا2، من أصحاب القاضي أبي الطّيّب.
وتُوُفّي بدمشق في حادي عشر جُمَادى الآخرة، ودُفِن بمقبرة باب الفراديس. قلت: كريمة آخر من روى حديثه بعُلُوّ.
234- علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن عليّ بن محمد بن دُلْف بن الأمير أبي دُلْف القاسم بن عيسى ابن إدريس بن مَعْقِل العِجْليّ3.
وعِجْل بطنٌ من بكر بن وائل من أَمَة ربيعة أخي مُضَر ابني نِزار بن مَعَدّ بن عدنان.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 12-15".
2 مختصر تاريخ دمشق "18/ 165".
3 البداية والنهاية "12/ 123، 124، 145، 146".

(33/149)


وقد استوفى السّمعانيّ نَسَبَه إلى عدنان.
وقال بعضهم فيه: علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علّكان، بدل عليّ.
أصلهم من جَرْباذْقان، بلد بين هَمَذَان وإصبهان، وداره ببغداد، يُلقَّب بالأمير أبي نصْر.
وقال شِيروَيْه في "طبقاته": يُعرف بالوزير سعْد المُلْك ابن ماكولا. قدِم رسولًا مِرارًا، أوّلها سنة تسعٍ وستّين.
روى عن: أبي طالب بن غَيْلان، وعبد الصّمد بن محمد بن مُكْرَم، وعُبَيْد الله بن عمر بن شاهين، وأبي بكر محمد بن عبد الملك بن بِشران، وبِشْر بن الفاتنيّ، وأبي الطّيّب الطَّبَريّ.
سمعتُ منه، وكان حافظًا متقنًا، أحد من عُني بهذا الشّأن، ولم يكن في زمانه بعد أبي بكر الخطيب أحدٌ أفضل منه، وحضَر مجلسَه الكبار من شيوخنا، وسمعوا منه، وسمع منهم.
وقال: وُلِدتُ بعُكْبَرَا في شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة.
وقال ابن عساكر1: وَزَرَ أبوه للخليفة القائم، وولي عمُّه قضاء القُضاة، وهو الحسين بن عليّ.
قال: وسمع ابن غَيْلان، والعتيقيّ، وأبا منصور محمد بن محمد السّوّاق، وأبا القاسم الحِنّائيّ، وأحمد بن القاسم بن ميمون المصريّ، وخلْقًا.
روى عنه: الخطيب شيخه، والفقيه نصر المقدسيّ، وعمر الدّهسْتانيّ.
ووُلِد بعُكْبَرَا سنة إحدى وعشرين في شعبان.
قال أبو عبد الله الحُمَيْديّ: ما راجَعتُ الخطيب في شيءٍ إلّا وأحالني على الكتاب، وقال: حتّى أبصره. وما راجَعتُ أبا نصْر بن ماكولا في شيءٍ إلّا وأجابني حِفْظًا، كأنّه يقرأ من كتاب2.
وقال أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني: لمّا بلغ أبا بكر الخطيبَ أنّ ابن
__________
1 تاريخ دمشق "18/ 617".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 574".

(33/150)


ماكولا أخذ عليه في كتابه "المؤتنف"، وصنَّف في ذاك تصنيفًا، وحضَر عنده ابن ماكولا، سأله الخطيب عن ذلك، فأنكر ولم يُقِرّ به وأصرّ على الإنكار، وقال: هذا لم يخطر ببالي.
وقيل: إنّ التّصنيف كان في كُمّه، فلمّا مات الخطيب أظهره ابن ماكولا، وهو الكتاب الّذي سمّاه "مستمرّ الأوهام"1.
قلت: لي نسخة به، وهو كتاب نفيس، يدلّ على تبحُّر مصنِّفه وإمامته.
قال ابن طاهر: سمعتُ أبا إسحاق الحبّال يمدح أبا نصر بن ماكولا ويُثْني عليه، ويقول: دخل مصر في زِيّ الكَتَبَة، فلم نرفع به رأسًا، فلمّا عرفناه كان من العلماء بهذا الشّأن.
وقال أبو سعد السمعاني: كان لبيبًا، عالمًا، عازفًا، حافظًا، ترشّح للحفظ، حتّى كان يقال له الخطيب الثّاني. وصنَّف كتاب "المؤتلف والمختلف" وسمّاه كتاب "الإكمال". وكان نحْويًّا، مجوّدًا، وشاعرًا مبرّزًا جَزْلَ الشِّعْر، فصيح العبارة، صحيح النَّقل، ما كان في البغداديّين في زمانه مثله. رحل إلى الشام، والسواحل، وديار مصر، والجزيرة، والحبال، وخُراسان، وما وراء النّهر. وطاف الدّنيا وجال في الآفاق ورجع إلى بغداد وأقام بها2.
وقال ابن النّجّار: أحبَّ العِلْمَ منذ صِباه، وطلب الحديث، وكان يُحضر المشايخ إلى منزله، وسمع منهم. ورحل إلى أن برع في الحديث، وأتقن الأدب. وله النَّظم والنَّثْر والمصنَّفات.
وأنفذه المقتدي بأمر الله رسولًا إلى سَمَرْقَنْد وبُخَارى، لأخذ البَيْعة له على ملكها طَمْغان الخان.
روى عنه: الخطيب، والفقيه نصر، والحُمَيْديّ، وأبو محمد الحسن بن أحمد السَّمَرْقَنْديّ، ومحمد بن عبد الواحد الدّقّاق، وشجاع الذُّهْليّ، ومحمد بن طرْخان، وأبو عليّ محمد بن محمد بن المهديّ، وإسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وعليّ بن عبد الله بن عبد السلام، وآخرون.
__________
1 تذكرة الحفاظ "4/ 1104"، وسير أعلام النبلاء "18/ 574".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 575".

(33/151)


وقال هبة الله بن المبارك ابن الدواني: اجتمعت بالأمير ابن ماكولا، فقال لي: خذ جزأين من الحديث، واجعل متن الحديث الّذي في هذا الجزء على إسناد الّذي في هذا الجزء، من أوّله إلى آخره، حتّى أردّه إلى حالته الأولى، من أوّله إلى آخره.
أخبرني أبو عليّ بْن الخلّال، أَنَا جعفر، أنا السلفي، قال: سألت شجاعا الذهلي عن ابن ماكولا فقال: كان حافظًا، فهْمًا، ثقةً، صنَّف كُتُبًا في علم الحديث1.
وقال المؤتَمَن السّاجيّ: لم يلزم ابن ماكولا طريق أهل العلم، فلم ينتفع بنفسه.
وقال أبو الحسن بن عبد السّلام: لمّا خرج الأمير أبو نصر إلى خُراسان في طلب الحديث، كتب إلى بغداد، والشِّعْرُ له:
قَوِّضْ خِيَامَكَ عن دارٍ أُهِنْتَ بها ... وجَانِبِ الذُّلَّ إنَّ الذُلَّ يُجْتَنَبُ
وارْحَلْ إذا كانتِ الأوطانُ مَضْيَعةً ... فالمنزلُ الرَّطْبُ في أوطانِهِ حَطَبُ
وللأمير:
ولمّا تَوَاقَفْنَا تباكَتْ قُلُوبُنا ... فَمُمْسِكُ دَمْع يومَ ذاك كساكِبِه
فيا كَبِدي الحَرَّى الْبِسِي ثَوْبَ حَسْرَةٍ ... فِرَاقُ الّذي تَهْوينَهُ قد كساكِ به
قال ابن عساكر2: سمعتُ ابن السَّمَرْقَنْديّ يذكر ابنَ ماكولا قال: كان له غلمان تُرْك أحداث، فقتلوه بجرجان سنة نيفٍ وسبعين وأربعمائة3.
وقال ابن النّجّار: قال ابن ناصر: كان ابن ماكولا الحافظ بالأهواز، إمّا في سنة ستٍّ أوْ سبعٍ وثمانين.
وقال السّمعانيّ في أوائل ترجمته: خرج من بغداد إلى خُوزسّتان، وقُتِل هناك بعد الثّمانين4.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي: في "المنتظم" إنه قتل سنة خمسٍ وسبعين، وقيل: في سنة ست وثمانين.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 575، 576".
2 في تاريخ دمشق "18/ 617".
3 تذكرة الحفاظ "4/ 1205"، وسير أعلام النبلاء "18/ 576".
4 سير أعلام النبلاء "19/ 576".

(33/152)


وقال غيره: قتل في سنة تسعٍ وسبعين.
وقيل: في سنة سبعٍ وثمانين بخُوزسْتان.
حكى هذين القولين القاضي شمس الدّين بن خَلِّكان1.
235- عُمَر بْن أحْمَد بْن عُمَر.
أَبُو حفص السمسار الأصبهاني الفقيه الفَرَضيّ.
سمع: عليّ بن عَبْدكُوَيْه، وأبا بكر بن أبي عليّ الذَّكْوانيّ، وغيرهما.
روى عنه: مسعود الثّقفيّ، وأبي عبد الله الرُّسّتُميّ.
236- عيسى بن خِيرة2.
مولى ابن بُرْد الأندلسيّ المقرئ، أبو الأصْبَغ.
روى عن: مكّيّ بن أبي طالب، وحاتم بن محمد، ومحمد بن عَتّاب، وأبي عمر بن الحذّاء، وأبي عَمْرو السّفَاقّسيّ.
وكان مجوّدًا للقراءات، وَرِعًا، زاهدًا، فاضلًا، متواضعًا، محبَّبًا إلى النَّفس.
ولي إمامة قُرْطُبة، ثمّ تخلّى عن ذلك. ومولده سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
وتُوُفّي في ثامن جُمَادى الآخرة. وكانت جنازته مشهودة.
"حرف الفاء":
237- الفضل بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أبي العبّاس النَّيْسابوريّ الفُرَاويّ3.
والد الفقيه المحدِّث أبي عبد الله محمد بن الفضل.
مولده سنة أربع عشرة وأربعمائة.
سمع: عبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبا سعيد عبد الرحمن بن عليك، وطائفة.
__________
1 في وفيات الأعيان "3/ 306".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 438، 439".
3 المنتخب من السياق "411، 412".

(33/153)


روى عنه: ابنه، وعبد الغافر بن إسماعيل.
وكان صوفيًّا صالحًا، محدِّثًا، جيّد القراءة، مليح الخطّ.
تُوُفّي فِي صفر.
"حرف الميم":
238- مُحَمَّدُ بْن أَحْمَد بْن عَبْد العزيز.
أبو عبد الله الطّاهريّ البغداديّ، من ساكني الحريم.
سمع: أبا الحسن بن الباداء.
وعنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ.
تُوُفّي في آخر السّنة.
239- محمد بن إبراهيم بن محمد.
أبو عبد الله الدِّينَوَريّ المؤذّن.
سمع بدمشق من: المسدّد الأُمْلُوكيّ وعليّ بن السِّمْسار، وغيرهما.
روى عنه: القاضي أبو المعالي محمد بن يحيى القُرَشيّ، وغيره.
240- محمد بن الحُسين بن محمد بن طلحة1.
أبو الحسن الإسفرائيني، الأديب الرّئيس.
شاعر محسن، له ديوان شِعْر.
سمع: ابن مَحْمِش الزِّياديّ، وأبا الحسن عليّ بن محمد السّقّاء، وحمزة بن يوسف السَّهْميّ، وغيرهم.
وكان أبوه من رؤساء نَيْسابور، وهو سِبْط القاضي أبي عمر البسْطاميّ. وكان يسلك طريق الفتيان ولا يتكلّف ويحفظ أشعارًا كثيرة. وله في نظام المُلْك قصيدة ومَطْلَعُهَا:
ليهن الهوى إنّي خَلَعتُ عِذَارِي ... وودَّعتُ من بعد المشيب وقاري
__________
1 المنتخب من السياق "59 رقم 113".

(33/154)


فقال له نظام المُلْك: أيُّها الشّيخ، بالرّفاء والبَنِين.
فقال: يا مولانا، هذه التّهنئة منك أحبُّ إليَّ من شِعري.
ومن مليح شعره قوله:
بنفسِي مَن سمحتُ له بروحي ... ولم يسمح بطيفٍ من خيالِهِ
وقد طُبع الخيال على مثالي ... كما طُبع الجمال على مثالِه
ولمّا أنْ رأى تَدْليه عقلي ... وشدّة حُرْقتي ورخاء بالِه
تبسَّم ضاحكًا عن بَرْقِ ثَغْرٍ ... يكاد البرقُ يخرج من خلالِه
وله:
بيضاء آنسة الحديث كأنها ... شمس الضحى لن تستطيع منَالَها
وأشدُّ ما بي في هواها أَنّها ... قد أطْمعتْ في الوصْل ثمّ بدا لها
قلت: روى عنه: سعيد بن سعد الله المِيهَنيّ، وسعد بن المُعْتَزّ، وجماعة.
241- محمد بن عبد الله بن موسى بن سهل1.
أبو عبد الله الْجُهَنيّ القُرْطُبيّ، ويُعرف بالبيّاسيّ.
مُكثِر عن حاتم الأطرابلسي.
وروى عن: أبي عبيد الله بن عابد، وأبي عبد الله بن عتّاب، وأبي عُمَر بن الحذّاء.
وكان مجتهدًا في طلب العِلْم وسماعه.
242- محمد بن عبد السّلام بن عليّ بن نظيف:
أبو البركات الصيدلاني الحمامي أخو أبي سعد محمد المكور من ثلاث سِنين.
سمع: عبد الملك بن بشران.
وعنه: شجاع الذهلي.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 559".

(33/155)


243- محمد بن عُبَيْد الله بن عبد البَرّ بن ربيعة.
الحافظ أبو عبد الله البلنسي.
ورّخه الأّبار فقال: سمع: أبا عمر بن عمر بن عبد البَرّ، وأبا المطرِّف بن حجّاف، وغيرهما.
وكان فقيهًا حافظًا مُفْتيا.
حدَّث عنه: خُلَيْص بن عبد الله.
مات في حاصر الرُّوم بَلَنْسِيَة رحمه الله.
244- محمد بن أبي هاشم العلويّ1.
صاحب مكّة.
كان يخطب مرّةً لبني عُبَيْد، ومرّةً لأمير المؤمنين، بحسب مَن يقوى منهما، ويأخذ جوائز هؤلاء.
مات في هذا العام.
245- محمود بن القاسم ابن القاضي أَبِي مَنْصُور مُحَمَّد بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حسين بن محمد ابن مقاتل بن صُبَيْح بن ربيع بن عبد الملك بن يزيد بن المهلَّب2.
القاضي أبو عامر الأزْديّ، المُهَلَّبيّ الهَرَويّ، من ولد المهلَّب بن أبي صُفْرَة.
إمامٌ فقيه علّامة، شافعيّ. حدث "بجامع الترمذي"، عن: عبد الجبار الجراجي.
روى عنه: مؤتَمَن السّاجيّ، ومحمد بن طاهر، وأبو نصر اليُونَارتيّ، وأبو العلاء صاعد بن سيّار، وزاهر الشّحّاميّ، وأبو عبد الله الفُرَاويّ، وأبو جعفر محمد بن أبي عليّ الهَمَذَانيّ، وطائفة آخرهم موتًا أبو الفتح نصر ابن سيّار.
قال السّمعانيّ: هو جليل القدْر، كبير المحل، عالمٌ فاضل. سمع: الجراجي، ومحمد بن محمد الأَزْديّ جدّه، وأبا عمر محمد بن الحسين البسطامي، وأبا معاذ
__________
1 البداية والنهاية "12/ 148".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 32-34"، وشذرات الذهب "3/ 382".

(33/156)


أحمد بن محمد الصَّيْرَفيّ، وأحمد الجاروديّ، وأبا معاذ بن عيسى الداغاني، وبكر بن محمد المَرْوَرُّوذيّ، وجماعة.
قال أبو النضر الفامي: عديم النظير زهدًا وصلاحًا عفةً. ولم يزل ذلك من ابتداء عُمره وإلى انتهائه. وكانت إليه الرّحلة من الأقطار والقصد لأسانيده1. وُلِد سنة أربعمائة، وتُوُفّي في جُمَادى الآخرة قال أبو جعفر بن أبي عليّ: كان شيخنا أبو عامر من أركان مذهب الشّافعيّ بهَرَاة، وكان إمامنا شيخ الإسلام يزوره، ويعوده في مرضه ويتبرَّك بدعائِه.
وكان نظام المُلْك يقول: لولا هذا الإمام في هذه البلدة كان لي ولهم شأن. يهدّدهم به. وكان يعتقد فيه اعتقادًا عظيمًا، لكونه لم يقبل منه شيئًا قطّ.
ولمّا سمعت منه "مُسْنَد التِّرْمِذِيّ" هنّاني شيخ الإسلام، وقال: لم تخسر في رحلتك إلى هَرَاة2.
وكان شيخ الإسلام قد سمع الكتاب قديمًا من محمد بن محمد بن محمود، عن الحسين بن الشّمّاخ، ومحمد بن إبراهيم قالا: أنا أبو عليّ التَّرّاب، عن أبي عيسى؛ ثمّ سمعه من الجراحيّ3.
246- محمود بن منصور البغداديّ.
المعروف بطاس سمع: عبد الملك بن بشْران.
وعنه: شُجاع الذُّهْليّ، وغيره.
تُوُفّي في صَفَر.
247- مَعَدّ4.
أبو تميم الملقَّب بأمير المؤمنين المستنصر بالله بن الظّاهر بالله بن الحاكم بأمر الله بن العزيز بن المُعزّ العُبَيْديّ، صاحب مصر والمغرب.
__________
1 التقييد "442"، وسير أعلام النبلاء "19/ 33".
2 التقييد "442".
3 التقييد "442، 443".
4 البداية والنهاية "12/ 148"، وشذرات الذهب "3/ 382".

(33/157)


بويع بعد موت أبيه الظّاهر في شعبان، وبقي في الخلافة ستّين سنة وأربعة أشهر. وهو الّذي خُطب له بإمرة المؤمنين على منابر العراق، في نوبة الأمير أبي الحارث أرسلان البساسيري، في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة.
ولا أعلم أحدًا في الإسلام -لا خليفة ولا سلطانًا- طالت مُدّته مثل المستنصر هذا.
ولي الأمر وهو ابن سبْع سِنين ولمّا كان في سنة ثلاثٍ وأربعين وأربعمائة قطع الخطْبة له من المغرب الأمير المُعزّ بن باديس1، وقيل: بل قطعها في سنة خمسٍ وثلاثين، وخطب لبني العبّاس، وخرج عن طاعة بني عُبَيْد الباطنيّة.
وحَدَث في أيّام هذا المتخلّف بمصر الغلاء الّذي ما عُهِد مثلُه منذ زمان يوسف صلى الله عليه وسلم، ودام سبْع سِنين، حتّى أكل النّاس بعضهم بعضًا، حتّى قيل: إنّه بِيع رغيفٌ واحدٌ بخمسين دينارًا. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وحتّى إنّ المستنصر هذا بقي يركب وحده وخواصّه ليس لهم دوّاب يركبونها. وإذا مشوا سقطوا من الجوع. وآل الأمر إلى استعارة المستنصر بغلةً يركبها حامل الخُبز من ابن هبة صاحب ديوان الإنشاء2.
وآخر شيء توجَّهت أُمُّ المستنصر وبناته إلى بغداد خوفًا من أن يمُتْنَ جوعًا. وكان ذلك في سنة ستين وأربعمائة. ولم يزل هذا الغلاء حتّى تحرَّك الأمير بدر الجماليّ والد الأفضل أمير الجيوش من عكاء، وركب في البحر حسبما ذُكِر في ترجمة الأفضل شاهنشاه، وجاء إلى مصر وتولّى تدبير الأمور، وشرع الأمر في الصّلاح3.
تُوُفّي المستنصر في ذي الحجّة؛ وفي دولته كان الرَّفْضُ والسّبّ فاشيا مجهورًا، والسُّنَّة والإسلام غريبًا مستورًا، فسبحان الحليم الخبير الّذي يفعل في مُلْكه ما يشاء.
وقام بعده ابنه المستعلي أحمد، أقامه أمير الجيوش بدر، واستقامت الأحوال، فخرج أخوه نزار من مصر خفية، فصار إلى نصر الدّولة أمير الإسكندريّة، فأعانه ودعا إليه، فتمّت بين أمير الجيوش وبينهم حروب وأمور، إلى أن ظفر بهم.
__________
1 وفيات الأعيان "5/ 229".
2 وفيات الأعيان "5/ 230".
3 وفيات الأعيان "5/ 230".

(33/158)


"حرف الهاء":
248- هبة اللَّه بْن عَليّ بْن عِراك بن أبي اللّيث.
أبو القاسم الأندلسيّ المقرئ نزيل تُسْتَر.
قرأ بمصر، والشّام، والعراق، القراءات، فقرأ على الأهوازيّ بدمشق، وعلى أبي الوليد عُتْبَة بن عبد الملك العثمانيّ ببغداد.
قرأ عليه القراءات في هذه السّنة بتّسْتَر: أبو سعد محمد بن عبد الجبّار الفارسيّ.
"حرف الواو":
249- واضح بن محمد بن عمر بن واضح بن أبروَيْه.
الصُّوفيّ الأصبهاني.
مات فِي ذِي القَعْدة.
"حرف الياء":
250- يَحْيَى بْن الحسين بن شراعة.
أبو الحسين التيمي الهَمَذَانيّ المؤذّن.
روى عن: أبي طاهر بن سَلَمَة، ومحمد بن عيسى، وغيرهما.
وعنه: شيروَيْه، وقال: صدوق.
وفيات سنة ثمان وثمانين وأربعمائة:
"حرف الألف":
251- أحمد بْن الحسن بْن أحمد بن خَيْرُون1.
أبو الفضل البغداديّ الباقِلانيّ الحافظ.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 105-108"، والبداية والنهاية "12/ 149".

(33/159)


ذكره السّمعانيّ فقال: ثقة، عدل، متقن واسع الرّواية، كتب بخطّه الكثير. وكان له معرفة بالحديث1.
روى عنه الخطيب في "تاريخه" فوائد.
سمع: أبا بكر البَرْقانيّ، وأبا عليّ بن شاذان، وأحمد بن عبد الله بن المَحَامِليّ، وعثمان بن دوست العلاف، وأبا القاسم الحرفي، وعبد الملك بن بشْران، وأبا يَعْلَى أحمد بن عبد الواحد؛ فمَن بعدَهم، إلى أن سمع من أقرانه.
وكتب بخطّه ما لم يدخل تحت الوصف.
قلت: وأجاز له أبو الحسين بن المُتيَّم، وأبو الحسن بن الصَّلْت الأهوازيّ، وأبو الفَرَج محمد بن فارس الغُوريّ، وابن رزقوَيْه.
وتفرَّد بإجازة جماعة من الكبار.
روى عنه: أبو عامر العَبْدريّ، وأبو عليّ بن سُكَّرَة، وأبو القاسم بن السَّمَرْقَنْديّ، وإسماعيل بن محمد التَّيْميّ، وأبو بكر الأنصاريّ، وشيخ الشّيوخ إسماعيل، وأبو الفضل بن ناصر، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وخلْق كثير آخرهم أبو الفتح محمد بن البطّيّ2.
قال السّمعانيّ: سمعتُ أبا منصور بن خَيْرُون يقول: كتبَ عمّي أبو الفضل عن أبي عليّ بن شاذان ألف جزء3.
قال: وسمعت عبد الوهاب يقول: ما رُؤيَ مثل أبي الفضل بن خَيْرُون، لو ذكرت له كتبه وأجزاءه التي سمعتها تول: عمّن سمع؟ وبأيّ طريقٍ سمع؟
وكان يذكر الشّيخ وما يروي وما يتفرَّد به4.
وقال أبو منصور: كتبوا مرّةً لعمّي "الحافظ"، فغضب وضرب عليه وقال: إيشْ قرأنا حتّى يُكتب لي الحافظ؟
__________
1 تذكرة الحفاظ "4/ 1208"، سير أعلام النبلاء "19/ 106".
2 ميزان الاعتدال "1/ 92"، ولسان الميزان "1/ 155".
3 تذكرة الحفاظ "4/ 1207".
4 سير أعلام النبلاء "19/ 107".

(33/160)


قلت: وقد أقرأ النّاسَ بالرّوايات، فقرأ على: أبي العلاء الواسطيّ، وعليّ بن طلحة البصْريّ.
قرأ عليه: ابنُ أخيه محمد بن عبد الملك بن خَيْرُون.
قال أبو عليّ الصَّدَفيّ: قرأتُ عليه عدّة خِتَم.
وممّن روى عنه أيضًا: هبة الله بن عبد الوارث، وعمر الرواسي.
وكان يُقال: هو في زمانه كيحيى بن مَعِين في زمانه؛ إشارة إلى أنّه كان يتكلَّم في شيوخ وقته جَرْحًا وتعديلًا، ولا يحابي حدًّا.
قال السلفي: كان يحيى بن معين إمام وقته1؛ وُلِد في جُمَادى الآخرة سنة ستٍّ وأربعمائة، ومات في رابع عشر رجب، رحمه الله تعالى.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ: أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُدَامَةَ، أنا أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْبَطِّيِّ، أنا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونَ: أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ شَاذَانَ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ: ثنا قُرَّةُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَلَهُ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طعام لا سمرآء". م، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، عَنِ الْعَقَدِيِّ، فَوَقَعَ بَدَلًا عَالِيا.
252- أحمد بن زاهر بن محمد2.
أبو بكر بن أبي سعيد النَّيْسابوريّ المقرئ التّاجر.
روى عن: أبي حسّان المزكيّ، ومحمد بن إبراهيم الفارسيّ.
وحدَّث بإصبهان "بمسلم"، فحمله عنه طائفة.
قال يحيى بن مَنْدَهْ: تُوُفّي سنة سبعٍ، أو ثمانٍ وثمانين وأربعمائة، رحمه الله.
253- أحمد بْن عليّ بْن عُبَيْد اللَّه.
أبو سَعْد الحُصْريّ. القزّاز.
شيخ بغداديّ مسن، يعرف بابن تحريش.
__________
1 التقييد "134".
2 المنتخب من السياق "116".

(33/161)


سمع: أبا الحسين بن بشران.
روى عنه: إسماعيل بن السمرقندي وعمر المَغَازِليّ، وأبو الكرم الشَّهْرُزُورِيّ. ولم يكن يعرف شيئًا.
254- إبراهيم بن محمد بن سعدوَيْه.
أبو نصر الأصبهاني.
سمع من: أبي بكر بن أبي عليّ، وجماعة.
ومولده سنة سبعٍ وأربعمائة.
255- إسماعيل بن محمد بن أحمد1.
أبو القاسم الزاهري المرزوي الدندانقاني.
كان يدخل مروًا أحيانًا من قريته. وكان عالمًا ورِعًا صدوقًا.
أثنى عليه أبو المظفّر منصور بن السّمعانيّ.
أكثر النّاس عنه.
سمع من: أبيه أبي الفضل، وأبي بكر عبد الله بن أحمد القفال، وعبد الرحمن بن أحمد الشرنخشيري2، وأبي إبراهيم إسماعيل بن يَنَالَ المحبوبيّ، وأحمد بن محمد بن عَبْدُوس الحافظ النَّسَائيّ.
روى عنه: عبد الكريم بن بدر، وأبو طاهر محمد بن محمد السِّنْجيّ، وغير واحد. مات في ربيع الآخر عن 91 سنة.
256- إسماعيل بن الفُضَيْل بن محمد.
الإمام أبو محمد الفُضَيْليّ الهَرَويّ.
كان فقيهًا متفنّنًا في العلوم، نبيلًا. وكان أبوه عالم هَرَاة وخطيبها. وله شعرٌ رائق.
وهو والد محمد بن إسماعيل شيخ أبي روح.
__________
1 الأنساب "6/ 229، 230".
2 الشيرنخشيري: نسبة إلى شيرنخشير، وهي قرية من قرى مرو "الأنساب 7/ 156".

(33/162)


"حرف الباء":
257-بَدْر1.
أمير الجيوش.
أرمنيّ الجنس. ولي إمارة دمشق من قِبل المستنصِر العُبَيْديّ سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة2، إلى أنّ جَرَت بينه وبين الجند والرّعيّة فتنة، وخاف على نفسه، فهَرَب في رجب سنة ستٍّ وخمسين. ثمّ وليها في سنة ثمانٍ وخمسين والشّام بأسره، ثمّ وقع الخِلاف بينه وبين أهل دمشق، فهَرب سنة ستّين. وأخْرَب القصر الّذي كان خارج باب الجابية. أخربه أهل البلد والعسكر خرابًا لم يُعَمَّر بعد، ومضى إلى مصر، فَعَلَت رتبتُه، وصار صاحبَ الأمر، فبعث إلى دمشق عسكرًا بعد عسكر، فلم يظفر بها. وتُوُفْي بمصر.
وهو بدر الجماليّ، وهو الّذي بنى جامع العطّارين بالإسكندريّة.
وفيه يقول عَلْقَمة العُلَيْميّ:
يا بَدْرُ أُقْسِمُ لو بِكَ اعتصمَ الوَرَى ... ولجوا إليك جميعُهم ما ضاعوا3
اشتراه جمال الدّين بن عمّار وربّاه.
وقيل: ركب البحر في الشّتاء من صور إلى الدّيار المصريّة في سنة ستٍّ وستّين، والمستنصِر في غاية الضَّعْف واختلال الدّولة للغلاء والوباء الّذي تمّ من قريب، ولاختلاف الكلمة، فولّاه الأمور كلَّها، من وزارة السّيف، والقلم، وقضاء القُضاة، والتَّقدُّم على الدُّعاة، فضبط الأمور، وزال قُطُوع4 المستنصِر واستفاق.
ولمّا دخل قرأ القاريء: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَهُ بِبَدْرٍ} [آل عمران: 123] ووقف، فقال المستنصِر: لو أتمَّها لَضَرَبتُ عُنُقَه.
ولم يزل إلى أن مات في ذي القعدة سنة ثمانٍ وثمانين.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 81-83"، والبداية والنهاية "12/ 147، 148".
2 أمراء دمشق "16".
3 الكامل في التاريخ "10/ 236".
4 القطوع: الإدبار والنحس.

(33/163)


وبنى مشهد الرّأس بعسقلان.
وقد وَزَرَ ولده الأفضل في حياته لمّا مرض.
"حرف التّاء":
258- تُتُش بن ألْب أرسلان أبي شُجاع محمد بن داود بن ميكال بن سلجوق بن دُقَاق1.
الملك أبو سعيد تاج الدّولة السُّلْجُوقيّ، ولد السّلطان وأخو السّلطان. تُركيّ محتشم، شجاع، من بيت ملك وتقدُّم. مرّ كثيرٌ من سيرته وفتوحاته العظيمة في الحوادث.
استنجد به صاحب دمشق أتّسِز على قتال عسكر المصريّين الرّافضة، فقدِم دمشق في سنة اثنتين وسبعين، وقتل أتْسِز في تلك الأشْهر، وملك دمشق، وقيل: إنّه كان حَسَن السّيرة. وبقي على دمشق إلى صَفَر سنة ثمانٍ هذه، فقُتِل بمدينة الرَّيّ.
وكان قد سار من دمشق إلى خُراسان عندما سمع بموت أخيه السّلطان ملكشاه ليتملّك، فلقِيه ابن أخيه بَرْكيَارُوق، فقُتِل تُتُش في المعركة، وتسلطن بعده بدمشق ابنُه دُقَاق الملقَّب شمس الملوك، أخو فخْر الملوك رضوان.
وكان تتش معظمًا للشيخ أبي الفرح الحنبليّ. وقد جَرَت في مجلسه بدمشق مناظرة عقدها لأبي الفَرَج وخصومه في قولهم: إنّ القرآن يُسمع ويُقرأ ويُكتب، وليس بصوتٍ ولا حرف. فقال الملك: هذا مثل قول من يقول هذا قَباء، وأشار إلى قبائه، على الحقيقة، وليس بحرير، ولا قُطْن، ولا كتّان.
وهذا الكلام صَدَر من تُركيّ أعجميّ، فأيّد الله شرف الإسلام أبا الفَرَج، فجاهد في الإسلام حقّ جهاده؛ ثمّ خلّف ولدًا نجيبًا عالمًا سيفًا مسلولًا على المخالفين، وهو شرف الإسلام عبد الوهّاب.
"حرف الجيم":
259- جعفر بْن عَبْد اللَّه بْن جحّاف.
أبو أحمد المَعَافِريّ، قاضي بلنسية ورئيسها في الفتنة.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 83-85"، والبداية والنهاية "12/ 148".

(33/164)


سمع: أبا عمر بن عبد البَرّ.
صارت إليه ولاية بَلَنْسِيَة بعد خلْع القادر بن ذي النُّون وقتله على يديه، فلم تُحْمَد دولته.
امْتُحن بالكنبيطور الكلب الّذي أخذ بَلَنْسِيَة، فأخذ ماله وعذّبه، وأحرقه بالنَّار.
"حرف الحاء":
260- حَمْد بن أحمد بن الحسن1.
أبو الفضل الحدّاد.
قال ابن السّمعانيّ: ورد نعِيُّه من إصبهان إلى بغداد في ذي الحجّة سنة ثمانٍ وثمانين.
قلت: قد ذكرته في سنة ستٍّ، لأنّي رأيت وفاته في تاريخٍ لبعض الأصبهانيين في جُمَادى الأولى سنة ستٍّ، وهو أشبه.
261- الحسن بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن سَلَمَة.
أبو عليّ الهَمَذَانيّ المعدل. إمام الجامع بهَمَذَان.
روى عن: إبراهيم بن جعفر الأسَديّ، وعليّ بن إبراهيم بن حامد، والحسين بن فَنْجُوَيْه الثّقفيّ، ومحمد بن عيسى، وابن سَلَمَة، وغيرهم.
قال شيروَيْه: سمعتُ منه جميع ما كان عنده مِرارًا، وكان ثقة، صدوقًا، متديِّنًا، جمالًا للمحراب، زَيْنًا للمجالس والمحافل. من بيت العلم.
تُوُفّي في صَفَر، وتَولَّيْتُ غسْلَه.
قال: وكان مولده في شعبان سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
262- الحسن بن محمد بن الحسن2.
الفقيه أبو علي الساوي3 الشافعي، المتكلم الأشعري.
__________
1 المنتظم "9/ 8"، وتقدم برقم "179".
2 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "7/ 66".
3 نسبة إلى ساوة بلدة بين الري وهمذان "الأنساب 7/ 19".

(33/165)


حدَّث بدمشق عن: أبي طالب بن غَيْلان، وأبي ذَرّ الهَرَويّ، وأبي الحسن صخر، وغيرهم.
روى عنه: الفقيه نصر المقدسيّ وهو من أقرانه، وهبة اللَّه بْن طاوس.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة، وله ستٌّ وسبعون سنة.
263- الحسين بن إسماعيل1.
أبو عبد الله العَلَويّ الحَسَنيّ النَّيْسابوريّ فخر الحَرَمين.
روى عن: عبد الرحمن بن حمدان النصرويي، وناصر بن الحسين العَمْريّ.
روى عنه: أبو سعْد خيّاط الصُّوف.
مات في شوّال، وقد جاوز الثّمانين.
"حرف الخاء":
264- خديجة بنت أبي عثمان إسماعيل الصّابونيّ النَّيْسابوريّ2.
ماتت في رمضان: وكانت صالحة عابدة.
ولدت سنة أربعٍ وأربعمائة، وسمعت من أصحاب الأصمّ، ومن: أبي نصر عمر بن عبد العزيز بن قَتَادَة، والحسين ابن فَنْجُوَيْه الثّقفيّ.
وعنها: أبو البركات بن الفُرَاويّ، وعبد الخالق الشّحّاميّ، وعمر بن الصّفّار، وغيرهم.
ماتت في رمضان، وستأتي أختُها ستيك3.
"حرف الراء":
265- رِزْقُ الله بن عبد الوهّاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد4.
__________
1 المنتخب من السياق "202"، ولسان الميزان "2/ 273".
2 المنتخب من السياق "219".
3 ستأتي برقم "348".
4 سير أعلام النبلاء "18/ 609-615"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1208"، والبداية والنهاية "12/ 150"، وشذرات الذهب "3/ 384".

(33/166)


الإمام أبو محمد بن أبي الفَرَج التّميميّ البغدادي، رئيس الحنابلة ببغداد.
ولد سنة أربعمائة، وقيل: سنة إحدى وأربعمائة.
قال السّمعانيّ: هو فقيه الحنابلة وإمامهم. قرأ القرآن، والحديث، والفقه، والأصول، والتّفسير، والفرائض، واللُّغة، وعُمّر حتى صار يقصد من كل جانب. وكان مجلسه جم الفوائد. وكان يجلس في حلقة أبيه بجامع المنصور للوعظ والفتوى. وكان فصيح اللسان.
قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي.
وسمع منه، ومن: أبيه، وأبي الحسين أحمد بن محمد بن المتيَّم1، وأبي عمر بن مهدي، وأبي الحسين بن بشران، وابن الفضل القطان، والحرفي، وابن شاذان، وجماعة.
روى لنا عنه خلْق كثير، ووَرَد إصبهان رسولًا في سنة ثلاثٍ وثمانين. وثنا عنه من أهلها أكثر من ستّين نفسًا.
ثُمَّ قَالَ: أنبا الْمَشَايِخُ، فَذَكَرَ سِتِّينَ بِإصبهان، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ غَيْرِهَا.
ثُمّ قَالَ: وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ، قَالُوا: أنبا رِزْقُ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، فَذَكَرَ حَدِيثَ: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا" 2. وَهُوَ حَدِيثٌ انْفَرَد رِزْقُ اللَّهِ بِعُلُوِّهِ.
أنبا أبو المعالي الهَمَذَانيّ، أنا أبو بكر بن سابور، أنا عبد العزيز الشّيرازيّ، أنا رزق الله إملاءً، فذكر مجلسًا أوّله هذا الحديث.
قال السّمعانيّ: سمعت أحمد بن سعْد العِجْليّ بهَمَذَان يقول: كان شيخنا أبو محمد التّميميّ إذا روى هذا الحديث قال: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} [الطور: 15] ؟! وقال السِّلَفيّ: فيما أنا الدّمياطيّ، أنا ابن رَوَاج، أنا أبو طاهر بن سِلَفَة قال: رزق الله شيخ الحنابلة، قدِم إصبهان رسولًا من قِبَل الخليفة إلى السّلطان، وأنا إذ ذاك صغير. وشاهدته يوم دخوله. كان يومًا مشهودًا كالعيد، بل أبْلَغ في المَزِيد. وأُنْزِل بباب القصر، محلتنا، في دار سلطان. وحضرت في الجامع الجورجيري مجلسه
__________
1 في ذيل طبقات الحنابلة "1/ 77" "التميم" وهو تحريف.
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "6502".

(33/167)


متفرِّجًا، ثمّ لمّا تصدَّيت للسّماع، قال لي أبو الحسن أحمد بن معمر اللبناني1، وكان من الأثبات: قد استجرته لك في جملة من كتبتُ اسمه مِن صبياننا.
فكتب خطّه بالإجازة.
وقال أبو غالب هبةُ الله قصيدةً أوّلها:
بمَقْدِم الشّيخ رِزْقِ الله قد رُزِقَتْ ... أهلُ إصبهان أسانيدًا عَجيباتِ
ثمّ قال السِّلَفيّ: وروى بالإجازة عن أبي عبد الرحمن السُّلَميّ.
قال ابن النّجّار: وقرأ بالرويات على الحمّاميّ. وقرأ عليه جماعةٌ من القرّاء. وتفقّه على أبيه، وعمّه أبي الفضل. وله مصنَّفاتٌ حَسَنَة2.
وكان واعظًا، مليح العبارة، لطيف الإشارة، فصيحًا، ظريف المعاني. له القبول التّامّ والحُرْمة الكاملة. ترسَّل إلى ملوك الأطراف.
وقال أَبُو زكريا يحيى بْن عَبْد الوهّاب بْن مَنْدَهْ: سمعتُ أبا محمد رزق الله الحنبليّ بإصبهان يقول: أدركتُ من أصحاب ابن مجاهد واحدًا يُقال له: أبو القاسم عُبَيْد الله بْن محمد الخفّاف، وقرأت عَليْهِ سورة البقرة، وقرأها عَلَى أَبِي بَكْر بن مجاهد3.
وأدركتُ أيضًا أبا القاسم عمر بن تعويذ من أصحاب الشِّبْليّ، وسمعته يقول: رأيت أبا بكر الشِّبْليّ في درب سليمان بن عليّ في رمضان، وقد اجتاز على البقّال، وهو يُنادي على البَقَل: يا صائم من كلّ الألوان. فلم يزل يكرر هذا اللّفْظ ويبكي، ثمّ أنشأ يقول:
خليليَّ إنْ دام هَمُّ النُّفوس ... على ما أراه سريعًا قَتَلْ
فَيَا سَاقيَ القَومِ لا تَنْسَني ... ويَا رَبَّةَ الخِدْر غنِّي رَمَلْ
لقد كان شيءٌ يُسمَّى السُّرُورُ ... قديمًا سمعنا به ما فعل4
__________
1 اللبناني: نسبة إلى محلة كبيرة بأصبهان ولها باب يقال له: باب لبنان "الأنساب: 11/ 32".
2 الوافي بالوفيات "14/ 113".
3 سير أعلام النبلاء "18/ 612، 613".
4 سير أعلام النبلاء "18/ 163".

(33/168)


وقال السّمعانيّ: أنشدنا هبة الله بن طاوس: أنْشدنا رزق الله التّميميّ لنفسِهِ:
وما شَنَّأَنَّ الشَّيْبَ من أجل لَوْنِهِ ... ولكنَّهُ حادٍ إلى البين مسرع
إذا ما دبت منه الطَّليعة آذَنَتْ ... بأنّ المَنَايا خَلْفَها تتطلَّعُ
فإنْ قصَّها المِقْراضُ صاحت بأُخْتها ... فتظهرُ تَتْلُوها ثلاثٌ وأربعُ
وإنْ خُضِبَتْ حالَ الخِضَاب لأنه ... يُغَالبُ صُنْعَ اللهِ واللهُ أصنعُ
إذا ما بَلَغَت الأربعينَ فقُلْ لِمَنْ ... يَوَدُّك فيما تشتهيه ويُسْرعُ
هَلُمُّوا لِنَبْكي قبل فُرْقة بَيْننا ... فما بَعْدَها عيشٌ لذيذٌ ومَجْمَعُ
وخَلِّ التَّصَابي والخلاعَةَ والهَوَى ... وأُمَّ طريقَ الخير فالخيرُ أنْفعُ
وخُذْ جنة تُنْجي وزادًا من التُّقى ... وصُحْبَة مأمومٍ فقصدُك مفزعُ
قال أبو عليّ بن سُكَّرَة: رِزقُ الله التّميميّ، قرأت عليه برواية قالون خِتْمةً، وكان كبيرَ بغداد وجليلَها، وكان يقول: كلّ الطّوائف تدعيني1.
سمعته يقول: يَقْبُحُ بكم أن تستفيدوا منّا ثمّ تذكرونا، فلا تترحّموا علينا؛ فرحمه الله.
قلتُ: وآخر من روى عنه سماعًا أبو الفتح بن البطّيّ، وإجازةً أبو الطاهر السِّلَفيّ.
قال ابن ناصر: تُوُفّي شيخنا أبو محمد التّميميّ في نصف جُمَادى الأولى سنة ثمانٍ. ودُفِن في داره بباب المراتب. ثمّ دُفِن في سنة إحدى وتسعين إلى جنْب قبر الإمام أَحْمَد2.
قال أبو الكَرَم الشَّهْرُزُوريّ: سمعته يقول: دخلت سَمَرْقَنْد، فرأيتهم يرْوون "النّاسخ والمنسوخ" لجدّي هبة الله، عن خمسةٍ، إليه، فرويته عن جدي لهم.
__________
1 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 78".
2 طبقات الحنابلة "2/ 251"، المنتظم "9/ 89".

(33/169)


"حرف الشّين":
266- شافع بن عليّ1.
أبو الفضل الطُّرَيْثيثيّ، الصُّوفيّ النَّيْسابوريّ الزّاهد.
كان عالِمًا عامِلًا، قانتًا عابدًا، ناسكًا كبير القْدر، صاحب مقامات وأحوال. من سكان دويرة أبي عبد الرحمن السلمي.
توفي في ذي الحجة.
وقد سمع بمكة من ابن صخْر؛ وبالبصرة من إبراهيم بن طلحة بن غسّان. روى عنه: عبد الله بن الفُرَاويّ، وعبد الخالق الشّحّاميّ.
"حرف الصّاد":
267- صالح بن أحمد بن رضوان بن محمد بن رضوان جالينوس.
أبو عليّ التّميميّ البغداديّ المعدّل.
روى عن: عبد الملك بن بشْران، وغيره.
روى عنه: محمد بن عليّ بن عبد السّلام الكاتب.
تُوُفّي في رجب.
"حرف العين":
268- عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن حمزة بن الحسن بن حمدان بن ذكوان2.
أبو محمد البَعْلَبَكيّ. يُعرف بابن أبي فجّة.
سمع: عليّ بن محمد الحِنّائيّ، وعبد الرحمن بن ياسر الْجَوْبَريّ، وعليّ بن السّمْسار، وأحمد بن محمد العتيقيّ، وأبا نصر بن الحبّان.
وأجاز له الحسين بن أبي كامل صاحب خيثمة.
__________
1 المنتخب من السياق "253"، رقم "815".
2 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "12/ 116".

(33/170)


سمع منه: عبد الرحمن وعبد الله ابنا صابر.
قال ابن عساكر: ثنا عنه ابن ابنه عليّ بن حمزة، والخَضِر بن عليّ.
وتُوُفّي في ذي القعدة.
269- عبد الله بن طاهر بن محمد شَهْفُور1.
أبو القاسم التّميميّ الفقيه، نزيل بلْخ.
من أهل إسْفَرائين.
قال السّمعانيّ: كان إمامًا فاضلًا نبيلًا، بَرَعَ في الفقه والأصول، ودرَّس بالمدرسة النّظاميّة ببلْخ. حَسَن الأخلاق، ظهرت له الحشمة التّامّة حتّى صار من أهل الثروة.
وكان له مروءة وحسان، وتفقُّد للفقراء، وسَعْيٌ جميل في الحقوق.
سمع بنَيْسابور: عليّ بن محمد الطّرّازيّ، وعبد الرحمن النصرويي، وجده أبا منصور عبد القاهر البغدادي.
روى لنا عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، والمبارك بن خيرون الوزان. سمعوا منه لمّا حجّ.
وثنا عنه بهَرَاة: أبو شُجاع البسْطاميّ؛ وببلْخ: أخوه أبو الفتح محمد البسّطاميّ.
270- عبد الجبّار بن الحسين بن محمد بن القاسم.
أبو يَعْلَى الهاشميّ البغداديّ الشُّرُوطيّ، المعروف بابن أبي عيسى. وهم أربعة أخوة: محمد, وعبد الجبّار، وعبد السّميع، وعبد المهيمن.
سمع: أبا عليّ بن شاذان.
وعنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وعليّ بن عبد العزيز بن السّمّاك. تُوُفّي في شعبان.
271- عبد الرحيم بن عثمان بن أحمد2.
أبو القاسم السُّنِّيّ الحنفي النيسابوري.
__________
1 المنتخب من السياق "288" رقم "952"، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي "3/ 204".
2 المنتخب من السياق "323 رقم 1066".

(33/171)


حدَّث عن: أبي سعيد الصَّيْرَفيّ، وأصحاب الأصمّ، وعنه: عبد الغافر، وقال: تُوُفّي في رمضان.
272- عبد السّلام بن محمد بن يوسف بن بُنْدَار1.
أبو يوسف القَزْوينيّ. شيخ المعتزلة.
نزل بغداد، وسمع: أبا عمر بن مَهْديّ الفارسيّ، وعبد الجبّار بن أحمد الهَمَذَانيّ القاضي المعتزليّ، ودرس عليه الكلام بالرَّيّ.
وسمع بهَمَذَان: أبا طاهر بن سَلَمَة، وبِحَرّان: أبا القاسم عليّ بن محمد الزَّيْديّ؛ وبإصبهان: أبا نُعَيْم الحافظ.
وسمع من: أبيه، وعمّه إبراهيم، وسماعه قبل الأربعمائة.
روى عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وأبو غالب بن البنّاء، وهبة الله بن طاوس، ومحمود بن محمد الرَّحْبيّ، وإسماعيل بن محمد الأصبهاني الحافظ، وأبو بكر قاضي المَرِسْتان، وأبو البركات الأنْماطيّ، وأحمد بن محمد أبو سعْد البغداديّ، وآخرون.
قال السّمعانيّ: كان أحد المعمَّرين المقدَّمين، جمع "التّفسير الكبير" الّذي لم يُرَ في التّفاسير كتابٌ أكبر منه، ولا أجمع للفوائد، ولولا أنّه مَزَجَه بكلام المعتزلة، وبثَّ فيه مُعْتَقَدَه، وما اتَّبع نهج السَّلَف فيما صَنَّفه من الوقوف على ما ورَدَ في الكتاب والسُّنّة والتّصديق بهما.
وأقام بمصر سِنين، وحصَّل أحْمالًا من الكُتُب، وحملها إلى بغداد، وكان داعيةً إلى الاعتزال.
سمعتُ أبا سعْد البغداديّ الحافظ يقول: كان يصرّح بالاعتزال، وقال ابن عساكر: هو مُصنِّفٌ مشهور. سكن طَرَابُلُس مدّةً، ثمّ عاد إلى بغداد.
سمعتُ الحسين بن محمد البلْخيّ يقول: إنّ أبا يوسف صنَّف "التّفسير" في ثلاثمائة مجلَّد ونيّف، وقال: من قرأه عليّ وهبْتُه النسخة. فلم يقرأه عليه أحد.
__________
1 معجم البلدان "2/ 332"، والكامل في التاريخ "10/ 253"، وسير أعلام النبلاء "18/ 616-620"، والبداية والنهاية "12/ 150".

(33/172)


وسمعتُ هبة الله بن طاوس يقول: دخلتُ على أبي يوسف ببغداد وقد زمن، من أين أنت؟ قلت: من دمشق.
قال: بلد النَّصْب1.
وقال ابن النّجّار: قرأتُ بخطّ أبي الوفاء بن عقيل الفقيه: قدِم علينا أبو يوسف القَزْوينيّ من مصر، وكان يفتخر بالاعتزال. وكان فيه توسُّع في القدْح في العلماء الّذين يخالفونه وجُرأة. وكان إذا قصد باب نظام المُلْك يقول لهم: استأذِنوا لأبي يوسف القَزْوينيّ المعتزليّ.
وكان طويل اللّسان بعلمٍ تارةٍ، وبسفهٍ يؤذِي به النّاسَ أخرى.
ولم يكن محقّقًا إلّا في التّفسير، فإنّه لَهِجَ بالتفاسير حتى جمع كتابًا بلغ خمسمائة مجلد، حشى فيه العجائب، حتى رأيت منه مجلَّدةً في آيةٍ واحدة، وهي قوله تعالى: {وَاتَبَعُوا مَا تَتْلُو الشَيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102] فذكر فيه السَّحَرة والملوك الّذين نَفَقَ عليهم السِّحْرُ وأنواع السِّحر وتأثيراته2.
وقال أبو الحَسَن محمد بْن عَبْد المُلْك: ملكَ أبو يوسف القَزْوينيّ كُتُبًا لم يملك أحدٌ مثلَها. فكان قومٌ يقولون ابتاعها من مصر بالخبز وقت شدة الغلاء.
وحدَّثني أبو منصور عبد المحسن بن محمد أنّه ابتاعها بالأثمان الغالية. وكان يحضر بيع كُتُب السِّيرافيّ، وهو شاهدٌ معروف بمصر، وبيعت كُتُبُه في سنتين، وزادت على أربعين ألف مجلَّدة.
قال: وكان أبو يوسف يبتاع في كلّ أسبوع بمائة دينار، ويقول: قد بعتُ رَحْلي وجميعَ ما في بيتي.
وكان الرُّؤساء هناك يواصلونه بالذَّهب.
وقيل: إنّه قدِم بغداد معه عشرة أحمال كُتُب، وأكثرها بالخطوط المنسوبة.
وعنه قال: ملكتُ ستين تفسيرًا، منها "تفسير ابن جرير"، و"تفسير الجبائي"، و"تفسير ابنه أبي هاشم"، و"تفسير أبي مسلم بن بحر"، و"تفسير البلخي".
__________
1 النصب: من الناصبة، وهم الذين يبغضون عليًّا رضي الله عنه.
2 المنتظم "9/ 90".

(33/173)


قال محمد بن عبد الوهّاب: وأهدى أبو يوسف لنظام المُلْك أربعة أشياء ما لأحدٍ منها: "غريب الحديث" لإبراهيم الحربيّ في عشر مجلدات بخط أبي عمر بن حيويه، و"شعر الكميت" في ثلاث عشر مجلدات بخط أبي منصور، و"عهد القاضي عبد الجبّار بن أحمد" بخطّ الصّاحب بن عبّاد وإنشائه، فسمعتُ أبا يوسف يقول: كان سبعمائة سطر، كل سطر في ورقة سَمَرْقَنْديّ، وله غلاف آبنُوس يطبق كالأُسْطُوانة الغليظة، وأهدى له مُصْحَفًا بخطٍّ منسوب واضح، وبين الأسطر القراءات بالحُمْرة، وتفسير غريبه بالخُضْرة، وإعرابه بالزُّرْقَة، وكتب بالذّهب علامات على الآيات التّي تصْلُح للانتزاعات في العهود، والمكاتبات، والتعازي، والتهاني، والوعيد.
فأعطاه نظام الملك ثلاثمائة دينار. فسمعت من يسأل أبا يوسف عند نظام المُلْك فقال: أعطيته أكثر ممّا أعطاني، وإنما رضيت منه بالإكرام، وغدرته حين قال: ليس عندي حلال لا شُبْهة فيه سوى هذا القدر1.
وسُئل عنه المؤتَمَن السّاجيّ فقال: قطعته رأسًا لِما كان يتظاهر به من خِلاف الطّريق.
وقال محمد بن عبد الملك في "تاريخه": كان أبو يوسف فصيح العبارة، حُلْو الإشارة، يحفظ غرائب الحكايات والأخبار. وكان زَيْديَّ المذهب، وفسَّر بمصر القرآن في سبعمائة مجلدٍ كبار.
قلت: وقد دخل عليه الإمام أبو حامد الغزاليّ، وجلس بين يديه، فسأله: من أين أنت؟ فقال: من المدرسة ببغداد.
وقال الغزاليّ: علمتُ أنّه ذو اطّلاعٍ ومعرفة، فلو قلت إنّني من طوس، لذكر ما يُحكى عن أهل طُوس من التّغفيل، من أنّهم توسَّلوا إلى المأمون بقبر أبيه، وكونه عندهم، وطلبوا منه أن يحوِّل الكعبة، وينقلها إلى عندهم: وأنّه جاء عن بعضهم أنّه سُئل عن نجمه، فقال بالتّيس. فقيل له في ذلك، فقال: من سِنين كان بالْجَدْي، والآن فقد كَبُر.
قال ابن عساكر2: وسمعتُ من يحكي أنّه كان بأَطْرابُلُس، فقال له ابن البرّاج: متكلِّم الرّافضة: ما تقول في الشيخين؟ فقال: سفلتان ساقطان.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 618، 619"، لسان الميزان "4/ 11، 12".
2 في تاريخ دمشق".

(33/174)


قال: مَن تَعْني؟ قال: أنا وأنت.
وقال أبو عليّ بن سُكَّرَة الصَّدَفيّ: أبو يوسف القَزْوينيّ كان معتزليًّا داعيةً، كان يقول: لم يبقَ مَن ينصُرُ هذا المذهبَ غيري، وكان قد بلغ من السّنّ مبلغًا يكاد أن يُخفى في الموضع الّذي كان يجلس فيه، وله لسانٌ شاب1.
ذكر لي أن تفسيرًا في القرآن في نحو ثلاثمائة مجلد، سبعة منها في سورة الفاتحة. كان عنده جزءٌ ضخمٌ، من حديث محمد بن عبد الله الأنصاريّ، رواية أبي حاتم الرّازيّ، عنه، كنتُ أودّ أن يكون عند غيره بما يشقّ عليّ.
قرأت عليه بعضه، رواه عن القاضي عبد الجبّار المعتزليّ، عنه.
وكان سبب مَشْيي إليه أنّ شيخنا ابن سوار المقرئ سألني أنْ أمضي مع ابْنَيه لأُسْمِعَهُمَا عليه، فأَجَبْتُه، وقرأ لهما شيئًا من حديث المحاملي، وأنا أنّه سمع ذلك سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة، وهو ابن أربع سِنين أو نحوها2.
قال لي: كنتُ في سنّ هذا، يعني وَلَد شيخنا ابن سِوَار، وكنتُ أعقل من أبيه.
وكان لا يُسالم أحدًا من السَّلَف؛ وكان يقول لنا: أُخرجوا تدخل الملائكة يريد المحدِّثين.
قال: ولم أكتب عنه حرفًا؛ يعنى ابن سُكَّرَة أنّه لا يحدِّث عنه؛ وقد روى عنه شِعْرًا، وذكره في مشيخته.
قال شجاع الذُّهْليّ: أبو يوسف القَزْوينيّ أحد شيوخ المعتزلة، عاش ستًّا وتسعين سنة، ذكر لي أنّ مولده في سنة ثلاثٍ وتسعين وثلاثمائة.
وقل ابن ناصر: مات في رابع عشر ذي القعدة، وقال مرةً: ولدت نصف شعبان.
173- عبد الصمد بن أحمد ابن الرُّوميّ:
أبو القاسم البغداديّ.
سمع: أبا عليّ بن شاذان.
__________
1 سير أعلام النبلاء "18/ 619"، لسان الميزان "4/ 12".
2 سير أعلام النبلاء "18/ 620".

(33/175)


روى عنه: عبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن عليّ بن عبد السّلام.
تُوُفّي في صَفَر.
274- عبد الغفار بن نصر.
أبو طاهر الهَمَذَانيّ المقرئ البزّاز ويُعرف بابن هاموش.
قال شيروَيْه: روى عن: ابن عَبْدان، وعبد الغافر الفارسيّ، وأبي حفص ابن مسرور، والنيسابوريين. قرأت عليه القرآن، وتوفي المحرَّم.
275- عبد الملك بن عبد الله1.
أبو سهل الدَّشْتيّ الفقيه.
نَيْسابوريّ عالى الإسناد.
سمع: أبا طاهر الزّياديّ، وعبد الله بن يوسف بن ماموَيْه، وأبا عبد الرحمن السُّلَميّ.
ومات في شوّال.
روى عنه: عبد الغافر الفارسيّ، وقال؛ شيخ من بيت العِلم والتّصوّف والثّروة.
وقال السّمعانيّ2: كان شيخًا مستورًا، صدوقًا من بيت العلم والصلاح.
ولد سنة ست وأربعمائة.
قلت: روى عنه: عبد الخالق بن زاهر، وعمر بن أحمد الصّفّار، وأبو البركات بن الفرواي، وعبد الرحمن بن الحسن الكَرْمانيّ، وآخرون.
276- عُبَيْد الله بن عبد الله بن حَسكوَيْه3.
أبو سعد النَّيْسابوريّ.
شيخ مُسْنِد، روى عن: أبي بكر الحيري، والطرازي، والصيرفي.
__________
1 الأنساب "5/ 134، 135"، والمنتخب من السياق "330".
2 في الأنساب "5/ 341".
3 تذكرة الحفاظ "3/ 1201"، وسير أعلام النبلاء "18/ 269، 270".

(33/176)


روى عنه: وجيه، وعبد الخالق بن زاهر.
وقد مرّ أبوه سنة ثلاثٍ وخمسين.
277- عليّ بن أحمد بن عليّ بن زُهَير1.
أبو الحسن التّميميّ المالكيّ.
دمشقي مشهور.
روى عن: عليّ بن الخضر، وعليّ بن السّمْسار، ومحمد بن عبد الله بن بُنْدَار، وأحمد بن الحسن بن الطّيّان، وأبي عثمان الصّابونيّ، وجماعة.
روى عنه: جمال الإسلام السُّلَميّ، ونصر بْن أَحْمَد بْن مقاتل، وناصر بْن محمود القُرَشيّ.
قال أبو محمد بن جابر: لم يكن المالكيّ ثقة.
وكذلك قال أبو القاسم بن جابر، وقال: أخرج لنا جزءًا من حديث ابن زَبر، قد كتب عليه سمَاعَه من ابن السِّمْسار سنة خمسٍ وثلاثين. ومات ابن السّمْسار سنة أربعٍ وثلاثين.
تُوُفّي في ذي القعدة، وله ثلاثٌ وسبعون سنة.
278- عليّ بن أحمد بن خُشْنَام2.
أبو سعيد الصَّيْدلانيّ.
شيخ نَيْسابوريّ صالح.
سمع: محمد بن محمد بن مَحْمِش.
وهو أخو شبيب البَسْتيغيّ3.
روى عنه: عمر بن أحمد الصفار وإسماعيل العصايدي.
__________
1 ميزان الاعتدال "3/ 112"، ولسان الميزان "4/ 517".
2 التحبير "1/ 559"، والمنتخب من السياق "388".
3 البستيغي: نسبة إلى بستيغ، وهي قرية بسواد نيسابور "الأنساب 2/ 207".

(33/177)


279- عليّ بن عَمْرو الحرّانيّ1.
الفقيه الحنبليّ، الرّجل الصّالح.
يُكنى أبا الحسن. مات بسَرُوج. وكان من أصحاب القاضي أبي يَعْلَى.
تُوُفّي في شعبان.
280- عليّ بن عبد الصّمد بن عثمان بن سلامة2.
أبو الحسن العسقلانيّ، المعروف بطيف.
سمع: أبا عبد الله بن نظيف بمصر، ومحمد بن جعفر الميماسيّ بغزّة، وعليّ بن السِّمّسار بدمشق.
قال غيث بن عليّ: سمعتُ منه في سنة ثمانٍ وثمانين، ما علمتُ من أمره إلّا خيرًا.
281- عليّ بن عبد الغنيّ3.
أبو الحسن الفِهْريّ المقرئ الحُصْريّ.
الشَّاعر الضّرير. أقرأ النّاس بسَبْتَة وغيرها.
قال ابن بَشْكُوال4: ذكره الحُمَيْديّ5 وقال: شاعر أديب، رخيم الشِّعْر، دخل الأندلس ولقي ملوكها؛ وشعره كثير، وأدبه موفور.
قلت: وكان عالِمًا بالقراءات وطُرُقَها.
قال ابن بَشْكُوال: روى لنا عنه أبو القاسم بن صواب، أخبرنا عنه بقصيدته الّتي نَظَمَها في قراءة نافع، وهي مائتا بيت وتسعة أبيات، قال: لقيته بمُرْسِية.
ومن شعره، وقد كتب إليه المعتمد وبعث خمسمائة دينار يتجهز بها ليفد عليه، فقال:
__________
1 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 86، 87".
2 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "18/ 128".
3 سير أعلام النبلاء "19/ 6، 27"، وشذرات الذهب "3/ 385، 386".
4 في الصلة "2/ 432".
5 في الجذوة "314".

(33/178)


أمرتني بركوب البحر أَقْطَعُهُ ... غيري لك الخير فاخْصُصْه بذا الدّاءِ
ما أنتَ نوحٌ فَتُنْجِيني سفينَتُهُ ... ولا المسيحُ أنا أمشي على الماءِ
"حرف الفاء":
282- الفضل بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عيسى1.
أَبُو القاسم بن أبي حرب الْجُرْجَانيّ الزّجّاجيّ.
شيخٌ نَيْسابوريّ الدّار، ثقة، صالح، حسن السّيرة، تاجر أمين.
سمع: أبا عبد الرحمن السّلَميّ، وابن مَحْمِش، والحِيريّ، وغيرهم.
روى عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وأحمد بن سعْد العجلي الهمذاني، وأبو عثمان العصايدي المرزوي، وعمر ابن أحمد الصّفّار، وعبد الله بن الفُرَاويّ، وأحمد بن مبارك بن قُفْرَجَل، وصَدَقَة بن محمد السّيّاف.
حدَّث ببُلْدان، وحكى عنه جيرانه كثرةَ تِلاوةٍ وبُكاء.
ولد سنة خمسٍ وأربعمائة، وتُوُفّي في رمضان.
قال ابن النّجّار: أمين صدوق، صالح، عفيف، من التّجّار، كثير الصَّدَقة.
وقيل: كان أبوه حاتم وقته.
"حرف الميم":
283- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الله بْن إبراهيم2.
الوزير ظهير الدّين أبو شُجاع الرُّوذرَاوَريّ.
وَزَرَ للمقتدي بالله بعد عزْل عميد الدّولة منصور بن جهير سنة ستٍّ وسبعين، وصُرِف سنة أربعٍ وثمانين، وأُعيد ابن جَهِير.
ولمّا عُزِل قال:
تولّاها وليس له عدوّ ... وفارقها وليس له صديق3
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 40، 41".
2 المنتظم "9/ 90-94"، وسير أعلام النبلاء "19/ 27-31"، والبداية والنهاية "2/ 150، 151".
3 الكامل في التاريخ "10/ 187"، وسير أعلام النبلاء "19/ 30".

(33/179)


ثمّ إنّه حجّ وجاوَرَ بالمدينة إلى أن مات بها كَهْلًا. وكان ديِّنًا عالمًا، من محاسن الوزراء.
قال العِماد الكاتب: لم يكن في الوزراء من يحفظ أمر الدّين والشَّرع مثله. وكان عصره أحسن العصور رحمه الله.
"ذكره" صاحب "المرآة"1.
ولمّا ولي وزارةَ المقتدي كان سليمًا من الطَّمع في المال، لأنّه كان يملك حينئذٍٍ ستمائة ألف دينار، فأنفقها في الخيرات والصَّدقات.
قال أبو جعفر الخرفي: كنتُ أنا واحدًا من عشرة نتولّى إخراج صَدَقَاته، فحسبْت ما خرج على يديّ، فكان مائة ألف دينار.
وكان يبيع الخطوط الحَسَنة، ويتصدَّق بها، ويقول: أنا أَحَبّ الأشياء إليَّ الدّينار والخطّ الحسن، فأنا أتصدَّق بمحبوبي لله.
وجاءته قصة بأن امرأةً وأربعة أيتام عرابًا، فبعث من يكسوهم، وقال: والله لا ألبس ثيابي حتّى ترجعَ. وتعرَّى، فعاد الغلام وهو يرعد من البرد.
وكان قد ترك الاحتجاب ويكلِّم المرأة والصّبيّ، ويحضر مجالسة الفُقَهاء والعَوَامّ، ولا يمنع أحدًا. وأُسقطت المُكُوس في أيّامه، وألبسَ الذّمّة الغيار. ومحاسنه كثيرة، وصَدَقَاته غزيرة، وتواضعه أمر عجيب، فرحمه الله تعالى.
284- محمد بن عبّاد بن محمد بن إسماعيل بن قُريش2.
السّلطان المعتمد على الله أبو القاسم ابن السّلطان المعتضد بالله أبي عمرو ابن الإمام الفقيه قاضي إشبيليّة، ثمّ سلطانها الظّافر المؤيّد بالله أبي القاسم بن أبي الوليد اللَّخْميّ، من ولد النُّعْمان بن المنذر صاحب الحِيرة.
كان المعتمد صاحب إشبيليّة وقُرْطُبة، وأصلهم من بلاد العريش الّتي كانت في أوّل رمل مصر، فدخل أبو الوليد الأندلس.
مات المعتضد سنة إحدى وستين وأربعمائة، فتملك بعده المعتمد هذا. وكان
__________
1 أي مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي.
2 الكامل في التاريخ "10/ 248-250"، وسير أعلام النبلاء "19/ 58-66".

(33/180)


عالمًا، ذكيًّا، أديبًا، شاعرًا مُحْسِنًا، وكان أندى الملوك راحةً، وأَرْحَبَهم مساحةً، كانت حضرته مَلْقَى الرّحال، وموسم الشُّعراء، وقِبلة الآمال ومَأْلَفَ الفُضَلاء.
وشِعره في غاية الحُسْن، وهو مدوَّن موجود.
قال أبو بكر محمد بن عيسى اللَّخْميّ الدّانيّ المعروف بابن اللّبّانة الشّاعر: ملك المعتمد بن مسوَّرات البلاد ما بين أمصارٍ ومُدُنٍ وحصون مائتي مسوَّر وإحدى وثلاثين مسوَّرًا. وخُلِع من ملكه عن ثمانمائة سريّة1، ووُلِد له مائةٌ وثلاثةٌ وسبعون ولدًا.
وكان راتبه كل يومٍ ثمانمائة رِطْل لحم. وكان له ثمانية عشر كاتبًا.
وذكر القاضي شمس الدين ابن خلكان2، قال: كان الأذفونش بن فرذلَنْد ملك الفرنج بالأندلس قد قوي أمُره، وكانت ملوك الطّوائف من المسلمين بجزيرة الأندلس يصالحونه، ويؤدُّون إليه ضريبة، ثمّ إنّه أخذ طليطلة في سنة ثمانٍ وسبعين وأربعمائة بعد حصارٍ شديد، وكانت للقادر بالله بن ذي النُّون. وكان المعتمد مع كونه أكبر ملوك الجزيرة يؤدي الضريبة للأذفونش، فلمّا ملك الكلب طُلَيْطُلَة قويت نفسه، ولم يقبل ضريبة المعتمد، وأرسل إليه يتهدده ويقول: تنزل عن الحصون الّتي بيدك، ويكون لك السَّهْل.
فضربَ المعتمدُ الرسولَ، وقتلَ من كان معه. فبلغ الأدفونش الخبر وهو متوجهٌ لحصار قُرْطُبة، فرجع إلى طُلَيْطُلَة لأخْذ آلات الحصار، فأتى المشايخ والعلماء إلى أبي عبد الله محمد بن أدهم، وفاوضوه فيما نزل بالمسلمين، فاجتمع رأيهم أن يكتبوا إلى الأمير أبي يعقوب يوسف بن تاشَفين صاحب مرّاكش، يستنجدونه ليُعدّي بجيوشه إلى الأندلس، ويُنجد الإسلام. واجتمع القاضي بالمعتمد على الله، وأعلمه بما جرى فقال: مَصْلَحَة3.
ثمّ، إنّ ابن تاشَفين نزل سَبْتَة، وأمر جيشه، فعبروا إلى الجزيرة الخضراء، ولمّا تكامل له جُنْدُه عبرَ هو في السّاقة. ثمّ إنّه اجتمع بالمعتمد. وقد عرض المعتمد عساكره. وأقبل المسلمون من كلّ النّواحي طلبًا للجهاد. وبلغ الأذفونش الخبر فخرج
__________
1 الحلة السيراء "2/ 55".
2 في وفيات الأعيان "5/ 27".
3 الروض المعطار "288".

(33/181)


في أربعين ألف فارس، وكتبَ إلى ابن تاشَفين يتهدّده، فكتب ابن تاشَفين جوابه في ظهر كتابه: "الّذي يكون سَتَراه". وردّه إليه. فلمّا وقف عليه ارتاع لذلك، وقال: هذا رجل عازم.
ثمّ سارَ حزبُ الإسلام وحزبُ الصّليب والتقى الْجَمْعَان بالزّلّاقة من بلد بَطَلْيُوس، فكانت ملحمةً كبرى، وهزم الله الأذفونش، بعد استئصال عسكره، ولم يَسْلَم معه سوى نفرٍ يسير. وذلك في يوم الجمعة من رمضان سنة تسعٍ وسبعين.
وأصاب المعتمدَ جراحاتٌ في وجهه وبدنه، وشهدوا له بالشّجاعة، وغنم المسلمون شيئًا كثيرًا1.
وعاد ابن تاشَفين إلى بلاده. ثمّ إنّه في العام المقبل، عدَّى إلى الأندلس، وتلقّاه المعتمد، وحاصرا بعض حصون الفرنج، فلم يقدروا عليها، فرحل ابن تاشَفين، ومر بغرناطة إليه صاحبها عبد الله بن بُلُكِّين تقادُم سَنِيّه، وتلقّاه، فغدر به ابن تاشَفين، ودخل بلده وقصره، وأخذ منه ما لا يُحصى، ثمّ رجع إلى مَرّاكش، وقد أعجبه حَسْن الأندلس وبساتينها وبُناها ومطاعمها الّتي لا توجد بمَرّاكش، فإنّها بلاد بربر وأجْلاف العُربان. وجعل خواصُّ ابن تاشَفين يُعظِّمون عنده الأندلس، ويُحسِّنون له أخذها، ويُغْرون قلبه على المعتمد بأشياء2.
وقال عبد الواحد بن عليّ المَرّاكشيّ في "تاريخه": غلبَ المعتمد على قُرْطُبة في سنة إحدى وسبعين، فأخرج منها ابن عُكّاشة، ثمّ رجع إلى إشبيلية؛ واستخلف عليها ولده عبّادًا، ولقّبه المأمون.
وفي سنة تسعٍ وسبعين جاز المعتمد البحرَ إلى مَرّاكش مستنصرًا بيوسف بن تاشَفِين على الرُّوم، فَلَقِيه أحسن لقاء، وأسرع إجابته وقال: أنا أول منتد لنِصْرة الدّين.
فرجع مسرورًا، ولم يدرِ أنّ تدميره في تدبيره، وسلَّ سيفًا عليه لا له.
فأخذ ابن تاشَفِين في أُهْبة العبور إلى الأندلس، واستنفر النّاس، وعبر في سبعة آلاف فارس، سوى الرّجّالة، ونزل الجزيرة الخضراء، وتلقاه المعتمد، وقدم له تحفًا
__________
1 الروض المعطار "289-291".
2 وفيات الأعيان "5/ 27-30".

(33/182)


جليلة، وسأله أن يدخل إشبيلية، فامتنع وقال: نريد الجهاد.
ثمّ سار بجيوشه إلى شرقيّ الأندلس. وكان الأدفونش، لعنه الله يحاصر حصنًا، فرجع إلى بلاده يستنفر الفرنج، وتلقّى ابن تاشَفِين ملوك الأندلس الّذين كانوا على طريقه كصاحب غَرْناطة، وصاحب المَرِيّة، وصاحب بَلَنْسِيَة، ثمّ استعرض جُنْدَه على حصن لُورَقَة، وقال للمعتمد: هَلُمَّ ما جئنا له من الجهاد. وجعل يصغّر قدر الأندلس ويقول: في أوقاتٍ كان أمر هذه الجزيرة عندنا عظيمًا، فلما رأياها وقعت دون الوصف. وهو في ذلك كلّه يُسِّرُّ حَسْوًا في ارتقاء. فسار المعتمد بين يديه، وقصد طُلَيْطُلَة، فتكامل عدد المسلمين زُهاء عشرين ألفًا، فالتقوا هم والعدوّ بأوّل بلاد الرّوم، لعنهم الله، وجاء الأدفونش في جيشٍ عظيم بمرّة، فلمّا رآهم يوسف قال للمعتمد: ما كنت أظن هذا الخنزير يبلغ هذا الحدّ. فالتقوا في ثاني عشر رمضان، وصَبَر البربر، وأبلوا بلاء حَسَنًا، وهزم الله النَّصارى، وكانت ملحمة مشهودة. ونجا الأدفونش في تسعةٍ من أصحابه. وتُسمَّى هذه وقعة الزّلّاقة. ففرح أهل الأندلس بالبربر، وتيمَّنوا بهم، ودعوا لابن تاشَفِين على المنابر، فقوي طمعه في الأندلس.
وقد كانت الفرنج تأخذ الإتاوة من ملوكها قاطبة.
ثم جال ابن تاشَفِين في الأندلس على سبيل التَّفرُّج، وهو يُضْمر أشياءً، ويُظْهر إعظام المعتمد ويقول: إنّما نحن في ضيافته، وتحت أمره.
وكان المعتصم مَعْن بن محمد بن صُمادِح، صاحب المَرِيّة، يحسد المعتمد، فداخَلَ ابنَ تاشَفِين، وحظي عنده، فأخذ يعيب المعتمد، وقدَّم لابن تاشَفِين هدايا فاخرة، ولم يدرِ ابن صُمادِح أنّه يسقط في البئر الّذي حَفَر. وأعانه جماعةٌ على تغيير قلب ابن تاشفين يقول الزُّور، وبأنّه يَتَنَقَّصَك. فعبرَ إلى بلاده مُرّاكش. وفهِم المعتمد أنّه قد تغيّر عليه. ثمّ اتّفق رأي ابن تاشَفِين أن يراسل المعتمد، يستأذنه في رجالٍ صُلَحاء أصحاب ابن تاشَفِين رغِبوا في الرّباط في حصون الأندلس.
فاذِن له. وأراد ابن تاشَفِين أن يكون له بالأندلس أعوانًا لوقت الحاجة. وقد كانت قلوب الأندلسيّين قد أُشْرِبَت حُبَّ ابن تاشَفِين، فانتخب رجالًا، وأمّر عليهم قرابته بُلَّجِين، وقرَّر معه أمورًا، فبقوا بالأندلس إلى أن ثارت الفتنة. ومبدؤها في شوّال سنة ثلاثٍ وثمانين. فملك المرابطون جزيرة طريف، ونادوا فيها بدعوة أمير المسلمين يوسف.

(33/183)


ثمّ زحف المرابطون الّذين في الحصون إلى قُرْطُبة فحاصروها، وفيها المأمون بعد أن أبدى عذرًا وأظهر في الدّفاع جَلَدًا وصبرًا في صَفَر سنة أربعٍ وثمانين. فزادت الإحْنة والمحنة، وعَلَت الفتنة.
قال ابن خَلِّكان1: وحاصروا إشبيليّة، وبها المعتمد، أشدّ المحاصرة، وظهر من شدّة بأس المعتمد ومصابرته وتَرَاميه على الموت بنفسه، ما لم يسمع بمثله. فلما كان في رجب سنة أربعٍ هجم ابن تاشَفِين البلدَ، وشنُّوا فيه الغارات. ولم يتركوا لأحدٍ شيئًا. وخرج النّاس يسترون عوراتهم بأيديهم. وقبضوا على المعتمد.
وقال عبد الواحد المذكور: وفي نصف رجب ثاروا على المعتمد، فبرز من قصْره وسيفه بيده، وغلالته ترفّ على جسده، لا درع عليه، ولا دَرَقَة معه، فلقي فارسًا مشهور النَّجْدة فرماه الفارس بحربةٍ، فأصاب غِلالَتَه، وضرب هو الفارس بالسّيف على عاتقه، فخرَّ صريعًا. فانهزمت تلك الْجُموع، وظنَّ أهل إشبيليّة أن الخِناق قد تنفّس.
فلمّا كان وقت العصر، عاودهم البربر، فظهروا على البلد من واديه، وشبّت النّار في شوانيه2، فعندها انقطع العمل. وكان الّذي ظهر عليها من جهة البَرّ جُدَيْر بن البربريّ، ومن الوادي الأمير أبو حمامة. والْتَوَتِ الحال أيّامًا، إلى أن قدِم سِير ابن أخي يوسف بن تاشَفِين بعساكره، والنّاسُ في تلك الأيّام يرمون أنفسهم من الأسوار. فاتَّسع الخَرْق على الرّاقع بمجيء سِير، ودُخِل البلد من واديه، وأُصيب حاضره وبادِيه بعد أن جدّ الفريقان في القتال، وشُنَّت الغارة في إشبيليّة، ولم يترك البربر لأهلها سبدًا ولا لبدًا. ونُهِبت قصور المعتمد، وأُخِذ أسيرًا. ثمّ أُكْرِه على أن يكتب إلى ولديه: أن تُسلِّما الحصنَيْن، وإلّا قُتِلتُ. وإنّ دمي رهنٌ على ذلك. وهما الراضي بالله، والمعتمد بالله، وكانا في رُنْدَة ومارْتلة، فنزلا بعد عهودٍ مبرمة.
فأما المعتمد، فعند نزوله قبض عليه القائد الواصل إليه، وأخذ كلّ أمواله، وأمّا الآخر فقتلوه غِيلَةً. وذهبوا بالمعتمد وآلِه بعد استئصال جميع أحواله، وعبروا بِهِ إِلى طنجة، فبقي بها أيامًا، ثُمَّ نقلوه إلى مِكْناسَة، فتُرِك بها أشهرًا، ثم نقلوه إلى مدينة
__________
1 في وفيات الأعيان "5/ 30".
2 هي السفن الحربية.

(33/184)


أغْمات، فبقي بها أكثر من سنتين محبوسًا. ومات. وللمعتمد مراثٍ في ولديه اللّذين قتلوهما.
وله في حاله:
تَبَدَّلْتُ من ظِلِّ عزِّ البُنُود ... بِذُلِّ الحديد وثِقْل القُيُودِ
وكان حديدي سِنانًا ذَلِيقًا ... وعَضْبًا رَقيقًا صَقيلَ الحديد
وقد صار ذاك وذا أدهمًا ... يعض بساقي الأسُودِ1
وقيل: إنّ بنات المعتمد دخلن عليه السّجنَ في يوم عيدٍ، وكُنَّ يغْزِلن للنّاس بالأُجرة في أغْمات، فرآهنّ في أطمارٍ رثَّةٍ، فَصَدَعْنَ قلبه، فقال:
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورًا ... فساءك العيدُ في أَغْماتَ مأسورا
ترى بناتِك في الأطمار جائعةٍ ... يغزلن للناس لا يملكن قِطْميرا
بَرَزْنَ نحوك للتّسليم خاشعةً ... أبصارهُنَّ حسيراتٍ مَكَاسيرا
يَطَأْنَ في الطِّين والأقدامُ حافيةٌ ... كأنّها لم تَطَأَ مِسْكًا وكافورا
من بات بعدَكَ في ملكٍ يُسَرُّ به ... فإنّما بات بالأحلام مسرورا
ودخل عليه ولده أبو هاشم، والقيود قد عضّت بساقيه، فقال:
قَيْدي أما تَعْلَمُني مُسْلمًا ... أبيتَ أن تُشْفق أو تَرْحما
دمي شرابٌ لك واللّحم قد ... أكلْتَه لا تهشم الأعظُما
يُبصرني فيك أبو هاشمٍ ... فينثني والقلب قد هُشِّما
ارْحم طُفَيْلًا طائشًا لُبُّه ... لم تَخشَ أن يأتيك مسترحما
وارحم أخياتٍ له مثله ... جرّعتهُنَّ السُّمّ والعَلْقَما
وللمعتمد، وقد أُحيط به:
لمّا تماسكتِ الدّموعُ ... وتَنَهْنَهَ القلبُ الصَّدِيعُ
قالوا الخضوعُ سياسةٌ ... فَلْيَبْدُ منك لهم خضوع
__________
1 الأبيات في ديوان المعتمد بن عباد "94"، وسير أعلام النبلاء "19/ 64".

(33/185)


وألذ من طعم الخضو ... ع على فمي السم النقيع
إن تسلب عنِّي الدُّنَا ... مّلْكي وتُسْلِمُني الْجُمُوعُ
فالقلبُ بين ضُلُوعِهِ ... لم تُسّلِمِ القلبَ الضُّلُوعُ
قد رُمْتُ يوم نِزَالِهم ... أنْ لا تحصِّنني الدُّرُوعُ
وبرزت ليس سوى قميـ ... ـصٍ عن الحشَى شيءٌ دَفُوعُ
أجَليَ تأخّر لم يكُنْ ... بِهَوَايَ ذُلِّي والخُضُوعُ
ما سِرتُ قطُّ إلى القتا ... ل وكان في أملي الرجوعُ
شِيَمُ الأُولَى أنا منهمُ ... والأصل تتْبعهُ الفروعُ
ولأبي بكر محمد بن اللّبّانة الدّانيّ فيه قصائد سائرة، وكان منقطعًا إليه؛ من ذلك:
لكلّ شيءٍ من الأشياء ميقاتُ ... وللمُنى من مناياهنّ غاياتُ
والدّهر في صِيغة الحِرْباء منغمسٌ ... ألوانُ حالاته فيها استحالاتُ
ونحن من لعب الشّطرنج في يده ... ورُبّما قُمِرت بالبَيْدق الشّاةُ
أنفض يديك من الدّنيا وساكِنها ... فالأرضُ قد أقْفرتْ والنّاسُ قد ماتوا
وقُلْ لعالَمِها الأرضيّ قد كَتَمتْ ... سريرةَ العالَمِ العُلْويِّ أَغْماتُ
وهي طويلة.
وله فيه قصائد طنّانة، هي:
تنشَّق رياحينَ السّلامِ فإنّما ... أفُضُّ بها مِسْكًا عليك مُخَتَّما
وقل لي مَجازًا إن عَدِمْتَ حقيقةً ... بأنّك في نُعْمَى فقد كنتَ مُنْعِمَا
أفكِّرُ في عصرٍ مضى لك مُشْرقًا ... فيرجعُ ضَوءُ الصُّبْح عندي مُظْلِما
وأعْجَبُ من أُفْقِ المجَرَّةِ إذ رأى ... كُسُوفَكَ شمسًا كيف أطْلَعُ أنْجُمَا
فتاةٌ سَعَتْ للطَّعنِ حتّى تقَصَّدَتْ ... وسيفٌ أطال الضَّربَ حتّى تثلَّما
بكى آلُ عَبّادٍ ولا لمحمدٍ ... وأبنَائهِ صَوْبُ الغَمَامة إذ هُمَا

(33/186)


صَبَاحُهُمْ كُنَّا به نَحْمَدُ السُّرَى ... فلمَّا عَدِمْنَاهُمْ سَرَيْنَا على عَمَى
وكُنّا رَعَيْنا العزَّ حولَ حِمَاهُمُ ... فقد أجْدَبَ المَرْعَى وقد أقفر الحِمى
وقد أَلْبَسَت أيْدي اللّياليَ مَحَلَّهُم ... منَاسِيجَ سَدَّى الغَيْثُ فيها وألحَمَا
قصورٌ خَلَتْ من ساكنيها فما بها ... سوى الأدم تمشي حولَ وَاقِفَةِ الدُّما
كأنْ لم يكنْ فيها أنيسٌ ولا التَقَى ... بها الوفدُ جَمْعًا والْجَميشُ عَرَمْرَمَا
حكيتَ وقد فارقْتَ مُلْكَكَ مالكًا ... ومِن وَلَهِي أبكي عليك مُتمَّما
تضيقُ عليَّ الأرضُ حتّى كأنّني ... خُلِقْتُ وإيّاها سِوارًا ومعْصَمَا
وإنّي على رسْمي مقيمٌ فإن أَمُتْ ... سأجْعلُ للباكِينَ رسْمي مَوْسِمَا
بَكَاكَ الحَيَا والرّيحُ شقَّتْ جُيُوبَها ... عليكَ وناح الرَّعْدُ باسمِكَ مُعْلِما
ومُزِّق ثوبُ البَرْق واكتَسَتِ السّما ... حِدَادًا وقامتْ أنْجُم اللّيل مأْتَمَا
وما حلَّ بدْرُ التَّمِّ بعدَك دارَةً ... ولا أظْهَرَتْ شمس الظَّهِيرة مبسما
سيُنْجيك مَن نجَّى من الْجُبُّ يُوسُفًا ... ويؤويك من آوى المسيح ابن مرْيَمَا
ثمّ إنّه وفد على المعتمد وهو في السّجن وفادةَ وفاءٍ لا استجداء، وحكى أنّه لمّا عزم على الانفصال عنه بعث إليه عشرين دينارًا، وتفصيلة، وأبياتًا يعتذر فيها، قال: فَرَدَدْتُها عليه لعلمي بحاله، وأنّه لم يترك عنده شيئًا.
قال ابن خَلِّكان: مولده سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. ومات في شوال سنة ثمانٍ وثمانين.
قلت: وقد سمّى ابن اللّبّانة أولاد المعتمد الّذين في الحياة بأسمائهم وألقابهم، فذكر نحوًا من ثلاثين ذكرًا.
قال: وعدد بناته أربعٌ وثلاثون بنْتًا.
285- مُحَمَّد بن عَبْد الواحد.
أَبُو بَكْر الإصبهاني. عُرف بخوروسْت.
شيخ مسن.

(33/187)


قال السِّلَفيّ: لم يَمُت أحدٌ من شيوخي قبله.
روى عن: أبي منصور بن مَهْرُيَرْد.
286- محمد بن عثمان بن عليّ بن حسّان1.
أبو سعيد البُسْتيّ الغازيّ القّوّاس، ابن الأديب النَّحْويّ أبي طاهر. سمع من أصحاب الأصمّ. وكان أحد الرُّماة المذكورين.
وتُوُفّي في ذي الحجَّة عَنْ أربعٍ وثمانين سنةٍ بنَيْسابور.
روى عنه: أبو البركات الفُرَاويّ، وأُمُّ سَلَمَة بنت عبد الغافر.
287- محمد بن عليّ بن الحسين بن يحيى بن حميدون2.
القاضي أبو عبد الله الصُّوريّ تُوُفّي بصُور في رمضان.
288- محمد بن عليّ بن أبي عثمان.
أبو الغنائم.
قال شُجاع الذُّهْليّ: تُوُفّي فيها. وقد مرّ سنة ثلاث.
289- مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَبْد الله.
أبو عليّ الشّاذياخيّ الصُّوفيّ.
حدَّث عن: أبي حسّان محمد بن أحمد المزكيّ، وأبي بكر بن الحارث، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم المزكيّ.
وُلِد سنة خمس عشرة وأربعمائة. وتوفي في صفر.
290- محمد ين عليّ بن أبي صالح البَغَويّ الدّبّاس. سمع: الجراحيّ، ومسعود بن محمد البِغِويّ، وعليّ بن أحمد الإسْتِراباذيّ3 وغيرهم.
وهو آخر من روى "جامع" التِّرْمِذِيّ بِعُلُوّ.
روى عنه: ابنه عثمان، وأبو الفتح محمد بن عبد الله الشّيرازيّ، وأحمد بن
__________
1 المنتخب من السياق "65"، وفيه "صبيان" بدل "حسان".
2 تاريخ دمشق "38/ 573".
3 الإستراباذي: نسبة إلى بلدة إستراباذ من أعمال طبرستان "الأنساب 1/ 214".

(33/188)


ياسر المقرئ، وأبو الفتح محمد بن أبي علي، ومحمد بن عبد الرحمن الحمدويي، وآخرون كثرون.
وتُوُفّي ببغشُور في ذي القعدة.
وكان من الفقهاء.
عاش ثمانيا وثمانين. وكنْيته أبو سعيد.
291- محمد بن المظفّر بن بكران بن عبد الصّمد1.
العلّامة قاضي القُضاة أبو بكر الشّاميّ الحموي الفقيه الشافعي. ولد بحماة سنة أربعمائة، ورحل إلى بغداد شابًّا، فسكنها وتفقّه بها.
وسمع الحديث من: عثمان بن دُوَسّت، وأبي القاسم بن بشْران، وأبي طالب بن غَيْلان، وأبي محمد الخلّال، وأبي الحسن العتيقيّ، وجماعة.
روى عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وهبه الله بن طاوس المقرئ.
وكان دخوله بغداد في سنة عشرين.
قال السّمعانيّ: هو أحد المتقنين لمذهب الشّافعيّ، وله اطّلاع على أسرار الفقه. وكان ورِعًا زاهدًا متَّقيا. وجَرَت أحكامه على السَّداد. ولي قضاء القُضاة ببغداد بعد موت أبي عبد الله الدّامغانيّ سنة ثمانٍ وسبعين، إلى أن تغيّر عليه المقتدي بالله لأمرٍ، فمنع الشُّهُود من حضور مجلسه مدّةً، فكان يقول: ما أنعزِل ما لم يتحقَّقوا عليِّ الفِسْق.
ثمّ إنّ الخليفة خلع عليه، واستقام أمره2.
وسمعت الفقيه أحمد بن عبد الله بن الأبنوسيّ يقول: جاء أمير إلى قاضي القُضاة الشّاميّ، فادّعى شيئًا، فقال: بيّنتي فلان والمشطّب الفَرَغانيّ الفقيه. فقال: لا أقبل شهادة المشطّب؛ لأنه يلبس الحرير.
فقال: السّلطان ملِكْشاه ووزيره نظام الملك يلبسانه.
__________
1 الأنساب "4/ 229"، وسير أعلام النبلاء "19/ 85-88"، والبداية والنهاية "12/ 151".
2 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "3/ 83".

(33/189)


فقال: ولو شهِدا عندي ما قَبِلتُ شهادتهما أيضًا1.
وقال ابن النّجّار: كان رحمه الله قد تفقّه على أبي الطّيّب الطّبريّ، وكان يحْفظ تعليقته، وولي قضاء القُضاة، وأبى أن يأخذ على القضاء رِزْقًا. ولم يغيّر مأكَلَه ولا مَلْبَسه، ولا استناب أحدًا في القضاء. وكان يسوّي بين الشّريف والوضيع في الحُكْم، ويقيم جاه الشَّرْع. فكان هذا سبب انقلاب الأكابر عنه، فألصقوا به ما كان منه بريًّا من أحاديث مُلَفَّقّةٍ، ومعاييب مزوَّرة.
وصنَّف كتاب "البيان عن أُصول الدّين". وكان على طريقة السَّلَف، ورِعًا نَزِهًا.
وأنبأنا أبو اليُمْن الكِنْديّ أنّ أحمد بن عبد الله بن الأبنوسي أخبره قال: كان لقاضي القُضاة الشّاميّ كِيسان، أحدهما يجعل فيه عمامته، وهي كتّان، وقميصًا من القطْن الحَسَن، فإذا خرج لبسهما. والكيس الآخر فيه فتيت، فإذا أراد الأكل جعل منه في قصْعة، وجعل فيه قليلًا من الماء، وأكل منه2.
وكان له كادك في الشّهر بدينار ونصف، كان يقتات منه. فلمّا ولي القضاء جاء إنسان فدفع فيه أربعة دنانير، فأبى، وقال: لا أغير ساكني. وقد ارتبتُ بك؛ لِمَ لا كانت هذه الزّيادة مِن قِبل القضاء؟ وكان يشدّ في وسَطِه مِئْزرًا، ويخلع في بيته ثيابه، ويجلس.
وكان يقول: ما دخلتُ في القضاء حتّى وجب عليّ، وأعصي إن لم أقبله. وكان طُلّاب المنصب قد كثُروا، حتّى أنّ أبا محمد التّميميّ بذل فيه ذهبًا كثيرًا، فلم يُجب.
وقال "ابن" الجوزيّ: لمّا مات الدّامغانيّ سنة ثمانٍ وسبعين أشار الوزير أبو شجاع على الخليفة3 أن يولّيه القضاء، فامتنع، فما زالوا به حتّى تقلَّده، وشرط أن لا يأخذ رزقًا، ولا يقبل شفاعة، ولا يغيّر ملبوسه، فأجيب إلى ذلك، فلم يتغيّر حاله، بل كان في القضاء كما كان قبله رحمه الله.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْأَنْمَاطِيَّ يَقُولُ: كان قاضي القضاة الشامي حسن الطريقة؛ ما كَانَ يَتَبَسَّمُ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَقْعُدُ مُعْبِسًا، فَلَمَّا منعت الشهود
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 253".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 87".
3 هو المقتدي بالله.

(33/190)


مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِهِ، وَقَعَدَ فِي بَيْتِهِ، نَفَّدَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ الْقَزْوِينِيُّ الْمُعْتَزَلِيُّ1: مَا عَزَلَكَ الْخَلِيفَةُ، إِنَّمَا عَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَالَ: "لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" 2. وَأَنْتَ طُولُ عُمْرِكَ غَضْبَانُ.
وقال محمد بن عبد الملك الهَمَذَانيّ: كان حافظًا لتعليقة أبي الطّيّب، كأنّها بين عينيه، لم يقبل من سلطانٍ عطيّةً، ولا من صديقٍ هديّة. وكان يُعاب الحِدّة وسوء الخُلُق.
وقال أبو عليّ بن سُكَّرَة: ورعٌ زاهدٌ، وأمّا العِلْم فكان يقال: لو رُفِع مذهب الشّافعيّ أمكنه أن يُمْليه من صدْرِه3.
علّق عنه القاضي أبو الوليد الباجيّ.
قال عبد الوهّاب الأنْماطيّ: كان قاضي القضاة الشامي حسن الطريقة، ما كان يتبسم في مجلس قضائه.
قال السّمعانيّ: تُوُفّي في عاشر شعبان، ودُفِن في تربةٍ له عند أبي العباس بن سريح. وله ثمانية وثمانون عامًا.
292- محمد بن أبي نصر فتُّوح بن عبد الله بن فتُّوح بن حُمَيْد بن يصل4.
الحافظ أبو عبد الله الأزْديّ الحُمَيْديّ الأندلسيّ المَيُورقيّ.
ومَيُورقة جزيرة قريبة من الأندلس.
سمع بالأندلس، ومصر، والشّام، والحجاز، وبغداد واستوطنها.
وكان من كبار أصحاب أبي محمد بن حزْم الفقيه.
قال: ولدت قبل العشرين وأربعمائة.
__________
1 عبد السلام بن محمد بن يوسف القزويني تقدمت ترجمته رقم "272".
2 حديث صحيح: أخرجه ابن ماجه "2316"، وأخرجه "1334" بلفظ: "لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان"، وأبو داود "3589" بنحوه.
3 سير أعلام النبلاء "19/ 87".
4 الأنساب "4/ 233"، وسير أعلام النبلاء "19/ 120-167".

(33/191)


سمع: ابن حزْم، وأخذ عنه أكثر كُتُبه؛ وأبا العبّاس أحمد بن عمر العُذْريّ، وأبا عمر بن عبد البَرّ.
ورحل سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة، فسمع بإفريقيّة كثيرًا، ولقي كريمة1 بمكّة.
وسمع بمصر: القاضي أبا عبد الله القضاعي، وعبد العزيز بن الضّرّاب، وابن بقاء الورّاق، والحافظ أبا زكريّا البخاريّ.
وبدمشق: أبا القاسم الحسين الحِنائيّ، وعبد العزيز الكتّانيّ، وأبا بكر الخطيب.
وببغداد: أبا الغنائم بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، والطّبقة. وبواسط: أبا غالب بن بشْران اللُّغَويّ.
ولم يزل يسمع ويُكْثِر حتى كتب عن أصحاب الجوهريّ.
روى عنه: شيخه الخطيب في مصنَّفاته، وأبو نصر بن ماكولا، وأبو عليّ بن سُكَّرَة، وأبو الحَسَن بن سَرْحان، وأبو بكر بن طَرْخَان، وهبة الله بن الأكفانيّ، وأبو القاسم بن السَّمَرْقَنْديّ، والحافظ إسماعيل بن محمد، وصدّيق بن عثمان التِّبْريزيّ، وأبو إسحاق الغَنَويّ، وأبو الفضل محمد بن ناصر، وطائفة آخرهم أبو الفتح بن البطّيّ.
سمع الكثير ورحل وتعب. وكان من كبار الحفّاظ.
كان ثقة، متدينًا، يصيرًا بالحديث، عارفًا بفنونه، خبيرًا بالرجال، لاسيما بأهل الأندلس وأخبارها، مليح النَّظر، حَسَن النِّغْمة في قراءة الحديث، صيِّنًا ورِعًا، جيّد المشاركة في العلوم.
وكان ظاهريّ المذهب، ويُسِرّ ذلك بعض الشيء2.
قال ابن طَرْخَان: سمعتُه يقول: كنتُ أُحْمَلُ للسّماع على الكتِف سنة خمسٍ وعشرين وأربعمائة، وأوّل ما سمعتُ من الفقيه أبي القاسم أَصْبَغ بن راشد. وكنتُ أفهم ما يُقرأ عليه. وكان ممّن تفقّه على أبي محمد بن أبي زيد. وأَصْلُ أبي من قُرْطُبة، من محلةٍ يُقال لها: الرّصافة، وسكن جزيرة ميورقة، وبها ولدت3.
__________
1 هي كريمة المروزية "تذكرة الحفاظ 4/ 1218".
2 تذكرة الحفاظ "4/ 1221".
3 سير أعلام النبلاء "19/ 122".

(33/192)


قال يحيى بن البنّا: كان الحُمَيْديّ مِن حِرصه واجتهاده ينسخ باللّيل في الحَرّ، فكان يجلس في إجّانة1 ماءٍ يتبرّد به.
وقال الحسين بن محمد بن خسْرُو: جاء أبو بكر بن ميمون، فدّق على الحُمَيْديّ، وظنّ أنّه قد أُذِن له فدخل، فوجده مكشوف الفخذ، فبكى الحُمَيْديّ وقال: والله لقد نظرت إلى موضعٍ لم ينظره أحدٌ منذ عَقَلْت2.
وقال ابن ماكولا: لم أرَ مثل صديقنا الحُمَيْديّ في نزاهته وعفّته وورعه وتشاغله بالعلم. صنَّف تاريخًا للأندلس.
وقال السِّلَفيّ: سألت أبا عامر محمد بن سعدون العبديّ، عن الحُمَيْديّ فقال: لا يُرى قطٌّ مثله، وعن مثله يسأل! جمع بين الفقيه والحديث والأدب، ورأى علماء الأندلس. وكان حافظًا.
قلت: لقي حفّاظ العصر ابن عبد البَرّ، وابن حَزْم، والخطيب، والحبّال.
وقال يحيى بن إبراهيم السلماسي: قال أبي: لم تَرَ عينايَ مثل الحُمَيْديّ في فضله ونُبْله وغزارة عِلْمه وحرْصه على نشر العلم.
قال: وكان ورِعًا تقيًّا إمامًا في الحديث وعِلَله ورُواته، متحقّقًا في علم التّحقيق والأصول على مذهب أصحاب الحديث، بموافقة الكتاب والسُّنّة، فصيح العبارة، متبحِّرًا في علم الأدب والعربيّة والترسل. وله كتاب "الجمع بين الصحيحين"3، و"تاريخ الأندلس"، و"جمل تاريخ الإسلام"، وكتاب "الذَّهَب المسبوك في وعظ الملوك"، وكتاب في "التَّرسُّل"، وكتاب "مخاطبات الأصدقاء"، وكتاب "ما جاء من الآثار في حفظ الجار"، وكتاب "ذمّ النّميمة".
وله شعرٌ رصينٌ في المواعظ والأمثال.
قلت: وقد جاء عن الحُمَيْديّ أنّه قال: صيّرني "الشّهاب" شهابًا. وكان يُسمع عليه كثيرًا، عن مصنّفه القُضَاعيّ.
وقال ابن سُكَّرَة: كان يدلّني على المشايخ، وكان متقلّلًا من الدنيا، يمونه ابن
__________
1 الإجانة: وعاء يغسل فيه الثياب.
2 تذكرة الحفاظ "4/ 1219".
3 سماه الدمياطي: تجريد الصحيحين للبخاري ومسلم والجمع بينهما "المستفاد 35".

(33/193)


رئيس الرؤساء. ثم جرت لي معه قصص أوجبت انقطاعي عنه. وكان يبيت عند ابن رئيس الرّؤساء كلّ ليلة.
وحدَّثني أبو بكر ابن الخاضبة أنّه لم يسمعه يذكر الدّنيا قطّ1.
وقال أبو بكر بن طرْخان: سمعت أبا عبد الله الحُمَيْديّ يقول: ثلاثة كُتُب من علوم الحديث يجب تقديم الهِمم بها: كتاب "العِلل" وأحسن كتاب وُضع فيه كتاب الدَّارَقُطْنيّ، وكتاب "المؤتلف والمختلف" وأحسن كتاب وُضِع فيه كتاب الأمير ابن ماكولا، وكتاب "وَفَيات الشّيوخ" وليس فيه كتابٌ، وقد كنت أردت أن اجمع في ذلك كتابًا، فقال لي الأمير: رتبه على حروف المعجم، بعد أن ترتبه على السِّنين2.
قال ابن طرْخان: فشغله عنه الصّحيحان، إلى أن مات.
قلت: قد فتح الله بكتابنا هذا، يسّر الله إتمامه، ونفع به، وجعله خالصًا من الرياء والرياسة.
وقد قال الحُمَيْديّ في "تاريخ الأندلس": أنا عمر بن عبد البَرّ، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد الْجُهَنيّ، بمصنّف أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النَّسَائيّ، قراءةً عليه، عن حمزة بن محمد الكنَانيّ، عن النَّسَائيّ.
وللحُمَيْديْ رحمه الله تعالى:
كتابُ الله عزّ وجلّ قَولي ... وما صحَّتْ به الآثارُ ديني
ما اتّفق الجميعُ عليه بَدْءًا ... وعَودًا فهو عن حقٍّ مُبينِ
فَدَعْ ما صَدَّ عن هذا وخُذْها ... تكُنْ منها على عين اليقينِ3
وقال القاضي عياض: محمد بن أبي نصر أبو عبد الله الأزْديّ الأندلسيّ، سمع بمَيُورْقَة من أبي محمد بن حَزْم قديمًا. وكان يتعصَّب له، ويميل إلى قوله. وكانت قد أصابته فيه فتنة، ولمّا شُدِّد على ابن حَزْم وأصحابه خرج الحُمَيْديّ إلى المشرق.
ومن شِعْره:
طريقُ الزُّهْد أفضلُ ما طريق ... وتَقْوَى الله تأدية الحقوق
__________
1 الصلة "2/ 560".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 561"، ومعجم الأدباء "18/ 284".
3 الأبيات في سير أعلام النبلاء "19/ 127"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1222".

(33/194)


فثِقْ بالله يكْفِكَ واسْتَعِنْهُ ... يُعِنْكَ ودَعْ بُنيّات الطريق
وله:
لقاء النّاس ليس يُفيدُ شيئًا ... سوى الهَذَيان من قيلٍ وقالِ
فاقْللْ من لقاءِ النّاس إلّا ... لأخْذِ العلمِ أو إصلاح حالِ
قال السّمعانيّ: روى لنا عنه: يوسف بن أيّوب الهَمَذَانيّ، وإسماعيل الحافظ، ومحمد بن عليّ الحلابيّ، والحسين بن الحسن المقدسيّ، وغيرهم.
وتُوُفّي في سابعٍ عشر ذي الحجّة، ودُفِن بمقبرة باب أبْرَز بالقرب من قبر الشّيخ أبي إسحاق الشّيرازيّ، وصلّى عليه الفقيه أبو بكر الشّاشيّ بجامع القصر. ثمّ نُقِل في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى مقبرة باب حرب، ودُفِن عند قبر بِشْر الحافي.
ونقل ابن عساكر في "تاريخه" إنّ الحُمَيْديّ أوصى إلى الأجلّ مظفّر ابن رئيس الرّؤساء أن يُدْفن عند بِشْر بن الحارث، فخالف وصيّته، فلمّا كان بعد مدّة رآه في النّوم يُعاتبه على ذلك، فنقله في صَفَر سنة إحدى وتسعين، وكان كَفَنَه جديدًا، وبدنه طَرِيًّا، يفُوح منه رائحة الطِّيب.
ووقفَ كُتُبَه رحمه الله.
وقع لنا "تذكرة الحُمَيْديّ" بِعُلُوّ.
293- محمد بن محمد بن جُمَاهر1.
أبو بكر الحَجْريّ الطُّلَيْطُلِيّ.
روى عن: عمّه جُماهر، وقاسم بن هلال، وأبي عمر بن سُميْق.
وحجّ، وسمع من: أبي العبّاس بن نفيس، والقُضَاعيّ.
وكان شديد العناية بالسّماع، وليس عنده كبير علم.
ورّخه ابن بَشْكُوال.
294- محمد بن منصور بن عمر.
أبو بكر الكَرْخيّ، الفقيه الشافعي.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 561، 562".

(33/195)


والد أبي البدر إبراهيم الكرْخيّ.
فقيه صالح؛ سمع: أبا الحسن بن مَخْلَد، وأبا عليّ بن شاذان.
وعنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ.
تُوُفي في جُمَادى الأولى.
295- موسى بن محمد بن موسى.
أبو عِمران الأصبهاني، ثمّ البغداديّ المؤدّب.
سمع: عبد الملك بن بِشْران، وغيره.
روى عنه: أبو غالب بن البنّا، وابنه سعيد بن البنّا.
"حرف النون":
296- نجيب بن ميمون بن سهل بن عليّ1.
أبو سهل الواسطيّ، ثمّ الهَرَويّ.
سكن أبوه هَرَاة.
وسمع نجيب من: والده؛ ومن: أبي عليّ منصور بن عبد الله الخالديّ، ورافع بن عُصم الضّبيّ، وطائفة من مُسْندي هَرَاة في زمانه.
روى عنه: ابن طاهر المقدسيّ، ووجيه الشحامي، وأبو النصر الفامي، وخلْق سواهم منهم: عُبَيْد الله بن حمزة الموسويّ، وأخوه عليّ بن حمزة، والمطهّر بن يَعْلَى العَلَويّ، ومحمد بن المفضل الدّهّان، والْجُنَيْد بن محمد القاينيّ، ومحمد بن رَيْحان النَّسَائيّ، وأبو الفتح نصر بن سيّار، وعليّ بن سهل الشّاشيّ، وأَمَةُ الله بنت محمد العارف، وعبد الملك بن عبد الله العَلَويّ.
قال الدّقّاق: ليس بقي في الدّنيا من يروي عن الخالديّ سواه2.
وسمع من: حاتم بن محمد بن أبي حاتم الهَرَويّ، وأحمد بن عليّ بن أحمد الشّارعيّ ومحمد بن منصور الْجُولَكيّ، ومحمد بن محمد الأزدي القاضي. \
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 36، 37"، وشذرات الذهب "3/ 392".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 37".

(33/196)


وكان مولده في شعبان سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، ومات في الثّاني والعشرين من رمضان سنة ثمان.
"حرف الهاء":
297- هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الطيب.
أبو القاسم بن أبي الصّبّاغ.
من سُراة البغداديّين.
سمع: أباه، وعثمان بن دُوَسْت، وغيرهما.
روى عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وعمر بن ظَفَر الشَّيْبانيّ، وأبو الفتح محمد بن عبد السّلام.
قال ابن ناصر: تُوُفّي في سادس ذي القِعْدَة.
"حرف الياء":
298- يعقوب بن سليمان بن داود.
أبو يوسف الإِسْفَرَايِينِيّ. نزيل بغداد وخازن كُتُب النّظاميّة.
حدَّث "بسُنَن النَّسَائيّ" عن أبي نصر الكسّار.
وحدَّث عن: عبد العزيز الأزجيّ، والطّبريّ.
وتُوُفّي في العشرين من ذي القعدة.
299- يَلْبَرْ بن خَطْلع.
أبو منصور الفانيذيّ الكرْخيّ.
سمع مشيخة أبي عليّ بن شاذان منه.
روى عنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ.
وكان صالحًا، صحيح السّماع.
تُوُفّي في جُمَادى الآخرة.

(33/197)


"الكنى":
- أبو شُجاع الوزير1.
اسمه محمد كما تقدم.
وفيات سنة تسع وثمانين وأربعمائة:
"حرف الألف":
300- أحمد بْن الحسن بْن أحمد بن الحسن بن خُداداد2.
أبو طاهر الكَرَجيّ الباقلاني.
ولد سنة ست عشرة وأربعمائة3.
وسمع: أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم بن بشْران، وأبا بكر البَرْقانيّ. وسمع كُتُبًا كِبارًا، وتفرَّد بها، من ذلك: "سُنَن سعيد بن منصور"، تفرد به على أبي عليّ بن شاذان. ولأبي طاهر السِّلَفيّ منه إجازة، بمروياته.
روى عنه: ابن ناصر، وعمر الدّهسْتانيّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبو عليّ بن سُكَّرَة.
وهو ابن خال ابن خَيْرُون.
قال السّمعانيّ: كان شيخًا عفيفًا، زاهدًا، منقطعًا إلى الله، ثقة، فهمًا، لا يظهر إلّا يوم الجمعة.
سمعت عبد الوهّاب الحافظ يقول: كان أبو طاهر الباقلّانيّ أكثر معرفة من أبي الفضل بن خَيْرُون. وكان زاهدًا حَسَن الطّريقة4، وما كان له حلقة في الجامع، ولا قرئ فيه حديث. كان يقول لأصحاب الحديث: أنا لكم من السّبت إلى الخميس، ويوم الجمعة أنا بحكم نفسي للتكبير5 والتلاوة.
__________
1 تقدمت ترجمته برقم "283".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 144، 145"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1227".
3 التقييد "135".
4 التقييد "134".
5 أي للتبكير إلى صلاة الجمعة.

(33/198)


وسمعتُ عبد الوهاب يقول: جاء نظام المُلْك إلى بغداد، وأراد أن يسمع من شيوخها، فكتبوا له أسماء الشيوخ، وكتبوا في جملتهم اسمه، وسألوه أن يحضر دار نظام المُلْك حتّى يسمع منه. فامتنع، وألحّوا عليه، فما أجاب، ثمّ قال: إنّ ابن خَيْرُون قرابتي، وما انفردت أنا بشيء، بل كلّ ما سمعت أنا سمعه هو، وهو في خزانة الخليفة على عملكم، فسمعوا منه.
تُوُفّي في رابع ربيع الآخر.
301- أحمد بن عبد الرحمن بن مظاهر1.
أبو جعفر الأنصاريّ الطُّلَيْطُلِيّ.
روى عن: خاله جُماهر بن عبد الرحمن، ومحمد بن إبراهيم بن عبد السّلام الحافظ، وقاسم بن هلال، وجعفر ابن عبد الله، وجماعة كثيرة.
وعُني بسماع العِلم ولقاء الشّيوخ، وكان ذا بَصَرٍ بالمسائل، ومَيْلٍ إلى الأثَر. صنِّف
"تاريخ فُقهاء طُلَيْطُلَة".
رواه عنه: القاضي أبو الحسن بن بَقِيّ.
وكان ثقة.
302- أحمد بن عمر بن الأشعث2.
ويقال: ابن أبي الأشعث. أبو بكر السَّمَرْقَنْديّ المقرئ.
نزيل دمشق، ثم نزيل بغداد.
سمع: أبا عثمان الصّابونيّ، وأبا عليّ بن أبي نصر، وأبا عليّ الأهوازيّ وقرأ عليه بالرّوايات.
روى عنه: أبو الكرم الشّهْرُزُورِيّ، وابنه أبو القاسم إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو الفتح بن البطّيّ.
وقال أبو الحسن عليّ بن أحمد بن قُبَيْس الغسّانيّ: كان أبو بكر يكتب المصاحف من حفظه.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 70".
2 المنتظم "9/ 98"، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور "3/ 192، 193".

(33/199)


وكان إذا فرغ من الوجه كتب الوجه الآخر إلى أن يجفّ، ثمّ يكتب الوجه الّذي بينهما فلا يكاد أن يزيد ولا ينقص، مع كونه يكتب قطعٍ كبير، وقطع لطيف.
قال: وكان مزّاحًا.
وخرج مع جماعة في فُرْجة، فقدَّموه يُصلّي بهم، فلمّا سَجَد بهم تركهم في الصّلاة، وصعِد شجرة، فلمّا طال عليهم، رفعوا رءوسهم من السَّجْدَة، فلم يجدوه، ثمّ إذا به في الشّجرة يصيح: نَوّ نَوْ؛ فسقط من أعينهم وانتحس، وخرج إلى بغداد، وترك أولاده بدمشق.
قلت: ثمّ أرسل أخذ أهله. وسمَّع ابنيه بدمشق سنة بضعٍ وخمسين. وببغداد سنة نيفٍ وستين وأربعمائة. وأقرأ القرآن ببغداد.
قال ابن النّجّار: هو من أهل سَمَرْقَنْد، سافر إلى الشّام، وكان محمودًا، متقنًا، عارفًا بالرويات، محقّقًا في الأخذ، متحرِّيا، صدوقًا ورِعًا. وكان يكتب على طريقة الكوفيّين، ويجمع بين نَسْخ المُصْحف من حِفْظه، وبين الأخذ على ثلاثة، ويضبط ضبطًا حَسَنًا.
ثنا ابن الأخضر، ثنا ابن البطّيّ: أنا أحمد بن عمر السَّمَرْقَنْديّ: أنبا الحسين بن محمد الحلبيّ: ثنا أحمد بن عطاء الرُّوذْباريّ إملاءً بِصُور.
قلت: مات الحلبي1 سنة ستٍّ وثلاثين، وهو أقدم شيخ للسَّمَرْقَنْديّ.
قال: الحسين بن محمد البلْخيّ: كان شيخنا أبو بكر السَّمَرْقَنْديّ لا يكتب لأحدٍ خطّه إذا قرأ عليه، إلّا أن يكون مجوّدًا في الغاية. وما رأيته كتب إلّا لمسعود الحلاويّ، وقال: ما قرأ عليّ أحدٌ مثله. فجاء إليه الطّبّال، فقرأ خَتْمات، وأعطى وَلَد الشّيخ دنانير، فردّها الشّيخ وقال: لا أستحلّ أن أكتبَ له.
قال البلْخيّ: وكان أبو بكر لمّا جاء من دمشق اتّصل بعفيف القائميّ الخادم، فأكرمه وأنزله، فكان إذا جاءه الفرّاش بالطعام بكى، فسأله عن بكائه، فقال: إن لي بدمشق أولادًا في ضيق.
__________
1 هو: أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد بن المنيقير الحلبي الأنصاري.

(33/200)


فأخبر الفرّاش عفيفًا، فأرسل مَن جاء بهم من دمشق، فجاءوا أباهم بغتةً، ولم يزالوا في ضيافة عفيف حتّى مات1.
وُلِد أبو بكر سنة ثمان وأربعمائة، ومات في سادس عشر رمضان.
قال محمد بن عبد الملك الهَمَذَانيّ في "تاريخه": هو مشهور في التَّقدُّم بالقرآن ونسْخ المصاحف، جَعَل دأبَه أن ينسخ، ويُقرئ جماعةً بروايات مختلفة، ويرد على المخطئ منهم. فكان له في هذا كلّ عجيبة، رحمه الله.
قلت: قرأ عليه جماعة، وكانت قراءته على الأهوازيّ في سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
303- أحمد بن محمد بن عليّ2.
أبو بكر الهَرَويّ المقرئ الضّرير.
سكن دمشق، وسمع بها، رشأ بن نظيف، وأبا عليّ الأهوازيّ، وعليّ بن الخضر السُّلَميّ.
وسمع بصور من: عبد الوهاب بن برهان.
سمع منه: عمر الدّهسْتانيّ، وطاهر الخُشُوعيّ، وأبو محمد بن صابر ووثّقه.
وتُوُفّي بالقدس في ربيع الآخر.
قرأ على الأهوازيّ، وعاش اثنتين وثمانين سنة، ووُلِد بهَرَاة.
وقد صنف في القراءات الثمان كتابًا سمّاه "التّذكرة".
قرأ عليه القراءات: إبراهيم بن حمزة ابن الْجَرْجَرائيّ، وغيره.
304- إسماعيل بن حَمْد بن محمد بن خيران3.
أبو محمد الهَمَذانيّ البزّاز.
سمع: أبا الحسين الفارسي، وعمر بن مسرور.
__________
1 تاريخ دمشق "75، 76".
2 تهذيب تاريخ دمشق "2/ 66، 67"، ومعجم المؤلفين "2/ 136".
3 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 89".

(33/201)


وحدَّث ببغداد.
روى عنه: محمد بن سعدون العبْدَريّ أبو عامر، وأبو البركات بن السَّقَطيّ.
وكان محدِّثًا مُكثِرًا.
305- إسماعيل بن حمزة بن فَضَالَة.
أَبُو القاسم الهَرَويّ الحنفيّ العطّار.
عالم صدوق. حدَّث بصحيح الإسماعيليّ، عن الحسين بن محمد الباشانيّ.
وسمع أيضًا من سعيد بن العبّاس القُرَشيّ.
روى عنه: الْجُنَيْد بن محمد "القاينيّ"، والقاسم بن الحسين الحصيريّ، مات في ربيع الأوّل.
306- إسماعيل بن عبد الملك1.
الفقيه أبو القاسم الطُّوسيّ، الفقيه المعروف بالحاكميّ.
قدِم دمشق. عديل الإمام أبي حامد الغزاليّ.
وسمع من: نصر المقدسيّ في سنة تسعٍ وثمانين.
قال أبو المفضل يحيى بن عليّ القُرَشيّ القاضي: كان أعلم بالأصول من الغزاليّ، وكان شافعيًّا.
قلت: لا أعلم وفاته مَتى هي.
307- إسماعيل بن عثمان بن عمر الأبْرِيسَميّ2.
نَيْسابوريّ.
روى عن: أبي سعيد محمد بن موسى الصَّيْرفيّ.
روى عنه: زاهر الشّحّاميّ، وغيره.
وقيل: تُوُفّي سنة تسعين.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 29"، وتهذيب تاريخ دمشق "3/ 37".
2 المنتخب من السياق "144، 145".

(33/202)


308- أَمةُ الرحمن بنت أبي القاسم عبد الواحد بن حسين بن الْجُنَيْد.
امرأة عالمة صالحة، متبركٌ بها.
سمعت أبا القاسم بن بشْران.
روى عنها: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وابن عبد السلام الكاتب.
وولدت سنة أربعمائة، وعُمّرت.
"حرف الحاء":
309- الحُسَين بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بن عمر.
أبو عبد الله بن السّرّاج البغداديّ النّصريّ.
كان من أهل الصّلاح والسَّداد.
سمع: أبا القاسم الحرفي، وعثمان بن دُوَسْت العلّاف، وعبد الملك بن بشْران، ونصْر بن علالة.
روى عنه: أبو القاسم بن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وعبد الخالق اليوسفي، ومسعود بن محمد ابن شُنَيْف، وآخرون.
تُوُفّي في صَفَر.
أخبرونا عن ابن اللُّتّيّ، عن مسعود، عنه، بجزء ابن عفّان.
310- حمزَة بْن مُحَمَّد بْن الحسن بْن مُحَمَّد1.
أبو القاسم القُرَشيّ الأسَديّ الزُّبَيْريّ البغداديّ.
شيخ صالح.
سمع: أبا القاسم الحرفيّ، وأبا عليّ بن شاذان.
روى عنه: الأنْماطيّ، وعمر بن ظَفَر، وابن ناصر، وآخرون.
تُوُفّي في شعبان عن نيفٍ وثمانين سنة.
__________
1 المنتظم "9/ 99".

(33/203)


"حرف السّين":
311- سُلَيْمَان بْن أَحْمَد بْن محمد1.
أبو الربيع الأندلسيّ السَّرَقُسْطيّ.
دخل بغداد، وسمع بها من: أبي القاسم بن بِشْران، وأبي العلاء الواسطيّ، وجماعة2.
وكان عارفًا باللُّغَة، لكن قال ابن ناصر: كان كذّابًا، وكان يُلْحِق اسمه.
قال السّمعانيّ: ثنا عنه: عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وإسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وابنه منصور بن سليمان.
وسألتُ أبا منصور بن خَيْرُون عنه، فأساء القول فيه، وقال: نهاني عمّي أبو الفضل أن أقرأ عليه.
وتُوُفّي في ربيع الآخر.
"حرف الشين":
312- شافع بْن عليّ بْن أَبِي الفضل الطُّرَيْثيثيّ3.
الصُّوفيّ.
من ساكني نَيْسابور.
شيخ صالح ظريف، له مجاهدة وحفظ أوقات وجمع همة. صحِب السّادة وحجّ؛ وسمع بمكة: أبا الحسن بن صخْر. وبالبصرة: إبراهيم بن طَلْحة بن غسّان.
روى عنه: وجيه الشّحّاميّ.
ولد سنة أربعمائة، وتوفي في ذي الحجة.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 200"، وميزان الاعتدال "2/ 195".
2 وقال ابن بشكوال: روى عن عبد العزيز بن أحمد بن مغلس القيسي وغيره وحدث ببغداد، حكى ذلك الحميدي وأخذ عنه بها "الصلة 1/ 200".
3 تقدمت ترجمته برقم "266".

(33/204)


"حرف الظّاء":
313- ظَفَرُ بنُ هبة الله بن القاسم.
أبو نصر الكِسائيّ الهَمَذَانيّ التّانيّ1.
قال شيروَيْه: روى عن: ابن المحتسب، وعليّ بن إبراهيم بن حامد، وأبي طاهر بن سَلَمَة، وابن عَبْدان، وأبي بكر الأردستاني2.
سمعت منه وولداي شهردار وزينب، وهو شيخ.
توفي في جمادى الأولى، وصلينا عليه يوم الجمعة.
"حرف العين":
314- عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن علي بْن حسين الأموي3.
أبو محمد السعيداني، البصري. من ولد أمير مكة عتاب بن أسيد رضي الله عنه.
كان أبو محمد محتسب البصرة. وقد سمع الكثير من: عليّ بن هارون المالكيّ، والمبارك بن عليّ بن حمدان، والحسن بن أحمد الدّبّاس، وطلحة بن يوسف المواقيتيّ، وجماعة.
ورحل إلى بغداد، وسمع وحدَّث.
ولد سنة تسعٍ وأربعمائة، وأوّل سماعه سنة ثمان عشرة.
وكان حافظًا محدَّثًا، حدَّث عنه: أبو عبد الله البارع، وأبو غالب الماوَرْديّ.
ووثّقه الحافظ جابر بن محمد البصْريّ، وقال: عنهُ أخذتُ عِلْمَ الحديث.
وقد كتب عن السَّعِيدَانيّ: أبو عبد الله الحُمَيْديّ، ومكّيّ الرُّمَيّليّ، وشجاع الذهلي.
__________
1 الثاني: نسبة إلى التناية، وهي الدهقنة ويقال لصاحب الضباع والعقار: التاني "الأنساب 3/ 13".
2 الأردستاني: نسبة إلى أردستان، وهي بليدة قريبة من أصبهان على طرف البرية عند أزوارة بينهما "الأنساب 1/ 177".
3 سير أعلام النبلاء "19/ 79، 80".

(33/205)


وقد تقدَّم ذكره.
ورَّخ ابن النّجّار وفاته في هذه السّنة.
315- عبد الله بن يوسف1.
القاضي أبو محمد الْجُرْجَانيّ المحدِّث.
صنَّف "فضائل الشافعي" و"فضائل أحمد بن حنبل". ودخل هَرَاة.
وتُوُفّي في ذي القعدة.
وسماعاته في حدود الثلاثين وأربعمائة.
روى عنه: وجيه الشّحّاميّ، وغيره، وعبد الغافر الفارسيّ.
سمع من: عمر بن مسرور، وأبي الحسين الفارسيّ، وأبي سعْد الكَنْجرُوذيّ، وأبي عثمان البَحِيريّ، وطبقتهم، ومَن بعدهم فأكثر.
وهو ثقة صاحب حديث.
قال السّمعانيّ: وُلِد بجُرْجَان سنة تسعٍ وأربعمائة سمع من: حمزة السَّهْميّ، وأحمد بن محمد الخَنْدقيّ، ومحمد بن عليّ بن محمد الطّبريّ، وكريمة بنت محمد المَغَازليّ، والأربعة سمعوا من ابن عدِيّ.
وسمع من: أبي نُعَيْم عبد المالك بن محمد الأسْتِراباذيّ، الصّغير صاحب الإسماعيليّ.
روى لنا عنه: الْجُنَيْد بن محمد القاينيّ، وعبد الملك بن عبد الله العدويّ، وأخوه أبو الفتح سالم، وعليّ بن حمزة المُوسُويّ، وهبة الرحمن القُشَيْريّ، وآخرون2.
قال: ومات في تاسع ذي القعدة.
316- عبد الجبّار بن عبد الواحد بن أحمد بن سبوَيْه.
أبو الفضل بن أبي طاهر، التّاجر، الأصبهاني.
حدَّث عن: أبي نعيم.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 159، 160"، والوافي بالوفيات "17/ 684، 685".
2 المنتخب "282".

(33/206)


سمع منه: المؤتَمَن السّاجيّ، وإسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو الفتح بن عبد السّلام.
وُلِد سنة ثلاثٍ وعشرين وأربعمائة، وتُوُفّي ببغداد في شوّال سنة تسعٍ وثمانين.
317- عبد المحسن بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن عليّ1.
أبو منصور الشِّيحيّ التّاجر السفار المعروف بابن شُهْدَانْكه، من أهل محلّة النَّصْريّة ببغداد.
سمع الكثير من: أبي منصور محمد بن محمد بن السّوّاق، وأبي بكر أحمد بن محمد بن الصَّقْر، وعبد العزيز بن عليّ الأزجيّ، وابن غَيْلان، وأبي محمد الخلّال، والعتيقيّ، وطبقتهم.
وكتب بخطّه أكثر مسموعاته.
وسمع بمصر: أبا الحسن الطّفّال، وأبا القاسم عليّ بن محمد الفارسيّ، وعبد الملك بن مسكين.
وبدمشق: أبا الحسين محمد بن عبد الرحمن بن أبي نصر، وأبا القاسم الحِنّائيّ، وأبا عبد الله محمد بن يحيى بن سلوان.
وبالرَّحْبة: عُبَيْد الله بن أحمد الرَّقّيّ، وطائفة سواهم.
وكتب بخطّه أكثر مصنَّفات الخطيب.
وروى الكثير.
حدَّث عنه: شيخه أبو بكر الخطيب، وأبو السُّعُود أحمد بن عليّ، وأبو حامد العَبْدَرِيّ، وأبو القاسم بن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو الفتح محمد بن عبد السّلام، وسعيد بن محمد الرزّاز الفقيه، وأبو بكر بن الزّاغُونيّ، وأبو الفضل بن ناصر، وخلْق سواهم.
سُئل إسماعيل بن محمد الحافظ عنه فقال: شيخ فاضل ثقة.
وقال شُجاع الذُّهْليّ: كان صَدُوقًا.
وقال أبو عامر العَبْدَرِيّ: كان من أنبل من رأيت وأوثقه.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 152-154"، والبداية والنهاية "12/ 153".

(33/207)


وقال أبو عليّ الصَّدَفيّ: كان فقيهًا نبيلًا كيِّسًا ثقة. وكان عنده أصل أبي بكر الخطيب بتاريخه، خصَّه به.
قلت: لأنّه فيما قال السّمعانيّ هو الّذي حمل الخطيب إلى العراق، فأهدى إليه الخطيب تاريخه بخطّه.
وقال غيْث بن عليّ: سألته عن مولده، فقال: سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. وأوّل سماعي سنة سبعٍ وعشرين1.
وقال أبو عليّ البَرَدَانيّ: كان من المتموّلين، وكان أمينًا سَرِيًّا، كتب كثيرًا. وتُوُفّي في جُمَادى الأولى.
قال السّمعانيّ: سمعتُ شيخًا لنا يقول: إنّ الخطيب لمّا حدَّث بالجزء الأوّل من "تاريخه" استأذنه أبو الفضل بن خَيْرُون أو شجاع الذُّهْليّ في التّسميع في أيّ موضعٍ يكتب، فقال: استأذِنوا الشّيخ عبد المحسن، فإنَّ النُّسخة له، ولو كان عندي شيءٌ أعزّ منه أهديته له2.
وقال أبو الفضل محمد بن عطّاف: كان شيخنا عبد المحسن على طريقةٍ حَسَنة مَرْضِيّة، حَسَن العناية بالعِلْم، وكان مالكيًّا ثقة أمينًا. قال لي: وُلِدتُ في رجب سنة إحدى وعشرين.
وقال ابن ناصر: تُوُفّي شيخنا عبد المحسن بن الشِّيحيّ في سادس عشر جُمَادى الأولى.
قلت: وأبوه من شِيحة، قريةٌ من قرى حلب.
318- عبد الملك بن إبراهيم بن أحمد3.
أبو الفضل المقدسيّ الهَمَذَانيّ الفَرَضيّ، نزيل بغداد.
كان واحد عصره في الفرائض.
__________
1 تاريخ دمشق "24/ 366".
2 المتنخب "9/ 100".
3 الكامل في التاريخ "10/ 161"، وسير أعلام النبلاء "19/ 31، 32"، ولسان الميزان "4/ 57".

(33/208)


سمع: الحسن بن محمد الشّاموخيّ1 بالبصرة، وعبد الواحد بن هبيرة العِجْليّ، وجماعة.
روى عنه: ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ.
وقيل: كان معتزليًّا.
تُوُفّي في رمضان ببغداد، وهو والد المؤرّخ محمد.
319- عبد الملك بن سِراج بن عبد اللَّه بن محمد بن سِراج2.
الإمام أبو مَرْوان الأُمَويّ، مولاهم القُرْطُبيّ.
إمام اللُّغَة بالأندلس. غير مدافع.
روى عن: أبيه، ويونس بن عبد الله القاضي، وإبراهيم بن محمد الإفْليليّ، ومكّيّ بن أبي طالب، وأبي عَمْرو السَّفاقِسيّ، وجماعة.
روى عنه: أبو عليّ الصَّدَفيّ، وقال: هو أكثر مَن لقيته عِلْمًا وبضروب الآداب ومعاني القرآن والحديث.
وقال القاضي أبو عبد الله بن الحاجّ: كان شيخنا أبو مروان بن سِراج يقول: حدَّثنا وأخبرنا واحدٌ، ويحتجّ بقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] فجعل الحديث والخبر واحدًا3.
وقال القاضي عياض4: الوزير أبو مروان الحافظ اللُّغَويّ النَّحْويّ إمام الأندلس في وقته في فنّه، وأَذْكرهم للسان العرب، وأوثقهم على نقله.
وكان أبوه أبو القاسم قاضي قُرْطُبة من أفضل العلماء.
قال عياض: وأخبرني ابنه أبو الحسين الحافظ أنّ أبا محمد مَكِّيًّا المقرئ كان يعرض عليه بعض مصنَّفاته، ويأخذ رأيه فيها، وإليه كانت الرّحلة من أقطار الأندلس.
__________
1 الشاموخي: نسبة إلى شاموخ، وهي قرية بنواحي البصرة "الأنساب 7/ 264".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 133، 134"، وشذرات الذهب "3/ 392، 393".
3 الصلة "2/ 364".
4 في ترتيب المدارك "4/ 816".

(33/209)


وقال الْيَسَعُ بنُ حَزْم: لكن ابن سِراج زَيْن الإيمان، وحَسَنة الزّمان، العلّامة، النّسّابة، ذو الدعوة المستجابة، والتسهيل والإجابة. كان المعتمد يزوره ويعظّمه.
وقال أبو الحسن بن مُغِيث: كان أبو مروان من بيت خيرٍ وفضل، من مشاهير الموالي بالأندلس. كان جدّهم سِراج من موالي بني أُمَيّة، على ما حكاه أهل النَّسَب، إلّا أنّ أبا مروان قال لي غير مرّةٍ: أنّه من العرب، من كَلْب بن وَبْرَة، أصابهم سِبَاء.
اختلفت إليه كثيرًا ولازمته، وكان واسع الرّواية والمعرفة، حافِلَهُما، بحرُ علمٍ، عالمًا بالتّفاسير، ومعاني القرآن، ومعاني الحديث، أحفظ النّاس للسان العرب، وأصدَقهم فيما يحمله، وأقَوَمَهم بالعربيّة والأشعار والأخبار والأيّام والأنساب. عنده يسقط حفظ الحفّاظ ودونه يكون علم العلماء. فاق النّاس في وقته، وكان حَسَنَة من حسنات الزمان، وبقية الأشراف والأعيان.
قال أبو عليّ الغسّانيّ: سمعته يقول: مولدي في ثاني عشر ربيع الأول سنة أربعمائة. ومُتِّع بجوارحه على اعتلاء سنِّه، إلى أن تُوُفّي، وهو حسن البقيّة، متوقِّد الذّهن، سريع الخاطر، في تاسع ذي الحجّة يوم عَرَفَة، وصلّى عليه ابنه أبو الحسن سِراج. رحمه الله.
وأبا بكر الحِيريّ، وأبا سعيد الصَّيْرَفيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن محمد بْن أَحْمَد بْن حبيب القاضي، ومحمد بن محمد بن بالوَيْه الصائغ، والحسين بن عبد الرحمن التاجر، وعبدا لرحمن بن بالوَيْه، وعليّ بن أحمد بن عَبْدان الشّيرازيّ، وأبا عَمْرو محمد بن عبد الله الرَّزْجاهيّ، وعليّ بن محمد بن خَلَف، وأبا حازم عمر بن أحمد العبدوي، وجماعة بنَيْسابور.
وهلال بن محمد الحفّار، وأبا الحسين بن بِشْران، وابن الفضل القطّان والغَضَائريّ، والإياديّ، وجماعة ببغداد.
وأبا عبد الله بن نظيف بمكّة.
روى عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وأبو طاهر أحمد بن حامد الثّقفيّ، ونُعمان بن محمد الكُنْدُوج، وشَيْبان بن عبد الله المؤدّب، وبُنْدَار بن غانم، وعبد الجبّار بن محمد بن علي الصالحاني.

(33/210)


"حرف القاف":
320- القاسم بْن الفضل بْن أَحْمَد بْن أَحْمَد بن محمود1.
أبو عبد الله الثّقفيّ الأصبهاني. رئيس إصبهان وكبيرها ومُسْنِدُها.
وُلِد سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة.
وأوّل سماعه في ذي الحجّة سنة ثلاثٍ وأربعمائة.
سمع: أبا الفَرَج عثمان بْن أحمد بْن إِسْحَاق بْن بُنْدار البُرْجيّ، وعبد الله بن أحمد بن حولة الأبْهَريّ، ومحمد بن إبراهيم الْجُرْجَانيّ، وأبا بكر بن مردوَيْه2، وعليّ بن فيلة الفَرَضيّ، وأحمد بن عبد الرحمن اليَزْديّ، وجماعة بإصبهان.
ومحمد بن محمد بن مَحْمِش، ومحمد بن الحُسَين السُّلَميّ، ويحيى بن إبراهيم المزكّيّ، وأبو المطهَّر الصَّيْدَلانيّ القاسم بن الفضل، وأَبُو جعْفَر مُحَمَّد بن الْحَسَن الصَّيْدلانيّ، وأَبُو رشيد محمد بن عليّ بن محمد البَاغْبَان3، وأبو عبد الله الحسن بن العبّاس الرُّسْتُميّ، وحفيده مسعود بن القاسم الثّقفيّ، والحافظ أبو طاهر السِّلَفيّ، وأبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني، وخلْق سواهم.
قال السّمعانيّ: كان ذا رأيٍ وكفاءةٍ وشهامة. وكان أيسر أهل عصره ثروةً ونعمةً وبضاعةً ونقْدًا4.
وكان منفقًا كثير الصَّدَقة، دائم الإحسان إلى الطّارئين والمقيمين وأهل الحديث عمومًا، وإلى العَلَويّة خصوصًا، كثير الإنفاق عليهم. وصُرِف في آخر عمره، يعني عن رئاسة البلد، وصودر، فدفع مائة ألف دينار حُمْر في مدةٍ يسيرة، لم يَبع في أدائها ضياعًا ولا عقارًا، ولا أظهر من نفسه انكسارًا إلى أن خرج من عُهْدة ذلك. وكان رجلًا من رجال الدّنيا. وعُمّر حتّى سُمع منه، الكثير، وانتشرت عنه الرّواية في الأقطار، ورحلت الطَّلَبة من الأمصار. وكان صحيح السماع، غير أنه كان يميل إلى التَّشيُّع على ما سمعتُ جماعةً من أهل أصبهان.
__________
1 تذكرة الحفاظ "4/ 1227"، وسير أعلام النبلاء "19/ 8-11"، وشذرات الذهب "3/ 393".
2 التقييد "430".
3 الباغبان: نسبة إلى حفظ الباغ، وهو البستان "الأنساب 2/ 44".
4 المتخب من السياق "422".

(33/211)


وقال يحيى بن مَنْدَهْ: لم يحدِّث في وقته أوثق في الحديث منه وأكثر سماعًا، وأعلى إسنادًا، إلّا أنّه كان يميل إلى الرَّفْض فيما قيل. سمع "تاريخ يعقوب الفَسَويّ" من ابن الفضل القطّان، عن ابن درستُوَيْه، عَنْهُ. وسمع "تاريخ ابن مَعِين" من أبي عبد الرحمن السُّلَميّ1.
حُكي لي أنّه وُلِد سنة خمسٍ وتسعين وثلاثمائة، وقيل: سنة سبعٍ.
وقال غيره: تُوُفّي في رجب.
وقال السِّلَفيّ كان الرّئيس الثّقفيّ عظيمًا كبيرًا في أعيُن النّاس، على مجلسه هيبةٌ ووقار. وكان له ثروة وأملاك كثيرة.
وذكر ابن السّمعانيّ في تخريجٍ لولده عبد الرّحيم فقال: كان محمود السّيرة في ولايته، مُشْفِقًا على الرّعيّة. سمعتُ أنّ السّلطان ملِكْشاه أراد أن يأخذ مالًا من أهل البلد إصبهان، فقال الرّئيس: أنا أُعطي النِّصْف، ويُعطي الوزير يعني النّظام، وأبو سعد المستوفي النّصف. فما قام حتّى وَزَنَ ما قال.
وظنِّي أنّ المال كان أكثر من مائة ألف دينار أحْمَر.
وكان يَبَرُّ المحدِّثين بمالٍ كثير، ورحلوا إليه من الأقطار.
"حرف الميم":
321- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الباقي بن منصور2.
الحافظ أبو بكر ابن الخاضبة3، البغداديّ الدّقّاق.
مفيد بغداد، والمشار إليه في القراءة الصحيحية مع الصّلاح والورع.
حدَّث عن: أبي بكر الخطيب، وأبي جعفر ابن المسلمة، وأبي الحسين ابن النقور، وعبد الرّحيم بن أحمد البخاريّ، وأحمد بن علي الدينوري.
وأكثر عن أصحاب المخلص.
__________
1 التقييد "430".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 109-113"، والبداية والنهاية "12/ 153".
3 في البداية والنهاية "الحاضنة".

(33/212)


ورحل إلى الشّام، والقدس.
وسمع بدمشق من: إمام الجامع عبد الصّمد بن محمد بن تميم.
وأقدم شيخٍ له: مؤدّبه أبو طالب عُمَر بن محمد بن الدَّلْو، فإنّه يروي عن أبي عُمَر بن حَيَّوَيْهِ، وتُوُفّي سنة ست وأربعين وأربعمائة.
وسمع بالقدس من: محمد بن مكّيّ بن عثمان الأزْديّ، وعبد الرّحيم البخاريّ، وأبي الغنائم محمد بن الفرّاء.
روى عنه: أبو عليّ بن سُكَّرَة.
وكان محبوبًا إلى النّاس كلّهم، فاضلًا، حَسَن الذِّكْر. ما رأيت مثله على طريقته. وكان لا يأتيه مستعير كتابًا إلّا أعطاه، أو دلّه عند مَن هو.
وسمعتُ أبا الوفاء بن عقيل الحنبليّ الإمام يقول، وذَكَر شدَّةً أصابته بمطالبةٍ طُولِب بها، وأنّه كانت له عند ذلك خَلوات يدعو ربَّه فيها ويناجيه، فقرأ في مناجاته: فَلَئنْ قلتَ لي يا ربّ: هل واليتَ فيَّ وليًّا؟ أقول: نعم يا رب، أبو بكر ابن الخاضبة. ولئن قلتَ هل عاديتَ فيَّ عدُّوًا؟ أقول: نعم يا ربّ فُلانًا ولم يُسمِّه لنا.
فأخبرت ابن الخاضبة بقوله. فقال: اغترّ الشّيخ.
وقال ابن السّمعانيّ: نسخَ "صحيح مسلم" سنة الغرق بالأُجرة سبْع مرّات.
وقال ابن طاهر: ما كان في الدّنيا أحسن قراءةً للحديث من ابن الخاضبة في وقته، لو سمع بقراءته إنسانٌ يومين لَمَا ملَّ من قراءته.
وقال السِّلَفيّ1: سألتُ أبا الكرم الحَوْزِيّ عن ابن الخاضبة، فقال: كان علّامةً في الأدب، قُدْوَةً في الحديث، جيّد اللّسان، جامعًا لخلال الخير، ما رأيتُ ببغداد من أهلها أحسنَ قراءةً للحديث منه، ولا أعرف بما يقوله.
وقال ابن النّجّار: كان ابن الخاضبة ورِعًا، تقيًّا، زاهدًا، ثقة، محبوبًا إلى النّاس. روى اليسير.
وقال أبو الحسن عليّ بن محمد الفصيحيّ: ما رأيت في أصحاب الحديث أقوم باللغة من ابن الخاضبة.
__________
1 في سؤالاته لخميس الحوزي "120".

(33/213)


وقال السِّلَفيّ: سألت أبا عامر العَبْدَرِيّ عنه، فقال: كان خيرَ موجودٍ في وقته. وكان لا يحفظ، إنّما يعوّل على الكُتُب.
وقال ابن طاهر: سمعتُ ابن الخاضبة، وكنتُ ذكرت له أنّ بعض الهاشميّين حدَّثني بإصبهان، أنّ الشّريف أبا الحسين بن الغريق1 يرى الاعتزال، فقال لي: لا أدري، ولكن أحكي لك حكاية: لمّا كان في سنة الغَرَق وقعت داري على قماشي وكُتُبي، ولم يكن لي شيء. وكان عندي الوالدة والزّوجة والبنات، فكنتُ أنسخ للنّاس، وأُنفق عليهنّ، فأعرف أنّني كتبتُ "صحيح مسلم". في تلك السَّنة سبْع مرّات، فلما كان ليلة من اللّيالي رأيتُ كأنّ القيامة قد قامت، ومناديا ينادي: أين ابن الخاضبة؟ فأُحْضِرتُ، فقيل لي: أدخل الجنة. فلما دخلت الباب وصرت من داخل استلقيت على قفاي، ووضعت إحدى رِجْليَّ على الأخرى، وقلت: استرحتُ والله من النّسخ. فرفعتُ رأسي، فإذا ببغْلة في يد غلام فقلت: لمن هذه؟ فقال: للشريف أبي الحسين ابن الغريق. فلمّا أصبحت نُعي إلينا الشّريف2.
وقال ابن عساكر3: سمعتُ أبا الفضل محمد بن محمد بن عطاف يحكي أنه طلع في بعض بني الرّؤساء ببغداد إصبعٌ زائدة، فاشتدّ تألُّمُه منها ليلةً، فدخل عليه ابن الخاضبة، فشكا إليه وجَعَه، فمسح عليها وقال: أمرُها يسير. فلمّا كانت اللّيلة الثّانية نام وانتبه، فوجدها قد سقطت. أو كما قال.
تُوُفّي -رحمه الله- في ثاني ربيع الأوّل ببغداد، وكان يومًا مشهودًا، وخُتِم على قبره خَتْمات.
322- محمد بن الحسن4.
أبو بكر الحضْرميّ، المعروف بالمُرَاديّ القيرواني.
دخل الأندلس، وأخذ عنه أهلها.
__________
1 في سير أعلام النبلاء "19/ 112" "أبا الحسين بن المهتدي بالله".
2 تذكرة الحفاظ "4/ 1226"، وسير أعلام النبلاء "19/ 112"، والبداية والنهاية "12/ 153".
3 في تاريخ دمشق "36/ 330".
4 الصلة لابن بشكوال "2/ 604، 605"، ومعجم المؤلفين "9/ 188".

(33/214)


روى عنه: أبو الحسن المقرئ ابن الباذش، وقال فيه: كان رجلًا نبيهًا عالمًا بالفقه، وإمامًا في أصول الدّين، وله في ذلك تصانيف حِسان مفيدة، وله حظٌّ وافر من البلاغة والفصاحة.
وقال أبو العبّاس: دخل قُرْطُبة في سنة سبعٍ وثمانين رجل من القَرَويّين، وهو أبو بكر المُرَاديّ، له نُهُوضٌ في علم الاعتقادات، ومشاركة في الأدب والقريض. اختلف إلى أبي مروان بن سِراج في سماع "التَّبْصرة" لمكّيّ، وحدَّثني بكتاب "فقه اللّغة" مشافهةً، عن عبد الرحمن بن عُمَر التّميميّ القصديريّ، عن محمد بن عليّ التّميميّ، عن إسماعيل بن عَبْدوس النَّيْسابوريّ، عن مصنِّفه أبي منصور الثَّعالبيّ، وبلغني موته سنة 89.
قلت: له رسالة "الإيماء إلى مسألة الاستواء".
323- محمد بن عليّ بن محمد بن عُمَير الزّاهد1.
أبو عبد الله العُمَيْريّ الهَرَويّ، الرّجل الصّالح.
وُلِد سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة.
وأول سماعه سنة سبعٍ وأربعمائة.
سمع من أبيه عليّ بن محمد بن عُمَيْر بن محمد بن عُمَير، عن العبّاس بن الفضل النَّضْرويّ.
وسمع من: عليّ بن أبي طالب الخَوارَزْميّ، وعليّ بن جعفر القُهُندُزِيّ2، وعبد الرحمن بن محمد أبي الحسن الدّيناريّ، ومحمد بن أبي اليمان منصور الخطيب وأبي إسماعيل محمد بن عبد الرحمن الحدّاد، ويحيى بن عبد الله البزّاز، ومحمد بن إبراهيم بن أُمَيَّة، وأبي بِشْر الحسن بن محمد بن أحمد القُهُندُزِيّ، وشُعَيب بن محمد البُوسَنْجيّ، وضمام بن محمد الشَّعْرانيّ، وخلْق كثير بهَرَاة؛ وأبي بكر أحمد بن الحسن الحِيريّ النَّيْسابوريّ بها. وأبي عليّ بن شاذان، وطبقته ببغداد.
وقال الفامِيّ في "تاريخ هَرَاة": العُمَيْريّ تفرَّد عن أقرانه، وتوحّد عن أبناء زمانه
__________
1 تذكرة الحفاظ "4/ 1227"، وسير أعلام النبلاء "19/ 69-71".
2 القهندزي: نسبة إلى قهندز: المدينة الداخلة المسورة "الأنساب 10/ 274".

(33/215)


بالعِلْم والزُّهْد في الدّنيا، والإتقان في الرّواية، والرغبة في التحديث، والتجرد من الدّنيا، والإعراض عن حطامها والإقبال على الآخرة.
وقال محمد بن عبد الواحد الدقاق: أبو عبد الله العُمَيْريّ ليس له نظيرٌ بخُراسان، فكيف بهَرَاة.
وقال في رسالته: ولم أرَ في شيوخي كالإمام الزّاهد المتقن أبي عبد الله العُمَيْريّ، رحمةُ الله عليه.
وقال غيره: كان فقيهًا إمامًا ورعًا قدوة، واسع الرواية، حدَّث بالكثير وقد حجّ في سنة عشرين وأربعمائة.
قال السّمعانيّ: ودخل بلاد اليمن، ورجع، فقدِم بغداد سنة ثلاثٍ وعشرين.
وسمع بمكّة من محمد بن الحُسَين الصَّنْعانيّ.
وبنَيْسابور من: أبي بكر الحِيَريّ، وأبي سعيد الصَّيْرفيّ.
وببغداد من: الحرفي، وابن شاذان، وعثمان بن دُوَسْت.
وبهَرَاة من: يحيى بن عمّار، وأبي يعقوب القرّاب، ومحمد بن جبريل بن ماحٍ.
روى عنه: أبو طاهر المقدسيّ، والمؤتَمَن السّاجيّ، وأبو عبد الله الدّقّاق، وأبو الوقت عبد الأوّل، وعليّ بن حمزة، والْجُنَيد بن محمد، والقاسم بن عمر الفصّاد ومحمد بن أبي عليّ الهَمَذَانيّ وأبو النَّضْر الفامِيّ.
وقال أبو جعفر محمد بن أبي عليّ: قال لي أبو إسماعيل الأنصاريّ: احفظ الشّيخ أبا عبد الله العُمَيْريّ، واكتب عنه، فإنّه متقنٌ. مع ما كان بينهما من الوحشة.
قال أبو جعفر: وكان فقيهًا محدّثًا سُنّيًّا.
وسُئل إسماعيل الحافظ عنه: فقال: إمامٌ زاهد.
تُوُفّي العُمَيْريّ رحمه الله في المحرَّم.
324- محمد بن عليّ بن محمد الحماميّ1.
أبو ياسر البغدادي.
__________
1 المنتظم "9/ 101، 102"، وغاية النهاية "2/ 214".

(33/216)


قال السّمعانيّ: كان إمامًا في القراءات، ضابطًا لها. كتب بخطّه الكثير من القراءات والحديث والكُتُب الكبار في معاني القرآن.
وكان ثقة.
قرأ على: أَبِي بَكْر محمد بْن عليّ بْن موسى الحنّاط.
ورحل إلى غلام الهرّاس فأكثر عنه.
وسمع من: أبي جعفر ابن المسلمة، وجماعة.
وتُوُفّي في المحرَّم.
325- محمد بن عليّ1.
القاضي أبو سعيد البَغَوي الدّبّاس.
مرَّ في العام الماضي.
أعدتّه لقول بعضهم: تُوُفّي سنة تسعٍ وثمانين.
روى عنه: محمد بن عبد الرحمن الحمدونيّ، وأحمد بن ياسر المقرئ، وأبو الفضل اللّيث بن أحمد، وعبد الصّمد ابن محمد الخطيب، وعبد الرحمن بن محمد بن عمر، وخلق كثير.
326- محمد بن محمد بن أحمد بن هميماه2.
أبو نصر الرّامشيّ النَّيْسابوريّ المقرئ، ابن بنت الرّئيس منصور بن رامش.
سمع من أصحاب الأصمّ.
وسمع بمكّة، والعراق، والشّام، وهراة.
وحدَّث عن: أبي الفضل عمر بن إبراهيم الزّاهد، وعبد الرحمن بن محمد السّرّاج، وعليّ بن محمد الطّرازيّ، وعليّ بن محمد بن عليّ السّقّاء، والحسين بن محمد بن فَنْجُوَيْه الثّقفيّ، ومحمد بن الحسين بن التُّرْجُمان الرَّمْليّ، وأبي عليّ بن أبي نصر التّميميّ، وأبي العلاء بن سليمان المقرئ.
__________
1 تقدمت ترجمته برقم "290".
2 الأنساب "6/ 50"، والمنتظم "9/ 102".

(33/217)


قال عبد الغافر1: ولد سنة أربعٍ وأربعمائة. وسمع مع أخواله. وعقد مجلس الإملاء في المدرسة العميديّة فأملى سِنين.
وأنشدني لنفسه:
سَوَّدَ أيّامي المَشِيبُ ... وابْيَضَّتِ الرَّوضةُ العشيبُ
وكان روضُ الشّبابِ غَضًّا ... نوّارُ أشجارِهِ رطيبُ
فصار عَيْشي مريرَ طعمٍ ... وعَيْشُ ذي الشَّيْب لا يَطيبُ
وله:
وكنت صحيحًا والشّبابُ مُنادِمي ... فأنْهَلَني صَفْوَ الشّراب وعلَّني
وزدتُ على خمسٍ ثمانين حجّةً ... فجاء مشيبي بالضَّنَى فأعلّني
قال ابن عساكر: كان عارفًا بالنَّحْوِ وعلوم القرآن. حدَّثنا عنه: عمر بن أحمد الصّفّار، وعبد الله بن الفُرَاويّ.
وقال عبد الغافر: لمّا طعن في السّنّ تبرّز في القراءات وعلوم القرآن، وكان له حظٌّ صالح من النحو. وهو إمام في فنّه. ارتبطه نظام المُلْك في المدرسة المعمورة بنَيْسابور، ليُقرِئ في المسجد المَبْنِيّ فيها، فتخرَّج به جماعة.
وتُوُفْي في جُمَادى الأولى.
قلت: وروى عنه: عبد الخالق بن زاهر، وإسماعيل العَصَائدي، وجماعة.
327- محمد بن عبد الواحد بن محمد.
أبو بكر الأصبهاني.
سمع: أبا منصور بن مهريُزد صاحب أبا عليّ الصّحّاف.
قال أبو طاهر السِّلَفيّ: لم يمت أحدٌ من شيوخي قبله، ولا أنا عن ابن مهرزاد سواه.
قلت: مات قبيل الرئيس الثقفي2.
__________
1 في المنتخب "64".
2 تقدمت ترجمته برقم "320".

(33/218)


328- محمد بن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن1.
أبو عَبْد اللَّه المَدِينيّ المقرئ.
سمع مجلسًا من أحمد بن عبد الرحمن اليَزْديّ في سنة تسعٍ وأربعمائة. وهو من كبار شيوخ السِّلَفيّ، لا أعلم وفاته، بل سُمِع منه في هذه السّنة.
قال السِّلَفيّ: هو أوّل من كتبتُ عَنْهُ الحديث.
ثمّ وجدت في "تاريخ ابن النّجّار" قد زاد في نسبه محمد بن إبراهيم بن عبد الوهّاب بن بَهْمَن بن كُوشِيذ.
سمع: القاضي أبا بكر اليَزْديّ، وأبا بكر بن أبي عليّ المزكّيّ، وعبد الرحمن بن محمد بن عُبَيْد الله، ومحمد بن صالح العطّار.
وحدَّث ببغداد.
سمع منه: أبو بكر محمد بن منصور السّمعانيّ، والسِّلَفيّ.
وقال أبو زكريّا يحيى بن مَنْدَهْ: كان شُرُوطيًّا، ثقة، أمينًا، أديبًا، وَرِعًا.
قرأ كتاب "الحُجّة" لأبي عليّ الفارسيّ، على أبي عليّ المَرْزُوقيّ، ولزِمه مدّة.
ولد سنة تسعٍ وتسعين وثلاثمائة. ومات في حادي عشر شعبان سنة 89.
329- مُظهر بن أحمد بن عبد الله.
أبو سعْد المُضَريّ2 السُّكّريّ الأصبهاني.
قدِم بغداد للحجّ.
وحدَّث عن: أبي بكر بن أبي علي الذكواني، وأبي الحسين بن فاذشاه.
روى عنه: عمر بن ظفر، وغيره.
وله شعرٌ حسن.
توفي في شعبان.
__________
1 سير أعلام النبلاء "19/ 72، 73"، وغاية النهاية "2/ 241".
2 المضري: نسبة إلى مضر القبيلة المعروفة التي ينسب إليها قريش "الأنساب 11/ 357".

(33/219)


330- مُعَمّر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن محمد بن أبان1.
أبو منصور العبدي اللنباني الأصبهاني.
شيخ الصوفية.
قال السلفي: هو شيخ شيوخ أصبهان. لم يكن يدانيه في رتبته أحدٌ. روى لنا عن: أبي الحسين بن فاذشاه، وأبي بكر بن رُنْدَة، وعليّ بن أحمد بن مهْران الصّحّاف.
وله إجازة من أبي علي بن شاذان.
وتفقه على أبي محمد الكروني الشافعي، ورزق جاها وهيبة عند السلاطين.
وتوفي في شهر رمضان سنة تسعٍ وثمانين.
وجدهم أحمد يروي عن: ابن أبي الدّنيا، والحارث بن أبي أُسامة.
331- منصور بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الجبار بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن عبد الجبار بن الربيع بن مسلم بن عبد الله2.
الإمام أبو المظفّر السَّمعانيّ التّميميّ المَرْوَزِيّ، الفقيه الحنفيّ ثمّ الشّافعيّ.
تفقّه على والده الإمام أبي منصور حتّى برع في مذهب أبي حنيفة وبرّز على أقرانه.
وسمع: أباه، وأبا غانم أحمد بن عليّ الكُراعيّ3 وهو أكبر شيوخه، وأبا بكر التُّرابيّ.
وبنَيْسابور: أبا صالح المؤذّن، وجماعة.
وبجُرْجَان: أبا القاسم الخلّال.
وببغداد: عبد الصّمد بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي بالله.
__________
1 الأنساب "11/ 32، 33"، والتحبير "2/ 53".
2 المنتظم "9/ 102"، وسير أعلام النبلاء "19/ 114-119"، والبداية والنهاية "12/ 153، 154".
3 الكراعي: نسبة إلى بيع الأكارع والرءوس اشتهر بهذه النسبة أهل بيت بمرو من رواة الحديث منهم أبو غانم الكراعي "الأنساب 10/ 374".

(33/220)


وبالحجاز: أبا القاسم سعد بن عليّ، وأبا عليّ الشّافعيّ، وطائفة سواهم.
قال حفيده الحافظ أبو سعْد: نا عنه عمّي الأكبر، وعمر بن محمد السَّرْخَسِيّ، وأبو نصر محمد بن محمد بن يوسف الفاشانيّ، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وإسماعيل بن محمد التيمي الحافظ أبو القاسم، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازيّ، وأبو سعْد البغداديّ، وجماعة كثيرة سواهم.
ودخل بغداد في سنة إحدى وستّين وأربعمائة، وسمع الكثير بها. واجتمع بأبي إسحاق الشّيرازيّ، وناظر أبا نضر بن الصّبّاغ في مسألةٍ.
وانتقل إلى مذهب الشّافعيّ. وسار إلى الحجاز في البرّيّة. وكان الرَّكْبُ قد انقطع لاستيلاء العرب، فقصد مكّة في جماعة، فأُخِذوا، وأُخِذ جدّي معهم، ووقع إلى حلل العرب، وصبرَ إلى أن خلّصه الله، وحملوه إلى مكّة، وبقي بها في صُحْبة الشّيخ أبي القاسم الزَّنْجانيّ.
وسمعتُ محمد بن أحمد المَدِينيّ يحكي عن الحسين بن الحسن الصوفي المرزوي، عن أبي المظفّر السّمعانيّ قال: لمّا دخلت البادية انقطعتُ، وقطعَت العرب علينا الطّريق، وأُسِرنا وكنتُ أخرج مع جِمالهم أرعاها. وما قلتُ لهم أنّي أعرِف شيئًا من العلم، فاتّفق أنّ مقدَّم العرب أراد أن يزّوج بنتَه من رجلٍ، فقالوا: نحتاج أنْ نخرج إلى بعض البلاد، ليعقد هذا العقْد بعضُ الفُقهاء. فقال واحدٌ من المأخُوذين: هذا الرّجل الّذي يخرجُ مع جِمالكم إلى الصّحراء فقيه خُراسان. فاستدعوني، وسألوني عن أشياء، فأجبتهم، وكلّمتهم بالعربيّة، فخجلوا واعتذروا، وعقدت لهم العقْد، وقرأتُ الخطبة، ففرحوا، وسألوني أن أقبل منهم شيئًا، فامتنع، فحملوني إلى مكّة في وسط السّنة1.
وذكره أبو الحسن عبد الغافر في "سياقه"2، فقال: هو وحيد عصره في وقته فضلًا، وطريقة، وزُهدًا، وورعًا، من بيت العلم والزُّهْد. تفقّه بأبيه، وصار من فُحُول أهل النَّظر، وأخذ يُطالع كُتُب الحديث، وحجّ، فلمّا رجع إلى وطنه، ترك طريقته الّتي ناظر عليها أكثر من ثلاثين سنة، وتحوَّل شافعيًّا. أظهر ذلك في سنة ثمانٍ
__________
1 طبقات الشافعية الكبرى "4/ 22".
2 المنتخب من السياق "442".

(33/221)


وستين وأربعمائة. واضطّرب أهل مرْو لذلك، وتشوَّش العَوَامّ، إلى أن وردت الكتب من جهة بلكا بك من بلْخ في شأنه والتّشديد عليه، فخرج من مرْو في أوّل رمضان، ورافقه ذو المجدين أبو القاسم المُوسَويّ، وطائفة من الأصحاب. وخرج في خدمته من الفقهاء وصار إلى طُوس، وقصد نَيْسابور، فاستقبله الأصحاب استقبالًا عظيمًا.
وكان في نوبة نظام المُلْك وعميد الحضرة أبي سعد محمد بن منصور، فأكرموا مورده، وأنزلوه في عزٍّ وحِشْمة، وعقد له مجلس التّذكير في مدرسة الشّافعيّة.
وكان بحرًا في الوعْظ، حافظًا لكثير من الرّوايات والحكايات والنُّكَت والأشعار، فظهر له القبول عند الخاصّ والعامّ.
واستحكم أمره في مذهب الشّافعيّ ثمّ عاد إلى مرْو، ودرّس بها في مدرسة أصحاب الشّافعيّ، وقدّمه نظام المُلْك على أقرانه، وعلا أمرُه، وظهر له الأصحاب. وخرج إلى إصبهان، ورجع إلى مرْو. وكان قبوله كلَّ يومٍ في عُلُوّ. واتّفقت له تصانيف في الخلاف مشهورة، مثل كتاب "الاصطلام"، وكتاب "البرهان"، و"الأمالي" في الحديث. وتعصب للسُّنّة والجماعة وأهل الحديث. وكان شوكًا في أعيُن المخالفين، وحُجّةً لأهل السُّنّة.
قال أبو سعْد1: صنَّف في التّفسير، والفقه، والأصول، والحديث، "فالتفسير" في ثلاث مجلدات، وكتاب "البرهان" و"الاصطلام " الّذي شاع في الأقطار، وكتاب "القواطع" في أصول الفقه.
وله في الآثار كتاب "الانتصار" و"الرد على المخالفين"، وكتاب "المنهاج لأهل السنة"، وكتاب "القدر".
وأملى قريبًا من تسعين مجلسًا2.
وسمعتُ بعض المشايخ يحدّث عن رفيق جدّي في الحجّ الحُسَين بن الحسن الصُّوفيّ قال: اكْترينا حمارًا ركِبه الإمام أبو المظفّر إلى خَرَق، وهي ثلاثة فراسخ من مرو، فنزلها بها، وقلت: ما مَعَنَا إلّا إبريق خَزَف، فلو اشترينا آخر. فأخرج من جيبه
__________
1 في الأنساب "7/ 139".
2 الأنساب "7/ 140".

(33/222)


خمسة دراهم، وقال: يا حُسَين، ليس معي إلّا هذا، خُذ واشترِ ما شئت، ولا تطلب بعد هذا منّي شيئًا. فخرجنا على التّجريد، وفتح الله لنا.
سمعتُ شهردار بن شيروَيْه بهَمَذَان يقول: سمعتُ منصور بن أحمد الإسفزاري، وسأله أبي، فقال: سمعتُ أبا المظفّر السّمعانيّ يقول: كنتُ على مذهب أبي حنيفة، فبدا لي أن أرجع إلى مذهب الشّافعيّ، وكنتُ متردّدًا في ذلك. فحججْتُ، فلمّا بلغت سميراء، رَأَيْت ربّ العِزّة فِي المنام، فقال لي: عُدْ يا أبا المظفّر. فانتبهت، وعلمتُ أنّه يريد مذهب الشّافعيّ، فرجعتُ إلى مذهب الشّافعيّ1.
وقال الحسين بن أحمد الحاجيّ: خرجتُ مع الإمام أبي المظفّر إلى الحجّ، فكلّما دخلنا بلدةً نزل على الصُّوفيّة، وطلب الحديث من المشيخة. ولم يزل يقول في دعائه: اللهمّ بيّن لي الحقّ من الباطل. فلمّا دخلنا مكّة، نزل على أحمد بن عليّ بن أسد، ودخلتُ في صُحْبة سعْد الزَّنْجانيّ، ولم يزل معه حتّى صار ببركته من أصحاب الحديث. فخرجنا من مكّة، وتركنا الكُلّ، واشتغل هو بالحديث2.
قرأتُ بخطّ أبي جعفر الهِمَذَانيّ الحافظ قال: سمعتُ أبا المظفّر يقول: كنت في الطّواف، فوصلتُ إلى الملتَزَم، وإذا برجلٍ قد أخذ بطرف ردائي، فالتفت، فإذا بالإمام سعْد الزَّنْجانيّ، فتبسّمت إليه، فقال: أما ترى أين أنت؟ هذا مقام الأنبياء والأولياء. ثمّ رفعَ طرْفه إلى السّماء وقال: اللهمّ كما أوصلته إلى أعزّ المكان، فأعطه أشرف عزٍّ في كلّ مكان وزمان. ثمّ ضحك إليَّ، وقال لي: لا تخالفني في سِرّك، وارفع معي يدك إلى ربِّك، ولا تقولنّ البتّة شيئًا، واجمع لي همّتك، حتّى أدعو لك، وأَمِّن أنتَ، ولا تخالفني عهَدَك القديم.
فبكيتُ، ورفعتُ معه يدي، وحرَّك شفتيه، وأمَّنت.
ثمّ قال: مُرْ في حفْظ الله، فقد أُجِيب فيك صالح دُعاء الأُمّة.
فمضيت من عنده، وما شيءٌ في الدّنيا أبغض إليَّ من مذهب المخالفين.
قرأتُ بخطّ أبي جعفر أيضًا: سمعتُ الإمام أوحد عصره في علمه أبا المعالي الْجُوَيْنيّ يقول: لو كان من الفقه ثوبًا طاويا لكان أبو المظفّر بن السمعاني طرازة.
__________
1 التدوين في أخبار قزوين "4/ 118".
2 طبقات الشافعية الكبرى "4/ 23".

(33/223)


وقرأتُ بخطّه: سمعتُ الإمام أبا عليّ بن أبي القاسم الصّفّار يقول: إذا ناظرتُ أبا المظفّر السّمعانيّ فكأنّي أُناظِرُ رجلًا من أئمةّ التّابعين، ممّا أرى عليه من آثار الصّالحين سمْتًا، وحُسْنًا، ودينًا.
سمعتُ أبا الوفاء عبد الله بن محمد الدُّشّتيّ المقرئ يقول: سمعتُ والدك أبا بكر محمد بن منصور السِّمعانيّ يقول: سمعتُ أبي يقول: ما حفظتُ شيئًا فنسيته1.
سمعتُ أبا الأسعد هبة الرحمن القُشَيْريّ يقول: سُئل جدّك أبو المظفّر في مدرستنا هذه، بحضور والدي، عن أحاديث الصّفات فقال: عليكم بدين العجائز2.
ثمّ قال: غُصْتُ في كلّ بحرٍ، وانقطعت في كلّ بادية، ووضعتُ رأسي على كلّ عَتَبة، ودخلتُ من كلّ باب. وقد قال هذا السّيّد، وأشار إلى أبي عليّ الدّقّاق، أو إلى أبي القاسم القُشَيْريّ: لله وصفٌ خاصٌ لا يعرفه غيره.
وُلِد جدّي في ذي الحجّة سنة ستٍّ وعشرين وأربعمائة.
وتوفي يوم الجمعة الثّالث والعشرين من ربيع الأوّل.
"حرف الهاء":
332- هشام بن أحمد بن خالد بن سعيد3.
أبو الوليد الكِنانيّ الطُّلَيْطُلِيّ، ويُعرف بالوَقَّشِيّ.
ووقَّش قرية على اثني عشر ميلًا من طليطلة.
أخذ العلم عن: أبي عمر الطَّلَمَنْكيّ، وأبي محمد بن عباس الخطيب، وأبي عمر السَّفاقِسيّ، وأبي عمر بن الحذاء، وجماعة.
قال أبو القاسم صاعد: أبو الوليد الوقَّشيّ أحد رجال الكمال في وقته، باحتوائه على فنون المعارف، وجَمْعه لكليّات العلوم. هو من أعلم النّاس بالنَّحْو، واللُّغة، ومعاني الشِّعْر، وعلم العَرَوض، وصناعة البلاغة. بليغ، شاعر، حافظ للسُّنَن وأسماء
__________
1 المنتظم "9/ 102".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 119".
3 سير أعلام النبلاء "19/ 134-136".

(33/224)


الرّجال. بصير بالاعتقادات وأُصُول الفِقْه، واقف على كثير من فتاوى فقهاء الأمصار، نافذ في علوم الشُّرُوط والفرائض، متحقّق بعلم الحساب والهندسة، مشرف على جميع آراء الحكماء، حَسَن النَّقْد للمذاهب، ثاقب الذّهن، يجمع إلى ذلك آداب الأخلاق، مَعَ حُسْن المعاشرة، ولِين الكَنَف، وصدْق اللهجة.
وقال ابن بَشْكُوال1: أنبا عنه أبو بحر الأَسَديّ، وكان مختصًّا به، وكان يعظّمه ويقدّمه على من لَقِيَه من شيوخه، ويصفه بالاستبحار في العلوم. وقد نُسِبتْ إليه أشياء الله أعلم بحقيقتها، وسائلهُ عنها ومُجَازِيه بها.
وكان الشّيخ أبو محمد الرُيْوَاليّ يقول فيه:
وكان من العلوم بحيث يُقْضَى ... لَهُ في كلِّ عِلْمٍ بالجميع
وقال عتيق بن عبد الحميد: تُوُفّي في جُمَادى الآخرة. وكان مولده سنة ثمانٍ وأربعمائة.
وقال القاضي عياض: كان غايةً في الضَّبْط والإتقان، نسّابة، له تنبيهات ورُدود على كِبار التّصانيف التّاريخية والأدبية، وناهيك من حُسن كتابه في "تهذيب الكنَى" لمسلم، الّذي سمّاه بعكس الرُّتْبة، ومن تنبيهاته على أبي نصر الكَلابَاذِيّ، و"مؤتلف" الدارقطني. لكنه اتُّهِم بالاعتزال، وظهر له تأليف في القدَر، والقرآن. فزهد فيه النّاسُ، وتركه جماعة من الكبار2.
وفيات سنة تسعين وأربعمائة:
"حرف الألف":
333- أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن زكريّا بن دينار3.
أبو يَعْلَى العبْدي البصْري، الفقيه، شيخ مالكيّة العراق، ويُعرف بابن الصّوّاف. كان ينزل القَسَامِل، إحدى محال البصرة.
ولد سنة أربعمائة.
__________
1 في الصلة "2/ 653، 654".
2 معجم البلدان "5/ 381".
3 المنتظم "9/ 103"، وسير أعلام النبلاء "19/ 156، 157"، والبداية والنهاية "12/ 154".

(33/225)


وسمع بالبصْرة: محمد بن عبد الرحمن الكازْرُونيّ1، ومحمد بن أحمد بن داسة، وعليّ بن هارون التّميميّ، والحسن القَسَامِليّ، وإبراهيم بن طلحة بن غسّان، وجماعة.
وقدِم بغداد سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وسمع بها من: أبي عليّ بن شاذان، وأبي بكر البَرْقانيّ.
روى عنه: أبو عليّ بن سُكَّرَة الصَّدَفيّ، وقاضي سَبْتَة أبو بكر عتيق النَّفْرَاويّ، وجابر بن محمد البصْريّ، وأبو الحسن الصُّوفيّ البُوشَنْجيّ، وآخرون.
وتفقّه على القاضي أبي الحسن عليّ بن هارون المالكيّ؛ وصنَّف التّصانيف، ودرَّس بالبصرة، وتخرَّج به الأصحاب.
تفقّه عليه أبو منصور بن باخي، وأبو عبد الله بن ضَابِح، ومالكيّة البصرة.
قال القاضي عياض2: كان يُمْلي الحديث وعلى رأسه مستمليان يُسمعان النّاس.
سمعَ منه عالَم عظيم.
وقال أبو سعْد السّمعانيّ: كان فقيهًا، مدرّسًا، متزّهدًا، خشن العيش، مجدًا في عيادته، ذا سمتٍ ووقار3.
وكان جابر بن محمد البصري يقول: ثنا أبو يَعْلَى العبْديّ فريد عصره. وكان به معرفة الحديث.
وقال غيره: كان إمامًا، زاهدًا، عابدًا، إمامًا في عشرة أنواع من العلم.
قال جابر: تُوُفّي في ثالث عشر رمضان.
قلت: قد أكمل تسعين سنة، رحمه الله.
334- أحمد بن محمد.
أبو بكر بن أبي طالب البغداديّ المقرئ الملقن، ويعرف بابن الكسائي.
__________
1 الكازروني: نسبة إلى كازرون، وهي إحدى بلاد فارس "الأنساب 10/ 318".
2 في ترتيب المدارك "4/ 791".
3 المنتظم "9/ 103".

(33/226)


سمع أبا الحسن القزويني، وأبا محمد الخلال.
وعنه: إسماعيل بن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الخالق اليُوسُفيّ.
توفي في ذي الحجة.
335- أَحْمَد بن محمد بن إسماعيل بن عليّ1.
أبو الحسن الشُّجاعيّ النَّيْسابوريّ أمين مجلس القضاء بنَيْسابور.
كان من ذوي الرّأي الكامل. ومن الشّافعيّة المتعصّبين لمذهبه.
وكان له ثروة ودُنيا ورئاسة، وولي أوقافًا وأنظارًا، ولم يكن بالمتحرّي فيها. وقد أملى سنين.
وحدَّث عن أصحاب الأصمّ، كابي بكر الحِيريّ، وغيره.
وكان مولده في سنة عشرٍ وأربعمائة. وتُوُفّي في ثامن عشر المحرَّم سنة تسعين.
روى عنه: عبد الغافر بن إسماعيل، ومن "تاريخه" اختصرته؛ ومحمد بن جامع خيّاط الصُّوف، وعمر بن أحمد الصّفّار، ومحمد بن أحمد بن الْجُنَيْد الخطيب، وعبد الخالق بن زاهر، وعبد الله بن الفُرَاويّ، وهبة الرحمن القُشَيْريّ.
روى عنه: عبد الغافر بن إسماعيل.
أمّا:
336- أبو حامد أحمد بن محمد الشُّجاعيّ الفقيه2.
فقد ذكرنا وفاته ببلْخ في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. وهو أشهر مِن ذا.
337- إبراهيم بن عبد الوهّاب بن محمد بن إسحاق بن مَنْدَهْ3.
الشّيخ الصّالح أبو إسحاق.
تُوُفّي في ذي الحجة في طريق الحج رحمه الله.
__________
1 المنتخب من السياق "114، 115".
2 تقدم برقم "40".
3 المنتظم "9/ 103، 104".

(33/227)


سمع: ابن رَيْدة، وأبا يَعْلَى الصّابونيّ، وعدّة.
روى عنه: السِّلَفيّ، وغيره.
338- أرغش النّظاميّ1.
الأمير.
مملوك نظام الملك. كان من أكب أمراء دولة بَرْكيارُوق، فزوّجه بنت عمّه.
وثبَ عليه باطنيّ بالرَّيّ فقتله.
339- إسماعيل بن عثمان بن عمر2.
أبو عثمان الإبريسميّ النَّيْسابوريّ.
ذكره عبد الغافر فقال: ثقة صالح مشتغل بالتّجارة.
حدث عن: أبي القاسم السراج، وأبي بكر الحيري، وأبي إسحاق الإسفرائيني.
قلت: روى عنه: عبد الله بن الفُرَاويّ، والعبّاس بن محمد العصاريّ ومحمد بن جامع الصيرفي.
قال عبد الغافر: سمعتُ منه. وتُوُفّي فِي ربيع الأول.
"حرف الباء":
340- بُرْسُق الأمير3.
من كبار الدّولة الملكشاهيّة.
وثَبَ عليه دَيْلَميٌّ من الباطنيّة فضَرَبه بسِكِّينٍ بين كتفَيْه، فقضى عليه.
وكان بُرْسُق من أصحاب طُغْرُلْبَك. وهو أوّل شِحْنة ولي بغدادَ للسَّلْجُوقيّة.
341- بنجير بن منصور بن عليّ.
أبو ثابت الهَمَذَانيّ. شيخ الصوفية.
__________
1 الكامل في التاريخ "10/ 271".
2 تقدم برقم "307".
3 الكامل في التاريخ "10/ 271"، وزبدة التواريخ "148، 192".

(33/228)


روى عن: شيخه جعفر الأبْهَريّ، ومحمد بن عيسى، وأبي الفضل عمر بن إبراهيم الهَرَويّ، وغيرهم.
قال شيروَيْه: سمعتُ منه عامّة ما مر له. وكان صدوقًا.
تُوُفّي في ذي الحجّة وأنا تولّيتُ غسْله. وكان شيخ وقته، ووحيد عصره في خدمة الفقراء واحتمالهم، رحمه الله.
قلت: أجاز للسِّلَفيّ.
"حرف الحاء":
342- الحسن بن أحمد بن محمد بن إسماعيل الشُّجاعيّ.
النَّيْسابوريّ.
تُوُفّي في المحرم.
343- الحسين بن علي بن محمد بن مَسْلَمَة بن نجاح1.
القاضي أبو عليّ الأزْديّ.
سمع: أبا عثمان الصّابونيّ بدمشق.
روى عنه: جمال الإسلام.
وتُوُفّي في ربيع الأوّل.
344- الحسين بن محمد بن الحسين.
أبو القاسم الدِّهْقان المقرئ الصَّرِيفينيّ2؛ صَرِيفين الكوفة. ختم عليه القرآن خلقٌ. وكان أحد العارفين بمذهب زيد بن عليّ. وكان الزَّيْديّة، يستفتونه.
سمع من: جناح بن نذير المحاربيّ، وزيد بن جعفر العلوي.
وحدث، وعاش ستًّا وثمانين سنة.
__________
1 مختصر تاريخ دمشق لابن منظور "7/ 161".
2 الصريفيني: نسبة إلى صريفين "الأنساب 8/ 58".

(33/229)


روى عنه: ابن السَّمَرْقَنْديّ، وإسماعيل الطَّلْحيّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأحمد بن سعْد العِجْليّ الهَمَذَانيّ، وغيرهم.
تُوُفّي في المحرَّم.
345- الحسين بن محمد بن أحمد.
القزّاز. أبو نصر العتّابيّ.
سمع: عبد الملك بن بشران.
روى عنه: عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وغيره.
ومات في صَفَر.
346- الحسين بن المظفّر بن الحسن.
أبو عبد الله الصائغ.
ويعرف بصهر ابن لؤلؤ البغداديّ.
مُعَمَّر، وُلِد سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة.
وسمع: أبا بكر أحمد بن طلحة المُنَقّيّ.
روى عنه أيضًا: عبد الوهّاب.
وتُوُفّي في خامس المحرَّم.
"حرف الذّال":
347- ذو النُّون بن سهل.
أبو بكر الأُشْنانيّ1 الأصبهاني.
سمع: أبا نعيم.
روى عنه: السلفي.
__________
1 الأشناني: نسبة إلى بيع الأشنان وشرائه "الأنساب "1/ 280".

(33/230)


"حرف السّين":
348- سُتَيْك بنتُ الشّيخ أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصّابونيّ1.
فقيرة، عابدة، صوفية.
ولدت سنة خمس عشرة وأربعمائة.
وسمعت من: أبي الحسن الطّرّازيّ صاحب الأصمّ.
وعنها: عبد الله بن الفُرَاويّ، ومحمد بن عبد الكريم المطرّز.
ماتت في جُمَادى الأولى.
349- سعْد بْن عبد الله بْن أَبِي الرجاء محمد بن عليّ:
القاضي أبو المطهَّر بن القاضي الأثير الأصبهاني.
حجّ في هذه السّنة.
وحدث بغداد "بمُسْنَد الحارث"، عن أبي نُعَيّم.
روى عنه: عبد الوهاب الأنْماطيّ، ومحمد بن ناصر.
350- سعد بن عبد الرحمن2.
الفقيه أبو محمد الأسترباذي.
سمع: أبا الحسين الفارسيّ، وأبا حفص بن مسرور الكَنْجَرُوذيّ3.
وكان فقيهًا بارعًا، إمامًا، مختصًّا، بإمام الحَرَمين.
وتفقّه أيضًا على القاضي حسين المَرْوَرُّوذِيّ.
تُوُفّي في نصف شوّال.
"حرف الشين":
351- شُعْبة بن عبد الله بن علي4.
__________
1 المنتخب من السياق "249، 250".
2 المنتخب من السياق "241"، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي "3/ 166".
3 الكنجروذي: نسبة إلى كنجروذ قرية على باب نيسابور "الأنساب 10/ 479".
4 الأنساب "1/ 136".

(33/231)


أبو بكر الطُّوسيّ الأثريّ.
سمع: عبد الرحمن بن حمدان النصروني، وأبا حسّان المزكيّ.
ومات في رجب.
"حرف العين":
352- عبد الرَّحْمَن بْن عليّ بن القاسم1.
أبو القاسم الصوفي العدل.
ويُعرف بابن الكامليّ.
سمع: أبا الحسين بن أبي نصر، وأبا عليّ الأهوازيّ، وسُلَيم بن أيّوب، وجماعة.
روى عنه: أبو بكر الخطيب وهو أكبر منه، وغيث الأرمنازي، وابن أخيه أحمد بن الحسين الكامليّ.
وسكن صُور، وبها تُوُفّي في رمضان.
ووُلِد سنة تسع عشرة.
353- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يوسف2.
أو نصر الأصبهاني السِّمْسار.
آخر من حدَّث عَنْ أَبِي عَبْد الله محمد بْن إبراهيم الجرجاني.
روى عنه، وعن: عليّ بن ميْلة الفقيه، وأبي بكر بن أبي عليّ الذَّكْوانيّ، وغيرهم.
روى عنه: السِّلَفيّ، وقال: تُوُفّي في المحرَّم.
وسئل عنه إسماعيل الحافظ فقال: شيخ لا بأس به.
__________
1 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 20"، وتهذيب تاريخ دمشق "3/ 287".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 34، 35"، وشذرات الذهب "3/ 359".

(33/232)


354- عبد الرحيم بن أحمد بن عليّ1.
أبو الحسن النَّيْسابوريّ الدرديرانيّ.
شيخ صالح عفيف.
سمع: أبا بكر الحِيريّ، ومن بعده.
وعنه: عبد الغافر، وقال: تُوُفّي في ربيع الأوّل.
355- عبد الملك بن منصور بن حمد بن زائدة.
أبو المعاليّ الكاتب.
إصبهانيّ من شيوخ السّلَفيّ القُدماء.
مات في جُمَادى الأولى.
سمع: ابن حَسْنَوَيْه.
356- عبد المهيمن بن الحسين بن محمد بن القاسم.
أبو منصور الهاشميّ البغداديّ.
تُوُفّي في حدود هذه السّنة.
سمع: أبا عليّ بن شاذان.
وعنه: عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وعمر المَغَازِليّ، وغيرهما.
357- عَبْدُوس بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بن عَبْدُوس2.
أبو الفتح بن أبي محمد الرُّوذَبَاريّ3، الفارسيّ، ثمّ الهَمَذَانيّ.
رئيس هَمَذَان.
سمع: أباه، وعمَّ أبيه عليّ بن عَبْدُوس، ومحمد بن أحمد بن حمدويه
__________
1 المنتخب من السياق "323".
2 سير أعلام النبلاء "19/ 97"، ولسان الميزان "4/ 95".
3 الروذباري: نسبة لمواضع عند الأنهار الكبيرة يقال لها الروذبار، وهي بلاد متفرقة منها موضع على باب الطابران بطوس "الأنساب 6/ 180".

(33/233)


الدُّوسيّ، شيخ روى عن الأصمّ، وأبا طاهر الحسين بن سَلَمة، ومحمد بن عيسى المحتسب، ورافع بن محمد القاضي، وحمْد بن سهل، وحميد بن المأمون، والحسين بن محمد بن فَنْجُوَيْه.
وسمع بالدِّينَوَر: أبا نصر الكسّار.
وبنَيْسابور: منصور بن رامِش، وأبا عثمان الصّابونيّ، وعبد الغافر الفارسيّ، وجماعة.
أجاز له أبو بكر أحمد بن علي بن لال، وأبو عبد الرحمن السُّلَميّ، وأبو الحسن بن جهضم.
وكان أَسْنَد مَن بقي بهَمَذَان.
حدَّث ببغداد في سنة ستٍّ وستّين، فروى عنه: أبو الحُسين بن الطُّيُوريّ، وأبو القاسم بن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو الفضل محمد بن بُنَيْمان الهَمَذَانيّ.
قال شيروَيْه: وسمعتُ من عَبْدُوس، وكان صدوقًا، متقنًا، فاضلًا، ذا حشمةٍ وصِيت؛ حَسَن الخطّ، حُلْو المنطق. كُفّ بصره، وصُمّت أُذُناه في آخر عمره. وسماع القدماء1 منه أصحّ إلى سنة نيفٍ وثمانين.
ومات في جُمَادى الآخرة، وأنا غسّلته.
وقال: وُلِدتُ سنة خمسٍ وتسعين وثلاثمائة.
وقال محمد بن طاهر: لمّا دخلت هَمَذَان بأولادي، كنتُ سمعتُ أنّ "سُنَن النَّسَائيّ" يرويه عَبْدوُس، فقصدته، وأَخْرَج إليَّ الكتاب، والسّماع فيه ملحقٌ بخطّه، سماعًا طريًّا. فامتنعت من قراءته. وبعد مدّة خرجت بابني أبي زُرْعة إلى الدُّونيّ2، وقرأته على هارون بن حمْدله.
قلت: أبو زُرْعة آخِر من روى عن عَبْدُوس، وله عنه جزءان من حديث الأصمّ، رواهما عبد اللّطيف بن يوسف، عنه.
وأنا التّاج عبد الخالق، عن الموفّق، عن أبي زُرْعة، عن عبدوس بحديثٍ واحد.
__________
1 في لسان الميزان "4/ 95"، "وسماع الغرباء".
2 الدوني: نسبة إلى دون قرية من أعمال دينور "معجم البلدان "2/ 490"، وجاء في "لسان الميزان 4/ 95" "الدؤلي".

(33/234)


358- عليّ بن طاهر بن أحمد بن الملقّب.
أبو الحسن الموصلي البزار.
سمع: أبا الحسن محمد بن محمد بن مَخْلَد.
روى عنه: ابنه إسماعيل، وعبد الوهّاب الأنماطي، وإسماعيل السَّمَرْقَنْديّ.
وقرأ القرآن على ابن شِيطا.
وتُوُفّي في رجب، وله ستٌ وثمانون سنة.
359- عليّ بن عبد الملك.
أبو الحسن الدّبيقيّ المالكيّ.
مات بعكاء في جُمَادى الأولى.
ورّخه هبة الله بن الأكفانيّ.
360- عليّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عليّ الحاكم1.
أبو الحسن الأشقر.
نَيْسابوريّ صالح.
روى عن: أبي نصر المفسّر صاحب الأصمّ، وغيره.
وتُوُفّي في ربيع الآخر.
361- عليّ بْن محمد بْن عُبَيْد الله2.
أبو القاسم الْجُوزجانيّ النَّيْسابوريّ.
سمع: أَبَا القاسم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السّرّاج.
روى عنه: عبد الله بن الفُرَاويّ، ومنصور بن محمد الصّاعديّ، وعائشة بنت الصّفّار.
مات في جمادى الآخرة.
__________
1 المنتخب من السياق "390 رقم 1316".
2 المنتخب من السياق "390 رقم 1317".

(33/235)


"حرف الفاء":
362- الفضل بن عبد الواحد الأصبهاني الخبّاز.
يروى عن: أبي نُعَيْم.
روى عنه: أبو طاهر بن سِلَفَة، وقال: مات فِي ذي الحجَّة.
363- الفضل بْن محمد بن أحمد بن سعيد الحدّاد.
أخو أبي الفتح الحدّاد الأصبهاني.
روى عن: أبي بكر بن عليّ الذَّكْوانيّ، وعليّ بن عبدكوَيْه، والحسين بن إبراهيم الجمّال.
وعنه: السِّلَفيّ، وقال: مات في ذي القعدة.
"حرف الكاف":
364- كمشتكين الرومي.
عتيق بن مروان الأصبهاني، يكنى أبا طاهر.
تُوُفّي غريبًا بالبصرة.
روى عن: أبي القاسم بن البُسّريّ.
وعنه: السِّلَفيّ.
"حرف الميم":
365- ماجد بن عليّ.
أبو الجيش الأعْرَابيّ الضّبيّ.
حدَّث في هذا العام بإصبهان.
سمع سنة عشر وأربعمائة من أبي بكر الذَّكْوانيّ.
وعنه: عبد الله بن علي الطامذي1.
__________
1 الطامذي: نسبة إلى طامذ قرية من قرى أصبهان "الأنساب 8/ 179".

(33/236)