تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ط التوفيقية

المجلد السابع والثلاثون
الطبقة الخامسة والخمسون
أحداث سنة إحدى وأربعين وخمسمائة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبقة الخامسة والخمسون:
"أحداث سنة إحدى وأربعين وخمسمائة":
مقتل زنكي:
في ربيع الآخر وثب ثلاثة من غلمان زنكي من آقْسُنقُر، فقتلوه وهو يحاصر جَعْبَر، فقام بأمر المَوْصِل ابنُه غازي، وبحلب نور الدّين محمود1.
احتراق قصر المسترشد:
وفيها احترق قصر المسترشد الّذي بناه في البستان، وكان فيه الخليفة، فسلِم، وتصدَّق بأموال2.
خلاف السلطان والخليفة حول دار الضرب:
وفي رَجب قدِم السّلطان مسعود، وعمل دار ضرْب، فقبض الخليفة عَلَى الضّرّاب الّذي تسّبب في إقامة دار الضّرْب، فنفذ الشِّحْنة وقبض عَلَى حاجب الخليفة، وأربعةٍ من الخواص، فغضب الخليفة، وغلّق الجامع والمساجد ثلاثة أيّام، ثمّ أُطلق الضّراب، فأطلقوا الحاجب، وسكن الأمر3.
موت ابْنَة الخليفة:
ووقع حائط بالدّار عَلَى ابْنَة الخليفة، وكانت تصلح للزَواج، واشتد حزنهم عليها، وجلسوا ثلاثة أيام4.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 109-112"، والمنتظم "10/ 119"، وسير أعلام النبلاء "20/ 189-191"، والدرة المضية "546"، والجوهر الثمين "1/ 208"، وشذرات الذهب "4/ 128".
2 البداية والنهاية "12/ 220"، وعيون التواريخ "12/ 407".
3 المنتظم "10/ 119"، وتاريخ الخلفاء "438".
4 البداية والنهاية "12/ 221".

(37/3)


إبطالُ مَكْس حقّ البيع:
وفي ذي القعدة جلس ابن العبّاديّ الواعظ، فحضر السّلطان مسعود، فعرَّض بذِكر حقّ البيع، وما جرى عَلَى النّاس، ثمّ قَالَ: يا سلطان العالم: أنت تهبُ في ليلةٍ لمطربٍ بقدْر هذا الّذي يوجد من المسلمين، فاحسبني ذَلكَ المطرب، وهبْه لي، واجعله شُكرًا لله بما أنعم عليك.
فأشار بيده: إنّي قد فعلت، فارتفعت الضّجَّة بالدّعاء لَهُ، ونودي في البلد بإسقاطه، وطيف بالألواح الّتي نقِش عليها تَرْك المُكوس في الأسواق، وبين يديها الدّبادب والبُوقات، إلى أن أمر الناصر لدين اللَّه بقلْع الألواح، وقال: ما لنا حاجة بآثار الأعاجم1.
حجّ الوزير ابن جَهير:
وحجّ الوزير نظام الدّين بْن جَهير.
حَجّ المؤرّخ ابن الجوزي:
قَالَ ابن الجوزيّ: وحججت أَنَا بالزوجة والأطفال2.
ملْك الفرنج طرابلس المغرب:
وفيها، قَالَ ابن الأثير3: ملَكَت الفرنج طرابُلُسَ المغرب. جهّز الملك رُجار صاحب صَقَلِّية في البحر أسطولًا كبيرًا، فسار يومًا في ثالث المحرَّم، فخرج أهلها، ودام الحرب ثلاثة أيّام، فاتّفق أن أهلها اختلفوا، وخلَت الأسوار، فنصبت الفرنج السّلالم، وطلعوا وأخذوا البلد بالسّيف واستباحوه، ثمّ نادوا بالأمان، فظهر من سلِم، وعمّرتها الفرنج وحصّنوها4.
__________
1 البداية والنهاية "12/ 221"، وعيون التواريخ "12/ 407".
2 المنتظم "10/ 120"، ومرآة الزمان "ج8 ق1/ 188".
3 الكامل في التاريخ "11/ 108".
4 العبر "4/ 111"، والبداية والنهاية "12/ 221"، واتعاظ الحنفا "2/ 181".

(37/4)


مقتل زنكي:
وفيها: قُتل زَنكي1.
تسلمّ صاحب دمشق بعلبكَّ صُلحًا:
وفيها: قصد صاحب دمشق بَعْلَبَكّ وحاصرها، وبها نائب زنْكيّ الأمير نجم الدّين أيّوب بْن شاذي، فسلّمها صُلحًا لَهُ، وأقطعه خُبزًا بدمشق، وملّكه عدَّة قرى، فانتقل إلى دمشق وسكنها2.
فتوحات عبد المؤمن بالمغرب:
وفيها: سار عبد المؤمن بجيوشه بعد أن افتتح فاس إلى مدينة سَلا فأخذها، ووَحَّدَتْ مدينةُ سَبْتَة، فأمّنهم، ثمّ سار إلى مَرّاكُش، فنزل عَلَى جبلٍ قريبٍ منها، وبها إسحاق بْن عليّ بْن يوسُف بْن تاشفين، فحاصرها أحد عشر شهرًا، ثمّ أخذها عَنْوةً بالسّيف في أوائل سنة اثنتين وأربعين، واستوثق لَهُ الأمرُ ونزلها. وجاءه جماعةٌ من وجوه الأندلسيّين وهو عَلَى مَرّاكُش باذِلين لَهُ الطّاعة والبَيْعة، ومعهم مكتوبٌ كبيرٌ فيه أسماء جميع الّذين بايعوه من الأعيان. وقد شهد من حضر عَلَى من غاب. فأعجبه ذَلكَ، وشكر هجرتهم، وجهّز معهم جيشًا مَعَ أَبِي حفص عُمَر بْن صالح الصّنْهاجيّ من كبار قُواده، فبادر إلى إشبيلية فنازلها، ثم افتتحها بالسّيف.
وذكر اليَسَع بْن حزْم أنّ أهل مَرّاكُش مات منهم بالجوع أيّام الحصار نيفٌ عَلَى عشرين ومائة ألف. حدَّثنيه الدافنُ لهم.
ولمّا أراد فتحها، داخلت جيوش الرّوم الّذين بها أمانًا، فأدخلوه من باب أَغْمات، فدخلها بالسّيف، وضرب عنق إسحاق المذكور، في عدَّةٍ من القُوّاد.
قَالَ اليَسَع: قُتل ذَلكَ اليوم ممّا صحّ عندي نيف على السبعين ألف رجل3:
__________
1 تقدم قبل قليل مفصلًا.
2 الكامل في التاريخ "11/ 118"، والبداية والنهاية "12/ 221".
3 المختصر في أخبار البشر "3/ 19"، وعيون التواريخ "12/ 408".

(37/5)


أحداث سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة:
ولاية ابن هبيرة ديوان الزمام:
فيها: ولي أبو المظفر يحيى بن هُبيرة ديوان الزمام1.
مقتل بُزَبَة شِحنة أصبهان:
وفيها: سار الأمير بُزَبة واستمال شِحْنة أصبهان، وانْضاف معه محمد شاه، فأرسل السّلطان مسعود عساكر أَذَرْبَيْجان، وكان بُزَبة في خمسة آلاف، فالتقوا، فكسرهم بُزَبَة، واشتغل جيشه بالنَّهْب، فجاء في الحال مسعود بعد المصافّ في ألف فارس، فحمل عليهم، فتقنطر الفَرَسُ ببُزبة، فوقع وجيء بِهِ إلى مسعود، فوسَّطه، وجيء برأسه فعُلِّق ببغداد2.
وزارة عليّ بْن صَدَقة:
وعُزل أبو نصر جَهِير عَن الوزارة بأبي القاسم عليّ بْن صَدَقَة، شافهه بالولاية المقتفي، وقرأ ابن الأنباريّ كاتبُ الإنشاء عهدَه3.
محاربة سلاركُرد لابن دُبَيس:
وقدِم سلاركُرد عَلَى شِحنكية بغداد، وخرج بالعسكر لحرب عليّ بْن دُبيس، فالتقوا، ثمّ اندفع عليّ إلى ناحية واسط، ثمّ عاد وملك الحِلة4.
مباشرة أَبِي الوفا قضاء بغداد:
وباشر قضاءَ بغداد أبو الوفا يحيى بْن سعيد بْن المرخّم في الدَّسْت الكامل، عَلَى عادة القاضي الهَرَويّ.
وكان أبو الوفا بئس الحاكم، يرتشي ويُبطل الحقوق5.
__________
1 المنتظم "10/ 124"، والكامل في التاريخ "11/ 123"، والبداية والنهاية "12/ 222".
2 المنتظم "10/ 120"، والكامل في التاريخ "11/ 119"، وذيل تاريخ دمشق "294، 295".
3 المنتظم "10/ 125".
4 المنتظم "10/ 125".
5 المنتظم "10/ 125"، ومرآة الزمان "ج8 ق1/ 187".

(37/6)


بروز ابن المستظهر إلى ظاهر بغداد:
وفي رمضان برز إسماعيل بْن المستظهر أخو الخليفة من داره إلى ظاهر بغداد، فبقي يومين، وخرج متنكِّرًا، عَلَى رأسه شَكّة، وبيده قَدَحٌ، عَلَى وجه التنزّه، فانزعج البلد، وخافوا أن يعود ويخرج عليهم، وخاف هُوَ أن يرجع إلى الدّار، فاختفى عند قومٍ، فأذِنوا لَهُ، فجاء أستاذ الدار والحاجب وخدموه وردّوه1.
فتح نور الدين أرتاح:
وفيها: سار نور الدّين محمود بْن زَنْكيّ صاحب حلب يومئذٍ ففتح أَرْتاح2، وهي بقرب حلب، استولت عليها الفرنج، فأخذها عَنْوَةً. وأخذ ثلاثة حصون صغار للفرنج، فهابتْه الفرنج، وعرفوا أنه كبْسٌ نطّاح مثل أبيه وأكثر3.
أخذ غازي دارا وحصاره ماردين ووفاته:
وفيها: سار أخوه غازي صاحب المَوْصِل إلى ديار بَكْر، فأخذ دارا وأخربها ونهبها، ثمّ حاصر ماردين، فصالحه حسام الدّين تِمرتاش بْن إيلغازيّ، وزوّجه بابنته، فلم يدخل بها، ومرض ومات، فتزوّجها أخوه قَطْب الدّين4.
الغلاء بإفريقية:
وفيها: وفي السّنين الخمس الّتي قبلها، كَانَ الغلاء المُفرط بإفريقيَّة، وعظُم البلاء بهم في هذا العام حتّى أكل بعضهم بعضًا5.
زواج نور الدين محمود:
وفيها تزوّج الملك نور الدّين بالخاتون ابْنَة الأتابك معين الدّين أُنُر، وأُرسلت إِلَيْهِ إلى حلب.
__________
1 المنتظم "10/ 126".
2 أرتاح: اسم حصن منيع كان في العواصم من أعمال حلب "معجم البلدان 1/ 140".
3 الكامل في التاريخ "11/ 122"، والمختصر في أخبار البشر "3/ 19"، والعبر "4/ 114"، والنجوم الزاهرة "5/ 280".
4 الكامل في التاريخ "11/ 123، 124".
5 الكامل في التاريخ "11/ 124"، والبداية والنهاية "12/ 222".

(37/7)


أحداث سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة:
هزيمة الفرنج عند دمشق:
فيها: جاءت من الفرنج ثلاثة ملوك إلى بيت المقدس، وصلّوا صلَاة الموت، وردّوا عَلَى عكّا، وفرّقوا في العساكر سبعمائة ألف دينار، وعزموا عَلَى قصد الإسلام. وظنّ أهل دمشق أنّهم يقصدون قلعتين بقرب دمشق، فلم يشعروا بهم في سادس ربيع الأوّل إلّا وقد صبّحوا دمشق في عشرة آلاف فارس، وستّين ألف راجل، فخرج المسلمون فقاتلوا، فكانت الرَّجّالة الّذين برزوا لقتالهم مائةً وثلاثين ألفًا، والخيّالة طائفةً كبيرة، فقُتل في سبيل اللَّه نحو المائتين، منهم الفقيه يوسف الفنْدلاويّ1، والزّاهد عبد الرحمن الحلْحُوليّ2. فلمّا كَانَ في اليوم الثّاني، خرجوا أيضًا، واستُشْهِد جماعة، وقتلوا من الفرنج ما لا يُحصى.
فلمّا كَانَ في اليوم الخامس، وصل غازي بْن أتابك زنْكي في عشرين ألف فارس، ووصل أخوه نور الدّين محمود إلى حماه رديفًا لَهُ. وكان في دمشق البكاء والتّضرُّع وفرْش الرّماد أيّامًا، وأُخرج مُصحف عثمان إلى وسط الجامع. وضجّ النساء والأطفال مكشّفين الرؤوس، فأغاثهم اللَّه.
وكان مَعَ الفرنج قِسّيس ذو لحية بيضاء، فركب حمارًا، وعلّق في حلقه الطِّيب، وفي يديه صليبين، وقال للفرنج: أَنَا قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق، ولا يردّني أحد. فاجتمعوا حوله، وأقبل يريد البلد، فلمّا رآه المسلمون صدقت نيّتُهم، وحملوا عَلَيْهِ، فقتلوه، وقتلوا الحمار، وأحرقوا الصّلْبان، وجاءت النّجدة المذكورة، فهزم اللَّه الفرنج، وقُتل منهم خلْق3.
رواية ابن الأثير عَن انهزام الفرنج:
قَالَ ابن الأثير4: سار ملك الألمان من بلاده في خلْقٍ كثير، عازمًا عَلَى قصد الإسلام، واجتمعت معه فرنج الشّام، وسار إلى دمشق، وفيها مجير الدين أبَق بن
__________
1 ستأتي ترجمته برقم "187".
2 ستأتي ترجمته برقم "154".
3 الكامل في التاريخ "11/ 129-131"، والبداية والنهاية "12/ 223، 224".
4 في الكامل "11/ 129-131".

(37/8)


محمد بْن بُوري، وأتابكه مُعِزّ الدّين أُنُر، وهو الكُلّ، وكان عادلًا، عاقِلًا، خيِّرًا، استنجد بأولاد زنْكيّ، ورتّب أمور البلد، وخرج بالنّاس إلى قتال الفرنج، فقويت الفرنج، وتقهقر المسلمون إلى البلد. ونزل ملك الألمان بالميدان الأخضر، وأيقن النّاس بأنّه يملك البلد، وجاءت عساكر سيف الدّين غازي، ونزلوا حمص، ففرح النّاس وأصبح معين الدّين يَقُولُ للفرنج الغرباء: إنّ ملك الشّرق قد حضر، فإنْ رحلتم، وإلّا سلّمت دمشق إِلَيْهِ، وحينئذٍ تندمون.
وأرسل إلى فرنج الشّام يَقُولُ لهم: بأيّ عقلٍ تساعدون هَؤُلّاءِ الغرباء علينا، وأنتم تعلمون أنّهم إنّ ملكوا أخذوا ما بأيديكم من البلاد السّاحليَّة؟ وأنا إذا رَأَيْت الضعفَ عَنْ حَفْظ البلد سلّمته إلى ابن زنْكي، وأنتم تعلمون أنّه إن ملَك لا يبقى لكم معه مُقامٌ بالشّام.
فأجابوه إلى التّخلّي عَنْ ملك الألمان، وبذلَ لهم حصن بانياس، فاجتمعوا بملك الألمان، وخوّفوه من عساكر الشّرق وكثْرتها، فرحل وعاد الى بلاده، وهي وراء القسطنطينيَّة.
قلت: إنّما كَانَ أجل قدومه لزيارة القدس، فلمّا ترحّلوا سار نور الدّين محمود إلى حصن العزيمة، وهو للفرنج، فملكه. وكان في خدمته معين الدّولة أنُر بعسكر دمشق.
ظهور الدولة الغوريَّة:
وفيها: كَانَ أول ظهور الدّولة الغوريَّة، وحشدوا وجمعوا. وكان خروجهم في سنة سبعٍ وأربعين1.
هرب رضوان وزير مصر ومقتله:
وفيها: نقب الحبس رضوان2، الّذي كَانَ وزير الحافظ صاحب مصر، وهرب عَلَى خيل أُعِدَّت لَهُ، وعبَر إلى الجيزة. وكان لَهُ في الحبْس تسعُ سِنين.
وقد كنّا ذكرنا أنّه هرب إلى الشّام، ثمّ قدِم مصرَ في جمْعٍ كبير، فقاتل المصريّين
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 135".
2 هو: رضوان بن ولخشي.

(37/9)


عَلَى باب القاهرة وهزمهم، وقتل خلْقًا منهم، ودخل البلد، فتفرَّق جَمْعُه، وحبسه الحافظ عنده في القصر، وجمع بينه وبين أهله، وبقي إلى أن بعث الجيش يأتي من الصّعيد بجموع كثيرة، وقاتل عسكر مصر عند جامع ابن طولون فهزمهم، ودخل القاهرة، وأَرسل إلى الحافظ يطلب منه رسم الوزارة عشرين ألف دينار، فبعثها إِلَيْهِ، ففرَّقها، وطلب زيادةً، فأرسل إِلَيْهِ عشرين ألف أخرى، ثمّ عشرين ألف أخرى. وأخذ النّاس منه العطاء وتفرّقوا. وهيّأ الحافظ جَمْعًا كبيرًا من العبيد وبعثهم، فأحاطوا بِهِ، فقاتلهم مماليكه ساعةً. وجاءته ضربةٌ فقُتل1. ولم يستوزر الحافظ أحدًا من سنة ثلاثٍ وثلاثين إلى أن مات.
ظهور الدعوة النزاريَّة بمصر:
قَالَ سِبط الجوزيّ2: فيها ظهر بمصر رجلٌ من ولد نزار بْن المستنصر يطلب الخلافة، واجتمع معه خلْق، فجهّز إِلَيْهِ الحافظ العساكر، والتقوا بالصّعيد، فقُتل جماعة، ثمّ انهزم النزاري، وقُتل ولده3.
إبطال الأذان بـ "حيّ عَلَى خير العمل" بحلب:
وفيها أمر نور الدّين بإبطال "حيَّ عَلَى خير العمل" من الأذان بحلب، فعظُم ذَلكَ عَلَى الإسماعيليَّة والرَّافضة الّذين بها4.
فتنة خاصّبك السلطان مسعود:
وكان السّلطان مسعود قد مكّن خاصّبَك من المملكة، فأخذ يقبض عَلَى الأمراء، فتغيّروا عَلَى مسعود وقالوا: إمّا نَحْنُ، وإمّا خاصّبَك، فإنّه يحملك عَلَى قتْلنا. وساروا يطلبون بغداد، ومعهم محمد شاه ابن السّلطان محمود، فانجفل الناس واختبطوا، وهرب الشِحنة إلى تِكْريت، وقطع الجسر، وبعث المقتفي ابن العبّاديّ الواعظ رسولًا إليهم، فأجابوا: نَحْنُ عبيد الخليفة وعبيد السّلطان، وما فارقناه إلّا خوفًا من خاصّبَك، فإنّه قد أفنى الأمراء، فقتل عبد الرحمن بن طُوَيرك، وعبّاسًا،
__________
1 أخبار مصر لابن ميسر "2/ 87"، والنجوم الزاهرة "5/ 281".
2 في مرآة الزمان "ج8 ق1/ 199".
3 ذيل تاريخ دمشق "302"، والنجوم الزاهرة "5/ 282".
4 ذيل تاريخ دمشق "301"، وعيون التواريخ "12/ 418"، والنجوم الزاهرة "5/ 282".

(37/10)


وبُزَبَه، وتَتر، وصلاح الدّين، وما عَن النَّفس عوض. وما نحن بخوارج ولا عُصاة، وجئنا لنُصلح أمرنا مَعَ السّلطان.
وكانوا: ألبُقُش، وألْذكز، وقيمز، وقرقُوب1، وأخو طُويرك2، وطرْنطاي، وعليّ بْن دُبيس. ثمّ دخلوا بغداد، فمدّوا أيديهم، وأخذوا خاصّ السّلطان، وأخذوا الغلّات، فثار عليهم أهل باب الأزَج3 وقاتلوهم، فكتب الخليفة مسعود، فأجابه: قد برِئَت ذِمَّة أمير المؤمنين من العهد الّذي بيننا، بأنّه لا يجنِّد، فيحتاط للمسلمين. فجنّد وأخرج السُّرادقات، وخندق، وسدّ العقود، وأولئك ينهبون في أطراف بغداد، وقسّطوا الأموال عَلَى مَحال الجانب الغربيّ وراحوا إلى دُجيل وأخذوا الحريم والبنات، وجاءوا بهنّ إلى الخِيَم.
ثمّ وقع القتال، وقاتلت العامَّة بالمقاليع، وقُتل جماعة. فطلع إليهم الواعظ الغزْنَوي فذمّهم وقال: لو جاء الفرنج لم يفعلوا هذا. واستنقذ منهم المواشي، وساقها إلى البلد، وقبض الخليفة عَلَى ابن صَدَقَة، وبقي الحصار أيّامًا، وخرج خلقٌ من العوامّ بالسّلاح الوافر، وقاتلوا العسكر، فاستجرّهم العسكر، وانهزموا لهم، ثمّ خرج عليهم كمين فهربوا، وقُتل من العامَّة نحو الخمسمائة.
ثمّ جاءت الأمراء، فرموا نفوسهم تحت التّاج وقالوا: لم يقع هذا بِعلْمنا، وإنّما فعله أَوْباشٌ لم نأمرهم. فلم يَقْبل عُذرهم. فأقاموا إلى الليل وقالوا: نحن قيامٌ على رؤوسنا، لا نبرح حتّى تعفي عَنْ جُرمنا.
فجاءهم الخادم يقول: عفا عنكم أمير المؤمنين فأمْضوا. ثمّ سار العسكر، وذهب بعضهم إلى الحِلَّة، وبعضهم طلب بلاده4.
الغلاء والجوع:
ووقع الغلاء، ومات بالجوع والعري أهلُ القرى، ودخلوا بغداد يستعطون5.
__________
1 في المنتظم "قرقوت".
2 في الكامل "11/ 132"، "وابن طغايرك".
3 الأزج: محلة معروفة ببغداد.
4 المنتظم "10/ 131-133"، والكامل في التاريخ "11/ 132-134".
5 المتظم "10/ 134"، والكامل في التاريخ "11/ 137"، والعبر "4/ 118".

(37/11)


وفاة القاضي الزينبي:
ومات قاضي القُضاة الزَّيْنَبيِّ، وقُلِّد مكانه أبو الحسن عليّ بْن أحمد بْن عليّ بْن الدّامغانيّ1.
دخول ملك صقلّية مدينة المهديَّة:
وفيها: الغلاء مستمر بإفريقية، وجلا أكثر النّاس ووجد خلْق في جزيرة صَقَلِّية، وعظُم الوباء. فاغتنم الملعون رُجار صاحب صَقَلّية هذه الشّدَّة، وجاء في مائتين وخمسين مركبًا، ونزل عَلَى المَهْديَّة، فأرسل إلى صاحبها الحسين بْن عليّ بْن يحيى بْن تميم بْن باديس: إنّما جئت طالبًا بثأر محمد بْن رشيد صاحب فاس، وردّه إلى فاس. وأنت فبيننا وبينك عهدٌ إلى مدَّةٍ، ونريد منك عسكرًا يكون معنا.
فجمع الحَسَن الفُقهاء والكبار وشاورهم، فقالوا: نقابل عدوّنا، فإنّ بلدنا حصين.
قَالَ: أخاف أن ينزل البرَّ ويحاصرنا برًّا وبحرًا ويمنعنا الميرة، ولا يحلّ لي أن أُعطيه عسكرًا يقاتل بِهِ المسلمين، وإنِ امتنعتُ قَالَ: نقَضْت. والرأي أن نخرج بالأهل والولد، ونترك البلد، فمن أراد أن ينزح فلْيَنْزَح.
وخرج لوقته، فخرج الخلْق عَلَى وجوههم، وبقي من احتمى بالكنائس عند أهلها، وأخذت الفرنج المهدّية بلا ضرْبة ولا طَعْنة، فإنّا لله وإنّا إِلَيْهِ راجعون. فوقع النّهب نحو ساعتين، ونادوا بالأمان.
وسار الحَسَن إلى عند أمير عرب تِلْكَ النّاحية، فأكرمه. وصار الإفرنج من طرابُلُس الغرب إلى قرب تونس.
وأمّا الحَسَن، فعزم عَلَى المسير إلى مصر، ثمّ عزم على المسير إلى عبد المؤمن هُوَ وأولاده، وهو التّاسع من ملوك بني زيري. وكانت دولتهم بإفريقيَّة مائتين وثمان سنين2.
__________
1 المنتظم "10/ 134"، وذيل تاريخ دمشق "303".
2 الكامل في التاريخ "11/ 125"، والبداية والنهاية "12/ 223".

(37/12)


أحداث سنة أربع وأربعين وخمسمائة:
ارتفاع الغلاء عَنْ بغداد:
في المحرَّم ارتفع عَن النّاس ببغداد الغلاء، وخرج أهل القرى1.
مقتل صاحب أنطاكية:
وغزا نور الدّين محمود بْن زنْكي فكسر الفرنج، وقتل صاحب أنطاكية. وكانت وقعة عظيمة، قُتل فيها ألف وخمسمائة من الفرنج، وأُسر مثلُهم، وذلّ دين الصّليب2.
فتح فامية:
ثمّ افتتح نور الدّين حصن فامية، وكان عَلَى أهل حماة وحمص منه غاية الضَّرَر3.
وقوع جوسلين في الأسر:
وكان جوسلين، لعنه اللَّه، قد أَلَهبَ الخلْق بالأَذّية والغارات، وهو صاحب تلّ باشر، وأعزاز، وعينتاب، والرّاوندان، وبهَسْنا والبيرة، ومَرْعَش، وغير ذَلكَ، فسار لحربه سِلَحْدار نور الدّين، فأسره جوسلين، فدسّ نور الدّين جماعةً من التُّركمان: مَن جاءني بجوسلين أعطيتُه مهما طلب.
فنزلوا بأرض عَنْتاب، فأغار عليهم جوسلين، وأخذ امْرَأَةً مليحةً فأعجبته، وخلا بها تحت شجرة، فكمن لَهُ التُّركمان وأخذوه أسيرًا حقيرًا، وأحضروه إلى نور الدّين، فأعطى الّذي أسره عشرة آلاف دينار.
وكان أسرُه فتحًا عظيمًا. واستولى نور الدّين عَلَى أكثر بلاده4.
__________
1 المنتظم "10/ 137"، والكامل في التاريخ "11/ 146".
2 ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي "304، 305"، والمنتظم "10/ 137"، والعبر "4/ 120، 121"، والبداية والنهاية "12/ 225".
3 الكامل في التاريخ "11/ 149"، والعبر "4/ 121"، وعيون التواريخ "12/ 231".
4 الكامل في التاريخ "11/ 144"، وعيون التواريخ "12/ 421".

(37/13)


وزارة ابن هبيرة:
وفي ربيع الآخر استوزر الخليفة أبا المظفر بْن هُبيرة، ولَقَبُه: عون الدّين1.
قصْدُ ألْبقش العراق وطلب السلطنة لملكشاه:
وفي رجب جمع ألبُقُش وقصد العراق، وانضمّ إِلَيْهِ مَلِكْشاه بْن السّلطان محمود، وعليّ بْن دُبيس، وطرنْطاي، وخلْق من التُّرْكمان. فلمّا صاروا عَلَى بريدٍ من بغداد، بعثوا يطلبون أن يسلطن ملكشاه، فلم يَجِبْهم الخليفة، وجمع العسكر وتهيّأ وبعث البريد إلى السّلطان مسعود يستحثّه، فلم يتحرّك، فبعث إِلَيْهِ عمّه سَنْجَر يَقُولُ لَهُ: قد أخربت البلاد في هوى ابن البلنكريّ، فنفّذه هُوَ، والوزير، والجاوليّ، وإلّا ما يكون جوابك غيري. فلم يلتفت لسَنْجَر، فأقبل سَنْجَر حتّى نزل الرّيّ، فعلم مسعود، فسار إِلَيْهِ جريدةً، فترضّاه وعاد. ثمّ قدِم بغداد في ذي الحجَّة واطمأنّ النّاس.
الحجّ العراقيّ:
وفيها: حجّ بالعراقيّين نَظَر الخادم، فمرض من الكوفة فردّ، واستعمل مكانه قَيماز الأُرْجُوانيّ. ومات نَظَر بعد أيّام2.
الزلزلة ببغداد:
وفي ذي الحجَّة جاءت زلزلة عظيمة، وماجت بغداد نحو عشْر مرّات، وتقطّع بحُلْوان جبلٌ من الزّلزلة. وهلك عالَمٌ من التُّرْكمان3.
وفاة صاحب الموصل:
وفيها: مات صاحب المَوْصِل سيف الدّين غازي بْن زنْكيّ، وملَك بعده أخوه مَوْدُود. وعاش غازي أربعًا وأربعين سنة. مليح الصّورة والشَّكْل، وخلّف ولدًا توفي شابًا، ولم يُعقب4.
__________
1 المنتظم "10/ 137"، والبداية والنهاية "12/ 225".
2 المتظم "10/ 138" والبداية والنهاية "12/ 226".
3 الكامل في التاريخ "11/ 146"، والبداية والنهاية "12/ 225".
4 الكامل في التاريخ "11/ 138"، وسير أعلام النبلاء "20/ 192، 193"، والبداية والنهاية "12/ 227".

(37/14)


الخلاف بين رُجار وصاحب القسطنطينية:
وفيها: وقع الخُلف بين رُجار الإفرنجيّ صاحب صَقَلِّية، وبين صاحب القُسطنطينيَّة. ودامت الحروب بينهم سِنين، فاشتغل رُجار عَنْ إفريقيَّة1.
ومن حوادث سنة أربع وأربعين وخمسمائة:
رواية ابن القلانسي عَن انتصار نور الدين عَلَى صاحب أنطاكية:
قَالَ أبو يَعلى التّميميّ في "تاريخه"2: كَانَ قد كَثُر فساد الفرنج المقيمين بعكا، وصور، والسواحل، بعد رحيلهم عَنْ حصار دمشق، وفساد شروط الهدنة الّتي بين أُنُر وبينهم. فشرعوا في العَبَث بالأعمال الدّمشقيَّة، فنهض معين الدّين أنُر بالعسكر مُغيرًا عَلَى ضياعهم، وخيّم بحَوْران، وكاتَب العربَ، وشنّ الغارات عَلَى أطراف الفرنج، وأطلق أيدي التُّرْكمان في نهْب أعمال الفرنج، حتّى طلبوا تجديد الهدنة والمسامحة ببعض المقاطعة، وتردّدت الرُسل، ثمّ تقرَّرت الموادعة مدَّة سنتين، وتحالفوا عَلَى ذَلكَ.
ثمّ بعث أنُر الأميرَ مجاهد الدّين بُزان بْن مامين في جيشٍ نجدةً لنور الدين عَلَى حرب صاحب أنطاكية، فكانت تِلْكَ الوقعة المشهودة الّتي انتصر فيها نور الدّين عَلَى الفرنج، ولله الحمد والمِنة. وكان جَمعه نحوًا من ستَّة آلاف فارس سِوَى الأتباع، والفرنج في أربعمائة فارس، وألف راجل، فلم ينجُ منهم إلّا اليسير، وقُتل ملكهم البلنس، فحُمل رأسه إلى نور الدّين. وكان هذا الكلب أحد الأبطال والفُرسان المشهورين بشدَّة البأس، عظيم الخلْقة والتّباهي في الشّرّ.
ثمّ نازل نور الدّين أنطاكية وحاصرها إلى أن ذَلّوا وسلّموها بالأمان. فرتَّب فيها مَن يحفظها، فجاءتها أمداد الفرنج، ثمّ اقتضت الحال مهادنَة من في أنطاكية وموادعتهم.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 145"، ودول الإسلام "2/ 60".
2 ذيل تاريخ دمشق "304، 305".

(37/15)


موت معين الدين أنُر:
وأمّا معين الدّين أنُر فإنّه مرض، وجيء بِهِ من حَوْران في مِحَفَّةٍ، ومات بدُوسنْطاريا في ربيع الآخر، ودُفن بمدرسته1.
الوحشة بين مؤيّد الدين ومجير الدين:
ثمّ جَرَت واقعة عجيبة. استوحش الرئيس مؤيَّد الدّين من الملك مُجير الدّين استيحاشًا أوجب جمعَ من أمكنه واقعةً من أحداث دمشق والْجَهَلة، ورتّبهم حول داره، ودار أخيه زين الدّولة حَيْدرة للاحتماء بهم، وذلك في رجب. فنفذ مجير الدّين يطيّب نفوسهما، فما وُفِّق، بل جَدّا في الجمْع والاحتشاد من العوامّ والجُند، وكسروا السجن وأطلقوا مَن فيه، واستنفروا جماعة من الشّواغرة2 وغيرهم، وحصلوا في جمعٍ كثيرٍ امتلأت بهم الطُّرُق. فاجتمعت الدّولة في القلعة بالعُدد، وأخرِجت الأسلحة، وفرَقت عَلَى الجند، وعزموا عَلَى الزّحف إلى جمْع الأوباش، ثمّ تمهّلوا حقنًا للدّماء، وخوفًا من نهْب البلد، وأَلَحُّوا عَلَى الرئيس وتلطّفوا إلى أن أجاب، واشترط شروطًا أُجيب إلى بعضها، بحيث يكون ملازمًا لداره، ويكون ولده وولد أخيه في الدّيوان، ولا يركب إلى القلعة إلّا مُسْتَدْعيًا إليها.
ثمّ حدث بعد ذَلكَ عَوْد الحال إلى ما كانت عَلَيْهِ، وجمع الجمْع الكثير من الأجناد والمقدَّمين، والفلّاحين، واتّفقوا عَلَى الزّحف إلى القلعة وحصرها، وطلب من عيَّنَه من أعدائه، فنشبت الحرب، وجُرح وقُتل جماعة. ثمّ عاد كلّ فريقٍ إلى مكانه.
ووافق ذَلكَ هروب السّلار زين الدّين إسماعيل شِحنة البلد وأخوه إلى ناحية بَعْلَبَكّ.
ولم تزل الفتنة هائجةً، والمحاربة متّصلةً، إلى أن أُجيب إلى إبعاد من التمس إبعادَه من خواصّ مُجير الدّين. ونُهبت دار السّلار وأخيه، وخلع عَلَى الرئيس وأخيه، وحَلَف لهما مُجير الدّين، وأعاد الرئيس إلى الوزارة، بحيث لا يكون له في الأمر معترض ولا مُشارك3.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 147"، وسيأتي ترجمته برقم "201".
2 الشواغرة: نسبة إلى الشاغور محلة بالباب الصغير من دمشق وهي في ظاهر المدينة: "معجم البلدان 3/ 310".
3 ذيل تاريخ دمشق "307، 308"، وعيون التواريخ "12/ 430، 431".

(37/16)


موت الحافظ لدين الله وخلافة الظاهر بمصر:
وأمّا مصر، فمات بها الحافظ لدين اللَّه عبد المجيد العُبيدي، وأقيم بعده ابنه الظّافر إسماعيل.
ووَزَرَ لَهُ أمير الجيوش ابن مصال المغربيّ، فأحسن السّيرة والسّياسة. ثمّ اضطّربت الأمور واختلفت العساكر، بحيث قُتل خلقٌ منهم1.
محبَّة الدمشقيّين نور الدين:
وأمّا أعمال دمشق كَحْوران، وغيرها، فعبث بها الفرنج، وأجدبت الأرض، ونزح الفلّاحون، فجاء نور الدّين بجيشه إلى بَعْلَبَكّ ليوقع بالفرنج، ففتح اللَّه بنزول غيثٍ عظيم، فعظُم الدعاء لنور الدين، وأحبه أهل دمشق وقالوا: هذا ببركته وحُسن سيرته2.
مصالحة نور الدين ومجير الدين:
ثمّ نزل عَلَى جسر الخشب في آخر سنة أربع، وراسل مُجير الدّين، والرئيس يَقُولُ: إنّني ما قصدتُ بنزولي هنا طلبًا لمحاربتكم، وإنّما دعاني كثرة شكاية أهل حَوْران والعُربان. أخذت أموالهم وأولادهم، ولا ينصرهم أحد فلا يَسَعني مَعَ القُدرة عَلَى نُصرتهم القعودُ عَنْهُمْ، مَعَ عِلْمٍ بعجزكم عَنْ حِفْظ أعمالكم والذّبّ عَنْهَا، والتّقصير الّذي دعاكم إلى الاستصراخ بالإفرنج عَلَى محاربتي، وبذلكم لهم أموالَ الضعفاء من الرَعيَّة ظُلْمًا وتعديًا. ولابد من المعونة بألف فارس يجرَّد مَعَ مقدَّمٍ لتخليص ثغر عسقلان وغيره.
فكان الجواب: لَيْسَ بيننا وبينك إلّا السّيف. فكثر تعجُّب نور الدّين، وأنكر هذا، وعزم عَلَى الزَّحْف إلى البلد، فجاءت أمطارٌ عظيمة منعته من ذَلكَ3.
ثمّ تقرَّر الصُّلْح في أوّل سنة خمسٍ وأربعين، فإنّ نور الدّين أشفق من سفْك
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "308"، والكامل في التاريخ "11/ 141، 142"، والبداية والنهاية "12/ 226"، وشذرات الذهب "4/ 138".
2 ذيل تاريخ دمشق "308، 309"، وعيون التواريخ "12/ 431".
3 ذيل تاريخ دمشق "309".

(37/17)


الدّماء، فبذلوا لَهُ الطّاعة، وخطبوا لَهُ بجامع دمشق بعد الخليفة والسّلطان، وحلفوا لَهُ. فخلع نور الدّين عَلَى مجير الدّين خِلْعةً كاملةً بالطَّوْق، وأعاده مكرّمًا، محتَرَمًا. ثمّ استدعى الرئيس إلى المخيَّم، وخلع عَلَيْهِ، وخرج إِلَيْهِ المقدَّمون، واختلطوا بِهِ، وردّ إلى حلب.
مضايقة الملك مسعود تلّ باشر:
وجاء الخبر بأنّ الملك مسعود نزل عَلَى تلّ باشِر وضايقها1.
عودة الحُجاج وما أصابهم:
ثمّ قدِم حُجاج العراق وقد أُخذوا، وحكوا مُصِيبةً ما نزل مثلُها بأحدٍ. وكان رَكْبًا عظيمًا من وجوه خُراسان وعُلمائها، وخواتين الأمراء خلْق. فأُخذ جميع ذَلكَ، وقُتل الأكثر، وسلِم الأقل، وهُتكت الحُرم، وهلك خلقٌ بالجوع والعطش2.
رحيل مسعود عَنْ تلّ باشر 3:
وأمّا مسعود، فإنّه ترحّل عَنْ تلّ باشِر.
مصالحة مجاهد الدين لصاحب دمشق:
وتوجّه مجاهد الدّين بُزان إلى حصن صرْخد، وهو لَهُ، لترتيب أحواله. وعرضت لَهُ نفرةٌ من صاحب دمشق ورئيسها، ثمّ طُلب، واصطلحوا عَلَى شرط إبعاد الحافظ يوسف عَنْ دمشق، فأُبعد، فقصد بَعْلِبَكّ، فأكرمه متولّيها عطاء4.
اتصال الخلاف في مصر:
وأمّا مصر، فالأخبار واصلة بالخُلف المستمرّ بين وزيرها ابن مصال، وبين المظفّر ابن السّلار عَلَى الأمر، فسكنت الفتنة. ثمّ ثار الجُند، وجَرَت أمور، وقُتل جماعة. نسأل الله العافية5.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "310".
2 الكامل في التاريخ "11/ 148، 149"، والبداية والنهاية "12/ 226".
3 ذيل تاريخ دمشق "310، 311".
4 ذيل تاريخ دمشق "311"، وكتاب الروضتين "1/ 194، 195".
5 ذيل تاريخ دمشق "311، 312".

(37/18)


أحداث سنة خمس وأربعين وخمسمائة:
الأخبار بما جرى عَلَى الركْب العراقي:
جاءت الأخبار بما جرى عَلَى رَكْب العراق. طمع فيهم أمير مكَّة، واستهون بقَيماز، وطمعت فيهم العرب، ووقفوا يطلبون رسومهم، فأشار بذلك قَيماز، فامتنع النّاس عَلَيْهِ، ولمّا وصلوا إلى الغرابيّ خرجت عليهم العرب، فأخذوا ما لا يُحصى، حتّى أنّه أُخذ من خاتون أخت السّلطان مسعود ما قيمته مائة ألف دينار. وذهب للتّجار أموال كثيرة. واستعْنَتَ العربُ، وتمزَّق النّاس، وهربوا مُشاةً في البرّيَّة، فمات خلقٌ جوعًا وَعَطَشًا وبَردًا، وطلى بعض النّساء أجسادهنّ بالطِّين ستْرًا للعورة. وتوصّل قَيماز في نفرٍ قليل1.
الصلح بين نور الدين ومجير الدين:
وفيها: كَانَ الصُّلْح. فإنّ نور الدّين نازل دمشق وضايقها، ثمّ اتقى اللَّه في دماء الخلْق، وخرج إِلَيْهِ مُجير الدّين أَبق صاحب البلد، ووزيره الرئيس ابن الصّوفيّ، وخلع عليهما، ورحل إلى حلب والقلوب معه لِما رَأَوْا من دينه2.
مطر الدم باليمن:
قَالَ ابن الجوزيّ: وجاء في هذه السّنة باليمن مطر كلُّه دم، وصارت الأرض مرشوشة، وبقي أثره في ثياب النّاس3.
دفاع الموحّدين عَنْ قرطبة:
وفيها: جهَّز عبد المؤمن بْن عليّ ثاني مرَّة جيشًا من الموحّدين في اثني عشر ألف فارس إلى قُرْطُبة، لأنّ الفرنج نازلوها في أربعين ألفًا ثلاثة أشهر، وكادوا أن يملكوها، فكشف عَنْهَا الموحّدون، ولطَف اللَّه4.
مرض خاص بك ومعافاته:
وفيها: مرض ابن البلنكريّ، وهو خاصّ بك التُّركمانيّ أتابك جيش السّلطان مسعود. فلمّا عوفي أسقط المُكوس.
وفاة مختص الحضرة:
ثمّ مات بعد أيّام ببغداد مختصّ الحضرة مكس البلد، وكان يبالغ في أذى الخلْق ويقول: أَنَا قد فرشت حصيرًا في جهنّم5.
__________
1 المنتظم "10/ 142، 143"، والكامل في التاريخ "11/ 148، 149"، والبداية والنهاية "12/ 226".
2 العبر "4/ 123"، ودول الإسلام "2/ 61".
3 المنتظم "10/ 143"، والبداية والنهاية "12/ 228"، والنجوم الزاهرة "5/ 298".
4 الكامل في التاريخ "11/ 150"، والمختصر في أخبار البشر "3/ 22".
5 المنتظم "10/ 143".

(37/19)


أحداث سنة ستّ وأربعين وخمسمائة:
وعْظ ابن العبّادي بجامع المنصور:
قدِم السّلطان بغداد في رمضان، وسأل الواعظ ابن العبّاديّ أن يجلس في الجامع المنصور.
فقيل لَهُ: لا تفعل، فإنّ أهل الجانب الغربيّ لا يمكّنون إلّا الحنابلة. فلم يقبل، وضمن لَهُ نقيب النُقباء الحماية. فجلس في ذي الحجَّة يوم جمعة، وحضر أستاذ دار، والرؤساء، وخلائق، فلمّا شرع في الكلام كثُر اللَّغط والضّجات، ثمّ أُخذت عمائم وفُوَط، وجُذبت السّيوف حول ابن العبَّاديّ، فثبت، وسكن النّاس. ثمّ وعظ2.
أسْر جوسلين:
وفيها: أسر نور الدّين جوسلين فارس الفرنج وبطلَها المشهور، وأخذ بلاده، وهي عَزاز، وعينتاب، وتل باشِر3.
ومن أحداث سنة ستٍ وأربعين وخمسمائة:
تحشُّد عساكر نور الدين قرب دمشق:
في عاشوراء نزل عسكر نور الدّين بعَذْرا ونواحيها، ثم قصد من الغد طائفة منهم
__________
1 المنتظم "10/ 145"، والدباية والنهاية "12/ 229".
2 الكامل في التاريخ "11/ 154، 155"، والبداية والنهاية "12/ 229".

(37/20)


إلى ناحية النَّيْرَب1 والسَّهْم، وكمنوا عند الجبل لعسكر دمشق، فلمّا خرجوا جاءهم النذير، فانهزموا إلى البلد وسَلِمُوا. وانتشرت العساكر الحلبيَّة بنواحي البلد، واستؤصلت الزُّرُوع والفاكهة من الأَوْباش، وغَلَت الأسعار. وتأهبوا الحفظ البلد. فجاءت رسُل نور الدّين يَقُولُ: أَنَا أؤثر الإصلاح للرعيَّة وجهاد المشركين، فإنْ جئتم معي في عسكر دمشق وتعاضدْنا عَلَى الجهاد، فذلك المراد.
فلم يُجيبوه بما يُرضيه، فوقعت مناوشة بين العسكرين، ولم يزحف نور الدّين رِفقًا بالمسلمين.
ولكنْ خربت الغُوطة والحواضر إلى الغاية بأيدي العساكر وأهل الفساد، وعُدم التّبْن، وعظُم الخطْب، والأخبار متوالية بإحشاد الفرنج، واجتماعهم لإنجاد أهل البلد. فضاقت صدور أهل الدّين. ودام ذَلكَ شهرًا، والجيش النُّوريّ في جمْع لا يُحصى، وأمداده واصلة، وهو لا يأذَن لأحد في التّسرُّع إلى القتال. ولكنْ جُرح خلْق2.
تحالف الفرنج وعسكر دمشق:
ثمّ ترحّل بهم إلى ناحية الأعوج لقرب الفرنج، ثمّ تحوّل إلى عين الجرّ3 بالبقاع، فاجتمعت الفرنج مَعَ عسكر دمشق، وقصدوا بُصْرَى لمنازلتها، فلم يتهيّأ لهم ذَلكَ، وانكفأ عسكر الفرنج إلى أعمالهم، وراسلوا مجير الدّين والرئيس المؤيّد يلتمسون باقي المقاطعة المبذولة لهم عَلَى ترحيل نور الدّين، وقالوا: لولا نَحْنُ ما ترحّل4.
غزوة الأسطول الْمَصْرِيّ إلى سواحل الشام:
وورد الخبر بمجيء الأسطول المصريّ إلى ثغور السّاحل في هيئة عظيمة وهم سبعون مركبًا حربيَّة مشحونة بالرجال، قد أُنفِق عليها عَلَى ما قِيلَ ثلاثمائة ألف دينار. فقربوا من يافا، فقتلوا وأسروا، واستولوا عَلَى مراكب الفرنج، ثمّ قصدوا عكّا، ففعلوا مثل ذَلكَ، وقتلوا خلْقًا عظيمًا من حجاج الفرنج، وقصدوا صيدا،
__________
1 النيرب: قرية مشهورة بدمشق على نصف فرسخ "معجم البلدان 5/ 330".
2 ذيل تاريخ دمشق "312-314"، تاريخ الزمان "166، 167".
3 ذيل تاريخ دمشق "314"، كتاب الروضتين "1/ 201، 202".
4 ذيل تاريخ دمشق "315"، أخبار مصر لابن ميسر "2/ 91".

(37/21)


وبيروت، وطرابُلُس، وفعلوا بهم الأفاعيل. ولولا شغل نور الدّين لأعان الأصطول. وقيل إنّه عرض عسكره، فبلغوا ثلاثين ألفًا.
مصالحة نور الدين وصاحب دمشق:
ثمّ عاد نحو دمشق، وأغارت جنوده عَلَى الأعمال، واستاقوا المواشي، ونزل بدارَيّا، فنوديَ بخروج الْجُنْد والأحداث، فقَلَّ من خرج، ثمّ إنّه قرُب من البلد، ونزل بأرض القَطِيعة، ووقعت المناوشة. فجاء الخبر إلى نور الدّين بتسلّم نائبه الأمير حسن تلّ باشر بالأمان، ففرح، وضُربت في عسكره الكوسات والبُوقات بالبشارة. وتوقّف عَنْ قتال الدّمشقيّين ديانةً وتحرُّجًا.
وتردّدت الرسُل في الصُّلْح عَلَى اقتراحاتٍ تردّد فيها الفقيه برهان الدّين البلْخيّ، وأسد الدين شيركوه، وأخوه، ثم وقعت الأَيْمان من الجهتين، فرحل إلى بُصْرَى لمضايقتها، وطلب من دمشق آلات الحصار، لأنّ واليها سرخاك قد عصى، ومال إلى الفرنج، واعتضد بهم، فتألَّم نور الدّين لذلك، وجهّز عسكرًا لقصده1.
الوباء بدمياط:
وفيها: كَانَ الوباء المُفْرِط بدِمْياط، فهلك في هذا العام والّذي قبله أربعة عشر ألفًا، وخَلَت البُيُوت2.
استنابة مجير الدين بدمشق:
وفي شهر رجب سار صاحب دمشق مجير الدّين أبق في خواصّه إلى حلب، فأكرمه نور الدّين، وقرَّر معه تقريرات أقرَّ بها بعد أن بذل الطّاعة والنّيابة عَنْهُ بدمشق. ورجع مسرورًا3.
هزيمة الفرنج أمام التركمان عند بانياس:
وفي شعبان قصدت التُّركُمان بانياس، فخرجت الفرنج والتقوا، فعمل السّيف في العدوّ، وانهزم مقدَّمُهم في نفرٍ يسير4.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "315، 316".
2 ذيل تاريخ دمشق "316".
3، 4 ذيل تاريخ دمشق "317".

(37/22)


غارة الفرنج عَلَى البقاع:
وأغارت الفرنج عَلَى قُرى البقاع، فاستباحوها. فنهض عسكر من بَعْلَبَكّ وخلْق من رجال البقاع، فلحِقوا الفرنجَ وقد حبستهم الثّلوج، فقَتلوا خلْقًا من الفرنج، واستنقذوا الغنائم1.
فتح أنطرطوس:
وافتتح نور الدّين أنْطَرَطُوس في آخرها.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "317، 318"، وعيون التواريخ "12/ 443".

(37/23)


أحداث سنة سبع وأربعين وخمسمائة:
فتح أنطرطوس وغيرها:
جاءت الأخبار بافتتاح أنْطَرَطُوس وقتل من بِها من الفرنج، وأمِّن بعضُهم وافتتح نور الدين عدة حصور صِغار. وظفر أهل عسقلان بفرنج غزَّة وقتلوا2.
دخول نور الدين دمشق:
ومن سنة سبعٍ وأربعين وخمسمائة، في أوّلها قدِم شيركوه رسولًا من نور الدّين، فنزل بظاهر دمشق في ألف فارس، فوقع الاستيحاش منه، ولم يخرجوا لتلقِّيه. وتردّدت المراسلات، ولم يتّفق حال. ثمّ أقبل نور الدّين في جيوشه، فنزل ببيت الآبار وزحف عَلَى البلد، فوقعت مناوشة، ثمّ زحف يومًا آخر، فلمّا كَانَ في عاشر صفر باكَر الزَّحف، وتهيَّأ لصدْق الحرب، وبرز إِلَيْهِ عسكر البلد، ووقع الطِّراد، وحملوا من الجهة الشرقية من عدة أماكن، فاندفعوا بين أيديهم، حَتَّى قربوا من سور باب كيسان والدّبّاغة، وليس عَلَى السّور آدميّ، لسوء تدبير صاحب دمشق، غير نفرٍ يسير من الأتراك لا يعوَّل عليهم، فتسرَع بعض الرَّجّالة إلى السّور، وعليه يهوديَّة، فأرسلت إِلَيْهِ حَبْلًا، فصعِد فيه، وحصل عَلَى السّور، ولم يدرِ بِهِ أحد، وتبِعه مَن تَبِعه، ونصبوا علمًا وصاحوا: نور الدّين يا منصور. فامتنع الْجُنْد والرّعية من الممانعة
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "318".

(37/23)


محبةً في نور الدّين، وبادر بعض قطّاعي الخشب بفأسه، فكسر قفل الباب الشّرقيّ، فدخل العسكر. وفتح باب تومًا، ودخل الْجُنْد، ثمّ دخل نور الدّين، وسُرَّ الخلْق.
ولمّا أحسّ مجير الدّين بالغَلَبَة، انهزم إلى القلعة، وطلب الأمان عَلَى نفسه وماله، ثمّ خرج إلى نور الدّين، فطيَّب قلبه. وتسرّع الغوغاء إلى سوق عليّ وغيره، فنهبوا، فنودي في البلد بالأمان.
وأخرج مجير الدّين ذخائره وأمواله من القلعة إلى الأتابكيَّة دار جَدّه، ثمّ تقدَّم إِلَيْهِ بعد أيّام بالمسير إلى حمص في خواصّه، وكتب لَهُ المنشور بها1.
إطلاق بُزان من الاعتقال:
وقد كَانَ مجاهد الدّين بُزان قد أُطلق يوم الفتح من الاعتقال، وأُعيد إلى داره2.
وفاة ابن الصوفي:
ووصل الرئيس مؤيَّد الدّين المسيّب ابن الصُّوفيّ إلى دمشق متمرّضًا، فمات ودُفن في داره. وفرح النّاس بهلاكه3.
وفاة السلطان مسعود:
وفيها: جاءت الأخبار بموت السّلطان مسعود بباب هَمَذَان.
وذكر ابن هُبيرة في "الإفصاح" قَالَ: لمّا تطاول عَلَى المقتفي أصحابُ مسعود، وأساءوا الأدب، ولم يمكن المجاهرة بالمحاربة. اتّفق الرأي عَلَى الدّعاء عَلَيْهِ شهرًا، كما دعا النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِعل وذكْوان شهرًا4، فابتدأ هُوَ والخليفة سرًّا، كلّ واحدٍ في موضعه يدعو سحَرًا، من ليلة تسعٍ وعشرين من جُمادى الأولى، واستمر الأمر
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "327، 328".
2 ذيل تاريخ دمشق "329".
3 ذيل تاريخ دمشق "329".
4 "حديث صحيح": أخرجه البخاري "4089، 4090"، وأبو داود "1443"، والنسائي "1070".

(37/24)


كلّ ليلةٍ، فلمّا تكمّل الشّهر، مات مسعود عَلَى سريره، لم يزد عَلَى الشّهر يومًا، ولا نقص يومًا، فتبارك اللَّه ربّ العالمين1.
سلطنة ملكشاه:
واتّفق العسكر عَلَى سلْطَنَة ملِكْشاه، وقام بأمره خاصّ بك. ثم إنّ خاصّ بك قبض عَلَى ملكشاه، وطلب أخاه محمدًا من خُوزسْتان، فجاءه وسلَّم إِلَيْهِ السَّلْطَنة. فلمّا استقرّ قتل خاصّبك2.
هرب شحنة بغداد:
وهرب شِحنة بغداد لمّا سَمِعَ بموت مسعود. وأمر الخليفة: أيّ مَن تخلَّفَ من الجُند عَن الخدمة أُبيح دمَه3.
تدريس ابن النظام:
وأمر الخليفة ابن النّظام أن يمضي إلى مدرستهم، ويدرّس بها من جهة السّلطان4.
القبض عَلَى الحَيص بَيْص:
وقبضوا عَلَى الحَيْص بَيص، وأخرجوه من بيته حافيًا مُهانًا، وحُبس في حَبس اللُّصوص5.
ضرب أَبِي النجيب وحبْسه:
ثمّ أُحضر الشّيخ أبو النجيب إلى باب النّوبيّ، وكُشف رأسُه، وضُرب خمس دِرَر، ثم حُبس6.
__________
1 المنتظم "10/ 151"، وسير أعلام النبلاء "20/ 384-386"، والبداية والنهاية "12/ 230"، وشذرات الذهب "4/ 145".
2 الكامل في التاريخ "11/ 160-162"، والمنتظم "10/ 147"، والبداية والنهاية "12/ 229".
3 المنتظم "10/ 147".
4 المنتظم "10/ 147".
5 المنتظم "10/ 147".
6 المنتظم "10/ 147"، وعيون التواريخ "12/ 453".

(37/25)


"أخْذُ البديع الصوفي":
ثمّ أُخذ البديع الصُّوفيّ الواعظ صاحب أَبِي النّجيب، واتُهم بالرَّفْض، فشُهِّر وصُفع1.
احتفالات بغداد بالخليفة:
وبلغَ الخليفةَ أنّ في نواحي واسط تخبيطًا، فسار بعسكره وراءه النّاس، وسار إلى واسط، فرتّب بها شِحنةً، ثمّ مضى إلى الحِلَّة، والكوفة، ثمّ عاد إلى بغداد مؤيَّدًا منصورًا، فغُلِّقت بغداد، وزُيّنت، وعُملت القباب، وعمل الذَّهبيّون بباب الخان العتيق قُبَّة، عليها صورة مسعود، وخاصّ بك، وعبّاس، بحَرَكاتٍ تدور، وعُملت قباب عديدة عَلَى هذا النّموذج. وانطلق أهل بغداد في اللّعب والخبال، واللَّهْو إلى يوم عيد النَّحْر2.
ظهور الغوريَّة وامتلاكهم بلْخًا وغزْنة:
وفيها: كَانَ خروج الغُوريَّة، وحاربهم السّلطان سَنْجر. وملكهم حسين بْن حسين ملك جبال الغور، وهي من أعمال غَزْنَة. فأوّل ما ملكوا بلْخ، فقاتل سَنْجَر، وأسره وعفا عَنْهُ وأطلقه، فسار حسين إلى غَزْنَة، وملكها بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بْن سُبُكتكين، فانهزم من غير قتال، وتسلّم علاء الدين حسين الغوري غَزْنَة، واستعمل عليها أخاه سيف الدّين، وردّ إلى الغور. فلمّا جاء الشّتاء قدِم بهرام، وقام معه أهل غَزْنَة، فقبض عَلَى سيف الدّين وصَلَبَه3.
وفاة بهرام شاه:
ثمّ لم يلبث بهرام شاه أن مات4.
تلقُّب علاء الدين بالسلطان المعظّم:
فأقاموا بعده ولده خُسروشاه، فقصده علاء الدّين حسين، فهرب منه إلى الهاوور
__________
1 المنتظم "10/ 147".
2 المنتظم "10/ 148، 149".
3 الكامل في التاريخ "1/ 164-170"، والبداية والنهاية "12/ 229".
4 البداية والنهاية "12/ 229".

(37/26)


سنة خمسين، وملك علاء الدّين غَزْنَة، ونهبها ثلاثة أيّام، وقتل جماعةً وبدّع، وتلقّب بالسّلطان المعظَّم. وشال الجتْرَ فوق رأسه عَلَى عادة السّلاطين السَّلْجوقيَّة، واستعمل ابنَي أخيه، وهما غياث الدّين أبو الفتح محمد بْن سام، وأخوه السّلطان شهاب الدّين أبو المظفّر محمد، فأحسنا السّيرة في الرَّعية، وأحبّهما الناس، وانتشر ذِكرهما، وطال عُمرهما، وملكا البلاد.
عصيان ابنَي الأخ عَلَى السّلطان:
وأوّل أمرهما أنّهما أظهرا عصيان عمّهما، فبعث إليهما جيشًا فهزموه، فسار بنفسه إليهما والتقوا، فأُسر عمّهما علاء الدّين فأحسنا إِلَيْهِ، وأجلساه عَلَى التَّخْت، ووقفا في الخدمة، فبكى وقال: هذان صبيّان فعلا ما لو قدرت عَلَيْهِ منهما لم أفعلْه. وزوَّجَ غياثَ الدّين بابنته، وفوَّض إِلَيْهِ الأمورَ من بعده، فلمّا مات استقلّ غياث الدّين بالملك.
ثمّ ملكت الغُزّ غَزْنَة خمس عشرة سنة، وعسفوا وظلموا مدَّة، ثمّ حاربهم غياث الدّين ونُصر عليهم فافتتح البلاد، وأحسن، وعدل1.
وكانت الغُزّ تُركُمان ما وراء النّهر.
رواية ابن الأثير عَن الغُزّ:
قَالَ ابن الأثير2: لمّا تملّكت الخِطا ما وراء النَّهر، طردوا الغُزّ، فنزلوا بنواحي بلْخ عَلَى مراعيها، واسم مقدَّميهم: دينار، وبختيار، وطوطى، وأرسلان، وجقر، ومحمود، فأراد قُماج نائب سَنْجَر عَلَى بلْخ إبعادهم، فصانعوه، وبذلوا لَهُ مالًا، وأقاموا عَلَى حالةٍ حسنة لا يُؤذون ويقيمون الصّلاة، ويؤتون الزّكاة. ثمّ عاودهم قماج، وأمرهم بالترَّحُّل، فامتنعوا وتجمّعوا، فخرج قماج إليهم في عشرة آلاف، فهزموه، ونهبوا عسكره وأمواله، وأكثروا القتل في العسكر والرّعايا، وأسروا النّساء والأطفال، وقتلوا الفُقهاء، وعملوا العظائم، وخرّبوا المدارس، وانهزم قماج إلى مَرو.
__________
1 المختصر في أخبار البشر "3/ 25، 26".
2 في الكامل في التاريخ "11/ 164".

(37/27)


وأرسل السّلطان سَنْجَر يتهدّدهم، فاعتذروا، وبذل لَهُ مالًا، فلم يُجبهم، وجمع عساكر من النّواحي، فاجتمع معه ما يلزمه عَلَى مائة ألف فارس، والتقاهم فهزموه، وتبِعوا عسكره قتْلًا وأسْرًا، فصارت قتلى العسكر كالتّلال. وقُتل الأمير علاء الدّين قماج وأُسر السّلطان وجماعة من أمرائه، فضربوا رقاب الأمراء. ونزل أمراء الغُزّ، فقبّلوا الأرض بين يدي سَنْجَر، وقالوا: نَحْنُ عبيدك، ولا نخرج عَنْ طاعتك، فقد علِمنا أنّك لم تُرد قتالنا، وإنّما حُملت عَلَيْهِ، فأنت السّلطان، ونحن العبيد، فمضى عَلَى ذَلكَ شهران أو ثلاثة، ودخلوا معه إلى مرْو، وهي كرسيّ المُلك، فطلبها منه بختيار إقطاعًا، فقال: هذه دار المُلك، لا ينبغي أن يكون إقطاعًا لأحد.
فصفا لَهُ وأخذه، فلمّا رَأَى ذَلكَ، نزل عَنْ سريره، ثمّ دخل خانكاه مرْو، وتاب من الملك، واستولى الغُزّ عَلَى البلاد، وظهر من جورهم ما لم يُسمع بمثله، وولّوا عَلَى نَيْسابور واليًا، فعلّق في السّوق ثلاث غرائر، وقال: أريد ملء هذه ذَهَبًا، فثار عَلَيْهِ العامَّة فقتلوه، وقَتلوا من معه، فركبت الغُزّ، ودخلوا بلد نَيْسابور، ونهبوها، وقتلوا الكبار والصّغار، وأحرقوها، وقتلوا القُضاة والعلماء في البلاد كلّها. ويتعذَّر وصْفُ ما جرى منهم عَلَى تِلْكَ البلاد، ولم يسلم منهم شيء سوى هَراة ودهسان، فامتنعت بحصانتها.
قصَّة الغزّ برواية أخرى:
وساق بعضُهم قصَّة الغُزّ وفيها طُول.
قَالَ: وفارق السّلطان سَنْجَر جميعُ أمراء خُراسان، ووزيرهُ طاهرُ بْن فخر المُلك بْن نظام المُلك، ولم يبق غيرُ نَفَر يسيرٍ من خواصّه1، فلمّا وصلت الأمراء إلى نَيْسابور، أحضروا سليمان شاه بْن محمد ملكشاه، فدخل نيسابور في جُمادَى الآخرة من سنة ثمانٍ وأربعين، وخطبوا لَهُ بالسَّلطنة، وساروا فوَاقعوا الغُزّ، وقتلوا منهم مقتلة. فتجمّعت الغُزّ للمصافّ، فلمّا التقى الْجَمْعان انهزم الخُراسانيّون يقصدون نَيْسابور، وتبِعَتْهم الغُزّ، ودخلوا طُوس، فاستباحوها قتْلًا وسبْيًا، وقتلوا إمامها محمد الماركشي، ونقيب العلويّين عليًّا المُوسَويّ، وخطيبها إسماعيل بْن عبد المحسّن، وشيخ الشيوخ محمد بْن محمد. ووصلوا إلى نَيْسابور سنة تسع وأربعين في شوال، فلم
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "325".

(37/28)


يجدوا دونها مانعًا، فنهبوها نهبًا، وقتلوا أهلها، حتّى أنّه أُحصي في محلّتين خمسة عشر ألف قتيل.
وكانوا يطلبون من الرجل المالَ، فإذا أعطاهم المال قتلوه. وقتلوا الفقيه محمد بْن يحيى الشّافعيّ، ورثاه جماعة من العلماء، وممّن قُتل الشّيخ عبد الرحمن بْن عبد الصّمد الأكّاف الزّاهد، وأحمد بْن الحسن، الكاتب سِبط القُشَيري، وأبو البركات بْن الفُراوي، والفقيه الصّبّاغ أحد المتكلّمين، وأحمد بْن محمد بْن حامد، وعبد الوهّاب المُولْقاباذيّ، والقاضي صاعد بْن عبد الملك بْن صاعد، والحسين بْن عبد الحميد الرّازيّ، وخلْق.
وأحرقوا ما بها من خزائن الكُتُب، فلم يسْلَم إلّا بعضُها، وفعلوا ما لا يفعله الكُفّار، وانحلّ أمر السّلطان بالكُلّية، فاجتمع الأمراء، وراسلوا محمود بْن محمد ابن أخت السّلطان سَنْجَر، وخطبوا لَهُ بخُراسان، وأحضروه وملّكوه، وانقادوا لَهُ في شوّال سنة تسعٍ. وساروا معه إلى الغُزّ، وهم يحاصرون هَراة، فَجَرت بينهم حروب في أكثرها الظّفَر للغُزّ. وكان لسَنْجَر مملوك أي أبَه، ولَقَبُه المؤيَّد، استولى عَلَى نَيْسابور، وطوس، ونَسا، وأبيوَرد، وأزاح الغُزّ، وقتل منهم خلْقًا، وأحسن السّيرة، وعظُم شأنُه، وكُثر جَمْعُه، والتزم بحمل مالٍ إلى خاقان محمود بْن محمد ابن أخت سَنْجَر.
أخذ الفرنج عسقلان:
قَالَ ابن الأثير1: وفيها أخذت الفرنج عسقلان، وكانت للظّافر بالله وكان الفرنج كلّ سنةٍ يقصدونها ويحضرونها المصريّون، يرسلون إليها الأسلحة والذّخائر والأموال. فلمّا قُتل ابن السّلار في هذا العام اغتنم الفرنج اشتغالَ المصريّين، ونازلوها، وجدّوا في حصارها، فخرج المسلمون وقاتلوهم وطردوهم، فأيسوا مِن أخْذها، وعزموا عَلَى الرحيل عَنْهَا، فأتاهم الخبر بأنّ أهلها قد اختلفوا، وذلك لأنّهم لمّا قهروا الفرنج داخَلَهُم العجب، وادعى كلّ طائفة أنّ النُّصْرة عَلَى يده، ووقع بينهم خصامٌ عَلَى ذَلكَ، حتّى قُتل بينهم رَجُل، فعظُمت الفتنة، وتفاقم الشّرّ، وتجادلوا، فقُتل بينهم جماعة، وزحفت الفرنج في الحال، فلم يكن عَلَى السّور من يمنعهم، فملكوا البلد2، فإنّا لله وإنا إِلَيْهِ راجعون.
__________
1 في الكامل في التاريخ "11/ 188، 189".
2 تاريخ الزمان "168، 189"، وكتاب الروضتين "1/ 223".

(37/29)


أحداث سنة ثمان وأربعين وخمسمائة:
خروج الغُزّ عَلَى السلطان سنجر:
فيها: خرجت التُرك عَلَى السلطان سَنْجَر، وهم الغُزّ، يدينون بالإسلام في الجملة، ويفعلون فِعل التّتار. وكان بينهم ملحمة عظيمة، فكُسر سَنْجَر، واستُبيح عسكره قتْلًا وأسْرًا، ثمّ هجمت الغُزّ نَيْسابور، فقُتل معظم من فيها من المسلمين، ثمّ ساروا إلى بلْخ، فملكوا البلد، وكانت عدّتهم فيما قِيلَ مائة ألف خرْكاه. ثمّ أسروا سَنْجَر وأحاطوا بِهِ، وذاق الذّلّ، وملكوا بلاده، وبَتّوا الخطبة باسمه وقالوا: أنت السّلطان ونحن أجنادُك، ولو أمِنّا إليك لمكّناك من الأمر، وبقي معهم صورةً بلا معنى1.
محاصرة عسكر المقتفي تكريت:
وبعث المقتفي عسكرًا يحاصرون، تِكْريت، فاختلفوا، وخامر ترشك المقتفويّ، واتّفق مَعَ متولّي تِكْريت، وسلكوا درْب خُراسان، ونهبوا وعاثوا، فخرج الخليفة لدفْعهم، فهربوا، فسار إلى تِكْريت، وشاهد القلعة ورجع، ثمّ برز السُرادق للانحدار إلى واسط لدفع ملكشاه، فانهزم إلى خُوزسْتان، فنزل الخليفة بظاهر واسط أيّامًا، ورجع إلى بغداد2.
نجاة الوزير ابن هُبيرة من الغرق:
وسلِم يوم دخوله الوزير ابن هُبيرة من الغَرَق، انفلقت السّفينة الّتي كَانَ فيها، وغاصوا في الماء، فأعطى للّذي استنقذه ثيابه، ووقّع له بذهب كثير3.
__________
1 المتنظم "10/ 152"، والكامل في التاريخ "11/ 176"، والعبر "4/ 128"، والبداية والنهاية "12/ 230، 231".
2 المنتظم "10/ 152، 153"، والكامل في التاريخ "11/ 189".
3 المنتظم "10/ 153".

(37/30)


مقتل ابن السلار:
وفيها: قُتل العادل عليّ بْن السّلار بمصر1.
تسلُّم الغوريّ هَراة:
وفيها: حاصر الملك غياث الدّين الغُوريّ مدينة هَراة، وتسلّمها بالأمان، وكانت للسّلطان سَنْجَر2.
إصابة شهاب الدين الغوري أمام الهند:
وفيها: سار شهاب الدّين الغُوريّ أخو غياث الدّين، فافتتح مدينةً من الهند، فتحزَّبت عَلَيْهِ ملوك الهند، وجاءوا في جيشٍ عرمرم، فالتقوا، فانكسر المسلمون. وجاءت شهابَ الدّين ضربةٌ في يده اليُسرى بطُلت منها. وجاءته ضربةٌ أخرى عَلَى رأسه فسقط. وحَجَزَ اللّيل بين الفريقين، والتُمس شهاب الدّين بين القتلى، فحمله أصحابه ونجوا بِهِ، فغضب عَلَى أُمرائه لكونهم انهزموا، وملأ لكلّ واحدٍ منهم مِخلاة شعير، وحلف لئن لم يأكلوا ليضْربنّ أعناقهم، فأكلوا بعد الْجَهْد. ثمّ نجده أخوه بجيشٍ ثقيل، فالتقى الهندَ ونُصر عليهم3.
رواية ابن الأثير عَنْ محاربة الهنود لشهاب الدين:
قَالَ ابن الأثير4: عاد الهنود، وسارت ملكتهم في عددٍ يضيق عَنْهُ الفضاء، فراسلها شهاب الدّين الغوريّ بأنّه يتزوّجها، فأبت، فبعث يخادعها، وحفظ الهنود المخاضات. فأتى هنديّ إلى شهاب الدّين، فذكر أنّه يعرف مخاضةً، فجهَّز جيشًا عليهم حسين بْن حرملك الغوريّ الّذي صار صاحب هَرَاة بعد. وكان شجاعًا مذكورًا. فسَاروا مَعَ الهنديّ، وكبسوا الهنود، ووضعوا فيهم السّيف، واشتغل الموكَّلون بحفْظ المخاضات، فعبر شهاب الدّين في العسكر، وأكثروا القتل في الهنود، ولم ينج منهم إلّا من عجز المسلمون عَنْهُ. وقُتلت ملكتهم. وتمكّن شهاب الدّين من
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "319، 320"، وأخبار مصر لابن ميسر "2/ 92".
2 العبر "4/ 129"، ودول الإسلام "2/ 63".
3 الكامل في التاريخ "11/ 172، 173"، والعبر "4/ 129".
4 في الكامل "11/ 171- وما بعدها".

(37/31)


بلاد الهند، والتزموا لَهُ بحمل الأموال وصالحوه. وأقطع مملوكه قُطْب الدّين أَيْبَك مدينة دهلي، وهي كرسيّ مملكة الهند، وجهّز جيشًا، فافتتحوا مواضع ما وصل إليها مسلمٌ قبل، حتّى قاربوا لجهة الصين1.
تسلّم مجير الدين مفاتيح صرْخد:
ومن سنة ثمانٍ وأربعين، في صفر توجّه صاحب دمشق مُجير الدّين، ومعه مؤيَّد الدّين الوزير، فنازل بُصْرى لمخالفته وجوره عَلَى أهل النّاحية، وسلّم إِلَيْهِ مجاهد الدّين مفاتيح صَرْخَد، فأعطاه جملةً. ثمّ صالحه سرخَاك نائب بُصرى.
أخْذ الفرنج عسقلان:
وجاءت الأخبار بأنّ نور الدّين يجمع الجيوش للغزو، وليكشف عَنْ أهل عسقلان، فإنّ الفرنج نزلوا عليها في جمْعٍ عظيم، فتوجّه مُجير الدّين صاحب دمشق إلى خدمة نور الدّين، واجتمع بِهِ في أمر الجهاد، وساروا إلى بانياس، فبلغهم أخُذُ عسقلان وتخاذُل أهلها واختلافهم2.
الوزارة بدمشق:
وقد مرّ شرح حال الرئيس وتمكَنه من وزارة دمشق، فعرض الآن بينه وبين أخويه عزّ الدّولة وزين الدّولة مشاحنات وشرّ أفضى إلى اجتماعهما بمجير الدّين صاحب دمشق، فأنفذ يستدعي الرئيس للإصلاح بينهم، فامتنع، فآلت الحال إلى أن تمكّن زين الدّولة منه بإعانة مُجير الدّين عَلَيْهِ، فتقرّر بينهما إخراج الرئيس من دمشق، وجماعته إلى قلعة صَرْخد مَعَ مجاهد الدّين بُزان، وتقلّد زين الدّولة الوزارة. فلم يلبث إلّا أشهرًا، فظلم فيها وعسف، إلى أن ضرب عنقَه مجيرُ الدّين، وردّ أمرَ الرئاسة والنّظر في البلد إلى الرئيس رضيّ الدّين أَبِي غالب بْن عبد المنعم بْن محمد بْن راشد بْن عليّ التّميميّ.
فاستبشر الناس قاطبةً.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 171، 172"، ودول الإسلام "2/ 64".
2 الكامل في التاريخ "11/ 188، 189"، والبداية والنهاية "12/ 231".

(37/32)


الغلاء بدمشق:
وكان الغلاء بدمشق شديد، بلغت الغرارة خمسة وعشرين دينارًا، ومات الفقراء عَلَى الطُّرُق، فعزم نور الدّين عَلَى منازلتها، وطمع لهذه الحال في تملُّكها1.
رئاسة رضيّ الدين التميمي:
وأمّا رضِيّ الدّين التّميميّ، فإنّه طُلب إلى القلعة، وشُرّف بالخِلع المكمد، والمركوب بالسّخت، والسّيف المحلّى، والتَّرس، وركب معه الخواصّ إلى داره، وكُتب لَهُ التّقليد، ولُقِّب بالرئيس، الأجلّ، وجيه الدّولة، شرف الرؤساء2.
قتْل متولّي بعلبَكّ:
ونفذ مجير الدّين إلى بَعْلَبَكّ، فاعتقل وقيَّد متولّيها عطاء الخادم، وكان جبّارًا، ظالمًا، غشومًا. فسُرَّت بمصرعه النفوس، ونُهبت حواصله، ثم ضُربت عنقه.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "325، 326".
2 ذيل تاريخ دمشق "326".

(37/33)


أحداث سنة تسع وأربعين وخمسمائة:
حصار تكريت:
فيها: نفذ الخليفة عسكرًا، فما أخذوا تِكْريت بعد حصار ومجانيق وتعب، وقُتل من الفريقين عدَّة، ثمّ رَأَى الخليفة أنّ أخْذها يطول، فرجع بعد أن نازلَها مدَّةَ أيّام. ثمّ بعد شهر عرض جيشه، فكانوا ستَّة آلاف، فجهّزهم لحصارها مَعَ الوزير ابن هُبيرة، وأنفق في الجيش نحو ثلاثمائة ألف دينار، سوى الإقامة، فإنّها كانت تزيد عَلَى ألف كرّ، فوصل الخبر بأنّ مسعود بلال جاء في عسكرٍ عظيم إلى شهرابان، ونهبوا النّاس. وطلب ابن هُبيرة للخروج إليهم1.
موقعة الخليفة والسلطان:
وكان مسعود بلال وألْبقش قد اجتمعا بالسّلطان محمد، وحثّاه عَلَى قصْد
__________
1 المنتظم "10/ 156"، والكامل في التاريخ "11/ 194"، والعبر "4/ 134، 135".

(37/33)


العراق، فلم يتهيّأ لَهُ، فاستأذناه في التّقدُّم أمامه، فأذِن لهما، فجمعا خلْقًا من التُّركمان، ونزلا في طريق خُراسان، فخرج الخليفة إليهما، فتنازلوا ثمانية عشر يومًا، وتحصّن التُّركمان بالخركاوات والمواشي. ثم كانت الوقعة في سلْخ رجب، فانهزمت ميسرة الخليفة وبعض القلب، كسرهم مسعود الخادم، وتُرشك. وثبت الخليفة، وضربوا عَلَى خزائنه، وقتلوا خازنه يحيى بْن يوسف الجزَري، فجاء منكورس، وأمير آخر، فقبّلا الأرض، وقالا: يا مولانا، ثبت علينا ساعة حتّى نحمل. فقال: لا والله إلّا معكما. ورفع الطّرحة، وجذب السّيف، ولبس الحديد هُوَ وولّي العهد وكُبّرا، وصاح الخليفة: يالَ مُضر، كذب الشّيطان وفرّ، {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} [الأحزاب: 25] ، ثلاثة. فحمل العسكر بحملته، ووقع القتْل، حتّى سُمع وقْع السّيوف كوقْع المطارق عَلَى السّنادين، وانهزم القوم وسُبي التّركمان، وأُخِذت مواشيهم وخيلهم، فقيل: كانت الغنم أربعمائة ألف رأس، وبيعت كلّ ثمانين بدانق.
ثمّ نُودي بردّ من سُبي من أولادهم, وأخذ ألْبقشُ أرسلان شاه بْن طُغرل، وهرب بِهِ إلى بلده، وانهزم تُرشك، ومسعود الخادم إلى القلعة. ثمّ أغارا بعد أيّامٍ عَلَى واسط، ونهبوا ما يختصّ بالوزير ابن هُبَيْرة فرجع الخليفة إلى القتال، فخرج بالعسكر، فانهزم العدوّ، فأدركهم، ونهب منهم، وعاد منصورًا، فخلع عَلَيْهِ الخليفة، ولَقَّبه: سلطان العراق، ملك الجيوش. وعرض الجيش في أُبَّهَة كاملة1.
زلزلة بغداد:
ولمّا كَانَ يوم الفِطْر، جاء مطرٌ، ورعدٌ، وبرق، وزُلزلت بغداد من شدَّة الرّعد. ووقعت صواعق، منها صاعقة في التّاج المسترشديّ2.
موت ألبقش:
وجاءت الأخبار بمجيء محمد شاه، وبإيفاده إلى عسكر الموصل يستنجدهم، وإلى مسعود بلال صاحب تِكْريت يستنجد بِهِ، فأخرج الخليفة سُرادقه، واستعرض الجيش، فزادوا عَلَى اثني عشر ألف فارس، فجاء الخبر بموت ألْبقش، فضعُف محمد شاه وبطَل، فتسحّب جماعة من أمرائه، ولجأوا إلى الخليفة. وحصل الأمن3.
__________
1 المنتظم "10/ 156، 157"، والكامل في التاريخ "11/ 195، 196".
2 المنتظم "10/ 157".
3 المنتظم "10/ 158"، والعبر "4/ 135".

(37/34)


التجريد إلى همذان:
ثمّ جرّد الخليفة ألفي فارس إلى جهة هَمَذَان1.
ظهور دم بنواحي واسط:
وفيها: حدث بنواحي واسط ظهورُ دمٍ من الأرض، لا يُعلم لَهُ سبب2.
حال السلطان سنجر في الأسر:
وجاءت الأخبار أنّ السّلطان سَنْجَر تحت الأسر وتحت حكْميَّة الغُزّ، وله اسم السّلطنة، وراتبه في قدْر راتب سائسٍ من سيّاسه، وأنّه يبكي عَلَى نفسه3.
دخول الغُزّ مرو:
ودخلت الغُزّ مرو وغيرها، فقتلوا خلْقًا، ونهبوا، وبدّعوا4.
مقتل الظافر العُبيدي:
وفيها: قُتل بمصر خليفتُها الظّافر بالله العُبيدي وهو شاب، وأقاموا الفائز صبيًا صغيرًاو ووَهَى أمر المصريّين5.
ولاية نور الدين مصر:
فكتب المقتفي لأمر اللَّه عهدًا لنور الدّين محمود بْن زنْكيّ، وولّاه مصر، وأمره بالمسير إليها، وكان مشغولًا بحرب الفرنج، وهو لا يفتر من الجهاد، وما له إلا أيامًا قد تملّك دمشق في صَفَر، وأخذها من صاحبها مجير الدّين أبق بْن محمد بْن بوري بن طُغتكين.
__________
1 المنتظم "10/ 158".
2 المنتظم "10/ 158".
3 المنتظم "10/ 158، 159"، والعبر "4/ 135".
4 دول الإسلام "2/ 65".
5 المنتظم 10/ 158"، والكامل في التاريخ "11/ 91، 192"، وتاريخ الزمان "170"، وأخبار مصر لابن ميسر "2/ 92، 93"، والعبر "4/ 136".

(37/35)


أخْذ نور الدين دمشق:
وكانت الفرنج قد ملكوا عسقلان، وطمعوا في دمشق، حتّى أنّهم استعرضوا مَن بها مِن الرّقيق، فمن أراد المُقام تركوه، ومن أراد العَوْد إلى وطنه أُخذ قهرًا من مالكه. وكان لهم عَلَى أهلها كلّ سنة قطيعة، فتجيء رُسُلُهم ويأخذون من النّاس. فراسل نور الدّين مالكها مجير الدّين واستماله، وواصَلَه بالهدايا، وأظهر لَهُ المودَّة حتّى رَكَن إِلَيْهِ، وكان يرسل إِلَيْهِ أنّ فلانًا قد بعث إليَّ وكاتبني في تسلُّم دمشق فاحْذَرُه. فكان مجير الدّين يقبض عَلَى ذَلكَ الرجل، ويقطع خبره، إلى أن قبض عَلَى نائبه عطاء بْن حَفّاظ وقتله.
وكان نور الدّين لا يتمكّن مَعَ وجود عطاء من أخْذ دمشق. ثمّ كاتب نور الدّين مَن بدمشق من الأحداث، واستمالهم، ووعدهم، ومنّاهم، فوعدوه بأن يسلّموا إِلَيْهِ البلد، فلمّا وصل نور الدّين إلى دمشق بعث مجير الدّين يستنجد بالفرنج، فتسلّم نور الدّين البلد من قبل أن يَقْدَمُوا، وذلك أنّ نور الدّين حاصرها، فسلّم إِلَيْهِ أهل البلد من ناحية الباب الشّرقيّ، وحصر مجير الدّين في القلعة، وبذل لَهُ إنْ سلّم القلعةَ بلدَ حمص، فنزل، فلمّا سار إلى حمص أعطاه عِوَضَها بالِس، فغضب ولم يرض بها، وسار إلى بغداد، فبقي بها مدة، وبنى بها دارًا فاخرة بقرب النّظاميَّة1.
انهزام الإسماعيلية أمام الخراسانيين:
وفيها: ثارت الإسماعيلية، واجتمعوا سبعة آلاف مقاتل من بين فارسٍ وراجل، وقصدوا خُراسان ليملكوها عندما ينزل بها من الغُزّ، فتجمَع لهم أمراء من جُنْد خُراسان، ووقع المصافّ، فهزم الله الإسماعيلية، وقتل رؤوسهم وأعيانهم، ولم ينج منهم إلّا الأقلّ. وخلَت قَلاعهم مِن الحُماة. ولولا أنّ عسكر خُراسان كانوا مشغولين بالغُزّ لَمَلكوا حصونهم، واستأصلوا شأفتهم2.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 197، 198"، والبداية والنهاية "12/ 231، 232".
2 دول الإسلام "2/ 66، 67".

(37/36)


أحداث سنة خمسين وخمسمائة:
دخول الغُزّ نيسابور:
من أوّلها جاءت الأخبار إلى بغداد بدخول الغُزّ التّركُمان نيْسابور، والفتْك بأهلها، فقتلوا بها نحْوًا من ثلاثين ألفًا، وكان سَنَجْر معهم، عَلَيْهِ اسم السّلْطَنَة، وهو في غاية الإهانة بين الغُزّ، ولقد أراد أن يركب، فلم يجد من يحمل سلاحه، فشدّه عَلَى وسَطَه، وإذا قُدّم إِلَيْهِ الطّعام خبّأ منه شيئًا لوقتٍ آخر، خوفًا من انقطاعه عَنْهُ1.
الوقعة بين عسكر التركماني وعسكر الخليفة:
كانت وقعة بين العسكر التُّركمانيّ وبين عسكر الخليفة، فهزموه وتبِعوه، ثمّ خرج لهم كمينٌ فهزمهم، ثمّ أذعن بطاعة الخليفة، وأطلق الأسرى2.
دخول المقتفي الكوفة:
وفيها: سار المقتفي إلى الكوفة، واجتاز في سوقها، ودخل جامعها3.
مسير ابن رزّيك إلى القاهرة:
وفي أوّلها سار الصّالح طلائع بْن رُزّيك من الصّعيد عَلَى قصْد القاهرة للانتقام من عبّاس صاحب مصر الّذي قتل الظّافر بالله. فلمّا سَمِعَ مجيئه خرج من مصر لقلَّة مَن بقي معه مِن الْجَنْد، وسار نحو الشّام بما معه من الأموال والتُّحف الّتي لا تُحصى، لأنّه كَانَ قد استولى عَلَى القصر، وتحكّم في ذخائره ونفائسه4.
قتل الفرنج صاحب مصر:
فخرجت عَلَيْهِ الفرنج من عسقلان، فقاتلوه وقتلوه، واستولوا عَلَى جميع ما معه، وأسروا ابنه نصرًا، وباعوه للمصرّيين5.
دخول ابن رُزّيك القاهرة:
وأمّا طلائع فدخل القاهرة بأعلام مسوّدة، وثياب سود في هيئة الحزن، وعلى
__________
1 المنتظم "10/ 161"، والكامل في التاريخ "11/ 201".
2 المنتظم "10/ 161".
3 المنتظم "10/ 161"، ودول الإسلام "2/ 66".
4 أخبار مصر لابن ميسر"2/ 94"، ودول الإسلام "2/ 66".
هـ أخبار مصر لابن ميسر "2/ 94، 95"، وإتعاظ الحنفا "2/ 220"، والنجوم الزاهرة "5/ 289"، والدرة المضية "567".

(37/37)


الرّماح شعور النّساء مقطّعة حزْنًا عَلَى الظّافر. ثمّ نبش الظّافر من دار عبّاس، ونقله إلى مقبرة آبائه1.
هجوم إفرنج صقلّية عَلَى تِنّيس:
وجاءت مراكب الفرنج من صَقَلِّية، فأرسَوا عَلَى تِنِّيس وهجموها، فقتلوا وأسروا، وردّوا بالغنائم، وخاف أهل مصر من استيلاء الفرنج، فإنّا لله وإنّا إِلَيْهِ راجعون، حتّى عزم ابن رُزّيك وزيرُها عَلَى موادعة الفرنج بمالٍ يُحمل إِلَيْهِ من الخزانة، فأوكس ذَلكَ الأمراءَ، وعزموا عَلَى عزله2.
اشتداد شوكة المقتفي:
وأمّا المقتفي لأمر اللَّه، فإنّه عظُم سلطانه، واشتدّت شوكته، واستظهر عَلَى المخالفين، وأجمع عَلَى قصْد الجهات المخالفة لأمره3.
تملّك نور الدين قلاعًا بنواحي قونية:
وأمّا نور الدّين، فإنّه سار بجيشه، فملك عدَّة قلاع وحصون بالسّيف وبالأمان من بلاد الروم، من نواحي قونية، وعظُمت ممالكه وبعُد صَيتُه، وبعث إِلَيْهِ المقتفي تقليدًا، وأمر بالمسير إلى مصر، ولُقِّب بالملك العادل4.
آخر الطبقة الخامسة والخمسين والحمد لله رب العالمين.
__________
1 أخبار مصر "2/ 94"، والعبر "4/ 139".
2 الكامل في التاريخ "11/ 190"، وعيون التواريخ "12/ 480".
3 ذيل تاريخ دمشق "332".
4 ذيل تاريخ دمشق "332، 333"، ودول الإسلام "2/ 66".

(37/38)


بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم
{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} .
وفيات الطبقة الخامسة والخمسون:
وفيات سنة إحدى وأربعين وخمسمائة:
"حرف الألف":
1- أَحْمَد بْن حامد بْن أَحْمَد بْن محمود.
الثّقفيّ، أبو طاهر الأصبهانيّ، حفيد الشّيخ أَبِي طاهر.
تُوُفّي في هذه السّنة. قاله عبد الرحيم الحاجّيّ.
قلت: هُوَ والد أَبِي المجد زاهر الثّقفيّ، مِن أعيان طلبة الحديث بأصبهان يلقَّب بالرفيع من بيت علم ورئاسة وجلالة، وله شِعر حَسَن، وخطّ مليح، قرأ الكثير لولده.
قَالَ ابن السّمعانيّ: لمّا قدمتُ صادفتُه يقرأ لوالده "مُسند أَبِي يَعْلَى"، عَنْ أَبِي عبد الله الخلّال.
سَمِعَ: القاسم الثّقفيّ، وأبا مطيع.
وُلِد سنة ثمانين تقريبًا.
2- أحمد بْن محمد بْن أحمد1:
أبو نصر الحَدِيثيّ2 المعدّل، البغداديّ.
تفقّه عَلَى: أَبِي إسحاق الشّيرازيّ وكان من أوائل شهود قاضي القضاة الزَّيْنبيّ.
تُوُفّي في جُمادى الآخرة. وحضره القضاة والكبار.
__________
1 المنتظم "10/ 121"، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 49".
2 الحديثي: نسبة إلى الحديثة وهي بلدة على الفرات فوق هيت والأنبار "الأنساب 4/ 84".

(37/39)


روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وقال: وُلِد سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وتُوُفّي في جُمادى الآخرة، وصلّى عَلَيْهِ ابنه أبو طالب رَوح. ثنا عَنْ أَبِي الفضل بن طوق.
3- أحمد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الإخْوة1.
أبو العبّاس البغداديّ، العطّار، الوكيل.
سَمِعَ: أبا القاسم بْن البُسري، وأبا منصور العُكبَري. وهو آخر من حدَّث بكتاب "المجتَنى" لابن دُرَيْد، عَن العُكْبَرِيّ.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وقال: شيخ بهيّ، حَسَن المنظر، خيِّر، متقرِّب إلى أهل الخير، وهو أبو شيخنا عبد الرحيم، وعبد الرحمن.
تُوُفّي في خامس رمضان.
روى عَنْهُ جماعة آخرهم أبو الفَرَج الفتح بْن عبد السّلام الكاتب. عاش ستًّا وثمانين سنة.
4- إبراهيم بْن محمد بْن أحمد بْن مالك.
أبو أحمد العاقوليّ، الوزّان.
شيخ من أهل باب الأزَج لا بأس بِهِ.
سَمِعَ: عاصم بْن الحَسَن، وجماعة.
وكان مولده في سنة ثلاث وستين وأربعمائة.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: تُوُفّي في جُمادى الأولى هُوَ وأخوه محمد في يوم واحد.
وروى عَنْهُ: يوسف بْن المبارك الخفّاف. وأجاز لأبي منصور بْن غُنيمة، وغيره.
5- إسماعيل بن أبي سعد أحمد بن محمد بْن دُوَسْت2:
أبو البَرَكات النّيْسَابُوريّ، الصّوفيّ. شيخ الشيوخ ببغداد.
__________
1 سير أعلام النبلاء "2/ 160".
2 المنتظم "10/ 121"، والكامل في التاريخ "11/ 118"، والتقييد "210"، وسير أعلام النبلاء "20/ 160، 161"، وشذرات الذهب "4/ 128".

(37/40)


ولد سنة خمس وستين وأربعمائة ببغداد.
وسمع من: أَبِي القاسم عبد العزيز الأَنْماطيّ، وأبي القاسم بْن البُسري، وأبي نصر الزينبي، ورزق الله التميمي، وجماعة.
قال ابن السَّمْعانيّ: كَانَ عَلَى شاكلة حميدة إلى أن طعن في السّنّ، وكان وَقورًا، مَهِيبًا، ما عرفت لَهُ هَفْوَة، قرأت عَلَيْهِ الكثير، وكنت نازلًا عنده في رباطه.
قلت: وروى عنه: ابناه عبد الرحيم وعبد اللَّطيف، وعبد الخالق بْن أسد، وأبو القاسم بْن عساكر، وسِبطه عبد الوهّاب بْن سُكينة، وأحمد بْن الحسن العاقلويّ، وسليمان بْن محمد المَوْصِليّ، وطائفة سواهم.
توفي في عاشر جمادى الآخرة، وعُمل له عُرس على عادة الصوفية، غرِم عليه نحو ثلاثمائة دينار.
قَالَ ابن النّجّار: سمعتُ ابن سُكينة يَقُولُ: لمّا حضرَت جدّي الوفاةُ كنت حاضرًا، وأولاده حوله، وهو في السّياق، فقالت لَهُ والدتي: يا سيدتي، ما تجد؟ فما قدر عَلَى النُّطْق، فكتب بيده على يدها: {رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيم} [الواقعة: 89] ثمّ مات رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
6- إسماعيل بْن طاهر:
أبو عليّ المَوْصِليّ، ثمّ البغداديّ.
سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ أَبِي الحسن بْن مَخلَد.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وابن طبرزَد.
توفي سنة إحدى وأربعين في جُمادى الأولى.
7- أمين الدولة1:
نائب قلعة صرخد، وقلعة بُصرى، واسمه كمشتكين.
أمير جليل، كثير الحُرمة. ولاه على القلعتين الأتابك طُغتكين. فامتدت أيامه إلى أن تُوُفّي في ربيع الآخر سنة 14. وهو واقف المدرسة الأمينية بدمشق.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "215"، والكامل في التاريخ "11/ 49".

(37/41)


ولمّا مات توثّب مملوكه ألتُنْتاش فتملّك بُصْرى، وصَرْخد، وانتصر بالفرنج وحالفهم، فسار لحربهم نائب دمشق معين الدّين أنُر فهزمهم، وانهزم معهم إلى بلادهم ألتُنتاش.
ونازل أنُر قلعتي بُصْرَى وصَرْخَد، فافتتحهما.
"حرف الباء":
8- بختيار بْن عبد الله1:
أبو الحَسَن الهنْديّ، عتيق أَبِي بَكْر محمد بْن منصور السّمعانيّ.
سَمِعَ ببغداد، وأصبهان، وهَمَذَان كثيرًا مَعَ مولاه.
وحدَّث عَنْ: أَبِي سعد محمد بْن عبد الملك الأَسَديّ، وأبي سعد محمد بْن عبد الكريم بْن خُشيش.
روى عَنْهُ: أبو سعد ابن مُعتقه، وقال: تُوُفّي ثاني صَفَر.
9- بختيار بْن عبد الله2:
الهِنديّ، أبو الحَسَن الصّوفيّ، عتيق القاضي أَبِي منصور محمد بْن إسماعيل البوشَنجي.
رحل مَعَ مولاه إلى بغداد، وسمع: أبا نصر محمد بْن محمد الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحسن.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر، وأبو سعد السّمعانيّ.
وقد سمّاه مولاه بعد العتْق: عبد الرحيم بْن عبد الرحمن.
قَالَ أبو سعد: رحل إلى بغداد، والحجاز، والبصرة، وأصبهان وعُمّر، وهو شيخ، صالح، متعبّد، متخلّي عَن الدّنيا.
سَمِعَ أيضًا بالبصرة من أَبِي عليّ التُستري، وانتخبتُ عليه ببوشنج ثلاثة أجزاء.
__________
1 الأنساب "12/ 351".
2 الأنساب "12/ 351"، واللباب "3/ 394".

(37/42)


وحُمل من بوشَنج إلى هَراة، ونزل في دار الحافظ أَبِي النضْر الفاميّ، وكانت محطَّ رِحال الشّيوخ الطّارئين، وقُرئ عَلَيْهِ كتاب "السُنّة" للالكائي. وكان شيخًا متيقّظًا، قد ناطح الثّمانين.
تُوُفّي ببوشَنج في سنة إحدى أو سنة اثنتين وأربعين.
"حرف الحاء":
10- الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن عليّ1:
أبو محمد الأستِراباذي، الحنفيّ، الفقيه، قاضي الرّيَ.
قدِم بغداد سنة ستٍّ وسبعين، وتفقّه عَلَى قاضي القُضاة أَبِي عبد اللَّه الدّامغانيّ حتّى برع في الفقه.
وسمع من: أَبِي نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحَسَن، وابن خيرون، وطِراد.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كتبتُ عَنْهُ بالرّيّ، تُوُفّي أواخر جُمادى الآخرة بها. ووُلِد في جُمادى الأولى سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة.
وكان يرى الاعتزال، وفيه بُخل، فقالوا فيه:
وقاضٍ لنا خبز ربّهُ ... ومذهبُهُ أنّه لا يُرى
11- الحسين بْن الحسن بْن أَبِي نصر بن يوسف المروروذي:
أبو محمد الصائغ، المعروب بالحاجّيّ.
دخل بغداد، وسمع مَعَ أَبِي بَكْر السَّمْعانيّ من ثابت بْن بُندار، وبهَمَذَان من: مكّيّ بْن بَحيرة الحافظ، وعبد الرحمن الدُّونيّ.
وبأصبهان من: أَبِي الفتح أحمد بْن محمد الحدّاد.
تُوُفّي في العشرين من رمضان.
روى عنه: أبو سعد.
__________
1 الجواهر المضية "2/ 80، 81".

(37/43)


12- حنبلُ بْن عليّ بْن الحسين بْن الحَسَن1:
أبو جعفر البخاريّ، ثمّ السّجْستانيّ، الصُّوفيّ.
قدِم هَراة، وأدرك بها شيخ الإسلام أبا إسماعيل، وصحِبه، وسمع منه.
ومن: أَبِي عامر محمود بْن القاسم الأزْديّ، وأبي نصر التّرياقيّ، ونجيب بْن ميمون، وأحمد بْن عُبيد اللَّه بْن أَبِي سعيد الأزْديّ.
وببغداد من: ابن طلحة النّعاليّ، وابن البطِر، وأبي بَكْر الطُّرَيْثِيثيّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو رَوح عبد المعزّ، وجماعة. وأجاز لعبد الرحيم بْن السّمعانيّ.
وكان شيخًا، كيّسًا، ظريفًا، حدَّث بمَرْو، وهَراة. ووُلِد بسِجِسْتان في سنة أربعٍ وستين وأربعمائة.
ورحل وهو ابن بضْع عشرة سنة.
وتُوُفّي بهَراة في السّابع والعشرين من شوّال.
"حرف الخاء":
13- خَلَفُ بْن محمد بْن أَبِي الحسن بْن أَبِي الحسين بْن مروان2.
البوسَنجي، أبو عليّ المحتسب. نزيل هَراة.
كَانَ يخدم جمال الإسلام أبا الحسن الدّاووديّ، وسمع منه مجلسين. وأجاز لعبد الرحيم بْن السّمعانيّ. وعُمّر دهرًا طويلًا.
وآخر من روى عَنْهُ أبو رَوح الهَرَويّ.
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ3: وجدنا لَهُ مجلسين من أمالي الدّاووديّ، وقرأناهما.
وُلِد في غرة ربيع الأول سنة ثلاثين وأربعمائة، وكان صالحًا معمرًا، رحمه الله.
__________
1 الأنساب "7/ 47"، وسير أعلام النبلاء "20/ 273"، والعبر "4/ 112".
2 التحبير "1/ 266".
3 في التحبير.

(37/44)


"حرف الزاي":
14- زَنْكيّ بْن آقسُنقُر1:
الملك عماد الدّين صاحب المَوْصل، ويُعرف أَبُوهُ بالحاجب قسيم التُّركيّ، وقد تقدَّم ذِكره.
وزنكيّ فوّض إِلَيْهِ السّلطان محمود بْن محمد بْن ملكشاه السّلْجوقيّ ولاية بغداد وشرطتها في سنة إحدى عشر وخمسمائة، ثمّ نقله إلى الموصل، وسلّم إِلَيْهِ ولده فرّوخ شاه الملقلب بالخفاجيّ ليربّيه، ولهذا قِيلَ لَهُ أتابَك2. وذلك في سنة اثنتين وعشرين3.
واستولى عَلَى البلاد، وقوي أمره، وافتتح الرُّها في سنة تسعٍ وثلاثين. وترقَّت بِهِ الحال إلى أن ملك الموصل، وحلب، وحماه، وحمص، وبَعْلَبَكّ، ومدائن كثيرة يطول تَعْدادها.
وسار بجيشه إلى دمشق وحاصرها، ثمّ استقرّ الحال عَلَى أن خُطب لَهُ بدمشق. واسترجع عدَّةَ حصون من الفرنج، مثل كَفرْطاب وافتتح الرها.
وكان بطلًا، شجاعًا، صارمًا. وقد نازَل قلعة جَعْبَر4، وصاحبها يومئذٍ عليّ بْن مالك، فحاصرها، وأشرف عَلَى أخْذها، فأصبح يوم الأربعاء خامس ربيع الآخر مقتولًا. قتله خادمه غيلة وهو نائم، ودُفن بصِفّين عند الرَّقَّة. وسار ولده الملك نور الدّين محمود، فاستولى عَلَى حلب، واستولى ولده الآخر سيف الدين غازي قُطب الدّين مَوْدود الأعرج عَلَى الموصل.
قَالَ ابن الأثير5: نزل أتابَك زنكيّ عَلَى حصن جَعْبر المُطل عَلَى الفُرات، وقاتَله مَن بها، فلمّا طال أرسل إلى صاحبها ابن مالك العُقيلي رسالة مع الأمير
__________
1 المنتظم "10/ 121"، والكامل في التاريخ "11/ 110-112"، وسير أعلام النبلاء "20/ 189-191"، والبداية والنهاية "12/ 221".
2 الأتابك: كلمة مركبة من "أتا" بالتركية وهو الأب. و "بك" وهو الأمير.
3 بغية الطلب لابن العديم "251، 252".
4 جعبر: على الفرات بين بالس والرقة قرب صفين "معجم البلدان 2/ 142".
5 في الكامل "11/ 109".

(37/45)


حسّان المَنْبِجيّ، لمودَّةٍ بينهما في معنى تسليمها، ويبذل لَهُ القطاع والمال، ويتهدّده إن لم يفعل، فما أجاب، فَقُتِلَ أتابَك بعد أيّام، وثب عَلَيْهِ جماعة من مماليكه في اللّيل، وهربوا إلى القلعة، فدخلوها، فصاح أهلها وفرحوا بقتله، فدخل أصحابه إِلَيْهِ.
حدَّثني أَبِي، عَنْ بعض خواصّه قَالَ: دخلت إِلَيْهِ في الحال وهو حيّ، فظنّ أَنّى أريد قتْله، فأشار إليَّ بإصبعه يستعطفني، فقلت: يا مولانا مَن فعل هذا؟ فلم يقدر عَلَى الكلام، وفاضت نفسه.
قَالَ1: وكان حَسَن الصّورة، أسمر، مليح العينين، قد وَخَطَه الشَّيْب، وزاد عمره عَلَى السّتّين، وكان صغيرًا لمّا قُتل أَبُوهُ. وكان شديد الهَيْبة عَلَى عسكره ورعيّته، وكانت البلاد خرابًا من الظُّلم ومجاورة الفرنج، فعمَّرها.
حكى لي والدي قال: رأيت الموصل وأكثرها خراب، بحيث يقف الْإِنْسَان قريب محلَّة الطّبّالين، ويرى الجامع العتيق، ودار السّلطان، ولا يقدر أحد أن يصل إلى جامع إلّا ومعه من يحميه، لبُعْده عَن العمارة، وهو الآن في وسط العمارة2.
وكان شديد الغيرة لاسيما على نساء الأجناد، ويقول: إنْ لم نحفظْهُنّ بالهيبة، وإلّا فَسَدْن لكثرة غَيْبة أزواجهنّ.
قَالَ3: وكان من أشجع خلْق اللَّه. أمّا قبل أن يملك، فيكفيه أنّه حضر مَعَ الأمير مودود صاحب الموصل مدينة طبريَّة، وهي للفرنج، فوصلت طعنته إلى باب البلد، وأثّر فيه. وحَمَل أيضًا عَلَى قلعة عُقر الحميديَّة، وهي عَلَى جبلٍ عالٍ، فوصلت طعنته إلى سورها. إلى أشياء أخَر.
وأمّا بعد ملْكه، فكان الأعداء محدقين ببلاده، وكلهم يقصدها، ويريد أخْذَها، وهو لا يقنع بحفْظها، حتّى أنّه لا ينقضي عَلَيْهِ عامٌ إلّا وهو يفتح من بلادهم. قَالَ: وقد أتينا عَلَى أخباره في كتاب "الباهر"4 في تاريخ دولته وأولاده.
وكان معه حين قُتل الملك ألْب أرسلان بْن السّلطان محمود، فركب يومئذٍ،
__________
1 في الكامل "11/ 110".
2 في الكامل "11/ 111".
3 في الكامل في التاريخ "11/ 112".
4 التاريخ الباهر في الدولة الأنابكية "74-84".

(37/46)


واجتمعت حوله العسكر، وحسّنوا لَهُ اللَّهْو والشُّرْب، وأدخلوه الرَّقَّة، فبقي بها أيّامًا لا يظهر، ثمّ سار إلى ماكِسين، ثمّ إلى سَنْجار، وتفرّق العسكر عَنْهُ، وراح إلى الشرق، ثمّ ردّوه، وحُبس في قلعة الموصل. وملك البلاد غازي بْن زنكي، واستولى نور الدّين عَلَى حلب وما يليها. ثمّ سار فتملّك الرُّها، وسبى أهلها، وكان أكثرهم نصارى1.
وقال القاضي جمال الدّين بْن واصل2: لم يخلّف قسيمُ الدّولة آقسُنْقُر مولى السّلطان ألْب أرسلان السَّلْجوقيّ ولدًا غير أتابَك زنكيّ، وكان عمره حين قُتل والده عشر سِنين. فاجتمع عَلَيْهِ مماليك والده وأصحابه. ولمّا تخلّص كرْبُوقا من سجن حمص بعد قتل تُتُش، ذهب إلى حَرّان، وانضم إِلَيْهِ جماعة، فملك حَرّان، ثمّ ملك الموصل وقرَّبَ زنكيّ، وبالغ في الإحسان إِلَيْهِ، وربّاه.
"حرف السين":
15- سعد اللَّه بْن أحمد بْن عليّ بْن الشّدّاد:
أبو القاسم البغداديّ.
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحَسَن.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابن أسد الحنفيّ.
وتُوُفّي في ذي القعدة.
16- سعد الخير بْن محمد بْن سهل بْن سعد3:
أبو الحَسَن الأنصاريّ، البَلَنْسيّ، المحدّث.
رحل إلى أن دخل الصّين، ولهذا كَانَ يكتب الأندلسيّ، الصّينيّ.
وكان فقيهًا، متديِّنًا، عالمًا، فاضلًا.
سَمِعَ ببغداد: أبا عبد الله النعالي، وابن البطر، وطِراد بن محمد.
__________
1 الكامل "11/ 113".
2 في مفرج الكروب "1/ 99".
3 المنتظم "10/ 121"، وسير أعلام النبلاء "20/ 158-160"، والبداية والنهاية "12/ 221، 222".

(37/47)


وسمع بأصبهان: أبا سعد المطرِّز. وسكنها وتزوّج بها. ووُلِدت لَهُ فاطمة، فسمّعها حضورًا "معجم الطبراني"، وغير ذلك، و "مُسند أَبِي يَعْلَى".
وسمع بالدّون1 "سُنَن النَّسائيّ" من الدُّونيّ، وحصّل الكثير من الكُتُب الجيّدة.
وحدَّث ببغداد، وسكنها مدَّة بعد انفصاله عَنْ أصبهان.
روى عنه: ابن عساكر2، وابن السمعاني، وأبو موسى المَدِينيِ، وعبد الخالق بْن أسد ووصفه بالحِفْظ، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وأبو الفَرَج بْن الجوزيّ، وبنته فاطمة بِنْت سعد الخير، وعمر بْن أَبِي السّعادات بْن صرما.
وقال ابن الْجَوْزيّ3: سافر وركب البحار، وقاسى الشّدائد، وتفقَّه ببغداد عَلَى أَبِي حامد الغزّاليّ، وسمع الحديث.
وقرأ الأدب عَلَى أَبِي زكريّا التّبْريزيّ. وحصّل كُتُبًا نفيسة وقرأتُ عَلَيْهِ الكثير، وكان ثقة.
تُوُفّي في عاشر المحرَّم ببغداد.
قلت: آخر من روى عنه بالإجازة: أبو منصور بن عفيجة.
وأورد ابن السّمعانيّ في "الأنساب"4 حكايةً غريبة فقال: سمّع بناته إلى أن رُزق ابنًا سمّاه جابرًا، فكان يُسمعه بقراءتي. واتّفق أنّه حمل إلى الشيخ أَبِي بَكْر قاضي المَرِسْتان شيئًا يسيرًا من عود بغدان، وجد الشّيخ منه رائحةً، فقال: ذا عود طِيب. فحَمَلَ إِلَيْهِ منه نزْرًا قليلًا، ثمّ دفعه إلى جاريته، فاستحيت الجارية أن تُعْلِم الشّيخَ بِهِ لقلّته، فلمّا دخل عَلَى الشّيخ قَالَ: يا سيّدنا، وصل العُود؟ قَالَ: لا. فطلب الجارية فسألها، فاعتذرت لقلّته، وأحضرته، فقال لسعد الخير: أهُوَ هذا؟ قَالَ: نعم. فرمى بِهِ الشّيخ وقال: لا حاجة لنا فيه.
ثمّ طلب منه سَعْد الخير أن يسمّع لابنه جزء الأنصاري، فحلف الشيخ أن لا
__________
1 الدون: قرية من أعمال الدينور.
2 انظر مشيخة ابن عساكر ورقة 70ب.
3 في المنتظم "10/ 121".
4 انظر: الأنساب "2/ 197".

(37/48)


يُسمعه إيّاه إلّا أن يحمل إِلَيْهِ سعد الخير خمسة أمْناء1 عُود. فامتنع سعد الخير، وألحّ عَلَى الشيخ أن يكفّر عَنْ يمينه، فما فعل. ولا حمل هُوَ شيئًا.
ومات الشّيخ، ولم يُسمّع ابنَه الجزء.
"حرف الشين":
17- شافع بْن عبد الرّشيد بْن القاسم2:
أبو عبد الله الْجِيليّ.
سكن بالكَرْخ، وتفقّه عَلَى إلكِيا الهَرّاسيّ، ورحل إلى أَبِي حامد الغزّاليّ فتفقّه عَلَيْهِ. وكانت لَهُ حلقة بجامع المنصور للمناظرة. وكل جمعة يحضرها الفُقهاء.
سَمِعَ بالبصرة: أبا عُمَر النّهاوَنْديّ القاضي. وبطبَس: فضل اللَّه بْن أَبِي الفضل الطَّبَسيّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السمعاني، وقال: سألته عن مولده، فقال: دخلت بغداد سنة تسعين وأربعمائة ولي نيِّفٌ وعشرون سنة.
وتُوُفّي في العشرين من المحرَّم.
وقال ابن الْجَوْزيّ3: كنت أحضر حلقته وأنا صبيّ، فألقى المسائل.
قلت: هذا من أئمَّة الشّافعيَّة.
"حرف الصاد":
18- صاعد بْن أَبِي الفضل بْن أَبِي عثمان4:
الشيخ أبو العلاء الشُعيثي، المالينيّ، شيخ خيِّر.
سَمِعَ: أبا إسماعيل الأنصاريّ، وأبا عطاء عبد الرحمن بْن محمد الجوهري، وبِيبَى بنت عبد الصمد.
__________
1 الأمناء: مفردها المنا، وهو كيل أو ميزان يوزن به "القاموس المحيط".
2 المنتظم "10/ 121، 122"، وسير أعلام النبلاء "20/ 161، 162".
3 في المنتظم "10/ 121".
4 التحبير "1/ 335، 336".

(37/49)


وكان فقيهًا فاضلًا، قديم المَوْلد. وُلِد سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وآخر من سَمِعَ منه رَوْح بْن المعزّ الهَرَويّ.
"حرف الظاء":
19- ظاهر بْن أحمد بْن محمد1:
أبو القاسم البغداديّ، المساميريّ، البزّاز.
شيخ صالح، مُكثر.
سَمِعَ من: رزق اللَّه التّميميّ، وطِراد الزَّيْنبيّ، وابن البطِر، وطائفة.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، ويوسف بْن المبارك، ومحمد بْن عليّ بْن القُبَيطي.
وكان معمَّرًا.
20- ظفَر بْن هارون بْن ظَفَر2:
أبو الفوح الهَمَذَانيّ.
أصله مَوْصِليّ.
سَمِعَ: ثابت بْن الحسين التّميميّ.
كتب عَنْهُ السّمعانيّ وقال: مات في جُمادى الأولى عَنْ ثلاثٍ وثمانين سنة.
"حرف العين":
21- عائشة بِنْت عبد الله بْن عليّ البلْخيّ، ثمّ البُوشَنْجيّ3:
أمّ الفضل، صالحة، معمَّرة.
سَمِعْتُ: أباها أبا بَكْر البلْخيّ، وأبا الحسن الداوودي، وأبا منصور كَلار.
كتب عَنْهَا السّمعانيّ وقال: ماتت سابع ذي الحجة.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 171".
2 التحبير "1/ 357".
3 التحبير "2/ 422، 423"، وأعلام النساء "3/ 157".

(37/50)


22- عبّاس1:
شِحنة الرَّيّ.
دخل في الطّاعة، وسلّم الري إلى السّلطان مسعود. ثمّ إنّ الأمراء اجتمعوا عند السلطان ببغداد، وقالوا: ما بقي لنا عدوّ سوى عبّاس، فاستدعاه السّلطان إلى دار المملكة في رابع عشر ذي القعدة وقتله، وأُلقي عَلَى باب الدّار. فبكى النّاس عَلَيْهِ لأنّه كَانَ يفعل الجميل، وكانت لَهُ صَدَقات.
وقيل: إنّه ما شرب الخمر قطّ، ولا زنى، وإنّه قتل من الباطنيَّة - لعنهم اللَّه - ألوفًا كثيرة، وبنى من رؤوسهم منارة.
ثم حُمل ودُفن في المشهد المقابل لدار السلطان. قاله ابن الجوزي.
23- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عبد الله2.
الإمام أبو محمد المقرئ، النَّحْويّ، سِبط الزَّاهد أَبِي منصور الخيّاط، وإمام مسجد ابن جَردة، وشيخ القرّاء بالعراق.
وُلِد في شعبان سنة أربع وستين وأربعمائة، وتلقّن القرآن من أَبِي الحسن بْن الفاعوس.
وسمع من: أَبِي الحسين بْن النَّقُّور، وأبي منصور محمد بْن محمد العُكْبَريّ، وطِراد الزَّيْنبيّ، ونصر بْن البَطِر، وثابت بْن بُندار، وجماعة.
وقرأ العربية على أبي الكَرَم بْن فاخر.
وسمع الكُتب الكبار، وصنَّف المصنفات في القراءات مثل "المبهج"، و"الكفاية"، و"الاختيار"، و"الإيجاز".
وقرأ القرآن عَلَى جدّه، وعلى: الشّريف عبد القاهر بْن عبد السّلام المكّيّ، وأبي طاهر بْن سِوار، وأبي الخطّاب بْن الجرّاح، وأبي المعالي ثابت بْن بُندار، وأبي البركات محمد بْن عُبَيد اللَّه الوكيل، والمقرئ المعمّر يحيى بن أحمد السيبي صاحب الحمّامي،
__________
1 المنتظم "10/ 123"، والبداية والنهاية "12/ 222".
2 المنتظم "10/ 122"، وسير أعلام النبلاء "20/ 130-133"، والبداية والنهاية "12/ 222"، وشذرات الذهب "4/ 128-130".

(37/51)


وابن بدران الحلْوانيّ، وأبي الغنائم محمد بن علي الزينبي، وأبي العز القلانسي، وغيرهم.
وتصدر للقراءات والنحو، وَأَمَّ بالمسجد المذكور سنة سبْعٍ وثمانين وأربعمائة إلى أن تُوُفّي.
وقرأ عَلَيْهِ خلْق وختم ما لا يُحصى. قاله أبو الفَرَج بْن الْجَوزيّ1، وقال: قرأتُ عَلَيْهِ القرآن والحديث، الكثير، ولم أسمع قارئًا قطّ أطيب صوتًا منه ولا أحسن أداء عَلَى كِبَر سِنّه. وكان لطيف الأخلاق، ظاهر الكياسة والظّرافة وحُسن المعاشرة للعوامّ والخاصّ.
قلت: وكان عارفًا باللّغة، إمامًا في النَّحْو والقراءات وعِلَلها، ومعرفة رجاله، وله شِعْر حَسَن.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ متواضعًا، متودّدًا، حَسَن القراءة في المحراب، خصوصًا في ليالي رمضان. وكان يحضر عنده النّاس لاستماع قراءته. وقد تخرَّج عَلَيْهِ جماعة كثيرة، وختموا عَلَيْهِ القرآن. وله تصانيف في القراءات. وخولف في بعضها، وشنّعوا عَلَيْهِ، وسمعتُ أنّه رجع عَنْ ذَلكَ، والله يغفر لنا وله. وكُتبت عَنْهُ، وعلقت عَنْهُ من شعره. ومنه:
ومن لم تؤدّبه اللّيالي وصَرْفها ... فما ذاك إلا غائب العقل والحُسن
يظنّ بأنّ الأمر جارٍ بحُكمه ... وليس له عِلم، أيُصبح أَوْ يُمسي2
وله:
أيّها الزّائرون بعد وفاتي ... جَدَثًا ضمّني ولَحْدًا عميقا
سَتَروْني الذي رأيت من المو ... ت عيانًا وتسلكون الطريقا
وقال الحمد بْن صالح الجيليّ: سار ذِكره في الأغوار والأنجاد. ورأس أصحاب الإمام أحمد، وصار أوحد وقته، ونسيج وحده، ولم أسمع في جميع عمري مَن يقرأ
__________
1 في المنتظم "10/ 122".
2 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 210، 211".

(37/52)


الفاتحة أحسن ولا أصحّ منه. وكان جمال العراق بأسره، وكان ظريفًا كريمًا، لم يُخَلِّف مثله في أكثر فنونه1.
قلت: قرأ عَلَيْهِ القراءات: شهاب الدّين محمد بْن يوسف الغَزْنَويّ، وتاج الدّين أبو اليُمن الكَنْديّ، وعبد الواحد بْن سلطان، وأبو الفتح نصر اللَّه بْن عليّ بْن الكيّال الواسطيّ، والمبارك بْن المبارك بْن زُريق الحدّاد، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن هارون الحلّيّ المعروف بابن الكال المقرئ، وصالح بْن عليّ الصَّرْصَريّ، وأبو يَعْلَى حمزة بْن عليّ بْن القُبيطيّ، وأبو أحمد عبد الوهّاب بْن سُكينة، وزاهر بْن رُسْتَم نزيل مكَّة.
وحدَّث عنه: محمود بن المبارك بن الذّارع، ويحيى بْن طاهر الواعظ، وإسماعيل بْن إبراهيم بْن فارس السِّيبيّ، وعبد اللَّه بْن المبارك بْن سُكينة، وعبد العزيز بْن مَنِينا، وتلميذه الكِنْديّ، وعليه تلقَّن القرآنَ وعِلم العربيَّة.
وتُوُفّي في ثامن وعشرين ربيع الآخر. وصلّى عَلَيْهِ الشّيخ عبد القادر.
قَالَ ابن الجوزيّ2: قد رَأَيْت أَنَا جماعة من الأكابر، فما رَأَيْت أكثر جمعًا من جَمْعه.
قَالَ عبد الله بْن حريز القُرَشيّ: ودُفن مِن الغد بباب حرب عند جدّه عَلَى دكَّة الإمام أحمد.
وكان الْجَمْع كثيرًا جدًّا يفوق الإحصاء، وغُلِّق أكثر البلد في ذَلكَ اليوم.
24- عبد الله بْن عليّ بْن عبد العزيز بْن فَرَج3.
الغافقيّ، القُرْطُبيّ، أبو محمد.
عَنْ: أَبِي محمد بْن رزق، وعبد اللَّه محمد بْن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ فقيهًا، حافظًا، متيقّظًا.
تُوُفّي رحمه اللَّه في ربيع الآخر.
__________
1 ذيل طبقات الحنابلة "1/ 210"، وغاية النهاية "1/ 435".
2 في المنتظم "10/ 122".
3 الصلة لابن بشكوال "1/ 296".

(37/53)


25- عبد الله بْن نصر بْن عبد العزيز بْن نصر1:
أبو محمد المَرَنْدِيّ.
دار في الآفاق، وأخذ عَن الأئمة، وأفنى أكثر عمره في الأسفار، وتفقّه ببغداد عَلَى أسعد الميهني، ثم سكن مرْو.
وكان بارِعًا في الأدب.
أخذ عَنِ: الأبيوردي الأديب، وله شعر حسن.
توفي في يوم عاشوراء. قاله ابن السمعاني.
26- عبد الباقي بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي2:
الأَنْصَارِيّ، البزّاز، أبو طاهر.
قَالَ ابن السّمعانيّ: هُوَ أحد الشّهود المعدّلين، سمّعه أَبُوهُ من نصر بْن البَطِر، وطبقته. سمعنا بقراءته عَلَى أبيه "مغازي" الواقديّ. وكان سريع القراءة.
ولد سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.
ومات في رمضان.
27- عبد الحقّ بْن غالب بْن عبد الملك بْن غالب بْن تمّام بْن عطيَّة3:
الإمام الكبير، قُدْوة المفسّرين، أبو محمد بْن الحافظ النّاقد الحُجَّة أَبِي بَكْر المحاربي، الغرناطي، القاضي.
أخذ عن: أبيه، وأبي عليّ الغسّانيّ الحافظ، ومحمد بْن الفَرَج الطّلاعيّ، وأبي الحسين يحيى بْن البَيَاز، وخلْق سواهم.
وكان فقيهًا، عارفًا بالأحكام، والحديث، والتفسير، بارع الأدب، بصيرًا بلسان
__________
1 التحبير "1/ 381"، والأنساب "522"، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 241".
2 انظر معجم شيوخ ابن السمعاني.
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 386، 387"، وسير أعلام النبلاء "19/ 587، 588"، وكشف الظنون "439".

(37/54)


العرب، ذا ضبْطٍ وتقييد، وتحرٍ، وتجويد، وذهنٍ سيّال، وفكرٍ إلى موارد المُشكل ميّال. ولو لم يكن لَهُ إلّا تفسيره1 الكبير لكَفَاه.
وكان والده من حفّاظ الأندلس، فاعتني بِهِ، ولحِق بِهِ المشايخ. وقد ألّف برنامجًا ضمّنه مروياته.
ولد في سنة ثمانين وأربعمائة.
حدَّث عَنْهُ: أولاده، والحافظ أَبُو القاسم بْن حُبيش، وأَبُو مُحَمَّد بْن عبيد الله البستي، وأبو جعفر بْن مضاء، وعبد المنعم بْن الفَرَس، وأبو جعفر بْن حَكَم، وآخرون.
مات بحصْن لُورقة في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
وولي قضاء المَرِيَّة في سنة سبْعٍ وعشرين وخمسمائة. وكان يتوقّد ذكاءً، رحمه اللَّه.
قَالَ الحافظ ابن بَشْكُوال2: تُوُفّي سنة اثنتين وأربعين.
وقال: كَانَ واسع المعرفة، قويّ الأدب. متفنّنًا في العلوم، أخذ الناس عَنْهُ.
28- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الرحيم بْن أَبِي حامد3.
الخطيب، أبو عبد الله الدّارِميّ، الهَرَويّ.
قَالَ ابن السّمعانيّ4: كَانَ فاضلًا، صالحًا، ورِعًا، عابدًا، كَانَ ينوب عَنْ خطيب هَراة.
وسمع من: بِيبي، وكلاب، وعبد اللَّه بْن محمد الأنصاريّ، وأبي عبد الله العميري، وأبي بكر الغورجي5، وجماعة.
__________
1 وهو: "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز".
2 في الصلة "2/ 387".
3 التحبير "1/ 397، 398"، والتقييد "339".
4 في التحبير.
5 الغورجي: نسبة إلى غورج قرية على باب هراة وأبو بكر الغورجي هو راوي جامع الترمذي عن عبد الجبار الجراحي توفي سنة "481".

(37/55)


وحدَّث.
وتُوُفّي بهَرَاة في المحرَّم.
روى عَنْهُ: أبو رَوح في مشيخته، وبالإجازة: أبو المظفّر بْن السّمعانيّ. وظنّي أنّ أَبَاهُ روى عَنْهُ أيضًا.
وكان مولده سنة أربع وستين وأربعمائة.
29- عَبْد الرَّحْمَن بْن عبد الملك بْن غَشَلْيان1:
المحدِّث، أبو الحَكَم الأنصاريّ، السَّرَقُسْطيّ.
لَهُ إجازة من القاضي أَبِي الحسن الخِلَعيّ، وجماعة عَلَى يد أَبِي عليّ الصّدَفيّ.
وسمع من: الصَّدَفيّ، وجماعة. حتّى إنّه سَمِعَ من ابن بَشْكُوال.
وقال ابن بَشْكُوال: أخذتُ عَنْهُ، وأخذ عنّي كثيرًا. وكان من أهل المعرفة والذّكاء واليَقَظَة.
سكن قُرْطُبة، وبها تُوُفّي في رمضان.
قلتُ: آخر مَن روى عَنْهُ في الدّنيا بالإجازة: محمد بْن أحمد ابن صاحب الأحكام، شيخ سَمِعَ منه ابن سيسريّ، وبقي إلى سنة 714.
30- عبد الرحمن بْن عُمَر بْن أَبِي الفضل2:
أبو بَكْر البصْريّ، ثمّ المَرْوَرُّوذِيّ، شيخ صالح، حَسَن السّيرة، معمَّر. وهو آخر مَن سَمِعَ مِن القاضي حسين بْن محمد الشّافعيّ المَرْوَرُّوذيّ صاحب التّعليق. سَمِعَ منه مجلسًا من أماليه.
وسمع من: شيخ الإسلام أَبِي إسماعيل الأنصاريّ.
وكان مولده في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
وتُوُفّي في ذي الحجَّة سنة إحدى وأربعين.
أجاز لأبي المظفر بن السمعاني.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 352".
2 معجم الشيوخ لابن السمعاني.

(37/56)


31- عبد الرحمن بْن عُمَر بْن أحمد1.
أبو مسلم الهَمَذَانيّ، الصُّوفيّ، العابد.
مات في شوّال عَنْ سبْعٍ وسبعين سنة.
أجاز لَهُ محمد بْن عثمان القُومسانيّ.
32- عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن سليمان:
أبو القاسم، وأبو زيد التُجيبي، ابن الأديب الأندلسيّ، نزيل أورِيولة2، ووالد الشيخ أَبِي عبد الله.
أخذ بمُرسية عَنْ: أَبِي محمد بْن أَبِي جعفر تلمَذ لَهُ. ولقي بالمَرية: أبا القاسم ابن ورد، وأبا الحسن بن موهب الجذامي.
وحج سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع بمكَّة من الحسين بْن طحّال.
وأخذ القراءات عَنْ أَبِي عليّ الحَسَن بْن عبد الله. باشر القضاء ووليه مُكرَهًا.
وكان خاشعًا، متقلّلًا من الدّنيا، لَهُ بضاعة يعيش من كسْبها. وكان إذا خطب بكى وأبكى، وكان فصيحًا، مشوَّهًا.
ثمّ إنّه أُعْفي من القضاء بعد شهرين من ولايته.
وبعد الأربعين وفاته.
33- عبد الرحمن بْن عيسى بْن الحاجّ3:
أبو الحَسَن القُرطبي، المَجْريطيّ4.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي القاسم بْن النّحّاس.
وولي قضاء رنْدة.
أخذ عنه القراءات ابنه يحيى القاضي.
__________
1 الأنساب "3/ 395"، والتحبير "1/ 400، 401".
2 أوريولة: مدينة قديمة من أعمال الأندلس من ناحية تدمير "معجم البلدان 1/ 280".
3 غاية النهاية "1/ 376".
4 المجريطي: بلدة بالأندلس "معجم البلدان 5/ 58".

(37/57)


34- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عيسى1:
أبو القاسم الأُمَويّ، الأشْبيلي، النَّحْويّ، المعروف بابن الرماك.
روى عَنْ: أَبِي عبد اللَّه بْن أَبِي العافية، وأبي الحَسَن بْن الأخضر، وأبي الحسين بْن الطّراوة.
وكان أستاذًا في صناعة العربيَّة، محقّقًا، مدقّقًا، متصدّرًا للإقراء بها، قائمًا عَلَى "كتاب" سِيبَوَيْه.
قَلَّ مشهورٌ من فُضَلاء عصره إلّا وقد أخذ عَنْهُ.
قَالَ أبو عليّ الشّلوبينيّ: ابن الرّماك عَلَيْهِ تعلَّم طَلَبة الأندلس الجِلّة.
أخذ عَنْهُ: أبو بَكْر بْن خَيْر، وأبو إسحاق بْن مَلْكُون، وأبو بَكْر بْن طاهر المحدّث، وأبو العبّاس بْن مَضَاء، وآخرون.
وتُوُفّي كهلًا.
35- عبد الرحيم بْن عبد الرحمن2:
أبو الحسن الكِنْديّ، الصُّوفيّ، مولى أَبِي منصور محمد بْن إسماعيل اليَعْقوبيّ. مرّ "بختيار" تقدَّم.
36- عبد الرحيم بْن محمد بْن الفضل:
الأصبهانيّ الحدَّاد.
تُوُفّي في شوَّال.
37- عبد الكريم بن خلف بن طاهر بن محمد بْن محمد.
أبو المظفَّر الشَّحّاميّ، النَّيْسابوريّ.
من بيت الحديث والعدالة.
سَمِعَ: الفضل بْن المُحِبّ، وأبا إسحاق الشّيرازيّ الفقيه لمّا قدِم عليهم، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وجماعة كثيرة.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 175"، والوافي بالوفيات "18/ 234".
2 تقدم باسم "باختيار بن عبد الله الهندي الصوفي" برقم "9".

(37/58)


وكان مولده في سنة ست وستين وأربعمائة، ومات في سلْخ جُمادى الأولى بنَيْسابور.
روى عَنْهُ: جماعة.
وممّن روى عَنْهُ بالإجازة: عبد الرحيم بْن السّمعانيّ.
38- عبد الكريم بْن عبد المنعم بْن أَبِي القاسم القُشيري.
أبو محمد بْن أَبِي المظفَّر النَّيْسابوريّ.
سَمِعَ من: عبد الواحد، وعليّ بْن الحمْد المَدِينيّ، المؤدّب.
وببغداد: أبا القاسم بْن بيان.
حدَّث، وتُوُفّي رحمه اللَّه في الثّالث والعشرين من شعبان.
39- عبد المحسن بْن غُنيمة بْن أحمد بْن فاحة1.
أبو نصر البغداديّ.
شيخ صالح، ديّن، خيّر.
سَمِعَ: أبا عبد الله النّعاليّ، وابن نبهان، وشُجاعًا الذُّهْليّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي فِي المحرَّم.
"حرف الميم":
40- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خَلَف بْن بيش.
أبو عبد الله العبْدَريّ، الأندلسيّ، الأثريّ.
إمام مشاوَر، لَهُ إجازة من أَبِي عبد الله الخَوْلانيّ.
روى عَنْهُ: أبو بَكْر بلبيس.
وتُوُفّي في صفر.
41- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر:
الطوسي، أخو خطيب الموصل.
__________
1 المنتظم "10/ 122".

(37/59)


سَمِعَ: النِّعاليّ، وابن البطِر.
وعنه: ابن أخيه.
وكان فقيهًا شافعيًا، مناظِرًا.
مات في المحرَّم.
42- محمد بْن أحمد بْن مالك.
العاقوليّ.
عَنْ: طِراد، وابن البطِر.
وعنه: ابن هُبل الطَّبيب.
43- محمد بْن إسماعيل بْن أَبِي بَكْر بْن عبد الجبّار1.
النّاقديّ، الجراحيّ، المَرْوَزِيّ، السّاسيانيّ.
وساسيان محلَّة بمرْو، شيخ صالح.
قرأ عَلَيْهِ أبو سعد السّمعانيّ "صحيح البخاريّ" بسماعه من أَبِي الخير محمد بْن موسى الصّفّار، وقال: تُوُفّي سنة إحدى أو اثنتين وأربعين.
44- محمد بْن الحسن بْن محمد بْن سَوْرة:
أبو بَكْر التّميميّ، النَّيْسابوريّ.
سَمِعَ: الفضل بْن أَبِي حرب، وأحمد بْن سهل السّرّاج، وابن خَلَف.
تُوُفّي في جُمادَى الأولى.
45- محمد بْن طِراد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ2.
أَبُو الحسين العبّاسيّ، الزَّيْنَبيّ، نقيب الهاشميّين ببغداد.
سَمِعَ: عمّه أبا نصر، وأباه، وأبا القاسم بْن البُسري، وإسماعيل بْن مَسْعَدَة الإسماعيليّ، وهو أخو الوزير أَبِي القاسم عليّ.
__________
1 الأنساب "6/ 8، 9"، واللباب "2، 92".
2 المنتظم "10/ 123"، والكامل في التاريخ "11/ 118"، والبداية والنهاية "12/ 222".

(37/60)


ولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة. وكان كثير الحجّ، صدرًا، نبيلًا، مسنِدًا.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وأبو أَحْمَد بْن سُكَيْنَة، وعمر بْن طبَرزد، وجماعة.
وبالإجازة أبو القاسم بْن صَصْرى.
وتُوُفّي في شعبان. ودُفن بداره بباب الأزَج، وبقي في النّقابة ثمان عشرة سنة.
46- مُحَمَّد بْن عليّ بْن عبد الله1.
أبو بَكْر الكِشمَردي2.
سَمِعَ: الحسين بْن السّرِيّ، وثابت بْن بُندار.
وعنه: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر في مُعجميهما.
وكان صالحًا.
تُوُفّي في رجب ببغداد.
47- محمد بْن عليّ بْن عبد الله3.
الإمام أبو عبد الله العراقي، البغداديّ، نزيل البَوَازيج4.
من كبار أئمَّة الشّافعيَّة القائمين عَلَى المذهب.
تفقّه عَلَى: إلْكِيا الهرّاسيّ، وأبي حامد الغزالي، وأبي الشّاشيّ.
وأخذ عَنْ: أَبِي الوفاء بْن عقيل، وأبي بَكْر بْن المظفّر الشّاميّ.
لقيه المحدث أبو الفوارس الحسن بن عبد الله بن شافع الدمشقي بإربل، وسمع منه جزءًا ومَقَاطع مِن شِعْره.
وكان العراقيّ قد قدِم إرْبِلَ لحاجة.
مولده في حدود الثمانين وأربعمائة، وبقي إلى بعد الأربعين وخمسمائة.
__________
1 الأنساب "10/ 435، 436"، واللباب "3/ 99".
2 الكشمردي: نسبة إلى كشمرد نسبة إلى بعض أجداد المنتسب إليه قاله ابن السمعاني.
3 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 88"، والوافي بالوفيات "4/ 155"، وكشف الظنون "342"، ومعجم المؤلفين "11/ 23".
4 البوازيج: بلدة قديمة على الدجلة فوق بغداد "الأنساب 2/ 321".

(37/61)


48- محمد بْن عليّ بْن محمد.
أبو جعفر المَرْوَزِيّ، الدّرقيّ.
فقيه، صالح، معمَّر.
أخذ عَنْ: أَبِي القاسم الدَّبُّوسيّ.
وعنه: السّمعانيّ، وغيرة.
49- محمد بن فضل الله1.
أبو الفتح بن مخمخ البنجديهي، الفقيه، العابد.
سمع من: أبي سعيد البغوي الدباس.
ومات ببنج ديه في جمادى الآخرة عَنْ ثلاثٍ وسبعين سنة.
أخذ عَنْهُ: السّمعانيّ.
50- محمد بْن محمد بْن عبد الرحمن2.
أبو الفتح النَّيْسابوريّ، الخشّاب، الكاتب.
سمع: أبا القاسم بن هوازن القُشيري، وفاطمة بِنْت أَبِي عليّ الدّقّاق، والفضل بْن المحبّ.
قَالَ أبو سعد: لِقيته بأصبهان، وله شعرٌ رائق، وخطّ فائق.
قلت: هو آخر من حدَّث بأصبهان عَن القُشَيريّ وزوجته بِنْت الدّقّاق رحمه اللَّه.
51- محمد بْن محمد بْن أحمد بْن أحمد السّلّال3.
أبو عبد الله الكَرْخيّ، الورّاق، الحبّار.
كَانَ يبيع الحبر في دكّان عند باب النُّوبيّ.
سَمِعَ: أبا جعفر ابن المسلمة، وعبد الصّمد بْن المأمون، وجابر بْن ياسين، وأبي بَكْر بْن سياوش الكازَروني، وأبي الحسن بْن البيضاويّ، وأبي عَلِيّ بْن وشاح.
__________
1 التحبير "2/ 210، 211".
2 الأنساب "5/ 120"، وسير أعلام النبلاء "20/ 77"، والوافي بالوفيات "1/ 165".
3 المنتظم "10/ 123"، وسير أعلام النبلاء "20/ 75، 76"، ولسان الميزان "5/ 364".

(37/62)


وتفرّد بالرواية عَنْ هَؤُلّاءِ الثّلاثة، وطال عمره، وتفرد.
وُلِد في رمضان سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ في خُلُقه زَعارَّة، وكنّا نسمع عَلَيْهِ بجّهْد. وهو مُتَّهَم، معروف بالتّشيُّع.
قَالَ أبو بَكْر محمد بْن عبد الباقي: بيت السّلّال معروف في الكرْخ بالتّشيُّع.
وقال الحافظ ابن ناصر: كنت أمضي إلى الجمعة وقد ضاق وقتُها، فأراه عَلَى باب وكأنّه فارغ القلب، لَيْسَ عَلَى خاطره من الصّلاة شيء.
قلت: روى عنه: ابن السمعاني، وعمر بن طَبَرْزَد، وأبو الفَرَج بْن الجوزيّ، ومحمد بْن أَبِي عبد الله بْن أبي فتح النّهْروانيّ، ومحمد بْن عَبدة البروجِردي، وسليمان المَوْصليّ، وأخوه عليّ، والنّفيس بْن وهْبان، وآخرون.
تُوُفّي في جُمادى الأولى، وله أربعٌ وتسعون سنة.
روى عَنْهُ بالإجازة أبو منصور بْن عُفَيْجة. وأبو القاسم بْن صَصرى.
52- محمد بْن محمد بْن الفضل بْن دلّال.
أبو منصور الشَّيْبانيّ، الباجِسرائي1، ثمّ البغداديّ، الحافظ.
سَمِعَ الكثير، وقرأ، وكتب، وعُني بهذا الشّأن وكان سريع القراءة، جيّد التّحصيل.
سَمِعَ: طِراد بْن محمد، وابن البَطِر، وطبقتهما.
روى عَنْهُ: أبو اليُمن الكِنْديّ.
تُوُفّي فِي شَعْبان وله إحدى وثمانون سنة.
ذكره ابن النّجّار.
53- المبارك بْن أحمد بْن محبوب.
أبو المعالي المحبوبي، أخو أبي علي البغدادي.
__________
1 الباجسرائي: نسبة إلى باجسرا وهي قرية كبيرة بنواحي بغداد "الأنساب "2/ 17".

(37/63)


سَمِعَ من: طِراد الزَّيْنَبيّ، ونصر بْن البَطِر، وجماعة.
وكان شيخًا صالحًا، خيّرًا.
تُوُفّي في نصف رجب.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وابن الجوزيّ.
54- المبارك بْن المبارك بْن أحمد بْن المحسّن بْن كيلان.
أبو بَكْر الكيْلانيّ، السِّقلاطوني، البابَصري، من أهل باب البصْرة من أهل السّتْر والصَّلاح.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وثابت بْن بُندار.
وتُوُفّي في رجب وقد قارب السّتّين.
55- مسلم بْن الخضِر بْن قسيم1.
أبو المجد الحَمَويّ، من شعراء نور الدّين.
لَهُ شِعر في "الخريدة".
فمن شعره:
أهلًا بطَيْف خيالٍ جاءني سَحَرًا ... فقمت واللّيل قد شابتْ ذوائبُه
أقبّل الأرضَ إجلالًا لزَوْرَتهِ ... كأنّما صدقتْ عندي كواذبُه
ومودع القلب من نار الجوى حرقا ... قضى بها قبل أن تُقضى مآربُه
تكاد من ذِكر يوم البَين تحرقُه ... لولا المدامع أنفاسٌ تُغالبه
56- مسعود بْن أَبِي غالب بْن التُرَيكي.
السّقْلاطُونيّ.
سَمِعَ: محمد بْن عبد الواحد الأزرق في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن طبَرْزَد، وسمع منه في هذا العام، بقراءة أخيه أَبِي البقاء محمد.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 24"، وعيون التواريخ "12/ 408، 409".

(37/64)


57- المفضَّل بْن أحمد بْن نصر بْن عليّ بْن أَبِي الحُسين أحمد بْن محمد بْن قاذشاه:
أبو عبد الله الأصبهانيّ.
سَمِعَ: أبا عبد الله الثّقفيّ، وأبا بَكْر بْن ماجة الأَبْهَرِيّ.
وتُوُفّي بهَمَذَان في جُمادى الأولى.
كتب عَنْهُ: الحافظ أبو سعد، وعبد الخالق بْن أسد.
58- المَهدي بْن هبة اللَّه بْن مَهْدِيّ1:
أبو المحاسن الخليليّ، القَزْوينيّ.
إمامٌ، زاهد، عابد، ورِع، قوّال بالحقّ، نزل بنواحي مَرو.
وقد تفقّه عَلَى أسعد المَيهني، وقرأ "المقامات" بالبصْرة عَلَى المصنِّف، ثمّ تزهّد، وصحِب يوسف بْن أيّوب مدَّة.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ: حدَّثنا عَنْ محيي السُنّة البَغَويّ.
وُلِد سنة خمسٍ وثمانين وأربعمائة، وتُوُفّي بقرية جيرنج في شعبان.
"حرف النون":
59- نصر بْن أسعد بْن سعد بْن فضل اللَّه بْن أحمد2:
المَيهني، الصُّوفي.
سَمِعَ: أبا الفضل محمد بْن أحمد العارف في سنة بضعٍ وستّين.
أخذ عَنْهُ: أبو سعد، وقال: مات في المحرَّم.
"حرف الواو":
60- وجيه بْن طاهر بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يوسف بن محمد بن المَرزبان3:
__________
1 التدوين في أخبار قزوين "4/ 126"، وطبقات الشافية الكبرى للسبكي "4/ 317".
2 التحبير "2/ 343".
3 المنتظم "10/ 124"، وسير أعلام النبلاء "20/ 109-111"، والبداية والنهاية "12/ 222".

(37/65)


أبو بَكْر الشّحّاميّ، أخو زاهر.
من بيت الحديث والعدالة بنَيْسابور.
رحل بنفسه إلى هَراة أو إلى بغداد.
ومولده في شوّال سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة.
سَمِعَ: أبا القاسم القُشيري، وأبا حامد الأزهريّ، وأبا المظفَّر محمد بْن إسماعيل الشّحّاميّ، وأبا نصر عبد الرحمن بْن محمد بْن موسى التّاجر، ويعقوب بْن أحمد الصَّيْرفيّ، وأبا صالح المؤذّن، ووالده أبا عبد الرحمن الشّحّاميّ، وشيخ الحجاز عليّ بْن يوسف الجُوَيني، وشبيب بْن أحمد البَسْتيغيّ، وأبا سهل الحفْصيّ، وأبا المعالي عمر بن محمد بن الحسين البِسطامي، وأخته عائشة بِنْت البسْطاميّ، ومحمد بْن يحيى المزكيّ، وأبا القاسم إسماعيل بْن مَسعدة، الإسماعيليّ، وطائفة بنَيْسابور.
وبهَراة: شيخ الإسلام، وبِيبي الهَرثَمية، وعاصم بْن عبد الملك الخليليّ، وأبا عطاء عبد الرحمن بْن محمد الجوهري، وأبا العلاء صاعد بْن سيّار، ونجيب بْن ميمون الواسطيّ، وعطاء بْن الحسَن الحاكم، وجماعة بهَراة.
وعبد الرحمن بْن محمد بْن عفيف البُوشَنْجيّ، وأبا سعد محمد بْن محمد الحجْريّ ببوشنج.
وأبا نصر محمد بْن محمد الزَّيْنبيّ، وأبا الحسين الصّاحبيّ ببغداد.
وأبا نصر محمد بْن وَدعان الموصليّ بالمدينة.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو الفضل محمد بْن أحمد الطّبَسي، ومحمد بن فضل الله السالاري، ومنصور الفراوي، والمؤيَّد الطُّوسيّ، وزينب الشَّعْرِيَّة، ومجد الدّين سعيدِ بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم الشّهْرُزُوريّ، والقاسم بْن عبد الله الصّفّار، وأبو النّجيب إسماعيل بْن عثمان الغازي، وأبو سَعْد عبد الواحد بْن عليّ بْن حمّوَيه الجُويني، وآخرون.
قَالَ ابن السَّمْعانيّ: كتبت عَنْهُ الكثير، وكان يُملي في الجامع الجديد بنَيْسابور كلّ جمعة في مكان أخيه زاهر. وكان كخير الرجال، متواضعًا، ألُوفًا، متودّدًا، دائم الذِّكر، كثير التّلاوة، وصُولًا للرجم، تفرّد في عصره بأشياء، ومرض أسبوعًا1.
__________
1 التقييد لابن نقطة "472"، والمنتخب "473".

(37/66)


وتُوُفّي في ثامن عشر جُمادى الآخرة. ودُفن بجنب أبيه وأخيه.
"حرف الياء":
61- يحيى بْن خَلَف بْن النّفيس1.
أبو بَكْر، المعروف بابن الخَلوف، الغَرْناطيّ، المقرئ، الأستاذ.
لقي من المقرئين: أبا الحسن العبْسيّ، وخازم بْن محمد، وأبا بَكْر بْن المفرّج البَطَلْيُوسيّ، وأبا القاسم بْن النّحّاس، وأبا الحسن بْن كرز، وعيّاش بْن خَلَف.
ومن المحدّثين: ابن الطّلّاع، وأبا عليّ الغسّانيّ، وأبا مروان بْن سرّاج، فسمع من بعضهم، وأجاز لَهُ سائرهم.
وحجّ فسمع "صحيح مسلم" بمكَّة، من أَبِي عبد الله الحسين الطَّبَريّ، ودخل العراق، فسمع من: أَبِي طاهر بْن سِوار المقرئ، وبالشّام من أَبِي الفتح نصر بْن إبراهيم المقدسيّ.
وأقرأ النّاس بجامع غَرْناطَة زمانًا، وطال عُمره، واشتهر اسمه وحدَّث، وأقرأ الناس، وكان بارعًا فيها، حاذِقًا بها، مَعَ التّفنُّن، والحِفْظ، ومعرفة التفاسير، والجلالة والحُرمة.
حدَّث عَنْهُ: أبو عبد الله النُّميريّ، ويقول فيه: يحيى بْن أَبِي سعيد، وأبو بَكْر بْن رزق، وأبو الحَسَن بْن الضّحّاك، وأبو عبد الله محمد بْن عبد الرحيم بْن الفَرَس، وابنه عبد المنعم بْن محمد، وابنه عبد المنعم بْن يحيى بْن الخَلوف، وأبو القاسم القَنْطريّ، وأبو محمد بن عُبيد الله الحَجري، وأبو عبد الله بْن عروس.
وتُوُفّي بغَرْناطة في آخر العام.
وكان مولده في أول ست وستين وأربعمائة.
ترجمه الأَبّار.
ومن بقايا الرُّواة عَنْهُ: أحمد بْن عبد الودود بْن سمجون، بقي إلى سنة ثمانٍ وستمائة.
__________
1 بغية الملتمس للضبي "501، 502".

(37/67)


62- يحيى بْن زيد بْن خليفة بْن داعي بْن مَهدي بْن إسماعيل1.
أبو الرِّضا العَلَويّ، الحَسني، السّاويّ، شيخ الصُّوفيَّة بساوة.
ديّن صالح، خيّر، متودّد، متواضع، جميل.
سَمِعَ بأصبهان: أبا سعد المطرِّز، وأبا منصور بْن مَندويه، وأبا عليّ الحّداد.
وتُوُفّي في شعبان عَنْ بضعٍ وسبعين سنة.
روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ.
63- يحيى بْن عبد الله بْن أَبِي الرجاء محمد بْن عليّ التّميميّ2.
أبو الوفاء الأصبهانيّ.
تُوُفّي في الخامس والعشرين من رمضان. وكان فاضلًا، نبيلًا، معدَّلًا، عالِمًا بالشّروط.
روى عَنْهُ: أبو موسى المَدِينيّ، والسّمعانيّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وعَبْد الجبّار بْن عَبْد اللَّه بْن بُرزة، وأبا طاهر النّقّاش.
64- يحيى بْن موسى بْن عبد الله3.
أبو بكر القُرطبي.
روى عَنْ: محمد بْن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ.
وكان رجلًا صالحًا، طاهرًا، مُقبلًا عَلَى ما يعنيه.
روى عَنْهُ: ابن بَشكوال فوائد أَبِي الحسن بْن صخْر، بسماعه من عبد العزيز بْن أَبِي غالب القَرَويّ، عَنْهُ، وقال: تُوُفّي في عقِب صفر.
وفيات سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة:
"حرف الألف":
65- أحمد بْن الحُصين بْن عبد الملك بن عطاف:
__________
1 التحبير "2/ 375"، ومعجم شيوخ ابن السمعاني ورقة "283أ".
2 التحبير "2/ 376، 377".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 673".

(37/68)


القاضي، أبو العبّاس العُقيلي، الجيّانيّ.
طلب العِلم وهو ابن ستّ عشرة سنة، وهذا يندُر في المغاربة، ورحل إلى قُرْطُبة، فسمع من: أَبِي محمد بْن عَتّاب، وأبي الأصْبَغ بْن سهل.
وسمع بإشبيلية من: أبي القاسم الهَوزَني.
وسكن غَرْناطَة، وأفتى بها، وحدَّث.
روى عَنْهُ: أبو محمد بْن عُبيد اللَّه الحَجري.
66- أَحْمَد بْن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ1.
أبو الحسن بْن أَبِي موسى بْن الآبنُوسيّ، الفقيه الشّافعيّ، الوكيل.
وُلِد سنة ستٍّ وستين وأربعمائة، وسمع: أبا القاسم بْن البُسري، وأبا نصر الزَّيْنبيّ، وإسماعيل بْن مَسعدة الإسماعيليّ، وعاصم بْن الحَسَن، وأبا الغنائم بْن أَبِي عثمان، ورزق اللَّه، وجماعة كثيرة.
وتفقّه عَلَى القاضي محمد بْن المظفَّر الشّاميّ، وعلى أَبِي الفضل الهَمَذَانيّ.
ونظر في عِلْم الكلام والاعتزال. ثم فتح اللَّه لَهُ بحسن نيّته، وصار من أهل السُّنة.
روى عَنْهُ: بنته شرف النّساء وهي آخر من حدَّث عَنْهُ، وابن السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو اليُمن الكِندي، وسليمان الموصليّ، وآخرون.
قال ابن السمعاني: فقيه، مُفتٍ، زاهد. يعرف المذهب والفرائض. اعتزل عن الناس، واختار الخمول، وترك الشهرة، وكان كثير الذِّكر. دخلت عليه، فرأيته على طريقة السلف من خشونة العيش، وترك التكلف.
وقال ابن الجوزي2: صحب شيخنا أبا الحسن بن الزاغوني، فحمله على السُنّة بعد أن كَانَ مُعْتزليًّا، وكانت لَهُ اليد الحسَنة في المذهب، والخلاف، والفرائض، والحساب، والشُّروط. وكان ثقة، مصنّفًا، عَلَى سَنَن السَّلَف، وسبيل أهل السُّنة في الاعتقاد. وكان يُنابذ مَن يخالف ذَلكَ من المتكلّمين.
__________
1 المنتظم "10/ 126"، والعبر "4/ 114"، وسير أعلام النبلاء "20/ 162، 163".
2 في المنتظم.

(37/69)


وله أذْكار وأوراد من بكرةٍ إلى وقت الظُّهْر، ثم يُقرأ عَلَيْهِ من بعد الظّهر. وكان يلازم بيته، ولا يخرج أصلًا. وما رأيناه في مسجد، وشاعَ أنّه لا يصلّي الجمعة، وما عَرَفْنا عَنْهُ في ذَلكَ.
وتُوُفّي في ثامن ذي الحجَّة.
قلت: وأجاز لأبي منصور بْن عُفيجة، ولأبي القاسم، يعني ابن سعد.
67- أحمد بْن عبد الخالق بْن أَبِي الغنائم.
الهاشميّ، أبو العبّاس.
سَمِعَ مجلسًا من طِراد.
روى عَنْهُ: الفضل بْن عبد الخالق الهاشميّ.
68- أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عبد الباري1.
أبو جعفر البِطرَوجي، ويقال: البِطْرَوْشيّ، بالشّين، الحافظ.
أحد الأئمَّة المشاهير بالأندلس.
أخذ عَنْ: أَبِي عبد الله الطَّلَّاعيّ، وأبي عليّ الغسّانيّ، وأبي الحسن العبْسيّ، وخازم بْن محمد، وخَلَف بْن مدبّر، وخَلَف بْن إبراهيم الخطيب المقرئ، وجماعة.
وأكثر عَنْ أَبِي عبد الله الطَّلّاعيّ. وقرأ القراءات بقُرطبة عَلَى عيسى بْن خيرة.
وناظر في "المدوَّنة"2 عَلَى عبد الصّمد بْن أَبِي الفتح العَبْدَريّ، وفي "المستخرَجة" عَلَى أَبِي الوليد بْن رشد. وعرض "المستخرجة" مرَّتين عَلَى أَصْبغ بْن محمد.
وأجاز لَهُ أبو المطرّف الشّعبيّ، وأبي داود الهَرَويّ، وأبو عليّ بْن سُكّرة، وأبو عبد الله بْن عَوْن، وأبو أسامة يعقوب بْن عليّ بْن حزْم.
وكان إمامًا عاقلًا، عارفًا بمذهب مالك، بصيرًا، حافظًا، محدّثًا، عارفًا بالرجال، وأحوالهم، وتواريخهم، وأيامهم، وله مصنّفات مشهورة.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 82"، وسير أعلام النبلاء "20/ 116-118".
2 المدونة: أشهر كتب المالكية في الفقه لأبي سعيد سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي واسمه عبد السلام، وسبقت ترجمته في وفيات "231-240هـ" رقم "249".

(37/70)


وكان إذا سُئل عَنْ شيء فكأنّما الجواب عَلَى طَرَف لسانه، ويُورِد المسألة، بنصّها ولفْظها لقوَّة حافظته، ولم يكن للأندلس في وقته مثله، لكنّه كَانَ قليل البضاعة من العربيَّة رثّ الهيئة، خاملًا لخفَّةٍ كانت بِهِ. ولذلك لم يلحق بالمشاهير، ولا ولّوه شيئًا من أمور المسلمين، وعسى كَانَ ذَلكَ خيرًا لَهُ، رحمه الله.
وروى عَنْهُ "الموطّأ": أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُبيد اللَّه الحَجْريّ، وخَلَف بْن بَشْكُوال الحافظ، وأخوه محمد بْن بَشْكُوال، وأبو الحسن محمد بْن عبد العزيز الشَّقُوريّ1، ومحمد بْن إبراهيم بْن الفَخّار، ويحيى بْن محمد الفِهري البَلَنْسيّ، وخلْق سواهم.
قَالَ ابن بَشْكُوال2: كَانَ من أهل الحِفظ للفقه، والحديث، والرجال، والتّواريخ، مقدَّمًا في ذَلكَ عَلَى أهل عصره.
وتُوُفّي لثلاثٍ بقين من المحرَّم.
وهو قُرْطُبيّ، أصله من بِطروش.
69- أحمد بْن أَبِي الحسن بْن الباذِش3.
الإمام أبو جعفر بْن عليّ بْن أحمد بْن خَلَف الأنصاريّ، الغَرْناطيّ.
روى عَنْ: أبيه وأبي عليّ الصَّدفّي، وابن عَتّاب، وطبقتهم فأكثر، وتفنّن في العربيَّة - وكان من الحفاظ الأذكياء. خطب بغَرْناطَة، وحمل النّاس عَنْهُ. واشتهر اسمه.
مات في هذا العام ببلده كهْلًا أو في الشّيخوخة.
70- أحمد بْن عليّ بْن عبد الواحد4.
أبو بَكْر ابن الأشقر، البغدادي، الدلال.
ولد سنة سبع وخمسين وأربعمائة.
__________
1 الشقوري: نسبة إلى شقورة ناحية بقرطبة "الأنساب "7/ 366، 367".
2 في الصلة "1/ 82".
3 الصلة لابن بشكوال "1/ 82"، وكشف الظنون "140"، ومعجم المؤلفين "1/ 316".
4 المنتظم "10/ 126"، وسير أعلام النبلاء "20/ 163"، وشذرات الذهب "4/ 131".

(37/71)


وسمع: أبا الحسن بْن المهتدي بالله، وأبا محمد الصَّرِيفِينيّ، وأبا نصر الزَّيْنبيّ.
روى عنه: أبو سعد السّمعانيّ، وعمر بْن طَبرزد، وأبو بَكْر محمد بْن المبارك بْن عتيق، وعبد اللَّه بْن يحيى بْن الخزّاز الخريميّ، وعمر بْن الحسين بْن المِعوجّ، وتُرْكُ بْن محمد العطّار، وفاطمة بِنْت المبارك بْن قَيداس، وإسماعيل بْن إبراهيم السّيبيّ الخبّاز، وأحمد بْن سَلْمان بن الأصفر، وعبد الملك بْن أَبِي الفتح الدّلّال، وآخرون.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ1: كَانَ خيِّرًا، صحيح السّماع.
تُوُفّي في ثامن صفر.
71- أحمد بْن عليّ بْن أحمد بْن يحيى بْن أَفْلَح بْن رزقون بْن سحْنُون2.
المُرسي، الفقيه، المالكيّ، المقرئ.
أخذ القراءات عن: أبي داود البيار، وابن أخي الدّوش.
وَسَمِعَ من: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن الفرج الطلاعي، وأبي علي الغساني. وقرأ لورش على أبي الحسن بن الجزار الضرير صاحب مكّيّ.
وتصدَّر للإقراء بالجزيرة الخضراء، وأخذ النّاس عَنْهُ. وكان فقيهًا، مشاوَرًا، حافظًا، محدّثًا، مفسّرًا، نَحْويًّا.
روى عَنْهُ: أبو حفص بْن عكبرة، وابن خَيْر، وأبو الحسن بْن مؤمن، وجماعة آخرهم موتًا أحمد بْن أَبِي جعفر بْن فطَيس الغافِقيّ، طبيب الأندلس، وبقي إلى سنة 613.
تُوُفّي في ذي القعدة سنة اثنتين، وقيل: تُوُفّي في حدود سنة خمسٍ وأربعين.
72- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حاطب3.
أبو العبّاس الباجيّ.
كَانَ رأسًا في اللغة والنحو، مع الصلاح والزهد.
__________
1 في المنتظم.
2 الديباج المذهب "1/ 219"، وغاية النهاية "1/ 83".
3 بغية الوعاة "1/ 371".

(37/72)


أخذ عَنْ: عاصم بْن أيّوب، وجماعة.
وعاش نحوًا من ثمانين سنة رحمه اللَّه.
73- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز.
أَبُو البقاء بْن الشّطْرَنْجيّ، البغداديّ، العُمري.
كَانَ يكتب العمر مجاورًا بمكَّة.
سَمِعَ: مالكًا البانياسيّ، وأبا الحَسَن الأنباريّ، وأبا الغنائم بْن أَبِي عثمان.
روى عَنْهُ: محمد بْن معمَّر بْن الفاخر، وثابت بْن محمد المَديني.
تُوُفّي في رمضان أو في شوّال.
74- أحمد بْن محمد بْن غالب1.
أبو السّعادات، العُطاردي، الكَرْخيّ، الخزّاز، البيِّع.
سَمِعَ: عاصم بْن الحَسَن، وأبا يوسف القَزْوينيّ، المعتزليّ، وجماعة.
وعنه: أحمد بْن عليّ بْن حَراز، ويوسف بْن المبارك الخفّاف.
وله شِعر مليح، ومعرفة بالكلام.
عاش ثمانيًا وثمانين سنة.
75- أحمد بْن محمد بْن محمد2:
أبو المعالي بْن أَبِي اليُسر البخاريّ، الفقيه.
تفقَّه عَلَى والده.
وسمع منه، ومن غيره وأفتى وناظر وأملى الحديث، وكان حسن السيرة.
توفي في وسط السنة بسرخس، وحُمل إلى بخارى.
76- أحمد بْن ما شاء الله.
أبو نصر السِّدري3.
__________
1 الأنساب "8/ 477"، واللباب "2/ 246".
2 المنتظم "10/ 126، 127".
3 السدري: نسبة إلى السدر وهو ورق شجرة النبق "الأنساب 7/ 57".

(37/73)


سَمِعَ: أبا الفضل بْن خَيرون.
وحدَّث.
وكان مستورًا من أهل القرآن والسُنّة ببغداد.
وتُوُفّي في ثالث صَفَر.
روى عَنْهُ: المبارك بْن كامل، ومحمد بْن حسين النّهْروانيّ.
77- إبراهيم بْن خَلَف بْن جماعة بْن مَهْديّ.
أبو إسحاق البكْريّ، بَكْر بْن وائل.
من الأندلس، من أهل دانية.
سَمِعَ: أبا داود المقرئ، ومحمد بْن يوسف بْن خليفة، وأبا عليّ الصَّدَفيّ. وولي قضاء بلده سنة تسعٍ وعشرين، وعُزل سنة ثلاثين وخمسمائة. وولي قضاء شاطبة مدَّة. وكان حَسَن السّيرة، ثقة، معتنيًا بالحديث.
روى عَنْهُ: أبو عُمَر بْن عيّاد، وعليم بْن عبد العزيز، وأبو بَكْر بْن مفوَّز، وتُوُفّي في رجب، وغسّله وصلّى عَلَيْهِ أبو عبد الله بْن سعيد الدّانيّ. وكان مولده في سنة ثلاثٍ وستّين وأربعمائة.
78- إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين اللّمْتُونيّ1.
ولي نيابة مَرّاكُش لأخيه تاشفين، وهو صبيّ حدَث، فقُتل أخوه سنة تسعٍ وثلاثين، فانضمّت العساكر إلى هذا وملّكوه، فقصده عبد المؤمن، وحاصر مَرّاكُش أحَدَ عشر شهرًا، ثمّ أخذها عَنْوةً لمّا اشتدّ بها القحط. وأخرج إسحاق إلى بين يدي عبد المؤمن، فعزم أن يعفو عَنْهُ لأنّه دون البلوغ، فلم توافق خواصُّه، فخلّى بينهم وبينه، فقتلوه، وقتلوا معه سير بن الحاجّ أحد الشّجعان المذكورين.
وكان إسحاق آخر ملوك بني تاشفين.
79- أسعد بْن عبد الله بْن حُميد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الصّمد2.
أبو منصور بن المهتدي.
__________
1 البيان المغرب "4/ 99".
2 المنتظم "10/ 127"، والبداية والنهاية "12/ 223".

(37/74)


شيخ جليل، شريف، مُعَمَّر.
وُلِد سنة بضعٍ وثلاثين وأربعمائة، وكان يمكنه السّماع من أَبِي طالب بْن غَيْلان، وابن المُذهِب.
ثمّ كَانَ يمكنه أن يسمع بنفسه من أَبِي الطَّيِّب الطَّبَريّ، والجوهريّ، وإنّما سَمِعَ وقد تكهَّل من: طِراد الزَّيْنَبيّ، وطاهر بْن الحسين.
وهو أخو الشّيخ أَبِي الفضل محمد شيخ الكِندي.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ بهيّ المنظر، أضرَّ في آخر عمره، وكان منسوبًا إلى الصّلاح.
قَالَ ابن الجوزيّ في كتابه "المنتظم"1: كَانَ النّاس يُثنون عَلَيْهِ.
وقال ابن السّمعانيّ: قَالَ لي: حَمَلوني إلى أَبِي الحسن القَزْوينيّ، فمسح يده عَلَى رأسي، فمن ذَلكَ الوقت ما أوجعني رأسي ولا اعتراني صُداع. ورأيته وأنا منتصب القامة في هذا السّنّ.
قلت: روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وعبد الخالق بْن أسد، وعمر بْن طَبرْزد، ويوسف بْن المبارك، والخفّاف، وغيرهم.
وتُوُفّي في رمضان، وله مائة وبضعُ سِنين.
قَالَ ابن الْجَوزيّ2: وُلِد سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وثلاثين وأربعمائة.
وقال عبد المغيث بْن زُهير: أنشدني أسعد بْن عبد الله بْن المهتدي بالله: سَمِعْتُ أبا الحسن القَزْوينيّ يُنشد:
إنّ السلامة في السُّكُوتِ ... وفي مُلازمة البيوت
فإذا تحصّل ذا وذا ... فاقنع إذًا بأقلّ قُوت
__________
1 "10/ 127".
2 في المنتظم.

(37/75)


"حرف الدال":
80- دَعوان بْن عليّ بْن حمّاد بْن صدقَة1.
أبو محمد الجُبّي، الضّرير، المقرئ.
وُلِد بجُبّة، قرية عند العقر في طريق خراسان من بغداد، في سنة ثلاثٍ وستّين. وقدِم بغداد.
وسمع من: رزق اللَّه التّميميْ، ونصر بْن البَطِر، وجماعة.
وقرأ القراءات عَلَى: عبد القاهر العبّاسيّ، وأبي طاهر بْن سِوار.
وتفقّه عَلَى أَبِي سعد المخرَّميّ.
وحدَّث، وأقرأ، وأفاد النّاس. وكان يعيد الخلاف بين يدي أَبِي سعد شيخه. وكان خيِّرًا، دينًا، مُتصاونًا، عَلَى طريق السَّلَف.
تُوُفّي فِي السادس والعشرين من ذي القِعْدة.
قرأ عَلَيْهِ: منصور بْن أحمد الجميليّ الضّرير، وجماعة.
وقال عبد الله بْن أَبِي الحسن الجُبّائي: رَأَيْت دَعْوان في النّوم، فقال: عُرضت عَلَى اللَّه خمسين مرَّة، وقال لي: إيش عملتَ؟ قلت: قرأت القرآن وأقرأته.
فقال لي: أَنَا أتولّاك، أَنَا أتولّاك.
"حرف الذال":
81- ذَكْوان بْن سيّار بْن محمد بْن عبد الله.
أبو صالح الهَروي، الدّهّان. أخو أَبِي العلاء صاعد بْن سيّار الحافظ.
سمّعه أخوه مِن محمد بْن أَبِي مسعود الفارسيّ أجزاء يحيى بْن صاعد. وكان يُلقَّب بأميرجَهْ.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وأبو رَوح الهروي.
__________
1 المنتظم "10/ 127، 128"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294"، والوافي بالوفيات "14/ 18".

(37/76)


وبالإجازة أبو المظفّر بْن السّمعانيّ.
تُوُفّي سابع ذي الحجَّة.
"حرف السين":
82- سعيد بْن خَلَف بْن سعيد:
أبو الحسن القُرْطُبيّ، المقرئ.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي القاسم بْن النّحاس، وغيره.
وسمع من: أَبِي عبد الله الطّلّاع، وخازم بْن محمد، وأبي عليّ الغسّانيّ، وجماعة.
وتصدَّر للإقراء وتعليم النَّحْو.
أخذ عَنْهُ: أبو عليّ والد الحافظ أَبِي محمد القُرْطُبيّ، وغيره.
وقرأ عَلَيْهِ إبراهيم بْن يوسف المعاجريّ.
"حرف الطاء":
83- طاهر بْن زاهر بْن طاهر1:
أبو يزيد الشّحّاميّ، النَّيْسابوريّ، السّرُوجيّ.
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خَلَف، وعبد الملك بْن عبد الله الدَّشْتيّ.
مات في شوّال، وله ستّون سنة.
84- طلْحةُ الأندلس.
أحد الأبطال الموصوفين.
جاء إلى الموحّدين وخَدَمهم، ثمّ نفَّرته أخلاقهم، فكان يأخذ المائة راجل فيغير بها عَلَى تيملك، وينْكي فيهم، وكان شَهْمًا شجاعًا، فهابته المصامدة.
ثمّ كَانَ في حصار مَرّاكُش بها، فلمّا افتتحها عبد المؤمن وبذل فيها السيف تطلّب
__________
1 التحبير "1/ 344، 345"، والمنتخب من السياق "268".

(37/77)


طلحة فوجدوه في برج، فقاتل حتّى قتل جماعة، فأتوه بأمانٍ بخطّ عبد المؤمن، فسلَّم نفسه، وأتوه بِهِ، فقال أبو الأحسن، شيخ من العشيرة: أَنَا أتقرَّب بدمه.
فقال طلحة: ألم يَنْهكم المهديّ عَنْ إضاعة المال، وعليَّ ما يساوي مالًا كثيرًا، وقد أمركم المهديّ، فكيف تفسدوه بالدّم.
فقال أبو الأحسن: حلّوًا ثيابه وجرّدوه.
فأخرج في الحال سكّينًا من قَلَنْسُوَته، ووثب بها عَلَى أَبِي الأحسن والسّيف في يده، فلم يُغنِ عَنْهُ. وقتله طلْحة، فقتلوه، وماتا جميعًا.
"حرف العين":
85- عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن عُمَر1.
أبو محمد القَيْسيّ، المالِقيّ، المعروف الوحِيديّ، القاضي.
روى عَنْ: أَبِي المطرّف الشّعبيّ، وأبي الحسين العَبْسيّ، وأبي عليّ الغسّانيّ.
وكان من أهل العلم والفهم. ولّي قضاء مالقة مدة حُمد فيها.
وتوفي عَنْ بضْعٍ وثمانين سنة.
قَالَ فيه أليَسَع بْن حزْم: طودٌ علا، أظهره سبوقه، وعلق فصل نفقت أبدًا سوقُه، فلا تُعجزه المَحَاضر، ولا يقطعه المُحاضر، فمن ذا الّذي يجاريه في الحديث والسُّنَن، ومعرفة الصّحيح والحَسَن. كنّا نقرأ عَلَيْهِ "صحيح مسلم"، فيُصلحه من لفْظه، ونجد الحقّ موافِقًا لحِفْظه، وإذا وقع غريب ذَكَر اختلاف المحدّثين فيها مَعَ اللُّغَويّين.
86- عَبْد الله بْن عَبْد المُعِزّ بْن عَبْد الواسع بْن عَبْد الهادي ابن شيخ الإسلام الأنصاريّ، أبو المعالي الهَروي.
شابٌ فاضل، مليح الوعْظ، لم يكن أهل بيته مثله في عصره، رَحَل بِهِ أَبُوهُ، وسمع المُسنَد من ابن الحُصين.
وبمكَّة من: عبد الله بْن محمد بن غزال.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "1/ 296"، والوافي بالوفيات "17/ 49".

(37/78)


وبأصبهان من: فاطمة، وجعفر الثّقفيّ.
وبهَراة من: أَبِي الفتح نصر بْن أحمد الحنفيّ.
كتب عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وقال: سَمِعَ منّي الكثير، وخرج معي إلى بوشَنج، وكتبنا جميعًا.
تُوُفّي في ربيع الأوّل، وله ثمان وثلاثون سنة.
87- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَلِيّ بن خلف1.
أبو محمد اللَّخْميّ، المعروف بالرُّشاطي، الأندلسيّ، المَرِيّيّ، الحافظ، مصنِّف كتاب "اقتباس الأنوار والْتماس الأزهار في أنساب الصّحابة ورُواة الآثار". وهو عَلَى أسلوب "الأنساب" لابن السّمعانيّ.
وقد ذكرناه في الطّبقة الماضية وأنّه تُوُفّي في حدود الأربعين، ثمّ وقعتُ بوفاته في يوم الجمعة العشرين من جُمادى الأولى من سنتنا هذه، وأنّه استُشهد عند تغلُّب العدوّ عَلَى المَرِيَّة، رحمه اللَّه.
88- عَبْد اللَّه بْن عليّ بْن سعيد2:
أبو محمد القَصْريّ3، الشّافعيّ، الفقيه.
قَالَ ابن عساكر4: أدرك أبا بَكْر الشّاشيّ، وأبا الحسن الهَرّاسيّ، وعلّق المذهب والأصول عَلَى أسعد الميهَني.
وسمع: أبا القاسم بْن بَيَان، وجماعة.
وقدِم دمشق، وسمعتُ درسه، وسمعتُ منه. وانتقل إلى حلب، وتُوُفّي بها، رحمه الله.
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 259-260"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1307، 1308"، والبداية والنهاية "12/ 223".
2 الأنساب "10/ 173"، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور "13/ 145".
3 القصري: نسبة إلى القصر موضع على ساحل البحر بين حيفا وقيسارية "الأنساب".
4 في تاريخ دمشق انظر المختصر "13/ 145".

(37/79)


89- عبد الله بن محمد بن سهل1.
أبو المعالي العدويّ، الصُّوفيّ.
سَمِعَ بنَيْسابور: أبا بَكْر بْن خَلَف، وأبا الحسن بْن الأخرم.
مات في شعبان.
أخذ عَنْهُ السّمعاني.
90- عبد الرحمن بْن طاهر بْن سعيد بْن أَبِي سعيد بْن أَبِي الخير.
أبو القاسم المِيهَنيّ2. شيخ رباط البِسطامي ببغداد، كَانَ لَهُ سُكُونٌ ووقار.
سَمِعَ بنَيْسابور أبا المظفَّر موسى بْن عِمران، وأبا الحسن المديني، وجماعة.
قال أخوه أبو الفضل أحمد بْن طاهر: وُلِد في سنة سبع وستين وأربعمائة. روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.
تُوُفّي في ربيع الأوّل ببغداد.
91- عبد الرحمن بْن عليّ بْن الموفَّق3.
الفقيه، أبو محمد النُعَيمي، المَرْوَزِيّ.
من جِلة فقهاء مَرْو.
تفقّه عَلَى أَبِي المظفَّر السّمعانيّ، وسمع منه ومن أَبِي سعد عبد العزيز القاينيّ.
مات في ربيع الأوّل.
عَنْهُ: أبو سعد.
92- عبد الرحيم بْن محمد بْن الفَرَج4.
أبو القاسم بْن الفَرَس الأنصاري، الغرناطي.
__________
1 التحبير "1/ 375".
2 الميهني: نسبة إلى ميهنة وهي إحدى قرى خابران ناحية بين سرخس، وأبيورد "الأنساب: 11/ 580".
3 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 246، 247".
4 بغية الملتمس للضبي "372، 373"، وغاية النهاية "1/ 383".

(37/80)


قرأ القرآن عَلَى موسى بْن سليمان، وطبقته.
وقرأ الفقه عَلَى جماعة، وارتحل إلى أَبِي داود، وابن الدّوش فأخذ عنهما القراءات. سمع من جماعة. وتصدَّر للإقراء بجامع المَرِيَّة، ثمّ عاد إلى بلده, ولازم الإقراء، والفُتيا، وخطَّة الشُّورَى، وارتحل إِلَيْهِ القرّاء، وانتفعوا بِهِ. وكان محقّقًا، عارِفًا بالقراءات وعلَلها.
روى عَنْهُ: ابنه أبو عبد الله، وأبو القاسم القَنْطريّ، وأبو العبّاس بْن اليتيم، وأبو جعفر بْن حَكَم، وأبو الحَجّاج الشّعريّ.
فلمّا وقعتْ الفتنةُ في غَرْناطَة عند زوال الدّولة اللّمْتونيَّة سنة تسعٍ وثلاثين وخمسمائة، خرج إلى المُنَكَّب1، فأقرأ بها إلى أن تُوُفّي في شعبان، وله 75 سنة.
93- عبد السيّد بْن عليّ بْن الطّيّب2.
أبو جعفر ابن الزَّيْتُونيّ.
تفقّه عَلَى أَبِي الوفاء بْن عقِيل، ثمّ انتقل حنفيًّا، واتّصل بنور الهدى الزَّيْنبيّ، وقرأ عَلَيْهِ الفقه، وعلى خلَف الضّرير عِلم الكلام، وصار داعيةً إلى الاعتزال، ثمّ اشتغل عَنْ ذَلكَ بمشارفة المارستان.
وتُوُفّي في شوّال.
94- عبد الملك بْن محمد بْن عُمَر3.
التّميميّ، الأندلسيّ، أبو مروان، من أهل المَرِيَّة، ويُعرف بابن وَرْد.
كَانَ فقيه، مُفْتيًا.
لقي: أبو عليّ الغسّاني، والصّدَفيّ.
وتُوُفّي في هذه السّنة ظنًّا. قاله الأبّار.
95- عليّ بْن عبد السّيّد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ4.
__________
1 المنكب: بلد على ساحل جزيرة الأندلس من أعمال إلبيرة "معجم البلدان 5/ 216".
2 المنتظم "10/ 128"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294"، ومعجم المؤلفين "5/ 232".
3 تكملة الصلة لابن الأبار "1709".
4 سير أعلام النبلاء "20/ 167، 168"، وشذرات الذهب "4/ 31".

(37/81)


أبو القاسم ابن العلّامة أَبِي نصر ابن الصّبّاغ، البغداديّ، العدْل الشّاهد. سَمِعَ كتاب "السّبعة" لابن مجاهد من الصَّرِيفِينيّ، وسمع منه غير ذَلكَ. ومن: والده، وطِراد الزَّيْنبيّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر، وابن طبَرْزد، والمؤيَّد ابن الإخوة الأصبهانيّ، وآخرون.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ كبير، مُسِنّ، ثقة، صالح، صَدُوق، حَسَن السّيرة. وُلِد سنة إحدى وستين وأربعمائة، وتُوُفّي في رابع عشر جُمادى الأولى.
قلت: آخر من روى عَنْهُ بالإجازة أبو القاسم بْن صَصْرى.
96- عمّار بْن طاهر بْن عمّار بْن إسماعيل.
أبو سعد الهَمَذَانيّ.
رحل في شبيبته، وتفرّج في مصر، والشّام، والعراق.
وسمع بالقدس من مكّيّ بْن عبد السّلام الرُميلي كتاب "فضائل بيت المقدس".
قرأ عَلَيْهِ الكتاب أبو سعد السّمعانيّ بهَمَذَان، وبها مات في ذي القعدة عَنْ سنٍ عالية.
97- عُمَر بْن أحمد بْن حسين1.
أبو حفص الهَمَذَانيّ، الصُّوفيّ، الورّاق، المقرئ.
سمع ببغداد من أَبِي الحسين بْن الطُّيوري، وبأصبهان من غانم البجي.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر.
وتُوُفّي بهَمَذَان في جُمادى الآخرة.
98- عُمَر بْن ظَفَر بْن أحمد2.
أبو حفص المَغَازِليّ، البغداديّ، المقرئ، المحدِّث.
__________
1 التحبير "1/ 515"، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور "18/ 248".
2 المنتظم "18/ 60"، وسير أعلام النبلاء "20/ 170، 171"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294".

(37/82)


ولد في سنة إحدى وستين وأربعمائة.
وسمع: أبا القاسم بْن البُسري، ومالكًا البانياسيّ، وطِرادًا الزَّيْنبيّ، وابن البطِر، وخلقًا كثيرًا.
روى عَنْهُ: ابن عساكر1، وابن السّمعانيّ، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وأبو الفَرَج بْن الْجَوْزيّ2، وجماعة.
وطلب بنفسه: ونسخ، وحصّل وجوَّد القرآن.
وقرأ بالروايات عَلَى: أحمد بْن عُمَر السَّمَرْقَنْديّ صاحب الأهوازيّ.
قرأ عَلَيْهِ: يحيى بْن أحمد الأذَني، وغير واحد.
قَالَ ابن السَّمْعانيّ: شيخ صالح، خيِّر، حَسَن السّيرة، صحِب الأكابر وخدَمهم، وهو قيّم بكتاب اللَّه. ختم عَلَيْهِ القرآن خلقٌ في مسجده، وكتبتُ عَنْهُ الكثير.
وأظهر المبارك بْن كامل المفيد في الجزء السّادس من المخلّصيّات، سماع عُمَر عَلَى ورقة عتيقة، من أَبِي القاسم بْن البُسري، فشنَّع أبو القاسم بْن السَّمَرْقَنْديّ عَلَيْهِ، وقال: ما سَمِعَ عُمَر من ابن البُسري شيئًا. وذكر أنّ الطّبقة الّتي أثبت اسم عُمَر معهم شاهدها في نسخة أخرى، وما كَانَ عُمَر معهم.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ سِنّ عُمَر يحتمل ذَلكَ، فإنّ ابن البُسري مات ولعُمَر ثلاث عشرة سنة.
تُوُفّي في حادي عشر شعبان، وقد روى عَنْهُ بالإجازة عبد الوهّاب السّمعانيّ.
"حرف الفاء":
99- فاطمة خاتون3.
بِنْت السّلطان محمد بْن ملكشاه، زَوْجَة أمير المؤمنين المقتفي.
تُوُفّيت في ربيع الآخر ببغداد، وعُمل لها العزاء ثلاثة أيّام، وجلس الأعيان.
__________
1 مشيخة ابن عساكر ورقة "311".
2 المنتظم "18/ 60".
3 المنتظم "10/ 128"، والكامل في التاريخ "11/ 123".

(37/83)


100- الفضل بْن زاهر بْن طاهر الشّحّامي1.
أبو الفتح.
كبير مشهور بنَيْسابور.
سَمِعَ: نصر اللَّه الخشناميّ، وابن الأخْرم.
عاش ثلاثًا وخمسين سنة.
"حرف الميم":
101- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الفتح حسن2.
أبو عبد الله الطّرائفيّ.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ، صالح، مستور. سَمِعَ "صفة المنافق" من أَبِي جعفر ابن المسلمة، وأجاز لَهُ: ابن المسلمة، وأبو القاسم بْن المأمون، وأبو بَكْر الخطيب. كتبتُ عَنْهُ.
وكان مولده تقريبًا في سنة خمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في ذي الحجَّة. قلت: سَمِعَ منه الفتح بْن عبد السّلام الجزء المذكور، وهو آخر من روى عَنْهُ.
102- محمد بْن أحمد بْن طاهر3.
أبو بَكْر الإشبيليّ، القَيْسيّ.
أكثر عَنْ أَبِي عليّ الغسّانيّ، واختصّ بِهِ.
وسمع من: عبد العزيز بْن أَبِي غالب القَيْروانيّ، وأبي الحسن العبْسيّ. وعُني بالحديث.
أخذ عَنْهُ النّاس، وعمِّر دهرًا.
وتُوُفّي في جُمادى الأولى وله ثلاثٌ وتسعون سنة.
__________
1 التحبير "2/ 19، 20".
2 المنتظم "10/ 129"، وسير أعلام النبلاء "20/ 174"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 589، 590".

(37/84)


103- محمد بْن أحمد بْن أَبِي بَكْر.
أبو بَكْر الصَّدَفيّ، الخُراساني، النّجّار، الْجُوجانيّ. نزيل وإمام رباط إسماعيل بْن أَبِي سعد.
سَمِعَ بمكَّة شيئًا سنة أربعٍ وخمسين.
روى عَنْهُ: عبد الخالق بن أسد، وأبو سعد السمعاني، وقال: كَانَ رفيقي في سفرة الشّام، وخرجنا صُحبةً إلى زيارة القدس، وما افترقنا إلى أن رجعنا إلى العراق، وكان نِعم الرّفيق، شيخ صالح، قيِّم بكتاب اللَّه، دائم البكاء، كثير الحزْن. جاور بمكَّة مدَّة.
وتُوُفّي سابع ربيع الأوّل وله ثمانون سنة.
104- محمد بْن سعد بْن محمد بْن إبراهيم.
أبو الفتح الأَسَدَابَاذيّ1.
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خلَف، وأبا موسى بْن عِمران، وأبا نصر عبد الله بْن الحسين بنَيْسابور.
وكان يذكر أنّه سَمِعَ "الكامل" لابن عديّ، من كامل بْن إبراهيم الجنْديّ، عَنْ حمزة السَّهْميّ، عَنْهُ.
روى عَنْهُ: أبو سعد، وابنه أبو المظفَّر وقال: تُوُفّي بمَرْو في جُمادى الأولى.
105- مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن سَهْلُون.
أبو السّعادات الصَّرِيفينيّ، سِبط أَبِي محمد بن هزارمَرد الصّريفيني.
روى عنه جدّه.
روى عَنْهُ: أحمد بْن الحسين العراقي نزيل ... 2.
وأجاز لمحمد بْن يوسف الغَزْنوي في المحرَّم في هذا العام.
ولا أعلم حتى مات.
__________
1 الأسداباذي: نسبة إلى أسداباذ وهي بليدة على منزل من همذان إذا خرجت من الطرق "الأنساب 1/ 224".
2 بياض في الأصل.

(37/85)


106- مُحَمَّد بْن عَبْد الغفّار بْن عبد السّلام1.
أبو الفتح الغياثيّ، الماهانيّ، المَرْوَزِيّ.
سَمِعَ: أبا سعيد عبد الله بْن أحمد الظّاهريّ.
وعنه: السّمعانيّ وقال: مات في عاشر جُمادى الأولى.
107- محمد بْن عَبْد الغفّار بْن محمد بْن سعيد2.
أبو الفضل القاشانيّ، المعدَّل.
تُوُفّي بأصبهان في جُمادى الأولى. قاله أبو مسعود الحاجّيّ.
سَمِعَ ابن شكروَيه.
108- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الطّيّب3.
القاضي أبو عبد الله بْن الجُلابي، الواسطي، يعرف بالمَغازلي.
سمّعه أبوه من: أَبِي الحسن محمد بْن محمد بْن مَخلَد الأزْديّ، والحَسَن بْن أحمد بْن موسى الغَندجاني4، وأبي عليّ إسماعيل بْن محمد بْن كُماري، وأبي يَعلى عليّ بْن عبد الله بْن العلّاف، وأبي منصور محمد بْن محمد العُكبري قدِم عليهم، وجماعة.
وسمع ببغداد من: أَبِي عبد الله الحُميدي.
وأجاز لَهُ: أبو غالب بْن بِشران النَّحْويّ، وأبو بَكْر الخطيب، وأبو تمّام عليّ بْن محمد بْن الحسَن القاضي صاحب محمد بْن المظفَّر الحافظ.
وطال عُمره وتفرَّد في وقته.
وكان مولده في سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ من بيت الحديث، متودد إلى الناس، حسن المجالسة.
__________
1 التحبير "2/ 158، 159"، واللباب "2/ 184"، والجواهر المضية "2/ 84".
2 التحبير "2/ 160".
3 الأنساب "3/ 400"، وسير أعلام النبلاء "20/ 171-173"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294".
4 الغندجاني: نسبة إلى غندجان وهي بلدة من كور الأهواز من بلاد الخوذ "الأنساب 9/ 179".

(37/86)


كَانَ ينوب عَنْ قاضي واسط، انحدرتُ إليه قاصدا في سنة ثلاثٍ وثلاثين، وسمعتُ منه الكثير، من ذَلكَ "مُسند الخلفاء الراشدين" لأحمد بْن سِنان، وكتاب "البِرّ والصِّلَةِ" لابن المبارك، يرويه عَن الغَندجاني، عَن المخلّص.
وقدِم بغدادَ بعد العشرين وخمسمائة، وحدَّث بها، وكان شيخنا أحمد بْن الأغْلاقيّ يرميه بأنّه ادّعى سماع شيءٍ لم يسمعه، وأمّا ظاهره فالصّدق والأمانة، وهو صحيح السَّماع والأصول.
قلت: وروى عَنْهُ أيضًا: أبو الفتح محمد بْن أحمد المَنْدائيّ، والحَسَن بْن مكّيّ المَرَندي، وأبو المظفَّر عليّ بْن عليّ بْن نغوبا، وأبو المكارم عليّ بْن عبد الله بْن فضل اللَّه بْن الجَلَخْت، وأبو بَكْر أحمد بْن صَدَقة بْن كُلَيز الغدّانيّ، وآخرون.
وتُوُفّي في رمضان.
والجُلابي: مختلَفٌ في ضمّه وفتحه، فقال أبو طاهر بن الأنماطي: قَالَ لنا شيخنا أبو الفتح المانْدائيّ: هُوَ الجَلابي، بفتح الجيم بلا شكّ. فراجعتُه، فغضب وقال: كان ينوب عن والدي في القضاء وأنا أخبَر بِهِ.
قَالَ ابن الأنْماطيّ: وسألت عَنْهُ الشّريفَ ابنَ عبد السّميع، فقال: لا أعرفه إلّا بالضّمّ. وتعجَّب من قول أَبِي الفتح.
قلت: والصّحيح الضّمّ، لأنّي رأيته مضبوطًا بخطّ والده عليّ في غير موضع فيما جمعه من "ذيل تاريخ واسط"، وبخطّ جماعةٍ في سياق السّماع لهذا التّاريخ عَلَى مؤلّفه بالضّمّ.
وكذا قيّده ابن نُقْطَة، وغيره. ولم يذكروا فيه خلافًا. فأمّا الجَلابي بالفتح، فهو:
- أبو سعيد أحمد بْن عليّ1 الفقيه.
فاضل، سمع منه أبو سعد السّمعانيّ شيئًا بخُراسان.
109- مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحُسَيْن بن السّكَن.
أبو غالب بن المفرّج البغدادي، الحاجب، صاحب باب النُوبي.
__________
1 الأنساب "3/ 399، 400".

(37/87)


متودّد إلى النّاس، راغب في الخير، محبّ للرواية.
سمع: الخطيب أبا الحسن الأنباريّ، وأبا سعد بن الكوّاز.
روى عنه: ابن السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في صَفَر وله ستٌ وسبعون سنة.
110- محمد بن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن1.
أبو عَبْد اللَّه الأُمَويّ، من أولاد سليمان بن النّاصر لدين الله.
سمع من: ابن مروان بن سِراج، ومحمد بن الفَرَج الكَلاعيّ.
وكان مقدَّمًا في مذهب مالك، عارفًا به، وقد عَمِي.
111- محمد بن محمد بن معمّر بن يحيى2.
أبو البقاء بْن طَبَرْزَد.
وكان اسمه: المبارك، فسمّى نفسه محمد. وهو أحد من عُني بالحديث، وجمْعه ونسْخه.
سَمِعَ النّاس بإفادته من أَبِي الحُصين، وأبي غالب بْن البنّا، وأبي بَكْر بْن القاضي، وخلْق.
قَالَ ابن النّجّار: قَالَ عُمَر بْن المبارك بْن شهلان: لم يكن أبو البقاء من طبَرزَد ثقة، كَانَ كذّابًا يضع النّاس أسماءهم في الأجزاء، ثمّ يذهب فيقرأ عليهم. علِم بذلك شيخنا عبد الوهّاب، وابن ناصر، وغيرهما.
قلت: وسمع أخاه عَنْهُ الكثير. وله شِعر مقارِب.
تُوُفّي في جُمادى الأولى وله نحوٌ من أربعين سنة، سامحه اللَّه.
112- محمد بْن محمد بْن أَبِي إسماعيل.
السّعْديّ، السَّرْخَسيّ.
سَمِعَ: أبا حامد الشجاعي.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 589".
2 ميزان الاعتدال "4/ 30"، ولسان الميزان "5/ 368، 369".

(37/88)


كتب عَنْهُ السّمعاني بسرخَس وقال: مات في رمضان.
قِيلَ: عاش مائة سنة وستِّ سِنين.
133- محمد بْن المظفّر بْن عليّ ابن المسلمة1.
أبو الحَسَن بْن أَبِي الفتح بْن الوزير أَبِي القاسم.
وُلِد سنة أربعٍ وثمانين، وسمع من: جعفر السّرّاج، وغيره.
وحدَّث، وانزوى وتصوّف. وأقبل عَلَى الطّاعة. ولزِم المراكبة. وجعل داره الّتي بدار الخلافة رباطًا للصُّوفيَّة.
تُوُفّي في تاسع رجب، وتقدَّم في الصَّلاة عَلَيْهِ الوزير أبو عليّ بْن صَدَقَة.
114- المبارك بْن خَيرون بْن عبد المُلْك بْن الْحَسَن بْن خَيرون2.
أبو السُّعُود.
سَمِعَ: عمّ أبيه أبا الفضل بْن خَيرون، ومالكًا البانياسيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: أبو الفرج بن الجوزي، وغيره.
وتوفي في المحرَّم.
وكان رحمه اللَّه صحيح السّماع خيّرًا. قاله أبو الفَرَج.
115- محمود بْن محمد بْن عبد الحميد بْن أَبِي بَكْر.
أبو القاسم بْن أَبِي بَكْر الحدّاديّ، الرّازيّ، الواعظ.
حدَّث عَنْ: أحمد بْن محمد بْن صاعد النَّيْسابوريّ، القاضي.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وقال لِقيته بالرَّيّ وله نحوٌ من سبعين سنة، وقد دخل بغداد غير مرَّة.
116- محمشاد بْن محمد بْن محمشاد بْن محمد3.
أبو القاسم العبْديّ، النيسابوري، الرجل الصالح.
__________
1 المنتظم "10/ 129"، والكامل في التاريخ "11/ 123".
2 المنتظم "10/ 129".
3 التحبير "2/ 329، 330".

(37/89)


سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خلَف.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
قَالَ السّمعانيّ: بتّ عنده ليلة، فما نام تِلْكَ اللّيلة أحياها في الصّلاة والذِّكر، رحمه اللَّه.
"حرف النون":
117- نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عبد القويّ1.
الفقيه أبو الفتح المصِّيصيّ، ثمّ اللاذِقي، ثمّ الدّمشقيّ. الشّافعيّ، الأصولي، الأشعري، نسبًا ومذهبًا. كذا قَالَ الحافظ ابن عساكر.
وقال: نشأ بصور، وسمع بها من: أَبِي بَكْر الخطيب، وعَمْرو بْن أحمد العطّار الآمِديّ، وعبد الرحمن بْن محمد الأبْهَريّ، والفقيه نصر المقدسيّ، وتفقّه عَلَيْهِ.
وسمع بدمشق: أبا القاسم بْن أَبِي العلاء، وغيره.
وببغداد: عاصم بْن الحَسَن، ورزق اللَّه بْن عبد الوهّاب.
وبأصبهان: أبا منصور محمد بْن عليّ بْن شكروَيه، ونظام المُلك الوزير.
وبالأنبار: أبا الحسن عليّ بْن محمد بْن الأخضر.
وقرأ بصور عِلم الكلام عَلَى أَبِي بَكْر محمد بْن عتيق القَيْروانيّ. ثمّ سكن دمشق.
قَالَ: وكان متصلّبًا في السُنّة، حَسَن الصّلاة، متجنّبًا أبواب السّلاطين.
وكان مدرّس الزّاوية الغربيَّة بالجامع الأُمويّ بعد وفاة شيخه الفقيه نصر. وقد وقف وُقُوفًا في وجه البِرّ.
وكان مولده باللّاذقيَّة في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. وهو آخر من حدَّث بدمشق عَن الخطيب.
__________
1 ذيل تاريخ دمشق "295"، والمنتظم "10/ 129"، والعبر "4/ 116"، وسير أعلام النبلاء "20/ 118، 119"، والبداية والنهاية "12/ 223".

(37/90)


وقال ابن السّمعانيّ في "ذيله": إمام، مفتي، فقيه، أُصُولي، متكلِّم، خيّر، ديّن، بقيَّة مشايخ الشّام.
كتبتُ عَنْهُ. وكان يشتهي أن يتحدّث وأقرأ عَلَيْهِ. وكان متيقظًا، حَسَن الإصْغاء. وانتقل من صور إلى دمشق سنة ثمانين وأربعمائة.
وقال ابن عساكر1: تُوُفّي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأوّل ودُفن بعد صلاة الجمعة بباب الصّغير.
قلت: روى عَنْهُ: هُوَ، وابنه القاسم بْن عساكر، وابن السّمعانيّ، ومكّيّ بْن عليّ العراقيّ، وأبو الفَرَج جابر بْن محمد بْن اللحية الحمَوي، وعسكر بن خليفة الحموي، والخطيب أبو القاسم بْن ياسين الدَّولعي، ويوسف بْن مكّيّ الحارثيّ، وولده نصر اللَّه، والخضِر بْن كامل المعبّر، وزينب بِنْت إبراهيم القَيْسيّ، وأحمد بْن محمد بْن سيّدهم الأنصاريّ، وأبوه، وأبو القاسم عبد الصّمد بْن الحَرستاني، وهبة اللَّه بْن الخضِر، وابن طاوس.
وآخر من حدَّث عَنْهُ أبو المحاسن بْن أَبِي لُقمة، روى عَنْهُ العاشر من "الرّقائق" لخَيثمة2.
118- نور عزيز بِنْت مسعود بْن أحمد بْن السَّرْنك.
أخت أَبِي الغنائم محمد. امْرَأَة صالحة من بيت حديث.
روت عَن ابن الأخضر الأنباريّ.
ماتت فِي شوّال.
"حرف الهاء":
119- هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن عليّ بْن عُبَيْد اللَّه بْن سوار3.
الوكيل أبو الفوارس، ابن المقرئ الأستاذ أبي طاهر.
__________
1 في تاريخ دمشق "44/ 425".
2 هو خيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي سبقت ترجمته في وفيات "331-350"، وكتابه هو "الرقائق والحكايات".
3 المنتظم "10/ 130".

(37/91)


شيخ مطبوع، متودّد، محتَرم، قيّم بالوكالة والدَّعَاوَى وكتابة الوثائق والمحاضر.
سَمِعَ: أَبَاهُ، ومالكًا البانياسيّ، وعاصم بْن الحسين، وأبا يوسف القَزْوينيّ، وأبا الفوارس الزَّيْنَبيّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.
ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
وتُوُفّي في رابع عشر شوّال.
قَالَ ابن الجوزيّ: كَانَ ثقة، أمينًا، توحّد في علم الشُّروط. وأخوه محمد بقي إلى سنة ستٍّ وخمسين.
120- هبة اللَّه بْن الفَرَج1.
أبو بَكْر الهَمَذَانيّ، المعروف بابن أخت الطّويل.
شيخ صالح خيّر، مُكثر، مشهور.
سَمِعَ من: عليّ بْن محمد بْن عبد الحميد الجريريّ، ويوسف بْن محمد القُومسانيّ، وعَبْدُوس بْن عبد الله، وبكر بْن حِيْد، وسُفْيان بْن الحسين بْن فنْجُوَيْه.
روى "سُنن أَبِي داود" بعُلُوّ. وعُمّر تسعين سنة.
وكان الحافظ أبو العلاء يَقُولُ: هُوَ أحبّ إليَّ من كلّ شيخٍ بهَمَذَان.
وذكره السّمعانيّ في التّحبير وأثنى عَلَيْهِ، وقال: قَالَ لي: ولدتُ سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
وقال لأبي العلاء: ولدتُ سنة ثلاثٍ.
ومن مسموعاته كتاب "مكارم الأخلاق" لابن لال، سمعه من أَبِي الفَرَج الجريريّ، بسماعه منه.
قلت: روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، والحافظ أبو العلاء الهَمَذَانيّ، وأولاده أحمد، وعبد الغنيّ، ووائلة، والمؤيَّد ابن الإخْوة، وأبو القاسم بْن عساكر، وجماعة.
وتوفي في شعبان.
__________
1 التحبير "2/ 362-264"، وسير أعلام النبلاء "20/ 163، 164".

(37/92)


121- هبة اللَّه بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن حمزة1.
أبو السّعادات بْن الشَّجَريّ2، العَلَويّ، النَّحْوِي، النقيب.
ولد سنة خمسين وأربعمائة.
أحد الأئمَّة الأعلام في علم اللّسان.
قرأ عَلَى الشّريف أَبِي المعمّر يحيى بْن محمد بْن طباطبا النَّحْوي، وقرأ الحديث في كُهولته عَلَى: أَبِي الحسين بْن المبارك بْن الطُّيوري، وأبي عليّ بْن نبهان، وغيرهما.
وطال عمره، وانتهى إِلَيْهِ عِلم النَّحْو، وناب في النّقابة بالكرْخ. ومُتِّع بجوارحه وحواسّه. وأظنّه أخذ الأدب أيضًا عَنْ أَبِي زكريّا التّبْريزيّ.
قرأ عَلَيْهِ التّاج الكِنْدي كتاب "الإيضاح" لأبي عليّ الفارسيّ، و"اللُّمع" لابن جني، وتخرّج به طائفة كبيرة.
وصنّف التصانيف في العربية.
قال أبو الفضل بن شافع في تاريخه: مُتّع بجوارحه إلى آخر وقت، وكان نحويًا، حسن الشرح، والإيراد، والمحفوظ. قد صنّف أمالي قُرئت عليه، فيها أغاليط، لأن اللغة لم يك مضطلعًا فيها.
قال ابن السمعاني: سَمِعْتُ منه، وكان فصيحًا، حُلْو الكلام، حَسَن البيان والإفهام. دُفن يوم الجمعة السّابع والعشرين مِن رمضان بداره بالكرْخ.
وعن أَبِي السّعادات بْن الشّجريّ قَالَ: ما سَمِعْتُ في المدْح أبلغ من قول أَبِي فِراس:
وأَمامكَ الأعداءُ تَطْلُبُهُم ... ووراءك القُصّاد في الطَّلَبِ
فإذا سَلَبْتَهُم وقفتَ لهم ... فسُلبت ما تَحْوي من السّلبِ
__________
1 المنتظم "10/ 130"، والعبر "4/ 116"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1294"، وسير أعلام النبلاء "20/ 194-196"، والبداية والنهاية "12/ 223".
2 قال ياقوت: نسب إلى بيت الشجري من قبل أمه "معجم الأدباء 19/ 282".

(37/93)


122- هَمَّام بْن يوسف.
أبو محمد العاقوليّ، ثمّ الأَزجيّ، الوكيل عند القضاء.
سَمِعَ: الخطيب أبا الحسين الأنباريّ.
وعنه: أبو أحمد بْن سُكينة.
"حرف الياء":
123- يحيى بْن عليّ بْن محمد بْن زُهَير1.
أبو القاسم السُّلمي، الدّمشقيّ، المعدّل، محتسب دمشق.
سَمِعَ: عبد المنعم الكُريدي، وأبا القاسم النّسيب، وأبا طاهر الحِنّائي.
روى عَنْهُ: الحافظ ابن عساكر2، وقال: مات في رمضان، وأخلف مالًا عظيمًا وذخائر. وورثه السّلطان. وكان مقتِّرًا عَلَى نفسه في الأكل واللّبْس، عفا اللَّه عَنْهُ.
124- يحيى بْن المعتزّ بْن أسعد3.
أبو القاسم العُتبي، من ذرية بْن غَزْوان. شيخ من أهل نَيْسابور.
سَمِعَ: أحمد بْن سهل السّرّاج، وابن خَلَف.
أخذ عَنْهُ السّمعانيّ، وأرّخه.
125- يوسف بْن عليّ بْن محمد4.
أبو الحَجّاج القُضاعي، الأُندي5. نزيل المَرِيَّة. ويُعرف بالقفّال، وبالحدّاد. حجّ ودخل العراق، وسمع من أَبِي القاسم بْن بيان، وأُبي النَّرْسِيّ، وأبي طالب الحسين بن محمد الزينبي.
__________
1 التحبير "2/ 383"، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور "27/ 288".
2 في تاريخه.
3 التحبير "2/ 385".
4 معجم البلدان "1/ 364"، وسير أعلام النبلاء "20/ 186، 187".
5 الأندي: نسبة إلى أندة وهي مدينة من أعمال بلنسية بالأندلس.

(37/94)


وسمع "صحيح مسلم" من إسماعيل بْن عبد الغافر الفارسيّ، عَنْ والده، ومن الحريريّ "مقاماته".
وكتب الكثير، وقفل إلى الأندلس سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
ثم ترحّل من الأندلس، ثم عاد إليه سنة عشرة وسكن المرية، وحدَّث بالكثير.
روى عَنْهُ: أبو الحسن رَزِين العَبْدريّ، وأبو محمد، وأبو الطّاهر ابني العثماني، وخطيب الموصل، وأبو الوليد بن الدباغ، وأبو القاسم بن بشوال، وأبو عبد الله بن عبد الرحيم النَّرْسيّ، وأبو القاسم بْن حُبيش، وأبو محمد بْن عُبَيد اللَّه الحَجْرِيّ، وخلْق سواهم.
قَالَ أبو عبد الله الأَبَّار: كَانَ صدوقًا، صحيح السّماع، لَيْسَ عنده كبير عِلم ولا ضبْط. استُشهد يوم غَلَبة العدوّ الملعون عَلَى المَرِيَّة في العشرين من جُمادى الأولى وقُتل يومئذٍ خلق كثير.
عاش خمسًا وثمانين سنة.
126- يوسف بْن يَبقى بْن يوسف بْن مسعود بْن عبد الرحمن بن يَسعون1.
أبو الحجاج التُجَيبي، الأندلسي، المريي، النحوي، المعروف بالشنشي. صاحب الأحكام بالمرية.
سَمِعَ من: أَبِي عبد الله محمد بْن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ، وأبي الوليد العبْسيّ، وأبي الحسين بْن سرّاج، وجماعة.
وعُني بالعربيَّة وبرع فيها. وله كتاب "المصباح في شرح أبيات الإيضاح"، دلّ عَلَى تبحُّرهِ في النَّحْو. وإمامته.
حدَّث وأقرأ، وطال عمره.
روى عَنْهُ: عُلَيم بْن عبد العزيز، وأبو عبد الله بن حُميد، وأبو العباس ابن اليتيم، وأبو عُبيد اللَّه، وآخرون.
وكان حيًّا يُرزق في هذا العام، وانقطع خبره بعده، رحمه الله.
__________
1 كشف الظنون "213"، ومعجم المؤلفين "13/ 342".

(37/95)


وفيات سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة:
"حرف الألَف":
127- أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن المبارك بْن أحمد.
أبو المكارم بْن الشَّهْرُزُوريّ، البغداديّ.
من أولاد المحدّثين.
سَمِعَ: نصر بْن البطِر، وأحمد بْن عبد القادر اليُوسُفيّ.
وعنه: ابن عساكر، والسّمعانيّ.
وكان يؤمّ بأمير الحاجّ نظر.
تُوُفّي في رجب.
128- أحمد بْن عليّ بْن الفضْل بْن الإمام أَبِي محمد بْن حزْم1.
الأندلسيّ، القُرْطُبيّ، أبو عَمْرو، الكاتب، الأديب.
تُوُفّي بالأندلس، قاله الأَبّار.
129- أحمد بْن أَبِي العزّ محمد بْن المختار بْن محمد بْن عبد الواحد بْن المؤيَّد بالله2.
أبو تمّام العبّاسيّ، الهاشميّ، البغداديّ، المعروف بابن الخُص، أخو أَبِي الفضل المختار.
كَانَ تاجرًا سَفّارًا، ركب البحار، ودخل الهند، وما وراء النّهر، وكثُر ماله، وطال عُمره، وسكن خُراسان.
وكان مولده في حدود سنة خمسين وأربعمائة أو قبلها.
وسمع: أبا جعفر ابن المسلمة، وأبا نصر الزَّيْنبيّ، وغيرهما.
وهو آخر من حدَّث بخُراسان عَن ابن المسلمة بجزء صفة المنافق.
__________
1 تكملة الصلة لابن الآبار "1/ 54".
2 المنتظم "10/ 134"، وسير أعلام النبلاء "20/ 173".

(37/96)


حضر عَلَيْهِ هذا الجزء أبو المظفَّر عبد الرحيم بن السمعاني، بقراءة والده، وقال: هُوَ أوّل شيخ حضرتُ عنده لقراءة الحديث.
وتُوُفّي بنَيْسابور في خامس ذي القعدة.
وروى عَنْهُ أيضًا: القاسم الصّفّار، وإسماعيل القارئ.
130- أَحْمَد بْن محمد بْن إِسْمَاعِيل بْن محمد بْن إسماعيل بْن بشّار1.
الإمام أبو بَكْر البوشَنجي، المعروف بالخَرْجِرْديّ2، نزيل نَيْسابور.
إمام متفنّن، ورِع، تفقَّه بمَرْو عَلَى أَبِي المظفَّر بْن السّمعانيّ. وبهَراة عَلَى الشّاشيّ.
وبرع في الفقه، وسمع الكثير، وحدَّث.
تُوُفّي في رمضان بنَيْسابور.
وصَفَه السّمعانيّ بالعبادة والعِلم، وأنّه كتب تصانيف جدّه جميعها، وتخلّى للعبادة.
131- أحمد بْن محمد بْن الفضل3.
أبو العلاء الأصبهانيّ، المحدِّث، المعروف ببنحِك.
تُوُفّي في صفر.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ حافظًا، متقنًا، وَرِعًا، وقورًا، نزِهًا، وبالغ في الطّلب، ونسخ بخطّه "الصّحيح" المليح كثيرًا.
سَمِعَ: أبا عليّ الحدّاد، وطبقته.
استفدتُ منه الكثير، ومات كُهْلا.
132- إبراهيم بْن محمد بْن نبهان بن محرز4.
__________
1 التحبير "2/ 448-450"، ومعجم البلدان "2/ 357".
2 الخرجردي: نسبة إلى خرجرد وهي بلدة من بلاد فوشبخ هراة "الأنساب 5/ 77، 78".
3 في مشيخة ابن السمعاني.
4 المنتظم "10/ 134"، وتذكرة الحفاظ "1297"، وسير أعلام النبلاء "20/ 175، 176"، والبداية والنهاية "12/ 224"، وشذرات الذهب "4/ 135".

(37/97)


أبو إسحاق الغَنَويّ1، الرَّقّيّ، الصُّوفيّ، الفقيه، الشّافعيّ.
ولد سنة تسع وخمسين وأربعمائة.
وسمع: أبا محمد الشِّيحيّ، وأبا محمد بْن السّرّاج، وغيرهم.
وتفقَّه عَلَى: الأستاذ أَبِي بَكْر الشّاشيّ، وأبي حامد الغزّالي. وكتب كثيرًا من مصنَّفات الغزّاليّ، وقرأها عَلَيْهِ، وصحِبه مدَّة.
قَالَ أبو الفَرَج بْن الْجَوْزيّ2: رأيته وله سمتٌ وصَمْت، وعليه وَقار وخشوع. قلت: روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وحدَّث عَنْهُ بخُطب ابن نُباتة.
وروى عَنْهُ: عُمَر بْن طَبَرْزَد، وآخرون.
وتُوُفّي في رابع عشر ذي الحجَّة ببغداد، وله خمسٌ وثمانون سنة إلّا أشهُرًا.
قَالَ ابن طَبَرْزَد: أَنَا أبو إسحاق بْن نبهان: ثنا الحُميدي قَالَ: قرأت عَلَى القُضاعي: أخبركم أحمد بْن عُمَر بْن محمد بْن عَمرو الْجِيزيّ قراءةً: أَنَا زيد بن محمد بن خلف القرشي، أنا ابن أخي ابن وهب، ثنا عمّي، فذكر حديثًا.
كَانَ قدوم ابن نبهان من الرَّقَّة إلى بغداد في سنة إحدى وثمانين.
قَالَ ابن ناصر: قدِم الخطيب أبو القاسم يحيى بْن طاهر بْن محمد بْن عبد الرَّحيم بْن محمد بْن نُباتة إلى بغداد في سنة أربعٍ وثمانين ليتجر من نظام المُلك أدرارًا، فقال: إنّ الخُطَب سَمَاعي من أَبِي، عَنْ جدّي. ولم يكن معه كتابٌ ولا أصل، فقرأ عَلَيْهِ هذا الشّيخ، يعني أبا إسحاق الغَنَويّ، الخُطَبَ من نسخةٍ جديدة غير مقروءة، ولا عليها سَماعٌ لأحد. ولم يكن سِبْط ابن نُباتة هذا كبيرًا في العُمر، ولا يعرف العربيَّة، ولو كَانَ لَهُ سماع لم يسبقني إِلَيْهِ أحد. ثمّ أثنى ابن ناصر عَلَى أَبِي إسحاق الغَنَويّ، ووصفه بالدِّين والصِّدْق.
133- إسماعيل بْن أَبِي نصر بْن عَبْدِيل.
الأصبهاني، الشاعر.
__________
1 نسبة إلى: غني بن أعصر.
2 في المنتظم "10/ 134".

(37/98)


ذكره العماد في "الخريدة" فقال: كَانَ من أشعر شُعراء أصبهان وأَفْوَههم. لم يُعْهَد بعد أَبِي إسماعيل الطُّغْرائيّ من عرف مجراه.
مات بفارس سنة ثلاث أو أربع وأربعين وخمسمائة.
134- أسعد بْن محمد بْن موسى1.
أبو منصور الفُوشَنْجيّ.
فاضل، عالِم، سَمِعَ: أبا عامر الأزْديّ، وعبد الرحمن بْن محمد بْن عفيف كلاز.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: مات في ذي القعدة.
135- أميرك بْن إسماعيل بْن أميرك2.
أبو الفتوح العَلَويّ، الهَرَويّ.
سَمِعَ: إلياس بْن نصر، وعبيد بْن ميمون الواسطيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.
مات في ثاني وعشرين شوّال.
"حرف الباء":
136- بقاء بْن عليّ بْن خطّاب3.
أبو المُعَمَّر البغداديّ، الرّقّاق، السّاكينيّ، ابن أخت أَبِي نصر أحمد بْن عُمَر بْن الفَرَج الإبَريّ.
حدَّث عَنْ: طِراد الزَّيْنبيّ، وغيره.
وتُوُفّي في ربيع الأوّل عَنْ ستّين سنة.
عَنْهُ: ابن عساكر، وابن سُكينة.
__________
1 التحبير "1/ 122، 123".
2 التحبير "1/ 128، 129".
3 مشيخة ابن عساكر.

(37/99)


"حرف الثاء":
137- ثابت بْن زيد بْن القاسم.
أبو البَرَكات بْن جوالق النّحّاس. ثمّ البزّاز.
حلّث عن: الحسين بن علي بن البُسري.
وتوفي في جُمادَى الآخرة.
"حرف الحاء":
138- الحافظ لدين اللَّه1.
قِيلَ: مات في جُمَادَى الآخرة عَلَى الصّحيح، وقيل: سنة أربعٍ كما سيأتي.
139- الحَسَن بْن مسعود بْن الحَسَن2.
أبو عليّ ابن الوزير، الدّمشقيّ، الحافظ.
أصله من خُوارَزْم.
كَانَ جدّه الحَسَن وزير المُلك تاج الدّولة تُتُش، وتزيَّا أبو عليّ بزيّ الْجُنْد مدَّةً، ثمّ اشتغل بالفِقه والحديث، ورحل قبل سنة عشرين وخمسمائة إلى بغداد، وسمع، ودخل إلى أصبهان، وأدرك بها حديث الطَّبَرانيّ بعُلُوّ.
وكتب عَنْ: فاطمة الْجُوزدانيَّة3. وتوجَّه إلى نَيْسابور، ومَرْو، وبلْخ، والهند، وسمع الكثير، وعُني: بهذا الشّأن.
قَالَ ابن السمعاني4: حافظ، فطِن، له معرفة بالحديث، والأنساب. وقال لي: ولدتُ في صَفَر سنة ثمانٍ وتسعين وأربعمائة.
وتوفي بمرو في سابع المحرّم.
__________
1 ستأتي ترجمته برقم "220".
2 تذكرة الحفاظ "4/ 1297"، وسير أعلام النبلاء "20/ 177"، ولسان الميزان "2/ 256".
3 الجوزدانية: نسبة إلى جوزدان وهي قرية على باب أصبهان كبيرة "الأنساب 3/ 362".
4 في معجم شيوخه.

(37/100)


وقال ابن عساكر1: كان يُحدِّث من غير مقابلة بسماعه، واستوطن مَرْو، وتفقَّه بها لأبي حنيفة عَلَى أَبِي الفضل الكِرماني.
وأملى بجامع مَرْو.
ومن شِعر أَبِي عليّ:
أَخِلّائي إنْ أصبحتم في دِياركم
فإنّي بمَرْو الشّاهجان غريبُ
أموتُ اشْتياقًا ثمّ أحيى تذكُّرًا
وبين التّراقي والضُّلُوع لهيبُ
فما في موتِ الغريبِ صبابةٌ
ولكن بقاءه في الحياة عجيبُ
140- الحسين بْن إبراهيم بْن الحسين بْن جعفر2.
الحافظ، المجوَّد، أبو عبد الله الْجُوزْقانيّ، وجُوزْقان من قرى هَمَذَان.
لَهُ مصنَّف في الموضوعات ما قصّر فيه. وروى فيه عَن الدّونيّ فمَن بعده. وعليه بنى ابن الْجَوزيّ كتابه في "الموضوعات"، ومنه أخذ كثيرًا.
قَالَ ابن شافع: مات، فَبَلَغَنَا خبرُه في رجب سنة ثلاثٍ وأربعين وخمسمائة.
أدركه أجَلُه في السَّفَر.
141- حمدُ بْن أَبِي الفتح3. الأصبهانيّ.
عَنْ: عبد الرحمن بْن مَنْدَهْ، وأبي المظفَّر الكَوْسج.
وعنه: ابن السّمعانيّ.
مات في رجب رحمه اللَّه.
"حرف الخاء":
142- خَضِرُ بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن عُبيد الله بن أحمد بن عبدان4.
__________
1 تهذيب تاريخ دمشق "4/ 253".
2 سير أعلام النبلاء "20/ 177، 178"، ولسان الميزان "2/ 269-271".
2 التحبير"1/ 246".
3 التحبير "1/ 263، 264"، وسير أعلام النبلاء "20/ 222".

(37/101)


الأزْدِيّ، الدّمشقيّ، أبو القاسم الصّفّار.
سَمِعَ: والده، وأبا القاسم المصِّيصيّ، وأبا عبد الله بْن أَبِي الحديد، وعليّ بْن أحمد بْن زُهير، ونصر بْن إبراهيم الفقيه، وسهل بْن بِشْر، وأجاز لَهُ عبد العزيز الكتّانيّ.
قَالَ ابن عساكر: كتبت عَنْهُ، وكان شيخًا سليم الصَّدْر.
ولد في شوال سنة خمسٍ وستين وأربعمائة. ومات في نصف شعبان. قلت: روى عَنْهُ: هُوَ، وابنه القاسم، وأبو المحاسن بْن أَبِي لُقمة، وجماعة.
"حرف الذال":
143- ذو النُّون بْن أَبِي الفَرَج بْن عليّ1.
المِيهَنيّ2 الصُّوفيّ.
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن زاهر الطرَيثيثي3.
وروى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ وقال: مات في ذي الحجَّة ببغداد.
"حرف السين":
144- سلطان بْن عَليّ بْن مُقَلّد بْن نَصْر بْن منقذ4.
الأمير أبو العساكر الكِنانيّ، صاحب شَيْزَر.
وُلِد بأطْرابُلُس في سنة أربع وستين وأربعمائة.
وسمع بشَيْزَر "صحيح البخاريّ" من أَبِي السّمْح إبراهيم الحَيْفيّ.
وله شِعْر حَسَن.
تُوُفّي في شوال بشيزر.
__________
1 معجم شيوخ ابن السمعاني.
2 الميهني: نسبة إلى ميهنة وهي إحدى قرى خابران ناحية من سرخس وأبيورد "الأنساب 11/ 580".
3 الطريثيثي: نسبة إلى طريثيث وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور "الأنساب "8/ 238".
4 الكامل في التاريخ "11/ 219، 220"، والوافي بالوفيات "15/ 297، 298".

(37/102)


145- سهل بْن محمد بْن أحمد بْن حسين بْن طاهر1.
أبو عليّ الأصبهانيّ، الحاجّيّ، المقرئ.
شيخ كبير، فاضل، مُكثر من الحديث، أديب، خيِّر، مبارَك.
سَمِعَ: أبا القاسم يوسف بْن جُبارة الهُذَلي، وإسماعيل بْن مَسْعدَة الإسماعيليّ، ونظام المُلك الوزير، وأبا المظفَّر منصور بْن محمد السّمعانيّ، ومحمد بْن أحمد بْن ماجة الأَبْهَريّ، وسليمان بْن إبراهيم الحافظ، والقاسم بْن الفضل الثقفي.
وولد سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وقيل: وُلِد بعد سنة خمسين وختم خلْقًا كثيرًا.
وكان شيخ القرّاء بأصبهان. وهو آخر من حدَّث عَن الهُذلي، مصنِّف "الكامل في القراءات".
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وقال: هُوَ مؤدِّبي، وكان من الطِّراز الأوّل. تُوُفّي في نصف شعبان.
"حرف الشين":
146- شاهنشاه بْن أيّوب بْن شاذي بْن مروان بْن يعقوب2.
الأمير أكبر الإخوة، وأقدم بني أيّوب وفاةً.
وهو والد المَلِكين: المظفّر تقيّ الدّين عُمَر صاحب حماة، وعزّ الدّين فروخشاه، والد صاحب بَعْلَبَكّ الملك الأمجد.
قُتل في الوقعة الكائنة بظاهر دمشق بين الفرنج خذلهم اللَّه وبين المسلمين كما نذكره في الحوادث، وذلك في ربيع الأوّل وفُجع بِهِ أَبُوهُ نجم الدّين.
"حرف الصاد":
147- صاعِد بْن محمد بن الحسين3.
__________
1 غاية النهاية "1/ 20"، ومعجم المؤلفين "4/ 284".
2 البداية والنهاية "12/ 224"، والوافي بالوفيات "16/ 93، 94".
3 الأنساب "7/ 199" والتحبير "1/ 337، 338".

(37/103)


أبو القاسم السّهْلُويّ، السَّرْخَسيّ.
شيخ كبير، ورِع، فاضل.
وُلِد بسَرْخَس في سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة.
وسمع بسَرْخَس من: أَبِي الحسن محمد بْن محمد بْن زيد الحُسيني.
قدِم عليهم، وسمع من أَبِي الخير محمد بْن موسى الصّفّار.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.
وتُوُفّي بسَرْخَس سنة 43.
148- صالحُ بْن شافع بْن صالح بْن حاتِم1.
أبو المعالي الْجِيليّ.
كَانَ أَبُوهُ فقيهًا حنبليًّا، سكن بغداد ووُلِد لَهُ بها صالح وغيره.
وصالح: عالِم، فاضل، مليح الكتابة، شاهِد، متودِّد، حَسَن الشِّكل. سَمِعَ: أبا الحسين بْن الطُيوري، وأبا منصور محمد بْن أحمد الخيّاط.
وجدتُ وفاته في رجب.
روى عَنْهُ: أبو الفَرَج محمد بْن عليّ بْن القُنّبيطي، وابنه الحافظ أحمد.
149- صالح بْن كامل بْن أَبِي غالب2.
أَبُو محمد الظّفَريّ، البقّال.
سَمِعَ: أبا الحسن بْن منجَاب الشَّهْرُزُوريّ، وأبا القاسم بْن بيان.
وكان اسمه قديمًا: المبارك، فغيَّره بصالح.
سَمِعَ منه: أخوه أبو بَكْر المفيد، وابن السمعاني.
__________
1 المنتظم "10/ 134"، وشذرات الذهب "4/ 135".
2 معجم شيوخ ابن السمعاني.

(37/104)


"حرف العين":
150- عبّاد بْن سَرْحان بْن مسلم بْن سيّد النّاس1.
أبو الحَسَن المَعافِريّ، الأندلسيّ، الشّاهد.
سكن العُدوة. وكان مولده في سنة أربعٍ وستين وأربعمائة.
وسمع من: طاهر بم مُفَوَّز بشاطبة، وحجّ، ودخل بغداد، وسمع من: رزق اللَّه بْن عبد الوهّاب التّميميّ، والمبارك بْن الطَّبَريّ. وأجاز لَهُ أبو عبد الله الحُميدي.
وسمع بمكَّة من: الحسين بْن عليّ الطَّبَريّ.
قَالَ ابن بَشكُوال: قدِم قُرطبة، فسمعنا منه. وكانت عنده فوائد. وكان يميل إلى مسائل الخلاف ويدّعي معرفة الحديث ولا يُحسنه، عفا اللَّه عَنْهُ.
تُوُفّي بالعدْوة في نحو سنة ثلاثٍ وأربعين.
151- عبد الله بْن الحَسَن بْن أحمد بْن الحَسَن بْن أحمد بن قَسَاميّ2.
أبو القاسم الحَرِيميّ3، المعدّل، الفقيه الحنْبليّ.
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وأبا الحُصين العاصميّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ وأثنى عَلَيْهِ، وسأله عَنْ مولده فقال: سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.
وتُوُفّي في سادس ذي القعدة. وحدَّث بالنَّعْت في مكَّة، وكان يُفتي.
قَالَ ابن النّجّار: ثنا عَنْهُ أحمد بْن عبد الملك المقرئ.
وقَسَاميّ: بفتح ثمّ كسْر. قيّده ابن نقطة.
152- عبد الله بن سعيد بن محمد4.
__________
1 الصلة لابن بشكوال "2/ 452، 453".
2 المنتظم "10/ 135"، والذيل على طبقات الحنابلة "1/ 215، 216".
3 نسبة إلى الحريم الطاهري وهي محلة كبيرة بالجانب الغربي منها "الأنساب "4/ 125".
4 التحبير "1/ 368"، والأنساب "5/ 178"، واللباب "1/ 386".

(37/105)


أبو المحاسن البَنجَدِيهيّ، الخمقَري. وهي نسبة إلى خمس قرى بحذف السّين. والخمس قرى هِيَ بَنَجديه، من أعمال مَرْو.
كَانَ رجلًا فاضلًا، عالمًا.
روى عَنْ: هبة اللَّه بْن عبد الوارث الشّيرازيّ.
روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ.
153- عبد الله بْن عليّ بْن سعيد1.
أبو محمد القَيْسَرانيّ، القصْريّ، الفقيه.
فاضل، إمام، ديِّن، فصيح، مُناظر، من كبار فُقهاء النّظاميَّة.
سَمِعَ: أبا القاسم بْن بَيان.
وقد مرّ في سنة اثنتين وأربعين.
وقال ابن السّمعانيّ: بنى ابن العجميّ بحلب لَهُ مدرسة، ودرَّس بها، وكتبتُ عَنْهُ بها جزء ابن عَرَفَة. وقال لي: ولدتُ بقَيْساريَّة. والقصْر الّذي انتسب لَهُ بُليدة بين عكّا وحَيْفا عَلَى السّاحل.
قَالَ: ومات بحلب في سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وأربعين. يحوَّل.
154- عبد الرحمن بْن عبد الله الحلْحُوليّ، الحلبيّ2.
سافر وأقام بمصر مدَّة. ثمّ سكن دمشق. وكان من كبار الصّالحين والعُبّاد.
وحلْحُول: قرية بها قبر يونس صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يُقال، وهي بين القدس والخليل. أقام بها سبْع سِنين، بنى بها مسجدًا، وتعبَّد فيه بين الفرنج، وسمعنا أنّهم كانوا يتبرّكون بِهِ، ويعتقدون فيه.
ثمّ انتقل إلى دمشق.
قَالَ ابن عساكر: مضيت إِلَيْهِ غير مرَّة، وانتفعت بروايته وبكلامه، وما رَأَيْت بالشام في فنه مثله. واستُشهد بظاهر دمشق في وقعة الفرنج، رحمه الله.
__________
1 سبقت ترجمته برقم "88".
2 معجم البلدان "2/ 290".

(37/106)


155- عبد الرحمن بْن محمد بْن أميروَيْه بْن محمد1.
العلامة أبو الفضل الكَرْمانيّ، شيخ الحنفيَّة بكَرْمان في زمانه.
تفقّه بمَرْو عَلَى القاضي محمد بْن الحسين.
تزاحم عَلَيْهِ الطَّلَبَة، وتخرَّج بِهِ الأصحاب. وانتشرت سيرته في الآفاق، وصار معظَّمًا عند الخاصّ، والعامّ. وكان في رمضان يقرأون عَلَيْهِ التّفسير والحديث.
سَمِعَ: أَبَاهُ بكرْمان، وشيخه القاضي الأرسابَندي، وأبا الفتح عُبَيد اللَّه بْن أَرْدَشِير الهُشامي.
سَمِعَ منه أبو سعد السّمعانيّ، وبالَغَ في تعظيمه، وقال: وُلِد سنة سبْعٍ وخمسين، ومات في الحادي والعشرين من ذي القعدة بمدرسة القاضي الشّهيد سنة 543.
156- عبد الرَّحْمَن بْن محمد بْن حَسَن بْن طَوْق.
أبو القاسم البغداديّ.
سَمِعَ: نصر بْن البطِر، وغيره.
وكان ضعيفًا في دِينه.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ.
157- عبد الرحيم بْن قاسم بْن محمد2.
أبو الحسن القَيْسيّ، الأندلسيّ، الحجازيّ، الفَرَجيّ، من أهل مدينة الفَرَج.
روى عَنْ: أَبِي عليّ الغسّانيّ، وخازم بْن محمد، ومحمد بْن المورَة، وغيرهم.
قَالَ ابن بَشكوال: كَانَ من أهل المعرفة والفَهْم والذّكاء والحِفظ، قويّ الأدب، كثير الكتب، ديِّنًا فاضلًا، صاحب ليل وعبادة وكثرة بكاء، حتّى أثّر ذَلكَ بعينيه.
توفي في شعبان.
__________
1 الكامل في التاريخ "11/ 137"، وسير أعلام النبلاء "20/ 206".
2 الصلة لابن بشكوال "2/ 389".

(37/107)


قَالَ ابن مَسْدي: آخر من روى عَنْهُ بالسّماع الخطيب أبو جعفر بْن يحيى الحِميري. وأجاز أبو جعفر لي، ومات سنة إحدى عشرة وستمائة.
قلت: بل مات سنة عشر بقُرْطُبة.
158- عبد الرشيد بْن محمد بْن خليل1.
أبو محمد البُوشَنْجيّ.
سَمِعَ: عبد الرحمن بْن عفيف كلاز.
أخذ عَنْهُ: السّمعانيّ، وقال: مات في محرَّم أو صفَر سنة ثلاثٍ وأربعين.
159- عبد العزيز بْن محمد بْن بَشكولة2.
المِيهَنيّ، الصُّوفيّ.
سَمِعَ من العارف أَبِي الفضل محمد بْن أحمد الميْهنيّ كتاب "المرض" لابن أَبِي الدّنيا، عَن الصَّيْرفيّ، عَن الصّفّار، عَنْهُ.
قرأه عَلَيْهِ السّمعانيّ وقال: مات في جُمادَى الآخرة.
160- عبد القادر بْن جَندَب بْن سَمُرة3.
أبو محمد الصُّوفيّ، الهَرَويّ.
صالح عابد، خيّر، من مُريدي شيخ الإسلام أَبِي إسماعيل، كَانَ يسكن برباطه.
سَمِعَ: محمد بْن أَبِي مسعود الفارسيّ، وأبا إسماعيل شيخه.
وولد بعد سنة ستين وأربعمائة.
روى عنه: ابن السمعاني، وأبو رَوح عبد المعزّ.
وبالإجازة: عبد الرحيم بْن السّمعانيّ.
وأخوه هُوَ سمُرة بْن جَندب يروي أيضًا عَنْ محمد بن أبي مسعود.
__________
1 التحبير "1/ 444".
2 التحبير "1/ 463، 464".
3 التحبير "1/ 471".

(37/108)


روى عَنْهُ: أبو رَوح.
تُوُفّي عبد القادر ثالث عشر ربيع الأوّل.
161- عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد1.
أبو المظفَّر بْن الصّبّاغ، بغداديّ.
سَمِعَ من: طِراد الزَّيْنَبيّ، وابن البطِر، وحَمْد الحّداد.
وحدَّث.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
162- عليّ بْن الحسين بْن محمد.
أبو عبد الله الطَّابَرانيّ2، الصُّوفيّ، النّقّاش.
سَمِعَ بطُوس من: أَبِي عليّ الفضل بْن محمد الفارَمْذي.
وبالرَّيّ: البيّاضيّ.
وبهَمَذَان: شيروَيه الدَّيْلَميّ.
وعنه: السّمعانيّ.
163- عليّ بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عليّ3.
قاضي القُضاة، أبو القاسم، الأكمل ابن نور الهُدى أَبِي طالب الزَّيْنبيّ، الهاشميّ، العباسيّ، البغداديّ.
ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
سَمِعَ من: أبيه، وعمّه طِراد، وابن البَطِر، وأبي الحسن العلّاف، وغيرهم.
روى عَنْهُ: الفتح بن عبد السلام.
__________
1 المنتظم "10/ 135".
2 الطابراني: نسبة إلى "طابران" وهي إحدى بلدتي طوس "الأنساب 8/ 167".
3 المنتظم "10/ 135، 136"، والكامل في التاريخ "11/ 146"، وسير أعلام النبلاء "20/ 207، 208"، والبداية والنهاية "12/ 225"، وشذرات الذهب "4/ 135".

(37/109)


وكان للمسترشد إِلَيْهِ مَيْل، فوعده بالنّقابة، فاتّفق موت الدّامغانيّ، فطُلب مكانه، فناله.
ذكره ابن السّمعانيّ فقال: كَانَ غزير الفضل، وافر العقل، لَهُ سُكُون، ووقار، ورزانة، وثبات.
ولي قضاء القضاة بالعراق في سنة ثلاث عشرة وخمسمائة. وقرأتُ عليه جزءين.
قَالَ أبو شجاع محمد بْن عليّ بْن الدّهّان: يُحكى أنّ الزَّيْنبيّ منذ ولي القضاء ما رآه أحد إلا بطرحة1 وخفاف حتى زوجته. ولقد دخلت عليه في مرض موته وهو نائم بالطرحة.
قلت: هذا تكلف وبأوٌ زائد.
وقال أبو الفرج بن الجوزي2: كان رئيسا، ما رأينا وزيرا ولا صاحب منْصبٍ أوقر منه، ولا أحسنَ هيبةً وسمْتًا. قلّ أنْ سُمع منه كلمة. وطالت ولايتُه، فأحكم الزّمان، وخدم الرّاشد، وناب في الوزارة. ثمّ استوحش من الخليفة، فخرج إلى الموصل، فأسِر هناك. ووصل الراشد إلى الموصل وقد بلغه ما جرى ببغداد من خلْعه فقال لَهُ: اكتب خطَّك بإبطال ما جرى، وصحَّة إمامتي. فامتنع، فتواعده زنكي، وناله بشيء من العذاب، وأذن في قتْله، ثمّ دفع اللَّه عَنْهُ. ثمّ بُعث من الدّيوان لاستخلاصه، فجيء بِهِ، فبايع المقتفي، وناب في الوزارة لمّا التجأ ابن عمّه الوزير عليّ بْن طِراد إلى دار السّلطان. ثمّ إنّ المقتفي أعرض عَنْهُ بالكُلّيَّة.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: وقال لي: التّقيت الطّاهر، جاء إليَّ فقال: يا ابن عمّ، انظر ما يصنع معي، فإن الخليفة ُعرض عنّي. فكتبت إلى المقتفي، فأعاد الجواب بأنّه فعل كذا وكذا، فعذرتُه، وجعلت الذّنْب لابن عمّي.
ثمّ جعل ابن المرخّم مناظِرًا لَهُ، ومناقضًا ما يبني، والتوقعيات تصدر بمراضي ابن المرخّم، وسخطان الزَّيْنبيّ، ولم يبق لَهُ إلّا الاسم، فمرض وتُوُفّي يوم عيد النّحر
__________
1 الطرحة: نوع من الأكسية تشبه الطيلسان كان المدرسون يضعونها فوق العمامة
2 في المنتظم.

(37/110)


وصلّى عَلَيْهِ ابن عمّه نقيب النقباء طلْحة بْن عليّ. ودُفن بمشهد أَبِي حنيفة إلى جانب والده. وخَلَّف جماعة بنين ماتوا شبابًا. وعاش ستًّا وسبعين سنة.
164- عليّ بْن أَبِي الوفاء سعد بْن عليّ بْن عبد الواحد بْن عبد القاهر بْن أحمد بْن مُسهر1.
مهذّب الدّين، أبو الحسن المَوصلي، الشّاعر.
صدرٌ، رئيس، وشاعر مُحسن. مدح الملوك الكُثُر، وتنقَّل في المناصب الكبار ببلده. وديوانه في مجلّدتين.
ومن شِعْره:
إذا ما لسانُ الدّمع نَمَّ عَلَى الهَوَى ... فليس بسرٍ ما الضلوعُ أجنّتِ
فَوَالله ما أدري عشيَّةَ ودّعتْ ... أناحَت حماماتُ اللِّوى أَمْ تغنّتِ
وأعجب من صبري القَلوص الّتي سرتْ ... بهودجكِ المزحوم كيف استقلّت
أعاتبُ فيك اليَعمُلات عَلَى السَّرَى ... وأسأل عنكَ الرّيحَ من حيث هبّتِ
أطبقُ أَحْنَاء الضُّلُوع عَلَى جَوًى ... جميعٍ وصبرٍ مستحيلٍ مشتّتِ
وله:
ولمّا اشتكيتَ اشتكى كلُّ ما ... عَلَى الأرض، واعتلّ شرقٌ وغربُ
لأنّك قلبٌ لجسم الزّمانِ ... وما صحَّ جسمُ إذا اعتلَّ قلبُ
165- عليّ بْن محمد بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن محمد بن جعفر2.
أبو الحسن البَحِيريّ. من شيوخ نَيْسابور.
من بيت الرواية.
حدَّث عَنْ: أَبِي بَكْر بْن سنان، وغيره.
ذكره ابن السّمعانيّ في "مُعجمه"، وأنه مات في ذي الحجة.
__________
1سير أعلام النبلاء "20/ 234" والوافي بالوفيات "21/ 129-133"، ومعجم المؤلفين "7/ 99".
2 التحبير "1/ 584، 585".

(37/111)


166- عُمَر بْن أَبِي غالب بْن بُقيرة1.
أبو الكرم البغداديّ، البقّال.
سَمِعَ: ثابت بْن بُندار.
كتب عَنْهُ السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في شوّال، وصلّيت عَلَيْهِ ببغداد.
167- عيسى بْن يوسف بْن عيسى بْن عليّ.
أبو موسى بْن الملْجوم، الأَزْديّ، الفانيني.
سَمِعَ من: أبيه قاضي القُضاة أَبِي الحَجّاج يوسف، وأبي الفضل النَّحْويّ، وأبي الحَجّاج الكلْبيّ.
وبأَغْمات من: أَبِي محمد عبد الله اللَّخْميّ سِبط أَبِي عُمَر بْن عَبْد البَرّ.
ودخل الأندلس فسمع من: أَبِي عليّ، وابن الطّلّاع، وخازم بْن محمد.
وكان جمّاعةً للكُتُب، ابتاع من أَبِي عليّ الغسّانيّ أصله بسُنَن أَبِي داود الّذي سمعه من أَبِي عُمَر بْن عبد البَرّ.
روى عَنْهُ: ابنه عبد الرحيم، وأبو محمد بْن ماتح.
وتُوُفّي في رجب، رحمه اللَّه، وله سبعٌ وستّون سنة.
"حرف الفاء":
168- فضل اللَّه بْن أحمد بْن المحسّن2.
أبو البدر الطُّوسيّ.
وكان حَسَن السّيرة، جميل الأمر، متواضعًا، كثير الخير.
سَمِعَ: أبا عليّ الفضل الفارَمذي، وأحمد بْن عبد الرحمن الكِنْديّ، وأبا تُراب المراغيّ.
سَمِعَ منه: أبو سعد السمعاني بطوس.
__________
1 معجم شيوخ ابن السمعاني.
2 التحبير "2/ 26".

(37/112)


تُوُفّي في آخر يوم من السّنة وله سبعون سنة. وهو من طَابران قَصَبة طُوس.
169- الفضل بْن يحيى بْن صاعد بْن سيّار بْن يحيى1.
أبو القاسم الكِنَانيّ، الهَرَويّ، الحنفيّ.
ولي قضاة هَراة مدَّة. وكان عالمًا، كريمًا، متودِّدًا.
سَمِعَ من: جَدّه أَبِي العلاء، وأبي عامر الأزْديّ، ونجيب بْن ميمون.
كتبتُ عَنْهُ الكثير، قاله أبو سعد السّمعانيّ، فمن ذَلكَ: "الزّهد" لسعيد بْن منصور، بإسناد هَرَوِيٍّ، إلى أحمد بْن نجدة، عَنْهُ.
مات في نصف ذي الحجَّة وقد نيَّف عَلَى السّبعين.
"حرف الميم":
170- محمد بْن الحسين بْن أَبِي القاسم2.
أبو بَكْر الطَّبَريّ، الشّالوسيّ الصُّوفيّ، الواعظ. وشالوسا من قرى طرستان.
كَانَ مليح الوعظ، خيِّرًا، حريصًا عَلَى طلب الحديث.
سَمِعَ: نصر اللَّه الخُشنامي، فمَن بعده.
سَمِعَ منه: السّمعانيّ، وقال: مات فِي المحرَّم.
171- مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بْن أحمد3.
الإمام أبو بَكْر بْن العربيّ، المَعَافِريّ، الأندلسيّ، الإشبيليّ، الحافظ.
أحد الأعلام.
وُلِد في شعبان سنة ثمانٍ وستّين وأربعمائة.
قَالَ ابن بَشْكُوال4: أخبرني أنّه رحل مَعَ أبيه إلى المشرق سنة خمسٍ وثمانين،
__________
1 التحبير "2/ 21-23"، والتقييد "425"، ومعجم البلدان "3/ 840".
2 التحبير "2/ 121، 122"، ومعجم البلدان "3/ 311".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 590، 591"، وسير أعلام النبلاء "20/ 197-204"، والبداية والنهاية "12/ 228، 229"، وشذرات الذهب "4/ 141".
4 في الصلة "2/ 590".

(37/113)


وأنّه دخل الشّام ولقي بها: أبا بَكْر محمد بْن الوليد الطُّرطوشي، وتفقّه عنده. ولقي بها جماعة من العلماء والمحدّثين. وأنّه دخل بغداد، وسمع بها من طِراد الزَّيْنبيّ.
ثمّ حجّ سنة تسعٍ وثمانين، وسمع من الحسين بْن عليّ الطَّبَريّ.
وعاد إلى بغداد، فصحِب أبا بَكْر الشّاشيّ، وأبا حامد الغزّاليّ، وغيرهم، وتفقه عندهم. ثمّ صدر عَنْ بغداد، ولقي بمصر، والإسكندرية جماعة، فاستفاد منها، وعاد إلى بلده سنة ثلاثٍ وتسعين بعِلمٍ كثير لم يدخله أحدٌ قبله ممّن كانت لَهُ رحلة إلى المشرق.
وكان من أهل التّفنّن في العلوم، والاستبحار فيها، والجّمْع لها، مقدَّمًا في المعارف كلها، متكلِّمًا في أنواعها، نافذًا في جميعها، حريصًا عَلَى آدابها ونشرها، ثاقب الذّهن في تمييز الصّواب منها. يجمع إلى ذَلكَ كلّه آداب الأخلاق مَعَ حُسن المعاشرة، ولِين الكَنَف، وكثْرة الاحتمال، وكَرَم النَّفْس، وحُسن العهد، وثَبَات الودّ. واستُفتي ببلده، فنفع اللَّه بِهِ أهلَها لصرامته وشدّته، ونفوذ أحكامه.
وكانت لَهُ في الظّالمين سورةٌ مرهوبة. ثمّ صُرف عَن القضاء، وأقبل عَلَى نشر العِلْم وبثّه.
قرأتُ عَلَيْهِ، وسمعت منه بإشبيلية، وقُرْطُبة كثيرًا من روايته وتواليفه.
وتُوُفّي بالعدْوة، ودُفن بفاس في ربيع الآخر.
قَالَ ابن عساكر: سَمِعَ أبا الفتح نصر بْن إبراهيم المقدسيّ، وأبا الفضل بْن الفُرات، وأبا البركات أحمد بْن طاوس، وجماعة.
وسمع ببغداد: نصر بْن البطِر، وأبا طلْحة النِّعَالِي، وطِراد بْن محمد.
وسمع ببلده من خاله الحسن بْن عُمَر الهَوْزَنيّ، يعني المذكور سنة اثنتي عشرة.
قلت: ومن تصانيفه: كتاب "عارضة الأحوَذي في شرح التِّرْمِذيّ"، وكتاب "التّفسير" في خمس مجلّدات كبار، وغير ذَلكَ من الكُتُب في الحديث، والفقه، والأُصُول.
وورّخ موتَه في هذه السّنة أيضًا الحافظ أبو الحَسَن بْن الفضل، والقاضي أبو العباس بن خلّكان1.
__________
1 وفيات الأعيان "4/ 297".

(37/114)


وكان أَبُوهُ رئيسًا، عالمًا، من وزراء أمراء الأندلس، وكان فصيحًا، مفوَّهًا، شاعرًا، تُوُفّي بمصر في أوّل سنة ثلاثٍ وتسعين.
روى عَنْ أَبِي بَكْر: عبد الرحمن وعبد اللَّه ابني أحمد وصابر، وأحمد بْن سلامة الأبّار الدّمشقيّون. وأحمد بْن خَلَف الكَلاعيّ قاضي إشبيلية، والحَسَن بْن عليّ القُرْطُبيّ الخطيب، والزّاهد أبو عبد الله محمد بْن أَحْمَد بْن المجاهد، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْجَدّ الفِهري، ومحمد بْن أحمد بْن الفخّار، ومحمد بْن مالك الشَّرِيشيّ، ومحمد بْن يوسف بْن سعادة الإشبيليّ، ومحمد عليّ الكُتّامي، ومحمد بْن جابر الثّعلبيّ، ونجيَّة بْن يحيى الرّعَيني، وعبد اللَّه بْن أحمد بْن جُمهور، وعبد اللَّه بْن أحمد بْن علّوش نزيل مراكُش، وأبو زيد عبد الرحمن بْن عبد الله السُهَيلي، وعبد الرحمن بْن أحمد بْن عبد الرحمن بْن ربيع الأشعريّ، وعبد المنعم بْن يحيى بْن الخلوف الغَرْناطيّ، وعليّ بْن صالح بْن عزّ النّاس الدّاني، وعليّ بْن أحمد الشَّقوري، وأحمد بْن عُمَر الخَزْرجيّ التّاجر.
وروى عَنْهُ خلْق سوى هؤلاء، وكان أحد من بلغ رُتبة الاجتهاد، وأحد من انفرد بالأندلس بعُلُوّ الإسناد.
وقد وجدتُ بخطّي أنّه تُوُفّي سنة ستٍ وأربعين، فما أدري من أين نقلته. ثمّ وجدت وفاته في سنة ستٍّ في "تاريخ ابن النّجّار"، نقله عَن ابن بَشْكُوال، والأوّل الصّحيح إن شاء اللَّه.
وذكر ابن النّجّار أنّه سَمِعَ أيضًا من مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي دَاوُد الفارسيّ بمصر، ومن أَبِي الحسن القاضي الخِلَعيّ، وبالقدس من مكّي الرُميلي. وقرأ كتب الأدب ببغداد على أبي زكريا التبريزي، وقرأ الفقه والأصلين عَلَى الغزّاليّ، وأبي بَكْر الشّاشيّ، وحصّل الكتب والأصول، وحدّث ببغداد عَلَى سبيل المذاكرة، فروى عَنْهُ: أبو منصور بْن الصّبّاغ، وعبد الخالق المَوْصِليّ.
وروى الكثير ببلده، وصنَّف مصنَّفات كثيرةً في الحديث، والفقه، والأصول، وعلوم القرآن، والأدب، والنَّحْو، والتّواريخ، واتّسع حاله، وكثُر أفضاله، ومدحه الشّعراء. وعمل عَلَى إشبيلية سورًا من ماله، وولي قضاءها، وكان من الأئمَّة المقتدى بهم.

(37/115)


وقد ذكره اليَسَع بْن حزْم، وبالغ في تعظيمه، وقال: وليَ القضاء فمُحِن، وجرى في أعراض العابرة فلحن، وأصبح يتحرّك بإثارة الألسنة، ويأبى بما أجراه القدرُ عَلَيْهِ النّومُ والسِّنَة، وما أراد إلّا خيرًا، نصب الشّيطان عَلَيْهِ شباكه، وسكَّن الإدبارُ حِراكه، فأبداه للنّاس صورة تبدو، وسورة تُتلى، لكونه تعلَّق بأذيال المُلك، ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السّلاطين وحرْبهم، بل داهن.
ثمّ انتقل إلى قُرْطُبة مكرَّمًا، حتّى حُوِّل إلى العُدْوة، فقضى بما قرأت.
قرأت بخطّ ابن مَسدي في "مُعْجَمه": أَخْبَرَنَا أبو العبّاس أحمد بْن محمد بْن مفرّج النباتي بإشبيلية: سَمِعْتُ الحافظ أبا بَكْر بْن الجدّ وغيره يقولون: حضر فقهاء إشبيلية أبو بَكْر بْن المُرجّى، وفلان، وفلان، وحضر معهم أبو بَكْر بْن العربيّ، فتذاكروا حديث المِغفَر1، فقال ابن المُرَجّى: لا يُعرف إلّا من حديث مالك، عَن الزُهري. فقال ابن العربيّ: قد رويته من ثلاثة عشر طريقا، غير طريق مالك.
فقالوا لَهُ: أفِدنا هذه الفوائد، فوعدهم، ولم يُخرج لهم شيئًا. وفي ذلك يقوم خَلَفُ بنُ خَير الأديب:
يا أهل حمصَ ومَن بها أوصيكمُ ... بالبرّ والتَّقْوَى وصيَّةً مشفقِ
فخُذُوا عَن العربيّ أسمارَ الدّجا ... وخُذوا الرّوايةَ عَنْ إمامٍ متّقي
إنّ الفتى حُلْوُ الكلام مهذّبٌ ... إنْ لم يجِدْ خَبَرًا صحيحًا يخلقِ2
قلت: هذه الحكاية لا تدل عَلَى ضعف الرجل ولابد.
172- محمد بْن عبد الرحمن بْن إبراهيم بْن يحيى3.
أبو الحَسَن ابن الوزّان، صاحب الصّلاة بجامع قُرْطُبَة.
روى عَنْ: أَبِي عبد الله محمد بْن فَرَج.
وكان أديبًا، فاضلا، معتنيا بالعلم والرواية، ثقة، ثَبتًا، طويل الصلاة، كثير الذِّكر.
__________
1 "حديث صحيح": رواه البخاري "1846"، ومسلم "1357"، ومالك في الموطأ "1/ 423"، وأبو داود "2685"، والترمذي "1693"، والنسائي "5/ 201".
2 التذكرة "4/ 1296، 1297"، وسير أعلام النبلاء "20/ 202".
3 الصلة لابن بشكوال "2/ 591".

(37/116)


توفي رحمه الله في جُمَادَى الآخرة.
173- مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن الطفيل بن الحسن بن عظيمة1.
الإشبيلي، الأستاذ، المقرئ.
رحل وأخذ القراءات عَن ابن الفحّام بالثَّغْر، وأبي الحسين بن الخشّاب بمصر.
أخذ عنه ولده عَيّاش.
وله قصيدة في القراءات، وكتاب "الغنية".
روى عَنْهُ: أبو مروان الباجي، وأبو بَكْر بن خير.
وقد حدَّث عَنْ أَبِي عليّ الغسّانيّ، وطبقته.
تُوُفّي في صفر 43، قاله ابن الأبّار.
174- محمد بْن عليّ2.
أبو غالب البغداديّ، المكبّر، المعروف بابن الدّاية.
سَمِعَ: "صفة المنافق" من ابن المسلمة، وسماعه صحيح، ثُبّت في سنة أربعٍ وستّين بخطّ طاهر النيْسابوريّ.
وتُوفي في المحرّم، قاله أبو سعد.
قلت: روى عَنْهُ: حمزة ومحمد ابنا عليّ بْن القنَّبِيطيّ، وسليمان وعليّ ابنا المَوْصِليّ، وجماعة آخرُهم الفتْح بْن عبد السّلام.
وعاش تسعًا وثمانين سنة.
وكان أَبُوهُ فرّاشًا في بيت رئيس الرؤساء.
175- محمد بْن عليّ بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر بْن عليّ3.
أبو بَكْر الكابُلي4.
__________
1 تكملة الصلة لابن الأبار.
2 المنتظم "10/ 136"، وسير أعلام النبلاء "20/ 174، 175".
3 الأنساب "10/ 301، 302"، والتحبير "2/ 185، 186"، واللباب "3/ 18".
4 الكابلي: نسبة إلى كابل وهي عاصمة أفغانستان حاليًا.

(37/117)


روى عَنْ: عبد الجبّار بْن عبد الله بْن برزة الواعظ بأصبهان.
روى عَنْهُ: أبو موسى بْن المَدِينيّ، وقال: تُوُفّي في العشرين من صَفَر سنة ثلاثٍ وأربعين.
وقال: قِيلَ: إنّ مولده سنة ثلاثٍ أو أربعٍ أو ست وأربعين وأربعمائة. وروى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو بَكْر أحمد بْن أَبِي نصر الخِرقي.
176- محمد بْن أَبِي بَكْر عَمْرو بْن محمد بْن القاسم1.
أبو غالب الشّيرازيّ، من شيوخ أَبِي موسى المَدِينيّ.
هُوَ نَسَبه.
وذكره أبو سعد السّمعانيّ فسمّى جدّه محمد: أحمد. وكذا قَالَ عبد الرحيم الحاجّيّ في "الوَفَيَات".
تُوُفّي يوم عيد الفِطر.
وقال ابن السّمعاني: كَانَ شيخًا، عالمًا، صالحًا، سديد السّيرة، سَمِعَ: المظفَّر البزاني، وابن شكرويه، وجماعة.
ولد سنة ست وستين وأربعمائة.
وقال أبو موسى: كَانَ خازن كُتُب الصّاحب.
177- محمد بْن عليّ بْن محمد بْن خُشنام2.
المَرْوَزِيّ، المُلحمي، الصُّوفيّ.
شيخ معمّر، عاش بضْعًا وتسعين سنة، فيه خير ودين.
سُمع منه سنة أربعٍ وستّين، من عبد العزيز بْن موسى القصّاب عَن الدّهّان، عَنْ فاروق الخطّابيّ.
روى عنه: السمعاني، وعبد الرحيم.
__________
1 التحبير "2/ 202، 203".
2 التحبير "2/ 186، 188"، والأنساب "11/ 465، 466".

(37/118)


178- محمد بْن علي بْن محمد بْن علي1.
أبو العزّ البُستي، الصُّوفيّ.
سَمِعَ بمَرْو، وغيرها جماعة، وسافر الكثير، وسلك البوادي عَلَى التّجريد والوحدة.
وحدَّث عَنْ: موسى بْن عِمران، وجماعة، حتى إنه روى عَن السِّلَفيّ.
قَالَ السّمعانيّ: كتبت عَنْهُ بمَرْو وبشاوَر، وكان شيخنا إسماعيل بْن أَبِي سعد يسيء الثّناء عَلَيْهِ.
وُلِد سنة 471، ومات في ثاني ذي القعدة.
179- محمد بْن محمد بْن الطّبْر.
أبو الفَرَج القصْريّ، الضّرير، المقرئ.
عَنْ: ابن طلْحة النِّعاليّ، وابن البطِر، وجماعة.
وعنه: أبو سعْد السَّمْعانيّ، وأبو القاسم بْن عساكر، وعليّ بْن أحمد بْن وهْب.
شيخ ابن النّجّار، وهو صالح خيّر لا بأس بِهِ، يؤمّ بمسجد.
تُوُفّي في جُمادَى الآخرة وأنّما أضرّ بأخَرَة.
180- المبارك بْن كامل بْن أَبِي غالب الحسين بْن أَبِي طاهر2.
أبو بَكْر الخفّاف، البغداديّ، الظَّفَريّ، المفيد. كَانَ يفيد الغُرباء عَن الشّيوخ.
سَمِعَ الكثير، وأفْنَى عُمره في الطَّلَب. وسمع العالي والنّازل. وأخذ عمّن دبّ ودرج، وما يدخل أحدٌ بغدادَ إلّا ويبادر ويسمع منه.
قَالَ ابن السّمعانيّ: وهو سريع القراءة والخطّ، يشبه بعضه بعضًا في الرّداءة. وكان يدور معي عَلَى الشيوخ.
__________
1 في معجم الشيوخ لابن السمعاني.
2 المنتظم "10/ 137"، والكامل في التاريخ "11/ 136"، والعبر "4/ 119، 120"، وسير أعلام النبلاء "20/ 299، 300"، ولسان الميزان "5/ 11، 12".

(37/119)


سمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا عليّ بْن نبهان، وعليّ بْن أحمد بْن فتحان الشهرزوري، فمن بعدهم.
سمعت منه وسمع منّي، وقال لي: وُلِدتُ في سنة تسعين وأربعمائة.
تُوُفّي في تاسع وعشرين جُمادى الأولى.
وقال أبو الفَرَج بْن الْجَوزيّ1: أبو بَكْر المفيد، يُعرف أبوه بالخفّاف، سمع خلقًا كثيرًا، ومازال يسمع العالي والنّازل، ويتتبّع الأشياخ في الزّوايا، وينقل السّماعات، فلو قِيلَ: إنّه سَمِعَ من ثلاثة آلاف شيخ لما رُدّ القائل.
وانتهت إِلَيْهِ معرفة المشايخ، ومقدار ما سمعوا والإجازات لكثرة دِربته في ذَلكَ. وكان قد صحِب هزارسبَ بن عوض، ومحمود الأصبهاني، إلّا أنّه كَانَ قليل التّحقيق فيما ينقل من السّماعات، لكونه يأخذ عَنْ ذَلكَ ثمنًا، وكان فقيرًا إلى ما يأخذ، ولكن كثير التّزويج والأولاد.
181- المبارك بْن المبارك بْن أَبِي نصر بْن زُوما2.
أبو نصر البغداديّ، الحنْبليّ الرّفّاء، ثمّ تحوَّل شافعيًّا، وتفقّه عَلَى أَبِي سعد المِيهنيّ. وبرع في المذهب، وكان من الصُّلحاء العُبّاد.
سَمِعَ من: أُبي النَّرْسيّ، وطبقته.
وحدَّث.
ومات كهْلًا، رحمه اللَّه.
182- منير بْن محمد بْن منير.
أبو الفضل النَّخَعيّ3، الرّازيّ، واعظ.
سَمِعَ ببغداد: عاصم بْن الحَسَن، ومالك البانياسيّ، وأبا الغنائم بْن أَبِي عثمان، وجماعة.
__________
1 في المنتظم.
2 المنتظم "10/ 136، 137"، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي "4/ 299"، وفيه "روما".
3 النخعي: نسبة إلى النخع، وهي قبيلة من العرب نزلت الكوفة "الأنساب 12/ 60".

(37/120)


روى عَنْهُ: عبد الوّهاب بْن سُكينة، وغيره.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ عَلَى التَّرِكات، وسمعت جماعة يسيئون الثّناء عَلَيْهِ. كتبتُ عَنْهُ.
وتُوُفّي في ذي القعدة. ووُلِد في سنة خمسٍ وستّين.
183- موسى بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي زيد.
أبو عبد الله الفَرْغَانيّ، الصُّوفيّ.
قدِم بغدادَ، وحجَّ كثيرًا. وكان شيخًا صالحًا، خَدُومًا، ذكر أنّه سَمِعَ من أصحاب أَبِي عليّ بْن شاذان، ولم يظهر لَهُ شيء.
تُوُفّي بدمشق في صَفَر.
"حرف الياء":
184- ياقوت1.
أبو الدُّرّ الرُّوميّ، التّاجر، السّفّار، عتيق عُبيد اللَّه بن أحمد البخاريّ. سَمِعَ معه من ابن هزارمُرد الصَّرِيفِينيّ كتاب "المُزاح والفُكاهة" للزُبير، وسمع مجالس المخلّص.
قَالَ ابن السّمعانيّ2: كَانَ شيخًا ظاهره الصّلاح والسّداد، لا بأس بِهِ، حدَّث بالعراق ودمشق، ومصر.
وقال ابن عساكر3: قدِم دمشقَ، ومصر، مرّات للتّجارة، ولم يكن يفهم شيئًا، وتُوُفّي بدمشق في شعبان.
قلت: روى عَنْهُ: ابن عساكر، وولده القاسم، وابن السّمعانيّ، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، ومحمد بْن وهْب بْن الزّنْف، والحسين بْن كامل المعبّر، وعقيل بْن الحسين بْن أَبِي الجنّ، وأحمد بْن وهْب بْن الزَّنْفِ، وعبد الرحمن بْن سلطان بْن يحيى
__________
1 سير أعلام النبلاء "20/ 170"، والعبر "4/ 120"، وشذرات الذهب "4/ 136".
2 في الأنساب "6/ 188".
3 في مشيخته ورقة "239".

(37/121)


القُرَشيّ، وعبد الرحمن بْن إسماعيل الجنْزَويّ، وعبد الرحمن بْن عبد الواحد بْن هلال، وعبد الصّمد بْن يونس التَّنُوخيّ، وطائفة سواهم.
185- يحيى بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن أَحْمَد.
أبو جعفر بْن الزوّال.
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنَبيّ، وعامر بْن الحَسَن.
وعنه: ابن سُكينة، ويوسف بْن المبارك بْن كامل.
مات في ربيع الأَوَّل. قاله ابن النّجّار.
186- يحيى بْن محمد بْن سعادة بْن فصّال.
أبو بَكْر القُرْطُبيّ، المقرئ.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي الحسن العبْسيّ، وأبي القاسم بْن النّخّاس.
وحجَّ فسمع من رزين بْن مغرب كتاب "تجريد الصّحاح" وكتاب "فضائل مكَّة".
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن بَشْكُوال، وأبو خَالِد المَرَوانيّ، وأبو الحَسَن بْن مؤمن، وأبو القاسم الشّرّاط.
187- يوسف بْن دوناس بْن عيسى1.
أبو الحَجّاج الفِندلاوي، المغربيّ الفقيه المالكيّ، الشّهيد، إن شاء اللَّه.
قدِم الشّام حاجًّا، فسكن بانياس مدَّةً، وكان خطيبًا بها، ثمّ انتقل إلى دمشق، ودرَّس بها الفقه، وحدّث بـ "الموطأ".
أَنْبَأَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ محمد عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عساكر: أَنَا أَبِي، أَنَا أبو الحَجّاج الفِندلاوي: أنبا محمد بْن عبد الله بْن الطّيّب الكلْبيّ، أنبا أَبِي، أنبا عبد الرحمن الخِرَقيّ، أَنَا عَلِيّ بْن محمد الفقيه، فذكر حديثًا.
قَالَ الحافظ ابن عساكر: كَانَ الفِنْدَلاويّ حَسَن الفاكهة، حُلْو المحاضرة، شديد التّعصُّب لمذهب أهل السُّنَّة، يعين الأشاعرة، كريم النّفس، مطّرحًا التّكلُّف، قوي
__________
1 معجم البلدان "4/ 277، 278"، وسير أعلام النبلاء "20/ 209، 210"، والبداية والنهاية "12/ 224، 225"، والنجوم الزاهرة "5/ 282".

(37/122)


القلب. سَمِعْتُ أبا تُراب بْن قيس يذكر أنّه كَانَ يعتقد اعتقاد الحَشَويَّة، ويبغض الفِنْدَلاويّ لردّه عليهم، وأنه خرج إلى الحج، وأُسر في الطريق، وألقي في جبّ، وألقي عليه صخرة، وبقي كذلك مدَّة يُلقى إِلَيْهِ ما يأكل، وأنّه أحسّ ليلةً بحسّ، فقال: من أنت؟ فقال: ناولْني يدك. فناوله يده، فأخرجه من الْجُبّ، فلمّا طلع إذا هُوَ الفِندلاوي، فقال: تُب ممّا كنت عَلَيْهِ. فتاب عَلَيْهِ.
قَالَ ابن عساكر: وكان ليلة الختْم في رمضان يخطب رَجُل في حلقة الفِنْدَلاويّ بالجامع ويدعو، وعنده أبو الحسن بْن المسلم الفقيه، فرماهم خارجٌ من الحلقة بحجر، فلم يُعرف. وقال الفِنْدلاويّ: اللَّهُمَّ اقطَعْ يدَه. فما مضى إلّا يسير حتّى أُخذ قُصَيْر الرّكابيّ من حلقة الحنابلة ووُجد في صندوقه مفاتيح كثيرة تفتح الأبواب للسّرقة، فأمر شمس الملوك بقطْع يديه، ومات من قطْعهما.
قُتل الفِنْدَلاويّ يوم السّبت سادس ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ بالنَّيْرَب مجاهدًا للفرنج. وفي هذا اليوم نزلوا عَلَى دمشق، فبقوا أربعة أيّام، ورحلوا لقلَّة العَلَف والخوف من العساكر المتواصلة من حلب، والموصل نجدةً.
وكان خروج الفِنْدَلاويّ إليهم راجلًا فيمن خرج.
وذكر صاحب "الرَّوضتين" أنَّ الفِنْدَلاويّ قُتل عَلَى الماء قريب الرّبوة، لوقوفه في وجوه الفرنج، وترك الرجوع عَنْهُمْ، اتّبع أوامر اللَّه تعالى وقال بِعنا واشتري. وكذلك عبد الرحمن الحلحوليّ الزّاهد، رحمه الله، جرى أمره هذا المجرى.
وذكر ابن عساكر أنّ الفِندلاوي رُؤيّ في المنام، فقيل لَهُ: أين أنت؟ فقال: في جنات عدن {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين} [الصافات: 44] . وقبره يُزار بمقبرة باب الصّغير من ناحية حائط الْمُصَلَّى، وعليه بلاطة كبيرة فيها شرحُ حاله.
وأمّا عبد الرحمن الحلحوليّ1 فقبره في بستان الشّعبانيّ، في جهة شرفه، وهو البستان المحاذي لمسجد بستان شعبان المعروف الآن بمسجد طالوت.
وقد جَرَت للفِنْدَلاويّ، رحمه اللَّه، بحوث، وأمور، وحِسبة مَعَ شرف الإسلام ابن الحنبليّ في العقائد، أعاذَنا الله من الفتن والهوى.
__________
1 تقدمت ترجمته برقم "154".

(37/123)


وفيات سنة أربع وأربعين وخمسمائة:
"حرف الألف":
188- أَحْمَد بْن الوزير نظام المُلك الحَسَن بْن عليّ بْن إسحاق1.
أبو نصر الطُّوسيّ، الصّاحب، الرّئيس.
سكن بغداد عند مدرسة والده، وكان وزيرًا في دولتي الخليفة والسّلطان، وآخر ما وزَر للمسترشد بالله في رمضان سنة ستّ عشرة وخمسمائة، وعُزل بعد ستَّة أشهر، ولزِم منزله، ولم يتلبَّس بعدها بولاية.
وآخر من روى عَنْهُ حفيده الأمير داود بْن سليمان بْن أحمد.
وكان صدْرًا، بهيّ المنظر، مليحَ الشَّيْبة، يملأ العين والقلب، قعد عَن الأشغال، وكان جليس يَمنة.
وحدَّث عَنْ: أبيه، وأبي الفضل الحَسْناباذيّ، وغيرهما، وأبو الفضل كان عبد الرزاق الراوي، عَن الحافظ ابن مردوَيه، وغيره.
روى عَنْهُ: أبو أسعد السّمعانيّ، وذكره في "معجمه"، وقال: تُوُفّي في الخامس والعشرين مِن ذي الحجَّة، ودُفن بداره. عاش تسعًا وسبعين سنة.
189- أَحْمَد بْن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ2.
أَبُو نَصْرٍ البَهْوَنيّ3. وبَهْوَنَة: من قرى مَرْو.
إمام فاضل، لكن اختلط في آخر عمره واختلّ.
سَمِعَ: هبة اللَّه بْن عبد الوارث الشّيرازيّ، وأبا سعيد محمد بْن عليّ البَغَويّ.
ذكره ابن السّمعانيّ في مُعْجَمه، وقال: تُوُفّي في ربيع الآخر.
190- أحمد بن عبد الباقي بن الجلا.
__________
1 المنتظم "10/ 138، 139"، ومسير أعلام النبلاء "20/ 236"، والبداية والنهاية "12/ 226"، والوافي بالوفيات "6/ 321".
2 التحبير "2/ 444، 445"، ومعجم البلدان "1/ 517".
3 البهوني: نسبة إلى بهونة: اسم لإحدى القرى من بنج ديه.

(37/124)


أبو البَرَكات، أمين القاضي ببغداد.
حدَّث عَنْ: نصر بْن البطِر.
وعنه: ابن السّمعانيّ، وإبراهيم بْن سُفْيان بْن مَنده.
وكان مقرئًا، مجوِّدًا.
تُوُفّي في جُمادى الأولى.
191- أحمد بْن عليّ بْن أَبِي جعفر بْن أَبِي صالح1.
الإمام، أبو جعفر البيهقي، النحوي، المفسّر، المعروف ببوجعفرَك.
نزيل نَيْسابور، وعالِمها.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ إمامًا في القراءة، والتّفسير، والنَّحْو، واللّغة، وصنَّف المصنَّفات المشهورة.
وسمع: أحمد بْن محمد بْن صاعد، وعليّ بْن الحسين بْن العبّاس الصَّنْدليّ.
ووُلد في حدود السبعين وأربعمائة.
وذكره جمال الدّين القفْطيّ في "تاريخ النَّحْويّين"2 فقال: صنَّف التّصانيف المشهورة، منها كتاب "تاج المصادر". وظهر لَهُ تلامذة نُجباء. وكان لا يخرج من بيته إلّا في أوقات الصّلاة. وكان يُزار ويُتَبَرَّك بِهِ.
تُوُفّي رحمه اللَّه بلا مرض في آخر يوم من رمضان، وازدحم الخلْق عَلَى جنازته.
192- أحمد بْن عليّ بْن حمزة بْن جبيرة3.
أبو محمد البَصْلانيّ4، ويُعرف بطفان.
طلب بنفسه، وكتب عَنْ: ابن البطِر، والنِّعالي، وعاصم بْن الحَسَن، وطِراد.
__________
1 معجم الأدباء "4/ 49-51"، وتذكرة الحفاظ "4/ 1306"، وسير أعلام النبلاء "20/ 208، 209"، والوافي بالوفيات "7/ 214، 215".
2 إنباه الرواة بأنباه النحاة "1/ 89، 90".
3 ميزان الاعتدال "1/ 123"، ولسان الميزان "1/ 232، 233".
4 البصلاني: نسبة إلى البصلية وهي محلة على طرف بغداد "الأنساب 2/ 236".

(37/125)


وقال ابن النّجّار: روى اليسير لسوء طريقه، وقُبح أفعاله. كَانَ ينجّم ويتمسخر عَلَى العرب، ويحضر مجالس اللهو، فتركوه.
روى عَنْهُ: الحافظ ابن عساكر، والمبارك بْن كامل، ونور العين بنت المبارك.
قال ابن ناصر: متروك، لا تجوز الرّواية عَنْهُ.
وقال ابن شافع: مات في رجب.
193- أحمد بْن محمد بْن الحسين1.
القاضي، أبو بَكْر الأرّجانيّ، ناصح الدّين، قاضي تُستَر2، وصاحب الدّيوان الشّعر المشهور.
كَانَ شاعر عصره، مدح أمير المؤمنين المسترشد بالله.
وسمع من أَبِي بَكْر بْن ماجة الأَبْهريّ حديث لُوَين3.
روى عَنْهُ جماعة منهم: أبو بَكْر محمد بْن القاسم بْن المظفّر بْن الشَّهْرُزُوريّ، وعبد الرحيم بْن أحمد ابن الإخْوَة، وابن الخشّاب النَّحْويّ، ومنوجهر بْن تُركانشاه، ويحيى بْن زيادة الكاتب.
وأصله شيرازيّ. وكان في عنفوان شبابه بالمدرسة النّظاميَّة بأصبهان، وناب في القضاء بعسكر مُكرَم. والّذي جُمِع من شِعره لا يُكَوِّن العُشر منه.
قَالَ العِماد في "الخريدة"4: لمّا وافيت عسكر مُكرَم5 لقيتُ بها ولد رئيس الدّين محمدًا، فأعارني إضْبارةً كبيرةً من شِعر والده. منبتُ شجرته أَرَّجان، ومواطن أُسرته تُستَر، وعسكر مُكرَم من خُوزِسْتان. وهو وإن كَانَ في العجم مولده، فمن العرب محتِده، سَلَفُه القديم من الأنصار، لم يسمح بنظيره سالف الأعصار، أوسيّ
__________
1 المنتظم "10/ 139، 140"، وسير أعلام النبلاء "20/ 210، 211"، والبداية والنهاية "12/ 226، 227"، وشذرات الذهب "5/ 285".
2 تستر: مدينة مشهورة بخوزستان "معجم البلدان 2/ 29".
3 هو الحافظ أبو جعفر محمد بن سليمان بن حبيب الأسدي وسبقت ترجمته في حوادث ووفيات "241-250هـ" رقم "437".
4 "1/ 141".
5 عسكر مكرم: بلد مشهور من نواحي خوزستان "معجم البلدان "4/ 123".

(37/126)


الأسّ خزرَجيُّه، قسيُّ النُّطْق إِيادِيُّه، فارسيُّ القَلَم، وفارس ميدانه، وسلمان برهانه، من أبناء فارس، الّذين نالوا العِلم المعلَّق بالثُّرَيّا. جمع بين العذوبة والطيب والريّا.
وله:
أَنَا أشعر الفُقهاء غير مُدافعٍ ... في العصر، أو أَنَا أفقهُ الشعراءِ
شِعري إذا ما قلتُ دوّنه الورى ... بالطبع لا يتكلّفِ الإلقاءِ
كالصَّوت في حُلل الْجِبال إذا علا ... للسَّمْع هاجَ تجاوبَ الأصْداءِ
وله:
شاوِر سواكَ إذا نابتكَ نائبةٌ ... يومًا، وإن كنتَ من أهلِ المشوراتِ
فالعينُ تَنظر منها ما دَنَا ونَأَى ... ولا ترى نفسَها إلَّا بمرآةِ1
وله:
ولمّا بلوتُ الناسَ أطلبُ عندهُم ... أخا ثقةٍ عند اعتراض الشدائدِ
تطلّعتُ في حالَي رخاءٍ وشدةٍ ... وناديتُ في الأحياء: هَلْ من مُساعد؟
فلم أرَ فيما ساءني غيرَ شامتٍ ... ولم أرَ فيما سَرَّني غيرَ حاسدِ
مُتِّعتُما يا ناظِريَّ بنظْرةٍ ... وأوردتْما قلبي أشرَّ المواردِ
أَعَيْنَيَّ كُفّا عَنْ فؤادي فإنّهُ ... من البغْي سعيُ اثنينِ في قتْلِ واحدِ2
وله يمدح خطير المُلك محمد بْن الحسين وزير السّلطان محمد السَّلْجُوقيّ:
طلعتْ نجومُ الدّين فوق الفرقَد ... بمحمدٍ، ومحمدٍ، ومحمدِ
نبيُّنا الهادي وسُلْطانِ الوَرَى ... ووزيره المولى الكريم المُنجدِ
سَعْدان للأفلاك يَكْنفانها ... والدّين يكنفُه ثلاثةُ أسعدِ
بكتاب ذا، وبسيفِ ذا، وبرأي ذا ... نُظمتْ أمورُ الدّين بعد تبدُّدِ
__________
1 وفيات الأعيان "1/ 152"، والوافي بالوفيات "7/ 378".
2 المنتظم "10/ 139"، والبداية والنهاية "12/ 227".

(37/127)