تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
القول في الزمان ما
هو
قال ابو جعفر: فالزمان هو ساعات الليل والنهار، وقد يقال ذلك للطويل من
المدة والقصير منها، والعرب تقول: أتيتك زمان الحجاج أمير، وزمن الحجاج
أمير- تعني به: إذ الحجاج أمير وتقول: اتيتك زمان الصرام وزمن الصرام-
تعني به وقت الصرام ويقولون أيضا: أتيتك أزمان الحجاج أمير، فيجمعون
الزمان، يريدون بذلك أن يجعلوا كل وقت من أوقات إمارته زمانا من
الأزمنة، كما قال الراجز:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق ... شراذم يضحك منه التواق
فجعل القميص أخلاقا، يريد بذلك وصف كل قطعة منه بالإخلاق، كما يقولون:
أرض سباسب، ونحو ذلك.
ومن قولهم للزمان: زمن قول أعشى بني قيس بن ثعلبة:
وكنت امرا زمنا بالعراق ... عفيف المناخ طويل التغن
يريد بقوله: زمنا زمانا، فالزمان اسم لما ذكرت من ساعات الليل والنهار
على ما قد بينت ووصفت
(1/9)
القول في كم قدر جميع الزمان من ابتدائه
إلى انتهائه وأوله إلى آخره
اختلف السلف قبلنا من أهل العلم في ذلك، فقال بعضهم: قدر جميع ذلك سبعة
آلاف سنة.
ذكر من قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: الدنيا جمعة من جمع
الآخرة، سبعة آلاف سنه، فقد مضى سته آلاف سنه ومائتا سَنَةٍ،
وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا مِئُونَ مِنْ سِنِينَ، لَيْسَ عَلَيْهَا
مُوَحِّدٌ.
وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْرُ جَمِيعِ ذَلِكَ سِتَّةُ آلافِ سَنَةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ
هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ:
قَالَ كَعْبٌ: الدُّنْيَا سِتَّةُ آلافِ سَنَةٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قال: حدثنا اسمعيل بن
عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهبا يقول: قد خلا
من الدنيا خمسه آلاف سنه وستمائه سنه، وانى لأَعْرِفُ كُلَّ زَمَانٍ
مِنْهَا، مَا كَانَ فِيهِ من الملوك والأنبياء قلت لِوَهْبِ بْنِ
مُنَبِّهٍ: كَمِ الدُّنْيَا؟ قَالَ: سِتَّةُ آلاف سنه
(1/10)
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذَلِكَ
مَا دَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ الْخَبَرُ الْوَارِدُ عن رسول الله ص،
وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَعَلِيُّ بْنُ
سَهْلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
[سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ
كَانَ قَبْلَكُمْ، مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر،
قال: [سمعت النبي ص يَقُولُ: أَلا إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ
خَلا مِنَ الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ
الشَّمْسِ] .
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، ابْنُ أُخْتِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، أَبُو الْيَقْظَانِ،
عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ الله ص: مَا بَقِيَ
لأُمَّتِي مِنَ الدُّنْيَا إِلا كَمِقْدَارِ الشَّمْسِ إِذَا صُلِّيَتِ
الْعَصْرُ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: [كُنَّا جُلُوسًا عند النبي
ص وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ عَلَى قُعَيْقِعَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ،
فَقَالَ:
مَا أَعْمَارُكُمْ فِي أَعْمَارِ مَنْ مَضَى إِلا كَمَا بَقِيَ مِنْ
هَذَا النَّهَارِ فِيمَا مَضَى مِنْهُ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى- قال ابن
بشار: حدثنى خلف ابن مُوسَى، وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا
خَلَفُ بْنُ مُوسَى- قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص خَطَبَ أَصْحَابَهُ
يَوْمًا- وَقَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ، وَلَمْ يَبْقَ
مِنْهَا إِلا شِقٌّ يَسِيرٌ-[فقال: والذى
(1/11)
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا بَقِيَ مِنْ
دُنْيَاكُمْ فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ
هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ، وَمَا تَرَوْنَ مِنَ الشَّمْسِ إِلا
الْيَسِيرَ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قال:
[قال النبي ص عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: إِنَّمَا مَثَلُ مَا بَقِيَ
مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا كَبَقِيَّةِ يَوْمِكُمْ هَذَا
فِيمَا مَضَى مِنْهُ] .
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ،
قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: [قَالَ رسول الله
ص: بعثت انا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ- وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ
وَالْوُسْطَى] .
حَدَّثَنَا أَبُو كريب، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي
بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ ابى هريرة، عن
النبي بِنَحْوِهِ.
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ وَأَبُو
مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: [قَالَ رسول الله ص: بُعِثْتُ أَنَا
وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ] .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ،
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
سَمُرَةَ، [قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى إِصْبَعَيْ رَسُولِ الله ص-
وَأَشَارَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا- وَهُوَ يَقُولُ:
بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ،
قَالَ: حدثنا فطر، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، عَنْ جَابِرِ
بْنِ سمره، قال: [قال رسول الله ص: بُعِثْتُ مِنَ السَّاعَةِ
كَهَاتَيْنِ]- وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السبابة والوسطى
(1/12)
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ، قَالَ: [قال رسول الله ص: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ
كَهَاتَيْنِ] قَالَ شُعْبَةُ:
سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى
الأُخْرَى، قَالَ: لا أَدْرِي أَذَكَرَهُ عَنْ أَنَسٍ أَوْ قَالَهُ
قَتَادَةُ.
حَدَّثَنَا خَلادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ
شُمَيْلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ
مالك، قال: [قال رسول الله ص: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ
كَهَاتَيْنِ] .
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ
النبي ص مِثْلَهُ، وَزَادَ فِي حَدِيثِهِ:
وَأَشَارَ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنِ الأوزاعي، قال: حدثنا
اسمعيل بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ له الوليد: ماذا سمعت
رسول الله ص يَذْكُرُ بِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: [سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ ص يَقُولُ:
أَنْتُمْ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ،] وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ.
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي،
قَالَ: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنى اسمعيل بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ،
قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ
الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ ص يَذْكُرُ بِهِ السَّاعَةَ؟ [قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
ص يقول: أنتم والساعة كتين] .
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ،
(1/13)
عن الأوزاعي، قال: حدثنى اسمعيل بْنُ
عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْوَلِيدِ
بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْبَدٌ، حَدَّثَ أَنَسٌ، [عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّهُ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ
كَهَاتَيْنِ،] وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ: هَكَذَا.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: [قَالَ رَسُولُ الله ص:
بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ:] السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى
قَالَ أَبُو مُوسَى: وَأَشَارَ وَهْبٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ وَقَتَادَةَ، عَنْ
أَنَسٍ، قَالَ: [قَالَ رسول الله ص: بعثت انا وَالسَّاعَةَ
كَهَاتَيْنِ،] وَقَرَنَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الفضيل بن سليمان، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سعد، قال: [رايت رسول الله ص قَالَ
بِإِصْبَعَيْهِ هَكَذَا، الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ:
بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الأَدَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ [سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
السَّاعِدِيِّ ان رسول الله ص قَالَ: بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ
كَهَاتَيْنِ- وَضَمَّ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ الْوُسْطَى، وَالَّتِي تَلِي
الإِبْهَامَ- وَقَالَ: مَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ إِلا
كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، ثُمَّ قَالَ: مَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ
إِلا كَمَثَلِ رَجُلٍ بَعَثَهُ قَوْمٌ طَلِيعَةً، فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ
يُسْبَقُ أَلاحَ بِثَوْبِهِ: أُتِيتُمْ، أُتِيتُمْ، أَنَا ذَاكَ أَنَا
ذَاكَ] .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:
[قَالَ رَسُولُ الله ص:
بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ،] وَجَمَعَ بَيْنَ
إِصْبَعَيْهِ
(1/14)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:
[قَالَ رسول الله ص: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ هَكَذَا،] وَقَرَنَ
بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ: الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ.
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرحيم البرقي، عن سهل بن سعد، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،
قَالَ: [قَالَ رَسُولُ الله ص: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ
كَهَاتَيْنِ،] وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ
بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: [سَمِعْتُ رسول الله ص يَقُولُ:
بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ جَمِيعًا، إِنْ كَادَتْ لِتَسْبِقَنِي] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هَيَّاجٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدَةُ بْنُ
الأَسْوَدِ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ
الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شداد الفهري، [عن النبي ص أَنَّهُ قَالَ:
بُعِثْتُ فِي نَفْسِ السَّاعَةِ، سَبَقْتُهَا كَمَا سَبَقَتْ هَذِهِ
هَذِهِ،] لإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَوَصَفَ لَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَجَمَعَهُمَا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو نَصْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ،
عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جبيرة، قال: [قال رسول الله ص: بُعِثْتُ
مَعَ السَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ، - وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ الْوُسْطَى
وَالسَّبَّابَةِ- كَفَضْلِ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ] .
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ شُبَيْلِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ
أَبِي جُبَيْرَةَ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالُوا:
(1/15)
[سمعنا رسول الله ص يَقُولُ: جِئْتُ أَنَا
وَالسَّاعَةَ هَكَذَا]- قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَأَرَانَا تَمِيمٌ،
وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى وَقَالَ لَنَا: أَشَارَ يَزِيدُ
بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَضَمَّهُمَا-[وَقَالَ:
سَبَقْتُهَا كَمَا سَبَقَتْ هَذِهِ هَذِهِ فِي نَفْسِ من الساعة، او في
نَفْسَ السَّاعَةِ] .
فمعلوم إذ كان اليوم أوله طلوع الفجر وآخره غروب الشمس، وكان صحيحا عن
نبينا ص، ما رويناه عنه قبل، أنه قال بعد ما صلى العصر: ما بقي من
الدنيا فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلا كَمَا بَقِيَ مِنْ يومكم هذا فيما
مضى منه.
وأنه قال لأصحابه: بعثت أنا والساعة كهاتين- وجمع بين السبابة والوسطى-
سبقتها بقدر هذه من هذه، يعني الوسطى من السبابة وكان قدر ما بين اوسط
اوقات صلاه العصر- وذلك إذا صار ظل كل شيء مثليه- على التحري إنما يكون
قدر نصف سبع اليوم، يزيد قليلا أو ينقص قليلا، وكذلك فضل ما بين الوسطى
والسبابة، إنما يكون نحوا من ذلك وقريبا منه.
وكان صحيحا مع ذلك عن رسول الله ص ما حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ وَهْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا ثعلبه الخشني صاحب النبي ص يقول: [ان رسول الله ص قَالَ:
لَنْ يُعْجِزَ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ مِنْ نصف يوم،] وكان معنى قول
النبي ذلك أن لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم الذي مقداره ألف سنة-
كان بينا أن أولى القولين- اللذين ذكرت في مبلغ قدر مدة جميع الزمان،
اللذين أحدهما عن ابن عباس، والآخر منهما عن كعب- بالصواب، وأشبههما
بما دلت عليه الأخبار الوارده عن رسول الله ص قول ابن عباس، الذي روينا
عنه أنه قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنه
(1/16)
وإذ كان ذلك كذلك، وكان الخبر عن رسول الله
ص صحيحا أنه أخبر عن الباقي من ذلك في حياته انه نصف يوم، وذلك خمسمائة
عام، إذ كان ذلك نصف يوم من الأيام التي قدر اليوم الواحد منها ألف
عام- كان معلوما أن الماضي من الدنيا الى وقت قول النبي ص ما رويناه عن
أبي ثعلبة الخشني عنه، كان قدر سته آلاف سنه وخمسمائة سنة، أو نحوا من
ذلك وقريبا منه والله أعلم.
فهذا الذي قلنا- في قدر مدة أزمان الدنيا، من مبدأ أولها إلى منتهى
آخرها- من أثبت ما قيل في ذلك عندنا من القول، للشواهد الدالة التي
بيناها على صحة ذلك.
وقد روي عن رسول الله ص خبر يدل على صحة قول من قال: إن الدنيا كلها
ستة آلاف سنة، لو كان صحيحا سنده لم نعد القول به إلى غيره، وذلك ما
حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ابن عبد الوارث، حدثنا زبان، عَنْ
عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هريرة، ان [رسول الله ص
قَالَ: الْحُقْبُ ثَمَانُونَ عَامًا، الْيَوْمُ مِنْهَا سُدُسُ
الدُّنْيَا] .
فبين في هذا الخبر أن الدنيا كلها ستة آلاف سنة، وذلك أن اليوم الذي هو
من أيام الآخرة إذا كان مقداره ألف سنة من سني الدنيا، وكان اليوم
الواحد من ذلك سدس الدنيا، كان معلوما بذلك أن جميعها ستة أيام من أيام
الآخرة، وذلك ستة آلاف سنة.
وقد زعم اليهود أن جميع ما ثبت عندهم- على ما في التوراة مما هو فيها
من لدن خلق الله آدم إلى وقت الهجرة، وذلك في التوراة التي هي في
ايديهم اليوم- اربعه آلاف سنه وستمائه سنة واثنتان وأربعون سنة، وقد
ذكروا تفصيل ذلك بولادة رجل رجل، ونبي نبي، وموته من عهد آدم إلى هجرة
نبينا محمد ص
(1/17)
وسأذكر تفصيلهم ذلك إن شاء الله، وتفصيل
غيرهم ممن فصله من علماء أهل الكتب وغيرهم من أهل العلم بالسير وأخبار
الناس إذا انتهيت إليه إن شاء الله.
وأما اليونانية من النصارى فإنها تزعم أن الذي ادعته اليهود من ذلك
باطل، وأن الصحيح من القول في قدر مدة أيام الدنيا- من لدن خلق الله
آدم إلى وقت هجره نبينا محمد ص على سياق ما عندهم في التوراة التي هي
في ايديهم- خمسه آلاف سنه وتسعمائة سنة واثنتان وتسعون سنة وأشهر
وذكروا تفصيل ما ادعوه من ذلك بولادة نبي نبي، وملك ملك، ووفاته من عهد
آدم إلى وقت هجره رسول الله ص، وزعموا أن اليهود إنما نقصوا ما نقصوا
من عدد سني ما بين تاريخهم وتاريخ النصارى دفعا منهم لنبوه عيسى بن
مريم ع إذ كانت صفته ووقت مبعثه مثبتة في التوراة وقالوا: لم يأت الوقت
الذي وقت لنا في التوراة أن الذي صفته صفة عيسى يكون فيه، وهم ينتظرون-
بزعمهم- خروجه ووقته.
واحسب أن الذي ينتظرونه ويدعون أن صفته في التوراة مثبتة، هو الدجال
الذي وصفه رسول الله ص لأمته، وذكر لهم أن عامة أتباعه اليهود، فإن كان
ذلك هو عبد الله بن صياد، فهو من نسل اليهود.
وأما المجوس فإنهم يزعمون أن قدر مدة الزمان من لدن ملك جيومرت إلى وقت
هجرة نبينا ص ثلاثة آلاف سنة ومائة سنة وتسع وثلاثون سنة، وهم لا
يذكرون مع ذلك نسبا يعرف فوق جيومرت، ويزعمون أنه آدم أبو البشر، ص
وعلى جميع أنبياء الله ورسله.
ثم أهل الأخبار بعد في أمره مختلفون، فمن قائل منهم فيه مثل قول
المجوس، ومن قائل منهم إنه تسمى بآدم بعد أن ملك الأقاليم السبعة، وأنه
إنما هو جامر بن يافث ابن نوح، كان بنوح ع برا ولخدمته ملازما، وعليه
حدبا شفيقا، فدعا الله له ولذريته نوح- لذلك من بره به وخدمته له- بطول
العمر، والتمكين في
(1/18)
البلاد، والنصر على من ناوأه وإياهم،
واتصال الملك له ولذريته، ودوامه له ولهم، فاستجيب له فيه، فأعطى
جيومرت ذلك وولده، فهو ابو الفراس، ولم يزل الملك فيه وفي ولده إلى أن
زال عنهم بدخول المسلمين مدائن كسرى، وغلبة أهل الإسلام إياهم على
ملكهم.
ومن قائل غير ذلك، وسنذكر إن شاء الله ما انتهى إلينا من القول فيه إذا
انتهينا إلى ذكرنا تاريخ الملوك ومبالغ أعمارهم، وأنسابهم وأسباب ملكهم
(1/19)
القول في الدلالة
على حدوث الأوقات والأزمان والليل والنهار
قد قلنا قبل إن الزمان إنما هو اسم لساعات الليل والنهار، وساعات الليل
والنهار إنما هي مقادير من جري الشمس والقمر في الفلك، كما قال الله عز
وجل:
«وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ
مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ
الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ
كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ
الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ
يَسْبَحُونَ» .
فإذا كان الزمان ما ذكرنا من ساعات الليل والنهار، وكانت ساعات الليل
والنهار إنما هي قطع الشمس والقمر درجات الفلك، كان بيقين معلوما أن
الزمان محدث والليل والنهار محدثان، وان محدث ذلك الله الذي تفرد
بإحداث جميع خلقه، كما قال: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ
وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» .
ومن جهل حدوث ذلك من خلق الله فإنه لن يجهل اختلاف أحوال الليل
والنهار، بأن أحدهما يرد على الخلق- وهو الليل- بسواد وظلمة، وأن الآخر
منهما يرد عليهم بنور وضياء، ونسخ لسواد الليل وظلمته، وهو النهار.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان من المحال اجتماعهما مع اختلاف أحوالهما في
وقت واحد في جزء واحد- كان معلوما يقينا أنه لا بد من أن يكون أحدهما
كان قبل الآخر منهما، وأيهما كان منهما قبل صاحبه فإن الآخر منهما كان
(1/20)
لا شك بعده، وذلك إبانة ودليل على حدوثهما،
وأنهما خلقان لخالقهما.
ومن الدلالة أيضا على حدوث الأيام والليالي أنه لا يوم إلا وهو بعد يوم
كان قبله، وقبل يوم كائن بعده، فمعلوم أن ما لم يكن ثم كان، أنه محدث
مخلوق، وأن له خالقا ومحدثا.
واخرى، أن الأيام والليالي معدودة، وما عد من الأشياء فغير خارج من أحد
العددين: شفع أو وتر، فإن يكن شفعا فإن أولها اثنان، وذلك تصحيح القول
بأن لها ابتداء وأولا، وإن كان وترا فإن أولها واحد، وذلك دليل على أن
لها ابتداء وأولا، وما كان له ابتداء فإنه لا بد له من مبتدئ، هو خالقه
(1/21)
القول في هل كان الله عز وجل خلق قبل خلقه
الزمان والليل والنهار شيئا غير ذلك من الخلق قد قلنا قبل: إن الزمان
إنما هو ساعات الليل والنهار، وإن الساعات إنما هي قطع الشمس والقمر
درجات الفلك.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان صحيحا عن رسول الله ص ما حَدَّثَنَا هَنَّادُ
بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ
أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-
قَالَ هناد: وقرات سائر الحديث على ابى بكر- ان اليهود أتت النبي ص
فَسَأَلَتْهُ عَنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَقَالَ: خَلَقَ
اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ
يَوْمَ الثُّلاثَاءِ وَمَا فِيهِنَّ مِنْ مَنَافِعَ، وَخَلَقَ يوم
الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه اربعه، ثم قال:
«قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي
يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ
وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها
أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ» ، لِمَنْ
سَأَلَ قَالَ: وَخَلَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْمَلائِكَةَ،
إِلَى ثَلاثِ سَاعَاتٍ بَقِيَتْ مِنْهُ، فَخَلَقَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ
مِنْ هَذِهِ الثَّلاثِ السَّاعَاتِ الآجَالَ مَنْ يَحْيَا وَمَنْ
يَمُوتُ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَلْقَى الآفَةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، وَفِي الثَّالِثَةِ آدَمَ
وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ، وَأَمَرَ إِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لَهُ
(1/22)
وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فِي آخِرِ سَاعَةٍ
ثُمَّ قَالَتِ الْيَهُودُ: ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، قَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ لَوْ اتممت: قالوا:
ثم استراح، فغضب النبي ص غضبا شديدا، فنزل: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما
مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ» .
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ وَالْحُسَيْنُ بن
علي الصدائي، قالا: حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن
أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي
هريرة قال: [أخذ رسول الله ص بِيَدِي فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ
التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ
الأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ
الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ
الأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ،
وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، آخِرَ
خَلْقٍ خُلِقَ، فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ، فِيمَا
بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بزيع، قال: حدثنا
الفضيل بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،
قَالَ:
أَخْبَرَنِي ابْنُ سَلامٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فذكرا عن النبي ص
السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَا أَنَّهُ
قَالَهَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: أَنَا أَعْلَمُ أَيَّ
سَاعَةٍ هِيَ، بَدَأَ اللَّهُ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
يَوْمَ الأَحَدِ، وَفَرَغَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ،
فَهِيَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قال: حدثنا الحجاج، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عكرمه: [ان اليهود قالوا للنبي ص: ما
يوم الأحد؟ فقال رسول
(1/23)
الله ص: خلق الله فيه الارض وبسطها، قالوا:
فالاثنين؟ قال: خلق الله فِيهِ آدَمَ، قَالُوا: فَالثُّلاثَاءِ؟ قَالَ:
خَلَقَ فِيهِ الْجِبَالَ وَالْمَاءَ وَكَذَا وَكَذَا وَمَا شَاءَ
اللَّهُ، قَالُوا: فَيَوْمُ الأَرْبِعَاءِ؟ قَالَ: الأَقْوَاتَ،
قَالُوا: فَيَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: خَلَقَ السَّمَوَاتِ، قَالُوا:
فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ فِي سَاعَتَيْنِ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، ثُمَّ قَالُوا:
السَّبْتَ- وَذَكَرُوا الرَّاحَةَ- قَالَ: سُبْحَانَ الله! فانزل الله:
«وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ] » .
فقد بين هذان الخبران اللذان رويناهما عن رسول الله ص أن الشمس والقمر
خلقا بعد خلق الله أشياء كثيرة من خلقه، وذلك أن حديث ابن عباس عن رسول
الله ص ورد بأن الله خلق الشمس والقمر يوم الجمعة فإن كان ذلك كذلك،
فقد كانت الأرض والسماء وما فيهما- سوى الملائكة وآدم- مخلوقة قبل خلق
الله الشمس والقمر، وكان ذلك كله ولا ليل ولا نهار، إذ كان الليل
والنهار إنما هو اسم لساعات معلومة من قطع الشمس والقمر درج الفلك.
وإذا كان صحيحا أن الأرض والسماء وما فيهما، سوى ما ذكرنا، قد كانت ولا
شمس ولا قمر- كان معلوما أن ذلك كله كان ولا ليل ولا نهار.
وكذلك حديث ابى هريرة عن [رسول الله ص، لأنه أخبر عنه أنه قال: خلق
الله النور يوم الأربعاء،] يعني بالنور الشمس إن شاء الله.
فإن قال لنا قائل: قد زعمت أن اليوم إنما هو اسم لميقات ما بين طلوع
الفجر إلى غروب الشمس، ثم زعمت الآن أن الله خلق الشمس والقمر بعد أيام
من أول ابتدائه خلق الأشياء التي خلقها، فأثبت مواقيت، وسميتها
بالأيام، ولا شمس ولا قمر، وهذا إن لم تأت ببرهان على صحته، فهو كلام
ينقض بعضه بعضا!
(1/24)
قيل: إن الله سمى ما ذكرته أياما، فسميته
بالاسم الذي سماه به، وكان وجه تسميه ذلك أياما، ولا شمس ولا قمر، نظير
قوله عز وجل: «وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا» ولا
بكرة ولا عشي هنالك، إذ كان لا ليل في الآخرة ولا شمس ولا قمر، كما قال
جل وعز: «وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى
تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ
عَقِيمٍ» .
فسمى تعالى ذكره يوم القيامة يوما عقيما، إذ كان يوما لا ليل بعد
مجيئه، وإنما أريد بتسمية ما سمي أياما قبل خلق الشمس والقمر قدر مدة
ألف عام من أعوام الدنيا، التي العام منها اثنا عشر شهرا من شهور أهل
الدنيا، التي تعد ساعاتها وأيامها بقطع الشمس والقمر درج الفلك، كما
سمي بكرة وعشيا لما يرزقه أهل الجنة في قدر المدة التي كانوا يعرفون
ذلك من الزمان في الدنيا بالشمس ومجراها في الفلك، ولا شمس عندهم ولا
ليل وبنحو الذي قلنا في ذلك قال السلف من أهل العلم.
ذكر بعض من حضرنا ذكره ممن قال ذلك:
حَدَّثَنِي القاسم، قال: حَدَّثَنَا الحسين، قال: حَدَّثَنِي الحجاج،
عن ابن جريج، عن مجاهد أنه قال: يقضي الله عز وجل أمر كل شيء ألف سنة
إلى الملائكة، ثم كذلك حتى يمضي ألف سنة، ثم يقضي أمر كل شيء ألفا، ثم
كذلك أبدا، قال: «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ» قال:
اليوم أن يقول لما يقضي إلى الملائكة ألف سنة: كن فيكون، ولكن سماه
يوما، سماه كما شاء كل ذلك
(1/25)
عن مجاهد، قال: وقوله تعالى: «وَإِنَّ
يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» قال: هو هو
سواء.
وبنحو الذي ورد عن رسول الله ص من الخبر، بأن الله جل جلاله خلق الشمس
والقمر بعد خلقه السموات والأرض وأشياء غير ذلك، ورد الخبر عن جماعة من
السلف أنهم قالوه.
ذكر الخبر عمن قال ذلك منهم:
حدثنا ابو هشام الرفاعى، حدثنا ابن يمان، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ:
«فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا
أَتَيْنا طائِعِينَ» .
قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلسَّمَوَاتِ: أَطْلِعِي شمسى
وقمرى، واطلعى نجومى.
وَقَالَ لِلأَرْضِ: شَقِّقِي أَنْهَارَكِ، وَأَخْرِجِي ثِمَارَكِ،
فَقَالَتَا: أَتَيْنَا طَائِعِينَ.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ،: قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قال:
حدثنا سعيد، عن قتادة:
«وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها» ، خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها
وصلاحها.
فقد بينت هذه الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله ص وعمن ذكرناها عنه أن
الله عز وجل خلق السموات والأرض قبل خلقه الزمان والأيام والليالي،
وقبل الشمس والقمر والله أعلم
(1/26)
القول في الإبانة عن فناء الزمان والليل
والنهار وأن لا شيء يبقى غير الله تعالى ذكره
والدلالة على صحة ذلك قول الله تعالى ذكره: «كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ
وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ» ، وقوله تعالى:
«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» فإن كان
كل شيء هالك غير وجهه- كما قال جل وعز- وكان الليل والنهار ظلمة أو
نورا خلقهما لمصالح خلقه، فلا شك انهما فانيان هالكان، كما اخبر، وكما
قال: «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» يعني بذلك أنها عميت فذهب ضوءها،
وذلك عند قيام الساعة، وهذا ما لا يحتاج إلى الإكثار فيه، إذ كان مما
يدين بالإقرار به جميع أهل التوحيد من أهل الإسلام وأهل التوراة
والإنجيل والمجوس، وإنما ينكره قوم من غير أهل التوحيد، لم نقصد بهذا
الكتاب قصد الإبانة عن خطإ قولهم فكل الذين ذكرنا عنهم أنهم مقرون
بفناء جميع العالم حتى لا يبقى غير القديم الواحد، مقرون بأن الله عز
وجل محييهم بعد فنائهم، وباعثهم بعد هلاكهم، خلا قوم من عبدة الأوثان،
فإنهم يقرون بالفناء، وينكرون البعث
(1/27)
القول في الدلالة على أن الله عز وجل
القديم الأول قبل شيء وأنه هو المحدث كل شيء بقدرته تعالى ذكره فمن
الدلالة على ذلك أنه لا شيء في العالم مشاهد إلا جسم أو قائم بجسم،
وأنه لا جسم إلا مفترق أو مجتمع، وأنه لا مفترق منه إلا وهو موهوم فيه
الائتلاف إلى غيره من أشكاله، ولا مجتمع منه إلا وهو موهوم فيه
الافتراق، وأنه متى عدم أحدهما عدم الآخر معه، وأنه إذا اجتمع الجزءان
منه بعد الافتراق، فمعلوم أن اجتماعهما حادث فيهما بعد أن لم يكن، وأن
الافتراق إذا حدث فيهما بعد الاجتماع، فمعلوم أن الافتراق فيهما حادث
بعد أن لم يكن.
وإذا كان الأمر فيما في العالم من شيء كذلك، وكان حكم ما لم يشاهد وما
هو من جنس ما شاهدنا في معنى جسم أو قائم بجسم، وكان ما لم يخل من
الحدث لا شك أنه محدث بتأليف مؤلف له إن كان مجتمعا، وتفريق مفرق له إن
كان مفترقا وكان معلوما بذلك أن جامع ذلك إن كان مجتمعا، ومفرقه إن كان
مفترقا من لا يشبهه، ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق، وهو الواحد
القادر الجامع بين المختلفات، الذي لا يشبهه شيء، وهو على كل شيء قدير-
فبين بما وصفنا أن بارئ الأشياء ومحدثها كان قبل كل شيء، وأن الليل
والنهار والزمان والساعات محدثات، وأن محدثها الذي يدبرها ويصرفها
قبلها، إذ كان من المحال أن يكون شيء يحدث شيئا إلا ومحدثه قبله، وأن
في قوله تعالى ذكره:
«أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى
السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى
الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» ، لابلغ الحجج،
(1/28)
وأدل الدلائل- لمن فكر بعقل، واعتبر بفهم-
على قدم بارئها، وحدوث كل ما جانسها، وأن لها خالقا لا يشبهها.
وذلك أن كل ما ذكر ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية من الجبال والأرض
والإبل فإن ابن آدم يعالجه ويدبره بتحويل وتصريف وحفر ونحت وهدم، غير
ممتنع عليه شيء من ذلك ثم إن ابن آدم مع ذلك غير قادر على إيجاد شيء من
ذلك من غير أصل، فمعلوم أن العاجز عن إيجاد ذلك لم يحدث نفسه، وأن الذي
هو غير ممتنع ممن أراد تصريفه وتقليبه لم يوجده من هو مثله، ولا هو
أوجد نفسه، وأن الذي أنشأه وأوجد عينه هو الذي لا يعجزه شيء أراده، ولا
يمتنع عليه إحداث شيء شاء إحداثه، وهُوَ اللَّهُ الْواحِدُ
الْقَهَّارُ.
فإن قال قائل: فما تنكر أن تكون الأشياء التي ذكرت من فعل قديمين؟
قيل: أنكرنا ذلك لوجودنا اتصال التدبير وتمام الخلق، فقلنا: لو كان
المدبر اثنين، لم يخلوا من اتفاق أو اختلاف، فإن كانا متفقين فمعناهما
واحد، وإنما جعل الواحد اثنين من قال بالاثنين وإن كانا مختلفين كان
محالا وجود الخلق على التمام والتدبير على الاتصال، لأن المختلفين، فعل
كل واحد منهما خلاف فعل صاحبه، بأن أحدهما إذا أحيا أمات الآخر، وإذا
أوجد أحدهما أفنى الآخر، فكان محالا وجود شيء من الخلق على ما وجد عليه
من التمام والاتصال.
وفي قول الله عز وجل ذكره: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ
لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ» ،
وقوله عز وجل: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ
مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا
بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عالِمِ
الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ»
(1/29)
أبلغ حجة، وأوجز بيان، وأدل دليل على بطول
ما قاله المبطلون من أهل الشرك بالله، وذلك أن السموات والأرض لو كان
فيهما إله غير الله، لم يخل أمرهما مما وصفت من اتفاق واختلاف وفي
القول باتفاقهما فساد القول بالتثنية، وإقرار بالتوحيد، وإحالة في
الكلام بأن قائله سمى الواحد اثنين وفي القول باختلافهما، القول بفساد
السموات والأرض، كما قال ربنا جل وعز: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ
إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا» لأن أحدهما كان إذا أحدث شيئا وخلقه كان من
شأن الآخر إعدامه وإبطاله، وذلك أن كل مختلفين فأفعالهما مختلفة،
كالنار التي تسخن، والثلج الذي يبرد ما أسخنته النار وأخرى، أن ذلك لو
كان كما قاله المشركون بالله لم يخل كل واحد من الاثنين اللذين
أثبتوهما قديمين من أن يكونا قويين او عاجزين، فان كانا عاجزين فالعاجز
مقهور وغير كائن إلها وإن كانا قويين فإن كل واحد منهما بعجزه عن صاحبه
عاجز، والعاجز لا يكون إلها وإن كان كل واحد منهما قويا على صاحبه
عاجز، والعاجز لا يكون إلها وإن كان كل واحد منهما قويا على صاحبه، فهو
بقوة صاحبه عليه عاجز، تعالى ذكره عما يشرك المشركون! فتبين إذا أن
القديم بارئ الأشياء وصانعها هو الواحد الذي كان قبل كل شيء، وهو
الكائن بعد كل شيء، والأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، وأنه كان
ولا وقت ولا زمان، ولا ليل ولا نهار، ولا ظلمة ولا نور إلا نور وجهه
الكريم ولا سماء ولا أرض، ولا شمس ولا قمر ولا نجوم، وأن كل شيء سواه
محدث مدبر مصنوع، انفرد بخلق جميعه بغير شريك ولا معين ولا ظهير،
سبحانه من قادر قاهر! وقد حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ
الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنْ
جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هريرة، [ان النبي ص
قال:
(1/30)
إِنَّكُمْ تَسْأَلُونَ بَعْدِي عَنْ كُلِّ
شَيْءٍ، حَتَّى يَقُولُ الْقَائِلُ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ
فمن ذا خلقه!] .
حدثنى على، حَدَّثَنَا زَيْدٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ يَزِيدُ
بْنُ الأَصَمِّ:
حَدَّثَنِي نَجَبَةُ بْنُ صَبِيغٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي
هُرَيْرَةَ فَسَأَلُوهُ عَنْ هَذَا فَكَبَّرَ وَقَالَ:
مَا حَدَّثَنِي خَلِيلِي بِشَيْءٍ إِلا قَدْ رَأَيْتُهُ- أَوْ أَنَا
أَنْتَظِرُهُ قَالَ جَعْفَرٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: إِذَا
سَأَلَكُمُ النَّاسُ عَنْ هذا فقولوا: الله خالق كل شيء، والله كَانَ
قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَاللَّهُ كَائِنٌ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ.
فَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ خَالِقَ الأَشْيَاءِ وَبَارِئَهَا
كَانَ وَلا شَيْءَ غَيْرَهُ، وَأَنَّهُ أَحْدَثَ الأَشْيَاءَ
فَدَبَّرَهَا، وَأَنَّهُ قَدْ خَلَقَ صُنُوفًا مِنْ خَلْقِهِ قَبْلَ
خَلْقِ الأَزْمِنَةِ وَالأَوْقَاتِ، وَقَبْلَ خَلْقِ الشَّمْسِ
وَالْقَمَرِ اللَّذَيْنِ يُجْرِيهِمَا فِي أَفْلاكِهِمَا، وَبِهِمَا
عُرِفَتِ الأَوْقَاتِ وَالسَّاعَاتِ، وَأُرِّخَتِ التَّأْرِيخَاتِ،
وَفُصِلَ بين الليل والنهار، فلنقل: فيم ذَلِكَ الْخَلْقُ الَّذِي
خُلِقَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ وَمَا كان اوله؟
(1/31)
|