تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ذكر خبر أردشير بهمن وابنته خماني
ثم ملك بعد بشتاسب ابن ابنه أردشير بهمن، فذكر أنه قَالَ يوم ملك وعقد التاج على رأسه: نحن محافظون على الوفاء، ودائنون رعيتنا بالخير، فكان يدعى أردشير الطويل الباع، وإنما لقب بذلك- فيما قيل- لتناوله كل ما مد إليه يده من الممالك التي حوله، حتى ملك الأقاليم كلها وقيل إنه ابتنى بالسواد مدينة، وسماها آباد أردشير هي القرية المعروفة بهمينا من الزاب الأعلى، وابتنى بكور دجلة مدينة وسماها بهمن أردشير، وهي الأبلة، وسار إلى سجستان طالبا بثأر أبيه، فقتل رستم وأباه دستان وأخاه إزواره وابنه فرمرز، واجتبى الناس لأرزاق الجند ونفقات الهرابذة وبيوت النيران وغير ذلك أموالا عظيمة، وهو أبو دارا الأكبر، وأبو ساسان أبي ملوك الفرس الأخر أردشير بن بابك وولده، وأم دارا خماني بنت بهمن.
فحدثت عن هشام بن مُحَمَّد قَالَ: ملك بعد بشتاسب أردشير بهمن بن إسفنديار بن بشتاسب، وكان- فيما ذكروا- متواضعا مرضيا فيهم، وكانت كتبه تخرج من أردشير: عبد الله وخادم الله، السائس لأمركم قَالَ:
ويقال إنه غزا الرومية الداخلة في ألف ألف مقاتل.
وقال غير هشام: هلك بهمن ودارا في بطن أمه، فملكوا خماني شكرا لأبيها بهمن، ولم تزل ملوك الأرض تحمل إلى بهمن الإتاوة والصلح، وكان من أعظم ملوك الفرس- فيما قَالُوا- شأنا، وأفضلهم تدبيرا، وله كتب ورسائل تفوق كتب أردشير وعهده، وكانت أم بهمن أستوريا، وهي

(1/568)


أستار بنت يائير بن شمعى بن قيس بن ميشا بن طالوت الملك بن قيس ابن أبل بن صارور بن بحرث بن أفيح بن إيشى بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم خليل الرحمن ع وكانت أم ولده راحب بنت فنحس من ولد رحبعم بن سليمان بن داود ع وكان بهمن ملك أخاها زر بابل بن شلتايل على بني إسرائيل، وصير له رياسة الجالوت، ورده إلى الشام بمسألة راحب أخته إياه ذلك، فتوفي بهمن يوم توفي وله من الولد: ابناه دارا الأكبر وساسان، وبناته: خماني التي ملكت بعده، وفرنك وبهمن دخت، وتفسير بهمن بالعربية الحسن النية، وكان ملكه مائة واثنتي عشرة سنة.
فأما ابن الكلبي هشام فإنه قَالَ: كان ملكه ثمانين سنة.
ثم ملكت خماني بنت بهمن، وكانوا ملكوها حبا لأبيها بهمن، وشكرا لإحسانه ولكمال عقلها وبهائها وفروسيتها ونجدتها- فيما ذكره بعض أهل الأخبار- فكانت تلقب بشهرازاد وقال بعضهم: إنما ملكت خماني بعد أبيها بهمن أنها حين حملت منه دارا الأكبر سألته أن يعقد التاج له في بطنها ويؤثره بالملك، ففعل ذلك بهمن بدارا، وعقد عليه التاج حملا في بطنها، وساسان ابن بهمن في ذلك الوقت رجل يتصنع للملك لا يشك فيه، فلما رأى ساسان ما فعل أبوه من ذلك لحق بإصطخر، فتزهد وخرج من الحلية الأولى وتعبد فلحق برءوس الجبال يتعبد فيها، واتخذ غنيمة، فكان يتولى ماشيته بنفسه، واستشنعت العامة ذلك من فعله، وفظعت به، وقالوا: صار ساسان راعيا، فكان ذلك سبب نسبة الناس إياه إلى الرعي، وأم ساسان ابنه شالتيال ابن يوحنا بن أوشيا بن أمون بن منشى بن حازقيا بن أحاذ بن يوثام بن عوزيا ابن يورام بن يوشافط بن أبيا بن رحبعم بن سليمان بن داود.
وقيل: إن بهمن هلك وابنه دارا في بطن خماني، وأنها ولدته بعد أشهر من

(1/569)


ملكها وأنفت من إظهار ذلك، فجعلته في تابوت، وصيرت معه جوهرا نفيسا، وأجرته في نهر الكر من إصطخر وقال بعضهم: بل نهر بلخ، وإن التابوت صار إلى رجل طحان من أهل إصطخر، كان له ولد صغير فهلك، فلما وجده الرجل أتى به امرأته، فسرت به لجماله ونفاسة ما وجد معه، فحضنوه، ثم أظهر أمره حين شب، وأقرت خماني بإساءتها إليه وتعريضها إياه للتلف، فلما تكامل امتحن فوجد على غاية ما يكون عليه أبناء الملوك، فحولت التاج عن رأسها إليه، وتقلد أمر المملكة، وتنقلت خماني وصارت إلى فارس وبنت مدينة إصطخر، وأغزت الروم جيشا بعد جيش، وكانت قد أوتيت ظفرا، فقلعت الأعداء، وشغلتهم عن تطرف شيء من بلادها، ونال رعيتها في ملكها رفاهة وخفضا وكانت خماني حين أغزت أرض الروم سبي لها منها بشر كثير، وحملوا إلى بلادها، فأمرت من فيهم من بنائي الروم، فبنوا لها في كل موضع من حيز مدينة إصطخر بنيانا على بناء الروم منيفا معجبا، أحد ذلك البنيان في مدينة إصطخر، والثاني على المدرجة التي تسلك فيها الى دارابجرد، على فرسخ من هذه المدينة، والثالث على أربعة فراسخ منها في المدرجة التي تسلك فيها إلى خراسان وأنها أجهدت نفسها في طلب مرضاة الله عز وجل، فأوتيت الظفر والنصر، وخففت عن رعيتها في الخراج.
وكان ملكها ثلاثين سنة.
ثم نرجع الآن الى:

(1/570)