تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ لا أَتَّهِمُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كعب بن مالك، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَ فِي غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ بَعْضَ الْحَدِيثِ، أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ نَذَرَ بِهِمْ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الأَكْوَعِ الأَسْلَمِيِّ، غَدَا يُرِيدُ الْغَابَةَ مُتَوَشِّحًا قَوْسَهُ وَنَبْلَهُ، وَمَعَهُ غُلامٌ لِطَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ بِهَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنْ رَسُول الله ص بَعْدَ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ، مُنْصَرِفًا مِنْ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا رُوِيَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ كان إِمَّا فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَإِمَّا فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ، وذلك ان انصراف رسول الله ص مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ كَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَبَيْنَ الْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ لِغَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ وَالْوَقْتِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَرِيبٌ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَدَّثَنَا حَدِيثَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عَنْ إِيَاسَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رسول الله ص إِلَى الْمَدِينَةِ- يَعْنِي بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ- فَبَعَثَ رسول الله ص بظهره مع رباح غلام رسول الله، وَخَرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ.
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ قد اغار على ظهر رسول الله ص، فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ، وَقَتَلَ رَاعِيَهُ قُلْتُ: يَا رَبَاحُ، خُذْ هَذَا الْفَرَسَ وَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ وَأَخْبِرْ رَسُولَ الله أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِ ثُمَّ قمت

(2/596)


عَلَى أَكَمَةٍ فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَادَيْتُ ثَلاثَةَ أَصْوَاتٍ: يَا صَبَاحَاهُ! ثُمَّ خَرَجْتُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ ارميهم بالنبل، وارتجز واقول: انا ابن الاكوع، واليوم يوم الرضع.
قال: فو الله مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ مِنْهُمْ أَتَيْتُ شَجَرَةً وَقَعَدْتُ فِي أَصْلِهَا، فَرَمَيْتُهُ فَعَقَرْتُ بِهِ، وَإِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِي مُتَضَايِقٍ عَلَوْتُ الْجَبَلَ، ثُمَّ أُرَدِّيهِمْ بالحجارة، فو الله مَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ بعيرا من ظهر رسول الله ص إِلا جَعَلْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، وَخَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَحَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ رُمْحًا وَثَلاثِينَ بُرْدَةً، يَسْتَخِفُّونَ بِهَا لا يُلْقُونَ شَيْئًا إِلا جَعَلْتُ عَلَيْهِ آرَامًا حَتَّى يَعْرِفُهُ رَسُولُ اللَّهِ ص وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى مُتَضَايِقٍ مِنْ ثَنِيَّةٍ وَإِذَا هُمْ قَدْ أَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ مُمَدًّا، فَقَعَدُوا يَتَضَحُّونَ، وَقَعَدْتُ عَلَى قَرْنٍ فَوْقَهُمْ، فَنَظَرَ

(2/597)


عُيَيْنَةُ، فَقَالَ: مَا الَّذِي أَرَى؟ قَالُوا: لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ، لا وَاللَّهِ مَا فَارَقَنَا هَذَا مُنْذُ غَلَسٍ، يَرْمِينَا حَتَّى اسْتَنْقَذَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا.
قَالَ: فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ فَعَمَدَ إِلَيَّ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ فَلَمَّا أَمْكَنُونِي مِنَ الْكَلامِ، قُلْتُ: أَتَعْرِفُونِّي؟ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ، وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لا أَطْلُبُ أَحَدًا مِنْكُمْ إِلا أَدْرَكْتُهُ، وَلا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكُنِي قَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَظُنُّ، قَالَ: فَرَجَعُوا فَمَا بَرِحْتُ مَكَانِي ذَاكَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى فَوَارِسِ رَسُولِ اللَّهِ ص يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ، أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَدِيُّ، وَعَلَى إِثْرِهِ أَبُو قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ، وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ، فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ فَرَسِ الأَخْرَمِ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَقُلْتُ: يَا أَخْرَمُ، إِنَّ الْقَوْمَ قَلِيلٌ، فَاحْذَرْهُمْ لا يَقْتَطِعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ بِنَا رَسُولُ الله وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ، إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ، فَلا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ قال: فحليته، فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ، فَعَقَرَ الأَخْرَمُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ، فَطَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ، وَتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِهِ، وَلَحِقَ أَبُو قَتَادَةَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَطَعَنَهُ وَقَتَلَهُ، وَعَقَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِأَبِي قَتَادَةَ فَرَسَهُ، وَتَحَوَّلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى فَرَسِ الأَخْرَمِ، فَانْطَلَقُوا هَارِبِينَ.
قَالَ سلمه: فو الذى كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ، لَتَبِعْتُهُمْ أَعْدُو عَلَى رِجْلَيَّ، حَتَّى مَا أَرَى وَرَائِي مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ص وَلا غُبَارِهِمْ شَيْئًا.
قَالَ: وَيَعْدِلُونَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ ذو قرد

(2/598)


يَشْرَبُونَ مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ، فَنَظَرُوا إِلَيَّ أَعْدُو في آثارهم، فحليتهم فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطْرَةً.
قَالَ: وَيُسْنِدُونَ فِي ثنية ذي اثير، وَيَعْطِفُ عَلَيَّ وَاحِدٌ فَأَرْشُقُهُ بِسَهْمٍ فَيَقَعُ فِي نغض كَتِفِهِ، فَقُلْتُ:
خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ فَقَالَ: أَكْوَعِيٌّ غُدْوَةٌ! قُلْتُ: نَعَمْ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ، وَإِذَا فَرَسَانِ عَلَى الثَّنِيَّةِ، فجئت بهما اقودهما الى رسول الله وَلَحِقَنِي عَامِرٌ عَمِّي بَعْدَ مَا أَظْلَمْتُ بِسَطِيحَةٍ فِيهَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ، وَسَطِيحَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ وَشَرِبْتُ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ الله ص وهو على الماء الذى حليتهم عَنْهُ، عِنْدَ ذِي قَرَدٍ، وَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الإِبِلَ الَّتِي اسْتَنْقَذْتُ مِنَ الْعَدُوِّ، وَكُلَّ رُمْحٍ، وَكُلَّ بُرْدَةٍ، وَإِذَا بِلالٌ قَدْ نَحَرَ نَاقَةً مِنَ الإِبِلِ الَّتِي اسْتَنْقَذْتُ من العدو، فهو يشوى لرسول الله ص مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَلِّنِي فَلأَنْتَخِبُ مِائَةَ رَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ، فَأَتَّبِعُ الْقَوْمَ فَلا يَبْقَى مِنْهُمْ عَيْنٌ.
فَضَحِكَ رَسُولُ الله ص حتى بدا- وقد بَانَتْ- نَوَاجِذُهُ.
فِي ضَوْءِ النَّارِ ثُمَّ قَالَ: أَكُنْتَ فَاعِلا! فَقُلْتُ: إِي وَالَّذِي أَكْرَمَكَ!

(2/599)


فلما أصبحنا قال رسول الله إِنَّهُمْ لَيَقَرُّونَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ قَالَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ، فَقَالَ: نَحَرَ لَهُمْ فُلانٌ جَزُورًا، فَلَمَّا كَشَطُوا عَنْهَا جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا، فَقَالُوا: أَتَيْتُمْ! فَخَرَجُوا هَارِبِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا [قَالَ رَسُولُ الله ص: خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ] ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ ص سَهْمَيْنِ سَهْمَ الْفَارِسِ، وَسَهْمَ الرَّاجِلِ، فَجَمَعَهُمَا لِي جمعيا، ثم اردفنى رسول الله وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ، رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لا يُسْبَقُ شَدًّا فَجَعَلَ يَقُولُ: أَلا مِنْ مُسَابِقٍ! فَقَالَ ذَاكَ مِرَارًا، فَلَمَّا سَمِعْتُهُ قُلْتُ:
أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا وَلا تَهَابُ شَرِيفًا! فَقَالَ: لا، إِلا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! ائْذَنْ لِي فَلأُسَابِقَ الرَّجُلَ! قَالَ:
إِنْ شِئْتَ، قَالَ: فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ، فَرَبَطْتُ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ فَأَلْحَقُهُ وَأَصُكُّهُ بين كتفيه، فقلت: سبقتك والله! فقال: انى أَظُنُّ، فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمْ نَمْكُثْ بِهَا إِلا ثَلاثًا حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ

(2/600)


رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَمَعَهُ غُلامٌ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ- يَعْنِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ- مَعَهُ فَرَسٌ لَهُ يَقُودُهُ، حَتَّى إِذَا عَلا عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ نَظَرَ إِلَى بَعْضِ خُيُولِهِمْ، فَأَشْرَفَ فِي نَاحِيَةِ سَلْعٍ، ثم صرخ:
وا صباحاه! ثُمَّ خَرَجَ يَشْتَدُّ فِي آثَارِ الْقَوْمِ- وَكَانَ مِثْلَ السَّبُعِ- حَتَّى لَحِقَ بِالْقَوْمِ، فَجَعَلَ يَرُدُّهُمْ بِالنَّبْلِ، وَيَقُولُ إِذَا رَمَى: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ.
فَإِذَا وُجِّهَتِ الْخَيْلُ نَحْوَهُ، انْطَلَقَ هَارِبًا، ثُمَّ عَارَضَهُمْ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ الرَّمْيَ رَمَى، ثُمَّ قَالَ:
خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ قَالَ: فَيَقُولُ قائلهم: اويكعنا هُوَ أَوَّلُ النَّهَارِ.
قَالَ: وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ص صِيَاحُ ابْنِ الأَكْوَعِ، فَصَرَخَ بِالْمَدِينَةِ: الْفَزَعَ الْفَزَعَ!، فتتامت الخيول الى رسول الله ص، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ مِنَ الْفُرْسَانِ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو.
ثُمَّ كَانَ أَوَّلُ فَارِسٍ وقف على رسول الله ص بَعْدَ الْمِقْدَادِ مِنَ الأَنْصَارِ، عَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بن وقش بن زغبه بن زعوراء، أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَسَعْدُ بْنُ زَيْدٍ، أَحَدُ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَأُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ- يَشُكُّ فِيهِ- وَعُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَأَبُو عَيَّاشٍ، وهو عبيد بن زيد بْنِ صَامِتٍ، أَخُو بَنِي زُرَيْقٍ.
فَلَمَّا اجْتَمَعُوا الى رسول الله ص أَمَّرَ عَلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ.
ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ حَتَّى أُلْحِقَكَ فِي الناس.
وقد قال رسول الله ص- فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ- لأَبِي عَيَّاشٍ: يَا أَبَا عَيَّاشٍ، لَوْ أَعْطَيْتَ هَذَا الْفَرَسَ رَجُلا هُوَ أَفْرَسُ مِنْكَ فَلَحِقَ بِالْقَوْمِ! قَالَ أَبُو عَيَّاشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، انا

(2/601)


افرس الناس، ثم ضربت الفرس، فو الله مَا جَرَى خَمْسِينَ ذِرَاعًا حَتَّى طَرَحَنِي، فَعَجِبْتُ ان رسول الله ص يقول: لو أعطيه أَفْرَسَ مِنْكَ! وَأَقُولُ: أَنَا أَفْرَسُ النَّاسِ فَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَعْطَى فَرَسَ أَبِي عَيَّاشٍ مُعَاذَ بْنَ مَاعِصٍ- او عائذ بن ماعص- ابن قَيْسِ بْنِ خَلْدَةَ- وَكَانَ ثَامِنًا- وَبَعْضُ النَّاسِ يَعُدُّ سَلَمَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الأَكْوَعِ أَحَدَ الثَّمَانِيَةِ، وَيَطْرَحُ أُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ أَخَا بَنِي حَارِثَةَ، وَلَمْ يَكُنْ سَلَمَةُ يَوْمَئِذٍ فَارِسًا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَحِقَ بِالْقَوْمِ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَخَرَجَ الْفِرْسَانُ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، حَتَّى تَلاحَقُوا.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: وحدثني محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عُمَرَ بْن قَتَادَة، أن أول فارس لحق بالقوم محرز بْن نضلة، أخو بني أسد بْن خزيمة- ويقال لمحرز: الأخرم، ويقال له: قُمَيْرٌ- وأن الفزع لما كان، جال فرس لمحمود بْن مسلمة فِي الحائط حين سمع صاهلة الخيل، وكان فرسا صنيعا جاما، فَقَالَ نساء من نساء بني عبد الأشهل حين رأى الفرس يجول فِي الحائط بجذع من نخل هو مربوط به: يا قُمَيْرُ، هل لك فِي أن تركب هذا الفرس- فإنه كما ترى- ثم تلحق برسول الله ص وبالمسلمين! قال: نعم، فأعطنيه إياه، فخرج عليه، فلم ينشب أن بذ الخيل بجمامه حَتَّى أدرك القوم، فوقف لهم بين أيديهم، ثُمَّ قَالَ: قفوا معشر اللكيعة حَتَّى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار.
قَالَ: وحمل عليه رجل منهم فقتله، وجال الفرس فلم يقدروا عليه،

(2/602)


حَتَّى وقف على آرية فِي بني عبد الأشهل، فلم يقتل من المسلمين غيره، وكان اسم فرس محمود ذا اللمة.
حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عمن لا يتهم، عن عبيد اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ مُحْرِزًا إِنَّمَا كَانَ عَلَى فَرَسٍ لِعُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ يُقَالُ لَهُ الْجَنَاحُ، فَقُتِلَ مُحْرِزٌ، وَاسْتُلِبَ الْجَنَاحُ وَلَمَّا تَلاحَقَتِ الْخُيُولُ قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، حَبِيبَ بْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَغَشَّاهُ بِبُرْدَتِهِ، ثُمَّ لحق بالناس، واقبل رسول الله ص وَالْمُسْلِمُونَ، فَإِذَا حَبِيبٌ مُسَجًّى بِبُرْدَةِ أَبِي قَتَادَةَ، فَاسْتَرْجَعَ النَّاسُ، وَقَالُوا:
قُتِلَ أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ رسول الله ص: لَيْسَ بِأَبِي قَتَادَةَ، وَلَكِنَّهُ قَتِيلٌ لأَبِي قَتَادَةَ، وَضَعَ عَلَيْهِ بُرْدَتَهُ، لِتَعْرِفُوا أَنَّهُ صَاحِبُهُ وَأَدْرَكَ عكاشة ابن مِحْصَنٍ أَوْبَارًا وَابْنَهُ عَمْرَو بْنَ أَوْبَارٍ عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ، فَانْتَظَمَهُمَا بِالرُّمْحِ فَقَتَلَهُمَا جَمِيعًا، وَاسْتَنْقَذُوا بعض اللقاح وسار رسول الله ص.
حَتَّى نَزَلَ بِالْجَبَلِ مِنْ ذِي قَرَدٍ، وَتَلاحَقَ به الناس، فنزل رسول الله ص، وَأَقَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَقَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ سَرَّحْتَنِي فِي مِائَةِ رَجُلٍ لاسْتَنْقَذْتُ بَقِيَّةَ السَّرْحِ، وَأَخَذْتُ باعناق القوم فقال رسول الله ص- فِيمَا بَلَغَنِي: إِنَّهُمُ الآنَ لَيَغْبُقُون فِي غَطَفَانَ.
وقسم رسول الله ص فِي أَصْحَابِهِ فِي كُلِّ مِائَةٍ جَزُورًا،

(2/603)


فأقاموا عليها، ثم رجع رسول الله ص قَافِلا حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ.
فَأَقَامَ بِهَا بَعْضَ جمادى الآخرة ورجب ثُمَّ غَزَا بِالْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ

ذِكْرُ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ وَعَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، قَالَ: كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالُوا: بَلَغَ رسول الله ص ان بلمصطلق يَجْتَمِعُونَ لَهُ، وَقَائِدُهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ، ابو جويرية بنت الحارث، زوج النبي ص، فلما سمع بهم رسول الله ص خَرَجَ إِلَيْهِمْ حَتَّى لَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِمْ، يُقَالُ لَهُ: الْمُرَيْسِيعُ، مِنْ نَاحِيَةِ قُدَيْدٍ إِلَى السَّاحِلِ، فَتَزَاحَفَ النَّاسُ وَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، فَهَزَمَ اللَّهُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ منهم، ونفل رسول الله ص أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَفَاءَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ أُصِيبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي كَلْبِ بن عوف بن عامر بن ليث ابن بَكْرٍ، يُقَالُ لَهُ هِشَامُ بْنُ صُبَابَةَ، أَصَابَهُ رجل من الانصار من رهط عباده ابن الصَّامِتِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مِنَ الْعَدُوِّ، فَقَتَلَهُ خطا

(2/604)


فَبَيْنَا النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ وَرَدَتْ وَارِدَةُ النَّاسِ، وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَجِيرٌ لَهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ، يَقُودُ لَهُ فَرَسُهُ، فَازْدَحَمَ جَهْجَاهُ وَسِنَانٌ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَلَى الْمَاءِ، فَاقْتَتَلا، فَصَرَخَ الْجُهَنِيُّ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، وَصَرَخَ جَهْجَاهٌ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، فَغَضِبَ عَبْدُ الله بن ابى بن سَلُولَ، وَعِنْدَهُ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِهِ، فِيهِمْ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ غُلامٌ حَدِيثُ السِّنِّ، فَقَالَ: أَقَدْ فَعَلُوهَا! قَدْ نَافَرُونَا وَكَاثَرُونَا فِي بِلادِنَا، وَاللَّهِ مَا عَدَوْنَا وَجَلابِيبُ قُرَيْشٍ مَا قَالَ الْقَائِلُ:
سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ: هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ! أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلادَكُمْ، وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ! أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ عَنْهُمْ مَا بِأَيْدِيكُمْ لَتَحَوَّلُوا إِلَى غَيْرِ بِلادِكُمْ.
فَسَمِعَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَمَشَى بِهِ إِلَى رَسُولِ الله ص، وذلك عند فراغ رسول الله ص مِنْ عَدُوِّهِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ

(2/605)


وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْ بِهِ عَبَّادَ بْنَ بِشْرِ بْنِ وقش فليقتله، [فقال رسول الله ص: فَكَيْفَ يَا عُمَرُ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ: أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ!] لا، وَلَكِنْ أَذِّنْ بِالرَّحِيلِ- وَذَلِكَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ص يَرْتَحِلُ فِيهَا- فَارْتَحَلَ النَّاسُ، وَقَدْ مَشَى عَبْدُ الله بن ابى بن سلول الى رسول الله ص حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَدْ بَلَّغَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ فَحَلَفَ بِاللَّهِ: مَا قُلْتُ مَا قَالَ، وَلا تَكَلَّمْتُ بِهِ- وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا عظيما- فقال من حضر رسول الله ص مِنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الأَنْصَارِ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَسَى أَنْ يَكُونَ الْغُلامُ أُوهِمَ فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَحْفَظْ مَا قَالَ الرَّجُلُ! حَدْبًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَدَفْعًا عَنْهُ.
فَلَمَّا استقل رسول الله ص وَسَارَ، لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَحَيَّاهُ تَحِيَّةَ النُّبُوَّةِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْتَ تَرُوحُ فِيهَا! [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ ص: او ما بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ! قَالَ: وَأَيُّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ إِنْ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَخْرَجَ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ أُسَيْدٌ: فَأَنْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْرِجُهُ إِنْ شِئْتَ، هُوَ وَاللَّهِ الذَّلِيلُ وَأَنْتَ الْعَزِيزُ! ثُمَّ قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، ارفق به فو الله لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِكَ، وَإِنْ قَوْمَهُ لَيُنَظِّمُونَ لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ، فَإِنَّهُ لَيَرَى أَنَّكَ قَدِ استلبته ملكا] .
ثم متن رسول الله ص بِالنَّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَى، وَلَيْلَتَهُمْ حَتَّى أَصْبَحَ، وَصَدْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى آذَتْهُمُ الشَّمْسُ

(2/606)


ثُمَّ نَزَلَ بِالنَّاسِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلا أَنْ وَجَدُوا مَسَّ الأَرْضِ وَقَعُوا نِيَامًا، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذلك رسول الله ص لِيَشْغَلَ النَّاسَ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي كَانَ بِالأَمْسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ.
ثُمَّ رَاحَ بِالنَّاسِ، وَسَلَكَ الْحِجَازَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى مَاءٍ بِالْحِجَازِ فُوَيْقَ النَّقِيعِ، يُقَالُ لَهُ نَقْعَاءُ، فلما راح رسول الله ص هَبَّتْ عَلَى النَّاسِ رِيحٌ شَدِيدَةٌ آذَتْهُمْ، وَتَخَوَّفُوهَا، [فقال رسول الله ص: لا تخافوا، فإنما هَبَّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفَّارِ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَجَدُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ، أَحَدَ بَنِي قَيْنُقَاعَ- وَكَانَ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ، وَكَهْفًا لِلْمُنَافِقِينَ- قَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ] .
وَنَزَلَتِ السُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِيهَا المنافقين في عبد الله بن ابى بن سلول ومن كان معه عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ، فَقَالَ: «إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ» ، [فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِأُذُنِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقَالَ: هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ بِإِذْنِهِ] .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَمِّي فِي غَزَاةٍ، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ يَقُولُ لأَصْحَابِهِ: «لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ» وَاللَّهِ، «لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي، فَذَكَرَهُ عَمِّي لرسول الله ص، فأرسل الى

(2/607)


فَحَدَّثْتُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا ما قالوا، قال: فكذبنى رسول الله ص وَصَدَّقَهُ، فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ، فَجَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ لِي عَمِّي: مَا اردت الى ان كذبك رسول الله وَمَقَتَكَ! قَالَ: حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ» ، قال: فبعث الى رسول الله ص فَقَرَأَهَا، [ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ] .
رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِيهِ فَحَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن ابى ابن سلول اتى رسول الله ص، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ- فِيمَا بَلَغَكَ عَنْهُ- فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلا فَمُرْنِي به، فانا احمل إليك راسه، فو الله لَقَدْ عَلِمَتِ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ بِهَا رَجُلٌ أَبَرُّ بِوَالِدِهِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ، فَلا تَدَعْنِي نَفْسِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَمْشِي فِي النَّاسِ فَأَقْتُلَهُ، فَأَقْتُلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ فادخل النار، [فقال رسول الله ص: بَلْ نَرْفُقُ بِهِ وَنُحْسِنُ صُحْبَتُهُ مَا بَقِيَ معنا] وجعل بعد ذلك إِذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ، كَانَ قَوْمُهُ هُمُ الَّذِينَ يُعَاتِبُونَهُ وَيَأْخُذُونَهُ، وَيُعَنِّفُونَهُ وَيَتَوَعَّدُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْ شَأْنِهِمْ: كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ! أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ أَمَرْتَنِي بِقَتْلِهِ، لأُرْعِدَتْ لَهُ آنُفٌ لَوْ أَمَرْتُهَا الْيَوْمَ

(2/608)


بِقَتْلِهِ لَقَتَلْتُهُ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ وَاللَّهِ علمت، لامر رسول الله أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ أَمْرِي.
قَالَ: وَقَدِمَ مقيسُ بْنُ صُبَابَةَ مِنْ مَكَّةَ مُسْلِمًا فِيمَا يَظْهَرُ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُكَ مُسْلِمًا وَجِئْتُ أَطْلُبُ دِيَةَ أَخِي قُتِلَ خَطَأً فَأَمَرَ لَهُ رسول الله ص بِدِيَةِ أَخِيهِ هِشَامِ بْنِ صُبَابَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَ رسول الله ص غَيْرَ كَثِيرٍ، ثُمَّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُرْتَدًّا، فَقَالَ في شعر:
شَفَى النَّفْسَ أَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنِدًا ... تضرج ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الأَخَادِعِ
وَكَانَتْ هُمُومُ النَّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ ... تُلِمُّ، فَتَحْمِينِي وِطَاءَ الْمَضَاجِعِ
حَلَلْتُ بِهِ وِتْرِي، وَأَدْرَكْتُ ثُؤْرَتِي ... وَكُنْتُ إِلَى الأَوْثَانِ أول راجع
تارت به فهرا وَحَمَّلْتُ عَقْلَهُ ... سُرَاةَ بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابِ فَارِعِ
وَقَالَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ أَيْضًا:
جَلَّلْتُهُ ضَرْبَةً بَاءَتْ، لَهَا وَشَلٌ ... مِنْ نَاقِعِ الْجَوْفِ يَعْلُوهُ وَيَنْصَرِمُ
فَقُلْتُ وَالْمَوْتُ تَغْشَاهُ أَسِرَّتُهْ ... لا تَأْمَنَنَّ بَنِي بَكْرٍ إِذَا ظُلِمُوا
وَأُصِيبَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَوْمَئذٍ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَقَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ: مَالِكًا وَابْنَهُ، وَأَصَابَ رسول الله ص منهم

(2/609)


سَبْيًا كَثِيرًا، فَفَشَا قَسْمُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهُمْ جُوَيْرَيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ زَوْجُ النبي ص.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زوج النبي ص، قالت: لما قسم رسول الله ص سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ في السهم لثابت بن قيس ابن الشماس- أو لابن عم له- فكاتبته على نَفْسِهَا- وَكَانَتِ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلاحَةً، لا يَرَاهَا أَحَدٌ إِلا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ- فَأَتَتْ رَسُول اللَّهِ ص تستعينه على كتابتها، قالت: فو الله مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي كَرِهْتَهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ مَا رَأَيْتُ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الْبَلاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَوَقَعْتُ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشِّمَاسِ- أَوْ لابْنِ عَمٍّ لَهُ- فَكَاتَبْتُهُ عَلَى نَفْسِي، فَجِئْتُكَ أَسْتَعِينُكَ عَلَى كِتَابَتِي، [فَقَالَ لَهَا: فَهَلْ لَكِ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَقْضِي كِتَابَتَكِ وَأَتَزَّوَجُكِ، قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:
قَدْ فَعَلْتُ، قَالَتْ: وَخَرَجَ الْخَبَرُ إِلَى النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ الله ص قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَقَالَ النَّاسُ: اصهار رسول الله ص، فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ] .
قَالَتْ: فَلَقَدْ أَعْتَقَ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا
. حَدِيثُ الإِفْكِ
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق،

(2/610)


قال: واقبل رسول الله ص مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ- كَمَا حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ- حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ- وَكَانَتْ مَعَهُ عَائِشَةُ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ- قَالَ أَهْلُ الإِفْكِ فِيهَا مَا قَالُوا.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزُّهْرِيِّ، عَن علقمة بْن وقاص الليثي وعن سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وعن عروة بْن الزُّبَيْر وعن عُبَيْدِ اللَّه بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُتْبَةَ بْن مَسْعُود قَالَ الزهري: كُل قَدْ حَدَّثَنِي بَعْض هَذَا الْحَدِيث، وَبَعْض الْقَوْم كَانَ أوعى لَهُ من بَعْض قَالَ: وَقَدْ جمعت لَك كُل الَّذِي حَدَّثَنِي الْقَوْم.
حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وحدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي بكر بن مُحَمَّد بن عمرو بن حَزْمٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَكُلٌّ قَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُ فِي خَبَرِ قِصَّةِ عَائِشَةَ عَنْ نَفْسِهَا حِينَ قَالَ أَهْلُ الإِفْكِ فِيهَا مَا قَالُوا، فَكُلٌّ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِهَا عَنْ هَؤُلاءِ جَمِيعًا، وَيُحَدِّثُ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يُحَدِّثْ بَعْضٌ، وَكُلٌّ كَانَ عَنْهَا ثِقَةً، وَكُلٌّ قَدْ حَدَّثَ عَنْهَا بِمَا سَمِعَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُول اللَّهِ ص إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتَهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزَوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَخَرَجَ سَهْمِي عَلَيْهِنَّ، فَخَرَجَ بِي رسول الله ص قَالَتْ: وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ العلق لم يهبجهن اللَّحْمَ فَيَثْقُلْنَ قَالَتْ: وَكُنْتُ إِذَا رَحَلَ بَعِيرِي جَلَسْتُ فِي هَوْدَجِي، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمُ الَّذِينَ يُرَحِّلُونَ هَوْدَجِي فِي بَعِيرِي،

(2/611)


وَيَحْمِلُونِّي فَيَأْخُذُونَ بِأَسْفَلِ الْهَوْدَجِ، فَيَرْفَعُونَهُ فَيَضَعُونَهُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ، فَيَشُدُّونَهُ بِحِبَالِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ، فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُول الله ص مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ، وَجَّهَ قَافِلا، حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ نَزَلَ مَنْزِلا، فَبَاتَ فِيهِ بَعْضَ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ النَّاسُ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَفِي عُنُقِي عِقْدٌ لِي فِيهِ جَزَعُ ظَفَارٍ، فَلَمَّا فَرَغْتُ انْسَلَّ مِنْ عُنُقِي وَلا أَدْرِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى الرَّحْلِ ذَهَبْتُ أَلْتَمِسُهُ فِي عُنُقِي فَلَمْ أَجِدْهُ، وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ فِي الرَّحِيلِ قَالَتْ:
فَرَجَعْتُ عَوْدِي عَلَى بَدْئِي إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي ذَهَبْتُ إِلَيْهِ، فَالْتَمَسْتُهُ حَتَّى وَجَدْتُهُ، وجاء خلافي القوم الذين كانوا يرجلون لِي الْبَعِيرَ، وَقَدْ فَرَغُوا مِنْ رِحْلَتِهِ، فَأَخَذُوا الْهَوْدَجَ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنِّي فِيهِ كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَاحْتَمَلُوهُ، فَشَّدُوهُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَلَمْ يَشُكُّوا أَنِّي فِيهِ ثُمَّ أَخَذُوا بِرَأْسِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقُوا بِهِ، وَرَجَعْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ وَمَا فِيهِ دَاعٍ وَلا مُجِيبٌ، قَدِ انْطَلَقَ النَّاسُ قَالَتْ: فَتَلَفَّفْتُ بِجِلْبَابِي ثُمَّ اضْطَجَعْتُ فِي مَكَانِي الَّذِي ذَهَبْتُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنْ لَوْ قَدِ افْتَقَدُونِي قَدْ رجعوا الى قالت: فو الله إِنِّي لَمُضْطَجِعَةٌ، إِذْ مَرَّ بِي صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، وَقَدْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنِ الْعَسْكَرِ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَلَمْ يَبِتْ مَعَ النَّاسِ فِي الْعَسْكَرِ، فَلَمَّا رَأَى سَوَادِيَ أَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلِيَّ فَعَرَفَنِي- وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ- فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! أَظَعِينَةُ رَسُولِ اللَّهِ! وَأَنَا مُتَلَفِّفَةٌ فِي ثِيَابِي قَالَ: مَا خَلَّفَكِ رَحِمَكِ اللَّهُ؟
قَالَتْ: فَمَا كَلَّمْتُهُ، ثُمَّ قَرَّبَ الْبَعِيرَ فَقَالَ: ارْكَبِي رَحِمَكِ اللَّهُ! وَاسْتَأْخَرَ عَنِّي قَالَتْ: فَرَكِبْتُ وَجَاءَ فَأَخَذَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ بي سريعا يطلب الناس، فو الله مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ، وَمَا افْتُقِدْتُ حَتَّى أَصْبَحْتُ، وَنَزَلَ النَّاسُ، فَلَمَّا اطْمَأَنُّوا طَلَعَ الرَّجُلُ يَقُودُنِي، فَقَالَ أَهْلُ الإِفْكِ فِيَّ مَا قَالُوا فَارْتَجَّ

(2/612)


العسكر، وو الله مَا أَعْلَمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَلَمْ أَمْكُثْ أَنِ اشْتَكَيْتُ شَكْوًى شَدِيدَةً، وَلا يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدِ انْتَهَى الحديث الى رسول الله ص والى ابوى، ولا يذكران لِي مِنْ ذَلِكَ قَلِيلا وَلا كَثِيرًا، إِلا انى قد انكرت من رسول الله ص بَعْضَ لُطْفِهِ بِي، كُنْتُ إِذَا اشْتَكَيْتُ رَحِمَنِي وَلَطَفَ بِي، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِي شَكْوَايَ تِلْكَ، فَأَنْكَرْتُ مِنْهُ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلِيَّ وَأُمِّي تُمَرِّضُنِي، قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ لا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَالَتْ: حَتَّى وَجَدْتُ فِي نَفْسِي مِمَّا رَأَيْتُ مِنْ جَفَائِهِ عَنِّي، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَذِنْتَ لِي فَانْتَقَلْتُ إِلَى أُمِّي فَمَرَّضَتْنِي! قَالَ: لا عَلَيْكَ! قَالَتْ: فَانْتَقَلْتُ إِلَى أُمِّي، وَلا أَعْلَمُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ، حَتَّى نَقِهْتُ مِنْ وَجَعِي بَعْدَ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَالَتْ:
وَكُنَّا قَوْمًا عَرَبًا لا نَتَّخِذُ فِي بُيُوتِنَا هَذِهِ الْكُنُفَ الَّتِي تَتَّخِذَهَا الأَعَاجِمُ، نَعَافُهَا وَنَكْرَهُهَا، إِنَّمَا كُنَّا نَخْرُجُ فِي فُسَحِ الْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي حَوَائِجِهِنَّ، فَخَرَجْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ حَاجَتِي، وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحِ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَتْ أُمُّهَا بِنْتَ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بن تيم، خاله ابى بكر قالت فو الله إِنَّهَا لَتَمْشِي مَعِي، إِذْ عَثَرَتْ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ! قَالَتْ: قُلْتُ:
بِئْسَ لَعَمْرِ اللَّهِ مَا قُلْتِ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ قَدْ شهد بدرا! قالت: او ما بَلَغَكَ الْخَبَرُ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ! قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا الْخَبَرُ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِالَّذِي كَانَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ قَالَتْ: قُلْتُ وَقَدْ كَانَ هَذَا! قَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ قَالَتْ: فو الله مَا قَدِرْتُ عَلَى أَنْ أَقْضِيَ حَاجَتِي، وَرَجَعْتُ فَمَا زِلْتُ أَبْكِي حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ الْبُكَاءَ سَيَصْدَعُ كَبِدِي قَالَتْ: وَقُلْتُ لأُمِّي:

(2/613)


يَغْفِرُ اللَّهُ لَكِ! تَحَدَّثَ النَّاسُ بِمَا تَحَدَّثُوا بِهِ وَبَلَغَكِ مَا بَلَغَكِ، وَلا تَذْكُرِينَ لِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا! قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ خَفِّضِي الشان، فو الله قَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلا كَثَّرْنَ وَكَثَّرَ النَّاسُ عَلَيْهَا قالت: وقد قام رسول الله ص فِي النَّاسِ يَخْطُبُهُمْ وَلا أَعْلَمُ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يُؤْذُونَنِي فِي أَهْلِي، وَيَقُولُونَ عَلَيْهِنَّ غَيْرَ الْحَقِّ! وَاللَّهُ مَا عَلِمْتُ مِنْهُنَّ إِلا خَيْرًا، وَيَقُولُونَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ إِلا خَيْرًا! وَمَا دَخَلَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إِلا وَهُوَ مَعِي قَالَتْ: وَكَانَ كِبَرُ ذَلِكَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ فِي رِجَالٍ مِنَ الْخَزْرَجِ، مَعَ الَّذِي قَالَ مِسْطَحٌ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ- وَذَلِكَ أَنَّ أُخْتَهَا زَيْنَبَ بِنْتَ جحش كانت عند رسول الله ص، ولم تكن من نسائه امراه تناصبنى في المنزله عنده غيرها، فاما زينب فعصمها الله، واما حمنة بنت جحش، فَأَشَاعَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا أَشَاعَتْ، تُضَارِّنِي لأُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ- فَشَقِيتُ بِذَلِكَ.
فَلَمَّا قَالَ رسول الله ص تِلْكَ الْمَقَالَةَ، قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ يكونوا من الأوس نكفكهم، وَإِنْ يَكُونُوا مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ فَمُرْنَا بأمرك، فو الله إِنَّهُمْ لأَهْلٌ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ- وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُرَى رَجُلا صَالِحًا- فَقَالَ: كَذَبْتَ لِعَمْرِ اللَّهِ لا تُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ! أَمَا وَاللَّهِ مَا قُلْتَ هَذِهِ المْقَالَةَ إِلا أَنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَلَوْ كَانُوا مِنْ قَوْمِكَ مَا قُلْتَ هَذَا! قَالَ أُسَيْدٌ: كَذَبْتَ لِعَمْرِ اللَّهِ! وَلَكِنَّكَ منافق تجادل عن

(2/614)


المنافقين! قالت: وتثاوره النَّاسُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرٌّ، وَنَزَلَ رَسُول الله ص، فَدَخَلَ عَلِيَّ، قَالَتْ: فَدَعَا عَلِيَّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَاسْتَشَارَهُمَا، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَثْنَى خَيْرًا وَقَالَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلُكَ، وَلا نَعْلَمُ عَلَيْهِنَّ إِلا خَيْرًا، وَهَذَا الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ وَأَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النِّسَاءَ لَكَثِيرٌ، وَإِنَّكَ لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ تَسْتَخْلِفَ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ فَإِنَّهَا تصدقك فدعا رسول الله ص بَرِيرَةَ يَسْأَلُهَا قَالَتْ: فَقَامَ إِلَيْهَا عَلِيٌّ فَضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا، وَهُوَ يَقُولُ: اصْدُقِي رَسُول اللَّهِ، قَالَتْ: فَتَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ إِلا خَيْرًا، وَمَا كُنْتُ أَعِيبُ عَلَى عَائِشَةَ، إِلا أَنِّي كُنْتُ أَعْجِنُ عَجِينِي فَآمُرُهَا أَنْ تَحْفَظَهُ فَتَنَامَ عَنْهُ، فَيَأْتِي الدَّاجِنُ فَيَأْكُلُهُ.
[ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ رسول الله ص وَعِنْدِي أَبَوَايَ، وَعِنْدِي امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَا أَبْكِي وَهِيَ تَبْكِي مَعِي، فَجَلَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّهُ قَدْ كَانَ مَا بَلَغَكِ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ، فَاتَّقِي اللَّهَ، وَإِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يقبل التوبة عن عباده، قالت: فو الله مَا هُوَ إِلا أَنْ قَالَ ذَلِكَ، تَقَلَّصَ دَمْعِي، حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ شَيْئًا، وَانْتَظَرْتُ ابوى ان يجيبا رسول الله ص فَلَمْ يَتَكَلَّمَا قَالَتْ: وَايْمُ اللَّهِ لأَنا كُنْتُ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي وَأَصْغَرَ شَأْنًا مِنْ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ قُرْآنًا يُقْرَأُ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ،

(2/615)


وَيُصَلَّى بِهِ، وَلَكِنِّي قَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ فِي نَوْمِهِ شَيْئًا يُكَذِّبُ اللَّهُ بِهِ عَنِّي، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَتِي، أَوْ يُخْبِرُ خَبَرًا، فَأَمَّا قُرْآنٌ يَنْزِلُ فِيَّ، فو الله لَنَفْسِي كَانَتْ أَحْقَرَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ قَالَتْ: فَلَمَّا لَمْ أَرَ أَبَوَيْ يَتَكَلَّمَانِ.
قَالَتْ: قُلْتُ أَلا تُجِيبَانِ رَسُولَ اللَّهِ! قَالَتْ: فَقَالا لِي: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي بِمَاذَا نُجِيبُهُ! قَالَتْ: وَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مَا دَخَلَ عَلَى آلِ أَبِي بَكْرٍ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! قَالَتْ: فَلَمَّا اسْتَعْجَمَا عَلِيَّ اسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِمَّا ذَكَرْتَ أَبَدًا، وَاللَّهِ لَئِنْ أَقْرَرْتُ بِمَا يَقُولُ النَّاسُ- وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ- لَتُصَدِّقَنِّي، لأَقُولَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ، وَلَئِنْ أَنَا أَنْكَرْتُ مَا تَقُولُونَ لا تُصَدِّقُونَنِي قَالَتْ: ثُمَّ الْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَمَا أَذْكُرُهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ» .
قالت: فو الله ما برح رسول الله ص مَجْلِسَهُ حَتَّى تَغَشَّاهُ مِنَ اللَّهِ مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ، فَسَجَّى بِثَوْبِهِ، وَوَضَعْتُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَأَمَّا أَنَا حِينَ رَأَيْتُ مِنْ ذلك ما رايت، فو الله مَا فَزِعْتُ كَثِيرًا وَلا بَالَيْتُ، قَدْ عَرَفْتُ أَنِّي بِرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ ظَالِمِي، وَأَمَّا ابواى، فو الذى نَفْسُ عَائِشَةَ بِيَدِهِ، مَا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ الله ص حَتَّى ظَنَنْتُ لَتَخْرُجَنَّ أَنْفُسُهُمَا فَرَقًا أَنْ يَأْتِيَ مِنَ اللَّهِ تَحْقِيقَ مَا قَالَ النَّاسُ قَالَتْ: ثم سرى عن رسول الله ص، فَجَلَسَ وَإِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلَ الْجُمَانِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ، وَيَقُولُ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: بِحَمْدِ اللَّهِ وَذَمِّكُمْ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ، وَتَلا عَلَيْهِمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْقُرْآنِ فِي.
ثم امر بمسطح بْنِ أُثَاثَةَ وَحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ- وَكَانُوا مِمَّنْ أَفْصَحَ بِالْفَاحِشَةِ- فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ]

(2/616)


حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
عَنِ أَبِيهِ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي النَّجَّارِ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ أَيُّوبَ: يَا أَبَا أَيُّوبَ، أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ؟ قَالَ:
بَلَى، وَذَلِكَ الْكَذِبُ، أَكُنْتِ يَا أُمَّ أَيُّوبَ فَاعِلَةً ذَلِكَ! قَالَتْ: لا وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَهُ، قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْكِ قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ قَالَ مِنَ الْفَاحِشَةِ مَا قال من اهل الافك: «إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» الآيَةَ، وَذَلِكَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي أَصْحَابِهِ الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً» الآية، اى كما قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَصَاحِبَتُهُ ثُمَّ قَالَ:
«إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ» الآيَةَ فَلَمَّا نَزَلَ هَذَا فِي عَائِشَةَ وَفِيمَنْ قَالَ لَهَا مَا قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ- وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَحَاجَتِهِ:
وَاللَّهِ لا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، وَلا أَنْفَعُهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، وَأَدْخَلَ عَلَيْنَا مَا أَدْخَلَ! قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ:
«وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى» الآية

(2/617)


قالت: فقال ابو بكر: والله لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فَرَجَّعَ إِلَى مِسْطَحٍ نَفَقَتَهُ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.
ثُمَّ إِنَّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ اعْتَرَضَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ حِينَ بَلَغَهُ مَا يَقُولُ فِيهِ، وَقَدْ كَانَ حَسَّانٌ قَالَ شِعْرًا مَعَ ذَلِكَ يُعَرِّضُ بِابْنِ الْمُعَطَّلِ فِيهِ وَبِمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ مُضَرَ، فَقَالَ:
أَمْسَى الْجَلابِيبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ الْفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ
قَدْ ثَكِلَتْ أُمُّهُ مَنْ كُنْتَ صَاحِبَهُ ... أَوْ كَانَ مُنْتَشِبًا فِي بُرْثُنِ الأَسَدِ
مَا لِقَتِيلِي الَّذِي أَغْدُو فَآخُذُهُ ... مِنْ دِيَةٍ فِيهِ يُعْطَاهَا وَلا قَوَدِ
مَا الْبَحْرُ حِينَ تَهُبُّ الرِّيحُ شَامِيَّةٌ ... فَيَغْطَئِلُّ وَيَرْمِي الْعِبرَ بِالزَّبَدِ
يَوْمًا بِأَغْلَبَ منى حين تبصرني ... ملغيظ أُفْرِي كَفَرْيِ الْعَارِضِ الْبَرِدِ
فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ بِالسَّيْفِ فَضَرَبَهُ ثُمَّ قَالَ- كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بْنِ إِسْحَاقَ:
تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنِّي فَإِنَّنِي ... غُلامٌ إِذَا هُوجِيتُ لَسْتُ بِشَاعِرٍ
حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ أخا

(2/618)


بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَثَبَ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ فِي ضَرْبِهِ حَسَّانٍ، فَجَمَعَ يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى دَارِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: أَلا أَعْجَبَكَ ضَرْبُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ! وَاللَّهِ مَا أَرَاهُ إِلا قَدْ قَتَلَهُ قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الله ابن رواحه: هل علم رسول الله ص بِشَيْءٍ مِمَّا صَنَعْتَ؟
قَالَ: لا وَاللَّهِ، قَالَ: لَقَدِ اجْتَرَأْتَ! أَطْلِقِ الرَّجُلَ، فَأَطْلَقَهُ ثُمَّ أَتَوْا رسول الله ص، فذكروا لَهُ ذَلِكَ، فَدَعَا حَسَّانَ وَصَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ، فَقَالَ ابْنُ الْمُعَطَّلِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آذَانِي وَهَجَانِي، فَاحْتَمَلَنِي الْغَضَبُ فَضَرَبْتُهُ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِحَسَّانَ: يَا حَسَّانُ أَتَشَوَّهْتَ عَلَى قَوْمِي أَنْ هَدَاهُمُ اللَّهُ لِلإِسْلامِ! ثُمَّ قَالَ: أَحْسِنْ يَا حَسَّانُ فِي الَّذِي قَدْ أَصَابَكَ، قَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ] وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بن إسحاق، عن محمد ابن ابراهيم بن الحارث، ان رسول الله ص أَعْطَاهُ عِوَضًا مِنْهَا بَيْرَحَا- وَهِيَ قَصْرُ بَنِي حُدَيْلَةَ الْيَوْمَ بِالْمَدِينَةِ، كَانَتْ مَالا لأَبِي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ، تَصَدَّقَ بِهَا إِلَى رَسُول اللَّهِ ص، فَأَعْطَاهَا حَسَّانَ فِي ضَرْبَتِهِ- وَأَعْطَاهُ سِيرِينَ، أَمَةً قِبْطِيَّةً، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَانَ.
قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَقَدْ سُئِلَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ فَوَجَدُوهُ رَجُلا حَصُورًا مَا يَأْتِي النِّسَاءَ ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيدًا.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الواحد ابن حَمْزَةَ، أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْمَدِينَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوَّالا، وَخَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ مُعْتَمِرًا

(2/619)


ذكر الخبر عن عمره النبي ص الَّتِي صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ فِيهَا عَنِ الْبَيْتِ، وَهِيَ قِصَّةُ الْحُدَيْبِيَةِ
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحكم بن بشير، قال: حدثنا عمر ابن ذر الهمدانى، عن مجاهد، ان النبي ص اعْتَمَرَ ثَلاثَ عُمَرٍ، كُلَّهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ، يَرْجِعُ فِي كُلِّهَا إِلَى الْمَدِينَةِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: خرج النبي ص مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقَعْدَةِ لا يُرِيدُ حَرْبًا، وَقَدِ اسْتَنْفَرَ الْعَرَبَ وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ، وَهُوَ يَخْشَى مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِي صَنَعُوا بِهِ أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِحَرْبٍ، أَوْ يَصُدُّوهُ عَنِ الْبَيْتِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الأَعْرَابِ، وَخَرَجَ رَسُول الله ص وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنَ الْعَرَبِ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، لِيَأْمَنَ النَّاسُ مِنْ حَرْبِهِ، وَلِيُعْلِمَ النَّاسَ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ، مُعَظِّمًا لَهُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، انهما حدثاه قالا: خرج رسول الله ص عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لا يُرِيدُ قِتَالا، وَسَاقَ مَعَهُ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَكَانَ النَّاسُ سبعمائة رَجُلٍ، كَانَتْ كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشْرَةِ نَفَرٍ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، فَحَدَّثَنَا عَنْ محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمه

(2/620)


وحدثني يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُبَارَكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الحكم، قالا: خرج رسول الله ص مِنَ الْحُدَيْبِيَةَ، فِي بِضْعَةَ عَشَرَ وَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بن عمار اليمامي، عَنْ إِيَاسَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص الْحُدَيْبِيَةَ، وَنَحْنُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَمِائَةٌ.
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الْمِصْرِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الحديبية ألفا وأربعمائة.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ البيعه تحت الشجرة ألفا وخمسمائة وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، يَقُولُ: كُنَّا يَوْمَ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وثلاثمائة، وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ الْمُهَاجِرِينَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إِسْحَاقَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كُنَّا أَصْحَابُ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَمِائَةَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فخرج رسول الله ص، حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هذه

(2/621)


قُرَيْشٌ قَدْ سَمِعُوا بِمَسِيرِكَ، فَخَرَجُوا مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النُّمُورِ، وَقَدْ نَزَلُوا بِذِي طُوًى، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ، قَدْ قَدَّمُوهَا إِلَى كِرَاعِ الْغَمِيمِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَانَ يَوْمَئِذٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص مُسْلِمًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ- يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ- عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قال: لما خرج النبي ص بِالْهَدْيِ، وَانْتَهَى إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَدْخُلُ عَلَى قَوْمٍ هُمْ لَكَ حَرْبٌ بِغَيْرِ سِلاحٍ وَلا كُرَاعٍ! قال: فبعث النبي ص إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَدَعْ فِيهَا كُرَاعًا وَلا سِلاحًا إِلا حَمَلَهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَكَّةَ مَنَعُوهُ أَنْ يَدْخُلَ، فَسَارَ حَتَّى أَتَى مِنًى، فَنَزَلَ بِمِنًى، فَأَتَاهُ عَيْنُهُ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ ابى جهل قد خرج عليك في خمسمائة، فقال رسول الله ص لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: يَا خَالِدُ، هَذَا ابْنُ عَمِّكَ، قَدْ أَتَاكَ فِي الْخَيْلِ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَنَا سَيْفُ اللَّهِ وَسَيْفُ رَسُولِهِ- فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ سَيْفَ اللَّهِ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْمِ بِي حَيْثُ شِئْتَ فَبَعَثَهُ عَلَى خَيْلٍ، فَلَقِيَ عِكْرِمَةَ فِي الشِّعْبِ، فَهَزَمَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَانَ مَكَّةَ، ثُمَّ عَادَ فِي الثَّانِيَةِ، فَهَزَمَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَانَ مَكَّةَ، ثُمَّ عَادَ فِي الثَّالِثَةِ فَهَزَمَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ حِيطَانَ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ» - الى قوله: «عَذاباً أَلِيماً» قال: وكف الله النبي ص

(2/622)


عَنْهُمْ بَعْدَ أَنْ أَظْفَرَهُ عَلَيْهِمْ لِبَقَايَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا بَقَوْا فِيهَا مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَهُ عَلَيْهِمْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَطَأَهُمُ الْخَيْلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ [قال: فقال رسول الله ص: يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ! قَدْ أَكَلَتْهُمُ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فان هم أَصَابُونِي كَانَ ذَلِكَ الَّذِي أَرَادُوا، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الإِسْلامِ وَافِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوَّةٌ فَمَا تَظُنُّ قريش! فو الله لا أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ] .
ثُمَّ قَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِهِمُ الَّتِي هُمْ بِهَا؟
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بَكْرٍ، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:
فَسَلَكَ بِهِمْ عَلَى طَرِيقٍ وَعِرٍ حَزَنٍ بَيْنَ شِعَابٍ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجُوا مِنْهُ- وَقَدْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَفْضَوْا إِلَى أَرْضٍ سَهْلَةٍ عِنْدَ مُنْقَطَعِ الْوَادِي-[قال رسول الله ص لِلنَّاسِ: قُولُوا: نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ.
فَفَعَلُوا فقال رسول الله ص: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَلْحِطَّةُ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقُولُوهَا] .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ امر رسول الله ص النَّاسَ فَقَالَ:
اسْلُكُوا ذَاتَ الْيَمِينِ، بَيْنَ ظَهْرَيِ الْحَمْضِ فِي طَرِيقٍ تُخْرِجُهُ عَلَى ثَنِيَّةِ الْمُرَارِ، عَلَى مَهْبِطِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ قَالَ: فَسَلَكَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الطَّرِيقَ،

(2/623)


فَلَمَّا رَأَتْ خَيْلُ قُرَيْشٍ قَتَرَةَ الْجَيْشِ، وَأَنَّ رسول الله ص قَدْ خَالَفَهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمْ، رَكَضُوا رَاجِعِينَ إِلَى قريش، وخرج رسول الله ص، حَتَّى إِذَا سَلَكَ فِي ثَنِيَّةِ الْمُرَارِ، بَرَكَتْ نَاقَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: خَلأَتْ! فَقَالَ: مَا خَلأَتْ، وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ، لا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي صِلَةَ الرَّحِمِ إِلا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: انْزِلُوا، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِالْوَادِي مَاءٌ نَنْزِلُ عَلَيْهِ! فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَأَعْطَاهُ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَنَزَلَ فِي قَلِيبٍ مِنْ تِلْكَ الْقُلُبِ فَغَرَزَهُ فِي جَوْفِهِ، فَجَاشَ الْمَاءُ بِالرِّيِّ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ عَلَيْهِ بِعَطَنٍ.
فحدثنا ابْن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إِسْحَاق، عَن بَعْض أهل العلم، أَن رجلا من أسلم حدثه، أَن الَّذِي نزل فِي القليب بسهم رسول الله ص ناجيه بن جندب بن عمير ابن يعمر بْن دارم، وَهُوَ سائق بدن رَسُول الله ص.
قَالَ: وَقَدْ زعم لي بَعْض أهل العلم أَن البراء بْن عازب كَانَ يَقُول: أنا الذى نزلت بسهم رسول الله ص قَالَ: وأنشدت أسلم أبياتا من شعر قالها ناجية، قَدْ ظننا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي نزل بسهم رسول الله ص، فزعمت أسلم أَن جارية من الأنصار أقبلت بدلوها، وناجية فِي القليب يميح عَلَى النَّاس، فقالت:

(2/624)


يا ايها المائح دلوي دونكا ... إني رأيت النَّاس يحمدونكا
يثنون خيرا ويمجدونكا.
وَقَالَ ناجية، وَهُوَ فِي القليب يميح النَّاس:
قَدْ علمت جارية يمانيه ... أني أنا المائح واسمي ناجيه
وطعنة ذَات رشاش واهيه ... طعنتها تَحْتَ صدور العاديه
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ.
وحدثني يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الحكم، قالا: نزل رسول الله ص بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ، إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا فَلَمْ يَلْبَثْهُ النَّاسُ أَنْ نزحوه، فشكى الى رسول الله ص الْعَطَشُ، فَنَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ ان يجعلوه فيه، فو الله مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خزاعة- وكانوا عيبه نصح رسول الله ص مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ- فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ قَدْ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ، مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مقاتلوك وصادوك عن البيت [فقال النبي ص: إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهَكَتْهُمُ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْنَاهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرُ، فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يدخلوا

(2/625)


فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِلا فَقَدْ جموا، وان هم أبوا فو الذى نَفْسِي بِيَدِهِ لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، أَوْ لَيُنَفِّذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ فَقَالَ بُدَيْلٌ: سُنُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ] .
فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلا، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُحَدِّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قال النبي ص.
فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ: أَيْ قوم، الستم بالوالد! قالوا: بلى، قال:
او لست بِالْوَلَدِ! قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونَنِي؟ قَالُوا: لا، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي! قَالُوا: بَلَى.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بن إسحاق، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ لَسَبِيعَةَ بِنْتِ عَبْدِ شَمْسٍ.
رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الأَعْلَى وَيَعْقُوبَ قَالَ: فَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خطه رشد فاقبلوها، ودعوني آته فقالوا:
ائته، فأتاه، فجعل يكلم النبي ص، فقال النبي نَحْوًا مِنْ مَقَالَتِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ، فَهَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قبلك! وان تكن الاخرى، فو الله إِنِّي لأَرَى وُجُوهًا وَأَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلْقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ- وَاللَّاتُ طَاغِيَةُ ثَقِيفٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ- أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُهُ! فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بيده

(2/626)


لَوْلا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بها لأجبتك، وجعل يكلم النبي ص، فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ- وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قائم على راس النبي ص، وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بيده الى لحيه النبي ص ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ:
أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَتِهِ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَنْ هذا؟ قالوا: المغيره ابن شُعْبَةَ، قَالَ: أَيْ غُدَرُ، أَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ! وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فاسلم، [فقال النبي ص: أَمَّا الإِسْلامُ فَقَدْ قَبِلْنَا، وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنَّهُ مَالُ غَدْرٍ، لا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ] .
وَإِنَّ عروه جعل يرمق اصحاب النبي ص بعينه قال:
فو الله إِنْ يَتَنَخَّمُ النَّبِيُّ نُخَامَةً إِلا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا عِنْدَهُ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمُ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ يَتَنَخَّمُ نُخَامَةً إِلا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا عِنْدَهُ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فاقبلوها فقال رجل من كنانه:
دعوني آته، فقالوا: ائته، فلما اشرف على النبي ص واصحابه، [قال النبي ص: هَذَا فُلانٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ،] فَبُعِثَتْ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ قَوْمٌ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ:
سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ! وَحَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن

(2/627)


الزُّهْرِيِّ، قَالَ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ بَعَثُوا إِلَيْهِ الْحُلَيْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ- أَوِ ابْنِ زَبَّانَ- وَكَانَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدَ الأَحَابِيشِ، وَهُوَ أَحَدُ بَلْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله ص [قَالَ: إِنَّ هَذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلَّهُونَ، فَابْعَثُوا الْهَدْيَ فِي وَجْهِهِ حَتَّى يَرَاهُ،] فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عَرْضِ الْوَادِي فِي قلائده، قد أكل أوباره من طول الحبس، رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَى رَسُول الله ص إِعْظَامًا لِمَا رَأَى، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، انى قد رايت ما لا يحل صده: الْهَدْيِ فِي قَلائِدِهِ، قَدْ أُكِلَ أَوْبَارُهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلِّهِ، قَالُوا لَهُ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ لا عِلْمَ لَكَ.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ الْحُلَيْسَ غَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا عَلَى هَذَا حَالَفْنَاكُمْ، وَلا عَلَى هَذَا عَاقَدْنَاكُمْ، أَنْ تَصُدُّوا عَنْ بَيْتِ اللَّهِ مَنْ جَاءَهُ مُعَظِّمًا لَهُ، وَالَّذِي نَفْسُ الْحُلَيْسِ بِيَدِهِ لَتُخَلُّنَّ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ، أَوْ لأَنْفِرَنَّ بِالأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ! قَالَ:
فَقَالُوا لَهُ: مَهْ! كُفَّ عَنَّا يَا حُلَيْسُ حَتَّى نَأْخُذَ لأَنْفُسِنَا مَا نَرْضَى بِهِ.
رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الأَعْلَى وَيَعْقُوبَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مُكْرِزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقَالَ لَهُمْ: دَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا اشرف عليهم [قال النبي ص: هَذَا مُكْرِزُ بْنُ حَفْصٍ، وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ،] فجاء فجعل يكلم النبي ص، فَبَيْنَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو.
وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ لَمَّا جاء سهيل [قال النبي ص:
قَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ]

(2/628)


فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الأَسَدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ- وَاللَّفْظُ لابْنِ عُمَارَةَ- قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عبيده عن اياس ابن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ العزى وحفص بن فلان، الى النبي ص لِيُصَالِحُوهُ، فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ فِيهِمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، [قَالَ: سَهَّلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمُ، الْقَوْمُ مَاتُّونَ إِلَيْكُمْ بِأَرْحَامِكُمْ، وَسَائِلُوكُمُ الصُّلْحَ، فَابْعَثُوا الْهَدْيَ، وَأَظْهِرُوا التَّلْبِيَةَ، لَعَلَّ ذَلِكَ يُلِينُ قُلُوبَهُمْ] فَلَبَّوْا مِنْ نَوَاحِي الْعَسْكَرِ حَتَّى ارْتَجَّتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ قَالَ: فَجَاءُوا فَسَأَلُوهُ الصُّلْحَ، قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّاسُ قَدْ تَوَادَعُوا، وَفِي الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَفِي الْمُشْرِكِينَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَفَتَكَ بِهِ أَبُو سُفْيَانَ، قَالَ: فَإِذَا الْوَادِي يَسِيلُ بِالرِّجَالِ وَالسِّلاحِ قَالَ إِيَاسُ: قَالَ سَلَمَةُ: فَجِئْتُ بِسِتَّةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُتَسَلِّحِينَ أَسُوقُهُمْ، مَا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا، فَأَتَيْتُ بهم النبي ص، فَلَمْ يَسْلُبْ وَلَمْ يَقْتُلْ، وَعَفَا.
وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى فَإِنَّهُ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عامر قال: حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ، أَتَيْتُ الشَّجَرَةَ فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا، ثُمَّ اضْطَجَعْتُ فِي ظِلِّهَا، فَأَتَانِي أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله ص، فَأَبْغَضْتُهُمْ قَالَ: فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى، فَعَلَّقُوا سلاحهم، ثم اضطجعوا، فبيناهم كَذَلِكَ، إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ! فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي، فَشَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ الأَرْبَعَةَ وَهُمْ رُقُودٌ، فَأَخَذْتُ سِلاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا فِي يَدِي، ثُمَّ قُلْتُ: والذى كرم وجه محمد ص، لا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ قَالَ: فَجِئْتُ بِهِمْ

(2/629)


اقودهم الى رسول الله ص، وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلاتِ، يُقَالُ لَهُ مُكْرِزٌ، يَقُودُهُ مُجَفَّفًا، حَتَّى وَقَفْنَا بِهِمْ على رسول الله ص فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ الله ص، [فَقَالَ: دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءَ الْفُجُورِ،] فَعَفَا عَنْهُمْ قَالَ:
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ» رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ.
قَالَ سَلَمَةُ: فَشَدَدْنَا عَلَى مَنْ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ مِنَّا، فَمَا تَرَكْنَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَّا رَجُلا إِلا اسَتَنْقَذْنَاهُ قَالَ: وَغَلَبْنَا عَلَى مَنْ فِي أَيْدِينَا مِنْهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَحُوَيْطِبًا فَوَلُّوهُمْ صُلْحَهُمْ، وَبَعَثَ النَّبِيُّ ص عليا ع فِي صُلْحِهِ.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلا من اصحاب النبي ص يُقَالُ لَهُ زُنَيْمٌ، اطَّلَعَ الثَّنِيَّةَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فرماه المشركون فقتلوه، فبعث رسول الله ص خَيْلا، فَأَتَوْهُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا فَارِسًا مِنَ الكفار، فقال لهم نبى الله ص: هَلْ لَكُمْ عَلِيَّ عَهْدٌ؟ هَلْ لَكُمْ عَلِيَّ ذِمَّةٌ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَأَرْسَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ: «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ» - الى قوله: «بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً» .
وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ قُرَيْشًا إِنَّمَا بَعَثَتْ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو بَعْدَ رِسَالَةٍ كان رسول الله ص أَرْسَلَهَا إِلَيْهِمْ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ

(2/630)


حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عن محمد بن إسحاق، قال:
حدثني بعض اهل العلم ان رسول الله ص دَعَا خِرَاشَ بْنَ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ، فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، وَحَمَلَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الثَّعْلَبُ، لِيُبَلِّغَ أَشْرَافَهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ لَهُ، فَعَقَرُوا بِهِ جَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَمَنَعَتْهُ الأَحَابِيشُ، فَخَلوا سَبِيلَهُ، حَتَّى أَتَى رسول الله ص.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ لا أَتَّهِمُ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا أَرْبَعِينَ رَجُلا مِنْهُمْ- أَوْ خَمْسِينَ رَجُلا- وَأَمَرُوهُمْ أَنْ يُطِيفُوا بِعَسْكَرِ رَسُول اللَّهِ ص لِيُصِيبُوا لَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأُخِذُوا أَخْذًا، فَأُتِيَ بهم رسول الله ص، فَعَفَا عَنْهُمْ، وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ- وَقَدْ كَانُوا رَمَوْا في عسكر رسول الله ص بالحجارة والنبل- ثم دعا النبي ص عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لِيَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، فَيُبَلِّغَ عَنْهُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مَا جَاءَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إِيَّاهَا، وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا، وَلَكِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ هُوَ أَعَزُّ بِهَا مِنِّي، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ! فدعا رسول الله ص عُثْمَانَ، فَبَعَثَهُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ، مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ.
فَخَرَجَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ- أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا- فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَفَهُ وَأَجَارَهُ، حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُول الله ص، فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءِ قريش، فبلغهم عن رسول الله ص مَا أَرْسَلَهُ بِهِ، فَقَالُوا لِعُثْمَانَ حِينَ فَرَغَ من رساله رسول الله ص إِلَيْهِمْ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ، قَالَ: مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ به رسول الله ص، فاحتبسته قريش عندها،

(2/631)


فبلغ رسول الله ص وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عن مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر، [ان رسول الله ص حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، قَالَ: لا نَبْرَحُ حَتَّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ،] وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَارَةَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ: بَيْنَمَا نَحْنُ قَافِلُونَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، نادى منادى النبي ص: أَيُّهَا النَّاسُ، الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ! نَزَلَ رُوحُ الْقُدُسِ قال: فسرنا الى رسول الله وَهُوَ تَحْتَ شَجَرَةِ سَمُرَةَ، قَالَ: فَبَايَعْنَاهُ، قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» .
حدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابن أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ رَجُلا مِنْ بَنِي أَسَدٍ، يُقَالُ لَهُ: أَبُو سِنَانِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَمِائَةٍ قَالَ: فَبَايَعْنَا رسول الله ص، وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهِيَ سَمُرَةٌ، فَبَايَعْنَاهُ غَيْرَ الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ، اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ.
قَالَ جَابِرٌ: بَايَعْنَا رَسُول الله على الا نَفِرَّ، وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ

(2/632)


وَقَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَ أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: أخبرنا عكرمة بن عمار اليمامي، عن إياس بن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ ص دَعَا النَّاسَ لِلْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ، فَبَايَعْتُهُ فِي أَوَّلِ النَّاسِ، ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطٍ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: بَايِعْ يَا سَلَمَةُ، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ! قَالَ: وأيضا، ورآنى النبي ص أَعْزَلَ، فَأَعْطَانِي حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَايَعَ النَّاسَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِهِمْ، قَالَ: أَلا تُبَايِعُ يَا سَلَمَةُ! قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَايَعْتُكَ فِي أَوَّلِ النَّاسِ وَأَوْسَطِهِمْ! قَالَ: وَأَيْضًا قَالَ: فبايعته الثالثه، [فقال رسول الله ص:
فَأَيْنَ الدَّرَقَةُ، وَالْحَجَفَةُ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟ قُلْتُ: لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ أَعْزَلَ فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ الله ص وَقَالَ: إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الأَوَّلُ: اللَّهُمَّ ابْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي] .
رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَبَايَعَ رسول الله ص النَّاسَ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حضرها الا الجد ابن قَيْسٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، قَالَ: كَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ لاصِقًا بِإِبِطِ نَاقَتِهِ، قَدْ ضَبَأَ إِلَيْهَا يَسْتَتِرُ بِهَا مِنَ النَّاسِ ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ص أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ بَاطِلٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، أَخَا بَنِي عَامِرِ بن لؤي الى رسول الله ص، وَقَالُوا لَهُ: ائْتِ مُحَمَّدًا فَصَالِحْهُ، وَلا يَكُنْ فِي صُلْحِهِ إِلا أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامَهُ هذا، فو الله لا تُحَدِّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْنَا عُنْوَةً أَبَدًا.
قَالَ: فَأَقَبْلَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَلَمَّا رآه رسول الله ص مُقْبِلا، قَالَ: قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلَ فَلَمَّا انْتَهَى سُهَيْلٌ

(2/633)


الى رسول الله ص تَكَلَّمَ فَأَطَالَ الْكَلامَ، وَتَرَاجَعَا، ثُمَّ جَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ، فَلَمَّا الْتَأَمَ الأَمْرُ، وَلَمْ يَبْقَ إِلا الْكِتَابُ وَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ بِرَسُولِ الله! قال: بلى، قال:
او لسنا بالمسلمين! قال: بلى، قال: او ليسوا بِالْمُشْرِكِينَ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا! قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ.
قال: ثم اتى رسول الله ص فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ! قال: بلى، قال: او لسنا بالمسلمين! قال: بلى، قال:
او ليسوا! بِالْمُشْرِكِينَ! قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا! فَقَالَ:
أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي وَأَعْتِقُ مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ يَوْمَئِذٍ، مَخَافَةَ كَلامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ، حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خيرا.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ سفيان بن فروة الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظى، عن علقمه ابن قَيْسٍ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ثُمَّ دَعَانِي رَسُولُ الله ص، فَقَالَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
فَقَالَ سُهَيْلٌ: لا أَعْرِفُ هَذَا، وَلَكِنِ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللهم، فقال رسول الله: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَكَتَبْتُهَا ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: لو شَهِدْتُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقَاتِلْكَ، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ الله ص: اكْتُبْ: هَذَا مَا صَالِحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله سهيل ابن عَمْرٍو، اصْطَلَحَا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَنِ النَّاسِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ مِنْ قُرَيْشٍ بِغَيْرِ

(2/634)


إِذْنِ وَلِيِّهِ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ جَاءَ قُرَيْشًا مِمَّنْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَأَنَّهُ لا إِسْلالَ وَلا إِغْلالَ، وَأَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، دَخَلَ فِيهِ- فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بكر، فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدها- وَأَنَّكَ تَرْجِعُ عَنَّا عَامَكَ هَذَا، فَلا تَدْخُلُ عَلَيْنَا مَكَّةَ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٌ خَرَجْنَا عَنْكَ، فَدَخَلْتَهَا بِأَصْحَابِكَ، فَأَقَمْتَ بِهَا ثَلاثًا، وَأَنَّ مَعَكَ سِلاحَ الرَّاكِبِ، السُّيُوفُ فِي الْقِرَبِ لا تَدْخُلُهَا بِغَيْرِ هَذَا.
فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ص يَكْتُبُ الْكِتَابَ هُوَ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو يَرْسُفُ فِي الْحَدِيدِ، قَدِ انْفَلَتَ إِلَى رَسُولِ الله ص- قال: وقد كان اصحاب رسول الله ص خَرَجُوا وَهُمْ لا يَشُكُّونَ فِي الْفَتْحِ، لِرُؤْيَا رآها رسول الله ص، فَلَمَّا رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنَ الصُّلْحِ وَالرُّجُوعِ، وما تحمل عليه رسول الله ص فِي نَفْسِهِ، دَخَلَ النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتَّى كَادُوا أَنْ يَهْلَكُوا- فَلَمَّا رَأَى سُهَيْلٌ أَبَا جَنْدَلٍ، قَامَ إِلَيْهِ فَضَرَبَ وَجْهَهُ، وَأَخَذَ بِلَبَبِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ لَجَّتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا! قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَجَعَلَ يَنْتُرُهُ بِلَبَبِهِ، وَيَجُرُّهُ لِيَرُدَّهُ إِلَى قُرَيْشٍ، وَجَعَل أَبُو جَنْدَلٍ يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِي فِي دِينِي! فَزَادَ النَّاسَ ذَلِكَ شَرًّا إِلَى مَا بِهِمْ فَقَالَ [رَسُولُ اللَّهِ ص: يَا أَبَا جَنْدَلٍ، احْتَسِبْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لك

(2/635)


وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ عَقْدًا وَصُلْحًا، وأعطيناهم على ذلك عهدا، وَأَعْطَوْنَا عَهْدًا، وَإِنَّا لا نَغْدِرُ بِهِمْ] .
قَالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَ أَبِي جَنْدلٍ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ، وَيَقُولُ:
اصْبِرْ يَا أَبَا جَنْدَلٍ، فَإِنَّمَا هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ! قَالَ: وَيُدْنِي قَائِمَ السَّيْفِ مِنْهُ، قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ: رَجَوْتُ أَنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ فَيَضْرِبَ بِهِ أَبَاهُ، قَالَ: فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكِتَابِ أَشْهَدَ عَلَى الصُّلْحِ رِجَالا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَرِجَالا مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَبَا بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمَحْمُودَ بْنَ مَسْلَمَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَمُكْرِزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الأَخْيَفِ- وَهُوَ مُشْرِكٌ- أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَكَتَبَ وَكَانَ هُوَ كَاتِبَ الصَّحِيفَةِ.
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: اعْتَمَرَ رسول الله ص فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلَ مَكَّةَ، حَتَّى يُقَاضِيَهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَتَبَ الْكِتَابَ كَتَبَ: هَذَا مَا تَقَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الله، قال لعلى ع: امْحُ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لا وَاللَّهِ لا امحاك ابدا، فأخذه رسول الله ص- وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ- فَكَتَبَ مَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، لا يَدْخُلُ مَكَّةَ بِالسِّلاحِ إِلا السُّيُوفَ فِي الْقِرَابِ، وَلا يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهُ، وَلا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأجل، أتوا عليا ع، فَقَالُوا لَهُ: قُلْ

(2/636)


لِصَاحِبِكَ: اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ، فَخَرَجَ رسول الله ص.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة.
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ: فَلَمَّا فَرَغَ رسول الله ص مِنْ قَضِيَّتِهِ [قَالَ لأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احلقوا قال: فو الله مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ! اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بَدَنَتَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَقَامَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بَدَنَتَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا] .
قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ: قَالَ سَلَمَةُ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الَّذِي حَلَقَهُ- فِيمَا بَلَغَنِي ذَلِكَ الْيَوْمَ- خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَلَقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَصَّرَ آخَرُونَ، [فقال رسول الله ص:
يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَالْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلِمَ ظَاهَرْتَ التَّرَحُّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ دُونَ الْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: لأَنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا]

(2/637)


حَدَّثَنَا ابن حميد قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن أَبَانِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: اهدى رسول الله ص عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَاهُ جَمَلا لأَبِي جَهْلٍ، فِي رَأْسِهِ بُرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ، لِيَغِيظَ الْمُشْرِكِينَ بِذَلِكَ.
رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ الَّذِي ذكرنا قبل ثم رجع النبي ص إِلَى الْمَدِينَةِ- زَادَ ابْنُ حُمَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ فِي حَدِيثِهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: يَقُولُ الزُّهْرِيُّ: فَمَا فُتِحَ فِي الإِسْلامِ فَتْحٌ قَبْلَهُ كَانَ أَعْظَمَ مِنْه، إِنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ حَيْثُ الْتَقَى النَّاسُ- فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ، ووضعت الحرب او زارها، وَأَمِنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَالْتَقَوْا، وَتَفَاوَضُوا فِي الْحَدِيثِ وَالْمُنَازَعَةِ، فَلَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ بِالإِسْلامِ يَعْقِلُ شَيْئًا إِلا دَخَلَ فِيهِ، فَلَقَدْ دَخَلَ فِي تَيْنِكِ السَّنَتَيْنِ فِي الإِسْلامِ مِثْلُ مَا كَانَ فِي الإِسْلامِ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ وَقَالُوا جَمِيعًا فِي حَدِيثِهِمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْمَدِينَةَ، جَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ، - رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ- قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ: أَبُو بَصِيرٍ عتبة بن اسيد ابن جَارِيَةَ- وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَانَ مِمَّنْ حُبِسَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ كَتَبَ فِيهِ أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ وَالأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيُّ إِلَى رَسُولِ الله ص، وَبَعَثَ رَجُلا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَمَعَهُ مَوْلًى لَهُمْ فَقَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص بكتاب الأزهر والاخنس، [فقال رسول الله ص: يَا أَبَا بَصِيرٍ، إِنَّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَلا يَصْلُحُ لَنَا فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا] .
قَالَ: فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، جَلَسَ إِلَى جِدَارٍ وَجَلَسَ مَعَهُ صَاحِبَاهُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَصَارِمٌ سَيْفُكَ هَذَا يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْظُرُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ! فَاسْتَلَّهُ أَبُو بَصِيرٍ، ثُمَّ علاه

(2/638)


بِهِ حَتَّى قَتَلَهُ، وَخَرَجَ الْمَوْلَى سَرِيعًا حَتَّى اتى رسول الله ص وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ طَالِعًا، قَالَ: إِنَّ هَذَا رَجُلٌ قَدْ رَأَى فَزَعًا، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: وَيْلَكَ! مَا لَكَ! قَالَ: قَتَلَ صَاحِبُكُمْ صاحبي، فو الله مَا بَرِحَ حَتَّى طَلَعَ أَبُو بَصِيرٍ مُتَوَشِّحًا السيف، حتى وقف على رسول الله ص، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفَتْ ذِمَّتُكَ، وَأُدِّيَ عَنْكَ، أَسْلَمْتَنِي وَرَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ منهم [فقال النبي ص: وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ! - وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ: مِحَشَّ حَرْبٍ- لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ!] فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو بَصِيرٍ حَتَّى نَزَلَ بِالْعَيْصِ مِنْ نَاحِيَةِ ذِي الْمَرْوَةِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ بِطَرِيقِ قُرَيْشٍ الَّذِي كَانُوا يَأْخُذُونَ إِلَى الشَّامِ وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا احْتَبَسُوا بِمَكَّةَ قول رسول الله ص لأَبِي بَصِيرٍ: [وَيْلَ أُمِّهِ مِحَشَّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ،] فَخَرَجُوا إِلَى أَبِي بَصِيرٍ بِالْعَيْصِ، وَيَنْفَلِتُ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلا مِنْهُمْ، فَكَانُوا قَدْ ضَيَّقُوا على قريش، فو الله مَا يَسْمَعُونَ بَعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلا اعْتَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قريش الى النبي ص يُنَاشِدُونَهُ بِاللَّهِ وَبِالرَّحِمِ لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ! فَمَنْ أتاه فهو آمن، فاواهم رسول الله ص، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ.
زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ: فَلَمَّا بَلَغَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَتْلُ أَبِي بَصِيرٍ صَاحِبَهُمُ الْعَامِرِيَّ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: لا أُؤَخِّرُ ظَهْرِي عَنِ الْكَعْبَةِ، حَتَّى يُودُوا هَذَا الرَّجُلَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ السَّفَهُ! وَاللَّهِ لا يُودَى! ثَلاثًا

(2/639)


وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَيَعْقُوبُ فِي حَدِيثِهِمَا: ثُمَّ جَاءَهُ- يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ- نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، فانزل الله عز وجل عليه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ» - حَتَّى بلغ: «بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» قَالَ:
فَطَلَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ قَالَ: فَنَهَاهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُنَّ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الصَّدَاقَ حِينَئِذٍ.
قَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِيِّ: أَمِنْ أَجْلِ الْفُرُوجِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ.
زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حديثه: وهاجرت الى رسول الله ص أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَخَرَجَ أَخَوَاهَا عِمَارَةُ وَالْوَلِيدُ ابْنَا عُقْبَةَ، حَتَّى قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص يَسْأَلانِهِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِمَا بِالْعَهْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَيْضًا فِي حَدِيثِهِ: كَانَ مِمَّنْ طَلَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، طَلَّقَ امْرَأَتَيْهِ قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ بن المغيره، فتزوجها بَعْدَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا بِمَكَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِيَّةَ أُمَّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَتَزَوَّجَهَا أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ غَانِمٍ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهَا، وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا بِمَكَّةَ.
وَقَالَ الواقدي: فِي هَذِهِ السَّنَةِ- فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ منها- بعث رسول الله ص عُكَاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلا إِلَى الْغَمْرِ، فِيهِمْ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ وَشُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ، فَأَغَذَّ السَّيْرَ، وَنَذَرَ الْقَوْمُ بِهِ فَهَرَبُوا، فَنَزَلَ عَلَى مِيَاهِهِمْ وَبَعَثَ الطَّلائِعَ، فَأَصَابُوا عَيْنًا فَدَلَّهُمْ عَلَى بَعْضِ مَاشِيَتِهِمْ، فَوَجَدُوا مِائَتَيْ بَعِيرٍ، فَحَدَرُوهَا إِلَى الْمَدِينَةِ

(2/640)


قال: وفيها بعث رسول الله ص مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنْهَا، فَكَمَنَ الْقَوْمُ لَهُمْ حَتَّى نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَمَا شَعُرُوا إِلا بِالْقَوْمِ، فَقُتِلَ أَصْحَابُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأَفْلَتَ مُحَمَّدٌ جَرِيحًا.
قَالَ الواقدي: وَفِيهَا أَسْرَى رَسُولُ اللَّهِ ص سَرِيَّةَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخَرِ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلا، فَسَارُوا لَيْلَتَهُمْ مُشَاةً، وَوَافَوْا ذَا الْقَصَّةِ مَعَ عِمَايَةِ الصُّبْحِ، فَأَغَارُوا عَلَيْهِمْ، فَأَعْجَزُوهُمْ هَرَبًا فِي الْجِبَالِ، وَأَصَابُوا نَعْمًا وَرَثَةً وَرَجُلا وَاحِدًا، فاسلم، فتركه رسول الله ص قَالَ: وَفِيهَا كَانَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بِالْجَمُومِ، فَأَصَابَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ، يُقَالُ لَهَا حَلِيمَةُ، فَدَلَّتْهُمْ عَلَى مَحِلَّةِ من محال بَنِي سُلَيْمٍ، فَأَصَابُوا بِهَا نَعَمًا وَشَاءً وَأَسْرَاءَ، وَكَانَ فِي أُولَئِكَ الأُسَرَاءِ زَوْجُ حَلِيمَةَ، فَلَمَّا قَفَلَ بما أصاب وهب رسول الله ص لِلْمُزَنِيَّةِ زَوْجَهَا وَنَفْسَهَا.
قَالَ وَفِيهَا كَانَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الْعِيصِ فِي جُمَادَى الأُولَى مِنْهَا.
وَفِيهَا أُخِذَتِ الأَمْوَالُ الَّتِي كَانَتْ مَعَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَاسْتَجَارَ بِزَيْنَبَ بنت النبي ص فَأَجَارَتْهُ.
قَالَ: وَفِيهَا كَانَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الطَّرَفِ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، إِلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَهَرَبَتِ الأَعْرَابُ وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ سَارَ إِلَيْهِمْ، فَأَصَابَ مِنْ نَعَمِهِمْ عِشْرِينَ بَعِيرًا قَالَ: وَغَابَ أَرْبَعَ لَيَالٍ.
قَالَ: وَفِيهَا سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى حِسْمَى فِي جُمَادَى الآخِرَةِ

(2/641)


قَالَ: وَكَانَ أَوَّل ذَلِكَ- فِيمَا حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ، وَقَدْ أَجَازَ دِحْيَةَ بِمَالٍ، وَكَسَاهُ كِسًى، فَأَقْبَلَ حَتَّى كَانَ بِحِسْمَى، فَلَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ جِذَامٍ، فَقَطَعُوا عَلَيْهِ الطَّرِيقَ، فَلَمْ يُتْرَكْ مَعَهُ شَيْءٌ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ الله قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَأَخْبَرَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ الله ص زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى حِسْمَى.
قَالَ: وَفِيهَا تَزَوَّجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَمِيلَةَ بِنْتَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأَقْلَحِ، أُخْتَ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ، فَطَلَّقَهَا عُمَرُ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ يَزِيدُ بْنُ جَارِيَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، فَهُوَ أَخُو عَاصِمٍ لأُمِّهِ.
قَالَ: وَفِيهَا سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى وَادِي الْقُرَى فِي رَجَبٍ.
قَالَ: وَفِيهَا سَرِيَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ فِي شَعْبَانَ، [وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص: إِنْ أَطَاعُوكَ فَتَزَوَّجِ ابْنَةَ مَلِكِهِمْ،] فَأَسْلَمَ الْقَوْمُ، فَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ تُمَاضِرَ بِنْتَ الأَصْبَغِ، وَهِيَ أُمُّ أَبِي سَلَمَةَ، وَكَانَ أَبُوهَا رَأْسَهُمْ وَمَلِكَهُمْ.
قَالَ: وَفِيهَا أَجْدَبَ النَّاسُ جَدبًا شَدِيدًا، فَاسْتَسْقَى رسول الله ص فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِالنَّاسِ.
قَالَ: وَفِيهَا سَرِيَّةُ على بن ابى طالب ع إِلَى فَدَكٍ فِي شَعْبَانَ.
قَالَ: وحدثني عَبْدُ الله بن جعفر، عن يعقوب بن عقبه، قَالَ: خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي مِائَةِ رَجُلٍ إِلَى فَدَكٍ، إِلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ أَنَّ لَهُمْ جَمْعًا يُرِيدُونَ أَنْ يَمُدُّوا يَهُودَ خَيْبَرَ، فَسَارَ إِلَيْهِمُ اللَّيْلَ وَكَمَنَ النَّهَارَ، وَأَصَابَ عَيْنًا، فَأَقَرَّ لَهُمْ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى خَيْبَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَصْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا لَهُمْ ثَمَرَ خَيْبَرَ.
قَالَ: وَفِيهَا سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى أُمِّ قِرْفَةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
وَفِيهَا قُتِلَتْ أُمُّ قِرْفَةَ، وَهِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ بَدْرٍ، قَتَلَهَا قَتْلا

(2/642)


عَنِيفًا، رَبَطَ بِرِجْلَيْهَا حَبْلا ثُمَّ رَبَطَهَا بَيْنَ بَعِيرَيْنِ حَتَّى شَقَّاهَا شَقًّا، وَكَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةً.
وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهَا مَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حدثنا سلمة، قال:
حدثني ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قال بعث رسول الله ص زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى وَادِي الْقُرَى، فَلَقِيَ بِهِ بَنِي فَزَارَةَ، فَأُصِيبَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَارْتَثَّ زَيْدٌ مِنَ بَيْنِ الْقَتْلَى، وَأُصِيبَ فيها ورد ابن عَمْرٍو أَحَدُ بَنِي سَعْدٍ بَنِي هُذَيْمٍ، أَصَابَهُ أَحَدُ بَنِي بَدْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ زَيْدٌ نَذَرَ الا يَمَسَّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَ فَزَارَةَ، فَلَمَّا اسْتَبَلَّ مِنْ جِرَاحِهِ بَعَثَهُ رَسُولُ الله ص فِي جَيْشٍ إِلَى بَنِي فَزَارَةَ، فَلَقِيَهُمْ بِوَادِي الْقُرَى، فَأَصَابَ فِيهِمْ، وَقَتَلَ قَيْسُ بْنُ الْمُسَحِّرِ الْيَعْمُرِيُّ مَسْعدَةَ بْنَ حِكْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَدْرٍ، وَأَسَرَ أُمَّ قِرْفَةَ- وَهِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، عَجُوزًا كَبِيرَةً- وَبِنْتًا لَهَا، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ أَنْ يَقْتُلَ أُمَّ قِرْفَةَ، فَقَتَلَهَا قَتْلا عَنِيفًا، رَبَطَ بِرِجْلَيْهَا حَبْلَيْنِ ثُمَّ رَبَطَهُمَا إِلَى بَعِيرَيْنِ حَتَّى شَقَّاهَا.
ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله ص بِابْنَةِ أُمِّ قِرْفَةَ وَبِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعَدَةَ، وَكَانَتِ ابْنَةُ أُمِّ قِرْفَةَ لِسَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَكْوَعِ، كَانَ هُوَ الَّذِي أَصَابَهَا، وَكَانَتْ فِي بَيْتِ شَرَفٍ مِنْ قَوْمِهَا، كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ:
لَوْ كُنْتُ أَعَزَّ مِنْ أُمِّ قِرْفَةَ ما زدت فسألها رسول الله ص سلمه، فَوَهَبَهَا لَهُ، فَأَهْدَاهَا لِخَالِهِ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَزْنٍ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الأُخْرَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ، أَنَّ أَمِيرَهَا كَانَ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عن ابيه، قال: امر رسول الله ص عَلَيْنَا أَبَا بَكْرٍ فَغَزَوْنَا نَاسًا مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَاءِ أَمَرَنَا

(2/643)


أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا، فَلَمَّا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ، أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَشَنَنَّا الْغَارَةَ عَلَيْهِمِ.
قَالَ: فَوَرَدْنَا الْمَاءَ فَقَتَلْنَا بِهِ مَنْ قَتَلْنَا قَالَ: فَأَبْصَرْتُ عُنُقًا مِنَ النَّاسِ، وَفِيهِمُ النِّسَاءُ وَالذَّرَارِيُّ قَدْ كَادُوا يَسْبِقُونَ إِلَى الْجَبَلِ، فَطَرَحْتُ سَهْمًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا رَأَوُا السَّهْمَ وَقَفُوا، فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَفِيهِمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ عَلَيْهَا قَشْعُ أَدَمٍ، مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ قَالَ:
فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، قَالَ: فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي رسول الله ص بِالسُّوقِ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ، لِلَّهِ أَبُوكَ! هَبْ لِي الْمَرْأَةَ! فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ لَقِيَنِي فِي السُّوقِ، فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ، لِلَّهِ أَبُوكَ! هَبْ لِي الْمَرْأَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، وَهِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى مَكَّةَ، فَفَادَى بِهَا أُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ سَلَمَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَفِيهَا سَرِيَّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيِّ إِلَى العرنيين الذين قتلوا راعى رسول الله ص، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ، وبعثه رسول الله في عشرين فارسا
. ذكر خروج رسل رسول الله الى الملوك
قال: وفيها بعث رسول الله ص الرُّسُلَ، فَبَعَثَ فِي ذِي الْحَجَّةِ سِتَّةَ نَفَرٍ: ثَلاثَةً مُصْطَحِبِينَ، حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ مِنْ لَخْمٍ حَلِيفَ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى إِلَى الْمُقَوْقِسِ، وَشُجَاعَ بْنَ وَهْبِ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ- حَلِيفًا لِحَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ شَهِدَ بَدْرًا- إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الغساني، ودحية ابن خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ إِلَى قَيْصَرَ وَبَعَثَ سُلَيْطَ بْنَ عَمْرٍو الْعَامِرِيَّ عَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إِلَى كِسْرَى.
وَعَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضّمرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ

(2/644)


وَأَمَّا ابْن إِسْحَاق، فَإِنَّهُ- فيما زعم، وحدثنا به ابن حميد- قَالَ:
حَدَّثَنَا سلمة، عنه قال: كان رسول الله ص قَدْ فرق رجالا من أَصْحَابه إِلَى ملوك العرب والعجم، دعاة إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فيما بَيْنَ الحديبية ووفاته.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حدثني ابن إسحاق، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيِّ، أَنَّهُ وَجَدَ كِتَابًا فِيهِ تَسْمِيَةُ مَنْ بَعَثَ رَسُولُ الله ص إِلَى مُلُوكِ الْخَائِبِينَ، وَمَا قَالَ لأَصْحَابِهِ حِينَ بَعَثَهُمْ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، مَعَ ثِقَةٍ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَعَرَفَهُ وَفِي الكتاب ان رسول الله ص خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ غَدَاةٍ، [فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي بُعِثْتُ رَحْمَةً وَكَافَّةً، فَأَدُّوا عَنِّي يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، وَلا تَخْتَلِفُوا عَلِيَّ كَاخْتِلافِ الْحَوَارِيِّينَ عَلَى عيسى بن مَرْيَمَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ كَانَ اخْتِلافُهُمْ؟ قَالَ: دَعَا إِلَى مِثْلِ مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ قَرُبَ بِهِ فَأَحَبَّ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَ بِهِ فَكَرِهَ وَأَبَى، فَشَكَا ذَلِكَ مِنْهُمْ عِيسَى إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَصْبَحُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ تِلْكَ، وَكُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ عِيسَى: هَذَا أَمْرٌ قَدْ عَزَمَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِ، فَامْضُوا] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ فَرَّقَ رسول الله ص بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَبَعَثَ سُلَيْطَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدٍّ أَخَا بَنِي عامر بن لؤي إلى هوذة بن علي، صَاحِبِ الْيَمَامَةِ وَبَعَثَ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى أَخِي بَنِي عَبْدِ الْقَيْسِ صَاحِبِ الْبَحْرَيْنِ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى جَيْفَرِ بْنِ جُلَنْدَى وَعَبَّادِ بْنِ جُلَنْدَى الأَزْدِيَّيْنِ صَاحِبَيْ عُمَانَ وَبَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَأَدَّى إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ الله ص، واهدى المقوقس الى رسول الله ص اربع جوار، منهن مارية أم ابراهيم بن رسول الله ص وبعث رسول الله

(2/645)


دحية بن خليفه الكلبى ثم الخزجى إِلَى قَيْصَرَ، وَهُوَ هِرَقْلَ مَلِكِ الرُّومِ، فَلَمَّا أتاه بكتاب رسول الله ص نَظَرَ فِيهِ ثُمَّ جَعَلَهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ وَخَاصِرَتِهِ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة بن مسعود، عن عبد الله ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: كُنَّا قَوْمًا تُجَّارًا، وَكَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ حَصَرَتْنَا حَتَّى نَهَكَتْ أَمْوَالَنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَسُولِ الله، لم نامن الا نَجِدَ أَمْنًا، فَخَرَجْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ تُجَّارٍ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ وَجْهُ مَتْجَرِنَا مِنْهَا غَزَّةَ، فَقَدِمْنَاهَا حِينَ ظَهَرَ هَرِقْلَ عَلَى مَنْ كَانَ بِأَرْضِهِ مِنْ فَارِسَ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا، وَانْتَزَعَ لَهُ مِنْهُمْ صَلِيبَهُ الأَعْظَمَ، وَكَانُوا قَدِ اسْتَلَبُوهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَبَلَغَهُ أَنَّ صَلِيبَهُ قَدِ اسْتُنْقِذَ لَهُ- وَكَانَتْ حِمْصُ مَنْزِلَهُ- خَرَجَ مِنْهَا يَمْشِي عَلَى قَدَمَيْهِ مُتَشَكِّرًا لِلَّهِ حين رد عليه مارد، لِيُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، تُبْسَطُ لَهُ الْبُسُطُ، وَتُلْقَى عَلَيْهَا الرَّيَاحِينُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى إِيلِيَاءَ وَقَضَى فِيهَا صَلاتَهُ، وَمَعَهُ بَطَارِقَتُهُ وَأَشْرَافُ الرُّومِ، أَصْبَحَ ذَاتَ غَدَاةٍ مَهْمُومًا يُقَلِّبُ طَرفَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ لَهُ بَطَارِقَتُهُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَصْبَحْتَ ايها الملك الغداة مهموما، قال: اجل، رايت فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَنَّ مُلْكَ الْخِتَانِ ظَاهِرٌ! قَالُوا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، مَا نَعْلَمُ أُمَّةً تَخْتَتِنُ إِلا يَهُودَ، وَهُمْ فِي سُلْطَانِكَ وَتَحْتَ يَدِكَ، فَابْعَثْ إِلَى كُلِّ مَنْ لَكَ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ فِي بِلادِكَ، فَمُرْهُ فَلْيَضْرِبْ أَعْنَاقَ كُلِّ مَنْ تَحْتَ يَدَيْهِ مِنْ يَهُودَ، وَاسْتَرِحْ مِنْ هذا الهم، فو الله إِنَّهُمْ لَفِي ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِمْ يُدِيرُونَهُ، إِذْ أَتَاهُ رَسُولُ صَاحِبِ بُصْرَى بِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ، يَقُودُهُ- وَكَانَتِ الْمُلُوكُ تَهَادَى الأَخْبَارَ بَيْنَهَا- فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّ

(2/646)


هَذَا الرَّجُلَ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الشَّاءِ وَالإِبِلِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَمْرٍ حَدَثَ بِبِلادِهِ عَجَبٌ، فَسَلْهُ عَنْهُ.
فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى هِرَقْلَ رَسُولُ صَاحِبِ بُصْرَى، قَالَ هِرَقْلُ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ، مَا كَانَ هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي كَانَ بِبِلادِهِ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ:
خَرَجَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، قَدِ اتَّبَعَهُ نَاسٌ وَصَدَّقُوهُ، وَخَالَفَهُ نَاسٌ، وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَهُمْ مَلاحِمُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، فَتَرَكْتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: فَلَمَّا أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ قَالَ: جَرِّدُوهُ، فَجَرَّدُوهُ، فَإِذَا هُوَ مَخْتُونٌ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي أُرِيتُ، لا ما تقولون، اعطوه ثوبه، انطلق عنا ثُمَّ دَعَا صَاحِبَ شُرْطَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: قَلِّبْ لِي الشَّامَ ظَهْرًا وَبَطْنًا، حَتَّى تَأْتِيَنِي بِرَجُلٍ من قوم هذا الرجل- يعنى النبي ص.
قال ابو سفيان: فو الله إِنَّا لبغزَّة، إِذْ هَجَمَ عَلَيْنَا صَاحِبُ شُرْطَتِهِ، فَقَالَ: أَنْتُمْ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بِالْحِجَازِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى الْمَلِكِ، فَانْطَلَقْنَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ قَالَ: أَنْتُمْ مِنْ رَهْطِ هَذَا الرَّجُلِ؟
قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَيُّكُمْ أَمَسُّ بِهِ رَحِمًا؟ قُلْتُ: أَنَا.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْ رَجُلٍ أَرَى أَنَّهُ كَانَ أَنْكَرَ مِنْ ذَلِكَ الأَغْلَفِ- يَعْنِي هِرَقْلَ- فَقَالَ: ادْنُهْ فَأَقْعَدَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَقْعَدَ أَصْحَابِي خَلْفِي، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سأسأله، فان كذب فردوا عليه، فو الله لَوْ كَذَبْتُ مَا رَدُّوا عَلِيَّ، وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً سَيِّدًا أَتَكَرَّمُ عَنِ الْكَذِبِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ أَيْسَرَ مَا فِي ذَلِكَ إِنْ أَنَا كَذَبْتُهُ أَنْ يَحْفَظُوا ذَلِكَ عَلَيَّ، ثُمَّ يُحَدِّثُوا بِهِ عَنِّي، فَلَمْ أَكْذِبْهُ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يَدَّعِي مَا يَدَّعِي! قَالَ: فَجَعَلْتُ أَزْهَدُ لَهُ شَأْنَهُ، وَأُصَغِّرْ لَهُ أَمْرَهُ، وَأَقُولُ لَهُ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ، مَا يَهِمُّكَ مِنْ أَمْرِهِ! إِنَّ شَأْنَهُ دُونَ مَا يَبْلُغُكَ، فَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْبِئْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ مِنْ شَأْنِهِ قُلْتُ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: مَحْضُ، أَوْسَطِنَا نَسَبًا قَالَ:

(2/647)


فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُول، فَهُوَ يَتَشَبَّهُ بِهِ؟
قُلْتُ: لا: قَالَ: فَهَلْ كَانَ لَهُ فِيكُمْ مُلْكٌ فَاسْتَلَبْتُمُوهُ إِيَّاهُ، فَجَاءَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِتَرُدُّوا عَلَيْهِ مُلْكَهُ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَتْبَاعِهِ مِنْكُمْ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ الضُّعَفَاءُ والمساكين والاحداث من الغلمان والنساء، واما ذو والأسنان وَالشَّرَفِ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمْ يَتَّبِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَمَّنْ تَبِعَهُ، أَيُحِبُّهُ وَيَلْزَمُهُ أَمْ يَقْلِيهِ وَيُفَارِقُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا تَبِعَهُ رَجُلٌ فَفَارَقَهُ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ:
سِجَالٌ يُدَالُ عَلَيْنَا وَنُدَالُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ يَغْدِرُ؟ فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا مِمَّا سَأَلَنِي عَنْهُ أَغْمِزُهُ فِيهِ غَيْرَهَا، قُلْتُ: لا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هُدْنَةٍ، وَلا نَأْمَنُ غدره قال: فو الله مَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا مِنِّي، ثُمَّ كَرَّ عَلِيَّ الْحَدِيثَ.
قَالَ: سَأَلْتُكَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ مَحْضٌ، مِنْ أَوْسَطِكُمْ نَسَبًا، وَكَذَلِكَ يَأْخُذُ اللَّهُ النَّبِيَّ إِذَا أَخَذَهُ، لا يَأْخُذُهُ إِلا مِنْ أَوْسَطِ قَوْمِهِ نَسَبًا.
وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يَقُولُ بِقَوْلِهِ، فَهُوَ يَتَشَبَّهُ بِهِ، فَزَعَمْتَ أَنْ لا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ لَهُ فِيكُمْ مُلْكٌ فَاسْتَلَبْتُمُوهُ إِيَّاهُ، فَجَاءَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَطْلُبُ بِهِ مُلْكَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُمُ الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالأَحْدَاثُ وَالنِّسَاءُ، وَكَذَلِكَ أَتْبَاعُ الأَنْبِيَاءِ فِي كُل زَمَانٍ، وَسَأَلْتُكَ عَمَّنْ يَتَّبِعُهُ، أَيُحِبُّهُ وَيَلْزَمُهُ أم يقليه ويفارقه؟ فزعمت انه لا يَتَّبِعَهُ أَحَدٌ فَيُفَارِقَهُ، وَكَذَلِكَ حَلاوَةُ الإِيمَانِ لا تَدْخُلُ قَلْبًا فَتَخْرُجُ مِنْهُ وَسَأَلْتُكَ:
هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، فَلَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي عَنْهُ لَيَغْلِبَنِّي عَلَى مَا تَحْتَ قَدَمِي هَاتَيْنِ، وَلَوَدَدْتُ أَنِّي عِنْدَهُ فَأَغْسِلُ قَدَمَيْهِ انْطَلِقْ لِشَأْنِكَ قَالَ: فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَأَنَا أَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيَّ بِالأُخْرَى، وَأَقُولُ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ، لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ! أَصْبَحَ مُلُوكُ بَنِي الأَصْفَرِ يَهَابُونَهُ فِي سُلْطَانِهِمْ بِالشَّامِ! قَالَ: وقدم عليه كتاب رسول الله ص مَعَ دِحْيَةَ بْنِ

(2/648)


خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى أَمَّا بَعْدُ: أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ تَتَوَلَّ فَإِنَّ إِثْمَ الأَكَّارِينَ عَلَيْكَ- يَعْنِي تِحْمَالَهُ.
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أخبرني ابو سفيان ابن حَرْبٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رسول الله ص عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، خَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، إِلا أَنَّهُ زَادَ فِي آخِرِهِ: قَالَ: فَأَخَذَ الْكِتَابَ فَجَعَلَهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ وَخَاصِرَتِهِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إِسْحَاق، قَالَ: قَالَ ابْن شهاب الزُّهْرِيّ: حَدَّثَنِي أسقف للنصارى أدركته فِي زمان عَبْد الملك بن مروان، انه ادرك ذلك من امر رسول الله ص وأمر هرقل وعقله، قَالَ: فلما قدم عَلَيْهِ كتاب رسول الله ص مَعَ دحية بْن خليفة، أخذه هرقل، فجعله بَيْنَ فخذيه وخاصرته.
ثُمَّ كتب إِلَى رجل برومية كَانَ يقرأ من العبرانية مَا يقرءونه، يذكر لَهُ أمره، ويصف لَهُ شأنه، ويخبره بِمَا جاء منه، فكتب إِلَيْهِ صاحب رومية: إنه للنبي الَّذِي كُنَّا ننتظره، لا شك فِيهِ، فاتبعه وصدقه.
فأمر هرقل ببطارقة الروم، فجمعوا لَهُ فِي دسكرة، وأمر بِهَا فأشرجت أبوابها عَلَيْهِم، ثُمَّ اطلع عَلَيْهِم من علية لَهُ، وخافهم عَلَى نَفْسه، وَقَالَ: يا معشر الروم، انى قد جمعتكم لخبر، إنه قَدْ أتاني كتاب

(2/649)


هَذَا الرجل يدعوني إِلَى دينه، وَإِنَّهُ والله للنبي الَّذِي كُنَّا ننتظره ونجده فِي كتبنا، فهلموا فلنتبعه ونصدقه، فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا.
قَالَ: فنخروا نخرة رجل واحد، ثُمَّ ابتدروا أبواب الدسكرة ليخرجوا منها فوجدوها قَدْ أغلقت، فَقَالَ: كروهم عَلِي- وخافهم عَلَى نَفْسه- فَقَالَ: يا معشر الروم، إني قَدْ قُلْت لكم المقالة الَّتِي قُلْت لأنظر كَيْفَ صلابتكم عَلَى دينكم لِهَذَا الأمر الَّذِي قَدْ حدث، وَقَدْ رأيت منكم الَّذِي أسر بِهِ، فوقعوا لَهُ سجدا، وأمر بأبواب الدسكرة ففتحت لَهُمْ، فانطلقوا حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لِدِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ حين قدم عليه بكتاب رسول الله ص: وَيْحَكَ! وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَإِنَّهُ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُهُ وَنَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا، وَلَكِنِّي أَخَافُ الرُّومَ عَلَى نَفْسِي، وَلَوْلا ذلك لا تبعته، فاذهب الى صغاطر الأَسْقُفِ فَاذْكُرْ لَهُ أَمْرَ صَاحِبِكُمْ، فَهُوَ وَاللَّهِ أَعْظَمُ فِي الرُّومِ مِنِّي، وَأَجْوَزُ قَوْلا عِنْدَهُمْ منى، فانظر ما يقول لك.
قال: فجاءه دِحْيَةُ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ رَسُولِ الله ص الى هرقل، وبما يدعوه اليه، فقال صغاطر: صَاحِبُكَ وَاللَّهِ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، نَعْرِفُهُ بِصَفَتِهِ، وَنَجِدُهُ فِي كُتُبِنَا بِاسْمِهِ.
ثُمَّ دَخَلَ فَأَلْقَى ثِيَابًا كَانَتْ عَلَيْهِ سُودًا، وَلَبِسَ ثِيَابًا بِيضًا، ثُمَّ أَخَذَ عَصَاهُ، فَخَرَجَ عَلَى الرُّومِ وَهُمْ فِي الْكَنِيسَةِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، إِنَّهُ قَدْ جَاءَنَا كِتَابٌ مِنْ أَحْمَدَ، يَدْعُونَا فِيهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ أَحْمَدَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
قَالَ: فَوَثَبُوا عَلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ فَلَمَّا رَجَعَ

(2/650)


دِحْيَةُ إِلَى هِرَقْلَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ قَالَ: قَدْ قلت لك: انا نخافهم على أنفسنا، فصغاطر- وَاللَّهِ- كَانَ أَعْظَمَ عِنْدَهُمْ وَأَجْوَزَ قَوْلا مِنِّي.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُدَمَاءِ أَهْلِ الشَّامِ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ هِرَقْلُ الْخُرُوجَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، لَمَّا بَلَغَهُ مِنْ أَمْرِ رسول الله ص، جَمَعَ الرُّومَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، إِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ أُمُورًا، فَانْظُرُوا فِيمَ قَدْ أَرَدْتُهَا! قَالُوا: مَا هِيَ؟ قَالَ: تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، إِنَّا نَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا نَعْرِفُهُ بِصِفَتِهِ الَّتِي وُصِفَ لَنَا، فَهَلُمَّ فَلْنَتَّبِعْهُ، فَتَسْلَمَ لَنَا دُنْيَانَا وَآخِرَتَنَا، فَقَالُوا: نَحْنُ نَكُونُ تَحْتَ يَدَيِ الْعَرَبِ، وَنَحْنُ أَعْظَمُ النَّاسِ مُلْكًا، وَأَكْثَرُهُمْ رِجَالا، وَأَفْضَلُهُمْ بَلَدًا! قَالَ: فَهَلُمَّ فأعطيه الجزية في كل سنه، اكسروا عَنِّي شَوْكَتَهُ وَأَسْتَرِيحُ مِنْ حَرْبِهِ بِمَالٍ أُعْطِيهِ إِيَّاهُ، قَالُوا: نَحْنُ نُعْطِي الْعَرَبَ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ، بِخَرْجٍ يَأْخُذُونَهُ مِنَّا، وَنَحْنُ أَكْثَرُ النَّاسِّ عَدَدًا، وَأَعْظَمُهُمْ مُلْكًا، وَأَمْنَعُهُمْ بَلَدًا، لا وَاللَّهِ لا نَفْعَلُ هَذَا أَبَدًا.
قَالَ: فَهَلُمَّ فَلأُصَالِحْهُ عَلَى أَنْ أُعْطِيَهُ أَرْضَ سُورِيَةَ، وَيَدَعَنِي وَأَرْضَ الشَّامِ- قَالَ: وَكَانَتْ أَرْضُ سُورِيَةَ أَرْضَ فِلَسْطِينَ وَالأُرْدُنَ وَدِمَشْقَ وَحِمْصَ وَمَا دُونَ الدَّرْبِ مِنْ أَرْضِ سُورِيَةَ، وَكَانَ مَا وَرَاءَ الدَّرْبِ عِنْدَهُمُ الشَّامَ- فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ نُعْطِيهِ أَرْضَ سُورِيَةَ، وَقَدْ عُرِفَتْ أَنَّهَا سُرَّةُ الشَّامِ، وَاللَّهِ لا نَفْعَلُ هَذَا أَبَدًا.
فَلَمَّا أَبَوْا عَلَيْهِ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَتَرَوْنَ أَنَّكُمْ قَدْ ظَفِرْتُمْ إِذَا امْتَنَعْتُمْ مِنْهُ فِي مَدِينَتِكُمْ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى بَغْلٍ لَهُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الدَّرْبِ اسْتَقْبَلَ أَرْضَ الشَّامِ، ثُمَّ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَرْضَ سُورِيَةَ تَسْلِيمُ الْوَدَاعِ، ثُمَّ رَكَضَ حَتَّى دخل القسطنطينية

(2/651)


قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله ص شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ، أَخَا بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ، صَاحِبِ دِمَشْقَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَتَبَ إِلَيْهِ مَعَهُ: سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِهِ إِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ يَبْقَى لَكَ مُلْكُكَ فَقَدِمَ بِهِ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَنْ يَنْزِعُ مِنِّي مُلْكِي! أَنَا سَائِرٌ إِلَيْهِ، [قَالَ النَّبِيُّ ص: بَادَ مُلْكُهُ!] حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: بَعَثَ رسول الله ص عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِي شَأْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ الأَصْحَمِ مَلِكِ الْحَبَشَةِ، سِلْمٌ أَنْتَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الْمَلِكَ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عيسى بن مَرْيَمَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْبَتُولِ الطَّيِّبَةِ الْحَصِينَةِ، فَحَمَلَتْ بِعِيسَى، فَخَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ رُوحِهِ وَنَفْخِهِ كَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَنَفْخِهِ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَالْمُوَالاةِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَأَنْ تَتَّبِعَنِي وَتُؤْمِنَ بِالَّذِي جَاءَنِي، فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ ابْنَ عَمِّي جَعْفَرًا وَنَفَرًا مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا جَاءَكَ فَأَقِرَّهُمْ، وَدَعِ التَّجَبُّرَ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ وَجُنُودَكَ إِلَى اللَّهِ، فَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ، فَاقْبَلُوا نُصْحِي، وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى.
فكتب النجاشى الى رسول الله ص: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، مِنَ النَّجَاشِيِّ الأَصْحَمِ بْنِ أَبْجَرَ سَلامٌ عليك

(2/652)


يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، مِنَ اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، الَّذِي هَدَانِي إِلَى الإِسْلامِ أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا ذَكَرْتَ مِنْ امر عيسى، فو رب السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ عِيسَى مَا يَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرْتَ ثُفْرُوقًا، إِنَّهُ كَمَا قُلْتَ، وَقَدْ عَرَفْنَا مَا بُعِثْتَ بِهِ إِلَيْنَا، وَقَدْ قَرَيْنَا ابْنَ عَمِّكَ وَأَصْحَابَهُ، فَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَادِقًا مُصَدِّقًا، وَقَدْ بَايَعْتُكَ وَبَايَعْتُ ابْنَ عَمِّكَ، وَأَسْلَمْتُ عَلَى يَدَيْهِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ بعثت إليك بابني ارها بن الأصحم ابن أَبْجَرَ، فَإِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ آتِيَكَ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ مَا تَقُولُ حَقٌّ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذُكِرَ لِي أَنَّ النَّجَاشِيَّ بَعَثَ ابْنَهُ فِي ستين من الحبشه في سفينه، فإذ كَانُوا فِي وَسَطٍ مِنَ الْبَحْرِ غَرِقَتْ بِهِمْ سَفِينَتُهُمْ، فَهَلَكُوا.
وَحُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، قال: ارسل رسول الله ص إِلَى النَّجَاشِيِّ لِيُزَوِّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَيَبْعَثَ بِهَا إِلَيْهِ مَعَ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ إِلَى أُمِّ حَبِيبَةَ يخبرها بخطبه رسول الله ص إِيَّاهَا جَارِيَةً لَهُ يُقَالُ لَهَا أَبْرَهَةُ، فَأَعْطَتْهَا أَوْضَاحًا لَهَا وَفَتَخًا، سُرُورًا بِذَلِكَ، وَأَمَرَهَا أَنْ تُوَكِّلَ مَنْ يُزَوِّجَهَا، فَوَكَّلَتْ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَزَوَّجَهَا، فَخَطَبَ النَّجَاشِيُّ عَلَى رَسُولِ الله ص، وَخَطَبَ خَالِدٌ فَأَنْكَحَ أُمَّ حَبِيبَةَ، ثُمَّ دَعَا النجاشى بأربعمائة دِينَارٍ صَدَاقِهَا، فَدَفَعَهَا إِلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، فَلَمَّا جَاءَتْ أُمَّ حَبِيبَةَ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ، قَالَ: جَاءَتْ بِهَا أَبْرَهَةُ فَأَعْطَتْهَا خَمْسِينَ مِثْقَالا، وَقَالَتْ: كُنْتُ أَعْطَيْتُكِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا

(2/653)


فقالت أبرهة: قد أمرني الملك الا آخُذَ مِنْكِ شَيْئًا، وَأَنْ أَرُدَّ إِلَيْكِ الَّذِي أخذت منك، فرددته وَأَنَا صَاحِبَةُ دُهْنِ الْمَلِكِ وَثِيَابِهِ، وَقَدْ صَدَّقْتُ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ وَآمَنْتُ بِهِ، وَحَاجَتِي إِلَيْكِ أَنْ تُقْرِئِيهِ مِنِّي السَّلامَ.
قَالَتْ: نَعَمْ، وَقَدْ أَمَرَ الْمَلِكُ نِسَاءَهُ أَنْ يَبْعَثْنَ إِلَيْكِ بِمَا عِنْدَهُنَّ مِنْ عُودٍ وَعَنْبَرٍ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَرَاهُ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا فَلا يُنْكِرُهُ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَخَرَجْنَا فِي سَفِينَتَيْنِ، وَبَعَثَ مَعَنَا النَّوَاتِيَّ حَتَّى قَدِمْنَا الْجَارَ، ثُمَّ رَكِبْنَا الظُّهُرَ إِلَى المدينة، فوجدنا رسول الله ص بِخَيْبَرَ، فَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ إِلَيْهِ، وَأَقَمْتُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ، فَكَانَ يُسَائِلُنِي عَنِ النَّجَاشِيِّ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَبْرَهَةَ السلام، فرد رسول الله ص عَلَيْهَا، وَلَمَّا جَاءَ أَبَا سُفْيَانَ تَزْوِيجُ النَّبِيِّ ص أم حبيبه قال: ذلك الفحل لا يقدع انفه.
وفيها كتب رسول الله ص إِلَى كِسْرَى، وَبَعَثَ الْكِتَابَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى، وَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْمَجُوسِ.
فَمَزَّقَ كِتَابَ رسول الله ص، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مُزِّقَ مُلْكُهُ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، إِلَى كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ مَلِكُ فَارِسٍ وَكَتَبَ مَعَهُ:
بِسْمِ الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ

(2/654)


لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَدْعُوكَ بِدُعَاءِ اللَّهِ، فَإِنِّي أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً لأُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ، فَأَسْلَمَ تَسْلَمْ، فَإِنْ أَبَيْتَ، فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ.
فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، وَقَالَ: يَكْتُبُ إِلَيَّ هَذَا وَهُوَ عَبْدِي! حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، [أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ قَدِمَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص عَلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ شَقَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله: مُزِّقَ مُلْكُهُ! حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُ شَقَّ كِتَابَهُ] .
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ كِسْرَى إِلَى بَاذَانَ، وَهُوَ عَلَى الْيَمَنِ: أَنِ ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بِالْحِجَازِ رَجُلَيْنِ مِنْ عِنْدِكَ جَلْدَيْنِ، فَلْيَأْتِيَانِي بِهِ، فَبَعَثَ بَاذَانَ قَهْرَمَانَهُ وَهُوَ بَابَوَيْهِ- وَكَانَ كَاتِبًا حَاسِبًا بِكِتَابِ فَارِسَ- وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلا مِنَ الْفُرْسِ يُقَالُ لَهُ خرخسرهُ، وَكَتَبَ معهما الى رسول الله ص يَأْمُرُهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَعَهُمَا إِلَى كِسْرَى، وَقَالَ لِبَابَوَيْهِ: ائْتِ بَلَدَ هَذَا الرَّجُلِ، وَكَلِّمْهُ وَأْتِنِي بِخَبَرِهِ، فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الطَّائِفَ فَوَجَدَا رِجَالا مِنْ قُرَيْشٍ بِنَخْبٍ مِنْ أَرْضِ الطَّائِفِ فَسَأَلاهُمْ عَنْهُ، فَقَالُوا: هُوَ بِالْمَدِينَةِ، وَاسْتَبْشَرُوا بِهِمَا وَفَرِحُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَبْشِرُوا فَقَدْ نَصَبَ لَهُ كِسْرَى مَلِكُ الْمُلُوكِ، كُفِيتُمُ الرَّجُلَ! فَخَرَجَا حَتَّى قدما على رسول الله ص، فكلمه بابويه، فقال: ان شاهانشاه مَلِكَ الْمُلُوكِ كِسْرَى، قَدْ كَتَبَ إِلَى الْمَلِكِ بَاذَانَ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْكَ مَنْ يَأْتِيهِ بِكَ، وَقَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِتَنْطَلِقَ مَعِي، فَإِنْ فَعَلْتَ كَتَبَ فِيكَ إِلَى مَلِكِ الْمُلُوكِ يَنْفَعُكَ وَيَكُفُّهُ عَنْكَ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَهُوَ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ! فَهُوَ مُهْلِكُكَ وَمُهْلِكُ قَوْمِكَ، وَمُخَرِّبُ بِلادِكَ، ودخلا على رسول الله ص وَقَدْ حَلَقَا لِحَاهُمَا، وَأَعْفَيَا شَوَارِبَهُمَا، فَكَرِهَ النَّظَرَ إليهما، ثم

(2/655)


أَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: وَيْلَكُمَا! مَنْ أَمَرَكُمَا بِهَذَا؟ قَالا: أَمَرَنَا بِهَذَا رَبُّنَا- يَعْنِيَانِ كِسْرَى-[فَقَالَ رسول الله: لَكِنَّ رَبِّي قَدْ أَمَرَنِي بِإِعْفَاءِ لِحْيَتِي وَقَصِّ شَارِبِي] .
ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: ارْجِعَا حَتَّى تَأْتِيَانِي غدا، واتى رسول الله ص الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَلَّطَ عَلَى كِسْرَى ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ، فَقَتَلَهُ فِي شَهْرِ كَذَا وَكَذَا لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا مِنَ اللَّيْلِ، بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ، سَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ فَقَتَلَهُ.
- قَالَ الواقدي: قَتَلَ شِيرَوَيْهِ أَبَاهُ كِسْرَى لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ لِسِتِّ سَاعَاتٍ مَضَتْ مِنْهَا- رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ.
فَدَعَاهُمَا فَأَخْبَرَهُمَا، فَقَالا: [هَلْ تَدْرِي مَا تَقُولُ! إِنَّا قَدْ نَقِمْنَا عَلَيْكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ هَذَا، أَفَنَكْتُبُ هَذَا عَنْكَ، وَنُخْبِرُهُ الْمَلِكَ! قَالَ: نَعَمْ، أَخْبِرَاهُ ذَلِكَ عَنِّي، وَقُولا لَهُ: إِنَّ دِينِي وَسُلْطَانِي سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى، وَيَنْتَهِي إِلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ، وَقُولا لَهُ: إِنَّكَ إِنْ أَسْلَمْتَ أَعْطَيْتُكَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ، وَمَلَّكْتُكَ عَلَى قَوْمِكَ مِنَ الأَبْنَاءِ، ثُمَّ أَعْطَى خرخسرهَ مِنْطَقَةً فِيهَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، كَانَ أَهْدَاهَا لَهُ بَعْضُ الْمُلُوكِ] .
فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى قَدِمَا عَلَى بَاذَانَ، فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هَذَا بِكَلامِ مَلِكٍ، وَإِنِّي لأَرَى الرَّجُلَ نَبِيًّا كَمَا يَقُولُ، وَلْنَنْظُرَنَّ مَا قَدْ قَالَ، فَلَئِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا مَا فِيهِ كَلامٌ، إِنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَنَرَى فِيهِ رَأْيَنَا.
فَلَمْ يَنْشَبْ بَاذَانَ أَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ كِتَابُ شِيرَوَيْهِ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ كِسْرَى، وَلَمْ أَقْتُلْهُ إِلا غَضَبًا لِفَارِسَ لِمَا كَانَ اسْتَحَلَّ مِنْ قَتْلِ أَشْرَافِهِمْ وَتَجْمِيرِهِمْ فِي ثُغُورِهِمْ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَخُذْ لِي الطَّاعَةَ مِمَّنْ قِبَلَكَ، وَانْظُرِ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ كِسْرَى كَتَبَ فِيهِ إِلَيْكَ فَلا تُهِجْهُ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي فِيهِ.
فَلَمَّا انْتَهَى كِتَابُ شِيرَوَيْهِ إِلَى بَاذَانَ قَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَرَسُولٌ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَتِ الأَبْنَاءُ مَعَهُ مِنْ فَارِسَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ، فَكَانَتْ حمير تقول

(2/656)


لِخرخسرهَ: ذُو الْمُعْجِزَةِ، لِلْمِنْطَقَةِ الَّتِي أَعْطَاهُ إِيَّاهَا رسول الله ص- وَالْمِنْطَقَةُ بِلِسَانِ حِمْيَرَ الْمُعْجِزَةُ- فَبَنُوهُ الْيَوْمَ يُنْسَبُونَ إِلَيْهَا خرخسرهَ ذُو الْمُعْجِزَةِ.
وَقَدْ قَالَ بَابُوَيْهِ لِبَاذَانَ: مَا كَلَّمْتُ رَجُلا قَطُّ أَهْيَبَ عِنْدِي مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ بَاذَانُ: هَلْ مَعَهُ شُرَطٌ؟ قَالَ: لا.
قَالَ الواقدي: وَفِيهَا كَتَبَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ عَظِيمِ الْقِبْطِ، يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ فَلَمْ يُسْلِمْ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ الله ص مِنْ غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَقَامَ بِهَا ذَا الْحَجَّةِ وَبَعْضَ الْمُحَرَّمِ- فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حميد قال:
حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق.
قَالَ: وَوَلِيَ الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ الْمُشْرِكُونَ

(2/657)