تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
. تَوَجُّعُ عَلِيٍّ عَلَى قَتْلَى
الْجَمَلِ وَدَفْنِهِمْ وَجَمْعُهُ مَا كَانَ فِي الْعَسْكَرِ
وَالْبَعْثُ بِهِ إِلَى الْبَصْرَةِ
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سيف، عن محمد وطلحة،
قالا:
وَأَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي عَسْكَرِهِ ثَلاثَةَ
أَيَّامٍ لا يَدْخُلُ الْبَصْرَةَ، وَنَدَبَ النَّاسَ إِلَى
مَوْتَاهُمْ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِمْ فَدَفَنُوهُمْ، [فَطَافَ عَلِيٌّ
مَعَهُمْ فِي الْقَتْلَى، فَلَمَّا أُتِيَ بِكَعْبِ بْنِ سُورٍ قَالَ:
زَعَمْتُمْ أَنَّمَا خَرَجَ مَعَهُمُ السُّفَهَاءُ، وَهَذَا الْحِبْرُ
قَدْ تَرَوْنَ] [وَأَتَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابٍ
فَقَالَ: هَذَا يَعْسُوبُ الْقَوْمِ- يَقُولُ الَّذِي كَانُوا
يُطِيفُونَ بِهِ- يَعْنِي أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا اجْتَمَعُوا
عَلَيْهِ، وَرَضَوْا بِهِ لِصَلاتِهِمْ] وَجَعَلَ عَلِيٌّ كُلَّمَا
مَرَّ بِرَجُلٍ فِيهِ خَيْرٌ قَالَ: زَعَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ
يَخْرُجْ إِلَيْنَا إِلا الْغَوْغَاءُ، هَذَا الْعَابِدُ الْمُجْتَهِدُ
وَصَلَّى عَلَى قَتْلاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَعَلَى
قَتْلاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَصَلَّى عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ
هؤلاء وهؤلاء، فكانوا مَدَنِيِّينَ وَمَكِّيِّينَ، وَدَفَنَ عَلِيٌّ
الأَطْرَافَ فِي قَبْرٍ عظيم، وجمع ما كان في العسكر من شَيْءٍ، ثُمَّ
بَعَثَ بِهِ إِلَى مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، أَنَّ مَنْ عَرَفَ شَيْئًا
فَلْيَأْخُذْهُ، إِلا سِلاحًا كَانَ فِي الْخَزَائِنِ عَلَيْهِ سِمَةُ
السُّلْطَانِ، فَإِنَّهُ لما بَقِيَ لَمْ يُعْرَفْ، خُذُوا مَا
أَجْلَبُوا بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لا يحل
لمسلم
(4/538)
مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ الْمُتَوَفَّى
شَيْءٍ، وَإِنَّمَا كَانَ ذلك السلاح في ايديهم من غير تنفيل مِنَ
السُّلْطَانِ
. عدد قتلى الجمل
كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وَطَلْحَةَ، قَالا:
كَانَ قتلى الجمل حول الجمل عشرة آلاف، نصفهم من أَصْحَاب علي، ونصفهم
من أَصْحَاب عَائِشَة، من الأزد ألفان، ومن سائر اليمن خمسمائة، ومن
مضر الفان، وخمسمائة من قيس، وخمسمائة من تميم، والف من بنى ضبة،
وخمسمائة من بكر بن وائل وقيل: قتل من أهل الْبَصْرَة فِي المعركة
الأولى خمسة آلاف، وقتل من أهل الْبَصْرَة فِي المعركة الثانية خمسة
آلاف، فذلك عشرة آلاف قتيل من أهل الْبَصْرَة، ومن أهل الْكُوفَة خمسة
آلاف.
قَالا: وقتل من بني عدي يَوْمَئِذٍ سبعون شيخا، كلهم قَدْ قرأ القرآن،
سوى الشباب ومن لم يقرأ القرآن.
وقالت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا زلت أرجو النصر حَتَّى
خفيت أصوات بني عدي
. دخول علي عَلَى عَائِشَة وما أمر بِهِ من العقوبة فيمن تناولها
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ
مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا:
وَدَخَلَ عَلِيٌّ الْبَصْرَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، فَانْتَهَى إِلَى
الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَصْرَةَ، فَأَتَاهُ
النَّاسُ، ثُمَّ رَاحَ إِلَى عَائِشَةَ عَلَى بَغْلَتِهِ، فَلَمَّا
انْتَهَى إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ وَهِيَ أَعْظَمُ
دَارٍ بِالْبَصْرَةِ، وَجَدَ النِّسَاءَ يَبْكِينَ عَلَى عَبْدِ
اللَّهِ وَعُثْمَانَ ابْنَيْ خَلَفٍ مَعَ عَائِشَةَ، وَصَفِيَّةُ
ابْنَةُ الْحَارِثِ مُخْتَمِرَةٌ تَبْكِي، فَلَمَّا
(4/539)
رَأَتْهُ قَالَتْ: يَا عَلِيُّ، يَا
قَاتِلَ الأَحِبَّةِ، يَا مُفَرِّقَ الْجَمْعِ، أَيْتَمَ اللَّهُ
بَنِيكَ مِنْكَ كَمَا أَيْتَمْتَ وَلَدَ عَبْدِ اللَّهِ مِنْهُ! فَلَمْ
يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى حَالِهِ حَتَّى دَخَلَ
عَلَى عَائِشَةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، وَقَعَدَ عِنْدَهَا، وَقَالَ
لَهَا: جَبَهَتْنَا صَفِيَّةُ، أَمَا إِنِّي لَمْ أَرَهَا مُنْذُ
كَانَتْ جَارِيَةً حَتَّى الْيَوْمَ، فَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ
أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ الْكَلامَ، فَكَفَّ
بَغْلَتَهُ وَقَالَ: أَمَا لَهَمَمْتُ- وَأَشَارَ إِلَى الأَبْوَابِ
مِنَ الدَّارِ- أَنْ أَفْتَحَ هَذَا الْبَابَ وَأَقْتُلَ مَنْ فِيهِ،
ثُمَّ هَذَا فَأَقْتُلَ مَنْ فِيهِ، ثُمَّ هَذَا فَأَقْتُلَ مَنْ
فِيهِ- وَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ الْجَرْحَى قَدْ لَجَئُوا إِلَى
عَائِشَةَ، فَأُخْبِرَ عَلِيٌّ بِمَكَانِهِمْ عِنْدَهَا، فَتَغَافَلَ
عَنْهُمْ- فَسَكَتَتْ [فَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الأَزْدِ: وَاللَّهِ لا تَفْلِتَنَا هَذِهِ الْمَرْأَةُ فَغَضِبَ
وَقَالَ: صَه! لا تَهْتِكَنَّ سِتْرًا، وَلا تَدْخُلَنَّ دَارًا، وَلا
تُهَيِّجَنَّ امْرَأَةً بِأَذًى، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وسفهن
أمراءكم وصلحاءكم، فإنهن ضِعَافٌ، وَلَقَدْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِالْكَفِّ
عَنْهُنَّ، وَإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُكَافِئَ
الْمَرْأَةَ وَيَتَنَاوَلَهَا بِالضَّرْبِ فَيُعَيَّرَ بِهَا عَقِبُهُ
مِنْ بَعْدِهِ، فَلا يَبْلُغَنِّي عَنْ أَحَدٍ عَرَضَ لامْرَأَةٍ
فَأُنَكِّلَ بِهِ شِرَارَ النَّاسِ] وَمَضَى عَلِيٌّ، فَلَحِقَ بِهِ
رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَامَ رَجُلانِ مِمَّنْ
لَقِيتَ عَلَى الْبَابِ، فَتَنَاوَلا مَنْ هُوَ أَمض لَكَ شَتِيمَةً
مِنْ صَفِيَّةَ قَالَ: وَيْحَكَ! لَعَلَّهَا عَائِشَةُ قَالَ: نَعَمْ،
قَامَ رَجُلانِ مِنْهُمْ عَلَى بَابِ الدار فقال أحدهما:
جزيت عنا أمنا عَقُوقًا.
وَقَالَ الآخَرُ:
يَا أُمَّنَا تُوبِي فَقَدْ خَطِيتِ.
فَبَعَثَ الْقَعْقَاعَ بْنَ عَمْرٍو إِلَى الْبَابِ، فَأَقْبَلَ بِمَنْ
كَانَ عَلَيْهِ، فَأَحَالُوا عَلَى رَجُلَيْنِ، فَقَالَ: أَضْرِبُ
أَعْنَاقَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: لأُنْهِكَنَّهُمَا عُقُوبَةً
فَضَرَبَهُمَا مِائَةً مِائَةً، وَأَخْرَجَهُمَا مِنْ ثِيَابِهِمَا.
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الحارث بن حصيره، عن ابى
الكنود، قال: هما رجلان من أزد الْكُوفَة يقال لهما عجل وسعد ابنا
عَبْد اللَّهِ
(4/540)
بيعة أهل الْبَصْرَة عَلِيًّا وقسمه مَا
فِي بيت المال عَلَيْهِم
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا:
بايع الأحنف من العشي لأنه كَانَ خارجا هُوَ وبنو سعد، ثُمَّ دخلوا
جميعا الْبَصْرَة، فبايع أهل الْبَصْرَة عَلَى راياتهم، وبايع علي أهل
الْبَصْرَة حَتَّى الجرحى والمستأمنة، فلما رجع مَرْوَان لحق بمعاوية
وَقَالَ قائلون: لم يبرح الْمَدِينَة حَتَّى فرغ من صفين.
قَالا: [ولما فرغ علي من بيعة أهل الْبَصْرَة نظر في بيت المال فإذا
فيه ستمائه ألف وزيادة، فقسمها عَلَى من شهد مَعَهُ الوقعه، فأصاب كل
رجل منهم خمسمائة خمسمائة، وَقَالَ: لكم إن أظفركم اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ بِالشَّامِ مثلها إِلَى أعطياتكم] وخاض فِي ذَلِكَ السبئية،
وطعنوا عَلَى علي من وراء وراء
. سيرة علي فيمن قاتل يوم الجمل
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مُحَمَّدِ بْنِ راشد، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ من سيرة علي أَلا يقتل مدبرا وَلا يذفف عَلَى
جريح، وَلا يكشف سترا، وَلا يأخذ مالا، [فَقَالَ قوم يَوْمَئِذٍ: مَا
يحل لنا دماءهم، ويحرم علينا أموالهم؟ فَقَالَ علي: القوم أمثالكم، من
صفح عنا فهو منا، ونحن مِنْهُ، ومن لج حَتَّى يصاب فقتاله مني عَلَى
الصدر والنحر، وإن لكم فِي خمسه لغنى،] فيومئذ تكلمت الخوارج
. بعثة الأَشْتَر إِلَى عَائِشَة بجمل اشتراه لها وخروجها مِنَ
الْبَصْرَةِ إِلَى مكة
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ
عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا فَرَغُوا يوم
(4/541)
الْجَمَلِ أَمَرَنِي الأَشْتَرُ
فَانْطَلَقْتُ فَاشْتَرَيْتُ لَهُ جَمَلا بسبعمائة دِرْهَمٍ مِنْ
رَجُلٍ مِنْ مِهْرَةَ، فَقَالَ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى عَائِشَةَ فَقُلْ
لَهَا: بَعَثَ بِهِ إليك الاشتر مالك ابن الْحَارِثِ، وَقَالَ: هَذَا
عِوَضٌ مِنْ بَعِيرِكِ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ:
مَالِكٌ يُقْرِئُكِ السَّلامَ وَيَقُولُ: ان هذا البعير مكان بعيرك،
قالت: لاسلم اللَّهُ عَلَيْهِ، إِذْ قَتَلَ يَعْسُوبَ الْعَرَبِ-
تَعْنِي ابْنَ طَلْحَةَ- وَصَنَعَ بِابْنِ أُخْتِي مَا صَنَعَ! قَالَ:
فَرَدْدَتْهُ إِلَى الأَشْتَرِ، وَأَعْلَمَتْهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَ
ذِرَاعَيْنِ شَعْرَاوَيْنِ، وَقَالَ: أَرَادُوا قَتْلِي فَمَا
أَصْنَعُ! كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ،
قَالا:
قَصَدَتْ عَائِشَةُ مَكَّةَ فَكَانَ وَجْهَهَا مِنَ الْبَصْرَةِ،
وَانْصَرَفَ مَرْوَانُ وَالأَسْوَدُ بْنُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ إِلَى
الْمَدِينَةِ مِنَ الطَّرِيقِ، وَأَقَامَتْ عَائِشَةُ بِمَكَّةَ إِلَى
الْحَجِّ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ
. مَا كَتَبَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْفَتْحِ إِلَى
عَامِلِهِ بِالْكُوفَةِ
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا:
وَكَتَبَ عَلِيٌّ بِالْفَتْحِ إِلَى عَامِلِهِ بِالْكُوفَةِ حِينَ
كَتَبَ فِي أَمْرِهَا وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ:
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا بَعْدُ،
فَإِنَّا الْتَقَيْنَا فِي النِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ
بِالْخُرَيْبَةِ- فِنَاءٌ مِنْ أَفْنِيَةِ الْبَصْرَةِ- فَأَعْطَاهُمُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ مِنَّا
وَمِنْهُمْ قَتْلَى كَثِيرَةً، وَأُصِيبَ مِمَّنْ أُصِيبَ مِنَّا
ثُمَامَةُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَهِنْدُ بْنُ عَمْرٍو، وَعِلْبَاءُ بْنُ
الْهَيْثَمِ، وَسَيْحَانُ وَزَيْدٌ ابْنَا صُوحَانَ، وَمَحْدُوجٌ.
وَكَتَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ وَكَانَ الرَّسُولَ زُفَرُ
بْنُ قَيْسٍ إِلَى الْكُوفَةِ بِالْبِشَارَةِ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ
(4/542)
|