تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
. ولاية مُحَمَّد بن أبي بكر مصر
قَالَ هِشَام، عن ابن مخنف: فَحَدَّثَنِي الْحَارِث بن كعب الوالبي- من
والبة الأزد- عَنْ أَبِيهِ، أن عَلِيًّا كتب مَعَهُ إِلَى أهل مصر
كتابا، فلما قدم بِهِ عَلَى قيس قَالَ لَهُ قيس: مَا بال أَمِير
الْمُؤْمِنِينَ! مَا غيره؟ أدخل أحد بيني وبينه؟ قَالَ لَهُ: لا، وهذا
السلطان سلطانك؟! قَالَ: لا، وَاللَّهِ لا أقيم معك ساعة واحدة وغضب
حين عزله، فخرج منها مقبلا إِلَى الْمَدِينَة، فقدمها، فجاءه حسان بن
ثَابِت شامتا بِهِ- وَكَانَ حسان عثمانيا- فَقَالَ لَهُ:
نزعك عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ قتلت عُثْمَان فبقي عَلَيْك
الإثم، ولم يحسن لك الشكر! فَقَالَ لَهُ قيس بن سَعْد: يَا أعمى القلب
والبصر، وَاللَّهِ لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حربا لضربت عنقك، اخرج
عني.
ثُمَّ إن قيسا خرج هُوَ وسهل بن حنيف حَتَّى قدما عَلَى علي، فخبره
قيس، فصدقه علي ثُمَّ إن قيسا وسهلا شهدا مع علي صفين.
وأما الزُّهْرِيّ، فإنه قَالَ فِيمَا حَدَّثَنِي بِهِ عَبْد اللَّهِ بن
أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَان،
قَالَ: حدثني عَبْدُ اللَّهِ، عن يونس، عن الزُّهْرِيّ، أن مُحَمَّد بن
أبي بكر قدم مصر وخرج قيس فلحق بِالْمَدِينَةِ، فأخافه مَرْوَان
والأسود بن أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، حَتَّى إذا خاف أن يؤخذ أو يقتل، ركب
راحلته، فظهر إِلَى علي فبعث مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان والأسود يتغيظ
عليهما، ويقول: أمددتما عليا بقيس بن سعد ورأيه ومكانه، فو الله لو
أنكما أمددتماه بمائة ألف مقاتل مَا كَانَ ذَلِكَ بأغيظ لي من إخراجكما
قيس بن سَعْد إِلَى علي فقدم قيس بن سَعْد عَلَى علي، فلما باثه الحديث
وجاءهم قتل محمد ابن أبي بكر، عرف أن قيس بن سَعْد كَانَ يقاسي أمورا
عظاما من المكايدة، وأن من كَانَ يهزه عَلَى عزل قيس بن سَعْدٍ لم ينصح
لَهُ، فأطاع علي قيس ابن سَعْد فِي الأمر كله
(4/555)
قَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بن كعب الوالبي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كنت مع مُحَمَّد بن أبي بكر حين قدم مصر، فلما قدم قرأ عَلَيْهِم عهده:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا عَهِدَ عَبْد
اللَّهِ علي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى مُحَمَّد بن أبي بكر حين
ولاه مصر، وأمره بتقوى اللَّه والطاعة فِي السر والعلانية، وخوف اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ فِي الغيب والمشهد، وباللين عَلَى الْمُسْلِمِينَ،
وبالغلظة عَلَى الفاجر، وبالعدل عَلَى أهل الذمة، وبإنصاف المظلوم،
وبالشدة عَلَى الظالم، وبالعفو عن الناس، وبالإحسان مَا استطاع،
وَاللَّهِ يجزي المحسنين، ويعذب المجرمين وأمره أن يدعو من قبله إِلَى
الطاعة والجماعة، فإن لَهُمْ في ذلك من العاقبه وعظيم المثوبه ما لا
يقدرون قدره، وَلا يعرفون كنهه، وأمره أن يجبي خراج الأرض عَلَى مَا
كَانَتْ تجبى عَلَيْهِ من قبل، لا ينتقص مِنْهُ وَلا يبتدع فِيهِ،
ثُمَّ يقسمه بين أهله عَلَى مَا كَانُوا يقسمون عَلَيْهِ من قبل، وأن
يلين لَهُمْ جناحه، وأن يواسي بينهم فِي مجلسه ووجهه، وليكن القريب
والبعيد فِي الحق سواء وأمره أن يحكم بين الناس بالحق، وأن يقوم
بالقسط، وَلا يتبع الهوى، وَلا يخف فِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لومة
لائم، فإن اللَّه جل ثناؤه مع من اتقى وآثر طاعته وأمره عَلَى مَا سواه
وكتب عبيد اللَّهِ بن أبي رافع مولى رَسُول اللَّهِ ص لغرة شهر رمضان.
قَالَ: ثُمَّ إن مُحَمَّد بن أبي بكر قام خطيبا، فَحَمِدَ اللَّهَ
وأثنى عليه، ثم قال: الحمد لله الَّذِي هدانا وإياكم لما اختلف فِيهِ
من الحق، وبصرنا وإياكم كثيرا مما عمي عنه الجاهلون أَلا إن أَمِير
الْمُؤْمِنِينَ ولاني أموركم، وعهد إلي مَا قَدْ سمعتم، وأوصاني بكثير
مِنْهُ مشافهة، ولن آلوكم خيرا مَا استطعت، «وَما تَوْفِيقِي إِلَّا
بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» ، فإن يكن مَا
ترون من إمارتي وأعمالي طاعة لِلَّهِ وتقوى، فاحمدوا اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ عَلَى مَا كَانَ
(4/556)
من ذَلِكَ، فإنه هُوَ الهادي، وإن رأيتم
عاملا عمل غير الحق زائغا، فارفعوه إلي، وعاتبوني فِيهِ، فإني بِذَلِكَ
أسعد، وَأَنْتُمْ بِذَلِكَ جديرون وفقنا اللَّه وإياكم لصالح الأعمال
برحمته، ثُمَّ نزل.
وذكر هِشَام، عن أبي مخنف، قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيد بن ظبيان
الهمداني، أن مُحَمَّد بن أبي بكر كتب إِلَى مُعَاوِيَةَ بن أَبِي
سُفْيَانَ لما ولي، فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فِيهِ مما
لا يحتمل سماعها العامة قَالَ: ولم يلبث مُحَمَّد بن أبي بكر شهرا
كاملا حَتَّى بعث إِلَى أُولَئِكَ القوم المعتزلين الَّذِينَ كَانَ قيس
وادعهم فَقَالَ: يَا هَؤُلاءِ، إما أن تدخلوا فِي طاعتنا، وإما أن
تخرجوا من بلادنا، فبعثوا إِلَيْهِ: إنا لا نفعل، دعنا حَتَّى ننظر
إِلَى مَا تصير إِلَيْهِ أمورنا، وَلا تعجل بحربنا فأبى عَلَيْهِم،
فامتنعوا مِنْهُ، وأخذوا حذرهم، فكانت وقعة صفين، وهم لمحمد هائبون،
فلما أتاهم صبر مُعَاوِيَة وأهل الشام لعلي، وأن عَلِيًّا وأهل العراق
قَدْ رجعوا عن مُعَاوِيَة وأهل الشام، وصار أمرهم إِلَى الحكومة،
اجترءوا عَلَى مُحَمَّد بن أبي بكر، وأظهروا لَهُ المبارزة، فلما رَأَى
ذَلِكَ مُحَمَّد بعث الْحَارِث بن جمهان الجعفي إِلَى أهل خربتا، وفيها
يَزِيد بن الْحَارِث من بني كنانة، فقاتلهم، فقتلوه ثُمَّ بعث
إِلَيْهِم رجلا من كلب يدعى ابن مضاهم، فقتلوه.
قَالَ أَبُو جَعْفَر: وفي هَذِهِ السنة فِيمَا قيل: قدم ماهويه مرزبان
مرو مقرا بالصلح الَّذِي كَانَ جرى بينه وبين ابن عَامِر عَلَى علي.
ذكر من قَالَ ذَلِكَ:
قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي
زَكَرِيَّاءَ الْعِجْلانِيِّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ،
قَالَ: قَدِمَ مَاهُوَيْهِ أَبْرَازَ مَرْزُبَانُ مَرْوَ عَلَى عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ الْجَمَلِ مُقِرًّا بِالْصُلْحِ، فَكَتَبَ
لَهُ عَلِيٌّ كِتَابًا إِلَى دَهَاقِينِ مَرْوَ وَالأَسَاوِرَةِ
وَالْجُنْدِ سلارين وَمَنْ كَانَ فِي مَرْوَ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ
الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مَاهُوَيْهِ أَبْرَازَ مَرْزُبَانَ
مَرْوَ جَاءَنِي، وَإِنِّي رَضِيتُ
(4/557)
عَنْهُ وَكَتَبَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ
ثُمَّ إِنَّهُمْ كَفَرُوا وَأَغْلَقُوا أَبْرَشَهْرَ
. توجيه علي خليد بن طريف إِلَى خُرَاسَان
قَالَ عَلِيّ بن مُحَمَّد المدائني: أَخْبَرَنَا أَبُو مخنف، عن حنظلة
بن الأعلم، عن ماهان الحنفي، عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي، قَالَ: بعث
علي خليد بن قرة اليربوعي- ويقال خليد بن طريف- إِلَى خُرَاسَان
. ذكر خبر عَمْرو بن الْعَاصِ ومبايعته مُعَاوِيَة
وفي هَذِهِ السنة- أعني سنة ست وثلاثين- بايع عَمْرو بن الْعَاصِ
مُعَاوِيَة، ووافقه عَلَى محاربة علي، وَكَانَ السبب فِي ذَلِكَ مَا
كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عن سيف، عن محمد وطلحة
وأبي حارثة وَأَبِي عُثْمَانَ، قَالُوا:
لما أحيط بعثمان- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- خرج عَمْرو بن الْعَاصِ مِنَ
الْمَدِينَةِ متوجها نحو الشام، وَقَالَ: وَاللَّهِ يَا أهل
الْمَدِينَة، مَا يقيم بِهَا أحد فيدركه قتل هَذَا الرجل إلا ضربه
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بذل، من لم يستطع نصره فليهرب فسار وسار مَعَهُ
ابناه عَبْد اللَّهِ ومحمد، وخرج بعده حسان بن ثَابِت، وتتابع عَلَى
ذَلِكَ مَا شاء اللَّه.
قَالَ سَيْفٍ، عَنْ أَبِي حَارِثَةَ وَأَبِي عُثْمَانَ، قَالا: بينا
عَمْرو بن الْعَاصِ جالس بعجلان وَمَعَهُ ابناه، إذ مر بهم راكب
فَقَالُوا: من أين؟ قَالَ: مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ عَمْرو: مَا
اسمك؟ قَالَ: حصيرة قَالَ عَمْرو: حصر الرجل، قَالَ: فما الخبر؟ قَالَ:
تركت الرجل محصورا، قَالَ عَمْرو: يقتل ثُمَّ مكثوا أياما، فمر بهم
راكب، فَقَالُوا: من أين؟ قَالَ: مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ عَمْرو: مَا
اسمك؟ قَالَ: قتال، قَالَ عَمْرو: قتل الرجل، فما الخبر؟
قَالَ: قتل الرجل قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَكُنْ إلا ذَلِكَ إِلَى أن خرجت،
ثُمَّ مكثوا أياما، فمر بهم راكب، فَقَالُوا: من أين؟ قَالَ: مِنَ
الْمَدِينَةِ، قال عمرو:
ما اسمك؟ قال: حرب، قال عمرو: يكون حرب، فما الخبر؟ قَالَ: قتل
(4/558)
عُثْمَان بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وبويع لعلي بن أبي طالب، قَالَ عَمْرو:
أنا أَبُو عَبْد اللَّهِ، تكون حرب من حك فِيهَا قرحة نكأها، رحم
اللَّه عُثْمَان ورضي اللَّه عنه، وغفر لَهُ! فَقَالَ سلامة بن زنباع
الجذامي: يَا معشر قريش، إنه وَاللَّهِ قَدْ كَانَ بينكم وبين العرب
باب، فاتخذوا بابا إذ كسر الباب.
فَقَالَ عَمْرو: وذاك الَّذِي نريد وَلا يصلح الباب إلا أشاف تخرج الحق
من حافرة البأس، ويكون الناس فِي العدل سواء، ثُمَّ تمثل عَمْرو فِي
بعض ذَلِكَ:
يَا لهف نفسي عَلَى مالك ... وهل يصرف اللهف حفظ القدر!
أنزع من الحر أودى بهم ... فأعذرهم أم بقومي سكر!
ثُمَّ ارتحل راجلا يبكي كما تبكي المرأة، ويقول: وا عثماناه! أنعى
الحياء والدين! حَتَّى قدم دمشق، وَقَدْ كَانَ سقط إِلَيْهِ من الَّذِي
يكون علم، فعمل عَلَيْهِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن ابى عثمان، قال: كان النبي ص قَدْ
بعث عمرا إِلَى عمان، فسمع هنالك من حبر شَيْئًا، فلما رَأَى مصداقه
وَهُوَ هُنَاكَ أرسل إِلَى ذَلِكَ الحبر، فَقَالَ: حَدِّثْنِي بوفاه
رسول الله ص، وأخبرني من يكون بعده؟ قَالَ: الَّذِي كتب إليك يكون
بعده، ومدته قصيرة، قَالَ: ثُمَّ من؟ قَالَ: رجل من قومه مثله فِي
المنزلة، قَالَ: فما مدته؟ قَالَ: طويلة، ثُمَّ يقتل قال: غيله أم عن
ملا؟ قَالَ: غيلة، قَالَ: فمن يلي بعده؟
قَالَ: رجل من قومه مثله فِي المنزلة، قَالَ: فما مدته؟ قَالَ: طويلة،
ثُمَّ يقتل، قَالَ: أغيلة أم عن ملإ؟ قَالَ: عن ملإ قَالَ: ذَلِكَ أشد،
فمن يلي بعده؟ قَالَ: رجل من قومه ينتشر عليه الناس، وتكون عَلَى رأسه
حرب شديدة بين الناس، ثُمَّ يقتل قبل أن يجتمعوا عَلَيْهِ، قَالَ:
أغيلة أم عن ملا؟ قَالَ: غيلة، ثُمَّ لا يرون مثله قَالَ: فمن يلي
بعده؟ قَالَ:
(4/559)
أَمِير الأرض المقدسة، فيطول ملكه، فيجتمع
أهل تِلَكَ الفرقة وَذَلِكَ الانتشار عَلَيْهِ، ثُمَّ يموت.
وأما الْوَاقِدِيّ، فإنه فِيمَا حَدَّثَنِي مُوسَى بن يَعْقُوب، عَنْ
عَمِّهِ، قَالَ: لما بلغ عمرا قتل عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ: أنا عَبْد اللَّهِ، قتلته وأنا بوادي السباع، من يلي هَذَا
الأمر من بعده! إن يله طَلْحَة فهو فتى العرب سيبا، وإن يله ابن أبي
طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق، وَهُوَ أكره من يليه إلي قَالَ: فبلغه
أن عَلِيًّا قَدْ بويع لَهُ، فاشتد عَلَيْهِ، وتربص أياما ينظر مَا
يصنع الناس، فبلغه مسير طَلْحَة وَالزُّبَيْر وعائشة وَقَالَ: استأني
وأنظر مَا يصنعون، فأتاه الخبر أن طَلْحَة وَالزُّبَيْر قَدْ قتلا،
فأرتج عَلَيْهِ أمره، فَقَالَ لَهُ قائل: إن مُعَاوِيَة بِالشَّامِ لا
يريد ان يبايع لعلى، فلو قاربت مُعَاوِيَة! فكان مُعَاوِيَة أحب
إِلَيْهِ من عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ وقيل لَهُ: إن مُعَاوِيَة يعظم
شأن قتل عُثْمَان بن عَفَّانَ، ويحرض عَلَى الطلب بدمه، فَقَالَ
عَمْرو:
ادعوا لي محمدا وعبد اللَّه، فدعيا لَهُ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ مَا قَدْ
بلغكما من قتل عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبيعة الناس لعلي، وما
يرصد مُعَاوِيَة من مخالفة علي، وَقَالَ: مَا تريان؟ أما علي فلا خير
عنده، وَهُوَ رجل يدل بسابقته، وَهُوَ غير مشركي فِي شَيْءٍ من أمره
فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن عمرو: توفى النبي ص وَهُوَ عنك راض، وتوفي
أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عنك راض، وتوفي عمر رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عنك راض، أَرَى أن تكف يدك، وتجلس فِي بيتك،
حَتَّى يجتمع الناس عَلَى إمام فتبايعه وَقَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو:
أنت ناب من أنياب العرب، فلا أَرَى أن يجتمع هَذَا الأمر وليس لك فِيهِ
صوت وَلا ذكر قَالَ عَمْرو: أما أنت يَا عَبْد اللَّهِ فأمرتني
بِالَّذِي هو خير لي في آخرتي، وأسلم فِي ديني، وأما أنت يَا مُحَمَّد
فأمرتني بِالَّذِي أنبه لي فِي دنياي، وشر لي فِي آخرتي ثُمَّ خرج
عَمْرو بن الْعَاصِ وَمَعَهُ ابناه حَتَّى قدم عَلَى مُعَاوِيَة، فوجد
أهل الشام يحضون مُعَاوِيَة عَلَى الطلب بدم عُثْمَان، فَقَالَ عَمْرو
بن الْعَاصِ: أنتم عَلَى الحق، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم- ومعاويه
(4/560)
لا يلتفت إِلَى قول عَمْرو- فَقَالَ ابنا
عَمْرو لعمرو: أَلا ترى إِلَى مُعَاوِيَةَ لا يلتفت إِلَى قولك! انصرف
إِلَى غيره فدخل عَمْرو عَلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ: وَاللَّهِ لعجب لك!
إني أرفدك بِمَا أرفدك وأنت معرض عني! أما وَاللَّهِ إن قاتلنا معك
نطلب بدم الخليفة إن فِي النفس من ذَلِكَ مَا فِيهَا، حَيْثُ نقاتل من
تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا إنما أردنا هَذِهِ الدُّنْيَا فصالحه
مُعَاوِيَة وعطف عَلَيْهِ
. توجيه عَلِيّ بن أبي طالب جرير بن عَبْدِ اللَّهِ البجلي إِلَى
مُعَاوِيَةَ يدعوه إِلَى الدخول فِي طاعته
وفي هَذِهِ السنة وجه علي عِنْدَ منصرفه مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى
الْكُوفَةِ وفراغه من الجمل جرير بن عَبْدِ اللَّهِ البجلي إِلَى
مُعَاوِيَةَ يدعوه إِلَى بيعته، وَكَانَ جرير حين خرج علي إِلَى
الْبَصْرَة لقتال من قاتله بِهَا بهمذان عاملا عَلَيْهَا، كَانَ
عُثْمَان استعمله عَلَيْهَا، وَكَانَ الأشعث بن قيس عَلَى أذربيجان
عاملا عَلَيْهَا، كَانَ عُثْمَان استعمله عَلَيْهَا، فلما قدم علي
الْكُوفَة منصرفا إِلَيْهَا مِنَ الْبَصْرَةِ، كتب إليهما يأمرهما بأخذ
البيعة لَهُ عَلَى من قبلهما مِنَ النَّاسِ، والانصراف إِلَيْهِ ففعلا
ذَلِكَ، وانصرفا إِلَيْهِ.
فلما أراد علي توجيه الرسول إِلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ جرير بن عَبْدِ
اللَّهِ- فِيمَا حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْحَسَنِ، عن عوانة-: ابعثني إِلَيْهِ، فإنه لي ود حَتَّى آتيه
فأدعوه إِلَى الدخول فِي طاعتك، فقال الاشتر لعلى:
لا تبعثه، فو الله إني لأظن هواه مَعَهُ، فَقَالَ علي: دعه حَتَّى ننظر
مَا الَّذِي يرجع بِهِ إلينا، فبعثه إِلَيْهِ، وكتب مَعَهُ كتابا يعلمه
فِيهِ باجتماع الْمُهَاجِرِينَ والأنصار عَلَى بيعته، ونكث طَلْحَة
وَالزُّبَيْر، وما كَانَ من حربه إياهما، ويدعوه إِلَى الدخول فِيمَا
دخل فِيهِ الْمُهَاجِرُونَ والأنصار من طاعته، فشخص إِلَيْهِ جرير،
فلما قدم عَلَيْهِ ماطله واستنظره، ودعا عمرا فاستشاره فِيمَا كتب بِهِ
إِلَيْهِ، فأشار عَلَيْهِ أن يرسل إِلَى وجوه الشام، ويلزم عَلِيًّا دم
عُثْمَان، ويقاتله
(4/561)
بهم، ففعل ذَلِكَ مُعَاوِيَة، وَكَانَ أهل
الشام- فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ يَذْكُرُ أَنَّ شُعَيْبًا
حَدَّثَهُ عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ- لَمَّا قَدِمَ
عَلَيْهِمُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ بِقَمِيصِ عُثْمَانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ- الَّذِي قُتِلَ فِيهِ مُخَضَّبًا بِدَمِهِ
وَبِأَصَابِعِ نَائِلَةَ زَوْجَتِهِ مَقْطُوعَةً بِالْبَرَاجِمِ،
إِصْبَعَانِ مِنْهَا وَشَيْءٌ مِنَ الْكَفِّ، وَإِصْبَعَانِ
مَقْطُوعَتَانِ مِنْ أُصُولِهِمَا وَنَصْفُ الإِبْهَامِ- وَضَعَ
مُعَاوِيَةُ الْقَمِيصُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَتَبَ بِالْخَبَرِ إِلَى
الأَجْنَادِ، وَثَابَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَبَكَوْا سَنَةً وَهُوَ
عَلَى الْمِنْبَرِ وَالأَصَابِعِ مُعَلَّقَةً فِيهِ، وَآلَى الرِّجَالُ
مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَلا يَأْتُوا النِّسَاءَ، وَلا يَمَسَّهُمُ
الْمَاءَ لِلْغُسْلِ إِلا مِنَ احْتِلامٍ، وَلا يَنَامُوا عَلَى
الْفُرُشِ حَتَّى يَقْتُلُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَمَنْ عَرَضَ
دُونَهُمْ بِشَيْءٍ أَوْ تَفْنَى أَرْوَاحُهُمْ فَمَكَثُوا حَوْلَ
الْقَمِيصِ سَنَةً، وَالْقَمِيصُ يُوضَعُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى
الْمِنْبَرِ وَيُجَلِّلُهُ أَحْيَانًا فَيَلْبَسُهُ وَعَلَّقَ فِي
أَرْدَانِهِ أَصَابِعَ نَائِلَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فلما قدم جرير
بن عَبْدِ اللَّهِ عَلَى علي- فِيمَا حَدَّثَنِي عمر بن شبة، قال:
حدثنا أبو الحسن، عن عوانة- فأخبره خبر مُعَاوِيَة واجتماع أهل الشام
مَعَهُ عَلَى قتاله، وأنهم يبكون عَلَى عُثْمَانَ، ويقولون: إن
عَلِيًّا قتله، وآوى قتلته، وانهم لا ينتهون عنه حَتَّى يقتلهم أو
يقتلوه فَقَالَ الأَشْتَر لعلي:
قَدْ كنت نهيتك أن تبعث جريرا، وأخبرتك بعداوته وغشه، ولو كنت بعثتني
كَانَ خيرا من هَذَا الَّذِي أقام عنده حَتَّى لم يدع بابا يرجو فتحه
إلا فتحه، وَلا بابا يخاف مِنْهُ إلا أغلقه فَقَالَ جرير: لو كنت ثمّ
لقتلوك، لقد ذكروا أنك من قتلة عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
فَقَالَ الأَشْتَر: لو أتيتهم وَاللَّهِ يَا جرير لم يعيني جوابهم،
ولحملت مُعَاوِيَة عَلَى خطة أعجله فِيهَا عن الفكر، ولو أطاعني فيك
أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لحبسك وأشباهك فِي محبس لا تخرجون مِنْهُ حَتَّى
تستقيم هَذِهِ الأمور.
فخرج جرير بن عَبْدِ اللَّهِ إِلَى قرقيسياء، وكتب إِلَى مُعَاوِيَةَ،
فكتب إِلَيْهِ يأمره بالقدوم عَلَيْهِ وخرج أَمِير الْمُؤْمِنِينَ
فعسكر بالنخيلة، وقدم عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ بمن نهض
مَعَهُ من أهل الْبَصْرَةِ
(4/562)
|